هباء منثور

هباء منثور


بقلم د محمد عباس
الشعب ١-١١-٢٠٠٢


محمد حسنين هيكل، أو اللورد هيكل، قيمة صحافية عربية كبيرة، مهما اختلفنا معه. وفى كتابه حرب الخليج :أوهام القوة والنصر كان قد اقترب من الفكر الإسلامي كما لم يقترب من قبل. حيث لخص الأمر كله بقوله" … وعندما بدأ الغرب المسيحي ( في القرن الخامس عشر) يلتف حول القلب العربي الإسلامي، كان الخليج بعيدا يواجه مصيره دون أن يلتفت إليه بالقدر الكافي أحد، كان القلب العربي الإسلامي (مصر وسوريا) يقف حاجزا دون الغرب(…) مرتكزا في الشرق على الدولة المغولية الإسلامية في الهند، ومستندا في الغرب على الدولة أو الدول الإسلامية في الأندلس. وحاول الغرب المسيحي في الحروب الصليبية كسر الحاجز عند القلب، ولكنه فشل واستدار إلى الأطراف، فإذا سقطت في يده أمكن تطويق القلب وكسر الحاجز و إزالته تماما …  وتحقق النجاح.."..
***
هكذا كان يرى الأزمة منذ عشرة أعوام، وكانت تلك نقلة نوعية كبيرة في فكر هيكل، لكنه عاد في حديث أخير له في فضائية خاصة مصرية لينقلب على كل ذلك، فلا شئ اسمه حروب صليبية ( الغرب هو الذي أطلق عليها هذا الاسم.. أما نحن فسميناها: حروب الفرنجة).. ولا عداء خاصا تحمله أمريكا للإسلام ولا للعرب، فهي تكاد لا تشعر بهم، وليس ثمة عداء حتى للعراق، وإنما فقط، وفى جزء من أجزاء النظرة الأمريكية الشاملة للعالم، أرادت أن تظهر العين الحمراء لليابان و ألمانيا والصين.. فقررت أن تحطم بلدا وتسحقه.. وبالصدفة البحتة كان هذا البلد هو العراق.. الذي قررت أمريكا ( دون أي تصورات مسبقة، ولا مؤامرات ولا خطط) أن تسحقه بالصدفة.
كان هذا التصور يتعمد الإذلال والمهانة للأمة، فضلا عن خطئه المطلق.
وللمرة الأولى ينقلب دراويش هيكل عليه، فيواجه بهجوم حاد من الناصريين.. وتلك على أي حال علامة صحة.
لقد تحدث هيكل مثل لورد إنجليزي، في بيان عملي مرير لأزمة المثقف حين ينفصل عن مجتمعه، ليكون كالطائر المحلق بعيدا، فلا يرى أرض الواقع الحقيقي ولا يراه ولا يفهمه من يعيشون الواقع.
***
أزمة هيكل تلخص أزمة الفكر القومي الذي وصل إلى طريق مسدود، فلم يعد الإسلام أحد عناصر الحشد كما أملوا لكنه تحول إلى العنصر الوحيد للمواجهة، وكان ذلك آخر شئ يمكنهم احتماله.
والأزمة تلخص إحساس ما بعد اليأس المطبق.
ولست أقصد هيكل بالتأكيد، لكني أذكّر باعترافات القوميين واليساريين أنفسهم، والتي يحاول معظمهم إخفاءها، لكن بعضهم نطق بها، في مجالات وصحف ومجلات عديدة، من أنهم بعتبرون الإسلام ( دعك من الصفة التي يضعونها بعد الإسلام) أخطر عليهم من إسرائيل.
هيكل ليس مثلهم، لكنه في ذات الوقت بجد نفسه هائما فى الفراغ بعد أن خذله فكره، وانهارت القومية التي بني عليها دعاواه، وافتضحت كل صفات الإجرام والخسة فى العالم الشرقى والغربي، اللذان شكلا جناحيه اللذين حلق بهماـ أو توهم أنه حلّق، لينقشع الضباب، وليكتشف أنه يغوص في بحار اليأس، وليس لديه وسيلة إنقاذ لا يملكها إلا الإسلام.
***

نعم ..  وصل هيكل الآن إلى مرحلة ما بعد اليأس.. أما مرحلة اليأس نفسها فقد عايشتها في لقاء معه منذ أربعة أعوام.. حين راح  في خيال فاجع مروع ورهيب يقول:
- هل تعرف نبات ورد النيل ؟!..
 - نعم..
- ذلك النبات الأخضر القاتم الكثيف الذي ينمو في النيل؟!..
- أعرفه جيدا …
- تقطعه رفاسات المراكب النيلية الضخمة.. تمزقه … تتجمع أشلاؤه في كريات تتضخم بترسب الطمي والعوالق عليها حتى تصبح في حجم كرة القدم … يسوقها الموج أمامه … وتحت هجير الشمس ورطوبة الماء يتحول اللون الأخضر القاتم إلى لون أسود…. ملايين وملايين من الكرات الطافية  تدفعها الأمواج حتى تصل إلى القناطر الخيرية فتحجزها خلفها … ملايين وملايين … لا تستطيع التقدم إلى أمام ولا العودة إلى الوراء … لكنها في نفس الوقت تتحرك كما لو كانت  كائنات حية : تعلو خمسة سنتيمترات إلى أعلى أو تهبط خمسة سنتيمترات إلى أسفل وتتقدم ربع متر إلى الأمام أو تتقهقر نفس المسافة إلى الوراء أو اليمين أو الشمال حين يدفعها للتصادم والتخبط الموج الهادئ وارتداداته …
روعني الخيال المروع وحدست ما سوف يقوله فتجنبت النظر إلى عينيه بعد أن تخيلت دموعهما ..
وواصل هو بعد صمت مشحون متوتر:
-      عندما أمر على القناطر، و أنا في سيارتي، أنظر من أعلى إلى تلك الملايين من الكرات.. فيخيل إلىّ أنها رؤوس العرب المجذوذة تتدافع عائمة في النهر الذي ألقيت فيه بعد المذبحة  لا تملك من أمر نفسها إلا الاستجابة الميتة لحركات الموج …
***
كانت الفكرة المروعة لا تمثل في الواقع نهاية العرب والمسلمين، بل كانت تمثل في الواقع نهاية فكرة القومية كإحدى حلقات التغريب بالفشل الكامل.
أما هيكل، والذي يحظى بشعبية لا يحظى بها صحافي عربي، فقد تنكر للفكر الذي خذله( ولا أقول  لسلطات أنكرته)، وتوقف عن التفكير كقومي عربي، فراح يطرح الأمر كما يمكن أن يطرحه لورد إنجليزي، يحمل قدرا هائلا من الازدراء للمنطقة بأسرها، و إن لم يمنعه هذا الازدراء من العطف عليها.
***
ومن حسن حظه أن الأمر لم يطل بعد حديثه ذاك الذي قلب أنصاره عليه، ففي نفس الأسبوع كان يلقى محاضرة في الجامعة الأمريكية، وفى هذه المحاضرة اخترق جدار المحظور، فتحدث عن أزمة الخلافة في مصر، منوها - في ذكاء ليس من العسير إدراك مراميه- إلى تأكيد الرئيس مبارك نفسه، وكذلك تأكيد نجله، على استحالة توارث السلطة في مصر، لكنه يقرر أن هذا غير كاف لطمأنته، فالشرعية التي حظي بها عبد الناصر والسادات والتي تمخضت عن الانتقال السلمي للسلطة لم تعد الآن موجودة، فقد كان طبيعيا للمصريين أن يرحبوا بالسادات بعد عبد الناصر، ثم بمبارك بعد السادات، لكن الأمر يختلف الآن، بل قد يودي بمصر إلى نهاية مروعة تتمثل في حرب أهلية كالجزائر. و أنه يناشد مؤسسة الرئاسة أن تتدارك هذا الأمر.
***
طوفان الغضب الذي واجه هيكل بعد حديثه الأول انحسر على الفور، وعاد الإعجاب به بين مريديه، أما مصر الرسمية فقد كشرت له - وللقناة التي أذاعت حديثه - عن أنيابها. حتى ثارت أقوال بضرورة إغلاقها، لا بسبب هيكل بالطبع.. بل بسبب عدم احتشامها.. رغم أن القنوات الرسمية ليست أكثر احتشاما منها.

***
منذ شهور ثلاثة، كان هيكل قد أقام الدنيا  ولم يقعدها حين تحدث عن ترتيبات أمنية تلزم مصر بمواجهة المقاومة الفلسطينية.
وقررت السلطة معاقبته بإعادة مسلسل تليفزيوني يتناول شخصية صحافي مصري انتهازي ومرتش ومسطح وعميل، بدأ نجمه في السطوع قبيل ثورة يوليو ثم اكتمل التماعه معها..  وقد حشدت مصر الرسمية للمسلسل كل قوتها وفنونها، فقد أنتجته الدولة، وكلفت به أكبر مخرجيها وممثليها لتعرضه في وقت الذروة.
العجيب، والمضحك ذلك الضحك الأقسى من البكاء أن مؤلف المسلسل هو كاتب الرئيس السادات الأول" موسى صبري".. أما ما يثير البكاء دون ضحك أن المسئول عن مراجعة المادة التاريخية في المسلسل هو مؤرخ السادات الأول" الدكتور عبد العظيم رمضان" ..
***
رحت أتأمل ذلك كله في أسى بالغ قائلا لنفسي أن الإسلام يثبت أن كل المعارك التي تدور خارج إطاره - بغثها وسمينها- مجرد هباء منثور تذروه الرياح.

***

الاتجاه المعاكس..


قد نتفق وقد نختلف مع الدكتور فيصل القاسم، المسئول الأول عن برنامج قناة الجزيرة ذائع الصيت : " الاتجاه المعاكس"، لكن اتفاقنا أو اختلافنا لن يمنعا من إقرارنا بشدة ذكائه ولا بحرفيته العالية في برنامجه الشهير.
منذ أعوام، شنت عليه الصحافة  المصرية هجوما عنيفا بتهمة الهجوم على مصر، وكان السبب الحقيقي هو استضافته لبعض الشخصيات المصرية المعارضة، وقد وصل الأمر إلى فجاجة لا تتصور من أفراد، بله من دولة، حين قامت هذه السلطات بطرد أخيه – المطرب من مصر- انتقاما منه وضغطا عليه كي يكف عن استضافة الشخصيات المعارضة..
وانتقم فيصل القاسم انتقاما شديد الذكاء والطرافة، فقد أسرف في استضافة الشخصيات التي تؤيد السياسة المصرية، وكان هؤلاء أشد وبالا من الشخصيات المعارضة، فعلى الرغم من كل شئ كان ظهور شخصيات معارضة تدين النظام ثم تعود إلى البلاد آمنة، دعاية لهذا النظام، وستارا ديموقراطيا مهما بلغت رقته واهتراؤه. لكن الشخصيات المؤيدة التي استضافها البرنامج كانت وصمة عار للنظام، فقد كانت ضحالتها وفجاجتها وسوقيتها تفوق كل تصور، وكانت بحد ذاتها  فضائح متحركة وعورة يجب أن تخفى لا أن تُعرض على الملأ. وكانت دليلا لا يدحض، على أن نظاما هؤلاء هم أعوانه، هو نظام لا بد أن يُعارض. وكان أطرف ما في استضافتهم أن الجميع أدرك حجم الإساءة البالغة- لمصر-  التي سببها ظهورهم ، لكن لم يكن يمكن لأحد أن يعترض أو أن يعلن عن غضبه.
ورغم أن هذا التصرف من الدكتور فيصل القاسم قد أساء لمصر أكثر مما تستحق، وشوه موقف الأمة فيها، بآراء لا تعبر عنها، بل و أظهر أحيانا على خلاف الواقع أن مصر كلها مجموعة من المطبعين المتأمركين المتخلفين والمجترئين على الدين، ولم يكن ذلك بالتأكيد صحيحا، فضلا على أنه كان جارحا، وبالرغم من ذلك  فقد كنت لا أستطيع مقاومة الابتسام كلما تذكرت طرافة الانتقام.
     وكان لدى كنز ثمين أراجعه كلما ظهرت إحدى هذه الشخصيات المؤيدة على قناة الجزيرة، هذا الكنز هو كتاب لم ينشر بعد، مكتوب على الآلة الكاتبة، وبعض فصوله مكتوبة بخط المؤلف، وهو الصحافي أسامة عرابي، الذي نشر هذا الكتاب كمقالات في صحيفة المحرر التي  تصدر في فرنسا باللغة العربية.
اسم الكتاب : فئران البراميل  و يقول الكاتب في مقدمته :
 " في مصرنا المحروسة باللصوص والأفاكين الآن، نمطان لا ثالث لهما من الكتاب والصحفيين : أحدهما لا بد يعمل مع أجهزة الأمن التي تنهض بمهمة تعيينهم ودفعهم دفعا في سلم الصعود والترقي، بعد أن امحت تماما الحدود الفاصلة بين عمل المخبر الصحفي والمخبر السري. والنمط الثاني يستمد نفوذه وقوته من علاقاته المشبوهة بقوى كونية مهيمنة على مقدرات البلاد والعباد وهى - بلا ريب - أمريكا ومن ورائها إسرائيل. أما من ارتضى لنفسه الاختيار الصعب، وهو أن يعيش شريفا عفيفا، صاحب مبدأ وموقف، فمكانه الأوحد الانزواء في غياهب النسيان، أو الملاحقة والمطاردة في لقمة عيشه، والمقامرة بمستقبل أبنائه.
***
كشف لي الكتاب عن معلومات صادمة، كما نبهني لأسماء بعض ضباط الأمن، الذين يكتبون في أكبر الصحف، وفى منتديات الشبكة الإليكترونية، كما أن المعلومات المتداولة على الشبكة قد كشفت اختراق بعض هؤلاء الضباط  لمنتديات إسلامية عديدة، حيث يتعاملون بأسماء مستعارة، كالطبري والزمخشري و ابن كثير. الأمر الذي يمكنهم من معرفة أسرار هذه المنتديات وروادها، وكان أحد هؤلاء ضابط اسمه نبيل شرف الدين، حيث تبادلت المنتديات التحذير منه بعد كشفه، وفوجئت أنه  يكتب في الأهرام والحياة والشرق الأوسط في نفس الوقت، بتغيير بسيط في اسمه في كل واحدة منها!!..
***
في الحلقة الأخيرة من برنامج الاتجاه المعاكس  ذهلت، فقد كان أحد ضيفي البرنامج هو: نبيل شرف الدين..!!
ورجعت علي الفور إلى كتاب فئران البراميل لأقرأ:
" لقد بتنا نشهد اليوم ونرى  بأم أعيننا كيف تتحول المعالجة البوليسية والبيانات الرسمية القائمة على التضليل والتزييف والجهالة،  فضلا عن قرارات الاتهام المباحثية، الجزافية، إلى تحقيقات صحفية فاجرة لا تني تعلن عن تحريات عملائها،  و إلى تحليلات مدعاة تتخذ لنفسها سمة الوقاحة والاجتراء على الحق، إلى حد الاستعانة بضباط أمن الدولة المحترفين لتقديم ونشر تقاريرهم الملتاثة، التي يحصلون عليها من مصادر شتى على الملأ، و بأسمائهم الحقيقية لا الكودية: راجع ما يكتبه بمجلة روز اليوسف ضابط أمن الدولة المسئول عن منطقة مصر القديمة : " نبيل شرف الدين" على سبيل المثال لا الحصر، والمعروف عنه فشله في دخول  كلية الآداب أو الإعلام للعمل كصحفي، وذلك لضآلة مجموعه الذي حصل عليه في شهادة الثانوية العامة، فدخل كلية الشرطة بالواسطة، ولم يجد من موضوعات يدبجها سوى تقاريره المباحثية المفعمة بالزيف والإفك والبهتان.
***
حتى فيصل القاسم قد فقد أعصابه إزاء التسطيح والمغالطة التي لجأ إليهما المحاور فصرخ فيه:
 - أنت قلت أنك باحث في الشئون الإسلامية لكن يبدو أنك لا تعرف أي شئ عنها.. قل شيئا.. أنت لم تقل حتى الآن شيئا مفيدا..
ويبدو أن حرفا قد سقط من مسامع فيصل القاسم ، فالرجل ليس " باحث" و إنما "مباحث"!!.
وناداه فيصل مرة بلقب : " دكتور" وعدت إلى أسامة عرابي لأقرأ كيف فتحت السلطة خطوط اتصال قوية مع كليتين جامعيتين  مصريتين لمنح الشهادات لرجال الأنظمة.
ومرة أخرى نفد صبر فيصل القاسم فهتف في الرجل:
 - لقد قلت لي قبل البرنامج أنك ألفت عشرات الكتب عن الشئون الإسلامية.. قل شيئا مفيدا منها.. و.. هل أنت فعلا مؤلف هذه الكتب..
ورد الرجل في سخرية مبتذلة:
 - لا.. الجيران هم الذين ألفوها.
وتخيلت في مرارة طافحة أنه في أول زيارة لفيصل القاسم إلي القاهرة، سوف يلقى القبض عليه، ليُعذب في مقر أمن الدولة بمصر القديمة.
***
بمرارة أيضا تابعت مداخلات بالغة العمق للأستاذين ياسر الزعاترة وعصام العريان، ورحت أناجيهما في مرارة: لو أنكما تعلمان من الأمر ما أعلم لما تعاملتما بهذا الجد كله مع موقف يشكل هذا الهزل كله.
وبرغم تقديري لشخصيهما، إلا أنني كنت حزينا من استدراجهما لإدانة تنظيم القاعدة و أحداث 11 سبتمبر. فمثل هذا الاستدراج  هو الخطوة الأولي إلى الهاوية.
فلا بالدين ولا بالعقل يمكن أن نجد مبررا لتلك الإدانة.
دعكم من موقفى أنا، الذي عبرت عنه في أكثر من مقال، حيث يملأني اليقين – رغم صراخ الشياطين  - أن الشيخ أسامة بن لادن رضي الله عنه ونصره و أرضاه، إنما هو من إخوان رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أخبرنا عنهم في حديثه الشريف: " ليتني قابلت إخواني.."
دعكم من ذلك، ودعكم أيضا من أسانيدي الفقهية..
ودعكم كذلك مما ينبئني به عقلي، أنه لا سبيل لمواجهة القرصان الغبي المجرم جورج بوش إلا بمنهج الشيخ أسامة.. فمنهجه هو الذى سينقذ – بمشيئة الله – حتى أولئك الذين يدينونه اليوم.
دعنا من كل ذلك.. ولنؤصل الأمر من منظور ديني فقط.. هل اتفق علماء الدين على خطأ الشيخ أسامة .. لا أسأل عن العدد رغم أنني واثق أنه يؤيد فكرتي.. لكنني أسأل عن مجرد الاختلاف.. الذي يؤدي بنا علي الفور إلي القاعدة الفقهية: لا اختلاف فيما فيه خلاف.
لقد اجتهد الرجل..
دعكم من رأيي أنا.. حيث أحسبه ولا أزكيه علي الله من أولئك الذين يضاعف الله حسناتهم بغير حساب..
دعكم من ذلك.. ولأفترض، ليس لمجرد الجدل، و إنما لدفعكم عن هاوية توشكون على الوقوع فيها.. لنفترض أنه أخطأ.. أليس له أجر..؟!
***
لشدما أوجع قلبي اندفاع من أحترمهم للتبرؤ من 11 سبتمبر واستنكاره، وتذكرت على الفور موقف بلال بن رباح رضي الله عنه عندما عبره أحد بأذنه المقطوعة فإذا به يجيبه: خير أذنيّ سببت، فوالله لقد فقدتها في سبيل الله..
أحذر من أحترمهم، من الاندفاع فى ذلك التيار، و أخشي أن يفتنهم الشيطان، ليحسبوا أنهم بذلك يدفعون عن الإسلام تهمة الإرهاب، ولم  تكن مشكلتنا أبدا أننا نمارس الإرهاب ( أرجو قراءة الرسالة الدامية  للقارئ منصور حلب فى بريد القراء والتى يحصي فيها عدد من قتلهم الغرب منا فى القرنين الأخيرين: ثلاثمائة مليون مسلم) ، لم تكن مشكلتنا أننا مارسنا الإرهاب، بل كانت مشكلتنا أننا لم نعد جيدا ما نرهبهم به، وما نردعهم عن ارتكاب جرائمهم المروعة ضدنا.
كانت مشكلتنا كذلك..
وهى الآن كذاك..
وغدا أيضا ستكون كذلك..
ولن يوقفها إلا أن يكون ولي أمر المسلمين واحد من إخوان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
***
لشدما أوجع قلبي، أن العقيد نبيل شرف الدين كان يهدد متوعدا ، فتنهال الفتاوي..
والرجل لم يكن يحتاج إلى فتوى .. بل إلى قرار..
ولم يكن نحتاج إلى أن نقول له قال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم بل أن يقال له : قال السيد الوزير.. وقال الشيخ طنطاوي..!!

***
رحت أتساءل في دهشة عما إذا كانت أجهزة الأمن قد قررت أن تتخلى عن الستار الذي كان يحجبها لتكتب في الصحافة ولتدفع بضباطها للحوارات المباشرة، وقلت لنفسي أن ذلك أفضل على أي حال، فقد لعب غلمان الأمن من الكتاب دورا مخيفا في خداع الأمة.. التى كانت تتصور أنها تقرأ ما تجود به قريحة كاتب.. وليس تقارير رجل أمن..!!
***
وقلت لنفسي في أسى أن الكفر ملة واحدة، في الستينات كانت وصمة العار الكبرى التي يتهم بها نظام أن يُتهم بعمالته للمخابرات الأمريكية، الآن يأتي ضابط من المخابرات الأمريكية فيخر له الملوك والرؤساء العرب ساجدين، ويفخرون به، وعلى نفس المنوال كان أقسى اتهام بمكن أن بوجه لكاتب هو علاقته بأجهزة الأمن، الآن يفخرون بذلك، بل تقدم أجهزة الأمن ضباطها ككتاب وكصحفيين ومحاورين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
***
ورغم المرارة الطافحة فلم أستطع مقاومة إعجابي بفيصل القاسم.. لقد كشف ضحالة التفكير وسطحية التحليل وحجم المغالطات التي تتسم بها هذه الأجهزة.. و لقد أخذ منهم الحبل الذي أصروا على إعطائه له – فإن رفض صار عدوا لمصر وطردوا أخاه مرة أخرى- .. أخذ الحبل  ليلفه – بمنتهى الذكاء – حول أعناقهم.. إذ لم أتصور قط أنه لم يكن يعلم أن ضيفه في برنامج الاتجاه المعاكس : عقيد في مباحث أمن الدولة المصرية!!..


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتابي: الجزء الأول

أيهم أولى بالاتباع: علماء السلاطبن فقهاء الخليج أم هؤلاء.

بعد مائة عام