ماهو الحل

ما هو الحل

كثيرا ما تواجهنا وجوه العلمانيين المتغربين الحداثيين الكالحة بسؤال يتصورونه معجزا: ما هو الحل..

أتضنيك الإجابة عن هذا السؤال يا أمة؟..

المأساة أن الحل أمامك  طيلة الوقت لكن عميت بصائرنا..

الحل لن تجود به قريحة كاتب.. ولا عبقرية مفكر..  الحل موجود.. كان موجودا دائما وسيظل موجودا أبدا .. حل لو اتبعناه لن نضل أبدا ..

كتاب الله وسنة رسوله..

الحل موجود .. ونحن الغائبون..

الحل أن نفهم أننا لا نختار الإسلام لأنه يحل لنا مشاكل الدنيا، بل إننا نتجاوز شعار: "الإسلام هو الحل"  لكى نقول : بل حتى  لو لم يكن الإسلام هو الحل لمشاكل الدنيا فلا اختيار لنا سـواه..

نعم .. ليس ثمة اختيار إلا الإسلام..و أن سياستنا وحياتنا واقتصادنا وعلمنا وعملنا وحربنا وسلمنا يجب أن تسير فى اتجاهه..وكذلك ثقافتنا.. ثقافتنا التى تقدس ربنا فلا رب لنا سواه.. ولا منتهى لنا إلا عنده.. ثقافتنا المؤمنة.. ثقافتنا التى لا تبجل كتابا فى الدنيا كما تبجل كتاب الله.. ثقافتنا التى  تحترم ديننا ونبينا وأسلافنا الصالحين .. وتعتز بهـم .. وتتيه فخارا على العالمـين..

الحل أن نتقدم.. لا لكى نحمى الإسلام.. بل أن نلوذ به ليحمينا..

الحل أن نتقدم لمواجهة مستقبلنا مسلحين بذخيرة ماضينا..

***

يقول الشيخ صفى الرحمن المباركفورى فى ( الرحيق المختوم ) لما تكاملت الدعوة وسيطر الإسلام أخذت طلائع التوديع للحياة والأحياء تطلع من مشاعره صلى الله " وسلم، وتتضح بعباراته وأفعاله .

فاعتكف فى رمضان من السنة العاشرة عشرين يوما، بينما كان لا يعتكف إلا عشرة أيام فحسب ، وتدارسه جبريل القران مرتين .

وقال فى حجة الوداع : إنى لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا بهذا الموقف أبدا..  وفى أوائل صفر من السنة الحادية عشرة خرج صلى الله عليه وسلم إلى أحد..  لف على الشهداء كالمودع للأحياء والأموات ، ثم انصرف إلى المنبر، فقال :(إنى فرطكم ، وإنى شهيد عليكم ، وإنى والله لأنظر إلى حوضى الآن ، وإنى أعطيت  مفاتيح خزائن الأرض ، أو مفاتيح الأرض ، وإنى والله ما أخاف أن تشركوا بعدى ، ولكنى أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها).. وعرض صلى الله عليه وسلم نفسه للقصاص قائلا : من كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهرى فليتسقد، ومن كنت شتمت له عرضا، فهدا عرضى فليستقد منه .. ثم قال : ( إن عبدا خيره الله أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده ، فاختار ما عنده .)

قال أبو سعيد الخدرى : فبكى أبو بكر رضى الله عنه وقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فعجبنا له..

تنافسنا بعدك يا رسول الله ..

خلقنا الله شعوبا لنتعارف لا لنتعارك لكننا تعاركنا ..

بل وأشرك الكثيرون منا ..

فهل تؤمنين حقا يا أمة ..

هل تؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره؟..

هل ما زلت تؤمنين بأن الله أقوى من كلينتون؟!..

وبأن وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم ما زالت أجدر بالاتباع من وصايا النظام العالمى الجديد..

منذ زمان طويل لم تعودى ترين الله يا أمة .. فهل ما زلت تؤمنين أنه يراك؟!..

أريحى قلبى يا أمةً  شرار الناس فيها في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً.. أريحى قلبى فأجيبى: كيف يمكن أن تؤمنى بالبعث ثم تعزلين الحياة الدنيا عن الآخرة..

أم أن ما أنزل به خاتم النبيين ليس إلا أساطير الأولين..

هل تؤمنين يا أمة بالصور..؟

ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض ..

حين ينفرد الحي القيوم الذي كان أولاً، وهو الباقي آخراً بالديمومة والبقاء، ويقول:

لمن الملك اليوم؟..

لمن الملك اليوم؟..

لمن الملك اليوم؟..

 ثم يجيب نفسه بنفسه فيقول:

 للّه الواحد القهار..

هل ما زلت تؤمنين يا أمة بأنه : فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة؟..

هل تؤمنين بأنه : ثم ينفخ أخرى فإذا هم  قيام ينظرون، ثم يقال: أيها الناس هلموا إلى ربكم {وقفوهم إنهم مسؤولون}: {ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذ أنتم تخرجون}.

هل تؤمنين يا أمة أنه فى ذلك اليوم ذى الأياويم يقال : أخرجوا بعث النار، فيقال: كم؟ فيقال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون..

هل تؤمنين بالبعث حقا يا أمة؟!..

حين يتجلى الله علينا ..

وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون..

ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون..

فهل تؤمنين يا أمة بلغها رسولها الأمانة وأدى الرسالة..

رسول خُيّرَ بين أن يكون رسولا ملكا أم رسولا عبدا فاختار العبودية للربوبية.. رسول تذكر فى سكرات الموت أن عنده   سبعة دنانير، فراح يأمرهم بالصدقة بها، ثم يغمى عليه ، فينشغلون بوجعه ، فدعا بها، فوضعها فى كفه وقال :

(ما ظن محمد بربه لو لقى الله وعنده هذه ) ثم تصدق بها كلها.

يا خلفاء محمد والأمناء على دينه ما بالكم بسبعة ملايين.. بسبعمائة مليون.. بسبعمائة مليار .. بثمانمائة مليار نهبتموها من أمتكم يا كلاب النار يا حطب جهنم وأودعتموها عند أعداء الله يستقوون بها علينا ..

فى سكرات الموت ثقلت عليه سبعة دنانير وأنتم فى غمرات الحياة لا تأبهون لا بالمليارات ولا بأمتكم..

كيف نسيت تاريخ نبيك يا أمة..

ثمانمائة مليار دولار حجم الودائع العربية فى بنوك الغرب و أهلنا فى فلسطين والشيشان والفليبين وكشمير والصومال و.. و.. و.. يتضورون جوعا..

كيف نسيتم فحوى ورمز ما قالته أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها ..ففى سكرات الموت ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أصلى الناس ؟ فقالت : لا ، هم ينتظرونك يا رسول الله . فقال : ضعوا لى ماء فى المخضب (وهو إجانة تغسل فيها الثياب ) . ففعلوا ، فاغتسل ، ثم ذهب لينوء (ينهض) فأغمى عليه ، ثم أفاق ، فقال : أصلى الناس ؟ فقالوا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله . قالت : والناس عكوف فى المسجد ينتظرون رسول الله لصلاة العشاء فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبى بكر أن يصلى بالناس .. حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف ، فكشف النبى صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ينظر إليهم وهو قائم كان وجهه ورقة مصحف ثم تبسم يضحك فهموا أن يفتتنوا من الفرح برؤيته   فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن النبى صلى الله عليه وسلم خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا النبى صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم وأرخى  الستر ودخل فجعل يدخل يده فى إناء به ماء  فيمسح بها وجهه وبقول لا إله إلا الله إن للموت لسكرات ثم نصب يده فجعل  يقول فى  الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده صلى الله مليه وسلم ..

هكذا كان اهتمام رسولنا صلى الله عليه وسلم بالصلاة عماد الدين وهو فى سكرات الموت..

أحد علوجنا صرخ عندما نودى للصلاة فى مجلس مزور .. صرخ يمنع الصلاة.. صرخ الأتاتوركى المسلم قائلا أن العمل صلاة.. و أن اجتماع المجلس صلاة.. اجتماع المجلس بمن فيه من المزورين اللصوص تجار المخدرات صلاة.. وصرخ الأتاتوركى يقول لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين فكيف خضعت إن كنت تؤمنين يا أمة؟!..

عندما قبض الرسول افتتن الناس قائلين: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم عمر، وخرس عثمان، واستخفى علي، واضطرب الأمر فكشفه الصديق ..تصف أم المؤمنين عائشة ما حدث.. إذ لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الناس يقولون: لم يمت النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو بعض ما كان يأخذه عند الوحي. فجاء أبو بكر فكشف عن وجهه وقبل بين عينيه وقال: أنت أكرم على الله من أن يميتك مرتين. قد والله مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر في ناحية المسجد يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يموت حتى يقطع أيدي أناس من المنافقين كثير وأرجلهم. فقام أبو بكر فصعد المنبر فقال: من كان يعبد الله فإن الله حي لم يمت، ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين". قال عمر: "فلكأني لم أقرأها إلا يومئذ". ورجع عن مقالته التي قالها ..

لماذا انقلبت على أعقابك يا أمة..

لماذا عبدت طواغيت الأرض..

لماذا استسلمت لهم ..؟

هل نسيت أم أنسيت..؟

هل ضللت أم أضللت؟..

"كل نفس ذائقة الموت" يا أمة..

"إنك ميت وإنهم ميتون" يا أمة..

وخرج الناس يوم قبض الرسول صلى الله عليه وسلم يتلونها في سكك المدينة، كأنها لم تنزل قط إلا ذلك اليوم.

فلماذا لا تتلينها الآن يا أمة؟!..

لماذا نسيت واستسلمت لطغاتك ..

لماذا تركتيهم يشوهون تاريخك الوضىء المضىء الباهر..

لماذا نسيت آخر ما كتبه الصديق رضى الله عنه:

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر فى آخر عهده بالدنيا خارجا منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلا فيها حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب إنى أستخلف بعدى عمر بن الخطاب ، فاسمعوا وأطيعوا فإنى لم آل الله ورسوله ودينه ونفسى إياكم خيرا، فإن عدل فذلك الظن به ، وعلمى فيه ، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب ، والخير أردت ، ولا علم لى بالغيب وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

وفى سكرات الموت دخلوا على أبى بكر ، فقالوا : يا خليفة رسول الله ألا ندعو لك طبيبا ينظر إليك ؟ قال : قد نظر إلى . فقالوا ؟ ما قال لك ؟

 قال : قال إنى فعال لما أريد. ثم سأل أى يوم هذا؟ قالوا : يوم الاثنين . قال : فان مت من ليلتى فلا تنتظروا بى لغد فان أحب الأيام والليالى إلى أقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم..

كان صديقا لله وللرسول لا للغرب والشيطان..

***

آهٍ يا أمة عميت بصائرها واستخف بها الطواغيت فأطاعتهم..

لماذا لم تتأملى يا أمة – فى وصية أبى بكر رضى الله عنه - أنه حتى عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان مرهونا بعمله..

لماذا تركت حكامك وطغاتك وجلاديك وملوكك ورؤساءك يرزحون على صدرك يخنقون دينك دون أى برنامج يعدون حتى به ولا ينفذوه..

لماذا لم يذهب شيوخنا وفقهاؤنا ومفكرونا وزعماء التنوير فينا ليقولوا لأى حاكم ما قاله أبو بكر لعمر رضى الله عنهما وهو فى سكرات الموت:

اتق الله يا عمر ، واعلم أن لله عملا بالنهار، لا يقبله بالليل ، وعملا بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حنى نؤدى فريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق فى دار الدنيا وثقله عليهم ، وحق لميزان لا يكون فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه باتباعهم الباطل ، وحق لميزان لا يكون فيه إلا الباطل أن يكون خفيفا.

فلماذا خفت موازينك يا أمة؟..

لماذا لم تواجهى شيوخك الذين ضلوا وأضلوا بهدى الحاخامات لا بهدى الله .. لماذا لم تذكريهم بذلك الذى ذهب إلى ابن الخطاب رضى الله عنه وهو يعالج سكرات الموت يقول:

أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم فى الإسلام ما قد علمت ، ثم وليت فعدلت ، ثم شهادة .

فيرد عليه أمير المؤمنين :

 وددت أن ذلك كفاف لا علىّ ولا لى .

قال عثمان بن عفان : أنا آخركم عهدا بعمر، دخلت عليه و رأسه فى حجر ابنه عبد الله ، فقال له : ضع خدى بالأرض . قال عبد الله : فهل فخذى والأرض إلا سواء؟ قال عمر : ضع خدى بالأرض عسى الله أن ينظر إلى فيرحمنى. قال عثمان : وسمعته يقول : ويلى وويل أمى إن لم تغفر لى حتى فاضت نفسه .

عمر..

عمر رضى الله عنه ينشد رحمة وغفرانا من الله لم ينشدها من ملوكنا ملك ولا من رؤسائنا رئيس ولا من أمرائنا أمير..

لماذا لم تذكّرى – يا أمة- فقهاء قانونك ووضاع دستورك وقضاتك وشرطتك  بأن احتمال خطر قد يلحق بحاكم لا يسوغ ترويع الرعية وقتلهم أو اعتقالهم وحبسهم وترويعهم.. لماذا لم تذكريهم بما حدث عندما اشتد الحصار على الخليفة ذى النورين أمير المؤمنين حاكم نصف العالم المعمور عثمان بن عفان رضى الله عنه  فتوجه إليه على بن أبى  معتما بعمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدا سيفه أمامه الحسن وعبد الله بن عمر فى نفر من المهاجرين والأنصار، ولم يستطيعوا الدخول حتى حملوا على الثوار وفرقوهم .

ثم دخلوا على عثمان فقال له علىّ رضى الله عنه :

- السلام عليك يا أمير المؤمنين ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلحق هذا الأمر حتى ضرب بالمقبل المدبر وإنى - والله – لا أرى القوم إلا قاتلوك ، فمرنا فلنقاتل.

فقال عثمان :

- أنشد الله رجلا رأى الله حقا، وأقر أن لى عليه حقا أن يريق فى سبيلى ملء محجمة من دم، أويهريق دمه فىّ .

فلينحن التاريخ إكبارا ولتتنحوا يا حطب جهنم..

فلينحن التاريخ إجلالا ولتخسئوا يا من اتهمتم ماضينا وشوهتم تاريخنا ولوثتم حاضرنا ..

فلينحن التاريخ إكبارا يا صغار..

خليفة الأرض محاصر وأعوانه وأتباعه وأصحابه قادرون على القتال لفك الحصار عنه لكنه يأمرهم ويناشدهم الله ألا يريق ملء جفنة من دم .. تساوت أمامه دماء المسلمين ..فهو يرفض أن يكون الدم المهراق دم عدو أو صديق..

اشهد يا ذا النورين واشهد يا على.. واشهد يا محمد صلى الله عليك وسلم أن جفنة الدماء تلك تبذل اليوم لكتابة وثيقة مبايعة..

اشهدوا ودعونى أصرخ : أين إيمانك بالله يا أمة؟..

أين عقيدة التوحيد..

يا أمة حولت المطلق إلى نسبى والنسبى إلى مطلق..

ويلح على رضى الله عنه فى الرجاء ويعيد  على الخليفة أمير المؤمنين ملك الأرض..  فيجيبه بمثل ما أجابه ..

كم مائة ألف معتقل اعتقل منك يا أمة اتقاء لاحتمال خطر- معظمه هواجس الشيطان فى أضابير رجال الأمن- على الملك الرئيس الأمير..

كم ألف شهيد قتلوا يا أمة باتهامات زور ستر زورها القضاء بأحكامه ..

وكم ألف شهيد قتلوا دون أحكام قضاء..

وكم عشرة آلاف عذبوا وروعوا وسفكت دماؤهم واغتصبت أعراضهم..

كم وكم وكم.. قُدِّموا قرابين إلى الشيطان القابع فى واشنطن بعد أن أصبح المسوغ الوحيد لاستقرار بعض الحاكم فى مقاعدهم أن يبرهنوا للحضارة الصليبية اليهودية أنهم يحمونها من خطر الإسلاميين.. والمسلمين.. حكام عادوا بنا القهقرى إلى عصور الجاهلية فباتوا كحكام الغساسنة وأهل الحيرة.. يتواطئون مع أعداء العرب على العرب..

كم ألفا وكم عشرة آلاف وكم مائة ألف لم يحاصروا بيت الرئيس الملك الأمير ولم يمنعوا عنه الماء كما فعلوا مع الخليفة ذى النورين ملك الأرض.. فلا يملك إلا أن يستجد بعلى رضى الله عنه الذى يناضل لإدخال ثلاث قرب إلى الخليفة العطشان..

ودخل أبو قتادة ورجل آخر على عثمان وهو محصور، فاستاذناه فى الحج ، فأذن لهما، فقالا له: إن غلب هؤلاء القوم فمع من نكون ؟

قال : عليكم بالجماعة .

قالا: فإن كانت الجماعة هى التى تغلب عليك ، فمع من نكون ؟

قال : فالجماعة حيث كانت .

انحن يا تاريخ أمام العظمة الإنسانية ..

هذا عبد أواب لله لا عبد خوار للغرب والشيطان..

إن الرجل لا يهمه إلا وحدة المسلمين حتى لو كانوا الثوار المنشقين عليه..

فخرجنا، فاستقبلنا الحسن بن على عند باب الدار داخلا على عثمان ، فرجعنا معه لنسمع ما يقول ، فسلم على عثمان ثم قال :

-  يا أمير المؤمنين مرنى بما شئت .

فقال عثمان :

- يا ابن أخى ارجع واجلس حتى يأتى الله بأمره .

فخرج وخرجنا عنه ، فاستقبلنا ابن عمر داخلا إلى عثمان ، فرجعنا معه نسمع ما يقول ، فسلم على عثمان ثم قال :

- يا أمير المؤمنين صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعت وأطعت ثم صحبت أبا بكر فسمعت وأطعت ، ثم صحبت عمر فسمعت وأطعت ، ورأيت له حق الوالد وحق الخلافة، وها أنا طوع يديك يا أمير المؤمنين فمرنى بما شئت .

 فقال عثمان :

- جزاكم الله يا آل عمر خيرا مرتين ، لا حاجة لى فى إراقة الدم ، لا حاجة لى فى إراقة الدم.

ثم دخل أبو هريرة متقلدا سيفه فقال:  الآن طاب الضراب .

فقال عثمان :

عزمت عليك يا أبا هريرة لما ألقيت سيفك..

ولم يكن أمام الصحابة إلا الامتثال لأمر الخليفة ولكن عليا رضى الله عنه احتاط للأمر وقال للحسن، والحسين : اذهبا بسيفيكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا أحدا يصل إليه وبعث الزبير ابنه ، وبعث طلحة ابنه، وبعث عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم يمنعون الثوار أن يدخلوا على عثمان ، فلما رأى ذلك الثوار رموا باب عثمان بالسهام حتى خضب الحسن بن على بالدماء على بابه وأصاب مروان سهم وهو فى الدار وخضب محمد بن طلحة وشج قنبر مولى على فخشى الثوار أن يغضب بنو هاشم لحال الحسن والحسين فيثيرونها فتنة فقالوا : إن جاءت بنو هاشم فرأوا الدماء على وجه الحسن كشف الناس عن عثمان وبطل ما نريد ولكن اذهبوا بنا حتى نتسور عليه الدار فنقتله من غير أن يعلم به أحد فتسوروا البيت وقتلوه ، وبلغ الخبر عليا وطلحة والزبير وسعدا ومن كان بالمدينة فخرجوا وقد ذهبت عقولهم للخبر الذى أتاهم حتى دخلوا على عثمان فوجدوه مقتولا، فاسترجعوا وقال على لابنيه كيف قتل أمير المزمنين وأنتما على الباب ؟ ورفع يده فلطم الحسين وضرب صدر الحسن غاضبا..

فليتضاءل نور الشمس والنجوم أمام النور المنبعث من العظمة الإنسانية فى أسمى معانيها..

لم يستدع مباحث أمن الخلافة..

ولا روع الناس ..

بل رفض إراقة جفنة دم من قاتليه..

لم يفرض حكم الطوارئ عشرين عاما ..

لم يغير شرعا ..

ولم ينشئ دستورا جديدا ..

فكيف ضللت وكان فيك مثل هذا يا أمة..

كيف يا أمة..

لماذا غفلت عن تاريخك..

لماذا نسيت الله فأنساك نفسك..

لماذا لم تذكريهم بعلى بن أبى طالب رضى الله عنه لما ضربه ابن ملجم فأوصى إلى الحسن والحسين وصية طويلة، وفى آخرها:

- يا بنى عبد المطلب لا تخوضوا دماء المسلمين خوضا، تقولون قتل أمير المؤمنين، ألا لا تقتلن بى إلا قاتلى . انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة، ولا تمثلوا به ، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إياكم و المثلة ولو بالكلب العقور ) .

يا إلهى..

إنه ينهى عن المثلة بقاتله..

بل وينهى عن المثلة ولو بكلب عقور..

فكيف استنمت حتى مثلت بك الكلاب العقورة يا أمة..

ثم أنهم يتوسلون إليه أن يستخلف عليهم فيأبى قائلا:

- لا، أكلكم  إلى من وكلكم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 كان عبدا لله .. كان إنسانا .. لا مسخا للغرب ومطية للشيطان مثل روادك يا أمة..

لم تكن الدنيا مطلبهم بل الآخرة.. ومع ذلك .. بل على الأحرى بسبب ذلك سادوا الدنيا أيضا..

***

هل رأيت قبسا من تاريخك يا أمه؟..

قبسا من التاريخ الذى شوهوه حتى ليكاد جل العلمانيين ونخب الثقافة فى هذه الأمة أن يعتذروا عن إسلامهم الذى ولدوا به فلا حيلة لهم فيه.. ويكاد الإنسان العادى أن يردف اعترافه بأنه مسلم بكلمة اعتذار.. كــ:أنا ولا مؤاخذة مسلم.. أو أنا مسلم لكننى غير إرهابى!!.. أو أنا مسلم لكننى متفتح العقل!!.. أو أنا مسلم لكننى مثقف!!.. أو أنا مسلم لكننى غير ظلامى..

هل رأيت قبسا من تاريخك يا أمه؟..

وهل تدركين الآن أن الحل هو فى استعادة هذا التاريخ لا بشكله ومبناه بل بمعناه وفحواه..

أجل.. هذا هو الحل الذى منذ بدأت الكتابة أمهدكم له يا قراء..
كتاب الله وسنة رسوله

ملحوظة: نشر هذا المقال في صحيفة الشعب المصرية منذ ربع قرن!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتابي: الجزء الأول

أيهم أولى بالاتباع: علماء السلاطبن فقهاء الخليج أم هؤلاء.

بعد مائة عام