علاء الأسواني: من يدفع ثمن الخيمة!!
علاء الأسواني: من يدفع ثمن الخيمة!!
يا له من أسى يجتاحني حين أضطر للاستشهاد بكاتب لم أحبه أبدا، لأنني أعده واحدا من أهم أعمدة إفساد الحركة الفكرية والثقافية في مصر والعالم العربي والإسلامي وهو الدكتور جابر عصفور، أضطر آسفا لاتخاذه شاهدا على علاء الأسواني، حيث قال عصفور فيه باللفظ :
- نظام مبارك صنع علاء الأسواني ليبرز أن هناك مساحة للحرية وأن لديه صدرا رحب لقبول النقد، و لكن نجوما مزيفة كعلاء هي حالة مصيرها الزوال دائما .
***
أعتذر عن الاستشهاد بجابر عصفور الذي لم يذكر أنني كنت أول من تكلم عن نجومية علاء الأسواني المصنوعة.. كنت قد اكتشفت ذلك منذ زمان طويل جدا، طويل حتى أنني نسيت ما حدث، حتى ذكرني به الصديق العزيز الأستاذ أحمد الوكيل رئيس مجلس إدارة هذه الصحيفة، المثقف الذكي الموسوعي الذي يحتفظ- فضلا عن ذلك- بذاكرة كذاكرة الكمبيوتر لا تنسى أمرا ولا تغفل عن تفاصيله، حتى أنني عندما تخذلني ذاكرتي ثم الكمبيوتر ثم مكتبتي أهرع مستغيثا به ليغيثني في معظم الأحوال..
***
أعتذر للاستشهاد بالدكتور جابر عصفور.. لكن المضطر يركب الصعب..
فالقضية قضية ثقافية.. لذلك لا مناص من الاستشهاد بواحد من داخل الحركة الثقافية..
تماما كما حدث مع الكاتب العبقري محمد جلال كشك عندما كان يكشف قضية فساد أخلاقي في الجهاز التابع لصفوت الشريف، وانتقد البعض الكاتب لاستشهاده بامرأة سوء، ورد عليهم الأستاذ جلال كشك ساخرا أنه يتناول قضية إتيان فاحشة فمن أين يأتي بشهود لها؟ من رواد المساجد؟ أم لابد له أن يأتي بشهود من موقع الفاحشة ذاته، وهكذا، فتح لي جلال كشك لي الباب للاستشهاد بالدكتور جابر عصفور.
***
حتى قبل أن يترجم كتاب فرانسيس ستونز كتابها الشهير من يدفع صناعة نجم وتصنيع كاتب كنت قد اكتشفت ذلك، كان أيامها محبطا تماما من تجاهله وكان يفكر في الهجرة.
وبعد ذلك بأعوام طويلة عندما اندلعت شهرته كالنار لم أنخدع، فأدركت أننا بإزاء عملية تصنيع نجم وصناعة كاتب، ولم أكن أقصد الأسواني وحده ولم أكن أقصده شخصيا إنما كنت أريد تناول طريقة الميديا الغربية في صناعة نجم سواء كانت موهبته تستحق أم لا، وذلك لاستغلاله أو استعماله بعد ذلك، لترويج فكرة بدفعه لتأييدها أو لدحض اتجاه ما بتكليفه بالهجوم عليه. ولم يكن علاء الأسواني سوى نموذج حالة.
***
كنت مدركا أن تناول شخص ما بالرعاية والتفخيم والجوائز وتسليط أجهزة الإعلام عليه لكي تصنع منه نجما.. يجعل من هذا الشخص بوعيه أو بدون وعيه أسيرا لمن صنعه.. فإذا أوعز الصانع لهذا النجم بعد عشرين عاما أن يزور إسرائيل مثلا أو يدعو لها أو أن يهاجم الإسلام أو أن يدافع عن البهائية فإنه سيفعل على الفور.. ليس بالضرورة لكونه مرتزقا أو خائنا أو عميلا.. بل في أغلب الأحوال لا يكون كذلك.. لكنه يكون أسيرا لأمرين: ضعف النفس أمام الغواية خاصة عندما تكون هناك مصلحة شخصية محققة في مواجهة ضرر غير محدد للوطن..
أما الأمر الثاني فهو أن الجهات التي ترعاه وتجعل منه نجما تحرص طول الوقت على إجراء غسيل مخ له.. على تغيير اقتناعاته وأفكاره.. واضعة في الاعتبار أنها كلما نجحت في إقناعه كلما قل الثمن الذي يجب أن تدفعه له.. والتغيير هنا يكون خطيرا جدا.. لأنه يزلزل قواعد البيت بينما تبقى الواجهة كما هي فتكون في الخداع أفعل.
كانت الفكرة في إطار اهتمامي الشديد كل الوقت حتى بدأت بالكتابة عنها منذ أعوام تنبأت في بدايتها بأن جائزة نوبل تنتظر علاء الأسواني، كانت نوبل بيت الغواية وكان الأسواني فريسة ربما لا تفطن للطعم، وربما لا تمانع في التهامه.
***
لقد ظل علاء الأسواني سنوات طويلة كاتبا مغمورا ومرفوضا لا يقر بأهميته أحد ( قارن ذلك مع ما في المقارنة من ظلم بنجيب محفوظ الذي اكتشفه النقاد من أعماله الأولى.. وعلى رأسهم الشهيد سيد قطب).. وفجأة انفجرت الإشادة به بعد حملة هستيرية من الترويج والإشادة بروايته "عمارة يعقوبيان" والتي يرى معظم النقاد المتخصصين أنها رواية متوسطة القيمة. بل إنني أرى أنها دون ذلك. فالرواية ليست سوي تقرير صحافي ركيك يخطئ في التفاصيل أخطاء فادحة مثل جهله بكيفية صلاة الجمعة.
هذه الحملة الهائلة من الترويج أثارت ريبتي على الفور.. إنها من نوع الحملة الهستيرية على عبد المنعم الشحات بعد حديثه عن نجيب محفوظ أو على الجزائر بعد المباراة المشئومة ( أولاد الأفاعي يكرمون من يسب الرسول صلى الله عليه وسلم ويعطونه جائزة الدولة التقديرية ويريدون رجم عبد المنعم الشحات لأنه أبدى رأيا في نجيب محفوظ بغض النظر عن مطابقته أو مجانبته للصواب) .. قنابل دخان تخفي أمرا يدبر بليل وولادة سفاح!. ثم أنها حملة الأسواني تنبني على عمل واحد وهذا أمر نادر جدا في عالم الأدب ويدل على نفاد صبر القائمين على عمليات تصنيع النجوم وصناعة الكتاب، فلو أننا نظرنا إلى منتجاتهم السابقة مع الكتاب العالميين لوجدنا الشهرة لا تحيط بالكاتب إلا بعد عشرات السنين والأعمال.
كنت أستطيع أن أفهم ذلك.. كانوا في أمس الحاجة إلى نجم جديد، فلقد انكشفت النخبة القديمة كلها.. بدت سوأتها وأصبحت عارية نتنة مقززة.. ومن ثم اشتدت الحاجة إلى وجه أو وجوه جديدة يتم تصنيعها على عجل .. تماما كما يفعلون بطلاب الكلية الحربية وقت الحروب حيث ينتهون من تخريجهم بعد دراسة بضعة شهور بدلا من أربع سنوات.
من أجل ذلك كله أستطيع أن أفهم اختيار علاء الأسواني وإخضاعه لعملية صناعة نجم وتصنيع كاتب.
لكن ما فات المصنعين أن العمل الذي اعتمدوا عليه عمل رديء يكشفهم أكثر مما ينفعهم..
نعم.. من الناحية الأدبية فإن "عمارة يعقوبيان" عمل رديء.. شكلا ومضمونا..
لا أريد أن أغوص في بحور النقد وإن كنت سألمسها-عبر النقاد- لمسا سريعا.. لكنني أتناول بعض الأخطاء الفادحة في تفاصيل الرواية كانت كفيلة بالقضاء عليها لولا الحاجة الشديدة إلى كاتب جديد نجم.
من هذه الأخطاء الفادحة الفاضحة أن الكاتب لا يعرف كيفية أداء صلاة الجمعة ولا خطبتها.. ولو أن الروائي كان نصرانيا أو يهوديا أو حتى بهائيا لكان عليه أن يدقق في تفاصيل روايته حتى لا يقع في أخطاء فادحة..
هل يمكن تصور وجود مسلم - دعنا الآن من كونه مثقفا أو كاتبا مسلما أو غير مسلم- لا يعرف تفاصيل صلاة الجمعة وخطبتها؟!..
بعيدا عن الآراء الفقهية فإن لصلاة الجمعة وضعا خاصا في الوعي الجمعي للمسلمين.. حتى أننا نرى في أحيان كثيرة من لا يقربون من الصلوات إلا صلاة الجمعة.. كما أننا نرى هذه الصفة القبيحة في ملوك ورؤساء يتقربون إلى شعوبهم ويخدعونها بأداء صلاة الجمعة دون بقية الصلوات.
الذي يجهل هذه الصلاة إذن إما غير مسلم وإما بلغ من الجهل بالإسلام هاوية سحيقة لا تبيح له ولا تتيح أن يتكلم عن الإسلام ولو في رواية.
لذلك ذهلت وأنا أقرأ رواية علاء الأسواني:"عمارة يعقوبيان" خاصة في الصفحات 134-137..
ولقد انتظرت طويلا أن يستعرض أحد النقاد أو حتى الصحافيين هذا الخطأ الفاضح والفادح والمضحك في الرواية.. إذ يبدو أن الراوي لم يصل الجمعة أبدا..!! ( استعرضها مؤخرا الأستاذ الدكتور إبراهيم عوض في عمل بديع)..
دعك من أخطاء فادحة كقوله على لسان خطيب الجمعة في المسجد في ص135:
"إن شريعة الحق جل وعلا لا تناقش ولا ينظر فيها بل تطاع وتنفذ فورا بالقوة ولو كره الكارهون"..."تعالت الهتافات والتكبيرات ترج أركان المكان"
(فهل سمع أحد منكم خطيب الجمعة يتفوه بمثل هذا؟.. وها حضر واحد منكم صلاة جمعة تتعالى فيها الهتافات التي ترج المكان.. فإن قال متنطع أن هذا كان يحدث في الأزهر لكانت الإجابة أنه كان يحدث بعد انتهاء الصلاة تماما ولا علاقة له بالصلاة.. ثم أنه لم يحدث إلا بعد طبع الرواية بأعوام)..
"دعكم الآن من أن الشيخ السلفي الوهابي الإرهابي يمتدح حزب الله الشيعي وحماس السنية!!"
( وتذكروا أن المرشح الخاسر في انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة ماكين كان عرضة للسخرية والتهكم الشديد لأنه اتهم إيران بمساعدة طالبان .. إذ يجهل-لأنه بروتستانتي متعصب- ما بين السنة والشيعة خاصة إيران وأفغانستان )..
لم يغفر الشعب الأمريكي لماكين خطأه وجهله لكن نقادنا العلمانيين كانوا على استعداد للصفح دون حدود عن علاء الأسواني مادام يتناول الإسلام بطريقة المستشرقين.. ( هناك احتمال آخر له وجاهته لا يجوز لي تجاهله.. وهو أن يكونوا هم أيضا لم يصلوا صلاة الجمعة أبدا!!)
ولم يكن الأمر خطأ مطبعيا أو زلة قلم.. لأن المسخرة تصل بالكاتب إلى حد لا يمكن تصوره.. وتذكروا أنه يتحدث عما يحدث أثناء خطبة صلاة الجمعة فيقول في ص 136:
"اشتد انفعال الطلاب ونهض أحدهم من الصف الأمامي واستدار نحو الحشد وهتف بصوت متقطع من فرط الحماس "إسلامية إسلامية ..لا شرقية ولا غربية.. ورددت الهتاف خلفه مئات الحناجر..ثم أخذ الطلاب جميعا ينشدون نشيد الجهاد.. بصوت واحد قوي هادر كالرعد.. "
مرة أخرى تذكروا أن هذا يحدث أثناء الخطبة التي حذر حبيبنا المصطفى كل واحد منا من همسة .. بل وصل الأمر إلى التحذير من أن تقول لمن بجوارك: أنصت!!
ثم يواصل علاء الأسواني في ص 137:
"ولعلعت عشرات الزغاريد من مقصورة الطالبات"..
( هل سمع أي مسلم في أي بقعة من الأرض المصليات يقاطعن الخطيب بالزغاريد؟!)
من أين جاء لعلاء الأسواني أن الرجال يهتفون والنساء يزغردن أثناء خطبة الجمعة..؟!
***
معظم النقاد الجادين لم يرحبوا بعلاء الأسواني ولا بروايته عمارة يعقوبيان .. لقد جاء الترحيب والإشادة من سياسيين .. ومع ذلك لم يقل لهم أحد أن للأدب شفرة لا يستطيع فكها سوى العلمانيين والشواذ!! قالوا لنا ذلك حين تحدثنا عن وليمة لأعشاب البحر..
في كتابه "شرفات ونوافذ" (2006) كتب الناقد –العلماني البارز- فاروق عبد القادر أن علاء الأسواني في "عمارة يعقوبيان" كاتب كاره للوطن والمواطنين, بل وكاره للبشر " وقد نال الناقد العقاب القاسي على تجرؤه على مهاجمة الأسواني فهوجم وشوه وشهر به. في نفس الصدد نشرت صافيناز كاظم (المصور 30 يونيو 2006) أنها تقززت من الرواية, وأنها من أقبح ما قرأت مكتوباً على ورق, وأن مؤلفها بذل جهداً في شرح الممارسات الشاذة والزانية, ولم يستطع لقصور قدراته الفنية أن يمررها من دون خدش حياء القارئ.
وكتب إبراهيم العشري أنها رواية مزيفة للوعي, معادية لثورة يوليو, اللوطي فيها هو صوت الوعي, وابن الباشا الوفدي هو صوت الانتماء. بينما نشر الناقد الفلسطيني فيصل دراج (الحياة 25 أبريل 2006) أن الرواية تشوه الواقع المصري, ولا تندد بالسلطة كما توحي ، وكتب الناقد الكويتي طالب الرفاعي (الحياة 18 مايو 2006) أن الرواية يسيطر عليها هاجس الجنس, وتقدم خلطة تقوم على الجنس والدين والسياسة بلغة عادية بعيدة عن أي ابتكار أو فنية، وربما لم يناصرها من مصر إلا الدكتور جلال أمين وهو أستاذ في الاقتصاد وفي العلوم الاجتماعية, وجمال الغيطاني وهو من الأدباء وليس من النقاد. واختار بعض نقاد الأدب تجاهلها تماماً.
إلا أن الدهشة تضاعفت حين نشر الكاتب المصري صبري العسكري(70 عاما)أحد أشهر القانونيين الأدباء ومحامي اتحاد الكتاب والأدباء المصريين دراسة نقدية أسماها "عمارة يعقوبيان بين الإبداع والاستنساخ" كشف فيها أن رواية "عمارة يعقوبيان" الشهيرة سرقها الكاتب والطبيب علاء الأسواني واستنسخها من مسرحيات الكاتب الراحل نعمان عاشور ، وقال العسكري إن أسرة صديقه نعمان عاشور لجأت إليه مشتكية مما قام به الأسواني لما اعتبرته سرقة لحق فكري وأدبي لوالدهم، موضحين أنه استغل علاقة والده الكاتب عباس الأسواني بوالدهم نعمان عاشور.
ولقد فجر الكاتب الفرنسي المعروف "ميشيل بوتور" "81 عاما" مفاجأة في ندوته بالمركز الثقافي الفرنسي حينما أكد علي انه قام في الثمانينيات بكتابة رواية بعنوان "العمارة" تحمل تفاصيلها نفس تفاصيل فيلم "عمارة يعقوبيان"!! بطولة عادل إمام ونور الشريف وهند صبري.
***
كان هاجس صناعة نجم وتصنيع كاتب يسيطر علىّ. كان العنوان جرحا لا يندمل في قلبي منذ استعمله كلب من كلاب النار ليزعم أن الأنبياء لم يحملوا رسالة من السماء بل تم تصنيعهم. ولم يكن ذلك سوى افتراء شيطاني.. فالذين يُصنّعون هم هذا الكاتب وأمثاله. وذلك عمل أجهزة مخابرات لا أجهزة ثقافة، والشواهد على ذلك عديدة منها كتاب الحرب الباردة الثقافية: المخابرات الأميركية وعالم الفنون والآداب -المؤلف: فرانسيس ستونز، ترجمة: طلعت الشايب -عدد الصفحات: 510 -الطبعة: الأولى 2002 -الناشر: المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة.
ومؤلفة الكتاب فرانسيس ستونر سوندرز بريطانية من مواليد عام 1966 وتعيش في لندن، وتعمل باحثة ومخرجة أفلام تسجيلية، وقد تخرجت في مجال الأدب الإنجليزي بجامعة أكسفورد، وقد بدأ اهتمامها بالموضوع عام 1993 عندما قرأت مقالاً يصرح أن وكالة المخابرات الأميركية كانت وراء نجاح "مدرسة نيويورك" في الفن، وقدمت برنامجا متلفزا في تلفاز بريطانيا بعنوان "الأيدي الخفية! الفن والمخابرات المركزية"، ثم تابعت بحثها في مادة أرشيفية هائلة وأجرت لقاءات مع مسئولين وعملاء سابقين لوكالة المخابرات المركزية لتكشف من خلال دراستها أن المخابرات المركزية C.I.A. تولت تكوين واجهة ثقافية تحارب الشيوعية بالوسائل الثقافية وترويج الذوق الأميركي في الطعام واللباس والغناء والفن. وأنشئت فروعاً لها في 35 دولة، وأصدرت أكثر من 20 مجلة ذات تأثير كبير، وكان يكتب في هذه المجلات شخصيات فكرية مشهورة مثل المؤرخ أرنولد توينبي والفيلسوف برتراند راسل وهربرت سبنسر. لقد ضخت المخابرات الأميركية عشرات الملايين من الدولارات على مدى سنوات لمنظمة الحرية الثقافية، وأنشأت أيضا منظمة أوروبا الحرة التي كانت تدير إذاعة أوروبا الحرة ومقرها برلين وكانت موجهة إلى دول أوروبا الشرقية وتبث بست عشرة لغة، وتبث المحاضرات والكتابات المعادية للشيوعية. وكانت الهيئة ورجالها يتدخلون في مراحل الإعداد للأفلام والأعمال الفنية والمسرحية بالحذف والتغيير والإضافة وفق إستراتيجية محددة في أذهانهم قائمة على معاداة الشيوعية وترويج الثقافة الأميركية والتغاضي عن العيوب والأخطاء.
من أجل ذلك جندت المنظمة يساريين سابقين ، حيث كانت هناك مصلحة مشتركة حقيقية، وكان هناك اقتناع بين الوكالة وأولئك المثقفين الذين استؤجروا لكي يخوضوا الحرب الثقافية، والذين تم وضعهم وأعمالهم مثل قطع الشطرنج في اللعبة الكبرى.
***
سنفاجأ – قبل انقضاء زمن الدهشة- ونحن على صفحات الكتاب، بكتَّاب عالميين، كانوا أداة طيعة في يد منظمة الحرية الثقافية التي تديرها المخابرات الأمريكية . سنفاجأ بأسماء مثل: أرنست همنجواي، آرثر ميللر، إيليا تولستوي (حفيد الروائي الروسي الشهير)، روبرت لويل، أندريه مالرو، جون ديوي، كارل ياسبرز، إلبرتو موارفيا، هربرت ريد، ستيفن سبندر، أودن، نارايان (الهندي)، ألن تيت، إيتالو كالفينو، فاسكو براتوليني، فضلا عن الفنانين تشارلي شابلن، مارلون براندو، رونالد ريجان (الذي أصبح فيما بعد رئيسا للولايات المتحدة) وغيرهم. لقد أصبح عشراتٌ من المثقفين الغربيين مرتبطين بالـ: C.I.A. عن طريق حبل الذهب السري.
كما عملت المنظمة على تغيير بعض أحداث ونهايات روايات جورج أورويل: مزرعة الحيوانات، والإله الذي فشل، ورواية 1984 لتخدم مصالحها.
***
ويا له من ألم عندما قرأت أن الكاتب المذهل أرنست هيمنجواي: وهو كاتب حقيقي أصيل وليس نجما مصنعا، كان عميلا رسميا للمخابرات الأمريكية وكان مكلفا بجمع العملاء لها بل وكان يحصل على مكافأة قدرها تسعون دولارا مقابل كل عميل!!
***
كنت أدرك خطورة وقوع الأسواني بين براثنهم، فالرجل محبط، ويظن أنه مظلوم، ويفكر بالهجرة، وكنت أدرك أنه سيظل أعواما لا يطلب منه شيء ليظل خلية نائمة ليهاجم وضعا ما أو يؤيد فكرة ما عندما يوحى إليه بذلك..
ونسيت الأمر كله وسط الشواغل والهموم .. وإن كان يخطر بالبال كل حين وآخر عندما أفاجأ بموقف أو برأي يصدر عن الأسواني يؤكد هواجسي..
ثم كان ما أثار انتباهي مؤخرا إلى علاء الأسواني الذي بدأ يكتب مقالات هجوم ضارية وقحة على بعض الكتاب الإسلاميين على رأسهم الأستاذ الدكتور إبراهيم عوض أستاذ الأدب العربي بجامعة عين شمس. ولقد فكرت طويلا وقد استبدت بي الدهشة عن سبب هجوم علاء الأسواني عليه. للدكتور إبراهيم عوض أعمال جليلة في الدفاع عن الإسلام يكتبها منذ عشرات السنين. وله أكثر من سبعين كتابا في النقد والأدب والفكر والدفاع عن الإسلام. ولكن ما حدث أخيرا أنه واجه التبشير والتنصير وزكريا بطرس بموسوعية هائلة وخفة ظل لا تبارى أدت إلى قمع أولئك المبشرين قمعا شديدا.
عجز بطرس وأقرانه عن مواجهة إبراهيم عوض.. لقد كشفهم وعراهم تماما .. وبدت معركتهم خاسرة كليا حتى أن أي محاولة لدعمهم محكوم عليها بالفشل. لذلك كان المطلوب مواجهة إبراهيم عوض في مجال آخر ومن جبهة أخرى مع تجاهل السبب الرئيسي للهجوم عليه وهو مناصرة زكريا بطرس!!.
كان للأمن الباطش الجبار الغبي تراث عريق في صياغة التهم في الحرب النفسية.. إن كل أعداء نظام الحكم كانوا يريدون طعن نجيب محفوظ وقتل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وعادل إمام.. وهان الأمر أخيرا حتى وصل إلى سيد القمني.
الاتهام بمحاولة الإساءة (أو القتل) للمشاهير إذن حيلة قديمة.
لم يكن من المستطاع اتهام الأستاذ الدكتور إبراهيم عوض بأنه شريك في طعن نجيب محفوظ ، وكذلك لم يكن ممكنا الاعتراف بأن سبب مهاجمته والتنديد به بوقاحة تصل إلى حد التجريح هو الانتقام لما فعله بزكريا بطرس.. لم يكن ذلك سيقبل من العامة.. لكن المقبول تماما أن يتم الهجوم عليه بتهمة الإساءة إلى نجيب محفوظ ويوسف إدريس (مع تجاهل ذكر زكريا بطرس تماما). فإذا استطاعوا أن ينالوا من مصداقيته وقيمته العلمية في جبهة نجيب محفوظ فسوف ينعكس ذلك تلقائيا على جبهة زكريا بطرس..
كانت المواجهة الموضوعية المباشرة مستحيلة ولذلك كان ضروريا الالتفاف بمواجهة غير مباشرة وغير موضوعية.
وأظن أن هناك من أوعز للأسواني بالهجوم على الأستاذ الدكتور إبراهيم عوض بتهمة الإساءة إلى نجيب محفوظ ويوسف إدريس والإساءة لجائزة نوبل وادعاء أنها تمنح لأسباب سياسية. كان الهجوم وقحا ومسفا يبتغي التجريح والإهانة لا النقد.
وكنت حساسا جدا بل وخبيرا بمثل هذا الأسلوب لأحس البصمات الغريبة على الفور.
تحرك الهاجس داخلي.. فلمثل هذه المواقف يتم تصنيع كاتب ومنحه شهرة عالمية كي يتصدى لأمثال الدكتور إبراهيم عوض ذات يوم، وليرفع شأن الصليبيين واليهود فوق شأن المسلمين وليرحب بإسرائيل.
لم يكن كلام الأسواني عن إبراهيم عوض صحيحا فهو يعترف لنجيب محفوظ وإدريس بأستاذيتهما وجدارتهما وينتقد مزاياهما وعيوبهما. أما المثير للدهشة حقا هو أن علاء الأسواني نفسه هو الذي اتهم نوبل بالتحيز وعدم المصداقية في حوار صحافي معه أجراه : كمال الرياحي /تونس في 23 أكتوبر 2007 حيث يقول الأسواني بالنص: "وكما نعلم جميعنا أن نوبل الأدبية متحيزة دوماً وتختلف عن نوبل العلمية التي لا تستطيع أن تتحيز لان في الأدب وجهات نظر وفي العلم حقائق محدودة لدينا كتاب عظام لم يحصلوا عليها رغم استحقاقهم وهناك كتاب متواضعين حصلوا عليها وقد ظل محفوظ يبدع ويتألق حتى أصبح من الوقاحة استمرار تجاهله"..
المضحك أيضا، أن علاء الأسواني لن يلبث حتى يعرّض بنجيب محفوظ كما نشرت صحيفة المصريون : بتاريخ 4 - 4 – 2009: " ألغت قناة فضائية عربية كبيرة برنامجا كانت قد بدأت تسجيله مع الروائي علاء الأسواني بعد أن اشترط اختياره للنقاد الذين يتحدثون عن رواياته في البرنامج ورفض العديد من الأسماء التي انتقدت أعماله ، مصادر القناة التي تحدثت "للمصريون" أبدت استياءها الشديد من طلبات الحصانة المتشددة التي حاول فرضها على البرنامج ، كما أثار استياءها لغة التعالي التي تحدث بها عن نفسه عندما وصف أعماله بأنها عالمية أكثر شهرة من أعمال نجيب محفوظ" !!.
***
أليس غريبا أن فريق الردح الإليكتروني لم يتصد لرد الإهانة عن نجيب محفوظ..
أليس غريبا أن شاكر عبد الحميد لم يشمئز قلبه..
كانت فرانسيس استونز تقول أن من يدفع أجر العزف هو من أمره أن يعزف قطعة موسيقية معينة.. وكذلك الأمر مع الكتاب الذين يطلب منهم اتخاذ مواقف معينة.. كانت تقصد أن المخابرات الأمريكية هي التي تستفيد من مواقف الكتاب.. وهي التي تدفع لهم..
***
عندما نصب علاء الأسواني خيمته أمام مجلس الوزراء بعد أن عين البرادعي رئيسا للوزراء وعين له وزراءه ومستشاريه، ولم يكتف بذلك فأقال المجلس العسكري!! ثم اعتصم في تلك الخيمة الفارهة أمام مجلس الوزراء رافضا وزارة كمال الجنزوري.. وجدتني أتساءل في ألم ممض:
- علاء الأسواني: من يدفع ثمن الخيمة؟!
…
تعليقات
إرسال تعليق