حوار موقع الساخر مع الدكتور محمد عباس

 


الجمعة، 8 فبراير 2019

لقاء الساخر بالدكتور محمد عباس- الجزء الأول


تناتيف

 لقاء الساخر بالدكتور محمد عباس
- الجزء الأول



.... قد تصاب بالدهشة وأنت تقرأ حوارنا مع الدكتور/ محمد عباس وأنت تتلمس نبض الحروف ، وحرارتها ، ويخيل إليك أنه منذر جيش صبحكم ومساكم ..!! 

وتكاد تشاهده وهو يصرخ بالأمة لتفيق من سباتها الذي تعيش فيه، وحالة الخدر الذي يعتريها. لكن سرعان ما تزول دهشتك إذا علمت كم تحتل مساحة هذه الأمة من فكر وقلب هذا الرجل، وإلى أي قدر يمكن أن يضحي من أجلها.



وفي الساخر كنا حريصين كل الحرص عن البعد عن الأسئلة التي لا تخدم قضيتنا كأمة تريد أن تنهض، وفكر يريد أن يظهر، فناينا بأسئلتنا عن كل الأسئلة الشخصية والذاتية ، لنحفر معا في المنهج والوعي والقضية ، وبكل ما يمكن أن تكون الصراحة عبر هذا الفضاء الرحب...!!

وهذا الحوار المطول والجريء ، جاء في وقته ، وفي منعطف آخر تمر به أمتنا العربية والإسلامية ، في فترة تكالب فيها الأعداء من كل حدب وصوب ، محاولة منا ومنكم للتعرف على رأي مفكرينا ، وإجابتهم على سؤال مشروع ومهم : كيف يمكن لنا أن نخرج من عنق الأزمة..!!؟؟

ومع ضيف الساخر وحواره الساخن نترك عقولكم في سياحة طويلة عبر امتداد هذه الأمة.


التحرير. 

"الساخر" : كثيرا ما يردد بعض المفكرين المتأثرين بالآخر مقولة " العلم محايد " تبريرا منهم في نقلهم لكثير مما يتم توصيله للمتلقي العربي ، ودعوة منهم في التلاقح الحضاري وقبول الآخر..!!
ترى إلى أي مدى تصدق عبارتهم الآنفة ..!!؟؟ وماذا يمكن أن ينتج عنها.؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى صحابته والتابعين.
سؤالك يبدو في الظاهر سهلا، كما يبدو أن فقرة أو حتى جملة تكفى للإجابة عليه، لكنني أقول لك، أن الأمر كان يمكن أن يكون كذاك، لو أننا نمر بظروف طبيعية، لو أننا لا نمر بعد صدامنا الطويل بالغرب بحالة من الانهيار الكامل تعقب مرحلة من الانبهار الكامل وذلك يحتم علينا أن نراجع معنى كل كلمة بل وكل حرف قبل أن ننزلق إلى سراديب خادعة، ومتاهات ليس وراءها سوى سراب يحسبه الظمآن ماء.
دعنى أضرب لك مثلا في البداية، مثلا يوضح كيف تكون الإجابة في ظاهرها سهلة، وفى حقيقتها دونها خرط القتاد.
لو أنني سألك عن عنوانك، فالإجابة من أسهل ما يكون، سطر أو بعض سطر يكفى، اسم البلد، اسم المدينة، اسم الشارع، رقم البناية، والدور ثم الشقة. يبدو أن هذا هو كل شئ، وليس ثمة شئ آخر، ولا متسع لمزيد.
هكذا تبدو الأمور في الظاهر، لكن دعنا نناقش الإجابة في ظروف غير طبيعية، ظروف انهيار كتلك التى نمر بها، و إننى أعتذر مقدما عن الإطالة في الإجابة عن سؤالك الأول، لكن هذه الإجابة قد تحمل شفرة الإجابة عن الأسئلة كلها، ولتعلم، وليعلم القراء معنا أن هذه الإطالة مهما طالت إنما هي اختصار مخل.
ولنعد إلى السؤال:
أين تسكن..؟!!
يجب أن تبدأ بذكر اسم البلد.. القطر.. الوطن..
فإن كنت مشردا لا وطن له.. إن كانوا قد سرقوا وطنك كما حدث في فلسطين والشيشان والفليبين وكشمير و .. و.. و.. فبماذا تجيب.
وبماذا تجيب إن كانوا قد غيروا اسم الوطن، فجعلوه – على سبيل المثال - اسرائيل بدلا من فلسطين، فبماذا تجيب. وبماذا تجيب لو أنهم كانوا قد قسموا الوطن إلى أوطان.. فأصبحت الشام أربعة، والجزيرة عشرة ، وبلاد المسلمين بضعة وخمسين.
وهب أنك تخلصت من هذه العقبة الأولى.. وتريد أن تذكر اسم المدينة.. فماذا تفعل لو أنهم غيروا اسم مدينتك.. وهب أنك تخطيت هذه العقبة أيضا.. فكيف تذكر اسم الشارع ورقم البناية إذا كانوا قد قصفوا مدينتك حتى لم يعد فيها حجر قائما؟! ولا شارع باقيا؟؟!!..
سوف أتوقف عند هذا الافتراض، ومرة أخرى أنبه القارئ إلى أنني أختصر اختصارا مخلا.. لكنني أنبهك، إلى أن السؤال الذي يبدو بسيطا تماما قد تكون الإجابة عنه بالغة الصعوبة حتى الاستحالة، و أريد أن أنبه القارئ أيضا أنني ما ضربت المثل السابق عبثا، و إنما أردت من القارئ أن يقيس عليه، لأن حالتنا الفكرية والثقافية والسياسية لا تختلف عن ذلك المثل، فكل شئ مدمر وكل شئ منهار وكل شئ قد تغير اسمه، ولكى تصل إلى فكرة، أو إلى الإجابة على سؤال فإنك لن تسير في طرق ممهدة، و إنما ستبش بأظافرك بين الأنقاض، لعلك بعد الجهد الجهيد تصل إلى ما تريد. أقول لعلك، ففي وسط هذا الخراب الشامل تزل الأقدام وتضل الأفهام.
هل أطلت؟!
عذرا إذن..!!
ولنعد الآن إلى سؤالك: العلم محايد..
علينا في المتاهة، في الأرض الخراب، بين شظايا التاريخ ومزق الكتب وضلالات الفكر أن نبحث عن الإجابة.. لكن علينا قبل ذلك أن نترجم السؤال.. نعم أن نترجمه.. فالعلم الذي تقصده قد يكون غير العلم الذي أفهمه.. وكذلك الحياد.
نعم.. فقد انتهزوا فرصة الفوضى الشاملة والانهيار الشامل ليغيروا الأسماء.
إذن دعنى أرد على سؤالك بسؤال:
أي علم تقصد؟ العلم بمعناه في القرآن والسنة وقواميسنا العربية، وهو يشمل ضمن ما يشمل العلم في كل الدنيا حتى في الصين، أم أنك تقصد العلم بمفهومه الغربى، علم فرنسيس بيكون وديكارت وهيجل وسبنسر وماركس و دارون؟..
سأجيب عنك – وعنى وعن كل القراء- فقد بلغ بنا الانهيار جميعا أننا حين نقصد العلم لا نقصد إلا مفهومه الغربى.
نقصد المنهج العلمى واليقين الذى لا يتولد إلا بمعرفة الحقيقة بالتجربة والمشاهدة، ذلك المنهج الذى يناقض يقين القلب والحدس والروح، يقين ما وراء الحواس التى لا يمكن إخضاعها للتجربة، يقولون أن المنهج العلمى العلمانى حقيقى لأنه يرى الحقيقة ويجربها .. أما منهج الدين الذى لا يقوم على أى أساس علمى فباطل لأنه كله مبنى على قياس واستقراء..
القضية التى يطرحها أولئك المنهجيون العلمانيون خطأ، لأنها لا تقوم على أسس علمية، ثم أنها تناقض نفسها، إنها لا تنفى وجود أشياء لم تجرب مباشرة كما لا تنفى القياس..
يصرخ "وحيد الدين خان" في كتابه : " الإسلام يتحدى" أن التجربة لا تعد حقيقة لمجرد أنها شوهدت، كما أن القياس ليس باطلا لمجرد أنه قياس..
إن إمكانية الصحة والبطلان موجودة فيهما على حد سواء..
منذ آلاف الأعوام يستعمل الناس السفن الشراعية ويصنعونها من الخشب، كانت الحقيقة العلمية المبنية على المشاهدة تقضى بضرورة ذلك لأنه لن يطفو على الماء إلا ما هو أخف منه، وخرج على الناس من يقول أن السفن ستصنع ذات يوم من الحديد فأنكر الناس مقالته واتخذوه هزوا، اتهموه بالجهل، بالابتعاد عن المنهج العلمى للتفكير، وجاء أحد من يدعون منهج العلم التجريبى فى جمع من الناس لكى يثبت لهم جهل الجاهل الذى ادعى أن الحديد سيطفو، أتى صاحبنا بإناء ضخم و ألقى فيه بنعل من الحديد فغاص، هلل الناس للعالم ونبذوا الجاهل، كانت تجربة علمية رآها الناس بأعينهم، وعلى الرغم من ذلك، كانت التجربة العملية التى شاهدتها العين باطلا لا حقيقة، فقد صنعت السفن بعد ذلك من الحديد فلم تغص فى الماء وطفت، وثبت أن العالم المغرور كان جاهلا رغم تجربته العلمية التى – برغم مشاهدة الناس لها - عبرت عن باطل وخطأ لا يثير الآن سوى سخرية وتفكه..
فى بداية القرن العشرين كنا نملك تليسكوبا ضعيفا راقبنا به الكون، رأيناه، فكان تصورنا عنه بالغ الاختلاف عما رأيناه بعد ذلك بعقود باستعمال تليسكوب قوى.. كانت التجربة تنفى التجربة وتصمها بالزيغ والبطلان.. ويعلم الله ماذا سنرى بعد عشرات العقود الأخرى عندما نكتشف تليسكوبا أقوى..
التجربة والمشاهدة إذن ليستا وسيلتى العلم القطعيتين والعلم لا ينحصر فى الأمور التى شوهدت بالتجربة المباشرة، لقد اخترعنا الكثير من الأدوات للملاحظة الواسعة النطاق وللدراسة، ولكن الأشياء التى نلاحظها بهذه الوسائل كثيرا ما تكون أمورا سطحية ومتغيرة بتغير درجة دقة وتقدم الوسائل التى نلاحظها بها، أما النظريات التى نتوصل إليها بناء على هذه المشاهدات فهى أمور لا سبيل إلى ملاحظتها، والذى يطالع العلم الحديث يجد أن أكثر آرائه تفسير للملاحظات و أن هذه الآراء لم تجرب مباشرة وإنما تم الوصول إليها بالقياس.. ذلك أن بعض الملاحظات يدفع العلماء إلى الإيمان بوجود بعض حقائق لم تثبتها التجربة المباشرة، إن أى عالم من علماء عصرنا لا يجرؤ أن يخطو خطوة علمية واحدة دون الاعتماد على ألفاظ مثل القوة أو الطاقة أو الطبيعة أو الجاذبية أو الإشعاع أو الموجات الكهرومغنطيسية.. لكن أى عالم على ظهر الأرض لم ير مباشرة القوة أو الطاقة أو الطبيعة أو الجاذبية أو الإشعاع أو الموجات الكهرومغنطيسية..!!.. إن هذا العالم لا يستطيع تفسير هذه الألفاظ وما تعنيه إلا بالاستنباط والقياس.. وهى نفس الطريقة التى يصل بها المؤمن إلى الإيمان بالله….!!!! كلاهما قد صاغ كلمات تعبر عن وقائع معلومة لكى يبين عن علل غير معلومة .. كلاهما لا يستطيع أن يرى أو يمسك ما آمن به.. وكلاهما يؤمن إذن بما لم ير.. يؤمن بعلل غير معلومة.. علل غيبية..
أليست تلك هى التهمة التى طالما واجهنا بها المتشدقون بالنهج العلمى الرافضون للغيبيات؟!..
أجل، فى معظم الأحوال لا يرى العالم الحقيقة مباشرة بل يصل إليها بالقياس والاستنباط والاستنتاج. والعلم الحديث لا يجرؤ على الادعاء أن الحقيقة محصورة فيما علمناه من التجربة المباشرة. إن ذرة الهيدروجين عبارة عن نواة تحتوى على بروتون واحد ومدار يدور فيه إليكترون واحد ، تلك حقيقة لا يجرؤ أى واحد من البشر على إنكارها، رغم أن أى واحد من البشر لم يرها قط.. !!.. ولا حتى بأقوى مجهر فى العالم..
يقول الدكتور إليكسيس كاريل: " إن الكون الرياضى شبكة عجيبة من القياسات والفروض، لا تشتمل على شئ غير معادلة الرموز التى تحتوى على مجردات لا سبيل إلى تفسيرها " ..
ويقول الدكتور ا. مانديرا: " إن الوقائع المحسوسة هى أجزاء من حقائق الكون، غير أن هذه الحقائق التى ندركها بالحواس قد تكون جزئية وغير مرتبطة ببعضها البعض، فلو طالعناها منفصلة عن أخواتها فقدت معناها مطلقا، أما إذا درسناها فى ضوء الحقائق الكثيرة التى علمناها مباشرة أو بالاستنباط فإننا سندرك حقيقتها.."
ثم يستطرد مانديرا قائلا: " إننا نرى أن الطير عندما يموت يقع على الأرض، ونعرف أن رفع الحجر على الظهر صعب، ويتطلب جهدا، ونلاحظ أن القمر يدور فى الفلك ، ونعلم أن الصعود إلى الجبل أصعب من النزول منه، ونلاحظ حقائق كثيرة كل يوم لا علاقة لإحداها بالأخرى فى الظاهر، ثم نتعرف على حقيقة استنباطية هى قانون الجاذبية ، وهنا ترتبط جميع هذه الحقائق فنعرف للمرة الأولى أنها كلها مرتبطة إحداها بالأخرى ارتباطا كاملا داخل النظام، وكذلك الحال لو طالعنا الوقائع المحسوسة مجردة فلن نجد بينها أى ترتيب، فهى متفرقة ، غير مترابطة، ولكن حين نربط الوقائع المحسوسة بالحقائق الاستنباطية فسنخرج بصورة منظمة للحقائق "..
إن الجاذبية لا يمكن رؤيتها قطعا، وكل ما شاهده العلماء لا يمثل فى ذاته قانون الجاذبية، و إنما هى أشياء أخرى، اضطروا لأجلها منطقيا أن يؤمنوا بوجود هذا القانون..
إن نيوتن .. مكتشف قانون الجاذبية .. يتحدث عن اكتشافه قائلا: " إنه لأمر غير مفهوم أن نجد مادة لا حياة فيها ولا إحساس وهى تؤثر على مادة أخرى، مع أنه لا توجد أى علاقة بينهما"..
يا قراء ..
هل ينكر منكم أحد قانون الجاذبية؟!..
الجاذبية.. تلك النظرية المعقدة غير المفهومة.. والتى لا يوجد أى سبيل إلى مشاهدتها مباشرة .. نعتبرها اليوم – جميعا – حقيقة علمية بلا جدال..
لماذا ؟!..
لأنها تفسر بعض ملاحظاتنا ..
ليست الحقيقة العلمية إذن هى ما علمناه مباشرة بالتجربة.. بل هى اعتقاد يقينى فى وجود حقيقة لا نراها تربط وتفسر ما نراه..
ماذا تسمون إنسانا لا يؤمن بنظرية الجاذبية..
الحقيقة التى لا نراها ولكنها تربط وتفسر ما نراه ..
ماذا تطلقون على الكافر بها والذى يعلن أنه لن يؤمن بها إلا إذا رآها..
ماذا تطلقون على الأحمق الذى يرفض الربط بين تجلياتها وظواهرها ونتائجها..ويعتبرها غيبا يتنافى الإيمان به مع المنهج العلمى..
أى قدر من الاتهامات الهائلة يمكن أن نواجه به هذا الأحمق الغبى المأفون ..
هل تسمح لى أيها القارئ وهل يغفر لى الله تجاوزى إن أنا استبدلت كلمة الله بكلمة الجاذبية..
***
أعلم أنني أطلت كثيرا..
و أعلم أيضا أن الموضوع يستحق إطالة أكثر بكثير.. فبين الخرائب والمدن المقصوفة والمبانى التى لم يبق فيها حجر على حجر علينا أن نفحص كل حجر.
أعلم أنني قد أطلت.. ولكننى لا أجيب على سؤال بقدر ما أقدم للقارئ منهجا يجيب به على ما يتراءى له من الأسئلة.
***
أعود إلى سؤالك، و أعود إلى سؤالك عن سؤالك: أي علم تقصد.
لقد أثبت لك أن مفهوم العلم المتداول بيننا خاطئ من أساسه.
والآن أريد أن أقول لك أن كل النظريات العلمية الغربية – النظريات لا التطبيقات – قد نتجت من خلفية نظرية ملحدة، أنكرت الغيب كله، وبنت كل افتراضاتها على ذلك، وذلك أمر يطول الحديث فيه، لكننا نؤجله الآن، نؤجله بعد أن اهتز يقيننا بما نعلمه عن العلم.
وننتقل إلى اللفظ التالى: محايد..
و أطمئن القارئ أنني لن أطيل و إنما أسأل: الحياد يكون بين أمرين كما أن الانحياز يكون إلى أي منهما. فما هما الطرفان اللذان تتصور أن العلم يحايد بينهما..
فكر يا أخى قليلا..
فكروا يا قراء في الإجابة..
فمعظمكم لم يخطر له السؤال على بال قط..
هل وجدتم إجابة جاهزة؟ أم لم تجدوا شيئا..
ولكن الإجابة واضحة وجلية..
المقصود هو الحياد بين عالم الغيب وعالم الشهادة..
المقصود هو الحياد بين الإيمان وبين الكفر..
وذلك كذب وخداع.. فكما قلت أن النظريات العلمية الغربية كلها قد بنيت على خلفية نظرية هي الكفر.
***
هل أدركت الآن يا أخى وهل أدركتم يا قراء أن عبارة: حيادية العلم " هي عبارة كاذبة ومخادعة فما هو علم ولا هو محايد..!!
***
تبقى نقطة أخيرة لا نستطيع أن نغادر خرائب الفكر في بلادنا دون أن نتطرق إليها..
لقد كنا وما زلنا في أشد الحاجة إلى التطبيقات العلمية في الغرب دون خلفياتها النظرية، لكننا – للمأساة – اكتفينا باستيراد الخلفيات النظرية دون العلم التطبيقى.
كنا وما زلنا نحتاج إلى علوم الطبيعة والكيمياء والفلك والهندسة والطب والجيولوجيا، كنا وما زلنا نحتاج إلى علوم الذرة والنواة والقنابل الذرية والهيدروجينية والصواريخ وكل ما ندافع به عن وجودنا المهدد وكرامتنا المسحوقة، لكننا تركنا كل ذلك – وهو يمثل حقائق نسبية وجزئية على أي حال- لنستورد منهم ما هو هلاوس وضلال مطلق، استوردنا منهم علوم النفس والاجتماع والسياسة. وكان لدينا منها ما يكفينا وما يكفى العالم.. وكان كل ما لدينا منها صواب وكان كل ما لديهم منها خطأ.
نحن لم نختلف على استيراد علوم و تكنولوجيا الفضاء والذرة والصاروخ والزراعة، نحن اختلفنا وندين بكل ما نملك استيراد علوم ونظريات علم النفس والتطور والاجتماع والعلمانية والحداثة. أليس مأساويا أننا أهملنا تماما الجزء المتعلق بطبيقات حقيقية لعلم حقيقى ورحنا نتشاجر حول نظريات مختلف عليها حتى في بلادها، ومرفوضة تماما من عقيدتنا وديننا.
هل تعتقد يا أخى – وهل تعتقدون يا قراء – أنني أطلت..؟..
أم توافقوننى فيما ذهبت إليه في أول الإجابة على السؤال: أنني أختصر اختصارا مخلا.
على العموم..
سأمنع نفسي من المواصلة.. وسأكتفى بهذا القدر في الإجابة على هذا السؤال عن حيادية العلم.


"الساخر" : حالة التغريب الثقافي التي تعيشها الأمة في الحقبة المعاصرة إلى من يمكن أن تشير بأصبع الاتهام فيها..؟؟ليست أصابع اتهام.. ربما كان الأمر عند البعض مجرد البعض - قبل أحداث 11 سبتمبر مجرد أصابع اتهام.. الآن هناك يقين.. فالمسئول هو المخابرات المركزية الأمريكية وعملاؤها في بلادنا ز وعندما أقول المخابرات الأمريكية فإننى أقصد جهازا عمره ألف عام، تغيرت أسماؤه ، وتعددت بلاده، لكنه احتفظ بنفس وظيفته. بدأ الأمر منذ لويس التاسع الذي أسر في المنصورة، ليتحول بعدها إلى قديس وليرسم لهم خطة الغزو الثقافى لبلادنا.
إننى أحيلك إلى كتب أجنبية ككتاب الكاتبة البريطانية: "فرانسيس ستونز": " من يدفع أجر العازف: المخابرات الأمريكية والحرب الثقافية الباردة" وفيه تكشف أن المخابرات الأمريكية قد خططت لكى تكون هى بنفسها وزارة ثقافة العالم، وقد اعتبروا هذا المخطط هو المشروع التالى بل والأهم من مشروع مارشال الشهير، وبهذا المشروع تمكنت المخابرات الأمريكية من أن تجعل من نفسها وزارة ثقافة العالم، فأصبحت تفرض سطوتها على الأدب والفن والموسيقى والفن والسينما ، ولقد مارست ذلك دون أن يشعر الرأى العام بشىء. فى نفس الوقت، بل وربما قبله كانت المخابرات السوفيتية تقوم بنفس الدور. وتقول الكاتبة الإنجليزية أن هناك الكثيرين من الشعراء والكتاب والفنانين والمؤرخين فى أوروبا ما بعد الحرب العالمية قد استعملوا كأسلحة سرية للمخابرات الأمريكية.
دعنا نتحدث بصراحة.. في عالمنا الإسلامي لا توجد عندنا حكومات بل أجهزة حكم محلى تتلقى أوامرها من واشنطن. ولهذه الأنظمة وسائل عديدة تسيطر بها، من الجيش الذي تم إفساده بتفريغه من الطاقات الفكرية الخلاقة و بالعمولات، والأمن الذي تم تحويله إلى وحوش بلا خلق ولا عقل ولا ضمير. الجناح الثالث هو جناح المثقفين. إذ تم منذ البداية تهميش المثقفين المسلمين وحصارهم حصارا محكما، وإطلاق العنان لكل مثقف يهاجم الإسلام. لا أعنى أنهم جميعا عملاء لأجهزة الأمن. هناك البعض منهم مثقف فعلا وموهوب فعلا، و أولئك نجحت أجهزة الأمن في توظيفهم أو على الأقل احتوائهم، لكن في الجانب الآخر، هناك عملاء التقطتهم أجهزة الأمن وتعهدتهم وربتهم ثم ولتهم المناصب الثقافية الكبرى.
أرجوك ألا تندهش.. وتذكر ما كشفت عنه وثائق المخابرات الأمريكية مؤخرا من أن واحدا من أعظم الروائيين في العالم وهو أرنست هيمنجواى كان عميلا للمخابرات الأمريكية، وكان أجره على تجنيد العميل تسعين دولارا.
نعود إلى الساحة الثقافية في عالمنا العربي والإسلامي.. بل نعود إلى رأسه: مصر.
سوف يستبد بك الذهول عندما تنظر إلى من يتصدرون الحركة الثقافية فيها.. إلى خبراتهم وشهاداتهم..
فمثلا : صلاح عيسى: كان كاتبا في قسم شرطة السيدة زينب أعواما طوالا.. جمال الغيطانى: عامل فنى في صناعة السجاد.. يوسف القعيد: تومرجى.. محمود السعدنى: مكوجى.. ابراهيم أصلان: ساعى بريد: بوسطجى.. إبراهيم سعدة: شهادة متوسطة في الساحة والفنادق.. سمير رجب: لم يحصل على الثانوية العامة.
بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى سيطرة أجهزة الأمن على كليات ومعاهد بعينها: مثل معهد التعاون بالقاهرة ومعهد الكفاية الإنتاجية بالزقازيق، حيث يدفعون بالبعض للحصول على شهادات جامعية لزيادة الدور الثقافى الموكول إليهم. يحصل البعض منهم على الشهادة الجامعية بامتحانات صورية.
من الذين حصلوا على الشهادة الجامعية من هذه المعاهد: المذيعة الشهيرة نجوى ابراهيم، والكاتبة في مجلة روز اليوسف فاطمة سيد أحمد، وكانت كاتبة على الآلة الكاتبة في الجيش، فتعهدها جهاز ما حتى حصلت على الشهادة الجامعية، بل والدكتوراه بعد ذلك، لتشغل مكانا مرموقا في مجلة روز اليوسف، تدافع فيه عن إسرائيل بحرارة لا تتصور، وتهاجم المقاطعة، وتهاجم حزب الله وتتهمه بأنه : عملاء وخونة وكفرة.
لعلكم تذكرون أيضا غالى شكرى الذي دفع به جهاز ما إلى دولة شرقية حصل منها على دكتوراه صورية ( فهو لم يحصل على شهادة جامعية أصلا) وعندما تقدم بهذه الشهادة الجامعية إلى جامعة القاهرة كي يلتحق بها.. كانت الإجابة أن ذلك لا يجوز لأن أعلى شهادة حصل عليها وتعترف بها الجامعة هي دبلوم الزراعة المتوسط.
غالى شكرى هذا قاد حركة الثقافة في مصر أكثر من عقد من الزمان، وتولى رئاسة تحرير أكبر المجلات الثقافية، بل و الصفحة الثقافية في الأهرام نفسه.
غالى شكرى هذا وهو شيوعى طالما دبج مقالات المديح في العراق غير موقفه فجأة، ليؤيد الكويت ويهاجم العراق هجوما ضاريا، وكانت مكافأته: شقة فاخرة على النيل.
نعم يا أخى ويا قراء: انحراف الثقافة في بلادنا ليس انحراف خطأ في الفكر بل عمل مخابرات. لكنه لا يتم كما تعودنا في أعمال المخابرات من وراء الكواليس. كان ذلك يحدث عندما كان لدينا حكومات ودول، أو حتى أشباه حكومات و أشباه دول، الآن ليس عندنا أي من ذلك، لدينا أنظمة حكم محلية تدار مركزيا من واشنطن. وهكذا فإن ما يتقرر في أروقة المخابرات، تتلقفه أنظمة الحكم المحلى، لتوزعه على كل اختصاص، على الأمن والإعلام والثقافة.. وعلى التعليم. نعم .. حتى جامعاتنا فسدت وأفسدت و أُفسدت.
ولست أنسى أبدا عندما كتبت عن تاريخ الدولة العثمانية، تاريخنا نحن وليس التاريخ المشوه الذي كتبه الغرب عنا، أن جاءنى خريج من كلية آداب جامعة القاهرة، جاءنى يبكى وهو يقول: أنا متخصص في التاريخ، ومع ذلك لم أدرس شيئا مما قلت، لقد خدعونا وضللونا ودرسوا لنا الأكاذيب.
أعتقد أنني بهذا أجبت..


"الساخر" : بما أن اللغة تعتبر من أهم مكونات الهوية العربية الإسلامية ..؟؟ هل يمكن أن يكون مشروع النهضة مبتدئا منها وبها..؟؟ أو يمكن تنحيتها..!!؟؟
الأمر أخطر بكثير مما يبدو..
ولكى ندرك أهمية اللغة العربية فى وجود الأمة العربية فلنسأل أنفسنا سؤالا غريبا: هل كان للغة العربية أن تقاوم الهجمات العسكرية والثقافية العاتية لولا نزول القرآن؟.. وهل كان يمكن للأمة أن تستمر مع انقراض لغتها؟.. أم أن ما كان سيحدث أن يبقى منا شراذم كالهنود الحمر.
إننى واثق أن القارئ سيشعر بالقشعريرة المرعبة لهذا الخاطر: ماذا لو لم ينزل القرآن؟.. ومع قليل من التمحيص سيدرك القارئ أنه كتاب حافظ على وجود أمة.. ولولاه ما بقيت.
ما نفاجأ نحن باكتشافه أدركه الغرب منذ زمان طويل وسلط سهامه على اللغة العربية، لم يسلطها على اللغات الصينية أو اليابانية أو الهندية أو حتى التركية والفارسية، كان التركيز على اللغة العربية، لأنه يدرك أنه إن نال منها فقد نال من القرآن، و إن نال من القرآن فقد انتهت مقاومتنا تماما.
بدأ الهجوم على الفصحى مع الاحتلال البريطانى لمصر على يد مهندس ري انجليزى كان من ادعاءاته المضحكة أن الفارق بين اللغة العامية واللغة الفصحى مثل الفارق بين اللغة الإيطالية واللغة اللاتينية، و أن العامة لا يفهمون على الإطلاق أى حديث بالفصحى، ورغم الكذب الفاجر فقد اتبعه بعض الكتاب المصريين والعرب منهم أحمد لطفى السيد وسلامة موسى، وكان من تلامذتهم بعد ذلك لويس عوض وغالى شكرى والاتجاهات اليسارية عموما.
المحزن، أن دعاة القومية ، الذين أصروا على تنحية الدين كعامل رئيسى فى وحدة الأمة، ووضعوا اللغة مكانه، كانوا هم أكثر من أساء إلى اللغة.
الكتاب الخونة أيضا، راحوا يشجعون العامية وهم يدركون أن يسلبون الأمة روحها، ويهدمون الأساس الذى روجوا به للقومية العربية.
اللغة ليست مجرد وسيلة للتخاطب، بل هى وعاء ثقافة الأمة ووسيلة التواصل بين أبنائها.
يقول أشهر النقاد فى العالم ت اس اليوت أن ثقافة الأمة هى دينها.
واللغة وعاء الثقافة..
لذلك فإن مجهود القضاء على اللغة العربية قد اقترن دائما بمحاولة القضاء على الإسلام.
ما ذكرناه هو بعد هام من أبعاد الهجوم على اللغة.
وثمة بعد آخر لا يقل خطورة.
وهو قضية العلاقة بين اللفظ والمعنى..
ولنبدأ بطرح القضية التى نقلها إلينا الحداثيون والعلمانيون و أدعياء الثقافة والتنوير من عباد الغرب والشيطان..
والقضية قضية لغوية.. وهى تنحصر فى التساؤل عن العلاقة بين اللفظ ومعناه أو كما يقول الحداثيون: العلاقة بين الدال والمدلول، ثم يتطور السؤال إلى: هل سبق اللفظ المعنى أم سبق المعنى اللفظ؟!!..
ما هى العلاقة بين الصوت الذى ينطلق من الحنجرة واللسان والفم وبين ما يعبر عنه هذا الصوت.
هل وجدت الأشياء أولا ثم أطلقت عليها الأسماء؟ ولماذا إذن لا تتشابه الأسماء فى اللغات جميعا؟. أم أن اللغة وجدت أولا بحيث أن مدلول اللفظ يكون كامنا فيه؟..
أطرح عليك هذا السؤال الذى يطرحه جهابذة عباد الشيطان:
لو أن الناس جميعا اتفقوا على إطلاق اسم: " لكب" على الكلب، هل كانت صفات الكلب ستتغير؟ أو أنهم أطلقوا اسم: " رشجة" على الشجرة.. أو أى اسم آخر.. لو أنهم سموها: " ذئبا " أو "كلبا" أو "ماء" فهل كان الأمر سيختلف. ثم: هل تمثل كلمة "الشجرة" الشجرة نفسها ، أم أنها تعنى غيابها؟ تعنى أننا عجزنا عن الإتيان بالشجرة فأتينا بكلمة بدلا منها، وبهذا يتضافر الحضور والغياب. ويصل هؤلاء إلى أن الناس اتفقت اعتباطيا على معنى كل لفظ، و أنه لا توجد علاقة على الإطلاق بين اللفظ ومعناه. و أن المجتمعات البشرية هى التى أعطت المعنى لكل لفظ.
لن نسوق إليهم الآن حجتنا اليقينية أن الله سبحانه وتعالى علم آدم الأسماء كلها.. هم أقل و أضأل من أن نسوق إليهم دليلا من القرآن الكريم.. ثم أننا نريد أن نكشف منطقهم من خلال منطقهم ذاته.
الفصل بين اللفظ ومعناه، أو بين الدال والمدلول كان بدايات أفكار البنيوية والتفكيكية التى انتشرت فى بدايات القرن العشرين على يد فلاسفة الغرب مثل دريدا وسوسير ورولان بارت وجاك كوهين وياكوبسون وغيرهم. بدأت بفصم عرى لا يتصور أن تنفصم، لكن هذا الانفصام كان نتيجة حتمية للفلسفة الإلحادية، ذلك أن الإنسان لا يتبوأ مكانه السامى إلا بإيمانه بالله. فإذا فقد الإيمان بالله ضاع، وتحول إلى مجرد حيوان، ووجب علينا أن نناقش الأصوات المنطلقة منه- من الحيوان- ولكان منطقيا أن نشك فيما إذا كانت هذه الأصوات المختلفة تعبر عن أى معنى.
كان منطقيا أن يتلو الكفر بالله الكفر بالإنسان أيضا.. ليكون مجرد حيوان..
وكان منطقيا أن تسقط كل القيم.. فالقيم لا تستمد قيمتها إلا من الله ومن كتبه ومن رسله.. و إلا فماذا يجعل الصدق خيرا وهو قد يضر؟ وماذا يجعل الكذب شرا وهو قد يفيد.. وماذا يجعل القتل جريمة وانتهاك الأعراض عارا والظلم سبّة؟!..
أدى الكفر بالله، وجحود نعمته علينا بتعليمنا الأسماء إلى فصم العري بين اللفظ ومعناه.. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد.. لأن الحضارة المادية الملحدة التى عبدت المادة والعلم والعقل من دون الله ما لبثت أن اكتشفت قصورها جميعا وعجزها عن تلبية احتياجات الإنسان أو تقليل شقائه.
وهكذا أدت الفلسفات الإلحادية فى النهاية إلى سقوط الأرباب التى اتبعها أسلافهم فى القرن التاسع عشر لعبادتها من دون الله: المادة والعلم والعقل.
ولقد أدت العملية التفكيكية فى نهايتها إلى تجاوز الكفر بعالم الغيب إلى الكفر بعالم الشهادة! وسيطرت الفلسفة الألمانية وتكفلت ظاهرية هوسيرل وتأويلية هايدجر وجادامر برفض أى سلطات مرجعية، وكما يعبرون هم فقد انفرط عقد العالم بعد أن فقد كل شئ الإحالة إلى مرجع ثابت وموثوق به.
يرى ميشيل فوكوه أن كل عصر معرفى جديد يزيح العصر المعرفى السابق، وفى مرحلة معرفية سابقة تمت إزاحة المقدس من مركز الوجود ليحل محله العلم والعقلانية، أما فى المرحلة الأخيرة فقد أزيح العقل لتحل محله اللغة، ليصبح الشك وانعدام اليقين هو الحقيقة الوحيدة المطلقة، ويصبح لا ووجود حقيقيا لأى شئ خارج إطار اللغة.
لكن اللغة نفسها مراوغة والعلاقة بين اللفظ والمعنى فيها علاقة اعتباطية..
إذن: فقد انتهى كل شئ..!!..
أعرف أن الكلام صعب وغامض، بل أعرف أكثر من ذلك أن صعوبته لا ترجع إلى عمقه، بل إلى أنه هراء، سفسطة مجانين ، قد تبدو منهم هنا وهناك لمحات مبهرة كما تبدو من أى مجنون، نعم هراء أحمق مجنون يريدون منا أن نستبدله وهو الأدنى بالذى هو خير، أناس طمس الله على قلوبهم و أعمى بصائرهم فلا يفقهون، لكن المهم هنا، أن هذه الفلسفات النظرية تنجم عنها تطبيقات عملية نتلظى بنارها ونكتوي بنيرها.
الخطير فى الأمر.. الخطير جدا.. أن هذه الفلسفات والأفكار لا تدور فى فراغ.. بل إنها أشبه بدائرة التوصيلات الكهربائية والإليكترونية التى تشتريها مع أى جهاز كهربى تشتريه مع الجهاز فى كتيب يشرح تحول النظريات إلى تطبيقات. وهو كتيب لا يفهمه إلا الخبراء، وبالنسبة للشخص العادى فإن كلماته ورسوماته أشبه بالشفرة، لذلك فما من أحد منا يراجع خرائط التوصيلات الكهربائية والإليكترونية تلك – لجهاز تليفزيونه على سبيل المثال!. إنك تقتنى الجهاز واثقا فى أن من وضع هذه الرسوم لم يخدعك من ناحية، ومن ناحية أخري فإنك غير محتاج بالضرورة لفهم تلك الرسوم والخرائط كى تستطيع تشغيل أو مشاهدة جهازك التليفزيونى.
العلاقة يا قراء بين الفلسفات النظرية والتطبيقات العملية لها تشبه تماما ذلك المثل الذى طرحته عليكم.. تشبهه وتكاد تتطابق معه إلا فى شئ واحد.. وهو أنك لم تقتن جهازا للتلفاز بل قنبلة موقوتة ستنفجر فيك وتقتلك وتدمر بيتك وتشرد أهلك.. ومن هنا وجب عليك الرجوع إلى الرسوم لاكتشاف الخطر.
فلنتناول على سبيل المثال أحد التطبيقات العملية للفلسفة السابقة وللقضية اللغوية التى بدأنا بطرحها. تلك القضية الغامضة المكتوبة برموز كالشفرة لا يفهمها إلا مختص.
قلنا أنه لا وجود لشىء خارج اللغة ( والعبارة تبدو فى الظاهر بريئة، ويبدو أن معناها يفوق قدرتنا على الفهم، أو أنها بلا معنى، والواقع أنها بعد فك رموز شفرتها تعنى إنكار الذات الإلهية والأنبياء جميعا، كما يتضمن معناها فى ذات الوقت الكفر بالعلم والعقل) . كما قلنا أن ارتباط المعنى باللفظ هو ارتباط اعتباطى لم يرسخه إلا اتفاق الناس عليه آمادا طويلة، و أنه لذلك يمكن أن يتغير، لكن بشرط أن نفرض قطيعة معرفية مع الماضى كله، وهذا لا يعنى إلا الكفر.
كان هذا هو رسم الدائرة الإليكترونية الغامض الصعب والآن لننتقل إلى التطبيق.
إذ يترتب على ذلك أن كلمة الشذوذ الجنسي مثلا تحمل معنى اعتباطيا لفعل كريه يحتقره الناس، لكن هذه الكراهية والاحتقار لا تنجم من الكلمة ولا من الفعل بل من اتفاق اعتباطى طال عليه الأمد حتى أصبح كالحقائق الراسخة وما هو بحقيقة وما هو راسخ، لقد اكتسبت الصفة معانيها السلبية المهيمنة المهينة عن طريق استخدامها المستمر والمتكرر لإهانة الشواذ والتنديد بهم حسب قيم دينية و أعراف اجتماعية ومنتجات ثقافية تفرض معايير معينة، وترى الكاتبة الأمريكية الشهيرة جوديت باتلر فى كتابها: "مشاكل الجنوسة" أن على الشواذ والسحاقيات أن يصفعوا المجتمع بالكلمة بصفة متكررة ومستمرة، لأنهم بذلك سينجحون فى تغيير الأعراف المتحجرة وتفكيكها وتحطيمها، وبذلك تفقد كلمة شاذ " GAY" أو سحاقية : " LESBIAN " قدرتها على الإهانة، وربما يصل الأمر، كما يقول الدكتور عبد العزيز حمودة إلى استعمال هذه الصفات فى سياق المدح..!!
هل جال بخاطرك أن هذه العبارة البريئة الموجزة: " لا وجود لشيء خارج اللغة" يمكن أن تسفر عن هذا التطبيق البشع.. إباحة الشذوذ وتمجيده..
لن نتكلم الآن عن علاقة ذلك بقيام الغرب بالضغط على الدول الإسلامية لتعيين وزير شاذ أو رئيسة تحرير سحاقية، لن نتكلم عن ذلك فالعلاقة واضحة، لكننا نتكلم عن أمر آخر، أمر يدخل فى صميم همومنا.
ذلك أنه إن كانت تلك القضية اللغوية والخلفيات الفلسفية قادرة على قلب المعنى بهذه الطريقة، وإن كانت حققت نجاحات هائلة فى بلادهم، كما حققت نجاحا لا ينكر على أيدى الحداثيين والعلمانيين والتنويريين والتغريبيين فى بلادنا، إذا كانت قد نجحت فى ذلك، فلماذا لا تنجح أيضا فى وصم العمليات الاستشهادية بالعار والإثم الشديد، وفى اعتبار الجهاد معصية نظامهم الشيطانى الكبرى التى تستحق كل وسائل السحق والمحق.
نعم .. إن كانت قد نجحت فى ذلك فلماذا لا تنجح فى تحويل الحق إلى باطل والباطل إلى حق..
نعم.. لم تكن تلك أفكارا هائمة فى الفراغ بل كانت رسم الدائرة الإليكترونية الجهنمية المشفرة..
نعم.. و ما قالته جوديت باتلر فى مجال يقوله بوش فى مجال آخر.. وما نادى به دريدا يطبقه شارون ممتطيا نفس الفكرة والمنهج.
كل ذلك منطقى – بمنطق الشيطان – بالنسبة لهم ولتاريخهم الدينى والسياسي والاجتماعى. لكنه بالنسبة لنا كارثة ومصيبة وداهية وخيانة للأمة وتفتيت لها، فلماذا ساقنا حداثيونا إلى هذا المنعطف الوعر.
يقولها فلاسفة الغرب بوضوح أنه لا سبيل للتقدم إلا بالقطيعة المطلقة مع التراث، ومنه اللغة أما كتابنا الجهابذة كأدونيس وجابر عصفور والغذامى وكمال أبو ديب ، وصبيانهم كصلاح عيسي والغيطانى والقعيد، وكل كتاب السلطة، فيرون أن مجتمعاتنا لم تنضج النضج الكافى بعد، لذلك فهم يراوغون – بل يكذبون - فى إيصال المعنى إلينا. وبدلا من تلك الجملة الصريحة الواضحة القاطعة الناطقة بالكفر فإن الحداثيين فى عالمنا الإسلامى يستعملون جملا أخرى من نوع: "تحطيم القوالب المتحجرة الثابتة لمنظومة القيم البالية". وما يقصدون إلا القرآن والسنة. إلا الإسلام.
يصرخ الدكتور عبد العزيز حمودة فى كتابه المرايا المقعرة : أن هذا هو الرعب القادم، بل الرعب القائم، رعب فقدان الهوية كلها.. رعب ينتقل بنا من تفكيك اللغة إلى تفكيك الوطن.. ومن سيولة الأفكار إلى انهيار الأمم..رعب التلاشى والفناء تحت وطأة ضربات ساحقة غادرة .. بالتآمر مع حداثيينا..
هذا ما أريد أن أصل إليه..
كان الحداثيون عندنا منذ زمان طويل يمهدوننا لتقبل منهج غريب علينا ، منهج شاذ وخطر، نبت من فلسفات شاذة ومريضة، كافرة ملحدة، ليس بالله فقط، بل بالإنسان أيضا، فلسفات ليس لها مبادئ ولا قيم، فلسفات لا تعرف العقل ولا المنطق، ولم تسمع عن العدل والرحمة والإنصاف، فلسفات لم تقتصر على التعامل مع الإنسان كحيوان بل كشيطان مريد. فلسفات مجرمة أنبتت شخصيات مجرمة كشارون وبوش..
لم تكن وظيفة حداثيينا إلا تلك.. وما منحوا الشهرة والمجد والانتشار الذائع إلا من أجل أن يقوموا بهذا الدور.. وكانت المخابرات الأمريكية هى التى تمول كل ذلك.
كان الإسلام هو العقبة الكئود أمام الحداثة.. وكان عليهم أن يفرضوا القطيعة بيننا وبينه كى ينفردوا بنا..
ولكى يفرضوا القطيعة كان عليهم أن يمحوا اللغة العربية كي نقرأ التاريخ الإسلامي وتراثه و أدب العرب بأعينهم لا بأعيننا.
فى كتاب: " حصوننا مهددة من داخلها" يكشف الدكتور محمد محمد حسين أمر الحداثيين والعلمانيين والمستغربين ودعاة التنوير والثقافة، يكشف دسائسهم التى يلقون عليها حجبا كثيفة من الرياء. والنفاق ، حين يندسون بين صفوف الأمة، يتظاهرون بالغيرة على إسلامنا وعلى عروبتنا ، حين تنطوي ضمائرهم على فساد العقيدة وحين يعملون لحساب العدو الذي يستعبدنا ولحساب الصهيونية الهدامة التي لا تريد أن تبقى على بناء قديم .
يصرخ الدكتور محمد حسين: هؤلاء هم أخطر الأعداء ، وهم أول ما ينبغى البدء به في تطهير الحصون وتنظيف الدار ، لأن الأعداء والمارقين ظاهر أمرهم لا يخفون، وهم خليقون أن ينفروا الناس ، فهم كالمريض الظاهر يتحاشاه الناس ولا يقتربون منه . أما هؤلاء فهم كالمريض الذي لا يظهر المرض على بدنه ، فالمخالطون لا يحتاطون لأنفسهم في مخالطته .
ويتهم الدكتور حسين أعداء الأمة هؤلاء من المنافقين والضالين والمضللين بأنهم يزينون للأمة الباطل زاعمين لها أنه هو سبيل النهضة ، ويوهمونها أن كثيرا من عاداتها الصحيحة الأصيلة هى من أسباب تخلفها وضعفها ، ويزجون بها فيما رسمته عصابتهم من قبل وما قدرته من طرق ومسالك " .
ويكشف الدكتور حسين أن هؤلاء المنافقين قد اشتراهم الغرب كى يكونوا حراسا على أوطاننا التى حولوها إلى سجون. فيقيموا فيها معبدا يسبح كهنته بحمد آلهتهم التى يعبدونها من دون الله . وينكل بالذين ينبهون النائمين والغافلين والمخدوعين ..
تحت رعاية الحداثيين – عبدة الشيطان - كنا ننتقل من الإيمان إلى الكفر تحدونا سياط حداثيينا قبل سياط جلادينا وقبل سياط شارون وبوش. كانوا يقيمون دعائم مملكة الكفر.. وكانوا قد تسلحوا بمقولة قاطعة خدعوا بها الأمة فاستجابت أو رضخت.. ذلك أنهم وهم يقيمون مملكة الكفر منعونا من استعمال السلاح الوحيد الذى كان يمكن أن يحمينا من مكرهم .. ألا وهو الحكم عليهم بالكفر.. و أصبح التكفير رجعية وتخلفا، وأصبح التخلف جمودا، و أصبح الجمود أصولية، و أصبحت الأصولية تطرفا وأصبح التطرف إرهابا.. و أصبح الاستشهاد انتحارا كما أصبح الطفل الذى يحمل حجرا يهدد الأمن والسلام العالميين أما استخدام الطائرات والدبابات فى سحق المدنيين فهو دفاع مشروع عن النفس.
لكن.. لماذا نرفض كل ذلك وقد اقتنعنا من قبل بالقطيعة مع التراث .. وباعتباطية العلاقة بين اللفظ والمعنى..؟!!
إننى أريد أن أعود هنا إلى نقطة هامة.. وهى أن القارئ العادى، وحتى المثقف، عندما يقرأ شيئا من تلك الأبحاث التى يروجها الحداثيون كقضايا لغوية أو فكرية أو فلسفية، فإنه فى أغلب الأحوال ينصرف عنها، تحت راية أنه علم لا ينفع وجهل لا يضر، فإذا حاول الفهم، فإنه فى أغلب الأحوال لن ينجح فى الفهم، ليس لقصور فى عقله، ولكن لأن الحداثيين فى بلادنا كما ذكرت يكذبون، يتحدثون بمنطق العصابات التى تتحدث بشفرة لا يفهمها إلا أفراد العصابة، فإذا حدث أن سمع حديثهم شخص من خارج العصابة فإنه لن يفهم أبدا ما يعنونه. هذه الآلية الخبيثة المجرمة تمكنهم من التسلل إلى قلب الأمة كما يتسلل الصدأ إلى الحديد. فى سرية، وفى خفاء، دون إعلان، ودون فهم، ويستمر الأمر على ذلك المنوال حتى ينهار البناء فجأة.
تعامل الحداثيون فى بلادنا مع القراء كما تعامل الباطل مع الحق فى القصة الشعبية المتوارثة المشهورة.. حين كان الحق والباطل على سفر وكانا لا يملكان إلا بعيرا واحدا فاختلفا على من يركبه.. واتفقا على الاحتكام إلى أول من يلتقيان به.. وظلا يسيران حتى لقيا رجلا سليم النية خالى الطوية – تماما كقرائنا – وهنا سارع الباطل إليه ليسأله:
- ما رأيكم يا شيخنا: من الذى يمشى.. الحق أم الباطل؟..
و أجاب الرجل على الفور:
- طبعا الحق هو الذى يمشى..!!
وخسر الحق القضية..!!
خسر الحق القضية كما خسرتها الأمة حين حكم الحداثيون عليها بأن الغرب هو الذى يركب والإسلام هو الذى " يمشى:"!!..
نعم.. تعامل حداثيونا مع الأمة بهذه الطريقة.. و أخفوا عنها طول الوقت الخلفيات الفلسفية الإلحادية لفكرهم وللقضايا التى يطرحونها ، بل تعمدوا الكذب الصريح والتضليل الواضح فى أحيان كثيرة، تعمدوها مثلا عندما خلطوا ما بين الحداثة كفلسفة كافرة مجرمة علينا أن نحاربها جميعا، وبين التحديث كهدف علينا أن نسعى جميعا إليه.. وتعمدوها عند الخلط ما بين العلمانية والعلم.. وبين التشريع الإلهى والبشرى .. وبين التحرير والتعهير.. وبين التنوير والتزوير.. ويتصل بذلك كله محاولتهم تقويض بناء اللغة، وبناء الشعر، وما الشعر الحداثى و أدونيس، والشعر النبطى إلا أمثلة على ذلك.
كانت السلطة تساعدهم وكان الغرب يسيدهم كما يسيد العدو كل خائن لأمته: قارنوا مثلا الفارق فى التعامل من السلطة ومن الغرب معا مع شخصيتين: مع الشيخ عمر عبد الرحمن فك الله أسره والدكتور نصر حامد أبو زيد قبح الله وجهه.
كان الاستثناء الهائل الذى زلزل الحداثيين هو القضية التى عرفت بأزمة الوليمة.. كانت كالدخان الذى يخرج الثعالب من الجحور.. وربما تقبع القيمة الحقيقية لهذه القضية، فى أنها كشفت للناس الشفرة التى يستعملها الحداثيون، جعلتهم يتحدثون إلى الناس بنفس الألفاظ التى يتحدثون بها إلى بعضهم البعض.. إلى أفراد العصابة.. وهكذا تم كشفهم الاكتشاف الكامل والنهائى.. ووضحت للناس أن ما يحملونه فرحين ليس جهاز تلفاز أو لعبة إليكترونية سيسعدون بها بل لغما شديد الانفجار سيدمرهم.. أسقطت تلك القضية الأقنعة عن الوجوه الشائهة.. و أدرك الناس لأول مرة أن حرية الفكر لم تكن تعنى أبدا حرية الفكر.. ولا حتى حرية الكفر.. بل كانت تعنى التآمر على إيمان الناس وتحويلهم إلى الكفر.. ومن لم يتحول أبيح دمه..
وفهم الناس لأول مرة أن الإبداع يعنى أشد الألفاظ بذاءة وسوقية.. و أن الإبداع يزيد كلما وجهت هذه الألفاظ البذيئة والسوقية إلى مقدساتنا.. فإذا وصل الأمر إلى سب الذات الإلهية والسخرية من الرسول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، و إلى إهانة القرآن الكريم فقد وصل إلى عالم الذرى ..
أدرك الناس المعنى وفهموا الشفرة واكتشفوا أنهم لا يتعاملون مع مبدعين ولا مفكرين ولا فلاسفة و إنما مع حثالة بشرية مرتدة خائنة وعميلة وسافلة ومنحطة..
بعد هذا الانفجار توالت الاكتشافات..
وكما سقط العقل والعلم والمادة فى عالم الحداثيين راحت رموزهم تسقط رمزا خلف رمز.. فى فلسطين وأفغانستان والشيشان وكشمير و.. و.. و..
سقط وهم الديمقراطية وتبدى وجهها دون قناع كمسخ مشوه مروع ومقزز ورهيب ..
سقطت فكرة العدالة البشرية عندما أسفرت عن ظلم وحشى مجنون ..
سقطت منظومة ادعاء حقوق الإنسان عندما سحقت حقوق الإنسان بمباركة فلاسفة العالم ومنظماته الدولية..
سقطت المنظومة الغربية كلها تحت حوافر الغبى المجنون جورج بوش، وهو يبيح لنفسه ما حرمه الله سبحانه وتعالى على نفسه، الظلم، نعم سقطت المنظومة والمجنون الغبى يعلن الحرب على الإسلام ويريد منا تعديل القرآن إن لم يمكن إلغاؤه، سقطت والغبى المجنون يعتبر الوحشية رقيا والقتل تحضرا، والاستهانة بأرواح مئات الآلاف حضارة، سقطت والغبى المجنون يدعم السارق ضد المسروق منه، والجلاد ضد ضحيته، وأيقظ الغبى المجنون ما كانت آلات إعلامهم الجبارة قد نجحت فى إيهام العالم به من أن القيم البشرية المطلقة قد حلت محل المقدسات جميعا..
والغبى المجنون اعتبر العالم معرضا للخزف فراح يجوس فيه ويحطم أو أنه تصرف كقرد تسلل إلى متجر فراح يبدل أماكن لافتات الأسماء دون أن يبدل معها الأشياء فإذا الشجاعة جبن وإذا الجبن شجاعة وإذا الديموقراطية ذات أنياب.. و إذا الشجرة " رشجة" و إذا الكلب " لكب أو بكل" ..!!
لقد علم الله آدم الأسماء كلها وهذا الغبى المجنون على رأس صف طويل من الحداثيين يحسبون أنهم قادرون على تغيير تلك الأسماء التى علمناها الله..والغبى المجنون لا يفهم أنه ليس له إلى ذلك من سبيل إلا إذا استطاع أن يأتى من المغرب بالشمس التى يأتى بها الله من المشرق..
نعم فى خلال ثلاثة أعوام سقط ما ظل الغرب – وحداثيونا – يضللونا به ثلاثة قرون..
يا قراء: إن ما يفعله بوش وشارون ليست مجرد تصرفات مجنون فقد عقله و إنما هى النتيجة لفكر شاذ وفلسفات مريضة و أفكار مجرمة تعتمد كلها على الكفر بالله.. وعلى القطيعة مع التراث وعلى تدمير اللغة العربية..
ونفس هذا الفكر الشاذ والفلسفات مريضة و الأفكار مجرمة هى تماما ما راح حداثيونا ينثرونها فى أمتنا كالوباء..
نعم يا قراء.. خدعنا الحداثيون وخانونا..
ولم يكونوا يناقشون قضايا: العلم فيها لا ينفع والجهل بها لا يضر..
لقد تآمروا علينا وخانونا.. وكان المنهج الذى حاولوا ترويجه طيلة الوقت هو نفس المنهج الذى اتبع لتبرير الاستعمار و الإبادة والظلم.. كما اتبع لنزع سلاح الأمة الوحيد فى المواجهة: ألا وهو عقيدتها وهويتها والتى لا يمكن لها أن تحافظ عليهما ما لم تحافظ على لغتها..


"الساخر" : في لقاء مع أحد النقاد العرب المعاصرين قال :
(( لدينا أخلاق فكتورية جعلتنا نهمش نصف اللغة )) هل الأخلاق تقف حجر عثرة في اكتشاف اللغة..؟؟ وهل يمكن اعتبار هذه دعوة للإباحية من خلال اكتشاف وتفجير اللغة..؟؟يا لها من وقاحة..
أخلاق فيكتورية؟.. لن نتساءل عن الأخلاق الإسلامية فأمثال هذا الناقد على عداوة مبدئية معهما.. مع الإسلام والأخلاق معا..
نهمش نصف اللغة؟
لكننى سوف أثبت لكم أنه كذاب أيضا..
سأعرض عليكم بعض ما جاء فى كتاب أصدرته وزارة الثقافة المصرية عن عشرين شاعر حداثى، وزارة الثقافة، وليس مجلة حمراء ولا صحيفة صفراء، ولكم أن تتخيلوا ما يفعله القطاع الخاص، ولكم أن تتساءلوا بعد أن تقرءوا أى نصف آخر للغة يريد هذا الناقد الوقح أن يحييه:
هذه المقتطفات مما يقولون أنها شعرهم الجديد.. وليست شعرا ولا نثرا وإنما إفرازات نفوس مريضة شاذة..
فلنقرأ نماذج من هذا الشعر:

" وكأن الله سيعمل منذ اختفت الأرض جميعا
تحت رؤوس الناس
جليسا للأطفال
يعلمهم آداب الحب
وفقه اللغة ".. .
**
مراكز عبادة بنيت مناصفة..
بين عرق الرجال والمومسات..
**
سماوات بأعضاء تناسلية..
وآلهة..
تنتف شعرها بسكر رخيص..
**
لن تخسر شيئا إذا ألغيت الرحلة ..
يمكنك أن تستغنى عن الله ..
وتكلمنى..
**
فلنبدأ الحفلة الآن..
ليرقص القتلة واللواطيون..
مع الملوك والقديسين..
ولتبارك العاهرات هذا العرس بدلا من الكهنة..
ليكون لهذه الليلة نسل جميل..
أرغب أن يخرج من هذه القصيدة كلب..
أتملقه بحلمة راقصة..
أغريه بحرف ناعم..
بواو كذنب كلبة مستعدة للمضاجعة..
يصور أكثر الكلبات شيقا فى التاريخ..
كلب أو أى تسلية أخرى..
حتى نهاية القصيدة..
ماذا يمكن أن أفعل غير هذا..
أجذب الرب من رقبته وأدعوه إلى الرقص..
**
الأبدية ستدلى أثداءها وتقول:
خذوا الله..
أخيرا سيقدم شفتيه..
**
فهل تعرف الآن أنى تشبهت بالأولين..
وأحرمت ثم سعيت..
وطوفت بالبيت سبعا..
وطوفت حتى تفجر بين ذراعى ماء..
فيممت صوب الصفا..
وتصايحت: زَمْ-زَمْ
**
لماذا تغير مجرى الكلام؟
لأنى سليل بلال..
تلقيت وحيا فرددت أنى ارتددت..
وأذنت فى الناس حتى يكونوا العصاة..
**
وكيف يكون شكل الله فى ملكوته الخالى؟
سوى من سقط تفاح وثعبان وتسبيح الملائكة الرتيب..
ونحن نهبط فى الضحى العالى..
ونجمع فى مباحات الحياة..
من غير إثم أو صلاة..
**
"العضو الناشز تحت فضاء البطن جميل ..
هذا ما سواه الأب الله.."
**
" واتخذى من كلمات الله غطاء مثل البحر إذا ما نفد البحر فليست تنفد فاتخذت "
"يأتيهن النبق من السدر المخضود.. أفرد جسمى فوق فراشى من عهن منفوش .."
**
" فالتحمت
واتكأ عليها كوع الله
واحدث ثقبا
يكفى أن يدخله الرجل
فتحمل عنه الوحدانية
كل شظايا الكون " ...
**
"وأنا مرح دون مناسبة أصرخ فى البرية يا قوم قد زهق الحق وجاء الباطل ، إن الباطل كان فعولا "..
**
" رأيت يد الله تأخذ من طينتى وتكور نهديك
تأخذ من طينتى وتدور فخذيك
تأخذ من طينتى وتقبب سرتك"..
**
" رأى طائرين على نهد عاشقة يسفدان ، رأى كيف تخرج من سرة امرأة جنتان. رأى امرأة وهي تدعك نهدين مندلعين بماء الذكورة "..
**
“.زملينى أنا العاشق المرتبك"
"دثرينى وخلى نهودك تحرث قلبى بنصلين من وبر"..
**
زمّلونى.. زمّلونى..
من حروفى ومن فنونى..
فى مغارات المحاولة..
البلابل دخّلونى..
**
" زملونى زملونى يا خاصتى الأقربين
واخضعوا مليا مليا فى حضرة البنفسج اللعين"..
**
"دثرينى دثرينى
ورطبى لى جبينى
النار فى عيونى
والريح فى يقينى
**
"شعائر دهن الثدى بالمانجو والتقاطه باللسان
**
وإن أبطأت قليلا ..
فاستيقاظك
يسعى خلف عسيلتها
و إذا ما بلغ الذروة
يسند كفا فوق الحوض..
وكفا تحت الإبط
يعلق ساقا فوق الكتف اليمنى
ساقا فوق الأخرى
ينتزع الأشواق جميعا
كيما تصعد فى ناموس الكون
**
ولا تذكروه بحواء
حتى تعود من البوتيك
ومعها السوتيان والكيلوت
معها المانجو"
**
" يصلح أن يلتصق بأعشاب الإبطين ، وأعشاب صالحة أخرى
دم لايتنزل من أعماق الفرج"
**
"كيف يكون لعابك غير لعاب العضو"
**
" السائل المنوى الأصابع الإبط اللسان القضيب
الرعايا الأسرى الرعايا
ها ها ها
هى هى هى "
**
" لن أسألك عن العجوز الذى كان يقرصك/ فى ثديك الأيمن(..) / فقط . . / ساكون حذرا من الدبابيس التى تكمش فتحة السوتيان / من القطط التى ترعى صمتك / وتمسح فروتها فى نهديك / خلسة / بمكر / خاص . . جدا
**
ثمة شياطين ملهمة / فكى شرائط الستيان / واتركيها تلفلف الفضاء على جسدك
**
يقبلها، يأخذ من ريقها، وتأخذ وترتخى وسيدها، يفرك حلمتها فتوسع عينها وتميل مع حركته ، تتألم وتنتشى. حتى تنز بمائها فتصرخ..
خذنى..
أريد أن أشعر بثقلك علىّ..
**
"سنذهب إلى أمهاتنا إذن
بلا أوسمة
بملابس داخلية غير مبقعة"..
**
"رغم الأفخاذ المتسلخة تعودين أجمل لكننى فقدت عادة الاشتهاء.."
**
" أبعدى نهديك : جبلين شاهقين
بينهما ثعالب ظمأى إلى جسدى
أبعدى فخذيك :
بينهما مستنقع ملىء بالكلاب المسعورة"..
أبعدى .
أنت وسخ..
جبال عينيك لا تلد إلا الحيات "
**
"عورة أمى تنكشف / ولكنها تلملم الروث "..
***
هل هذا هو الإبداع الذى يمثل نصف اللغة الذى يتباكى عليه الناقد الوقح..؟!..
لكن من المؤكد أن الناقد الوقح لا يقصد أيا من ذلك، لأنه كله منشور، إنما يريد الساقط ما هو أكثر.
هل الأمر مجرد إنقاذ نصف اللغة من التهميش؟..
أم أن الكارثة أبعد وليس ذاك إلا جزءا من المؤامرة الكبرى على أمة لاإله إلا الله محمد رسول الله..
أذكركم يا قراء بأضلاع المؤامرة: الاستشراق والتبشير والاستعمار، ثم التعليم والإعلام والثقافة.
أذكركم يا قراء بأن ميليشيات الثقافة التى تطالب اليوم بانتهاك كل المحرمات والجرأة على كل المقدسات كانت حتى عقود قليلة تواجه مستنكرة بمنتهى الاشمئزاز من يخالف تعليمات صنميهما ماركس ولينين اللذان حرما الموسيقى الكلاسيك وتمثال فينوس باعتبارها رموزا امبريالية..
تذكروا يا قراء أن اللغة ليست مجرد وعاء ثقافة الأمة بل هى وهج وجدانها وبصمات تميزها وهويتها وتجاربها فوق أنها مستودع القرآن الكريم والحديث الشريف وتراث الأمة.. و أنهم فى الغرب عبر وكلائهم الخونة قد حرصوا دائما على محاولة تدميرها كى يعزلونا عن ماضينا المجيد.. وما أقوله ليس مجرد استنتاج شخصى بل تعج به كتب لا تنشرها وزارة الثقافة ولا تذكرها وسائل الإعلام.. يأتى فى هذا الإطار محاولات الاستعمار الدؤوبة لنشر العامية وكتابة اللغة بحروف لاتينية و.. و.. و.. ولقد نجحوا فى بقاع كثيرة من عالمنا الإسلامى..
وتذكروا يا قراء أنه عند ترجمة الإنجيل فقد رفض المستعمر أن يقوم على ترجمته أدباء مسيحيون كبار خشية أن تساعد ترجمته الفصيحة على تدعيم اللغة العربية..
إن عزل الأمة عن تيار لغتها الحقيقية يعزلها عن ماضيها وعن دينها المتمثل فى القرآن والحديث النبوى الشريف..
فهل يتصور منكم أحد يا قراء أن من يعتبر هذا الكلام الفاحش البذىء -الذى أوردنا منه مجرد نماذج- يستطيع أن يقرأ بعدها القرآن أو الحديث أو التراث..
يا ناس: الأمر ليس خبط عشواء بل خطة هائلة ومؤامرة كاملة..
هل تريدون نموذجا آخر من الفحش المنشور..
في رواية بيضة النعامة لرؤوف مسعد تبدأ الرواية - وهى سيرة ذاتية أكثر منها رواية - بفصل من أقل من صفحتين بعنوان المطاردة ، يكاد أن يكون منقولا من مذكرات شريف حتاتة: " النوافذ المفتوحة"، عن خادم يمارس الجنس مع طفل الأسرة، بتواطؤ مشترك، وما أن تفرغ من الاشمئزاز الأولى حتى تفاجأ بعنوان يقول : " كيف خدعت أمى الصعيدية الرب فى الأعالى" ، ثم عنوان آخر " :هل يمكن السير فى مظاهرة بدون ملاحظة أرداف من أمامك من البنات؟" ثم يتلو ذلك طوفان من الجنس المكشوف لا يمكن لبشر سوى أن يفعله فى حياته مهما بلغت بذاءته، وليس هذا أدبا و إنما قلة أدب، ونحن لسنا ضد الحرية التى يحتاجها أديب حقيقى كى يصوغ رؤاه، لكنها تلك الرؤى التى يعبر عنها أدب يقترن بنماذج السلوك المتحضرة المقبولة من مجتمع ما، ثم إن الأدب كما يعرفه الدكتور محمد عنانى فن جميل يتوسل باللغة، دعنا إذن من ركاكة أسلوب رؤوف مسعد، و أخطائه النحوية والإملائية ولغته العامية، دعنا من افتقاد الحبكة، دعنا من نوع الحكايات نفسها، واجلس فى أى ماخور يرتاده حثالة السفلة وستسمع منهم حكايات لا تقل تشويقا و إثارة وفحشا عن حكايات رؤوف مسعد، أو تابع أى قناة جنس لترى كل ما أورده رؤوف مسعد كتابة بالصورة والصوت على شاشتك ، دعك من مأساته كيسارى ماتت أوثانه وخانه من جعلهم فى مصاف الأنبياء ، وحطمه نظام سجون فى بلاده، يسعى إلى تحطيم ضحاياه وتحويلهم إلى مسوخ بشرية، ذلك كله ليس ما أفزعنى، المهم، المفزع والجديد ما وصل إليه رؤوف مسعد حين راح فى روايته أو سيرته يدافع عن الشذوذ الجنسى، فى بلد الأزهر والشهداء والقديسين، يدافع رؤوف مسعد عن الشذوذ الجنسى، ويدين اليساريين أصدقاءه ويتهمهم بالنفاق، لأنهم فى مجالسهم الخاصة يذهبون إلى ما يذهب إليه، لكنهم للجبن وبقايا البرجوازية فيهم وافتقادهم الشجاعة مثله لا يجرءون على مواجهة المجتمع بأفكارهم تلك..
يصف الكاتب – على سبيل الإشادة وليس الاستنكار- كيف تبدأ علاقات الشذوذ فيقول:
" تبدأ الأشياء الصغيرة فى النمو، اهتمام كل منهما بالحياة اليومية للآخر، خلق واحة مشتركة فى بحر الرمال هذا،ثم بداية البوح التدريجى، إنه يبدأ بالبوح الجسدى، تلامس الأصابع، تشابك الأيدى، اهتمام الواحد بجسد الآخر، و إذا أسعدهما الحظ فإنهما لا ينكشفان تحت النظرات الفضولية المستريبة، إذا أسعدهما الحظ فبإمكانهما أن يسكنا فى زنزانة واحدة و أن ينقلا برشيهما ليتجاورا أثناء النوم، ليقوم أحدهما فى النهاية بالحركة المؤجلة، ويخطئ من يظن أنها علاقة مشابهة لتلك الموجودة فى جرائم غير جرائم الرأى، ليس هنا أى مجال للمقارنة، إن الجسد يتجرد هنا من فعل ليصبح حالة، من إفراز إلى بوح، ليس هنا فاعل ومفعول به، بل واحد وواحد فى حالة متساوية ومتشابهة من الرغبة فى مساعدة الآخر على تخطى الحبسة .."..
يتحدث رؤوف مسعد بعد ذلك عن لقائه بصديق يسارى فاتحه فى أنه سيكتب فى هذا الموضوع لكن الصديق يحذره، لا من بشاعة الفكرة بل من التشهير، فيخيب أمله فيه، فقد اتخذ هذا الموقف رغم أنه كاتب كبير .."..
"التقيت اليوم مع صديقى (ص) قلت له أننى أود أن أكتب كتابا عن فكرة استخدام الجسد فى أغراض مختلفة، قلت إنى أود أيضا أن أكتب عن السجناء الذين كان معى فى الواحات وقبلها في سجن القناطر وفى سجون أخرى عن العلاقات التى تتم بين المسجونين وبعضهم البعض، لم تعجبه فكرة الحكى فى هذا الموضوع قال : إن المباحث وغيرها من الجهات المعادية سوف تنتهز الفرصة لمزيد من التشنيع على الشيوعيين والديموقراطيين الذين يدخلون إلى السجون فى بلدنا بانتظام، حاولت أن أشرح له فكرتى، وهى أن الجسد هو الشىء الوحيد الذى يبقى للسجين بعد أن تأخذ منه إدارة السجن كل شىء أوراقه كتبه خطاباته ملابسه وحتى شعر رأسه باختصار هويته لا يبقى له من نفسه سوى عقله وجسده قلت له: حتى الجسد تحاول الإدارة أخذه منه .. الحمامات الجماعية والمراحيض التى ليس لها أبواب.. جرادل الخراء فى الزنزانة المغلقة لأكثر من عشرين ساعة فى اليوم.. باختصار سحب كل الخصوصية.. الخطابات تمر على الإدارة و أنت ترسلها و أنت تستقبلها .. إذن فمحاولة استخدام الجسد بوساطة السجين السياسى - و أكدت هنا على السياسى للحفاظ على آدميته المهدرة والتمسك بمساحة من الرغبة فى الحب المتبادل فى العطاء لشخص بعينه.. لاحظ هنا مبدأ الاختيار المنعدم تماما فى الحياة اليومية فى السجن.. كل هذا يعطى السجين فرصة شديدة الخصوصية فى التعبير بجسده ومن خلاله وعن تمسكه بنفسه وبروحه .. هو لم يقتنع مع أنه كاتب مهم.." ..
أعتقد أن القارئ مثلى، فى خضم عارم من الاستياء والاستنكار والاشمئزاز والقرف لا يحتاج إلى أي تعليق منى..
***
فى كتاب آل شاتيلييه: "الغارة على العالم الإسلامى" يصف كيف وضع العالم الغربى العالم الإسلامى داخل أسلاكه حيث أحكم حصاره كى يحول دون تحرك فعالياته الثقافية..
***
يترتب على ذلك أن المثقفين المستغربين – فضلا عن أنهم ليسوا مثقفين لا بالمفهوم الغربى ولا بالمفهوم الإسلامى- ليسوا هم الذين يمثلون الأمة ، لقد انفصلوا عن أمتهم وانفصلت أمتهم عنهم، تغربوا فاغتربوا. ولقد نشرت صحيفة الأسبوع المصرية بحثا عن توزيع كتب هذه النخبة المثقفة المستغربة، وكانت أقوال الناشرين مذهلة، فمعظم هذه النخبة المثقفة لا توزع كتبهم على الإطلاق، قال ناشر أن كتاب واحد من أساطينهم قد وزع ثلاثة نسخ، وقال الآخر أنه يتحدى أى واحد من تلك النخبة المفروضة على الأمة أن يتجاوز توزيع أى كتاب له 300 نسخة..
ولو أن الأمر ترك لآليات المجتمع والثقافة دون تزوير لسقط أفراد هذه النخبة المثقفة على الفور.. تماما كما سقط جيش أنطوان لحد فى جنوب لبنان بعد أن تخلت عنه إسرائيل – على العموم فإنهم ليسوا سوى جيش أنطوان لحد آخر مزروع فى قلب الأمة الإسلامية- لكن أعداء الأمة قد وجدوا حلا لاغتراب نخبتهم عن الأمة وانصراف الأمة عنهم، ففى الصحف الحكومية، ومعظم الصحف فى العالم الإسلامى حكومية بصورة أو بأخرى، فيها متسع لهؤلاء الملفوظين من أمتهم، فيها – كما فى التليفزيون والمؤتمرات – متسع لفرضهم فرضا ولإقصاء غيرهم ممن يملكون فكرا يمكن أن يتفاعل مع هذه الأمة..


***
هل تريدون نماذج أخرى من الفحش ترد على الناقد الوقح الذي يتباكى لأننا نهمش نصف اللغة؟
صحيفة الميدان، العدد 385 ، نشرت دراسة للصحافى وحيد رأفت يفضح فيها إنتاج أولئك الحداثيين، وكيف أن شاعرا كبيرا قرأ قصيدة أحدهم فكتب مقالا فى مجلة روز اليوسف - المعروفة بتوحهاتها الحداثية - يصرخ فيه : شعر هذا أم شذوذ.
وتواصل صحيفة الميدان - وهى حداثية!- : شاعر آخر كتب قصيدة عن زواج أبيه بعد موت أمه من امرأة أخرى .. يعبر فيها عن سعادته لأن أباه سيمارس معها الجنس من المؤخرة.. شاعر ثالث منهم ماتت جدته ودخل يغسل جثتها مع أبيه ولفت نظره أنه يراها عارية لأول مرة فمد يده إلى فرجها.
وتواصل صحيفة الميدان لتنقل إلينا حكاية ديوان " ليكن" لهدى حسين والتى أسست فى ديوانها مدرسة جديدة فى الشعر هى مدرسة شعر المراحيض. إنها تشرب القهوة مع عشيقها فى المساء فتغرق فى التأمل : كيف ستطرز هذه القهوة برازها فى الصباح!!.. وفى قصيدة (!!) أخرى تصف ممارسة الجنس بينما تمسك شرجها كى لا يفرغ فضلاته!!.
وتواصل الصحيفة وصفها لهؤلاء الأدباء الذين تطبع لهم وزارة الثقافة مثل هذه الأعمال فيذهبون ليدخنوا الشيشة على البارات فإذا ما هاجمهم أحد صرخوا فى وجهه: أنت ضد جرية الإبداع.

***
ثم يزعم الوقح أننا همشنا نصف اللغة، وهذا الوغد لا يهدف إلا إلى تهميش النصف النظيف الباقى كي تحل محله مثل هذه اللغة الساقطة.
***
مع الانهيار الشامل لم يعد لدينا نقاد حقيقيون إلا كاستثناء. الموجودون فى الساحة هم مزيج من العملاء والخونة والمأجورين لترويج اتجاه ودحض آخر.. حتى لقد شاعت مقولة تقول: " النقد مقابل النقد" وهى تعنى أن الناقد لم يعد يكتب نقدا إلا إذا حصل مقدما على نقود، و أن اتجاه نقده تحدده كمية هذه النقود.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتابي: الجزء الأول

بعد مائة عام..!!