قراءة في رواية الحاكم لصا


قراءة في رواية الحاكم لصا

 روايه الحاكم لصا هى الرائعه الادبية التي تتحدث عن الانظمه العربية بالضبط ,. الروايه كتبت سنه 1989 الا انها تتنبا بكل ما حدث وتنبات بالثوره وتنبات بفشلها ,. الاسلوب رائع وماتع ,وتلتفت الى الاحداث وكان كاتبها يجلس الان ويكتبها , يغوص. في عقليه النظم الحاكمه ويحلل ادراكها ويشرح لك كيف تتحرك وكيف .




الكاتب:دكتور محمد عباس
نشر سنة 1989
216 صفحة
مكتبة مدبولي

نبذةمن سجن استئناف اوفريسيا قام اللصوص والمجرمون بانقلاب على نظام الحكم،فحكمو!!
وفي احدى حكوماتهم كان وزير المالية سجينا سابقا بتهمة تزييف النقد ، وكان وزير الشرطة تاجرا للمخدرات ، ورئيس المخابرات جاسوسا ، ووزير الثقافة والأداب قوادا ، اما الامبرائيس فقد كان واجهة للحكم ، واداة له ، مجرد عصا في يد المايسترو الذي يحكم فعلا.
ولقد اكتشف المايسترو - الملك- ان الفارق بين ممارستهم وممارسات الحكومات السابقة هو مجرد الفرق بين الاحتراف والهواية.
كان الجميع لصوصا.
ولم تكن الوجوه تختلف.
فقط تختلف الأقنعة.
يقول الدكتور عباس
الحاكم لصا رواية غريبة..
غريبة جدا.. كتبتها منذ ربع قرن..(1989)
الرئيس قواد وكل الوزراء مسجلين خطر وتجار مخدرات ومهربين وقتلة لا دين عندهم ولا ضمير ولا خلق ولا علم ولا ثقافة.. وكل القضاة لصوص لا يحكمون إلا بالظلم في فجور ليس كمثله فجور وكل الشرطة عصابات يفوق إجرامها أعتى العصابات والإعلام بيت دعارة لا يكف عن نشر أمراض فقدان المناعة في المجتمع أما الجيش فهو فتوات الحاكم اللص..
كلهم كلاب لا أحد فيهم يفكر في الوطن..
العداء بينهم مستعر لكنهم يتوحدون على الفور ضد أي شريف..
...
وتشتعل الثورة..
وتسيل الدماء أنهارا وبحورا..
ويستمر الصراع دهورا..
ويشتد عود الثورة..
ويظن الثوار أنهم نجحوا..
لكنهم في تلك اللحظة بالذات..

يفقدون كل شيء..

*******


أعترف للقارئ أنني أهرب في هذا المقال من مواجهته لأنني أشعر بالخزي والغضب من تسليم مجرمي التمويل بصورة مخزية طعنت قلبي..
كان أمامي إما أن أنفجر بالغضب نارا محرقة .. وإما أن أحاول الهروب..
إن الذي دافعت عنه هو الذي يخذلني.. والذي أحببته هو الذي يخونني..
الهجوم عليه يضنيني والدفاع عنه يذبحني..
أعرف أن الكتيبة المجاهدة في هذه الصحيفة بقيادة الأستاذ طلعت رميح الذي أعتبره واحدا من أفضل المحللين الاستراتيجيين في مصر تشكل قاطرة تقوم بجهد هائل لتعديل المسار ولإعادة القاطرة إلى القضبان.. لكن في الاتجاه الصحيح بعد أن سارت في الاتجاه المعاكس طويلا طويلا.
أوافقهم تماما على ضرورة تجاوز الأشخاص إلى المنهج. ولما كنت غير قادر على تجاوز غضبي الشخصي فقد قررت الهروب.. وإليكم هذا العمل..


هذه رواية لا أحبها، ولم أعد لقراءتها منذ ثلاثة وعشرين عاما، رغم أنني كاتبها. أعترف بأنني استعملت القالب الروائي راجيا أن يكون مباحا فيه ما يستحيل تناوله في الواقع، كالحديث عن الفساد الذي كان مستشريا ولا يزال، عن عمولات السلاح الذي لم يكن يأتي أصلا، عن المليارات التي أُهدرت خصما من أمن الوطن واستقلاله وقدرته على الدفاع عن نفسه. وتورط العديدين في تلك العمولات في إطار حرص الطاغوت على توريط من حوله، خاصة من كبار وصغار العسكريين، لتتسع رقعة المتورطين معه والمدافعين عنه دفاعهم عن وجودهم وأنفسهم إذا أزفت الآزفة، وكذلك فساد القضاة ورجال الشرطة وتعهر النخبة، فكل ذلك يدور في إطار الرواية، التي أتدرع فيها بحرية الإبداع، تلك الحرية التي تحمي المتدرع بها، حتى لو هاجم الرسول صلى الله عليه وسلم، وحتى لو استهزأ بالقرآن الكريم ونال منه، بل ولو هاجم الله. وإنني واثق أن حرية الإبداع تحمي المتدرع بها من عواقب مهاجمة كل المقدسات، لكنني لست واثقا أبدا من أنها يمكن أن تحميني إذا ما تعرضت فيها للقضاة أو للعسكر أو للنخبة المدنسة أو حتى لشنودة أو ساويرس. النخبة المدنسة التي سيذكر لها التاريخ أنها كررت مأساة 1952-1954، عندما وقف آباؤهم وأجدادهم لينادوا بالدستور أولا، وبسقوط الديمقراطية، فسقطت الديمقراطية، ولم يجئ دستور 1954 أبدا.
***
إنني أنصح القارئ الذي أصابه الذهول من التشابه بين قصتي القصيرة "حفل إفطار رمضاني" التي كتبتها عام 2007، وبين ما حدث بعد ذلك فعلا عام 2011، أنصحه أن يقرأ هذا العمل أيضا، لكنني أناشده، ألا يحاول توريطي بأكثر مما يقتضيه العمل الأدبي، كما أرجوه، إذا وجد من التشابه ما يثير ارتيابه، ألا يشيع الأمر، وأن يكتم عني ويستر عليّ، وألا يحاول أبدا – إكراما لي لا للحق!- الربط أو الإسقاط بين أبطال هذه الرواية، والذين قادوا الثورة المضادة ومكنوا لها حتى انتصرت، وبين الموجودين الآن على الساحة أو تحت الأرض، الذين سيؤدي موقفهم من اللجنة التأسيسية والدستور إلى وأد الدستور ستين عاما أخرى، وتذكروا أن من قتل دستور 54، كانوا فقهاء دستوريين مثل فقهائنا الحاليين، ولكن تلك قصة أخرى تنتمي إلى عالم الواقع لا إلى عالم الرواية الذي نتحدث عنه.
***
أنهيت هذه الرواية عام 87، وظلت مباحث أمن الدولة تمنع صدورها لمدة عامين، ساوموني أثناءها كثيرا لتغيير الاسم، لكنني أبيت، فصدرت في النهاية عن دار مدبولي - رحمه الله - وكان اسمها ولا يزال : "الحاكم لصا" كانوا قبلها قد صادروا مجموعة قصصية لي بعنوان : "مباحث أمن الوطن" بعد أن اكتملت طباعتها ( في تحذير لمدبولي من أنه سيتكبد خسائر فادحة إذا ما نشر لي).
في ديسمبر 1988 اتصل بي مستشار دار النشر ليطلبني لمراجعة "البروفة"، لكنني كنت أعيش الأيام الأكثر حزنا في حياتي، كان أبي يموت، عليه من الله رحمة واسعة وأسكنه في الفردوس الأعلى. اعتذرت، وطلبت تأجيل النشر، كان معرض الكتاب على الأبواب، تعهد الناشر أن يراجعوها بأنفسهم مراجعة دقيقة، بعد الطبع هالني كثرة الأخطاء المطبعية فيها بل وسقوط بعض الصفحات وكل الهوامش، وددت أن نلغي الطبعة كلها، لكنني لم أشأ أن أفجع الناشر في ماله مرة أخرى، كانوا قد صادروا من عنده كتابا لي قبلها بعام.
اجتمع ظرف موت أبي والأخطاء المطبعية كي يبعدا هذه الرواية عن قلبي فلم أقرأها منذ عام 1988. ولم أتذكرها إلا بسبب إلحاح صديق عزيز أثق تماما بحسه الأدبي الراقي وثقافته العميقة هو الأستاذ أحمد الوكيل.. وكذلك رسائل القراء الذين لم ينسوها أبدا.. وهم ينبهونني إلى أنني أتنبأ فيها بما يحدث الآن كما حدث في قصتي "حفل إفطار رمضاني".
إزاء إلحاح القراء أعدت قراءتها فإذا بي قد ظلمتها كثيرا. لقد كانت وعاء للواقع، وسبيكة انصهرت فيها الأحداث السياسية بالفلسفة والتاريخ وعلم النفس، ولقد أفدت فيها كثيرا بمؤلفات الدكتور على زيعور ومصطفى حجازي وبمجلة الصحة النفسية وبكتابات الدكتور يحيى الرخاوي وبدوريات نفسية متعددة وبتقارير منظمات حقوق الإنسان، ومزجت فيها الخيال بالواقع. المزعج حقا، والمحزن حقا، أن القراء استدعوها، ليس لأنها تمثل لهم كابوسا يمكن أن يروعهم، بل لأنها تمثل واقعا يمكن أن يقع.
***
بطل الرواية لا اسم له، وهو يعيش في دولة خيالية اسمها "أوفريسيا" وهو يكنى في نصف الرواية الأول بالملك وفي نصفها الثاني بالمايسترو، لكنه لم يكن ملكا ولا رئيسا، كان يحرك الأحداث دون أن يحكم. وهو مجرم عريق في الإجرام، معتد بذكائه إلى غير حد، كان فاسدا أدرك فساد النخبة كلها، الرئيس والوزراء ورجال الأعمال، وكان حريصاً كأشد ما يكون الحرص، لكنه فجأة وجد نفسه في السجن، كان يظن أن النخبة لا تدخل السجن إلا بسبب الغباء أو عدم الحرص.. الآن يدرك أن دخول السجن ككوارث الطبيعة لا تفسير لها ولا حذر يمنعها.
في السجن.. فرضت عليه الفكرة نفسها.. فلماذا لا يحكم المسجونون؟! المسجونون الجنائيون وليس المعتقلين السياسيين!
وأعجبته طرافة الفكرة فأخذ يتخيل انقلابا على نظام الحكم يقوم به المساجين فيشكلون حكومة ويحكمون البلاد، وأخذ وضحكاته الداخلية تتعالى يشكل حكومته الجديدة فعين أحد المتهمين بتزييف النقد وزيرا للمالية وعين تاجرا للمخدرات وزيرا للشرطة وعين جاسوسا رئيسا للمخابرات.. كما عين القواد سلطان الأطرش وزيرا للثقافة والآداب !!
ولم يكن الملك يتخيل أن هذه الفكرة التي نبتت في عقلة كطرفة ستشكل بعد تطويرها محورا لوجوده كله باقي عمره.
***
كان موسى الدهان ضابط شرطة فاسدا، حاول ابتزاز الملك (تذكروا أنه لقب لا وظيفة) الذي رفض، لأن وزير الداخلية نفسه طوع أمره، لم يقدر ساعتها مواهب موسى الدهان، لقد تجنب التورط، لكنه لم يتخيل التلفيق. فوجد نفسه في السجن بعد أن دس الضابط موسى الدهان مخدرات في حقائبه. ولم يكن أمر السجن صعبا، فأصدقاؤه في الخارج سيعاونونه، كما أن مصلحة الطب الشرعي - ككل مصالح أوفريسيا - كانت تفتح أبوابا واسعة لشهادة الزور مقابل الوظائف العليا أو الرشوة، وهكذا تم استبدال المخدرات التي وضعها موسى الدهان في حقائبه، وانتهت القضية إلى لا شيء، وكان وزير الداخلية بنفسه يتابع أمر الرشوة والإفراج، وذات صباح، فوجئ بوزير الداخلية أمامه، ظن أنه جاء لكي يصطحبه، لكنه فوجئ أنه جاء سجينا، وأن موسى الدهان أصبح وزير الداخلية!
***
في ذلك الوقت كان الإمبرائيس في أوفريسيا يحكم منذ عشرات الأعوام . كان اسم المنصب قد اشتق خصيصا بتهجين كلمتي الإمبراطور والرئيس . كان شعب أوفريسيا قد رفض النظام الملكي . ليجرب بعد ذلك مختلف أنواع الحكم . وجاء الإمبرائيس أخيرا ليضع نظاما جديدا وفريدا في العالم. وهو أن يكون الحاكم مزيجا من الرئيس والإمبراطور فقد كانت تجربة الرئاسات المتعاقبة كل عدة سنوات فضيحة أمام العالم . كان كل رئيس يأتي يمكث عدة سنوات في الحكم ثم يواجه الشعب في خطاب علني مهم يعلن فيه أنه استلم الخزانة من سلفه خاوية وأن الاقتصاد تحت الصفر وأن الأوفريسيين يجب أن يربطوا الأحزمة على البطون. وكان يتهم نظام الحكم السابق باتهامات شائنة منها الاختلاس والرشوة وإهدار المال العام وتهريب النقد إلى الخارج والخيانة.
لذلك كله فقد كان اقتراح أعوان الرئيس وخدمه من الصحافيين والمفكرين عبقريا. فعندما انتهت مدة حكمه وآن أوان الانتخابات الجديدة كتب ربيبه الحميم خنفس بوللي رئيس تحرير صحيفة الأنباء مقالا طويلا عن عيوب نظام الانتخابات، وكان مما قاله أن الرئيس لو كان عظيما فمن حق الشعب أن يتمتع بعبقرية عظمته مدى عمره . ولو كان غير ذلك أيضا فالأفضل أيضا أن يستمر في الحكم مدى عمره . حتى لو كان لصا، لأن أهم سبب للنزيف المتصاعد لخزانة أوفريسيا هو إحساس الرئيس أنه سيترك الحكم بعد سنوات معدودة بما يدفعه أن يحاول في هذه السنوات أن يؤمن مستقبله ومستقبل أتباعه. وكان النظام الذي يقترحه خنفس بوللي سيؤمن مثل هذا الرئيس بأن الخزانة كلها ملك يديه طوال عمره مما يجعله ينصرف عن المبالغة في السلب والنهب إلى رعاية جزئية لمصالح البلاد.
وانبرت صحافة المعارضة – التي كانت فلسفتها المعارضة من أجل المعارضة – في تسفيه فكرة الأستاذ خنفس بوللي متهمة إياه بأنه عبد كل حاكم، وكلب كل سلطة.
ومرت الأعوام والإمبرائيس يحكم وخنفس بوللي يكتب ولم يأت الرخاء. لكن ذلك لم يكن ذنبهم . كان الشعب الأوفريسي لا يعمل كما تعمل باقي الشعوب . والحقيقة أن أجهزة الإعلام أشبعت هذه الفكرة حتى اقتنع كل أوفريسى أنه لا يستحق أن يعيش وأن حياته منّة من الإمبرائيس عليه؟ لكن قليلا من الأفروسيين الكذابين كانوا يدعون أنهم يعملون وينتجون، لكن هناك من يسرق إنتاجهم.
***
مع وصول وزير الداخلية إلى السجن سجينا راح الملك يتابع الأحداث من داخل السجن بقلق . فقد كانت المعارضة تنفخ في النار وتقصد تغيير الإمبرائيس ذاته. وكان لابد من مذبحة تسحق من يعارض وترهب من يشجع . كان الملك في سجنه يتوقع المذبحة كل يوم . وكان سعيدا رغم قلقه. فقد كان يدرك أن الإمبرائيس مضطر – ككل مرة - أن يدفع الأمور لمذبحة كبرى يقضي فيها على أعدائه ليندفع بعد المذبحة للتضحية بوزير داخليته ليمتص غضب الناس.
وكان الملك يمنى نفسه بقرب انقشاع كابوس بموسى الدهان .
***
كانت مظاهرات الرعاع قد انفجرت في أنحاء أوفرسيا منذ الصباح الباكر ممتدة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب . أسفرت الحيوانات البشرية عن المشاعر الكامنة فيها فراحت تحطم كل شيء في سبيلها وتشعل النيران وتخرب الاقتصاد الوطني للبلاد . ولم يكتفوا بذلك بل كانوا يطالبون برأس ثلاثة: الإمبرائيس والشرطة المجرمة والصحافة الفاسدة .
كان موسى الدهان قد حاول بقواته منذ الصباح مواجهة المظاهرات التي اكتسحت كل شيء . وعجزت الشرطة عن مواجهة الكارثة فطلب من الإمبرائيس صدور أوامره بتدخل الجيش.. تقاعس الجيش عن التدخل ففوجئوا في المساء بقائد الجيش يدخل السجن معهم . وعندما أمر الملك قائد جيشه الجديد: "الفريق الطرابلسي" بمواجهة المظاهرات كان الزمام قد أفلت في نظر القائد … وحاول أن يشرح للإمبرائيس أن المظاهرات لن تهدأ إلا بقرارات سياسية تحمل بعض التنازلات للرعاع . وأنه لا يستطيع مواجهة الجماهير بالدبابات والطائرات والمدفعية الثقيلة وإلا انضم جزء من الجيش إلى المتظاهرين بأسلحته لينهار الاستقرار والاستمرار في أوفريسيا.
لم يتفهم الإمبرائيس كل ذلك واتهمه بالجبن . كان كل منهما يفهم الأخر . إن الإمبرائيس يريد من قائد الجيش أن يسحق الرعاع حتى لو قتل نصف شعب أوفريسيا فهم أشرار لصوص يستحقون الموت. وليس عنده مانع بعد ذلك من أن يقدم قائد الجيش للنصف الباقي كي يمزقوه إربا ملقيا باللوم عليه لأنه هو الذي دبر للمذبحة . نزلت قوات الجيش بقيادة الفريق الطرابلسى - صديق الملك الحميم - لتسحق المتظاهرين سحقا . وأوجس الملك خيفة فها هو ذا واحد آخر من أصدقائه سوف يقدم قربانا للرعاع بعد سحق الفتنة.
كان الملك واثقا أن ذلك العنف سيولد بين الرعاع مزيدا من العنف وأنه لن يمكن السيطرة عليهم إلا باستخدام الحيلة. حيلة تمتص بها عنف اللحظة الهائج المجنون. حيلة تحول الثورة إلى فورة والفورة إلى خيبة أمل. ولا توجد إلا حيلة واحدة هي أن تقدم لهم ضحية تقنعهم بأنها السبب في كل مصائب أوفريسيا . ولا يمكن أن تكون هذه الضحية سوى موسى الدهان .
وأغلق الملك عينيه في نشوة… لينام .
ولكن ما حدث في الأسبوع الرابع للمظاهرات كان أشد غرابة من أي خيال يمكن أن يخطر حتى على بال الشيطان. فذات صباح أخذت أجهزة الإذاعة والتلفزيون تناشد المواطنين الاستماع إلى بيان مهم بعد قليل منوهة أن هذا البيان سيحل كل مشاكل أوفريسيا .
تأجل البيان أكثر من مرة دون سبب، وكان ذلك يثير هياج الناس وغضبهم.
أخيرا لم يظهر الإمبرائيس بل ظهر موسى الدهان على شاشة التلفزيون. وأحس الملك بقلق خفي.. وكانت بداية البيان مفاجئة صاعقة.
أعلن موسى الدهان أن الإمبرائيس يعالج الآن في المصحة النفسية بعد أن وقع عشرة من كبار أطباء الأمراض النفسية على شهادة بأنه يعانى من مرض عقلي متقدم هو : السيكوباتي المتعدى . وأن هذه الحالة لا ينتظر شفاؤها وأنه لم يعد يصلح للحكم .
وأضاف موسى الدهان أنه منذ اللحظة الراهنة مسئول عن أمن أوفريسيا وعن رفاهية شعبها . وقرر أنه لن يترك الجرائم التي حدثت في الماضي ضد شعب أوفريسيا تمر دون عقاب.
وصرح الإمبرائيس الجديد بأن قائد الجيش معتقل الآن في سجن أوفريسيا الكبير لمسئوليته عن المذابح التي حدثت.
***
لم يشعر الملك بالاضطراب في حياته كلها كما يحسه الآن. مزيج من الظلام الدامس والضياء الباهر. لكنه إزاء عقله الكلي الشامل لم يعجز، فقد بدأ خطة عبقرية مكنته على المدى البعيد ليس من الخروج من السجن فقط، بل والبداية من جديد باسم جديد هو المايسترو. كانت الخطة تتلخص في تقمص شخصيات الآخرين بعد قتلهم وتصميم أقنعة متقنة يرتديها المتقمصون ويمارسون أعمالهم. وبعد أن أصبحت إدارات عديدة داخل السجن وخارجه من المقنعين تم إعداد ثلاثة أقنعة، أحدها للملك والآخر لفيروز العسال والثالث لحيدر الطرابلسى. ألبست الأقنعة لسجناء سياسيين ماتوا أثناء تعذيبهم . وصدر بيان من السجن بموت حيدر الطرابلسي وفيروز العسال والملك أثناء محاولاتهم الهروب من السجن.
***
لم يكن المايسترو يتوقع أن يستطيع موسى الدهان الاحتفاظ بالحكم عاما كاملا، لكنه أخلف ظنه، وهاهو ذا يحكم منذ عشرة أعوام.
لقد نجح في كسر شوكة الرعاع في أوفريسيا وهم يمثلون الأغلبية الساحقة.. ونجح في أن يكون حوله حاشية واسعة مستفيدة بسلطاته . وكان يشجع كل واحد من هذه الحاشية أن يقلده ليكون له هو الآخر حاشية أصغر وأن يكون لكل واحد من الحاشية الأصغر حاشية أصغر وأصغر وأصغر وبهذه الحاشيات استطاع تكوين مؤسسة رائعة للحكم يكون فيها حزب الفساد أقوى من أي حزب آخر. بل أقوى من أي هيئة ومؤسسة، أقوى من الجيش، أقوى من الشعب كله. ولقد تكفل هذا الحزب بالإضافة للشرطة والإعلام بسحق المعارضين سحقا كي لا يبقى من الرعاع سوى عناصر هشة بلا قيمة لا يفكرون إلا في صراع البقاء .. مجرد البقاء ولو كحيوانات بائسة.
***
كانت فكرة الأقنعة قد حققت نجاحا يفوق أعظم أحلام المايسترو جنونا!
كان الإمبرائيس موسى الدهان يعتقد أن ولاء المسئولين له . بينما كانت الحقيقة أن عددا كبيرا منهم كانوا من لابسي أقنعة المايسترو الذين اندسوا في كل مؤسسات البلاد . وكان معظم الآخرين يدركون أن هناك قوة أخرى خفية خلف الإمبرائيس هي التي تحكم حقيقة وكان ولاؤهم لها لأنها باقية والإمبرائيس زائل.
وكانت تكنولوجيا صناعة الأقنعة قد حققت تقدما مذهلا.
وكان المايسترو يدرك أن عنق الإمبرائيس قد أصبح في يده منذ فترة طويلة وأنه لو أراد عزله وسجنه وتعذيبه واتهامه بالخيانة العظمى لاستطاع . ولقد فكر في ذلك فعلا لكنه استبعد الفكرة فورا : فقد كان في حاجة قصوى إليه. إنه يدرك أنه يهدم كل شيء وأنه سيصل بأوفريسيا في النهاية للانهيار . والحقيقة أن هذا ما يصبو المايسترو إليه .. فبعد ذلك يستطيع أن يعيد تشكيل الجزئيات المنهارة كي يبنيها من جديد بعبقريته الفذة وتكون أوفريسيا كما يشاء مملكة تعيش بمن يوليهم عليها ألف عام.
***
منذ الأعوام الأولى للحلم المستحيل كانت معظم الصحف ووسائل الإعلام قد سقطت في يده. اندهش المايسترو للسهولة التي استولى بها على الصحافة تماما .. لم يكن يتخيل أن هذه الوجوه التي تقطر كبرياء وعنادا وسلاطة لسان وبذاءة يمكن أن تستسلم بهذه السهولة وتبيع نفسها بثمن رخيص.. فقد كان يعطيهم من البنكنوت ما يشاءون.. ولم يدرك الأغبياء أن كل أموال البنكنوت كانت مزيفة. ولم يكن لها أي قيمة إلا داخل أوفريسيا…
وبدعم الصحافيين والعسكر وصمت الرعاع تم تفويض الإمبرائيس وحده لاستيراد السلاح. وقد أثبت مرونة رفعته كثيرا في عين المايسترو وعندما لم يلتهم اللقمة السائغة وحده، بل أشرك معه عددا كبيرا جدا من المسئولين في أوفريسيا ومعظم القادة المهمين في الجيش. وفي الحقيقة كانوا يحصلون على فتات من العمولة، إلا أنها كانت كافية لتجعلهم يحسون أنهم مشاركون في الحكم من ناحية وأن تجعلهم يعيشون دائما أسرى القلق من انكشاف ما حصلوا عليه، خاصة أنهم لم يكونوا واثقين تماما من تورط رؤسائهم المباشرين أو قائدهم الأعلى معهم.
كانت الأسلحة تأتي متقدمة جدا وكانوا يعجزون عن إدارتها . وبلغ بهم الظن السيئ - الذي هو من طبيعة الرعاع دائما - أن ينشروا شائعة خبيثة أن هذه المعدات العسكرية ليست متقدمة جدا وإنما قد استوردت في الأصل فاسدة، أو ناقصة أجزاء جوهرية لا تعمل بدونها. وأنهم لم يعجزوا عن تشغيلها لغبائهم وتخلفهم بل هي من الأصل لا تعمل، واتخذ القادة قرارات صارمة إزاء هذه الشائعة الخبيثة والتي كانت تخفي – من وجهة نظر القادة – عجز وجهل الفنيين عن استيعاب هذه الأسلحة التي تحتاج إلى عقول ذكية لفهم ما فيها من تكنولوجيا متقدمة .
***
كان الصحافي الكبير محمد أحمد يدافع عن الإمبرائيس السابق بضراوة . وعندما أدرك أنه أصيب بخلل عقلي تحول فورا إلى تأييد الإمبرائيس الجديد . كان يفهم جيدا حقيقة الأوضاع . لم يكن مثل السفلة الأغبياء والآخرين الذين لم يفهموا بعد أن السلطة مجرد فرصة للحكم . فرصة قد لا تستمر . وأن كل من يتمكن من الحكم سيسلك النهج نفسه . لأن ذلك هو ما حدث وما يحدث في أوفريسيا وما سيحدث فيها دائما .
كان قد أدرك أنه يجب أن يوجه أجهزة الدولة كلها لتتكتل للدفاع عن الإمبرائيس وحاشيته مهما كانوا لصوصا، كان يعلم أن الناس لن يصدقوه، لكن يقينهم سيتزلزل، سوف يدفعهم إلى حالة البين بين… سينتابهم إحساس وجداني بأن الإمبرائيس لص، لكن الأدلة العقلية والمستندات سوف تثبت لهم أنه بريء وهذه الحالة من البين بين هي ما يجب أن نحرص عليها دائما بالنسبة للرعاع … أن ندفعهم للشك بعد أن يصلوا إلى اليقين .. ثم ندفعهم من اليقين إلى شك آخر ثم إلى يقين يثبت أنه كاذب … وأن يتبلور هذا إلى إحساس يرفض الشك واليقين معا .. بمرحلة من التذبذب والتردد تنهش كالسرطان في إرادتهم … وقد يدرك بعضهم حقيقة اللعبة لكنهم برغم ذلك لن يستطيعوا فكاكا.. وسوف يظلون مترنحين إعياء بين يأس لا يدفع إلى ثورة ورجاء لا يجاب .
***
كان النظام قد نجح في تحويل رجال الشرطة إلى أعتى وأحط أنواع المجرمين لتتجاوز وحشيتهم وهمجيتهم وجرائمهم أقصى ما يمكن أن يصل الخيال إليه .. وكان من يتمرد أو يرفض الأوامر الصادرة إليه يوجد بعد أيام وقد مات ميتة طبيعية.. تماما!!.. أو تنحرف سيارته فتنقلب.. أو تسقط به طائرة داخل البلاد.. والأفضل خارجها!
***
ورغم كل أدوات البطش لم ينجح الإمبرائيس في القضاء على الإرهابيين الذين نجحوا في إحدى عملياتهم القذرة في اختطاف الصحافي محمد أحمد الذي لم يصمد فاعترف. لم يترك الخسيس شيئا لم يقله. وكان كل ما قاله أكاذيب حقيرة – كما نوهت أجهزة الإعلام في أوفريسيا دون أن تذكر هذه الأكاذيب. اعترف الرجل بأن الجزء الرئيسي من أفكار وقرارات الإمبرائيس يصنع في الخارج للداخل وللخارج. وبين لهم أن السلطة في عمومها تستند إلى ثلاثة أركان رئيسية : أولا : القوة المسلحة والتي تشمل الجيش والشرطة والحرس الوطني والميليشيا الشعبية، وثانيا: قوة طبقة المليونيرات، وثالثا: قوة رجال الدين. أما مجالس الشعب والأمة والشيوخ فهي مجالس المطية، دواب يمتطيها ويعلفها. ثم واصل حديثه المسجل بالصوت والصورة لأحد الإرهابيين:
- لعلك تلاحظ تأكيدنا المستمر على عدالة القضاء وهيبته ونزاهته .. ولعلك تدرك أن هذا التأكيد المستمر بالطبيعة يواجه نفيا لا نتحدث عنه. بالنسبة للهيئة القضائية كانت أكثر الهيئات مقاومة ولكن لم يكن في حسبان السلطة ولا رغبتها أيضا أن تستولي على القضاء كله. كان المطلوب كله أحكام بالإعدام على بعض الأبرياء.. وأحكام بالبراءة على بعض المجرمين والخونة الذين يضبطون بسبب عدم حرصهم.. وهو ما حدث، بل إن ما حدث فاق ما توقعه النظام وانتشر الفساد بين القضاة.

البقية في الأسبوع القادم إن شاء الله



-2-
بعد حديثه عن كيف أفسد الإمبرائيس القضاء صمت الصحافي محمد أحمد قليلا ثم واصل :
- لقد حدثتك قبل ذلك عن القوى المهيمنة في أوفريسيا، ما لم أقله أن أيا من أفراد هذه القوة يبدأ نموه في داخل أوفريسيا . لكنه لا يكون مركز قوة حقيقي إلا عندما تمتد جذوره للخارج . إن العملية شديدة التعقيد . ويتحول الوضع في النهاية إلى أن ما يبقى على هذه المراكز ليست رغبة الإمبرائيس وإنما ضغوط الدول في الخارج وتوازنات السياسة المعقدة . وعند هذه النقطة ينفطمون عن ثدي أوفريسيا .. ويتحول ولاؤهم إلى من يحفظ لهم أماكنهم .. يتحول الولاء من الإمبرائيس إلى الخارج .. إن الإمبرائيس يمدهم بالقوة في البداية .. ثم يمدونه هم بالقوة في النهاية لأن وجوده تكريس للاستقرار .. استقرار كل واحد منهم في مكانه. وعدم إتاحة الفرصة للرعاع لنشر الفوضى والخراب.
وفي كارثة أخري فجر أحد المعارضين قنبلته الكبرى عندما أثبت بمستنداته أنه كان يمكن ألا تكون هناك أزمة في استيراد القمح منذ البداية وأن هناك في أوفريسيا مليون هكتار بور يمكن أن تستصلح بأقل التكاليف وتزرع قمحا تكفي استهلاكها .. وتساءل النديم وقد خلع برقع الحياء تماما .. لماذا لم تزرع هذه الأرض .. بل لماذا حوربت مشاريع القطاع الخاص لإنتاج القمح كما حدث في مزرعة الصحراء الكبرى التي هدمها الأمن بمدرعاته بعد أن بدأت في الإنتاج .
***
كانت الخطة العبقرية للمايسترو أن يبدو أمام الدهماء أن الحرية في أوفريسيا مطلقة .. أن يتكلم الجميع وأن يكتب الجميع . لكنه بتحكمه في منافذ النشر والتوزيع والدعاية والنقد كان يستطيع محاصرة فكر معين ونشر فكر آخر.
كان المايسترو خلال عمليات بالغة التعقيد قد اقترب من موسى الدهان.. الإمبرائيس.. وأثبتت عملية الأقنعة نجاحها المطلق.. فالدهان لم يعرفه. وواصل المايسترو نصائحه للإمبرائيس حتى تعقدت الأمور تماما.
فنصحه المايسترو:
- فلنجر انتخابات جديدة !!
***
وبدأت الانتخابات..
وادعت صحافة المعارضة أن مراكز الشرطة قد استعدت عددا كبيرا من المشبوهين وتجار المخدرات والبلطجية ووعدتهم بإسقاط التهم عنهم إذا ساعدوا السلطة عندما يطلب منهم ذلك.
المعارضة السافلة والرعاع والمتشددون والإرهابيون تآزروا للمرة الأولى على التصويت وحماية صناديق الانتخاب. وكان ذلك يعني كارثة في الداخل وفضيحة في الخارج.
وجاء التقرير الأول عن لجان الانتخاب مذهلا .. ففي الساعة الأولى لفتح اللجان توجه إليها أكثر من مليون ناخب .كان الشباب الطائش الذي طورد وضرب وأهين يهتف ضد إجرام الإمبرائيس ورجاله . كانت مشاعر الرعاع قد أسفرت من حقيقتها عندما قل خوفها من السلطة فانفجرت مشاعرهم الوضيعة في عنف مدمر .. كان الوضع خطيرا .. وكان منطقيا أن تستعيد السلطة زمام المبادرة فصدرت الأوامر بعدم الاعتماد على الفتوات فقط وصدرت الأوامر بتدخل قوات الأمن الرئيسية تدخلا مباشرا لإغلاق اللجان . وقد نجح هذا الإجراء في قمع الجماهير التي تراجعت في جبن كفئران مذعورة … وبرغم جبنهم فلم يتورع بعضهم على الكذب فأقسموا بالله أنهم شاهدوا بأعينهم بعض القضاة يساعد بنفسه في تزوير بطاقات الانتخاب لحزب الحكومة …
وتم فرز الصناديق تحت إشراف قضائي أثبت فوز حزب الحكومة ب 95% من أصوات الشعب.
كان الإمبرائيس يشعر بالضيق وهو متوجه لإلقاء خطبة افتتاح مجلس الأعيان . لأول مرة تخيب نصيحة المايسترو . لقد أشعلت الانتخابات هياج الرعاع ولم تقلله … لشد ما يبغض الإمبرائيس هؤلاء الرعاع … لشد ما يود أن يموت الشعب كله.
لكن الحقيقة التي ارتاح لها الإمبرائيس قليلا أن معظمهم كان ينجى بالأئمة على وزير الشرطة وقد أتصل وزير الشرطة ليخبره عن حادث مؤسف حدث في الصباح … أحد الرعاع ركب دراجة وأخذ يطوف بها شوارع أوفريسيا العاصمة وهو يحمل صحيفة المعارضة ويصرخ باكيا :" باعوا أوفريسيا .. انتخابات مزورة " . وكاد هذا الملعون يتسبب في تكدير الأمن .. لولا أن مواطنا مجهولا أطلق عليه الرصاص فأراده قتيلا … كان وزير الشرطة قد لجأ إلى هذه الحيلة العبقرية كي لا تنسب بعض الجرائم إلى جهاز الأمن .. أن يسير بين الناس جنود بلباس مدني يستطيعون التصرف الفوري دون أن تحمل السلطة وصمة أفعالهم ..
***
كان الإمبرائيس يسير في غرفة مكتبه مهتاجا يلعن المايسترو .. أشار عليه بالانتخابات كي يلهي الشعب ثم تركه وسافر .. ولم تله الانتخابات الشعب الذى خرج في مظاهرات عارمة بعد أن ألقى خطابه في مجلس الأعيان .. حيوانات بشرية لا تخشى الموت .. وكل يوم يزيد أوار المظاهرات فيتسلل إلى قلبه رعب رهيب .. وراح يسائل نفسه : هل أكمل الزمان دورته وآن الأوان لكي ينتهي بالقتل أو السجن أو مستشفى أمراض عقلية …. إنه يحاول أن يلهب نائبه بالأوامر … أقصى درجات العنف مع هؤلاء السفلة … أطلقوا الرصاص فورا على أي تجمع … ولتسحق مدرعات الشرطة أفواجهم المهتاجة كالحمير الوحشية .. كان القتلى كل يوم عشرات … ثم اصبحوا مئات .. لكن تلك الدماء المسفوكة كأنما كانت وقودا يلهب مزيدا من المظاهرات لم يعد يملك الوقت ولا البال الذي يستجدي فيه لهؤلاء الرعاع من الدول الأجنبية غذاءهم .. وعندما حدث ذلك شحت المواد الغذائية فانتهز التجار الفرصة ورفعوا أسعارهم … كانوا هم الآخرين كلابا. الجميع كلاب ينهشون فيه ولا أحد يرحم .. هو الآخر لن يرحم أحدا … فلتمتلئ السجون بكل من يحاول تكدير الأمن في أوفريسيا. وجاءه نائبه ليقرر له أن جهاز الأمن والميليشيا الشعبية غير قادرة على حفظ الأمن … وسأله بارتياع فما هو الحل إذن … وأجاب النائب لا مفر من نزول الجيش …
هذا الوغد … أيحاول أن يلعب معه اللعبة القديمة التي لعبها هو نفسه مع الإمبرائيس السابق … إنه خائن … الجميع خونة … وها هو ذا يرسل استدعاء كل يوم للمايسترو كي يعود لكنه لا يعود ..خائن جبان مثلهم … عندما تنتهي الأزمة سوف يعاملهم جميعا كالكلاب .. سوف يسحقهم سحقا … لن يعود في أوفريسيا رجل كبير إلا هو وحده … لكن عليه الآن أن يستعيد جلاء عقله القديم … أن يتعامل مع الجميع ويلعب معهم اللعبة حتى ينتصر .. يريد النائب نزول الجيش إلى الشوارع .. فلينزل الجيش .. وأصدر أوامره بنزول الجيش لكنه كان قد رتب بحيث لا يستطيع قائد الجيش أن ينقلب عليه … إن كان لا بد من الهزيمة فليس قبل أن يهزم الجميع … ليكن هو آخر المهزومين … دبر لمجزرة رهيبة تم في نهايتها اغتيال القائد نفسه.
كانت قوات الجيش ما زالت تحصد الجماهير حصدا … لكن الرياح لا تأتى بما تشتهي السفن دائما .. فثمة واقعة صغيرة حدثت قلبت الأمور كلها رأسا على عقب … كانت مجموعة الجنود في دبابة تطارد الرعاع المجرمين المخربين، وكانت الأوامر قد صدرت بنسف البيوت التي يلقي المتظاهرين منها الحجارة وزجاجات المولوتوف على الدبابات .. وبدا في نهاية الشارع منزل يعتليه المتظاهرون … وصدر الأمر لدبابة المقدمة أن تنسف هذا البيت بمن فيه … لكن سائق الدبابة صرخ فجأة :
- هذا بيتي …
وجاء الأمر عبر اللاسلكي …
- انسف البيت فورا ..
- وضع سائق الدبابة يده المقود … راح ينظر .. ولمح شبحا يتحرك خلف نافذة .. تخيل لوهلة إنها أمه .. إنها في البيت … أينسفها ؟ … جاءه الأمر صارخا مرة أخرى .
- - انسف البيت
- في لمحة فائقة أدار برج الدبابة بحيث اتجه مدفعها إلى الخلف ونسف دبابة قائدة ..
انتشرت هذه الحادثة في أنحاء أوفريسيا في لا زمن .. فهمها قواد الجيش أكثر بكثير من حقيقتها حين تخيلوا أن بعض فرق الجيش قد تمردت … وفهمها الرعاع على حقيقتها … أن جنود الجيش أبناءهم وأخواتهم …. وبلا تخطيط تغير فورا تكتيك المظاهرات .. وبعد أن كان الناس يجرون أمام الدبابات راحوا يجرون نحوها … كان منظر الدماء والأشلاء رهيبا وتوقف الجنود عن إطلاق النار … وصعد الناس على أبراج الدبابات … وهتف صوت مشروخ تحيا أوفريسيا ..
وفى لحظات كانت السماء والأرض تهتز لدوى الهتاف الذي أخذ الرعاع والجنود يرددونه " تحيا أوفريسيا"..
كان الإمبرائيس يعرف ما يحدث لحظة بلحظة … لكنه لاحظ فجأة أن الحرس الإمبرائيسى يهرب من قصره .. أعمل فكرة بسرعة … وأدرك أن الجميع قد خانوا .. عليه الآن أن يهرب بجلده – لو رآه الناس الآن فسوف يمزقونه إربا .. الوقت يمضي والخطر ماحق .. عليه أن يفكر فكرة رائعة من أفكاره القديمة .. ها هي .. لا يوجد شئ آخر …
ولبس الإمبرائيس ملابس امرأة منقبة .. تسلل من باب خلفي للقصر وأندس وسط الجماهير المتجهة نحو القصر هاتفا معهم :
- تحيا أوفريسيا .
نجحت أجهزة المايسترو – كما كانت تنجح دائما – في القبض على موسى الدهان متخفيا في ملابس امرأة منقبة في ميناء ساحلي صغير أثناء محاولته الهروب من أوفريسيا. ونشرت الصحف والإذاعة والتليفزيون على أوسع مدى ممكن صورة الإمبرائيس الجديد ساخرة منه شامتة فيه .
***
يجب أن يتحول اهتمام الشعب كله إلى محاكمة الإمبرائيس واعترافاته، يجب أن نلهيه بمحاكمة رائعة يشفي بها غليل انتقامه، ولكن قبل ذلك يجب بناء هيكل جديد للسلطة يقوم بمحاكمة الإمبرائيس. ودفع المايسترو وأعوانه إلى الأمر لأتباعهم من الصحافيين والإعلاميين لتقليب وجهات النظر في صحافة أوفريسيا وكل منهم يعرض فكرة جديدة لنظام جديد للحكم … كان المايسترو يقود الجميع إلى الفكرة النهائية الموجودة قبل ذلك في خلايا مخه …. لقد عرض كل رأى وفندت كل فكرة. وتم الاتفاق على حل مجلس الأعيان الذي أتى بانتخابات مزورة على أن يقود مجلس الرئاسة أوفريسيا لمدة ستة أشهر تتم فيها انتخابات جديدة حرة ونزيهة …
كانت محاكمة الإمبرائيس السابق أعظم حدث في تاريخ أوفريسيا، وفي نفس الوقت كان العمل يجري على قدم وساق لإعادة ترتيب البيت. وتم التحقيق – في عدد كبير من الجرائم وتم استرداد بعض الأموال المنهوبة … وثبت أن ما كانت صحافة المعارضة تنشره لم يكن صحيحا فقط بل أنه كان مجرد قشور لحجم هائل من الفساد … وبرغم كل مجهودات الحكومة الجديدة فلم يمكن حصر هذا الفساد كله .. إذ أن جهة مجهولة – لعلها تتبع الإمبرائيس السابق – قد دمرت معظم الوثائق والمستندات … واستطاع عدد كبير من المنحرفين الهرب إلى الخارج كان من بينهم نائب رئيس الوزراء السابق . وأعيد تقييم جديد للمشروعات التي اتفق عليها المليارات فإذا بمعظمها هياكل مشاريع وليست مشاريع حقيقية … وثبت يقينا أنها أنشئت لا لتنمية ثروة الوطن بل لنهبها .
وأجريت الانتخابات مرة أخرى .. وكانت باعتراف الجميع انتخابات حرة .. إلا أنه صحب ذلك انهيار الوحدة المعنوية التي ربطت أحزاب المعارضة في البداية … واخذ كل حزب يهاجم الآخر ويبدي مساوئه كي يفوز هو بالسلطة .
ولم يحقق حزب من الأحزاب الأغلبية المطلقة … وجرت مناورات كثيرة لتكوين حكومة ائتلافية … وتكونت هذه الحكومة أخيرا بعد أن امتلأ هيكلها بالشروخ…
ذهبت السكرة وجاءت الفكرة ..
وواجهت الحكومة الجديدة في أوفريسيا مشاكل كالجبال ..
وبدأت نشوة الرعاع في أوفريسيا تتضاءل إزاء ما سموه انتفاضتهم الكبرى .
حدثت انشقاقات عديدة في الائتلاف الحكومي … وتغير الرئيس أكثر من مرة .. وكان يبدو أن القداسة التقليدية التي طالما احتفظ بها مقعد الحاكم لم تخدش فقط بل تحطمت تماما، وبدأت شرائط التسجيل تنتشر من جديد .. وأخذ الرعاع يطلقون النكات على الحاكم ..
***
الديون هائلة بحيث لا يمكن سدادها .. بل إن دخل أوفريسيا القومي كله لم يعد يكفي حتى لسداد فوائد الديون … وأصبحت الوسيلة الوحيدة هي مزيد من الاقتراض لمجرد سداد ديون أخرى .. كانت مقادير أوفريسيا قد أصبحت مربوطة بخيوط تحركها من الخارج … وكانت الحكومة تمثل مجرد مدير أعمال تقليدي لتسير أمور الحياة اليومية، ولم يقتصر الأمر على ذلك .. فقد كان كل ائتلاف يجئ يضطهد أحزاب المعارضة الأخرى ويحاول تصفيتها واضطهاد أعضائها كي يضعف هذا الحزب .. وانتشرت المساومات الوضيعة .. ولكي تظهر الحكومة ديمقراطيتها فقد كانت كل حين وآخر تعقد مؤتمرا لمناقشة مشكلة من المشاكل ..
***
وكان أحد قيادات المعارضة الوطنية يصرخ: اتفقوا قبل فوات الأوان .. الاتفاق أو الضياع .. إنكم تتركون الأصول لتتقاتلوا على الفروع .. إن الإمبرائيس لم ينته كمنهج .. إن أوفريسيا أمامكم كمريض ينزف … وأنتم تتركون النزيف لتدخلوا في جدل عقيم حول طريقة العلاج والمريض يموت ..
***
لم ينج حزب من أحزاب أوفريسيا من تسلل أعوان منظمة التحكم والسيطرة التابعة للمايسترو وتم تسريب أنباء ملفقة عن الاختراق. وكان الهدف من ذلك أن يشك كل عضو في زميله . أن يعتبره جاسوسا وعدوا …
وفي غصون أعوام قليلة أصبح معظم الوزراء إما مقنعين أو عملاء مباشرين .. وأصبح القواد فيروز العسال رئيسا للوزراء .
في قصر فاخر من قصور معاوية زغلول في بلاد الغرب كان المايسترو يجلس وأمامه فيروز العسال وهو يقول له باسما .
- ها قد تحولت الثورة إلى مجرد فورة ..
وسأله فيروز العسال في إعجاب :
- كيف لم يزعجك الأمر في البداية ؟
وأجاب المايسترو بثقة :
- عندما يكون الشعب متخلفا فلا تخشى من أي تحول .. فالشعب المتخلف يمثله حزب حكومي متخلف يرأسه حاكم متخلف تحركه مراكز قوى متخلفة وتعارضهم أحزاب معارضة متخلفة … إنها حكمة بسيطة لكنها تخفي على الكثيرين … إن من يزرع الحنظل لن يحصد قمحا … وسوف ترى في السنوات القادمة كيف سيحدث الاستقطاب بين الأحزاب الحاكمة لتتبلور الأمور في النهاية عن حزب قوى يحكم وإمبرائيس آخر … وأحزاب معارضة هزيلة …
صمت المايسترو وطويلا ثم أضاف :
- ما يقلقني حقا هو تلك الجماعات المجهولة التي تصدر شرائط التسجيل . بعد إفراجهم عن الصحفي محمد أحمد حاولنا بكل أجهزتنا أن نعرف أي شئ عنهم لكننا فشلنا . إنها مجموعة منظمة تنظيما جيدا وتقوم بعملياتها ببراعة حقيقية وإتقان يكاد أن يكون مطلقا …
وأضاف المايسترو :
- هذه المجموعة هي التي تقلقني .. ينبغي أن يحاول مركز التحكم والسيطرة التسلل إليها كما ينبغي أن نعيد تنظيم مركز صناعة الأقنعة فقد نحتاجها في السنوات القادمة .
***
وكانت شرائط هذه المجموعة تحاول أن تشرح للأوفريسييين أنهم ليسوا رعاعا وأن التخلف ليس سمتهم و ليس عيبا خلقيا ولدوا به وليس قدرا من السماء قدر عليهم .. وإنما هو موقف نفسي دفاعي تجاه آلام لا تحتمل يتسبب فيها قهر إجرامي وإذلال لا يطاق في نظام حكم قاهر تشكل المواجهة معه خطرا ساحقا للمجتمع … خطر الإبادة والتعذيب والقهر .. وهو مجتمع تقوم بنية السلطة فيه على القهر والاستغلال .. ولا يوجد فيه حدود فاصلة بين المشروع غير المشروع … مجتمع يصبح فيه لزاما على كل فرد أن يلعب اللعبة حسب إمكانياته .. لا قانون يحمي ولا سلطة تحكم ولا منطق يسود وويل لذوى النية الطيبة، فهم في نظر السلطة المجرمة سذج وأغبياء وحمقى .
***
وبدأت الدورة تدور من جديد..
واشتعلت مظاهرات سقط فيها عشرات الآلاف تم قتل الطاغوت مرة أخرى، لكن الكارثة أن ذلك لم يتم على يد أحد المقنعين أو أعوان المايسترو. على العكس، للمرة الأولى كانت ثورة شعبية حقيقية بالكامل.
كانت الأسابيع التالية مزعجة حقا .. كانت لعبة المايسترو القديمة قد استمرت في إطارها الذي رسمه .. وكان الإبداع قد أثمر نوعا من التسيير الذاتي للحكم على هواه حتى أتى هذا الانقلاب ليهدد بهدم كل خططه .
اتضح أن اسم قائد الانقلاب خالد سليمان نور الدين الأيوبي. لم يكن المايسترو يعرف أي شيء عنه . ولم يسفر انقلابه عن القضاء على الحكومة أو رجال السلطة فقط.. فقد كان يسعى للقضاء على طبقة بأكملها .. وهذا هو بالضبط ما أزعج المايسترو لأنه كان يدرك دائما أن الملك أو الرئيس أو الإمبرائيس أو الحاكم مجرد محصلة لطبقة .. الوجه الظاهر لقوة خفية .. لذلك كان القضاء على إمبرائيس لا يسفر إلا عن إمبرائيس آخر مثله، كان كالممثل على خشبة المسرح … لا يشترك في كتابة الرواية ولا الإخراج ولا الموسيقى ولا الديكور ولا حتى اختيار الممثلين الآخرين الذين يمثلون باقي الأدوار معه .. لذلك كان من السهل دائما كلما ذهب إمبرائيس أن يأتي – حتى ولو من الكومبارس– من يقوم بدوره . فالملقن موجود والرواية لا تتغير
ومن هنا كان انزعاج المايسترو .. لأن هذا المسمى خالد قد أدرك سر اللعبة فغير الرواية والمسرح والمؤلف والمخرج والممثلين جميعا .. إنه يلعب في ساحة أخرى . إنه يسحق الطبقة العليا دون أن يقيم طبقة أخرى بديلا عنها بل ويدفع بالطبقة المتوسطة كي تتولى زمام كل الأمور في أول انقلاب حقيقي على أنظمة الحكم . انقلاب يغير مُصدر القرار ومَصدره.
كان هوس الرعاع في تقديس الحاكم مذهلا حتى له …
وأدرك لأول مرة في حياته أن الاستعباد لا يكون بالقهر .. بل يوجد استعباد بالحب أيضا !!
هذا الحاكم الداهية ليس كتلة من اللحم والعظام والدهن كسابقيه .. إنه يصوغ تاريخا آخر وشعبا أخر يكاد المايسترو لا يعرفه.. حتى ملامح الناس قد تغيرت ..
لكن ثمة خطأ قاتلا يقع الداهية فيه .. خطأ فكري .. ولشد ما يخشى المايسترو أن يتسع الوقت أمام خالد سليمان نور الدين الأيوبي لاكتشافه .. إنه يعلم الشعب أن الصواب واحد .. أنه وحده ومن معه على صواب .. هم فقط الذين يملكون الحق .. أما الآخرون فمخطئون مجرمون مارقون .
أعيد تشغيل عملية الأقنعة بطاقتها القصوى.
وكان النجاح الباهر للمنظمة عندما اختار القائد الملهم خالد سليمان نور الدين الأيوبي نائبا له أحد المقنعين.
نعم..
القائد والزعيم والرئيس خالد سليمان نور الدين الأيوبي اختار نائبا له من المقنعين ومن ثم فتح الباب على مصراعيه أمام تنفيذ كل مخططات المايسترو.
***
كان المايسترو قد تخلي - إزاء خطورة ما حدث - عن فكرته القديمة بألا يتولى المقنعون السلطة مباشرة.. فالرئيس في أوفريسيا يصل دائما إلى منصبه عن طريق الصدفة .. ولم يعد المايسترو يقبل ذلك .. لا بد أن تكون هناك خطة محكمة لكل شيء.
بدأ تنفيذ الخطة الأخيرة..
كان القائد والزعيم خالد سليمان نور الدين الأيوبي متوجها إلى قصر الأمة لإلقاء إحدى خطبه .
بلغ جنون الجماهير الحمقاء أن رفعت سيارته على أكتافها … وآلاف المنازل أخرجت قطع السجاد لتفرش بها الشوارع التي يمر بها الزعيم كي تنال شرف مرور سيارته عليها .. فأي جنون وأي تخلف …
في شرفة قصر الأمة وقف يلقي خطبته … بدا كما لو كان يحتوي ملايين الجماهير للتي تجمعت في الميدان الكبير بعقله وقلبه وعينيه .. إنه يتكلم لغة أخرى .. كأنما اكتشفت طريقة جديدة كي يتصل انفعاله بالجماهير في تيار جارف هادر هائل .. كان يبدو أن الجماهير ليست وحدها هي التي تستمع لكلماته .. حتى الكون يصمت والرياح تخمد وشقشقة العصافير تخبو .. وعندما يتصاعد الهتاف كان يبدو أن الكون كله يردد هتاف الهاتفين ….
كان المايسترو يجلس متوترا يشاهد الخطاب في التليفزيون متعجلا انتهاءه ….
انتهى الخطاب فدوى إعصار من التصفيق والهتاف الذي لم يسمع المايسترو في حياته له مثيلا .
دقيقة …………………………………
دقيقتان ………………………………
خمس دقائق ……………………………
عشر دقائق ……………………………
والجماهير ما زالت تنفجر هتافا والقائد يحيي .. يرفع يده مؤكدا بأصابعه على حتمية انتصار الجماهير ..
دخل القائد أخيرا من الشرفة ليستريح بعد كل هذا العناء ………
عندما دخل خالد سليمان نور الدين الأيوبي إلى مكتبه فوجئ بشيء غريب .. ويبدو أنه ظن لوهلة أن أمامه مرآه.. فقد رأى خالد سليمان نور الدين الأيوبي آخر يواجهه لا يختلف عنه إلا في بعض الملامح .. كان القناع مجهزا.. فارتداه البديل المدرب على الفور..كان الفرق الوحيد أن البديل كان يحمل مسدسا .. وقبل أن يدرك القائد الملهم ما يحدث كان الرصاص قد انطلق من مسدس كاتم للصوت .. فمات خالد سليمان نور الدين الأيوبي .
***
كانت الجماهير ما زالت تهدر في الخارج فخرج إليها خالد سليمان نور الدين الأيوبي الجديد ملوحا بذراعيه .. مبتسما ابتسامته التي كانت الجماهير تعشقها .
لولا دقة ملاحظة المايسترو لا نخدع مع الجماهير ..
"نجاح كامل"
تلك كانت الرسالة التي وصلت إليه.
في حوض سباحة صغير في أحد القصور المهجورة كان مزيج الأحماض معدا . وألقت فيه جثة خالد سليمان نور الدين الأيوبي …….كان المايسترو نفسه موجودا .. فتلك هي أعظم لحظات حياته.
وانتهت الثورة..
انتهت دون أن تدرك الجماهير العمياء أنها انتهت..
فقد كانت ما تزال تهتف وترقص وتغني.
***

انتهت الرواية وأذكر القراء مرة أخرى أنها كتبت في 1987 ونشرت عام 1989..
وأؤكد للقارئ أنني لم أقرأها له في ظل ما يحدث الآن.. على العكس.. أقرأ ما يحدث الآن في ظلالها..
يجثم على قلبي هم عظيم.. أحملق في المسئولين كل صباح وكل مساء لأتساءل:
هل وجوههم ما تزال وجوههم.. أم أن الثورة قد سقطت.. وأننا الآن نواجه الأقنعة..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتابي: الجزء الأول

بعد مائة عام..!!