المقالات الخمس التي وجهها د محمد عباس لمبارك وهزت الوسط السياسي
الدكتور محمد عباس
(سلسلة أفاق وتحديات عربية) – إصدار الشركة العربية للطباعة والنشر – أكتوبر1993
بسم الله الرحمن الرحيم
بدلا من المقدمة
طرحت – والأصدقاء – أسماء معظم كبار المفكرين المتهمين بهموم الوطن لتدبيج مقدمة هذا الكتاب، بيد أن فكرة غلابة ما برحت تلح على، ألا وهى أن الأولى بالسعي إليهم لتشريفي بتقديم هذا الكتاب هم قراؤه، فكبار المفكرين آرائهم معلنة بصورة أو بأخرى .
ولقد يسر على الأمر أن مادة هذا الكتاب قد نشرت في صحيفة " الشعب " التي يجمع معظم المفكرين أنه لولاها ما كانت في مصر صحافة معارضة . وقد ترتب على ذلك توافر نماذج شتى من الآراء والردود والتعليقات، إلا أنني وجدت لزاما على ألا أكتفي – كالسلطة – بإيراد كل رأى مؤيد وحجب كل رأى معارض . ولقد علمنا القرآن أنه لا يهمل – في الجدل - حتى حجج الشيطان .
لذلك طرحت كل الآراء المعارضة التي لم تمثل سوى نزر يسير من مجمل الآراء الأخرى، ومن هذا المنطلق كان طبيعيا أن ينشر حتى تعليق فرج فودة، جنبا إلى جنب مع بطاقة من صفوت عبد الغنى .
يشتمل الكتاب على جزأين : الجزء الأول سلسلة المقالات الخمس : " من مواطن مصري إلى الرئيس مبارك " ويحتوى الجزء الثاني على مجموعة مقالات أخرى تشكل امتدادا وثيق الصلة بالجزء الأول. ولقد كان طبيعيا على سبيل المثال أن تكتمل الرسالة الثالثة للرئيس مبارك وموضوعها التعذيب برسالة أخرى للأستاذ خالد محمد خالد عن نفس الموضوع، كما ترتب على ذلك – استكمالا للموضوع – أن نورد رد اللواء حسن أبو باشا فتلك كلها حلقات شديدة الاتصال بموضوع هذا الكتاب.
كان طبيعيا أيضا أن نورد مقال الكاتب الكبير فهمي هويدى :" تقرير عربي عن الفتنة الأمريكية" بعد أن أشير إليه في أكثر من مقال .
بقى شكر احسبني عاجزا عن الوفاء به لرجل : نسيج وحده، أمه في رجل، رجل مثلت نشاطاته الفكرية توهجا يضئ الحقيقة، إلا كتاباته شكلت في نفس الوقت عائقا أمام الكثيرين – وأنا منهم – حين كنا نفاجأ به كأنه يغترف من أعمق أعماقنا، من أرواحنا ونفوسنا وقلوبنا وعقولنا جميعا ليصوغها في مقال ممهور بتوقيعه، نفس المقال الذي انتوينا كتابته !!..
رجل ما كان يمكن لموضوع هذا الكتاب أن ينشر في مصر على صفحات صحيفة – كما صارحني رئيس تحرير إحدى الصحف – إلا إذا كانت هذه الصحيفة هي "الشعب" وكان رئيس تحريرها هو هذا الرجل : عادل حسين . أم أنه ينبغي علينا أن ننتظر حتى يموت – كجمال حمدان – كي نقول فيه كلمة حق ؟!!.
الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
د/ محمد عباس
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
إلى من أسعدني وأبكاني في آن واحد على مدى ثلاثة أسابيع حتى الآن إلى
والله لقد فاضت عيناي بالدمع وأنا أقرأ مقالاتك.
تدمع حزنا لوجود أناس لا يخشون الله .. وتدمع فرحا لوجود أمثالك، حفظك الله من بطش الجلادين وسدد خطاك .
منصور إبراهيم عبد اللطيف
ديرب نجم – شرقية
مــــــن مواطـن مصري
إلى الرئيس مبارك "1"
السيد رئيس الجمهورية : محمد حسنى مبارك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
عيد ميلاد سعيد، أدعو لك الله فيه بمجامع القلب وأعماق الروح أن يجعل في استخلافك على بضعة من أمة محمد "صلى الله عليه وسلم" خيرا لها وخيرا لك .
عيد ميلاد سعيد يا سيدي .
عيد ميلاد سعيد أقولها لك حقا وصدقا رغم أنني أعرف أنك لا تصدقني، لا تثق في، لا تسمع إلى، ولا تقرأ أبدا صحيفة من تلك الصحف التي أكتب فيها، وتلك أحد أوجه مأساة العلاقة بيني وبينك، ذلك أ حاشية السوء دأبت على أن تصور لك أن كل كلمة منى هي هجوم عليك، وأن كل رأى لي هو انتقاد لك، وكل إرادة لي انتقاض من إرادتك، وكل حرية أنالها انتقاص لهيبتك، بل بلغ بهم الأمر – قاتلهم الله – أن صوروا لك أن تلمس نبضي والاستماع لرأيي وتنفيذه هو ضعف للإرادة لا يليق، وأن الحزم والحسم في احتقاري وعنادي، رغم أنهم يعرفون أن العناد يورث الكفر، ويعرفون أيضا أنه لا يدخل الجنة من في قلبه ذره كبر يغمط بها الحق ويحتقر الناس .
لكنني بالرغم من ذلك كله يا سيادة الرئيس أحبك، والله أحبك لكن حبي لك ليس حب منافق يهوى بك إلى النار، ولا حب أحمق يوردك موارد التهلكة، إنما هو حب أخ لك في الله يرى أن أعظم ما يهديه إليك عيوبك، وقد تتعجب يا سيدي من إقراري بحبك، وقد تتندر حاشية السوء حولك، لكن كيف لا أحبك وقد حذرني سيدك وسيدي أنني لا أومن حتى أحب لك ما أحب لنفسي، وكيف لا أحبك وأنت رئيسي، رمزي، وجهي الذي يراه العالم، أهلي، ودمى مهما اختلفنا فإن ما يصيبك يصيبني، وما يؤلمك – في حدود مصالح الوطن وكرامته – يذبحني، كما ذبحت حادثة 4 فبراير وعملية القرصنة الجوية الأمريكية مشاعر المواطنين جميعا بغض النظر عن موقفهم من الحاكم.
وكيف لا أحبك وليس ثمة شئ في حياتي كلها تفوق أهميته قيمة كلمة أنتظر أن تقولها، وفعل أود أن تقدم عليه، وتوبة أرجو أن تتوبها، ليس ثمة شئ في حياتي يعدل ذلك، حتى الوالدان اللذان أوصاني الله بهما، حتى الزوجة والأبناء والإخوة والخلان، ما اهتمامي بأحد منهم يعدل اهتمامي بك، ولا أفكر في أحد منهم قدر تفكيري فيك، ذلك أن ازورار أي أحد منهم عن الحق لا يعدو في تأثيره محيطه الصغير، أما أنت فزلتك تزل بها الأمة، لا قيمة لشيء إن لم تكن أنت على صواب، حتى الثروة والمجد ما قيمتها إذا كانت الأمة مستباحة ؟
من أجل هذا لا يهمني أمر أحد كما يهمني أمرك، فكيف تشك بعد هذا كله أنني أحبك، بيد أن حبي لك هو حب في الله، لا من أجل جاه تسبغه علىّ ولا سيادة تسيدنيها، أحبك على الخير لا على الشر، على الحق لا على الباطل، على الإصلاح لا على الإفساد، على إعلاء كلمة الله لا النظام العالمي الجديد .
وحين تقدم على ذبحي يا سيادة الرئيس فوالله لا أكرهك إنما أكره ما تفعل وما تقول.
أظن أنني واضح وصريح معك بدرجة قد تقنعك أن هناك ما يجمعنا وأن ما يجمعنا جدير بأن يدفعنا للبحث عن لغة يكون مدلول الكلمات فيها بيننا واحدا، فهل نستطيع أن نجعل من الألفاظ وسيلة للفهم لا لسوء الفهم، للاقتراب لا للابتعاد ؟؟.
إن الصمت بيننا موحش، انعدام الهدف المشترك بيننا يخنقني، الشرخ في جدار الثقة يزلزل كياني، هل أستطيع أن أحدثك، لا باللسان لكن بأعمق ما في القلب من شجن ورغبة في التوصل والفهم، بحزن الثاكل والأرمل واليتيم واللطيم أموت شوقا حتى ولو ليثبت أنني مخطئ وأنك كما تقول لا كما أظن . هل يمكن أن تسمعني كما كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يسمع امرأة من عامة المسلمات، وهل يمكن أن يكون التعامل بيننا كما كان التعامل بين عمر وأبى بكر رضى الله عنهما مع من أنكروا عليهما حقهما في الخلافة ؟ مع إمام المتقين على أو مع الصحابة سعد بن عبادة الذي رفض أن يبايع الصديق والفاروق وظل حياته يغلظ القول لهما ويرفض أداء المناسك خلفهما . فهل تسمح لي يا سيادة الرئيس أن أحادثك بصدق، أن أخالفك وأهاجمك، أن أكشف لك عن خبيئة نفسي، أن أجردك في خيالي من هالات السلطة وجبروت القوة وبهرج الدنيا الزائف، أن أحاسبك، كما لا بد سأحاسبك يوما أمام الله حين تكون ضعيفا مثلى، مرعوبا مثلى، بلا حول وبلا قوة مثلى، حين تتلمس رضاي ورضا الأمة، فينا وضع الله الشفاعة لك.
فهل تسمح لي، لن تكون منة منك أنك الرئيس العربي الوحيد الذي يستطيع أحد مواطنيه أن يخاطبه، لن تكون منة منك بل فخرا لك، ووجاء من النار يوم القيامة .
وأنا يا سيدي واحد من عامة المسلمين أخاف كما يخافون، وأتجنب موارد التهلكة، لكن إن كانت التهلكة في حديث صادق لك فبطن الأرض خير، أجل، أخافك لكن خوفي من الله أشد، كما أخشى يا سيدي والله جلاديك، ,أخشى أبا لهب وأبا جهل، قتلة سمية وسيد قطب وسليمان خاطر لكنني أعلم أن عذاب الله اشد، فإن خيرت بين عذابه وعذابك فأهلا بعذابك ..
فهل تسمح لي يا سيادة الرئيس أن أكتب لك .
سيدي:
شائك أن أكتب إليك وصعب .. أن أحاول بموضوعية حوار رئيس جمهورية ما زال يحكم .. فقد درجت العادة في بلادنا أن يكون الحاكم نبيا طالما حكم، ثم شيطانا رجيما عندما يترك الحكم . ولست أخشى على نفسي شبهة نفاق لك .. بل على العكس أخشى أن أغمطك بعض حقك استجلابا لتقريظ شجاعة مزعومة . أخشى يا سيدي أن تخدعني نفسي ويغرني الشيطان فيقال لي يوم القيامة : قد كتبت كي يقال إنك شجاع وقد قيل، أذهبوا به إلى النار، يصيبني الرعب من نفسي على نفسي فأتساءل والرعب موج كالجبال في ليل أليل : ماذا لو كان مبارك والسادات على حق، وماذا لو لم يكن معاوية ويزيد كظني بهما ؟ ماذا أفعل وماذا يفعل بي إذا جئتم يوم القيامة آخذين بخناقي هاتفين : ظلمنا يا رب ؟؟ .
تلك مشكلة يا سيدي لا أملك لها – كما لا تملك أنت أيضا – حلا حتى يكشف عنا غطاؤنا فيصبح بصرنا يومها حديدا .
لكنني أقحمت نفسي فيما هو أشد من حوارك وأعظم، وزعمت لنفسي الحق في استرجاع تاريخنا كله ومواجهة أحد صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم – وأحد كتاب رسائله – لا وحيه – حين رجعت بأسباب تدهور العالم الإسلامي إلى معاوية بن أبى سفيان الذي ثلم الإسلام بجرحين لم يرتقا بعده : ألا وهما : شرعية الحكم ووظيفة المال في الأمة، حتى لقد كدت أوقن أن كل حاكم بعده ليس سوى غاصب، وكل مال ليس إلا مغصوبا، وإن الإسلام المطروح منذ ذاك ليس هو الإسلام الذي أنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم – بل هو بالضبط ليس إلا الانقلاب عليه، انقلابا ما زال يكوينا بناره ويبهظنا بنيرة . أفأنكص أمامك أنت عن كلمة الحق وقد أدنت معاوية ؟؟!! فلا خير في إن لم أقلها ولا خير فيك إن لم تسمعها..
أنا يا سيدي من ذلك الجيل الآفل الذي يطرق الآن أبواب العقد السادس من عمره، جيل الحلم الذي هوى بالمجد الذي انطوى، جيل السقوط والنكسات والهزائم والنكبات، جيل عهر الكلمات والزنا بالمحارم تحت عباءة الشرعية وانعدام التطرف والتشدد . جيل رآهم بأم أعينه يغيرون وضع اللافتات فيضعون على الجنون لافتة قد كتبوا عليها العقل، وعلى الخيانة أمانة، وعلى التزوير نزاهة، وعلى العمالة تحضرا، وعلى الكفر – الكفر وضعوا لافتة تحمل حروف كلمة الإيمان .
وهذا يا سيدي ما يدفعني للكتابة إليك، لكن غير مقتصر عليك، فلست يا سيدي ظاهرة فريدة لا تمثل إلا نفسك فالسمات الموجودة فيك هي هي ذاتها الموجودة في أقرانك وزملائك وكل من يسبق أسمه جلالة أو فخامة أو معالي أو سمو وكل من نودي " يا مولاي " ليس في هذا العصر فقط يا سيدي، بل ارتجاعا في التاريخ إلى معاوية ويزيد والسفاح . ولعلى أعترف بأنني وجدتك في البداية تفوق معظم أقرانك لكنني ما لبثت أن أدركت أن الفارق بينك وبينهم لا يعدو كثيرا الفوارق الطبيعية لتاريخ الحضارة وعمرها وطبيعة الشعوب واختلاف الممارسات تبعا لذلك، فهو كالاختلاف بين الإعدام على الخازوق أو الصليب والإعدام رميا بالرصاص أو على الكرسي الكهربائي . ولقد احتارت فيك مشاعري كما احتار عقلي، لم أفقد الأمل فيك لكنني لم أعلقه أيضا عليك، لكن أشد الأمور قسوة علىّ، هو افتقاد لغة الحوار بيني وبينك، فما أقوله أنا لا تفهمه أنت – شد ما يحزنني ما يتكرر كثيرا في خطبك عندما تقول في عصبية : أنا موش فاهم – إن ما تقوله أنت أيضا يطرق آذاننا لكنه يخاصم عقولنا وقلوبنا، لا عن عدم فهم بل عن اختلاف لغة وتباين مسميات، ليس بيننا وبينك فقط، بل بيننا وبين كتابك وسدنتك، احترنا، حتى امحت الفروق بين الكاتب والمهرج، وبين المفكر والبهلوان، بين الحكومة والعصابة وبين العصابة والحكومة، بين عدو الله وبين عدو الشيطان، بين رجل الدين الذي يعبد الله والآخر الذي يعبدك من دون الله .
قل لي يا سيدي الرئيس : ماذا تريد الآن، أستخرج لك به فتوى، وأجرى استفتاء، وأغطيك بفلسفة، وأجد لك ألف كاتب يدافعون عما تريد، قله، وسوف يوافق مجلس الشعب بالإجماع، وسوف يشيد مجلس الوزراء بحكمتك . قل غيره يا سيادة الرئيس، لا، ليس غيرة فقط، بل عكسه تماما وأنا كفيل – والله – بعكس الفتوى وعين المستفتين وذات الفلسفة وجميع الكتاب . فهم يا سيدي من قوم ذلك الشاعر الذي قال لك أو لأحد أسلافك …… لا يهم فالكل واحد:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار .
ولعلك يا سيدي لا تنسى فضيحة شيوخنا أثناء كارثة الخليج حين لم يحدث ولو مرة، لم يحدث ولو ذرا للرماد في العيون، أن اختلف شيخ منهم مع حاكم بلده، وذلك يا سيدي لم يفقدنا الثقة فيكم جميعا فقط، بل أفقدنا الثقة في شرعية الحكم، وفي النخبة الحاكمة كلها، النخبة الحاكمة بما تضم من مال وعسكر وشيوخ، وأفقدنا الثقة أيضا بشرعية الجغرافيا، شرعية تلك الحدود التي وضعها أعداؤنا بين شعوبنا، فرحتم تدافعون عنها بكل شراسة مهدرين أمن الأمة نفسها.
من أجل هذا كله يا سيادة الرئيس لا بد أن أحادثك، أن أكشف لك خبيئة نفسي فبالصدق – والصدق فقط – يمكن أن ننسج معا حروف لغة مشتركة، فهم مشترك، نستعين بهما على الابتلاء العظيم بالدنيا، وهو – كما لا ريب تعلم – ابتلاء نكصت عنه السماوات والجبال والأرض فقبلناه بظلم وجهل، كل منا ابتلاء للآخر فتحمل إذن صدقي، ودعني أسرد عليك بعضا من علاقتي بك، لعلنا نجد بين الأشلاء وشيجة انقطعت يمكن أن تتصل!!
عندما جئت أنت لم يكن في قلوبنا مزيد من محبة أو كراهية، كان صمتك يغرينا بالأمل فيك، وكان مجدك – مجدنا – في أكتوبر 73 مرتسما على ملامح وجه طيب يغرينا بذكريات دالت عن مجد لا ينبغي أن يدول، ولم نكن ننتظر الكثير منك، لقد تعرضت مصر وتعرضنا لخطر ساحق ما حق انتهى بمجيئك . كنا منهكين متعبين سعداء . كان ما نريده أيامئذ أن نرتاح قليلا، فلشد ما كان الطريق وعرا والآلام هائلة، أعطيتنا في البداية هدوءا كنا نحتاج إليه، ثم فاجأتنا بعض قراراتك الصائبة، فقل نزيف المرارة الذي ننزفه، وأفرجت عن المعتقلين من عيون الوطن وعقوله وفلذات كبده وسويداء قلبه وقابلتهم في اعتذار صريح للأمة وللوطن وللتاريخ عن جريمة اعتقالهم، وبدأت تنمو براعم أمل فيك، أصارحك أننا حاولنا قدر جهدنا أن نئدها، كنا قد وصلنا إلى حال أمسى فيه ألم الموت أهون من موت الأمل، فحاولنا ألا ينمو داخلنا أمل فيك، وعندما بدأت محاكمة خالد الإسلامبولى كان قلبنا يوجس خيفة خاصة عندما قررت المحكمة أن تكون الجلسات سرية، كان واضحا أنكم تخفون عار كامب ديفيد والمبادرة عنا، وأنكم تتجنبون إلهاب مشاعر الجماهير الصامتة المترقبة، وكانت إسرائيل أيضا تترقب، وأميركا والعالم كله ينتظر، وحاولت الأمة وحاولت أحزاب المعارضة وحاول المحامون، لكن ماذا يفعل المنطق في قلوب كالحجارة أو هي أشد قسوة، وترامت أخبار من هنا وهناك أن إسرائيل تشترط إعدام خالد الإسلامبولى ورفاقه قبل إتمام انسحابها من سيناء . وصدر الحكم بالإعدام . وساورنا أمل حزين بائس أن الطيار القديم والمحارب البطل محمد حسنى مبارك سوف يفاجئ الدنيا كما فاجأها في أكتوبر 1973 فيخفف الحكم . لكن حكم الإعدام نفذ فعلا قبل انسحاب إسرائيل من سيناء، وكان الرصاص الذي أطلق على خالد الإسلامبولى ورفاقه يصل إلينا فيشوى جلودنا ويمزق لحمنا ويهشم عظامنا .
وأدرك الناس أن الفجر لم يلح وأن الخلاص بعيد ووجدتني أردد مع أمل دنقل
لا تحلموا بعالم سعيد ………
فخلف كل قيصر يموت .. قيصر جديد …
وخلف كل ثائر أحزان بلا جدوى ودمعة سدي …
أخذنا نلعق جروحنا، نجتر آلامنا، نلملم أشلاءنا الممزقة، لا نحتمل ولا نتصور أن تكون امتدادا لما مضى وأن نواصل المعاناة كما عانينا، فطفقنا نبحث لك عن أعذار تقلل من وطأة ما حدث، وبرغم أن تصديقك على إعدام خالد الإسلامبولى مزق قلوبنا بجرح ما يزال ينزف إلا أننا تجاوزنا الأزمة … كان شرفنا القومي والديني قد بيعا بثمن بخس لكننا لم نكن قد حصلنا عليه بعد … وبدا أن العدو الفاجر يساوم بحياة خالد الإسلامبولى مقابل سيناء مثلومة الشرف … ولو كان لي الخيار لما اخترت التضحية بخالد، ولكنني كنت على استعداد لأن أتفهم لا أن أقبل باختيارك . كانت الهواجس تستبد بنا كوابيس ليل بهيم، كيف تم اختيارك نائبا للرئيس ولماذا، ونحن نعلم – كما تعلم سيدي – أن منصبا كذلك تتداخل فيه مئات العوامل الداخلية والخارجية، لكننا كنا نبعد تلك الأحلام الكابوسية فلم نكن نحتمل مزيدا من الألم ومع بوادر حرب الفساد في الداخل وسحب السفير المصري من إسرائيل وتجميد التطبيع أحسسنا أنك تسير في الطريق الصحيح لكن ببطيء شديد، وشبهك محمد حسنين هيكل بالطيار الذي يفحص أجهزة طائرته وممرات مطاره قبل أن يقلع، لكن الأيام تلو الأيام تمر والطائرة جاثمة والطيار لا يقلع . ثم جاءت انتخابات سنة 84 بما حدث فيها فكانت كحمض حارق ينسكب على جلد مشوي . قطعت رأسا للفساد فنبتت رؤوس ثم رؤوس، كان ضمير الأمة يناشدك في صمت مأساوي مشحون : واصل، كن كأملنا فيك، نحن نعلم أننا في الخارج مقيدون عاجزون محكومون، ولا نطلب منك إلا ما في وسعك، واجه الفساد، في إصلاح الداخل النفاذ من الحصار الخارجي . وظننا أنك سمعت صوتنا، نداء قلوبنا وهتاف أرواحنا إليك .
وبدا في البداية كأنك حريص ألا تستمع إلى أقوال مرسلة قد تكون مجرد إشاعات كاذبة وبدا حرصك على عدم اتخاذ إجراء ضد شخص إلا بحكم قضائي حرصا له وجاهته رغم بطئ إجراءات التقاضي من ناحية، وعدم إمكانية الإحاطة بكل الجرائم التي تتستر عليها مراكز قوة تحتمي بالسلطة من ناحية أخرى .. ومن ناحية ثالثة فليست كل الأخطاء الموجبة للإبعاد عن العمل العام تخضع لقانون العقوبات . وبرغم كل هذه الاعتراضات فقد كنت ألتمس شيئا من العذر لك .. كنا مختلفين وكان لكل منا منطقة .. لكنني لم أستطع أن أجد عذرا على الإطلاق لك عندما بدأت السلطة التنفيذية تتحدى أحكام القضاء .. لم يكن الأمر انتظارا لعدالة القضاء إذن، بل استغلالا لبطئ إجراءاته .
لكن الأمر لم يستمر كذلك، فذلك انتهى، فلكل أول آخر ولكل مبتدأ نهاية، إذ ما لبثت أحكام القضاء أن توالت فراحت حكوماتك يا سيادة الرئيس تتحايل عليها، حتى صرخ الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين – قبل انفجار الدم في رأسه – مناشدا الحكومة أن تكون خصما شريفا، وفهمنا معنى صرخته المهذبة المعذبة أن الحكومة تصرفت كخصم بلا شرف . وانفجر الدم في عروقنا نحن الآخرين يا سيادة الرئيس. بل وأنفجر في حيثيات حكم شهير ناشد السلطة أن تتحرى الدقة والطهارة في اختيار رجالها، وانفجر السؤال نزيفا في قلبي : هل يرضى الرئيس حسنى مبارك أن يكون عهده موصوما بهذه الوصمة .
بعد ذلك فوجئنا بوضع غريب يحدث يا سيادة الرئيس، غريب مريب، دعني أقله لك قبل أن يقال عنك، قبل أن يكتبها أبو جهل في الصفحة الأولى كما فعل مع سلف سلفك ومع زوجة سلفك، هذا الوضع يا سيادة الرئيس هو موقف الدولة من الفساد، إن شعوري كمواطن هو أن الدولة بقوتها الأسطورية لم تكف عن محاربته فقط، ولم تغمض أعينها عنه فقط، ولم تتستر عليه فقط، وإنما راحت تربية وتنمية، حتى لقد أصبح الفساد ليس سلوك أفراد تحاربه الدولة وتتربص به، بل سلوك دولة يحاربه أفراد فتتربص الدولة بهم . تغلغل الفساد حتى إلى جهات كانت مهمتها محاربة الفساد، ولم يعد نبتا شيطانيا بل شجرة زقوم هائلة تتشابك جذورها مع جذور السلطة وتتساقط ثمارها عليها، دعك يا سيدي من تقارير الصحف بالطهارة فأنت تعرفها، ودعك من أحكام القضاء بالبراءة، أنا لا أهاجم القضاء لكن عندما تتناقض أحكامه مع ضمير الأمة ووجدانها الجماعي فليس لذلك معنى إلا أن شيئا خطيرا خطيرا خطيرا حدث، شيئا لا يشرخ شرعية نظام الحكم فقط بل يهدم أساس المجتمع كله، من المفروض أن القضاء ينفذ بحيدة قانونا موضوعا فإذا خالفت الأحكام ضمير الأمة فالقضاء مخطئ أو القانون باطل، وإذا شاب القانون بطلان فأساس تماسك الدولة كلها في خطر، وأنا معكم يا سيدي الرئيس أمجد القضاء وأنزهه، ولكن ليس بطريقتكم، لأن الإصرار اللحوح على إثبات شئ إنما يواجه دائما نفيا خفيا بضده، وأنا أمجد القضاء وأنزهه لكنني لا أنسى أبدا أن قاضيا في الجنة وقاضيين في النار، ولا أنسى أيضا من عبرة التاريخ أن أشد السلاطين دفاعا عن نزاهة القضاء كانوا هم لا غيرهم أكثر السلاطين دأبا على إلقاء تبعة جرائمهم على القضاة، ولكم قتلوا وسجنوا وعذبوا وسلخوا وأحرقوا وسحلوا وارتكبوا كل كبيرة وكل منكر، لا لأن الشيطان داخلهم أراد ذلك بل لأن القضاء النزيه العادل حكم به، أما هم، الأبرياء الأتقياء الأطهار الأبرار فكيف لا ينزلون على أحكام القضاء وكيف لا يرضخون لأمره .
أيامها يا سيادة الرئيس كانت مشاعرنا تصرخ توسلا إليك .. أنت منا.. أنت نحن لا هم، كنا نخشى عليك منهم، من أبى جهل وأبى لهب وابن أبىّ الذين لا مكان لهم في ظل حاكم عادل، كانوا يدافعون عن وجودهم وكنا ندافع عن أنفسنا وعنك، ولشد ما وددنا يا سيدي والله أن تكون معنا، نحميك وتحمينا، وحلم الناس أن تكون أبا زيد الهلالي، عنترة بن شداد، صلاح الدين الأيوبي، وكل بطل شعبي هب لينقذ أهله من جلاديهم، وابتدع الوجدان الشعبي العبقري شائعة انتشرت في أربعة أركان مصر انتشار النار في الهشيم .. وكانت تعبر عن لهفة الشعب المقهور للبطل الذي يخلصه من ذله، وممن كان واجبهم حماية أمنه فاغتالوه .. قالت الشائعة إن أحد كبار ضباط الشرطة اصطدم بابن حسنى مبارك في محطة بنزين عندما لم يحترم دورة ( هكذا يراهم الشعب ) فاعترضه أبن الرئيس في هدوء (هكذا يتمناه الشعب ) ولما كان الضابط لا يعرفه فقد انهال عليه بسباب قذر ( هكذا عرفهم الشعب ) لكن ابن الرئيس تمالك أعصابه تماما ( هكذا يتمناه الشعب ) إلا إنه أصر على موقفه بعزم من حديد (هكذا يريده الشعب ) وازداد تطاول الضابط ( هكذا خبرهم الشعب ) وإزاء ذلك طلب ابن الرئيس التوجه إلى قسم الشرطة للتحقيق .. واعتبر الضابط أن هذه فرصته الكبرى للتنكيل به في قسم الشرطة حيث يمكن هناك - فيما يفترض أنه قلعة الأمان – أن يعذبه عذابا لا يدركه أحد ولا ينقذه من بين يديه منقذ .. وتوجها إلى قسم الشرطة وهناك قابلوا الضابط الكبير بآيات التبجيل والتوقير واستقبلوا ابن الرئيس باستهانة ولم يسمحوا حتى بالجلوس .. وبدأ التحقيق الذي كان ينتوى به تلفيق قضية للمواطن … وأدلى الضابط الكبير ببياناته شفهيا لكنهم طلبوا بوقاحة من المواطن بطاقته، وكاد المحقق أن يسقط مغشيا عليه عندما أدرك أن من شارك في الاستهانة به هو ابن رئيس الجمهورية .. وفى لمح البصر انقلب الوضع تماما فإذا بالضابط الكبير يتهاوى ويتذلل إلى ابن الرئيس أن يصفح عنه، لكن ابن الرئيس يرفض .. ويحضر مدير الأمن والمحافظ بل ووزير الداخلية لكن ابن الرئيس يظل واقفا، فليس من حقه أن يجلس كابن رئيس وقد منعوه من الجلوس كمواطن.. وتنقلب الدنيا ويشتت الظالمون وينتصر الحق ..
كانت الشائعة رسالة أمل يائس منسحق إليك يا سيادة الرئيس من شعب أمل فيك أن تكون مخلصه ومنقذه من جلاديه .. لكن صحافتك القومية نفت الشائعة بمنتهى القسوة …
إذن … ليس هو أنت ..
ريفي أنا مثلك يا سيادة الرئيس .. وكان ليل القرية الطويل يمنحني الوقت كي أفكر وأتأمل وأحلم وأحاسب نفسي . فهل مارست هذا أنت . أتملك الوقت كي تحاسب نفسك إن كنت قد أخطأت أم لم تخطئ .. أم أن ثمة لعنة في كرسي الحكم تشي لشاغله أنه منزه عن الخطأ ..
مندهش أنا يا سيادة الرئيس ولا أفهم .. لماذا تكون أنت طاهرا .. وهذا هو اعتقاد أغلبية صامتة - رغم بعض ما قيل ولم يحقق – ويكون بعض من حولك غير ذلك ..
ألم تقرأ قولة سيدي وسيدك عمر بن الخطاب إن من ولى أمر المسلمين فاجرا فهو فاجر مثله .. عليه وزر ما فعل ..
يا سيادة الرئيس .. إنك إن تجاوزت عن فاسد واحد في بطانتك فسوف يفرخ مئات الألوف ..
يا سيادة الرئيس إن الأحمق من باع أخرته بدنياه . لكن الأحمق منه من باع آخرته بدنا غيره.
سيدي الرئيس
لماذا يتغير الناس عندما تتغير مناصبهم وأوضاعهم
يا سيادة الرئيس .. إن حياة كل إنسان منا حلقات متصلة قد يختلف فيها الشكل لكن المضمون واحد … لا يتغير المضمون إلا لدى العباقرة والمجانين والخونة .. وعلى هذا فإن مبادئ الإنسان وقيمة الأخلاقية لا تتغير .. وقد تتغير الوسيلة لكن الهدف لا يتغير .. وقد يقع ما ليس في الحسبان فيتأخر الوصول للهدف لكنه لا يتغير .. فماذا كان هدفك يا سيادة الرئيس وأنت في العشرين من عمرك .. في براءة الشباب التي لم تخدشها أنياب الزمن .. وماذا كان هدفك وأنت في الأربعين .. وماذا أنت عليه الآن …
ما رأيك في صدام حسين الآن وماذا كان رأيك فيه منذ أعوام قليلة وأي الرأيين صحيح ؟ ..
ما رأيك في القذافى الآن وماذا كان رأيك فيه منذ أعوام قليلة وأي الرأيين صحيح ؟ ..
ما رأيك في إسرائيل الآن وماذا كان رأيك فيها عام 73 وأي الرأيين صحيح؟..
سيدي :
ما رأيك فيما يقال عن ثروات بعض حكام العالم الثالث الذين ينهبون شعوبهم عبر سلاسل شيطانية بغيضة من الفساد الاقتصادي وتجارة السلاح ؟.
لقد دفعتني هذه النقطة للتفكير طويلا في كيفية إحساس الحاكم وهو يخون الأمانة . في عالمنا الثالث لا يكاد يوجد حاكم غير ثرى، بل فاحش الثراء، ثرى حتى انه ليكفل لأجيال من ذريته أن يكون طعامهم إن شاءوا ذهبا، الدافع المادي إذن غير كاف لكي يكون السبب الوحيد .
أم يا ترى هو الابتلاء الصعب وليس المال الحرام إلا كماء البحر للعطشان، كلما عب منه ازداد عطشا له وسعارا إليه . وهل تتشكل الخيانة بأسلوب سهل مباشر كأن يقنع الحاكم نفسه بأن شعبه ليس إلا مجموعة من الرعاع أقصى ما يمكن أن يطمحوا فيه حد الكفاف، بعد هذا الحد كل مطلب طمع وإسراف سفيه لا يقدم عليه إلا أحمق لا يقدر المخاطر التي تهدد الوطن . بيد أن حد الكفاف هذا لا يخضع لأية مقاييس ثابتة، إذ قد يكون سفيها من يشرب الشاي، أو يأكل الخبز أو حتى يغرق همه وقهره في تصريف الغريزة التي خلقها الله فيه .
وثمة نقطة أخرى فكرت إنها قد تكون تبريرا للحاكم فيما يفعل : إن الثروة محدودة، ولو وزعت بالعدل فسوف يكون عدل الفقر، سيكون الجميع فقراء، لن يضر الفقراء إذن أن يزدادوا فقرا في سبيل توفير الثروة للحكام الذين يتشكلون في كل وطن من طبقة لا من فرد أو أفراد - هل تأتى المبررات بعد ذلك لإثبات أحقيتهم في تلك الثروة، إنهم هم الساهرون على مصالح البلاد ( حتى لو ضاعت المصالح)، الحريصون على أمنها ( حتى لو أفتقد الأمن) الأمناء على رفع رايات النصر (حتى لو انهزموا ) ..
وهل يدخل في إطار هذه المبررات أنهم لكي يستقروا في الحكم مهددون بالموت كل يوم، وأن أي ثروة يحصلون عليها إزاء هذا التهديد المستمر ثمن بخس، وأنهم يستحقون أضعاف الأضعاف لولا رأفتهم بأحوال شعوبهم .
أتساءل : بماذا يشعر ملك يفرض على كل برميل بترول دولارا له، وعلى كل طلقة رصاص سنتا . بماذا يشعر ذلك الحاكم وهو يهمل ألزم الأساسيات لوطنه ويهدر المليارات في مشاريع أقل ما يقال فيها أنها غير ضرورية لمجرد أن ينال نصيبه من العمولة عليها . وبم يشعر ذلك الحاكم وهو يضيع ثروة أمته على أسلحة فاسدة كما حدث في مصر في القضية الشهيرة على الأقل وكما يحدث كل يوم ولدى حكام إخوتنا الذين أنفقوا مئات المليارات – أو آلافها والله لا أدرى – على أسلحة لم تستعمل قط، لم تحم أمنا ولم تهدد عدوا ولم تؤازر صديقا، حتى إذا وقعت المصيبة هرعوا إلى من يحميهم . فيم ضاع ما ضاع إذن، لو أنه ضاع لخطأ في الحساب أو تجاوز في التقدير لغفرنا، لكنهم واصلوا خطاياهم مع سبق الإصرار والترصد والتكرار والاستمرار دون أن يتعلموا أبدا . وليس جديدا علينا أن نعرف العمولات الهائلة التي تدفع في تجارة السلاح. ولو أنهم استعملوا هذا السلاح في الدفاع عما ادعوا أنهم اشتروه لأجله لما استمرت نيران الغضب والكراهية سعيرا في حشايانا، بيد أن من خالف القاعدة منهم فاستعمل هذا السلاح لم يستعمله ضد عدو وإنما ضد شعبه أو ضد شعب شقيق . وذلك الله يا سيدي الرئيس ما زاد من مراجل الغضب في صدري . لقد خدعونا كثيرا من أجل القضية والوطن، من أجل الاستقلال، ثم التنمية في وطن مستقل، وضاعت القضايا والأوطان والاستقلال وهاهم أولئك يحاولون إقناعنا بشيء غريب وهو التنمية عن طريق التبعية .
ولطالما ألقيتم باللائمة علينا، زاعمين أننا كسالى متخلفون حمقى لكن الإحصائيات العالمية تقول غير ذلك .
لقد استورد الشرق الأوسط خمسين بالمائة من جملة ما استورده العالم الثالث من سلاح في الفترة ما بين 1971 و 1989، حتى ليتساءل د. سامي منصور عن تكديس السلاح، هل كان هو السلاح المناسب أم كان استنزافا للقدرات ؟، هل كان السلاح الذي نملك مهارات استعماله أم كان مجرد زينة، كأدوات زينة النساء وأفخر أنواع العطور و أحدث السيارات.
لقد اعترف أحد أعضاء منظمة ثورة مصر بإرغامه على الموافقة على شراء أسلحة فاسدة وذلك أثناء خدمته في القوات المسلحة.
وتجمع المصادر على أن العالم العربي هو أكثر مناطق العالم الثالث إنفاقا حربيا وشراء للسلاح . ومعنى ذلك أننا كأمة قد أدينا دورنا و لم نبخل بشيء .
لقد أنفق العالم العربي – عالمنا – على السلاح في عام 1986 فقط 62 مليار دولار لكل فرد في السعودية و 1300 لإسرائيل
لقد استوردت إسرائيل أسلحة في الفترة ما بين 1951 و 1985 قيمتها 21 مليار دولار، في نفس الفترة استوردت مصر بـ 20 مليارا سوريا بـ 22 مليارا والسعودية بـ 23 مليارا والعراق 25 مليارا وليبيا 21 مليار دولار.
أما مجموع ما استورده العالم العربي فيقارب 220 مليار دولار .. أي عشرة أضعاف إسرائيل .
عشرة أضعاف إسرائيل يا سيادة الرئيس ثم ننهزم .
200 مليار دولار في أقل التقديرات، فهناك تقديرات أخرى تصل بهذا الرقم إلى ألف مليار دولار لشبه الجزيرة العربية فقط .
وعلى الرغم من هذا فذلك جزء من الحقيقة فقط يا سيدي، لأن استيراد السلاح يمثل فقط ثلث الإنفاق الحربي . أمتنا أنفقت 600 مليار دولار على السلاح ثم ننهزم، 600 مليار تجمعت من حلال الجياع لا من حرام الضباع، لم تتقاعس الأمة ولم تبخل ولم تسرق ولم تجن من الفساد إلا الخراب، أما السلاح الذي استوردته الأمة بدم قلبها فقد استعمل أكثر ما استعمل في سفك المزيد من دمائها .
يطلق على فضائح الفساد والرشوة في تجارة السلاح اسم : فضيحة القرن العشرين .
وقد ثبت أن عمولات ورشاوى تجارة السلاح في بعض دول العالم الثالث تصل إلى 10% من قيمة السلاح المستورد .
في اليابان قبض على رئيس وزراء بتهمة تقاضى عمولات عن شراء السلاح، وفى ألمانيا تم توجيه الاتهام إلى رئيس وزراء . أما في العالم العربي فالكل أطهار أخيار أبرار، لم يتهم أحد، ولم يدن أحد، نحن الذين اتهمنا وأُدنا .
آه يا سيادة الرئيس .
حجم الإنفاق الحربي العربي يزيد مرة وثلثا عما تصرفه فرنسا وألمانيا وأكثر من مرة ونصف عن بريطانيا والصين .
يالها من مأساة ..
ليست جيوشا إذن وإنما شركات لتوظيف الجيوش.
شركات للنصب علينا .
تعداد الجيش الإسرائيلي : 786000
والجيوش العربية 687000 2
لدى العالم العربي 17864 دبابة مقابل 3900 لإسرائيل .
إن الحرب القادمة مع إسرائيل هي حرب صواريخ وفيها تحقق إسرائيل تفوقا ساحقا .
ألهذا يدمرون صواريخ العراق، ويوافق العرب في مجلس الأمن .
إنني أعرف أن مصر هي آخر دولة عربية ينبغي أن تسأل عن السلاح، لكنها يجب أن تسأل .
وأعرف أيضا أن حجم الفساد في مصر رغم ضخامته قد يكون أقل من حجم الفساد لدى معظم إخوتنا ..
وبالرغم من ذلك فإننا لا ننسى ما حدث عندنا، في فضيحة قضية البوينج الشهيرة رفض الوزيران أحمد نوح ومحمد مرزيان التلاعب حتى وصلهما أمر رسمي من رئيس الجمهورية أنور السادات بتوقيع الصفقة على الفور، لينشر جيم هوجلاند بصحيفة الواشنطن بوست أن هناك مبالغ أودعت في حسابين سريين في سويسرا أحدهما بـ 8 ملايين دولار والآخر بـ 650000 دولار .
لا ننسى صفقة الأتوبيسات وصفقة حديد التسليح الأسباني، وصفقة الأسمنت، وقضية البترول ومترو الأنفاق ونفق أحمد حمدي، وفضيحة صفقة التليفونات التي زادت قيمتها عن مليارى دولار، بينما كان هناك عرض بنصف المبلغ لكننا رفضناه لنقبل العرض الأغلى الذي قدمه اليهودي كارل كاهان، ولتقبض السلطات النمساوية نفسها على بعض أعضاء العصابة الداخلة في الصفقة ولكننا نصر هنا على أن الجميع أطهار أخيار أبرار.
هذا ما حدث عندنا ولعله مجرد فتات بالنسبة لما يحدث عند جيراننا، فما هو الضمان أنه لم يعد يحدث .
هذا ما حدث في صفقات تتابعها الصحف ويوافق عليها مجالس الشيوخ والشورى والأمة، فماذا يحدث إذن في صفقات لا تتابع ولا تعرض، ماذا يحدث في صفقات السلاح ؟ .
قل لي يا سيادة الرئيس محمد حسنى مبارك :
لماذا تقبل تفويض مجلس الشعب في استيراد السلاح ؟؟؟؟
عيد ميلاد سعيد يا سيدي .
عيد ميلاد سعيد حقا وصدقا .
وأرجو أن تسمح لي بمواصلة حديثي معك في العدد القادم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة … والصلاة والسلام على القدوة والأسوة.
الأستاذ الفاضل / د. محمد عباس
تحية من عند الله مباركة طيبة .. وسلاما أرق من نسيم الصباح وأعطر من شذي الريحان ..تحية من قلوبنا نرسلها من خلف الأسوار .. نرسلها بعبير دمائنا وشذي محنتنا.. نرسلها من قلوبنا يحملها إصرارنا يطير بها فوق المحن والآهات لتصل إليكم متمنية لكم كل الخير والتوفيق.. داعية لكم من أعماق القلب أن تكونوا على خير حال يحبه الله ويرضاه .. وأن يصرف عنكم السوء وأهله وأن يحفظكم من كيد الظالمين وألا يجعل لهم عليكم سبيلا .
أستاذنا الفاضل
نتابع بكل لهفة وبمنتهى الشوق كتاباتكم المباركة .. وحقيقة في هذه العجالة نود أن نقدم لكم شكرنا .. ونسأل الله تعالى أن يجازيكم خير الجزاء وأن ينصركم في الدنيا والآخرة لما تكتبونه بمنتهى الشجاعة والقوة والوضوح نصرة للمستضعفين . المقهورين في بلادهم وأوطانهم .. وحربا على المفسدين الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا..
أستاذنا الفاضل ..
رغم محنتنا ورغم الأسوار إلا أننا نرى إشراقة الفجر تشق دياجير الظلمات .. سوف يأتي الفجر – أستاذنا – قريبا وسيمسح بطيب نسماته آلام الظلام .. سوف يأتي الفجر – أستاذنا – قريبا وتحقق الآمال
نعم .. نراه يرنو من قريب .
تتوق الأنفس إليه .. ولكنها حكمة لا بد أن تتحقق
"… ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .. "
وختاما ..
تقبلوا سلام إخواننا من هاهنا جميعا ودعواتهم وتحياتهم .
وفقكم الله إلى كل خير ..
ونصر بكم الإسلام والمسلمين ..
إخوانك
ممدوح على يوسف
صفوت عبد الغنى
مــــــن مواطـن مصري
إلى الرئيس مبارك "2"
فخامة الرئيس :
عام سعيد يا سيدي .
عام سعيد عليك وعلى أمتك..
عام سعيد يخفف عنا وطأة أعوام الحزن .
عام سعيد ترفض فيه تفويض مجلس الشعب لاستيراد السلاح، وليس هذا فقط ما نرجوه من بطل 10 رمضان، بل ونرجو أن تكون مصر تحت قيادتك سباقة لتشكيل لجنة على أعلى مستوى لمراجعة كل مشتريات السلاح في مصر لتعلن نتيجة مراجعتها على العالم، لجنة تكون وسام فخر لعهدك ووصمة عار لأشقاء لم تكن الجيوش عنهم إلا جيوش المحمل والمهرجانات وإرهاب الشعب، وجيوش جعلتهم رحماء بالأعداء أشداء بينهم، جبارون علينا خوارون أمامهم .
لقد هزمنا وتعدادنا كعرب أربعون ضعف تعداد إسرائيل، ناتجنا القومي عشرون ضعفا، تعداد جيوشنا أربعة أضعاف، وحجم أسلحتنا أربعة أضعاف، وإذا ما أدخلنا العالم الإسلامي في الحسبان – كما يجب – لتضاعف الفارق أضعافا مضاعفة أخرى .
وقد يتبادر إلى الذهن أن أسلحتنا كانت متخلفة، وهذا ما تنفيه تماما مؤسسات الغرب العسكرية ومجلاتهم المتخصصة .
وقد يزعم حاكم أن شعوبنا متخلفة عن شعوبهم، لكن الإحصائيات عن حملة الماجستير والدكتوراه في بلادنا، وعن نماذج المواطنين الفذة التي تستطيع عبقريتها في الخارج، كل ذلك دليل قاطع هو أن الفرق بيننا وبينهم هو الفرق بين حكامنا وحكامهم .
لم نهزم إذن عن قلة .
ولم نهزم عن ضعف في الإمكانيات أو نقص في المال والعتاد.
هزمنا بعد ما قدّمنا، لم نقصر كأمة، أما ما ضرب علينا من الذلة والمسكنة فلم نكن نحن سببه، نحن قدمنا أكثر مما قدم أي شعب في العالم، هل استثمرتم أنتم كقادة ما قدمنا ؟ هل كنتم في مستواه ؟ هل أضفتم عليه أم أهدرتموه، ضيعتموه، سفحتموه؟..
لا تغضب يا سيادة الرئيس وخذ من التاريخ عبرة .. فإن العبيد والجوارى الذين كادوا يؤلهون جمال عبد الناصر هم الذين يجلدون اليوم بالسياط ذكراه .. وأولئك الذين كادوا يعبدون السادات من دون الله هم – لا من أبغضوا السادات في الله – الذين امتهنوا كل شئ في ذكراه حتى عرضه، وبرغم أنني من قوم يرون في جيهان السادات ملامح هند بنت عتبة فقد نزف قلبي دما عندما لاك إبراهيم سعدة في فمه ما هو أعز على المرأة من كبد الحمزة علينا وعليه.
نسى أنه يكتب في عهد الفلاح حسنى مبارك فهجر النصيحة وفجر الفضيحة.
ذلك يا سيدي أن قانون الله في ماله وسلطانه أنكم ما منحتموه غير أهله إلا حرمكم الله ودهم وشكرهم .
أفتأمن يا سيدي على نفسك منهم ؟؟ !!
أتشك أنك ميت وأننا ميتون ؟؟ !!
ماذا تتوقع أن يكتب عنك إبراهيم سعدة بعد موتك، أي إبراهيم سعدة وكل إبراهيم سعدة، ماذا تتوقع أن يكتب أنيس منصور وسمير رجب، وكثيرون وكثيرون وأنت تسمعهم وتقربهم، ولست طامعا والله في شئ من ذلك فأنا غنى عن قربك غناك عن قربى، لكنني أخشى على وطن ائتمنت عليه، وأمة أسلمت لك قيادها، لا شورى ولا طوعا .. وإنما انتخابات واستفتاءات .. إن كنت تعرف ما يحدث فيها فما أشد غضبى وإن كنت لا تعرف فما أشد يأسى .
أجل يا سيدي، أنا غنى عنك غناك عنى، غنى عنك يا سيدي، غنىُّ عنك غِنى ذلك الزاهد الذي دعاه هارون الرشيد إلى طعامه فأبى الزاهد أن يقربه مبديا اشمئزازا وتأففا من أصناف الطعام الفاخر حتى دهش الخليفة وظن أن الرجل لجهله لا يدرك قيمة ما أمامه، لكن الزاهد لم يلبث حتى مد يده إلى أصناف الطعام وملأ قبضته منها ثم أخذ يعتصرها ليتساقط منها دم وأشلاء بشرية فيصرخ قائلا : هذا هو طعامك الذي تدعوني إليه يا أمير المؤمنين . وعيف الطعام فرفع.. ثم نودي بالشراب فمد الخليفة يده إلى كوب ماء فحال الزاهد بينه وبين الماء متسائلا : كم تدفع فيه يا أمير المؤمنين إن مُنِعته ؟ فأجابه : أدفع فيه نصف ملكي، وخلا الزاهد ما بينه وبين الماء حتى ارتوى فسأله : فكم تدفع لو حصرت فيه؟.. فأجابه الخليفة : أدفع فيه نصف ملكي الآخر.. وهنا قام الزاهد مغادرا مجلس الخليفة وهو يقول في ازدراء :
- ما أهون ملكا لا يساوى شربة وبولة !!
لطالما ساءلت نفسي يا سيادة الرئيس : كيف وأنت الدمث المهذب الرقيق تترك مسوخا تعبر عنك، تنقل لنا فكرك، تحمل أوزارهم ولا تنال منهم نصحا وأنت حي ولا إنصافا بعد أن تموت .
كيف ولماذا وحتى متى ؟؟!!
لماذا تتركهم يشوهون مواقفنا ؟ لماذا يكذبون فيدّعون علينا ما لم نقله ؟ ينشرونه في صحفهم الواسعة الانتشار ؟ بل في صحفنا نحن التي استولوا – بإذنكم – عليها ليعاملوها كما تعامل السبي، ثم يأخذون في الرد علينا، يفندون ما يدعوه ولم نقله.. كانت أرواحهم ونفوسهم وجذورهم تمتد دائما خارج الوطن رغم أنهم غالبا كانوا يعيشون بأجسادهم فيه يستنزفونه، كما يعيشون في الوطن بينما كان الوطن يعيش فينا، في قلوبنا وبين حشايانا، نرويه بدمنا فيستنزفون دم الوطن ودمنا .
عيرونا بهزيمة 67، ويومها هزمنا نحن لا هم وهزمت أنت أيضا معنا يا محمد حسنى مبارك، الغرب واليهود وهم انتصروا، وفى إعجاز مذهل لخص نجيب محفوظ الأمر كله بأن مصر لم تهزم في حرب 67، بل انتصر نصف العرب على نصفهم الأخر، انتصر نصفنا على نصفنا، وكانوا هم النصف المنتصر، مع أعدائنا انتصروا علينا . نحن لم نؤيد الظلم والبطش والجبروت والظلم والطغيان والمعتقلات . بل كنا ضحاياها، أيدها هؤلاء الذين يعيروننا اليوم . فلماذا تسمع لهم يا سيادة الرئيس ولا تسمع لنا، ولماذا تسخّر لهم وسائل إعلام -المفروض أنها ملك الأمة- كي تكون مطاياهم التي يسحقون بها هامات الأمة ؟
أجل، لم نكن مع الفساد والظلم لكننا كنا مع بناء السد العالي وتأميم قناة السويس وحرب الاستنزاف وأدنا بكل ما نملك من قوة السجون والمعتقلات وغيبة الديمقراطية، وكنا مع سعودية فيصل عندما وقف بكل الشموخ مهددا : نحن قريبي عهد بحياة البداوة فإذا ما قررت أمريكا الاستيلاء على أبار بترولنا، سنشعلها ونعود بدوا كما كنا، وكنا مع السادات حين أشعل نار أكتوبر وكنا ضده حين أطفأ نوره، كنا معك أنت أيضا يا سيادة الرئيس بكل ما في القلب من حب وبكل ما في الروح من عزم وقوة وأنت تحارب أعداءنا وأعداءك، كنا معك، كنا نتلمس الأعذار والتبريرات لأخطائك، لم يفعل اليوم لكنه غدا سيفعل، لم يكتشف بعد لكنه حتما سيكتشف، حتى كانت الغاشية في حرب الخليج .
الغاشية …
إن كل أحزان زولا وأعماق دستويفسكى وبحور تولستوى وعوالم فوكنر وجيشان إبسن، وحوارى نجيب محفوظ، وصدمات الحلاج وآلام صلاح عبد الصبور، كل ذلك غير كاف للتعبير عن مشاعري، كمواطن، كوطن، كتاريخ، كأمة .
ذبحتني فنخعتنى .
أكان كل ما مضى وهما، سرابا، إسقاطا لأحلام ضائعة عليك ؟ ..
قل لي بربك لماذا اشتركت في عاصفة الصحراء ؟ أهذا هو أنت، وذلك الوجه الطيب الذي هو وجهك، الوجه الذي طالما أراحني في بداية حكمك، حين كنت أرى فيه وجه أبى وآخي وصديقي وابني، كوجه مصري في بلد غريب يشدني بالحب والانتماء إليه ؟ أكنت من البداية هكذا أم أنك تغيرت، أم أنني أنا الذي لم افهم ولا أفهم ولن أفهم ؟ لو أن أحدا قال إنك يمكن أن تفعل ذلك لشاجرته . الفلاح المصري ابن كفر المصيلحة مركز شبين الكوم منوفية لا يمكن أن يفعل هذا، الضابط المصري العظيم الذي تجرع معنا ذل الهزيمة ومهانتها ثم رشف معنا رحيق حلاوة النصر لا يمكن أن يفعل هذا، لا يمكن، المنطق يرفض، والدين يرفض، والعرف يرفض وحتى قانون العيب يرفض .
ولم يكن التخلي عن علاقتي بك سهلا، كان مؤلما كالسلخ، رحت أحاور نفسي.. إن كان هو يتغير فنحن أيضا نتغير..
إن كان قد غير موقفه من العراق فانقلب عليها فنحن أيضا غيرنا موقفنا من الهجوم عليها إلى مساندتها .
لماذا أحمل عليه إذن وقد غيرت موقفي مثله ؟
أفقدتني الثقة بنفسي..
إما أن أكون على صواب وأنت خاطئ أو تكون المصيب وأنا مخطئ .
وضعتني في موقف البين بين، موقف الشك وانعدام اليقين، أقسى المواقف وأكثرها عتوا .
أراجع نفسي، أؤنبها، أوبخها وأبخعها، أتساءل : لماذا لا أفترض أنك مصيب، بل لماذا لا أفترض أن السادات كان على حق، العالم كله يركع ثم يسجد أمام العلج الأمريكي، فهل كان السادات محقا حين سبق العالم بالركوع والسجود – والتعبير ليس لي إنما المسئول سعودي قال : " لقد طلبنا من السادات أن ينحني أمام أمريكا ففوجئنا به يسجد أمامها " – فهل كان السادات أبعدنا نظرا أم أكثرنا خيبة، أم كان فأر التجارب الذي أجرت عليه المخابرات الأمريكية والمحافل الصهيونية بروفتها الأخيرة، كي تضرب بعد ذلك ضربتها الكبرى مع جورباتشوف وصدام فيسجد العالم أمام أصنامها وطواغيتها وعلوجها ؟..
أهذا هو الابتلاء الأخير لنا، حيث يحاط بنا فمنا من يثبت ومنا من يظن بالله الظنونا ؟ والله يا سيدي إن ظني بصدام لأسوأ من ظنك فيه ذلك أنك تدينه كرئيس شطح عن نمط الرؤساء والملوك، بينما أنا أدينه – وأدينك- لأن القاعدة عندي والمقياس ليس نمطكم وإنما نمط السلف الصالح والخلفاء الراشدين وتراث أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
لكن الأمر لم يكن أمر صدام ولا غزو الكويت، وإنما كان صدام حضارتنا بوحشيتهم وإيماننا بكفرهم، خير أمه أخرجت للناس بأممهم، وهو صراع كتب علينا فيه القتال وهو كره لنا .
لكن موقفك يومها كان فارقا ..
من لحظتها، - لحظتها فقط – عمقت الفجوة واتسعت الهوة وابتعد القرار .
لم نكن ضدك، ظنناك في البداية تناور كي تنقذ، كي تحمى، كي تصون .
ظنناك تناور، كما ظننا ذات يوم إنك ستناور كي تنقذ خالد الإسلامبولى وسليمان خاطر .
لكن كتبتك رغم انذباحنا لم يرحمونا . وكما ادعوا علينا زورا أننا قلبنا قارعة 67 نصرا وحولنا مجد 73 هزيمة، كما ادعوا ذلك .. في أقذر حرب في التاريخ ادعوا أننا كنا مع صدام، بينما معه كانوا وضده كنا، ومنه تلقوا الهدايا والرشاوى، وهاجمناهم فاتهمونا بأننا لا نفهم وأننا نتلقى الرشاوى من إيران، ثم انقلبوا عليه ليدعوا أننا خونة وحمقى لأننا ندافع عن صدام وما عنه دفاعنا ولكننا دافعنا عن شعبنا، عن أنفسنا وثروتنا وأسلحتنا وجيشنا فصدام زائل وأنتم زائلون ونحن زائلون لكن كل ذلك كان يجب أن يبقى للأمة، لأجيال تأتى بعدنا.
آه يا سيادة الرئيس
ما أوسع الفجوة وما أشد الألم .
لقد ظل بيني وبينك خيط لم ينقطع وفتق لم يتسع إلا بموقفك ذاك .
طيلة الوقت ،رغم كل جرح وكل نزف وكل صدمة ظللت أتخيل نوعا من التفاهم السرى بيني وبينك، نوعا من التفاهم السرى لم نتفق عليه لكننا بأعمق ما في الروح ظننا أننا ندركه .
ثم حدث ما حدث .
إن كنت يا سيدي قد نسيت فأنا لم أنس.
أم تراك قد نسيت ما قاله لنا كتبتك عبر صحفك وإذاعتك وتليفزيونك، ما قلتموه عن الخطر الفارسي على العرب فأحييتم فتنة كانت قد انطفأت منذ ألف عام، ولم يأبه أحد ولم يحاذر من أن إشعال نار فتنة لن يقتصر عليها . أخذتم تمجدون صدام البطل الذي يدافع عن بوابة العرب الشرقية ضد المجوس، لنفتح الباب في ذات الوقت أمام من يريد إخراجنا من زمرة العرب، أمام من يقول إننا فراعنة، والسودان والصومال أفارقة ودول المغرب العربي بربر، لكن الانفعال استبد بهم فقال قائلهم إن خطر إسرائيل لا يساوى شيئا إزاء خطر الفرس المجوس، لكننا يا سيدي رغم تكريس كل أجهزة إعلامك نقمنا عليك وهاجمناك حين ناصرت صدام في ظلمه، لا برده عنه بل بمساعدته عليه، وأخذتم استجداء لتأييد الأمة، تقسمون الأمة إلى سنة وشيعة وهى أسماء سميتموها لم يقل بها قرآن ولم يرد حديث نبوي شريف، لكنه كان استمرارا فاجعا لشق اجتماع الأمة وفض إجماعها وتشتيت شملها وبلبلة فكرها وتمزيق وحدتها .
تتعدد المسميات لكن الهدف واحد، كان خطأ فاجعا منك يا سيادة الرئيس أن تقف هذا الموقف حينذاك مع صدام ضد إيران، لكننا كنا نلتمس لك عذرا واهيا في أنك بعيدا عن الدين تتبع المثل العامي المصري، فتقف مع أخيك ضد ابن عمك، لكن ها هو ذا الغريب يسفك دم أخيك، فإذا بك تعاونه، وابن عمك – إيران – يصرخ بكم ألا تضيعوا أخاكم، كيف فعلتها يا مبارك، كيف فعلتها ولماذا ؟ غيرك فعلها قلبي يوطد أركان عرش متهاو فقد شرعيته بين أهله وداخل أرضه فراح يتسولها ببيع أرضه وأهله .. غيرك فعلها لأنه لا يستحق ما يملك، لكن .. أنت النزيه الشريف ذو الكفن الذي لا جيوب له لم فعلتها ؟ لم رضيت من الوفاء باللفاء ؟ لماذا لم تكن الوسط، لماذا اخترت الغلو ؟ بينما خير هذه الأمة النمط الأوسط يلحق بهم التالي ويرجع إليهم الغالي، نحن يا سيدي كنا مع العراق وهو ينسلخ عن أعداء الأمة وخونتها، لكننا كنا ضده عندما راح يأكل أهله، وكنا ضد إيران الشاه عبدة أمريكا وصديقة إسرائيل – وبالمناسبة لم يكفر كتبتكم أيامها الشاه رغم أنه شيعي – وأيدناها بمنتهى القوة عندما أصبحت ضد أعداء العرب المسلمين، والذين أخذوا يشعلون نار الفتنة ليندفع الحمقى في حرب وقودها أمة محمد، وصرخنا فيكم :
- صدام ظالم فانصروه برده عن ظلمه .
لكنكم رحتم تكدسون السلاح عنده، والأسياد في الغرب يحرضون وينصحون، وأنتم تستجيبون، وهم يعلمون أن تكديس السلاح لدى العراق يشكل عامل ضغط عليه قلبي يمارس العدوان، كان عدوانا ظالما على إيران كذبت أجهزة إعلامكم علينا فيه، وقلتم لنا أن انكسار العراق هو انهيار لأمن الأمة وشرخ لباب البيت..
يا إلهي.. لقد حطمتم أنت الباب وخربتم البيت، لتعود أجهزة إعلامنا دون حياء تتباكى بكاء التماسيح على ظلم صدام لإيران .
أناشدك الله يا سيادة الرئيس، هل اتخذتم قرار تدعيم العراق أيامها بناء عن اقتناع حقيقي أم أن الصديق الأمريكي هو الذي أوحى إليكم بذلك ؟ كان يعرف منذ البداية أنكم ستدفعون دم قلوبنا في سلاح يذهب للعراق يتكفل هو بتدميره في النهاية..
ثم كانت الغاشية .
واعترف كتابكم أخيرا بظلم صدام، لكن صدام لم يكن وحده .
ولم نحول موقفنا من إيران إلى العراق بل ثبتنا على موقفنا من الأمة .
وكانت الفضيحة لكتبة لا يعرفون الفضيحة، أن إيران نفسها وقفت مع العراق ضد أعداء الدين والأمة .
وبالرغم من ذلك أخذ كتبتكم يعيروننا بموقفنا من العراق، فوالله لا نملك إلا تذكر ذلك الأحمق الذي قابل عمار بن ياسر – وهو أمير – ليسبه قائلا : يا أجدع الأذن، ( وكانت أذنه قد قطعت بسيوف المرتدين في حرب اليمامة ) فلا يقول الأمير له إلا: خير أدنى سببت، لقد أصيب في سبيل الله . وها أنتم أولاء تعيروننا بخير مواقفنا مع العراق ووالله ما كانت إلا في سبيل الله .
ولأستعر قولة سيدي وسيدك عمار بن ياسر لبنى أمية، ولأنح نحوه :
" أما أنتم فوالله ما قصدتم الحق لكنكم ذقتم الدنيا واستمرأتموها وعلمتم أن الحق يحول بينكم وبين ما تتمرغون فيه من شهواتكم ودنياكم، وإنكم خدعتم الناس بزعمكم أنكم تسعون لتحرير الكويت، وما أردتم إلا استمرار أنظمتكم لتكونوا جبابرة وملوكا ."
هل تظن يا سيدي أنك انتصرت عندما انضممت إلى قوات التحالف ؟
أم انتصرت الأمة ؟
الذي انتصر يا سيدي شخص له نفس ملامحك، نفس رسمك، يلبس ذات الملابس ويقطن نفس الأماكن ويتحدث بنفس الصوت لكنه ليس أنت، الذي انتصر عدو الله وعدو لنا وعدو لك .
نحن لم نكن معك ولا ضدك .
لم نكن مع شخص ولا ضد شخص .
كنا فقط مع من ينصر الأمة، مع من يوحد كلمتها ويرفع رايتها ويواجه أعداءها، فإذا انحرف لم ننحرف خلفه بل هرعنا إلى خالقنا ندعوه أن يحفظنا على الصراط المستقيم لنقف ضد الضالين المغضوب عليهم من الله فمنا .
لقد تابعت بإعجاب حزين مجهوداتك يا سيدي الرئيس لإنقاذ ليبيا
إعجاب حزين، لأننا كنا نتسول الصفح منهم، وهم لا يكفون عن إذلالنا، لم أستطع منع موقفي من التساؤل : لماذا لم يكن مثل هذا الجهد مع العراق، ولو أننا استنقذنا قوة العراق من براثن الوحوش هل كنا سنضطر لكل هذا التوسل المذل المهين لإنقاذ ليبيا، وهو توسل سنلجأ إليه دائما، مرة لليبيا ومرة لسوريا وأخيرا لمصر .
لقد دهشت لسذاجة مفكر مشاعري اقترح – في قصر نظر ليس منقطع النظير – أن تسلم ليبيا المتهمين وينتهي الأمر، لا يدرك الأحمق السلسلة الجهنمية التي ستعقب ذلك بخلخلة نظام الحكم هناك خلخلة تنتهي بطلب تسليم القذافى لمحاكمته، وقد يحدث انقلاب مبرمج يسفر عن تسليم القذافى فعلا، وقد لا يحدث الانقلاب فتضرب أمريكا وبريطانيا ليبيا، لن تضربا السلاح فقط بل المصانع ومشروع المياه العظيم وكل بادرة تقدم، ولن يحدث ذلك كله إلا لكي تكون ليبيا رأس الذئب الطائر بالنسبة لكل حاكم عربي، أن يضعوا كل حكم في الاختيار الرهيب بينه وبين الوطن .. إما أن يستمر ليحقق لهم أغراضهم أو يؤسر ليحاكم .
هل تذكر يا سيادة الرئيس خطة إسرائيل لاختطاف جمال عبد الناصر ذات يوم؟
إن أمريكا ترفض استقبال ياسر عرفات لدخول الأمم رغم مخالفة ذلك للقانون الدولي، وتقابل مانديلا استقبال الرؤساء …
أصبح القانون أهواءها والشرعية مزاجها .
إنها يمكن أن تضرب أي دوله و تبرر عدوانها بأنه ضرب للإرهاب .
ولقد اختطفت نورويجا لمحاكمته، وأصدرت حكما بالإعدام على صدام، وقامت بمئات العمليات القذرة لاغتيال زعماء وتدمير الأمم .
هل يسيطر على الحكام العرب خوف من ذلك أو من شئ مثله ؟
هل يتحكم ذلك الرعب في قراراتهم ؟ إن لطفى الخولى يصرح في الأهرام 18/3/1992 :
" ثمة فكرة محورية خطيرة تدور في الوجدان الغربي، وهى أن الحضارة الغربية – اليهودية المسيحية – المتقدمة باتت مطالبة تاريخيا بالتصدى العنيف للحضارة العربية الإسلامية المتخلفة والعدوانية "
فما هيخطتنا للصدى .. للمقاومة .. للدفاع عن الدين والوجدان والهوية والحضارة بل للدفاع عن الوجدان .
يا سيدي :
أجدنى مضطرا إزاء غلواء كتابك وشططهم، إزاء شهادتهم الزور أن أعترف لك بشيء وأن أقسم له بالله الواحد الأحد أنه حق وصدق، عندي فجر ذلك اليوم الكئيب الذي دهمتنى فيه أنباء غزو الكويت استشطت غضبا، استيقظت كراهيتي القديمة لصدام حسين، وتجسد في وجداني ذلك الذنب الهائل الذي لن أغفره له قط في إهدار قوى الأمة واستنزاف طاقاتها لصالح أعدائها، وفى حماقة الغضب تمنيت أي تدخل حاسم يردعه " يخلعه من الكويت " وفى حماقة الانفعال لم استبشع أي نوع من التدخل .
مالي أخجل من موقفي، مالي أخجل من مصارحتك، كي وعدتك أن يكون حديثي لك كله حديث صدق .
في جحيم غضب الساعات الأولى تمنيت أن يقف العالم كله ضده، حتى الشيطان الأكبر، كي ما لبثت أن استرددت وعيي وعقلي في نفس اليوم .
والله يا سيادة الرئيس ما زلت حتى الآن كلما تذكرت ذلك أخجل من موقفي .
فكيف لم أدرك من اللحظة الأولى أن الأحمق قد استدرج لا لمصرعه بل لمصارع قومه، لمصرعي أنا.
وكيف لم أدرك من اللحظة الأولى أن قيام الغرب بحماية دول البترول سوف ينهى لمائة عام انتماءها إلينا، وسوف تنشق الأمة كما لم تنشق قط .
وجرت الحوادث فصدق ظني.
وعاد جيش مصر لكن جيش أمريكا بقى .
وتحررت الكويت لكنها لم تعد إلينا .
ولم يعد إلينا الخليج ولا حتى السعودية .
ورجع جيشنا في غضب من لم يقدر صنيعه .
وكنا كالنعامة حين راحت تبحث عن قرنين فعادت بلا أذنين.
وانسحقت العراق لكن صدام بقى .
وبالرغم من ذلك كله استمر إذلال العراق لا صدام .
استمر إذلالي كوطن ودين وأمة .
استمر سحقي وتحطيم كبريائي وإذلالي وإهانة ديني، وقد نصحنا جنودهم أن ننادى المسيح ما دام إلهنا لا يستجيب لنا .
ولا نملك إلا أن نقول قوله الحسين : كل ما حم نازل، عند الله نحتسب أنفسنا وفساد أئمتنا.
سيدي الرئيس :
لقد تحررت الكويت .
إذن : ما هذا الذي يحدث لشعب العراق الآن ؟
ألم تشعر بأن كل هذا الإذلال الذي يوجه إلى العراق ينال منك ؟ إنك أنت المقصود به ونحن معك .
هل هذا هو عنوان لنظامكم الجديد ؟ هل تفوق جرائم صدام حقا جرائم شامير ؟ وإلا فلماذا لم تطله الداهية الدهياء؟ أم سلمتم لهم بأننا أبناء الجارية، وأننا عبيد ؟
مهما بلغت جرائم أي حاكم عربي فهل تبلغ جرائم حكام إسرائيل الذين وصفهم بعض المفكرين بأنهم مجموعة المرضى النفسيين العاشقين لسفك الدماء ؟
أجل … ما يحدث الآن يا سيادة الرئيس ليس إذلالا لشعب العراق بل هو إذلال لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ولقد شاغلونا بليبيا حتى ننسى العراق وحتى ننسى ما يفعلوه بنا في مدريد وموسكو وواشنطن " وغدا يشاغلونا حتى ننسى أنفسنا .
ويذبحني ذات يوم يا سيدي تصريح رسمي لك أننا على الحياد بين الفلسطينيين وإسرائيل .
يخيل إلى أنني حين أموت ذات يوم سيكون حيني وأنا أقرأ ما نشيت صحيفة أمام شاشة التلفاز وهو يذيع خبرا من أخباركم يا سيادة الرئيس، والله أقولها جدا لا هزلا، ومطالعة لا مبالغة، حين يغلى الدم في عروقي وتحترق موقفي وتتعذب روحي فتتسارع دقات في وألهث كحيوان عاجز حبيس في قفص يرى الإهانة ويحس المهانة وهو عاجز حتى عن الصراخ، حتى لو تركوا له فما غير مكمم، لأن ما بقى به من العقل بعد ما جرى له يجعله يفهم أنه مهما صرخ فلن يسمعه أحد ولن يدركه أحد ولن يتأثر بصراخه أحد .
غير كاف .
غير كاف .
غير كاف .
سأموت وأنا اسمعها ذات مرة من عتل زنيم يرأس الولايات المتحدة الأمريكية يذل بها قوما هم قومي، وملكا أو رئيسا – مهما جار على، مهما قتلني – فهو منى وأنا منه، هو النازل منزلتي فكأننا شخص واحد لا يختلف إلا في البدن
غير كاف.
غير كاف .
غير كاف .
والملك الرئيس الأمير الخليفة ملك العبيد وعبد الملوك في شبكة الصياد مذعور يحاول أن يتملص، يخلع رداء القوة، غير كاف، يخلع رداء الكرامة، غير كاف، يصرخ أنا مجروح، غير مهم، يخلع رداء الشرف، غير كاف، يدفع الإتاوة، غير كاف.
غير كاف.
ألم يدرك أحد بعد ما هو كاف .
إن كان ذلك كله غير كاف فما هو كاف.
أنا أقول لك يا سيادة الرئيس .
الدين والملة والجغرافيا والتاريخ والحضارة .
أعطهم ما شئت يا سيادة الرئيس.
وافقهم على كل شروطهم، مجد نظامهم العالمي الجديد، نفذ تعليمات صندوق النقد الدولي، طور العلاقات مع إسرائيل وعمقها، أقنع سوريا بالتفاوض حول الماء والتجارة والأرض المحتلة، إحمد لهم غض الطرف عن حقوق الإنسان حين يكون أحد مواطنيك ؟، شاركهم في أكل لحم أخيك حيا أو ميتا كما حدث لشعبنا في العراق، إضرب لهم ليبيا أو شاركهم، حاصر السودان، وأيد الدُّمى التي تحكم باسمهم بعض شعوبنا، جارهم في استنزاف اقتصادنا ومحو هويتنا ووأد آمالنا، افعل ذلك – وما أظنك بفاعله كله – لكنك حتى ولو فعلته كله فلن ترضى إسرائيل وبريطانيا وأمريكا عنك، لن يرضوا عنك حتى تتبع ملتهم، فإن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم، فكيف تطلب منا وليا وكيف ترجو من الله نصرا .
يا سيدي، استحلفك بتراثك أنت يا بطل أكتوبر العظيم ألا تتخذهم أولياء فبعضهم أولياء بعض فإن توليتهم فإنك منهم والله لا يهدى القوم الظالمين .
إنهم يحسبون يدك وأيدينا ويد الله مغلولة، غلت أيديهم، لكن الخيارات أمامنا واسعة ومتاحة وسوف – بمشيئة الله – تحدث، فنل أنت شرف البداية .
أجل ……
مهما فعلت لهم لن يرضوا عنك إلا أن تترك ملة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أخبرك القرآن بذلك منذ ألف وأربعمائة عام .
هل تظن يا سيادة الرئيس بعقلي الظنون، هل تتساءل أهي شجاعة أم تهور، أحب ظهور ؟ ولو كان لكان مديحك أولى وأجزى، ولكنه ليس ذلك كله وإنما تذكرت الموقف الرهيب في اليوم العظيم يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، أخشى ذلك اليوم، يوم لا يغنى عنى – ولا عنك – ماليه، يوم يهلك عنى – وعنك – سلطانيه يوم يقال خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه، من أجل هذا اليوم يا سيدي الرئيس أقسم بما تبصرون وبما لا تبصرون، أنني تخيلت موقفي يومها والله يحاسبني كيف يستخلفني في الأرض فأنكص عن كلمة حق أمام سلطان جائر، وساعتها سيدي قارنت جبروتك في الأرض بجبروته في السماوات والأرض فخشيت منه وانحزت إليه داعيا أن يكلأني وإياك برحمته .
سيادة الرئيس محمد حسنى مبارك ....
يا محمد حسنى مبارك..
إنها لا تساوى عند الله جناح بعوضة، لا تساوى جيفة، وهى ابتلاء وفتنة، أم حسبت أن تقول أمنت ولا تفتن..
ستفتن يا سيادة الرئيس كما فتن الذين من قبلك وليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين .
من أجل ذلك كله يا سيادة الرئيس أكتب إليك مدركا أننا نحتاج إلى الصدق في علاقتنا أكثر من حاجتنا له في أي يوم مضى، نحتاج إليه، فبدونه لن نخرج أبدا من هذا الكابوس الذي نعيشه .
نحتاج إليه لأن سيدي وسيدك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أخبرنا أن المسلم قد يسرق وقد يزنى وقد يسرق لكنه لا يكذب .
لكننا بالرغم من ذلك نكذب عليك يا سيادة الرئيس، أجل نكذب عليك، ونكذب على بعضنا، أجهزة إعلامك أيضا تكذب علينا، وأنت تعرف أننا نكذب وأن أجهزة إعلامك تكذب، وأننا نعرف، وأنهم يعرفون، الصحافة كذب والمجلات كذب والمذياع كذب وتصريحات المسئولين كذب والانتخابات كذب والاستفتاءات كذب والاستقصاءات كذب وتحليل الرأي العام كذب والمعاهد الاستراتيجية كذب والشعارات كذب والأهداف كذب والنتائج كذب فكيف يتمخض كل هذا الكذب عن صواب . تسلل الكذب إلينا، تسرب إلى أعمق خلايانا، كل مرؤوس يكذب على رئيسة وكل رئيس يكذب على مرءوسه، في أعلى المستويات وفى أدناها، حتى حين لا يكون للكذب ضرورة ولا للصدق خطر، لكننا تعودنا عليه حتى لم نعد نجيد سواه، أصبحنا نكذب حتى على أبنائنا وهم يكذبون علينا، لا في السياسة فقط، وإن كانت هيالأصل، عندما يسألني ابني عن آيات القرآن التي تتحدث عن بنى إسرائيل – الآيات التي حذفها منشور وزاري – فإنني أعجز عن الإجابة، إن كان القرآن يدعونا للسلام معهم حقا، فلماذا نؤمن ببعض آياته ونحذف بعضها الآخر، أم كفرنا بها، كي أكذب على ابني كيلا أبلبل فكرة، فربما يعيش في زمان آخر غير زمني يعطيه الإجابة على سؤاله .
هل يختلف ما يفعله إعلامك اليوم بي سيادة الرئيس عن صراخ أبى جهل في أحد المسلمين السابقين : نحن خير منك، لنسفهن حلمك، ولنضعن شرفك، ولنكسدن تجارتك ولنهلكن مالك .
وأنت يا سيدي الرئيس : أتعلم أم لا تعلم :
لقد خفّت إدانتي لك حين جمعتني الصدفة بمن أوتى علما فسألته : ألا يصدق المحيطون بالرئيس له النصيحة ؟ وضحك من أوتى حظا من العلم في مرارة وهو يقول أنه يعرف الكثيرين ممن كانوا حول الرؤساء وممن حولك، وقرر أنهم لا يصدقون النصح، لا عن خيانة، وإنما لأنهم ببساطة لا يجرؤون، هم يعرفون كيف تم اختيارهم، فثمة بضع جهات يتكفل كل منا بإعداد ملفات للمرشحين للمناصب الوزارية والعامة، ويعرفون أيضا أن هذه الملفات لا تغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصتها . وإن هذه الملفات خاضعة للتغير المستمر نتيجة مقالة في صحيفة أو حديث للإذاعة أو التليفزيون أو معلومة جديدة، يتحرك القلم الأحمر ليشطب كل ذي رأى وكل صاحب اتجاه، كل من يمكن أن يسبب صداعا ذات يوم، وبسبب هذا لا يصل إلى هذه المناصب في النهاية إلا شخصيات باهتة، لا تتحرك إلا بتوجيه، لا تعارض ولا تنصح بل تتلمس اتجاه الرئيس قلبي تتفانى في تأييده حتى لو اضطرت إلى الكذب، إلى إخفاء الحقيقة عنه، وثمة تغيير آخر محزن يصيب هذه الشخصيات بعد اختيارها فعلا، إذ قد تؤدى نظرة غير مقصودة من الرئيس إلى أن يجفو النوم عين المسئول الكبير أسبوعا يقضيه متسائلا لماذا نظر إلىّ هذه النظرة . بهذه الطريقة، لماذا لم يلتفت إلى التفاتته المعهودة، لماذا لم يجاملني مجاملته الرقيقة بالسؤال عن أبنائي، ماذا حدث وفيم أخطأت ولأي وشاية تعرضت، هل كتب أحد الأجهزة تقريرا عنى، ويظل الموظف الكبير يدور حول نفسه حتى يلقى الرئيس مرة أخرى، لا ليطمئن، بل ليدور في نفس الحلقة المفرغة عن كلمة قالها الرئيس قد تكون عفو الخاطر، لكن المسئول يحملها بما يجعله يدور حول نفسه مرة أخرى حتى لقاء أخر مع الرئيس لتتكرر نفس الحكاية بصورة أخرى، ورعب الإقالة يطارد المسئول .
قلت لمحدثي إن الرئيس معذور إذن، وهو إذن لا يعلم الحقيقة من أناس كل همهم أن يخفوها عنه .
ثم استدركت سريعا لأقول في أسى وثورة وغضب : لكنه هو الذي اختارهم .
وأردف محدثي محايدا : بعد أن يتركوا مناصبهم يظل معظمهم يغازل السلطة على أمل أن تعود إليه ذات يوم، وأما أقل القليل فبعد أن يصيبه اليأس الكامل يتحول إلى ناقم شرس وناقد أشد شراسة .
لكن لا أحد منهم تستطيع أن تحصل منه على تقييم صادق للوضع الذي مارسه وتخصص فيه.
يا للجهود المهدرة يا سيدي :
ألهذا إذن ؟!
أتخيل أحيانا وضعك، أتخيلنى مكانك، علّى أفهم سر نظرة الاحتقار التي تنظر بها إلىّ، سر الأسلوب الصارم الذي تخاطب به الوزراء أو كبار المسئولين أحيانا وكأنهم أطفال، أتساءل : أهي نتيجة لحياة عسكرية طويلة عشتها لها طقوسها ومراسيمها، أم أن المزيد من تذللهم إليك وخوفهم منك يدفعك للمزيد من احتقارهم أنت تعرفهم عن قرب، ولعل هذا يفسر نصف سبب نظرة الاحتقار التي أراها موجهة إليهم وإلىّ، أنت لا تعرفني يا سيدي فلماذا تحتقرني إذن ولماذا تنظر إلىّ بكل هذه الاستهانة، أأستحقها، أم أنك سألت نفسك إن كان خاصتهم كذلك فكيف يكون عامتهم، أم أنك لا تعرفني إلا من خلال تقاريرهم التي لا يمكن أن تنصفني . أنت تقول لنا أن خيوط اللعبة كلها في يدك، لذلك فأنت وحدك الذي تستطيع إدراك الصورة الكاملة واتخاذ القرار .
وذلك يدفعنا يا سيادة الرئيس للحديث عن جانب أخر مما يحدث في بلادنا .
تبدو الساحة في بلادنا كما وصفها "ديفيد هيريست" – مراسل الجارديان البريطانية – في وضع عبثي يفوق أعظم أعمال " كافكا" عبثا، وتبدو الساحة كمحكمة بلا قاض، يتقاتل الخصوم ويتبارى الإدعاء والدفاع في التراشق بالكلمات لكن مقعد القاضي خال، وتدلهم الدنيا حولنا فكأنما أصدرت حكمك علينا بأن يبقى الحال على ما هو عليه، لا أحد يحكم في نهاية القضية ما هو الصحيح وما هو الخطأ؟ من هو الصادق ومن هو الكذاب؟ من الجلاد ومن الضحية؟ وأنت مسئول يا سيدي الرئيس عن هذا الوضع. أنت مسئول عن أداء العمل الذي أوكله الدستور إليك بأن تكون حكما بين السلطات وأن تسهر على حماية الدستور، الدستور الذي نطالب بتعديله الآن بعد أن غيره السادات قلبي يتمكن من الحكم أبدا فباء بإثمه ولم يذق ثمرته . ثمرته سقطت عليك أنت يا سيادة الرئيس ابتلاء لا اصطفاء.
وهنا أريد أن أحدثك في كثير من الأمور يا سيادة الرئيس.
وأريد أيضا أن أعاتبك .
ليس إبراهيم شكري من تسقط أجهزتك حزبه في الانتخابات فيصرخ أحمد بهاء الدين – ضمير العصر – إن مصر كلها بالاعتذار إليه .
وليس عادل حسين – ذلك العقل الفذ والقلب الجياش – هو من تطارده المحاكم ما بين عسكرية وجنائية .
وليس الفريق سعد الدين الشاذلي الذي لا يقل مجده في حرب أكتوبر من مجدك فيها – إن لم يزد – هو الذي يحبس في وطنه .
سيادة الرئيس :
أهدى إليك عيوبك فتقبل .
تقبلها من مواطن عادى، يصدقك نصحا، أنت والله تفتقده .
تقبلها فإن أعظم الخيانة خيانة الأمة وأفظع الغش غش الأئمة .
أنا يا سيدي أريد لك الجنة، فماذا يريد لك من يغشك ؟
إن ما تتولاه الآن أمانة لكنه في الآخرة خزي وندامة .
أم تدخلون الجنة ولم نأمن بوائقكم.
عيد ميلاد سعيد يا سيدي
وأرجو أن تسمح لكنني بمواصلة حديثي إليك في العدد القادم من الشعب إن شاء الله.
وكل عام و أنت طيب..
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد / المواطن المصري الذي يكتب إلى الرئيس مبارك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
هذه أول رسالة أبعث بها إلى صحيفة من صحائف البلد وعندما فكرت في كتابة هذه الرسالة تراجعت أكثر من مرة لأنني لست من هواة مراسلة أي صحيفة لأنني أعلم أن الصحفيين هو أشد الناس نفاقا وكذبا، وبعد تفكير تراجعت عن هذا المفهوم وأمسكت بالقلم وبدأت أكتب إلى هذا المواطن المصري الذي اشعر نحوه باحترام كبير رغم أنني لم أره ولم أعرف عنه أي شئ غير أنه صادق فيما يكتب ولقد قرأت رسائلك إلى من يهمه الأمر، ولقد سعدت كثيرا بما كتبت وشعرت بأنه لا تزال هناك قلوب وضمائر تخاف الله، ولقد حزنت كثيرا لأنني أعلم أنك ستكون في يوم من الأيام متطرفا وخائنا للوطن خائنا للمهنة ويكون مصيرك أي معتقل
آخي المواطن المصري انطلق إلى ما ،ت سائر عليه ولا تهاب أي سلطان مادام سلطان الله باقيا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التوقيع / واحد مشاعري لا يتمنى أن يكون مصريا
من مواطن مشاعري إلى الرئيس مبارك "3"
عيد ميلاد سعيد يا سيدي .
عيد ميلاد سعيد .
كم عمرك الآن يا سيادة الرئيس .
وكم يتبقى لك من العمر … عام .. عشرة أعوام … خمسون عاما ..
سوف تمر كلمح البصر كما مضى ..
ثم ووجدتني يوم الحساب ..
لقد بدأت الخامسة والستين ..
فأسمع قولي قبل ألا تسمع .
أسمعه قبل لات ساعة ندم .
الآن تحفل صحفك بتعداد مناقبك، وسوف تحفل في غد غريب بعكسه، فاسمع قولي لعل الحق فيه . أسمعه، أسمعه لأنني لن أغيره إذا كتب لكنني أن أعيش بعد أن تموت .
ورغم علمي بأنك لم تطلب رأيي ولم تسأل شهادتي، فإنني أدلى بها، لأن نبيي وشفيعي يوم القيامة خبرني أن خير الشهداء الذي ووجدتني بشهادته قبل أن يسألها .
اسمعني فقد لا يكون بينك وبين الجنة إلا أن تسمعني فتتوب فتدخل الجنة .
اسمعني فسوف نحشر معك يوم القيامة إلى الله حفاة عراة غرلا . ويصك النداء آذاننا، يسمعه القريب كما يسمعه البعيد :
أنا الملك أنا الديان..
حين يقبض الله الأرض ويطوى السماوات بيمينه ثم يقول :
أنا الملك أين ملوك الأرض، أين الجبارون أين المتكبرون .
بم تجيب ساعتها يا سيادة الرئيس .
ألم يجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا، وسخر لك الدنيا، فبم تجيب
لقد استرعاك الله علينا ومن استرعاه الله أمة محمد فمات وهو غاش لها حرم الله عليه الجنة .
اسمعني ففرق بين أن تكون الممارسة السياسية عمليه دءوبة لقيادة المجتمع، وبين أن تكون أداه في خدمة الحاكم لترويض المجتمع واستئناسه، يتكيف مع واقع زائف .
اسمعني، فبحق جلال الله ما أعرض عليك شيئا لن تُسأل عنه يوم الفزع الأكبر..
اسمع منى – لأني لا أخفى عنك شيئا- – ما رواه الدكتور هارون طلحة طبيب الصحة المدرسية بالجمالية، والذي أفرجت عنه النيابة لبراءته . اسمعني فقد قبض عليه في عهدك، اسمع اعترافات البريء وتخيل ما حدث مع من لم يبرأ :
بدءوا معي في مباحث أمن الدولة بتكبيل يدي بالحديد، وعصب عيني برباط مشدود جدا، وتوجيه الشتائم لكنني ولأبى ولأمي، وبعد أن جردوني من ملابسي كلها ألقونى على الأرض وبدءوا في صعقي بالكهرباء، في مختلف أجزاء جسمي وبالذات أعضائي التناسلية، واضعين فوق جسدي العاري ثلاث كراسي واحد على الصدر والثاني على البطن والثالث على الساقين، واليدان مكبلتان من خلفي وأنام عليهما في صعق متواصل بالكهرباء، وأنا بدون شعور أتنطط على القيد الحديدي المكبلة به يدي من خلف ظهري حتى فقدت الوعي، وبعد أن أفقت وجدت حلقي قد جف تماما، ولساني ملتصق به، ولا أستطيع الكلام، وأخذت أفتح فمي وأغلقه فوضعوا فيه قليلا من الماء، وطلبت المزيد فرفضوا ثم أوقفوني عاريا معصوب العينين ومكبلا من الخلف لينقلوني بعد ذلك من غرفة إلى أخرى، ومن مكان إلى آخر والضرب مستمر على ظهري بجنزير من الحديد، وعلى وجهي بأيد غلظة، وعلى القفا، ثم أخذوا ينتفون شعر لحيتي ليضعوه في فمي، ويأمرونى بأن أمضغه ثم يعودون إلى الجولة الكهربائية، مطروحا على الأرض، ثم الوقوف عاريا تماما أمام شباك مفتوح طول الليل في برد يناير القارس دون طعام ولا شراب، وفى هذا الوضع تكون الكهرباء في الأذن والشفتين، كما هددوني بالقتل خمس مرات، وهددونى بإحضار زوجتي لكي تراني على هذا الوضع، ولكي يعتدوا عليها .
يا شيخ محمد الغزالي، يا شيخ شعراوى، يا شيخ الأزهر، يا مفتى الديار، يا قاضى القضاة، نريد الفتوى منكم، لا من عمر عبد الرحمن، ولا من شكري مصطفى، ولا حتى من سيد قطب، نريد فتواكم فيمن يفعل هذا، أمؤمن، أمسلم، نريد فتواكم فيمن أمر به أمؤمن أمسلم ؟ نريد فتواكم في ولى الأمر الذي علم بهذا كله فلم يمنعه .
أجل يجب أن تفتونا في هؤلاء الجلادين .
لو أن أحدا منكم مثلما فعل شيخ المسجد الأقصى الأسير، فأفتى بعدم جواز صلاة الجنازة على حمزة البسيونى، وصفوت الروبى، والوزير البذيء، لما استمر الأمر .
أفتونا أنتم قبل أن نبحث عن الفتوى عند غيركم .
يجب أن تعلم الأمة موقف دين محمد صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الجلادين أفتونا، لو خرج مثل هذا الرجل من المعتقل بعد ما تعرض له من تعذيب ليغتال ضابط مباحث أمن الدولة في الفيوم، أو ليغتصب فتاه العتبة، أو أن يكون شاهدا ديوثا يرى انتهاك الأعراض والحرمات فلا يتحرك، لو حدث أي من ذلك فمن هو المجرم ؟
أفتونا، فأنتم بفتواكم لنا لا تفيدونا فقط، ولا تؤدون شرع الله فقط وإنما تفيدون أيضا من يقوم بذلك، ربما لا يعلمون أن ما يقومون به من كبائر الكبائر، إنه لا يمكن أن تكون عقيدة التوحيد سليمة لضابط يخاف الحاكم أو وزير الداخلية أكثر من خوفه من الله، ويحرص على تنفيذ أوامرهم حتى ولو كانت منكرا يأباه الله ورسوله والمؤمنون . أفتوهم في حقيقة إيمانهم، أنا لا أكفرهم، فليس من حقي أن أفتى، لكنكم يا مسئولون عن الفتيا من واجبكم ومن حقهم عليكم أن تفقهوهم في أمور دينهم، دعكم من إنكار المنكر وجحود الجاحد، أسألكم عمن يفعل ما ذكرت، من يعذب بالنار التي لا يشدني أن يعذب بها إلا الله، من يجلد بالسياط ويصلب، من يلعن الآباء والأمهات، وينتهك الأعراض، أو من يتستر على ذلك، من يأمر بحبس وهو ظالم، من يلفق تهمة، نريد فتواكم اليوم، لا يدعى منكم أحد أن ذلك لا يحدث، وحتى لو ادعاه فليفترض أن ذلك يحدث وليفت فيه، إن فقهاء المسلمين العظام قد أفتوا في كثير من الافتراضات، فإن كنتم لا تصدقون ما نقول، فافترضوا أنه لا يحدث في عهد محمد حسنى مبارك، افترضوا أنه سيحدث في زمن قادم، في عهد رئيس آت، أو مات من ألف عام، قلبي لا يكون هناك عليكم حرج ولا خوف ولا تقيه . أناشدكم جميعا، وأخص بالمناشدة الشيخ محمد الغالي، ذلك العظيم الذي لم يفر في عصرنا أحد فريه، وليس عليك أن تقول فقط، بل أن تناشد الآخرين أيضا أن يحددوا موقف الدين ممن يفعله، أتقبل صلاته وصومه، أتقبل منه عبادة، أيتعامل معه المسلمون كما يتعامل المسلمون مع المسلمين، أتقبل شهادته، أتقبل مصاهرته، أتجوز مجالسته ومصاحبته، ثم ما موقف أهله منه، تلك كلها تساؤلات يجب أن نعرف حقيقة الإجابة عنها، قلبي لا يفرِط أحد ولا يفرّط أحد، ولكي يعلموا هم أنفسكم، فلقد جمعتني الصدفة ببعضهم، فأصبت بالرعب والذهول حين وجدتهم لا ينكرون ما يفعلون، إنما هم على يقين بصوابه، ذهلت حين وجدت أن عمليات غسيل المخ قد نجحت معهم بالكامل وأنهم يقدمون على ما يقدمون عليه بيقين كامل أنهم على صواب، وليس ذلك فقط، بل إنهم يظنون أنهم سيثابون عليه أيضا، لا من الحكام كما قد يتبادر للذهن بل من الله، أليسوا يطيعون ولى الأمر ؟
ولقد جمعتني صدفة يا سيدي الرئيس بلواء في جهاز سياسي هام، فرحت أطرح عليه بعضا مما أطرحه الآن عليك، كان ذلك منذ سنوات، وحتى قبل انهيار الكتلة الشرقية ولم يخف الرجل ضيقة وعذابه فانفجر قائلا : أنت تفكر بصورة نظرية ومثالية لا توجد لها في الواقع أرض، هل تصدق دعاوى الحرية والديمقراطية والحق والعدل والخير والجمال؟ على مستوى العالم كله لا يوجد ذلك، لا توجد إلا المخابرات الأمريكية تحرك كل شئ وتوجه كل شئ وعلينا أن نرضخ لذلك ونتصرف في حدوده، فهذا خير من الفناء . وصرخت فيه : لقد وضعتها مكان الله . وخيم علينا صمت حزين ذاهل، وكل منا يحاول ألا يصدق الأخر، وإلا فقد مبرر وجوده .
سيدي الرئيس :
لقد اكتفيت حتى الآن بضرب مثل واحد فقط، ومع أن هذا المثل وحده كاف لإدانة عهدك كله، ومع ذلك فلم يكن من البحر إلا قطرة، أم لم تسمع يا سيدي باقتحام المساجد واعتقال المصلين، وفتح النار عليهم، بل وإطلاق القنابل المسيلة للدموع فيها؟ وتطور الأمر في عهدك يا سيادة الرئيس كما لم يحدث في عهد قبلك، فابتدع نظامك القبض على رهائن من آباء وأمهات وأبناء المطلوبين حتى يسلموا أنفسهم، وابتدع أيضا حملات التأديب على قرى وأحياء ومراكز بالكامل، لعلك يا سيدي نسيت لكننا –نحن- لم ننس، كل واقعة منها طعنه في القلب، طعنة لا تزال تنزف، سنورس وبهوت وفوة والمنصورية وميت عنتر وأبو قرقاص وكفر الدوار والمحلة وعين شمس والمنصورة وبنى سويف، وطلبة الجامعات والعمال والزقازيق وأسيوط والمنيا ونجع أبو شجرة وسوهاج وقنا وميت فارس وأخميم وبلجاى وكفر سليمان وتيرة وبنى غالب والعنانية والمطرية وأبو زعبل ومراغة ونزلة شادى والكوم الأحمر .
هل تعرف ماذا يحدث في عمليات التأديب تلك ؟ أم لم يأتك نبأ ما حدث في قرية الكوم الأحمر – على سبيل المثال والاستدلال لا على سبيل الحصر للأفعال، إحراق المنازل وهدمها وتدمير أثاثها، إذلال المواطنين وهتك أعراضهم، ترويع النساء والأطفال، اعتقال القرية بأكملها في معسكر للأمن المركزي وتعذيبهم جميعا فيه، ضرب الآباء أمام أبنائهم والأبناء أما آبائهم والأمهات أمام الجميع، سفح الكرامة والشرف، ذبح النخوة والشهامة، وكل قيمة نبيلة، إعدام الرجولة والإنسانية. ثم يتساءل كتبتكم لماذا وقف المواطنون سلبيين وعرض فتاه العتبة ينتهك أمام أعينهم؟ .
وقفوا سلبيين يا سيادة الرئيس لأن عرضهم كان منتهكا بالفعل قبلها، من لم ير سمع، ومن لم يحضر اعتبر، أدركوا أن الدولة بقضها وقضيضها لا تحمى كرامة ولا تستر عرضا بل هيالتي تهدده وتنتهكه .
ويتساءل كتبتكم أيضا : لم هوجم ضابط مباحث أمن الدولة في دمياط واغتيل زميله في الفيوم ؟ .
سيدي : لو أن كل هذا الاستفزاز وجه إلى كلب لعقر، إلى حيوان لطاب له الموت، إلى حكيم لجن، إلى حليم لاحتار، إلى مواطن لفقد كل انتماء للوطن .
ولم يكن كل ذلك يا سيادة الرئيس لحماية هيبة الدولة، لم يكن لإحقاق حق ولا لإبطال باطل، لم يكن حتى للردع، بل كان فقط لمجرد إذلال الناس، في عصر أصبحت قيمة الشخص فيه تتحدد بقيمة الجرائم التي يمكنه ارتكابها دون عقاب، نفس ما تفعله أمريكا وإسرائيل بشعوبنا يفعله رجالكم بنا، نفس الطغيان والجبروت والسحق، ذلك أن أي طاغية وكل طاغية في حقيقته عبد خوار إذا واجهته القوة وعتل جبار إن واجهه ضعف، عدنا إلى عصر الغابة، حيث الإنسان وحش لا تحميه إلا مخالبه، لقد ضج القضاء نفسه من بطش الشرطة وحفلت حيثيات أحكامه بالاعتراض، بل إن الأمر لم يخل من ضباط شرطة شرفاء هالهم ما يحدث، فاعترضوا عليه، وهرب بعضهم إلى وظائف مدنية أو إلى أي قطاعات في الشرطة لا تعذب الناس، واكتفى بعضهم بعذابه، ونجح البعض الآخر في خداع نفسه، لكن العميد أسامة حلاوة صرخ مناديا بنبذ سياسة الشلل والطوائف في الشرطة، وألا يشغل المناصب الهامة إلا الأكفاء فلا تظل المناصب حكرا على أصحاب الوساطات وأقرباء القيادات والقادرين على إنشاء صلات، ولم يتمالك الضابط الشريف نفسه فهتف مطالبا بإلغاء مباحث أمن الدولة، معترفا أن هذا الجهاز قد بنى عضلاته في الظلام في غفلة من القوانين، وأنه فضلا عن ذلك أثبت عدم قدرته على ضبط الجريمة السياسية. كما أن الشائعات تنتشر بشكل مخيف عن طريقة الالتحاق بكلية الشرطة، عن أول درس يتلقاه الطالب قبل أن يخطو خطوته الأولى إليها، عن قصيدة أولها كفر، فعلينا أن نستنكر بدايتها قبل أن نرفض نهايتها .
سيدي الرئيس :
هل هالك ما سمعت، بيد أنه بالرغم من بشاعته، لا يقدم إلا جانبا واحدا لصورة متعددة الجوانب، إلا ذراعا واحدا لإخطبوط، لأن ما يحدث في أقسام الشرطة ليس أقل بشاعة ولا تدميرا للأمة مما يحدث من تعذيب وعقاب جماعي، والأمر ليس مقاومة إرهاب، ولا حتى محافظة على نظام الحكم، إنما هو إجرام لم يجد من يردعه، لا عن سهو ولا عن جهل، وإنما هيسلسلة واحدة تتعلق بالفساد والتزوير، وبالرغم من ذلك كله يسخر وزيرك من شعبك متهكما، فيتساءل هل نستقبلهم في فنادق ذوات نجوم خمس، رعاياك يا مولاي لا يعرفون ذوات النجوم، فكيف يطلبون ما لا يعرفون، وهو لا يطلبون ما لا يعرفون، وهم لا يطلبون إلا قليلا، قليلا فقط من الكرامة واحترام الآدمية.
نعم.. قليلا فقط من الكرامة واحترام الآدمية .
إن أحداثا كهذه يا سيدي تجعلني أكاد أسمع بأذني صرير تفسخ أوصال أمتك، انهيارها، اقتلاع جذورها، فنحن يا سيدي أبناء دين علمنا أن دماءنا وأموالنا وأعراضنا حرام عليكم وحرام علينا . إن من يعذب الناس دخل النار.
ديننا يعلمنا أن للكبائر كبائر ومن أكبرها شهادة الزور، أليس تزوير الانتخابات شهادة زور .
إن الكذب يهدى إلى الفجور، وإن الفجور يهدى إلى النار .
وإن من أشار لأخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه، فكيف يقرأ الحديث لا من يشير بحديدة بل يحطم بها العظام .
وإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن لعن الدابة، فكيف يقرأ هذا من يلعن الإنسان الذي كرمه الله . وإن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء فكيف تستقيم عقول أناس يدّعون الإيمان ويسفكون الدماء .
كيف لا تتحطم نفوسهم وتنسحق أرواحهم إذ يقرءون : أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم وصيفة إلى أمر، فأبطأت، فقال لها : والله لولا خوف القصاص لأوجعتك بهذا السواك.
يا إلهى بأبى أنت وأمي، ما أكرمك وما أرحمك وما أحلمك حين تخشى القصاص من السواك، فما بال أناس يدعون انتماءهم إليك، وجوههم وجوه إنس وقلوبهم قلوب شياطين، لا يخشون قصاصا من سفك دم وهتك عرض وإهانة من كرمه الله .
والله يا سيادة الرئيس إنني أرثى لهم .
ليس لضحاياكم بل لجلاديكم..
ذلك أن بطشهم ليس موجها لما تسمونهم بالجماعات الدينية المتطرفة فقط، بل للأمة كلها ولذواتهم أيضا .
أنت قرأت بالتأكيد يا سيادة الرئيس تلك القصة التي نشرها بريد الأهرام عن تلك المرأة التي اغتصبت في حديقة الأزبكية، ولم تكد تمر أسابيع قليلة حتى كانت الفاجعة المذهلة لفتاة العتبة، أقسم لك يا سيادة الرئيس أن الدموع تملأ عيني، وأنا أكتب لك، لا من أجل الفتاه فقط، لكن من أجل أربعمائة ديوث مسختهم أنظمة حكم آخرها نظامك، هل كنا من1 البداية هكذا، أتربينا على هذا، أنا لا أتحدث عن تاريخ موغل في القدم قد يبالغ ناقلوه، كي أتحدث عن تاريخ عشته أنت في شبابك، الأربعمائة رجل مجرد مثل لملايين الرجال، وهم أصدق تمثيلا للأمة من مجلس الشعب والشورى ومن المثقفين والسادة، ما الذي مسخ شعبك هكذا يا سيادة الرئيس، ما الذي فعل بنا هذا سوى سلاسل شيطانية من القهر والفساد والجبروت، من انعدام الثقة، من إدراك الجميع أن كل أجهزة الدولة مكرسة فقط للحفاظ على نظام الحكم، أما الباقي فلا يهم، دعوهم كحيوانات الغابة، أو كلاب الطريق الضالة، أربعمائة رجل، كل ديوث منهم – ومنا – وكل مسخ فكر ألف مرة فيها يمكن أن يحدث له لو ذهب إلى قسم الشرطة، قلاع الأمان التي تحولت إلى مجازر تعذيب، أم لم تسمع يا سيادة الرئيس عن ذلك الضابط في أحد أقسام الشرطة، الضابط الذي أرغم مواطنا أن يقبل قضيبه، أكنت ترجو بعد هذا من الأربعمائة ديوث أن يكونوا إيجابيين أو أن تمسهم الصحوة الكبرى عبر تقبيل المواطن – أحد رعاياك الذين سيسألك الله عنهم – لقضيب الضابط .
إن هذه النوعية الخاصة من الجرائم ليست إلا نتاج نطفة حرام نمت وترعرعت في رحم السلطة .
إن اللواء حلمي الفقي مدير مصلحة الأمن العام، بعد أن يؤكد أن حادث اغتصاب فتاة العتبة حادث عادى، يتهم الفتاة الضحية بأنها هي التي شجعت الشاب على هتك عرضها، وأنها تركته يفعل ما يشاء حتى وصل بيده إلى منطقة حساسة دون أن تنهره أو تصرخ .
هكذا تتحول الضحية إلى جانية، وتصرخ الفتاة للصحفيين إن ضباط الشرطة يعاملونها كمتهمة .
وفى حادثة إمبابة حدث نفس الشيء، نفس النظرة إلى الناس كحيوانات قذرة، لا شعور لها ولا إحساس، ولكي يغطوا على التقصير المخجل، نشرت الصحف أن الزوجة عشيقة صديق الزوج، وأنكرت الزوجة وأنكر الزوج، وأنكر الصديق، فمن أين أتوا ببهتانهم، نفس المنهج، ونفس الفكر الذي يعاملون به المثقفين والمعارضين والوطنيين، أقصى درجات التشويه والكذب لتبرير الإجرام .
لكن ما دامت الجريمة قد وقعت فلا بد أن يكون هناك مجرم، وما دام المجرمون الحقيقيون فوق القانون وفوق المساءلة، فلا بد أن يبحثوا عن إلصاق الجريمة بالضحية .. بالشعب ، ولماذا تستغرب هذا على مدير أمن عام، إذا كان سيد سابق له قد اتهم رموز أمته، وخلاصة ضميرها، بأنهم خنازير وكلاب، ومصابون بالشذوذ الجنسى . ولماذا نستغربه من مدير أمن عام إذا كان سيد سابق له قد قال لشيخ جليل تحت قبة مجلس الشعب : " يا سافل يا مجرم يا وسخ ".
لماذا نستغرب إذن تصريحات اللواء حلمي الفقي ن ولماذا لا نكون واقعيين فننصح كل فتاه تغتصب - وكل معتقل يعذب – أن تلعق كالحيوان جرحها بلسانها، وألا تلجأ إلى مسئولين قد لا تقل وحشية بعضهم عن وحشية من اغتصبوها .
هل تتخيل يا سيدي الرئيس أنني احترمت اللواء محمد عبد الحليم موسى، عندما صرح بأن حادث اغتصاب الفتاه حادث عادى، هذا الرجل مازال يستطيع أن يقول الصدق، هذا رجل الأسرار مكشوفة أمامه، والملفات مفتوحة أمام عينية . هذا رجل يعرف باليقين ما يحدث في سجونه من تعذيب وإهدار للآدمية، هذا رجل يمارس رجاله الحرق والهدم وما هو أكثر، هذا رجل يعرف ما يحدث في أقسام البوليس وماذا يحدث خلفها، رجل يعرف ماذا يحدث في "لاظوغلى"، وفى معهد أمناء الشرطة وفى أماكن أخرى يعرفها ولا نعرفها. هذا رجل يعرف هذا كله ويعرف أكثر منه، فكيف لا يكون حادث اغتصاب فتاة العتبة مجرد حادث عادى بالنسبة له ؟ لقد صدق الرجل، وتلك خطيئته الوحيدة .
لقد تولى الوزارة، وليس له عدو وأخشى أن يغادرها وليس له صديق . إنه الابتلاء الأخير لرجل أحبه الناس فخذلهم، وثقوا فيه أنه لن يكون كالآخرين فأهدر ثقتهم . نفس المأساة تتكرر مع كل مسئول . يتسلل الشيطان عبر السلطة والجاه ليقايض الدنيا بالآخرة . آخر امتحان وأصعب امتحان وفيه – في زماننا – لا يكاد ينجح أحد.
إن عبد الحليم موسى يتحمل أمام الله أوزاره، لكنك تحملها معه أيضا يا سيادة الرئيس، كما تتحملها مع كل مسئول آخر تأتون به ليتحمل في الدنيا أمام الناس أوزاركم، وبعد استنفاد أغراضكم منه، بعد أن يفيض بالناس الكيل، تتخلصون منه، ثم تأتون بغيره ليبدأ من جديد .
أين كل وزراء الداخلية السابقين ؟ ألا يعتبر بهم أحد، وقد قامر معظمهم بالآخرة من أجل الدنيا، فخسروا الآخرة والدنيا . لماذا لم يقف منهم أحد ليقول : لا.. لا.. لا.. الله عندي أكبر والآخرة أغلى والدين أعز.
ولعلى أتساءل : ما علاقة ذلك بأحداث شديدة الشذوذ والانحراف، كأولئك الأربعة من أمناء الشرطة الذين اختطفوا في سيارة الشرطة سيدة ليحتجزوها في شقة أحدهم أياما يتناوبون فيها اغتصابها، عمل إجرامي قد يحكم عليهم الإعدام من أجله، لكن زملاء لهم قاموا بنفس الفعل البشع مع معتقلين وزوجاتهم دون عقاب.
ألا يمكن أن تكون هذه الحيوانات البشرية قد تعلمت الإجرام في وكر كان يفترض أن يكون حصن أمان.
كذلك قصة الضابط الذي فعل نفس الشيء .
ما علاقة تهريب المخدرات بذلك المهرب الكبير الذي أدعى أنه عميد شرطة حين القبض عليه . ما علاقته بتفتيش سيارة محافظ – أصبح بعدها وزير للداخلية – بحثا عن المخدرات .
بل ما علاقته بأحداث فردية مروعة – كذلك الضابط الذي قتل مواطنا لمجرد أنه احتج عليه عندما صفعه – وذلك الآخر الذي أمر جنوده باختطاف مدرس – إلى بيته – بعد أن ضربوه حتى فقد الوعي، لكنهم اختطفوه قلبي يضربوه أيضا أمام التلميذ – ابن الضابط – الذي ضربه المدرس في الفصل .
إن الشيطان عندما يزين لنا السوء لا يدلف إلى غرضه الخبيث بأن يقول هذه معصية فاقترفوها، وهذه حسنة فاجتنبوها، بل إنه يلبس الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق، بيد أنى لا أظن القضية بهذه السهولة، ذلك أن الله خلق في داخلنا رادارا أدق من أي رادار اخترعه بشر، يجعل جزءا في داخلنا يدرك – رغم تمويه الشيطان وتعميته – أن هذا الحق الذي نتشدق به على الناس، ليس إلا ستارا يخفى خلفه القبح واللصوصية، والانتهازية، وخيانة الله ورسوله والمؤمنين .
وهذا بالضبط يا سيدي الرئيس ما يحطم رجالك، ذلك أنهم مهما ادعوا صواب ما يفعلون، فليسوا على درجة من الحماقة قلبي يقتنعوا في أعماق أعماقهم بصدق ما يدعون، لكنهم لا يرتدعون .
كيف لا يرتدعون، كيف رغم أن العمر قصير، والحساب آت، ومتاع الدنيا قليل. حتى الحجاج ارتدع عندما هرب منه معارض فقبض على أخيه رهينة، وقال ابن الفجاءة – الرهينة – للحجاج : " إن معي كتابا من أمير المؤمنين ألا تأخذني بذنب غيري " وتساءل الحجاج في دهشة : أين هو هذا الكتاب ؟ فأجاب ابن الفجاءة: والله إن معي أرفع منه وأكرم، كتاب الله عز وجل الذي يقول فيه " ولا تزر وازرة وزر أخرى " .
السفاح ارتدع، الذي قتل خيرة التابعين، والذي قتل عبد الله بن الزبير، وأحرق الكعبة ارتدع . الذي فعل ذلك كله يا سيدي ارتدع لكن نظام الحكم عندنا لم يرتدع.
لم يرتدع رجالك ..
لكن الحجاج كان يجاهر بما يفعل، لم يكن يخفيه، لم يكذب على الآخرين وعلى نفسه، لذلك ارتدع .
أما رجالنا فما من أحد منهم إلا ويكذب، رجال أمنك، الذين لا يكفون عن اختلاق المؤامرات حولك، يعزلونك عن شعبك، فماذا تفعل إذا كنت مهددا في كل خطوة ماذا تفعل إن كان عليك أن تتوجس من كل اتجاه شرا، و من كل تجمع مؤامرة، ومن كل حركة محاولة لقلب نظام الحكم، بيد أنهم لا يقومون بذلك فقط، فالأجهزة الأخرى، هيالأخرى تفعل ذلك، على كل جهاز منها إذن أن يتقرب إليك أكثر، وليس ثمة وسيلة لذلك إلا أن يشكك كل جهاز في الجهاز الآخر، فليس إلا هو الأكثر ولاء لك، أما الأجهزة الأخرى، فقد تسلل إليها أعداؤك، لا تثق بها، وثق بنا فقط، لكن الأجهزة الأخرى أيضا تقول لك نفس القول، فيالها من أخطبوطات هائلة، وعنكبوتات سامة تلتف حولك ليصبح الصراع جله صراع الباطل مع الباطل، الشر مع الشر، الكذب مع الكذب، ويصبح التسابق كله نحو نار جهنم .
ما من أحد يصدق يا سيادة الرئيس، ما من أحد يقول لك الحقيقة، ما يشعر به، وما يفكر فيه حتى ولو لم يكن صوابا . وعندما اغتيل ضابط مباحث أمن الدولة في الفيوم، تبارت الأقلام كلها باحثة عما يمكن أن تكتبه أنت لو كتبت، كأنهم صبوا في قوالب، أو قدوا من حديد، ما من أحد منهم له رأى أخر، ما من أحد قال : إن دماءهم في عنق السلطة، هيالتي أمرت رجالها بالعنف، وجعلت وجودهم في مناصبهم مرتبطا بالمغالاة فيه، وعندما تقع الواقعة، تتنصل الدولة، لا تتنصل فقط بل وتسد عليهم الطريق عندما تختلق ثأرا لا وجود له، وتستنفر فيهم الحمية بالقول إن الضابط شجعان لن يجبنوا عن أداء واجباتهم بسبب استشهاد بعضهم، ولو أنهم استشهدوا في سبيل الله، أو في سبيل ما يرضى عنه الله فأجل، ولقد دمعت عيناي والله من أجل ضابط الفيوم، كي لو كنت أباه لظللت أبكيه حتى أموت، لا اعتراضا على قضاء الله، وإنما خوفا من كيفية تقبل الله له، وثمة أناس كانوا يحاربون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلوا النار لأنهم لم يخلصوا لله قلوبهم فكيف آمن على ابني إن مات هذه الميتة .
أنت تعرف يا سيدي أنهم في الغرب يتهمونا بضيق الأفق، بالحمق، أننا لحياتنا في الصحراء والوديان نبسط الأشياء، ونسطحها ولا نرى منها إلا جانبا واحدا، أننا أحاديي النظر والبصيرة، وأن ذلك يجعلنا ندور دائما حول أنفسنا، لا نتقدم، لو أن أحدا منهم طرح القضية بصدق منذ عام 54 لربما ما وصلنا إلى ما وصلنا إليه، فإزاء التعذيب الهمجي الوحشي المجرم للمعتقلين أيامها ثار التساؤل الفقهي، في المعتقل … هل من حق من وقع عليه التعذيب أن يثأر لنفسه ممن عذبه، ما دامت الدولة تتستر عليه، وتدعمه وتؤيده وتنصره وتخفيه، ثار التساؤل أيامها عنيفا داميا، لكن الرأي استقر أخيرا أن يحتسبوا عند الله ما يحدث لهم، وتغيرت الدنا من حولنا واتسعت الرؤى، لكن التعذيب عندنا استمر في عهد السادات، كما كان عهد جمال عبد الناصر، ثم استمر في عهدك يا سيدي، كما كان في عهد السادات . في عهد جمال عبد الناصر كان جبروتا صريحا بشعا يعلن عن نفسه، وفى عهد السادات لم تقل البشاعة لكنهم غيروا الأسماء، عندما ذهب الرئيس المؤمن بمعول ليهدم سجنا بينما رجاله يبنون سجونا أخرى، وفى عهدك أيضا يا سيدي الرئيس لم تقل بشاعة التعذيب، بل اتسمت ببشاعات أخرى منها : عصب أعين المعتقلين، قلبي لا يروا جلاديهم، واستعمال أسماء حركية للضباط القائمين بالتعذيب والتحقيق تضليلا للقضاء إذا ما لجأ الضحية إليه، وتلك أفعال عصابات يجب أن تطاردها الدولة لا أفعال دولة، وتلك يا سيدي كانت أولى الخطوات في اغتيال رفعت المحجوب، وضابط مباحث أمن الدولة في الفيوم .
الدنيا كلها تتحدث عن التعذيب في سجونكم وأنتم تنكرون، تقارير الطب الشرعي تثبت وأنتم تنكرون، ما من أحد منا إلا وقابل معتقلا سمع منه تفاصيل التعذيب لكنكم تنكرون، منظمات حقوق الإنسان تصرخ وأنتم تنكرون .
وثمة شواهد لا تدحض عن تعذيب للمتهمين أقرت المحاكم بها، فبدا أن النيابة لم تسمع صراخ المعذبين، ولم تثبته . وتلك علامات انهيار خطيرة ليس لنظام حكم ولا لهيبته بل للمجتمع كله.
كل هذه الدماء التي سألت، وكل هذه السياط التي هوت، وكل الأشلاء التي تمزقت، وكل هذه القضايا التي لفقت .
أما آن الأوان لكي تنتهي .
صباح الغد يا سيدي سوف تجد تقريرا على مكتبك، أو مقالا في صحيفة يشير إلىّ كمجرم يساند الإرهاب، مثلما حدث بعد مقالتى :" كأنهم يقولون : قل هو الرئيس أحد الرئيس الصمد "[1]، عندما أندفع بلهاء يقولون أنني حرفت القرآن وشبهتك بالله، وما ذلك قلت بل قلت ضده، فإلام يفهمون عكس ما نقول، وحتام يدعون علينا ما لم نقل . أم أنهم لا يستطيعون مواجهة ما نقول، فيدعون علينا ما يستطيعون مواجهته .
وأنا والله يا سيدي ضد الإرهاب بكل صوره، طبيعتي كمسلم ترفض الظلم وطبيعتي كمثقف تنبو عن العنف، ولأنني أدرك أن مأساة المسلمين الكبرى بدأت بعمل إرهابي قُتل فيه ذو النورين، كما أدرك أيضا أن اغتيال السادات – بغض النظر عن أشياء كثيرة – لم يغير من الأمور الكثير، ذلك أن الحاكم ليس فردا وإنما طبقة، ونظام الحكم ليس رأيا، وإنما منهج متكامل، والإنسان لا يستطيع أن يقتل طبقة ولا أن يطلق الرصاص على منهج، لذلك أدين الإرهاب، وأومن بالدعوة إلى سبيل الله بالحكمة، كي حين أدين الإرهاب، أدينه فيكم قبل أن أدينه في أعدائكم
الحقيقة التي لا أظننا سنختلف عليها كثيرا، أن الدولة العسكرية التي انهارت 67 قد أسلمت ميراثها للدولة البوليسية التي فاقت الأولى بشاعة، ولقد كانت لدولة العسكر كل عيوب العسكريين في شتى أنحاء العالم، وبرغم أخطائها الهائلة فإن مجد العسكرية المصرية التليد قد وضع في كفة الصواب ما لا يستهان به، وما تدعم بصورة حاسمة في أكتوبر 73، أما بالنسبة للدولة البوليسية فإنني أخشى أن تكون عيوبها وتاريخها التليد في القهر والتزوير حاجبا لكل ميزة، وفى قلب القلب للدولة البوليسية يقع القلم المخصوص أو السياسي أو المباحث العامة، أو مباحث أمن الدولة وأي مسمى آخر . لقد كانوا هم أدوات السلطة للجبروت، وعندما يقعون الآن ضحايا فنما أسهل أن نسطح الأمر في بلاهة، لنقرر أنهم ضحايا خوارج يجب استئصال شأفتهم.. حسنا .. لن تستطيعوا استئصال شأفتهم بالكامل أبدا والتاريخ معي يشهد، قد تقمعونهم لعام، لعامين، ليعودوا مرة أخرى، وليتساقط من ضباط أمن الدولة آخرون .
عندما أتأمل جهاز مباحث أمن الدولة فإنني أشعر بالرثاء من أجل رجاله، بالإشفاق – لست أنفى المسئولية عنهم – كي أشعر بالرثاء من أجلهم، لأنهم مباحث أمن النظام لا أمن الوطن أو الدولة.
ناشدتك الله يا سيدي الرئيس هل أما مخطئ ؟
لقد غير الجهاز توجهاته بالكامل إلى الضد مرات عديدة في كل عهد، تأتيهم الأوامر .. طاردوا الإخوان المسلمين، ويفتى الأزهر بأنهم خوارج، خففوا القبضة قليلا عن الإخوان ، وطاردوا الشيوعيين فإنهم كفرة، أما من يتعامل مع إسرائيل فكافر على جميع المذاهب، أفرجوا عن الشيوعيين وطاردوا من مشى في جنازة النحاس، أفرجوا عن الإخوان المسلمين فهم صفوة الأمة، وما زعيمكم السابق الذي ظللتم ثمانية عشر عاما تعبدونه إلا وثن يجب هدمه، زعيمكم الجديد مؤمن رفع راية الإسلام وحقق النصر، أمسكوا من يهاجم إسرائيل فإنهم خونة يجب قطع دابرهم : اقبضوا على الجميع، أفرجوا عن الجميع، العراق صديقة فغضوا البصر عن كل أخطاء رعاياها، العراق عدوة ولا بد من دليل على ذلك بضبط تنظيمات تتبعها تهدد أمن الوطن .. ليبيا عدوة، ليبيا صديقة .. سوريا عدوة، سوريا شقيقة، ياسر عرفات زعيم دولة، ياسر عرفات هباش بكاش ……!!
لو أن جهاز كمبيوتر غذى بهذه البيانات المتناقصة لاختنق، لاحترق.
من أجل ذلك أشفق عليهم.
أشفق عليهم أيضا لأنه كانت لهم دائما المعلومات التي لا نعرفها عن تورط السلطة في الفساد، والأوامر بغض البصر، يأتيهم الأمر بتزوير الانتخابات مثلا، ثم يصرح المسئول الكبير مشيدا بنزاهة الانتخابات، وهم يعلمون علم اليقين – لا الظن مثلنا – أن المسئول كاذب . تأتيهم الأوامر الشفهية بالتعذيب أو حتى بالقتل، ويقسم المسئول في التليفزيون أن ذلك لا يحدث.
ماذا يمكن أن يفعل الشيطان في إنسان أكثر مما فعلته السلطة فيهم .
ولننظر إليهم بعد ذلك كله كبشر، كيف يستطيعون المحافظة على توازنهم النفسي وثمة رادار خلقه الله في أنفسهم يجعلهم يدركون – رغم كل محاولات السلطة لغسيل المخ – يدركون أنهم يخالفون شرع الله، وهم يعلمون أن قصاص الله آت، كيف يستطيعون وسط هذه المتناقضات كلها أن يحتفظوا بنفوس سوية، أن يكونوا أبناء بررة، وآباء صالحين، وأفراد أصحاء في المجتمع، لا يتوجسون كل لحظة وأخرى، لا من انتقام ضحاياهم، بل من انتقام الله منهم وابتلائه لهم في أنفسهم وفى ذويهم، وهم في موقفهم المأساوي هذا لا يملكون القدرة على التراجع، فذلك يفقدهم ميزات القوة والسلطة التي تتمتع بها مراكزهم، فإن تخلت عنهم واجهوا المجتمع الذي لم يتعودوا على مواجهته دون بطش .
هل تتخيل يا سيدي الرئيس نفسية واحد منهم يعرف أن التزوير من الكبائر وأن التعذيب من الكبائر، لكن الأوامر تأتيه بأن يعذب ويزور، وهو أن استجاب ضاع، وإن رفض جاع .
ما هو شعور زوجة تكتشف أن زوجها جلاد، وابن يكتشف عندما يميز الصواب والخطأ أن ما فعله أبوه مخجل، ولا يجعله يفخر بالانتماء إليه .
إنكم تحطمونهم .
والكارثة أننا نعالج الخطأ، لا بالرجوع عنه لكن بمزيد من الإيغال فيه، إن حماية ضباط مباحث أمن الدولة من الاغتيال، لا تأتى بمزيد من البطش والعسف والتعذيب، بل بالعودة إلى الحق، إلى الدين، والعقل، ودفع المواطنين إلى الإيجابية لا تأتى بتكثيف كابوس الشرطة، لكن بدفعهم لمعاملة المواطنين كآدميين لا كحيوانات .
يا شيخ محمد الغالي، يا شيخ الأزهر، يا مفتى الديار، يا البابا شنودة، يا حلمي مراد، يا أحمد بهاء الدين، يا عادل حسين، يا أسامة الباز، يا مصطفى الفقي، يا إبراهيم شكري، يا فؤاد سراج الدين يا خالد محيى الدين، يا على الدين صالح، يا زكى نجيب محمود، يا نجيب محفوظ ، يا نعمات أحمد فؤاد، يا يحيي حقي،، يا جمال حمدان ، يا نور الشريف، يا محمد السيد سعيد، يا أحمد بهجت، يا إبراهيم نافع، يا محفوظ الأنصاري، ويا كل مواطن يحترم الوديعة، التي أودعها الله فينا، أذهبوا إلى الرئيس لتقولوا له إن وصمة التعذيب لا تجلل عهده بالعار فقط، وإنما تجعل من كل منا ديوثا، أجل ديوثا ما دام يرى هذا العذاب يلحق بهذه النفوس البشرية بين أيدي السفاحين الجلادين، وهم بلا حول ولا قوة، ثم لا يتحرك من أجلهم .
ناشدتك الله يا سيدي الرئيس، الله الواحد الأحد، القوى القهار، المنتقم الجبار الذي يمهل ولا يهمل، الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ناشدتك بحقه عليك، وعلينا أن تجيب على تساؤلي : ألم يمارس عهدك التعذيب ؟ ألم تعلم به ؟.
دعك من بيانات وزير الداخلية، وإنكار السلطة، دعك من أحكام القضاء على من مارسوا التعذيب بالبراءة، دعك من كتاب تعرفهم خيرا منا، دعك من هذا كله، أنا وأنت والله ثالثنا، ألم يحدث تعذيب في عهدك، ألم تعلم به، ألم يطلق رجالك الرصاص على رجال مهما تكن تهمهم، فالقضاء لا رجال الشرطة هو الكفيل بهم .
أم أنكم يا سيادة الرئيس تعاملوننا كأننا عبيد، وأنتم سادة، فلا حقوق لنا عليكم إلا ما كان من حقوق العبيد . في أعناقنا سلاسلكم .. ظهورنا موطئ سياطكم .. حريتنا في يمينكم .. وحتى أعراضنا حلال عليكم .. وليس من حقنا بعد ذلك إلا أن نسبح بحمد نعمتك علينا … أتقبل يا سيادة الرئيس أن يصل الأمر أن كاتبا شهيرا أعتقل أخوه في قضيه برأته منها المحكمة – بعد ذلك – يضطر لمناشدتك على صفحات الصحف في إعلانات مدفوعة الأجر قلبي تنقذ أخاه من التعذيب في سجون الزبانية حيث ينفردون بضحاياهم .. يعصب المجرمون أعينهم .. وهم إذا اشتكوا يطالبهم القضاء بألف دليل ويقين على نوع التعذيب ، وشخصية المعذبين، فكيف يتمكنون من ذلك وقد كان الشيطان منفردا بهم، ألم يحك لك مكرم محمد أحمد عما حدث للدكتور محمد السيد سعيد الكاتب الكبير بأكبر صحيفة عربية، بواحدة من أشهر عشر صحف في العالم، في الأهرام، ألم يحك لك عما حدث له عندما أراد أن ينقل عبر الأمة إليك كلمة صدق عن إرهاب الدولة، معمل التفريخ الشيطاني لكل إرهاب في المجتمع، ألم يقل لك كيف لفقوا له التهم، كيف عذبوه، كيف رآه مكرم محمد أحمد بأم عينيه ممزق الروح والجسد، هذا ما يحدث لصحفي من أكبر الصحفيين في صحيفة من أكبر الصحف في العالم فماذا يحدث إذن للمواطن العادى، ماذا يحدث لرعاياك يا سيدي الرئيس ؟.
هل تعرف وطأة ذلك على بناء شخصية الأمة .. إن الجميع يودون من أعماقهم أن يبادروا لنجدة المعذب المستغيث .. ولكن الخوف واليأس يقتلان نخوة الرجال وشهامتهم فيصمتون … وفى الصمت تسقط رجولتنا وإنسانيتنا وشرفنا، وكرامتنا فنتحول إلى قطيع من الخراف ينتظر الذبح … الدور يمكن أن يصيب أي واحد منا لأي سبب وبلا سبب .
ذات يوم ضرب شيخ من شيوخنا المثل لواحد من خلفاء بنى العباس حين رآه يسرف في تجنيد الترك – الذين قتلوا الخليفة والتهموا الخلافة بعد ذلك – فقال له:
مولاي : كان هناك راع، ساءه أن تفترس الذئاب بعض غنمه فأسرف في تربية الكلاب قلبي تذود الذئاب، لكن الكلاب احتاجت إلى طعام، فأخذ يذبح كل يوم من غنمه حتى يطعمها، حتى انتهت غنمه، فيا مولاي، ماذا يفعل الراعي إذا أكلت كلابه غنمه ؟
نعم يا سيادة الرئيس.. أكلت الكلاب الغنم، لم تأكلها الذئاب، ولا وحوش الفلاة، ولم يسرقها اللصوص، وإنما أكلتها الكلاب.
لشد ما وددت أن يأتيك نجيب محفوظ حاملا إليك جائزة نوبل هاتفا بك يا سيدي، أعدها إليهم فأنا لا أستحقها، لا أستحقها بالتأكيد، ما دامت كتاباتي في خمسين عاما لم تجعلكم توقفون التعذيب، وإهدار كرامة الإنسان .
ووددت أيضا أن يأتيك بطرس غالى – في صحوة ضمير – قائلا : أنه لا يستحق شرف منصبه العالمي، وقد كان عضوا في حكومة تم في عهدها تزوير الانتخابات والتستر على الفساد، ونهب الاقتصاد، وتهريب أكثر من مائة مليار دولار للخارج .
سيدي الرئيس :
ناشدتك الله، هل ترضى أن يكون أحد أبنائك واحدا من الجلادين . بل ألم تفكر للحظة أن علاء ابنك هو ضحية الجلادين، هو الذي يصلب ويعلق ويحرق، و .. و.. لا أستطيع أن أكمل، لكنك أنت يجب أن تكمل، لأن سؤال الله لك عنا سيفوق سؤاله لك عن ابنك
كل عام وأنت طيب يا سيادة الرئيس .
عيد ميلاد سعيد يا سيدي.
عام جديد سعيد عليك وعلينا، أو بالأحرى أقل ألما وحزنا .
عام يشهد أوامر صارمة جامعة مانعة للتعذيب، ومحاسبة من قاموا به .
فتلك يا سيدي خطوة في طريق طويل قلبي لا نكون في المكان الذي يريده لنا أعداؤنا وأعداؤك.
من وصفوني ووصفوك بأبشع ما يكون في بروتوكولات حكماء صهيون . لكن ذلك مقال آخر، أرجو أن يتسع صدرك له في العدد القادم .
وعام سعيد يا سيدي.
رد دكتور فرج فودة على مقال د. محمد عباس
مادمنا نتحدث عن صحف المعارضة فلا بأس أن أنقل للقارئ مكالمة من صديق عزيز، متفوق في مجاله الطبي، ومشارك في الحياة السياسية والعامة .
قال لكنني، هل قرأت ما يكتبه محمد عباس في الشعب ؟
تقصد رسالة إلى السيد الرئيس ؟ ..
- نعم، لقد أصابتني الرسالة بارتفاع في ضغط الدم .. الصديق معه حق، سلسلة المقالات التي يكتبها الأخ عباس، الذي لم أتشرف بالتعرف عليه سياسيا أو كاتبا من قبل، تذكرنا بمحاولاتنا الأولى ونحن هواة، حين كنا نتخيل أننا نجلس إلى السيد الرئيس، ونكتب الصفحات الطوال، ونأخذ راحتنا في الحديث وينتهي الأمر بمحاولة نضحك عليها حين تقرؤها " على كبر " ..
أنا شخصيا كتبت رسائل مطولة للرئيس السادات وللرئيس مبارك . وكان ذلك قبل نحو عشر سنوات، ولكنى والحق يقال لم أبلغ ما بلغه الأخ عباس، من مستوى لا أسمح لنفسي بوصفه ..
ما معنى أن يتحدث كاتب للسيد الرئيس قائلا ما معناه، إن عمرك اليوم تجاوز الخامسة والستين، وقد اقترب موعد لقائك بربك، وسوف يسألك عن كذا وكذا وساعتها لن يكون معك كذا وكذا .
أين اللياقة وأدب الحوار ؟ بل وأين الفكر في هذا كله، ومن هذا كله ؟
أنني أعتذر للقارئ بأنني لم أقرأ الرسائل كاملة واكتفيت بنظرة سريعة إلى السطور لأنني فوجئت بالكاتب في الرسالة الأولى يكتب شيئا أذهلني، حيث كان يتوقع كما يقول : أن يبدأ حسنى مبارك عهدة بالإفراج عن قتلة السادات ..
هكذا ..
أين حدث هذا إن شاء الله ؟..
واستنادا إلى أي شرع أو دين أو فكر ؟ …
قتل رئيس الدولة وسبعة معه، يؤدى إلى براءة المتهمين ؟
لماذا لا يكمل إذا سلسلة مقالاته، ويبوح بما يعتمل في صدره، ويطالب لهم بأوسمة؟
يبدو أن الكاتب يعيش في "الباى باى" ويتخيل أوهاما دينية لا سند لها إلا الإرهاب، ولا شفيع لها إلا مرض النفوس، شفاه الله منه وعافاه ..
عندما قتل عبد الرحمن بن ملجم الإمام عليا، تولى أمره عبد الله بن جعفر بن أبى طالب فقطع يديه، وقطع رجليه، وسمل عينيه، وقطع لسانه، ثم قتله، ثم صلبه وأحرق جسده ..
هذا عن قاتل على إمام المتقين .
في عهد أبى جعفر المنصور، كتب الأديب الرائع ابن المقفع "رسالة الصحابة" ناصحا له، فماذا كان جزاء النصيحة، مجرد النصيحة ؟
اختلفت الرواية يا أستاذ عباس ..
رواية تقول إنهم قطعوا جسده قطعة قطعة، وأخذوا يشوون القطع على النار ويطعمونه إياها حتى مات ..
ورواية أخرى أنهم أحرقوه في التنور .
والحديث طويل، وأئمة الفقه الأربعة كان مسموحا لهم في عهد ازدهار الدولة الإسلامية بالحديث عن الدين، فإذا تجاوزوا إلى شبه السياسة، أو حتى شبه الاختلاف الفقهي مع فقهاء الخليفة، نالوا ما نالوا من جلد وضرب وتعذيب الأمام "أبو حنيفة" جلد لرفضه ولاية القضاء، وقيل انه مات بعد أن دسوا له السم ..
الإمام مالك، جلدوه وهو عار ولم يستروا عورته، إمعانا في إذلاله، حتى خلعت كتفه وامتنع عن الذهاب للمسجد بعد ذلك، خجلا من الناس، حتى توفاه الله..
الإمام ابن حنبل، عذب وجلد لرأيه في خلق القرآن، على خلاف رأى المعتزلة، الذي أقتنع به الخليفة المأمون ..
الإمام الشافعي ، تربص به تلاميذ الفقيه فتيان، فقيه السلطة، وضربوه حتى مات ..
والسلسلة طويلة ..
الإمام زيد بن على إمام المذهب الزيدى، قتل وصلب جثمانه .
الإمام ابن تيميه، خرج من سجن إلى سجن حتى مات فلتحمد الله يا أستاذ عباس على أنك تعيش في عصر، غير العصر الذي تدعو إليه، وتظللك الديمقراطية الوارفة بظلها الظليل، ويحميك القانون " الوضعي " مهما تجاوزت، وتكفل لك الدولة " المدنية" أن تكتب ما تكتب وأنت آمن
وإذا لم تستح فاكتب في جريدة "الشعب "
من مواطن مشاعري إلى الرئيس مبارك "4"
سيادة الرئيس
كل سنة وأنت طيب
كل عام وأنت أكثر صحة، فصحتك صحة لأمتك..
كل عام وأنت أكثر قوة، فقوتك ذخر لوطنك ..
أليس هكذا يجب أن تكون الأمور يا سيدي ؟؟ ..
كان هذا حديثا لشخصك..
*****
فلنعد الآن إلى حديثنا العام الذي لا يعبر فيه ضمير المتكلم عنى ولا كاف المخاطب عنك، ولا المضارع مضارعا لأن ما يحدث الآن قد حدث بذاته قبل ذلك ومضى، ولا الماضي ماضيا لأن ما حدث قبل ذلك ما يزال.
أنا الأمة وأنت الحاكم الرئيس الملك الأمير الخليفة .
أنا العبد الأجير وأنت المالك الآجر القادر وأنا المقدور على .
فهل تغفر لكنني ذنبي يا سيادة الرئيس إن جرؤت وشككت فيك ..
لقد شك الأنبياء أنفسهم في الله حتى هداهم إليه .
والإمام الغالي يقول إن الشك قنطرة اليقين .
ويوم القيامة سننادى بأسماء أمهاتنا[2] لأنه ما من أحد يدرك على وجه اليقين أن أباه أبوه حتى الأنبياء لم تخل سيرتهم من قصة إفك، وزوجة الحسن رضى الله عنه قد دست له السم في طعامه .
******
فاغفر لكنني يا سيدي الرئيس إذن أن أشك فيك، فالمرء أحيانا يشك في نفسه، بيد أن علاج ما في النفس من شك، لا يتم ولوج أبوابه إلا عبر طريق طويل يعبّده الصدق، لا صدق اللسان فهذا هين، وإنما الصدق مع النفس وهذا لعمرك من أشق الأمور وأصعبها، ثم إنني أحذرك من مراوغة الحقيقة التي تغرينا بسهولتها وأنها قبض أيدينا لكننا ما نلبث حتى نكتشف أن أيدينا لا تقبض إلا على ضلال، أجل أحذرك من مراوغة الحقيقة حتى إن جاهدنا أن نبلغ أعلى مراحل الصدق التي تستطيع الوصول إليها، فما بالك يا سيدي إن كذبنا .
فدعني يا سيدي أحكي لك عن واقعة دفعتني للشك في عقلي وما تزال، فعندما قرأت بروتوكولات حكماء صهيون منذ ثلاثين عاما سخرت منها كثيرا ثم وضعتها في مكتبتي في رف للكتب التافهة التي تحوى كتب السحر والشعوذة والخرافة، وأخذ هذا الرف يتضخم بعد ذلك بكتب مئات الكتاب والصحفيين والساسة ومذكراتهم ثم مر بنا الزمن أو على الأحرى مرّ علينا فسحقنا، بدد شملنا وفرق جمعنا وأهدر بين أمم الأرض دماءنا، فإذا ما ظننت أنه شعوذة وخرافة هو بعينه ما يحدث لنا بتفاصيل أحيانا يعجز العقل معها عن التفكير والاستيعاب، إنها كآلة الزمن تكشف لنا عما سيحدث لنا، وضعتني وأنا أعيد قراءتها أتنبه لأول مرة إلى تعليق مفكر عملاق هو العقاد عليها بقوله :" الأمر الذي لا شك فيه هو أن لسان الحال أصدق من لسان المقال وأن السيطرة الخفية قائمة بتلك البروتوكلات أو بغيرها "
فلو أننا تنبهنا حينئذ.
ولو أننا ونحن نقرأ الآن لا تأخذنا نعرة الرفض والتكذيب غير متخيلين أن هذا الذي يراد بنا يمكن أن يحدث لنا، لأنه حدث فعلا ويحدث ولسوف يستمر إذا لم نعتبر .
فلنقرأ إذن مقتطفات من بروتوكولات حكماء صهيون :
***
إننا نخشى تحالف قوتهم الحاكمة مع قوة الرعاع العمياء غير أنا قد اتخذنا كل الاحتياطات لنمنع احتمال وقوع هذا الحادث، فقد أقمنا بين القوتين سدا قوامه الرعب الذي تحسه القوتان كل من الأخرى..
هل لاحظت يا سيدي أنك هنا أنت الحاكم وأنا الرعاع ؟ ..
وهل رأيت ما يخشاه أعداؤنا منا ؟ ألم أقل لك إن علينا أن نحب بعضنا وأن نجعل الثقة جسرا بيننا بدلا من كل هذا التوجس والترقب .
واصل القراءة معي يا سيدي، طال عمرك، واتسع صدرك، وعظم صبرك .
" سنختار من بين العامة رؤساء ممن لهم ميول العبيد، ولن يكونوا مدربين على فنون الحكم، ولذلك سيكون من اليسير أن يمسخوا قطع شطرنج ضمن لعبتنا "..
أرأيت مدى بذاءتهم يا سيدي لكن بذاءتهم ليست شاغلنا الآن فلنواصل القراءة إذن .
" لقد وضعنا في مكان الملك كاريكاتيرا في شخص رئيس يشبهه وقد اخترناه من الدهماء بين عبيدنا "
ناشدتك الله يا سيادة الرئيس : ألم ينجحوا عند بعض أشقائنا ؟
" يومئذ لن نكون حائزين في أن ننفذ بجسارة خطتنا التي سيكون دميتنا مسئولا عنها ".
" ولكي نصل إلى هذه النتائج سندير انتخاب أمثال هؤلاء الرؤساء ممن تكون صحائفهم السابقة مسودة بفضيحة أو صفقة سرية مريبة إن رئيسا من هذا النوع سيكون منفذا وفيا لأغراضنا لأنه سيخشى التشهير وسيبقى خاضعا لسلطاتنا .. إن مجلس ممثلي الشعب سينتخب الرئيس ويحميه ويستره، ولكننا سنحرم هذا المجلس سلطة تقديم القوانين وتعديلها " ..
"هذه السلطة سنعطيها الرئيس المسئول الذي سيكون ألعوبة خالصة في أيدينا وفى تلك الحال ستصير سلطة الرئيس هدفا معرضا للمهاجمات المختلفة ولكننا سنعطيه وسيلة للدفاع وهى حقه في أن يستأنف القرارات محتكما إلى الشعب، أي أن يتوجه الرئيس إلى الناس الذين هو عبيدنا العميان وهم أغلبية الدهماء ".
رحمتك اللهم …
أهذا إذن ما وراء الاستفتاءات والانتخابات المزورة ؟.
يا إلهى
لقد حدث شئ من هذا مع جورباتشوف، حاكم قوة عظمى ظلوا وراءها حتى انهارت .. فكيف لا أخشى حدوث مثله مع حكام أوطانى، وأوطانى أضعف بكثير .
يا سيدي والله لا أحمل عليك إلا خوفا على الأمة وأنت منها، على رأسها .
الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ
فلنواصل سيدي قراءة بروتوكولاتهم :
" إلى ذلك سنعطى الرئيس سلطة إعلان الحكم العرفي، وسنوضح هذا الامتياز بأن الحقيقة هيأن الرئيس لكونه رئيس الجيش يجب أن يملك هذا الحق لحماية الدستور الجديد، فهذه الحماية واجبة لأنه ممثلها المسئول"..
" سيكون حقا لرئيس الجمهورية أن يعين رئيسا ووكيلا لمجلس النواب ومثلهما لمجلس الشيوخ وسنستبدل بفترات الانعقاد المستمرة للبرلمانات فترات قصيرة مدة شهور قليلة . وإلى ذلك سيكون لرئيس الجمهورية باعتباره رأس السلطة التنفيذية حق دعوة البرلمان وحله . وسيكون له في حالة الحل إرجاء الدعوة لبرلمان جديد ولكن لكيلا يتحمل الرئيس المسئولية عن نتائج هذه الأعمال المخالفة للقانون مخالفة صارخة من قبل أن تبلغ خططنا وتستوى، سنغرى الوزراء وكبار الموظفين الإداريين الآخرين الذين يحيطون بالرئيس قلبي يموهوا أوامره بأن يصدروا التعليمات من جانبهم، وبذلك نضطرهم إلى تحمل المسئولية بدلا من الرئيس، وسننصح خاصة بأن تضم هذه الوظيفة إلى مجلس الشيوخ أو مجلس شورى الدولة أو إلى مجلس الوزراء، وأن لا توكل إلى الأفراد وبإرشادنا سيفسر القوانين التي يمكن فهمها بوجوه عدة . وهو فوق ذلك سينقض هذه القوانين في الأحوال التي نعد فيها هذا النقض أمرا مرغوبا فيه، وسيكون له أيضا حق اقتراح قوانين وقتية جديدة بل له كذلك إجراء تعديلات في العمل الدستوري للحكومة محتجا لهذا العمل بأنه أمر يقتضيه سعادة البلاد ".
" وإنهم يقنعون الناس عن طريق وكلائهم بأنهم إذا أساءوا استعمال سلطتهم ونكبوا الدولة فما أجريت هذه النكبة إلا لحكمة سامية ".
حكمة سامية .. كيف يقول بعد ذلك قائل أن أوراق اللعبة كلها تجمعت عنده وإنه هو وحده الذي يعرف ماذا كان يمكن أن يحيق بالبلاد من خراب لو اتخذت طريقا آخر غير طريقه أو اتبعت رأيا أخر دون رأيه ؟ وما أي رأى نرفض وما كل رأى نرفض، لكننا ندرك أن خديعة فرد يقود قطعيا من النعاج سهلة . وأننا نحتاج لعقول الأمة جمعاء قلبي نقف ضد تدبيرهم .
* واصل معي يا سيدي قراءة بروتوكولاتهم :
"إن ضخامة الجيش وزيادة القوة البوليسية ضرورتان لإتمام خططنا، وإنه لضرورة لنا قلبي نبلغ ذلك ألا يكون إلى جوانبنا إلا طبقة صعاليك ضخمة، وكذلك جيش كثير وبوليس مخلص لأغراضنا "
" يجب علينا أن نكون مستعدين لمقابلة كل معارضه بإعلان الحرب على جانب ما يجاورنا من بلاد تلك الدولة التي تجرؤ على الوقوف في طريقنا . ولكن إذا غدر هؤلاء الجيران فقرروا الاتحاد ضدنا فالواجب علينا أن نجيب على ذلك بخلق حرب عالمية " يا إلهى أليس هذا ما يحدث الآن ؟؟!!
بل … أليس هذا ما حدث فعلا .
"بإيجاز، من أجل أن نظهر استعبادنا لجميع الحكومات سوف نبين قوتنا لواحدة منها متوسلين بجرائم العنف والإرهاب، وإذا اتفقوا جميعا ضدنا فعندئذ سنجيبهم بالمدافع الأمريكية أو الصينية أو اليابانية "..
الخلاف فقط في أن المدافع صينية وليست روسية، وأغلب الظن أن مدافع الصين ستضرب غدا، في بغداد أو القاهرة أو دمشق وكل عبد يرفع رأسه ستقطع…
الصحافة
:لقد سقطت صحافتهم في أيدينا، ومن خلالها أحرزنا نفوذا وبقينا نحن من وراء ستار"..
" تقوم الصحافة بتهيج العواطف الجياشة في الناس، ومعظم الناس لا يدركون أغراضنا الدقيقة أقل إدراك، إننا سنسرج الصحافة وسنقودها بلجم حازمة "
" أما الصحف الحزبية التي لن تردعها العقوبات فإننا في الخطوة التالية سنعطلها ".
لله درك يا عقاد
حتى لو لم تكن البروتوكولات موجودة، أليس هذا هو ما يحدث لنا ؟..
ألهذا إذن تصادر الصحف وتغلق ؟..
ألهذا حوربت " الشعب " فأعاقوا أن تصدر يومية ؟ ..
لكن .. فلنواصل :
" وبهذه الوسيلة سنعادل التأثير السئ لأية صحيفة مستقلة، ونظفر بسلطان كبير جدا على العقل الإنسانى ".
" وفى الصف الأول سنضع الصحافة الرسمية، وستكون دائما يقظة للدفاع عن مصالحنا، ولذلك سيكون نفوذها على الشعب ضعيفا نسبيا، وفى الصف الثاني سنضع الصحافة شبه الرسمية التي سيكون واجبها استمالة المحايد وفاتر الهمة "
" وستكون هذه الجرائد مثل الإله الهندي (فشنو) لها مئات الأيدي، وكل يد ستجس نبض الرأي العام المتقلب، ومتى ازداد النبض فإن هذه الأيدي ستجذب الرأي العام نحو مقصدنا لأن المريض المهتاج الأعصاب سهل الانقياد وسهل الوقوع تحت أي نوع من أنواع النفوذ "
" وبفضل هذه الإجراءات سنكون قادرين على إثارة عقل الشعب وتهدئته في المسائل السياسية، وسنكون قادرين على إقناعهم أو بلبلتهم بطبع أخبار صحيحة أو زائفة، حقائق أو ما يناقضها، وإن الأخبار التي سننشرها ستعتمد على الأسلوب الذي يتقبل به الشعب هذه الأخبار وسنحتاط دائما لجس الأرض قبل أن نسير عليها"..
ائذن لي يا سيادة الرئيس أن أتذكر مقالات بعض كبار كتابنا : اعتماد خورشيد، أنيس منصور، إبراهيم سعدة، عبد العظيم رمضان .. وعشرات وعشرات .. ماذا أفعل يا ربى إن سبق أجلهم أجلى ؟؟ هل أقرأ الفاتحة على أرواحهم أم اقرأ بروتوكولا من البروتوكولات…؟
لا أدرى والله … فلنترك ذلك إذن لنواصل قراءة البروتوكولات :
" أي إنسان يرغب في الاحتفاظ بمنصبه سيكون عليه كي يضمنه أن يطيعنا طاعة عمياء ".
أمن أجل هذا إذن ؟؟؟؟!!
كل هذا العار وكل هذا البؤس وكل هذه الهزائم وكل هذا الاستعداد للعيش بلا كرامة لأنهم يريدون الاحتفاظ بالوظائف ؟ .
" سنتنكر لكل نوع من أنواع التذمر والسخط وسنعاقب على كل إشارة تدل على البطر عقابا بالغا في صرامته حتى يكون عبره للآخرين "..
حقا حقا : والسلسلة طويلة، وهى إن بدأت بسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين لم تنته بخالد الإسلامبولى ولا سليمان خاطر ولا سعد إدريس حلاوة، ولا بعشرات ومئات وآلاف وملايين يدفعون ذات الثمن في سبيل الله ..
" سنقصر رجال الدين وتعاليمهم له على جانب صغير جدا من الحياة، وسيكون تأثيرهم وبيلا سيئا على الناس حتى إن تعاليمهم سيكون لها اثر مناقض " ..
ألهذا حوصر أمثال الشيخ محمد الغزلي وأوذوا في سبيل الله أفسح المجال كله لغيرهم فساد الجهل وعمت السطحية وقاد الغباء فعم البلاء .
" سنعتقل الناس الذين يمكن أن نتوهم منهم الجرائم السياسية توهما عن صواب كثيرا أو قليل، إذ ليس أمرا مرغوبا فيه أن يعطى رجل فرصة الهرب مع قيام مثل هذه الشبهات خوفا من الخطأ في الحكم . ونحن فعلا لن نظهر عطفا لهؤلاء المجرمين، وقد نعتد بالظروف المخففة في الجرائم العادية، ولكن لا ترخص ولا تساهل مع الجريمة السياسية "
يا إلهى …
مرة أخرى من أعمق أعماق الألم … يا إلهى …
هل قرأ الودعاء الطيبون من ضباط مباحث أمن الدولة هذا ؟ ..
هل قرأه وزير الداخلية المؤمن وعلامة صلاة كبيرة تتصدر جبهته لتشهد له أو عليه يوم القيامة ؟ ..
هل قرأته أنت يا سيادة الرئيس ؟ ..
لماذا إذن يا سادتي - فكلكم سادتي – تكون أعظم آمال المعتقلين السياسيين جموحا أن تساووهم في التعامل بالسجناء الجنائيين، باللصوص والقتلة والمجرمين وهاتكي الأعراض ؟
ومن أوحى بفعل هذا ولماذا أطعتموه؟؟
ها هو مكتوب أمامكم فاقرؤوه ……
واقرؤوا أيضا :
" ولكن ننزع عن المجرم السياسي تاج شجاعته سنضعه في مراتب المجرمين الآخرين بحيث يستوي مع اللصوص والقتلة والأنواع الأخرى من الأشرار المنبوذين المكروهين. وعندئذ سينظر الرأي العام عقليا إلى الجرائم السياسية في الضوء ذاته الذي ينظر فيه إلى الجرائم العادية وسيصمها وصمة العار والخزى التي يصم بها الجرائم العادية بلا تفريق "
" إن تمردهم ليس أكثر من نباح كلب على فيل، في الحكومة المنظمة تنظيما حسنا من وجهة النظر الاجتماعية لا من وجهة نظر بوليسها، ينبح الكلب على الفيل من غير أن يحقق قدرته، وليس على الفيل إلا أن يظهر قدرته بمثل واحد متقن حتى تكف الكلاب عن النباح، وتشرع في البصبصة بأذنابها عندما ترى الفيل "..
أهذا تفسير ما فعلوه مع صدام حسين، وكلنا بالنسبة لهم صدام حسين إلا من يبصبص لهم بذنبه ؟
" سيعظم سلطاتنا فيصير استبدادا يبلغ من القوة أن يستطيع في أي زمان وأي مكان سحق الساخطين علينا "
أرأيت يا سيدي ؟ من كان يظن أن يدين لهم الشرق والغرب كما يدين لهم الآن؟
منذ عشرة أعوام فقط من هو المجنون الذي جرؤ على تخيل أن تكون لهم كل هذه السلطة فيما كان الاتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية ؟ ..
" إن أي حكومة منفردة لم تكن لها سندا من جيرانها حين تدعوها إلى مساندتها ضدنا، لأن كل واحدة منها ستظن أن أي عمل ضدنا هو نكبة على كيانها الذاتي "..
حقا حقا ..
" إن المشكلة الرئيسية لحكومتنا هي كيف نضعف عقول شعبهم بالانتقاد، وكيف نفقدها قوة الإدراك التي تخلق نزعة المعارضة، وكيف تسحر عقول العامة بالكلام الأجوف "..
هل ما زالت هذه مشكلة أم حللتموها ..؟
" إننا سنعرف كل شئ دون مساعدة البوليس الرسمي الذي يبلغ إفسادنا إياه عليهم أنه يحجبهم عن رؤية الحقائق " ..
اللهم رحمتك … عفوك …
" إنني أستطيع في ثقة أن أصرح اليوم بأننا أصحاب التشريع المتسلطون على الحكم المقررون للعقوبات، وأننا نقضي بإعدام من نشاء ونعفو عمن نشاء، ونحن أولو الأمر الأعلى في جميع الجيوش "..
" أستطيع الآن أن أؤكد لكم أننا على مدى خطوات قليلة من هدفنا، ولم تبق إلا مسافة قصيرة كي تتم الأفعى الرمزية – شعار شعبنا – دورتها "
… يا إلهي …
… يا إلهى …
كل هذا يريدونه بي وبحكامي ؟ ..
ألا خسئوا …
سيدي الرئيس …
بل سادتي الرؤساء والملوك . يا جلالة يا فخامة يا معالي يا سمو يا خليفة يا مالك يا قادر :
أدفع عمري لتقرءوا هذه البروتوكولات وتعتبروا بها وتحتاطوا لما يراد بنا .
إنها ليست بيانا من أحزاب المعارضة كي تسفهوه وتحجموه وتنشروه في صحفكم مشوها ثم تردوا على ما شوهتم لا على البيان نفسه.
إنه مستقبل أمم ودين وحضارة أنتم القيمون عليه، هذا قضاؤنا فيكم فاستمعوا لنا.
إن الصهيونية ليست دينا وإنما فكر، وبعض المتعصبين من أتباع الدين المسيحي يعتنقون هذا الفكر بإقرارهم بأنفسهم، وما جونسون وتشرشل إلا مثلا، بيد أن الكارثة ليست في ذلك بل في المسلمين الصهاينة، فأستحلفكم بمن سيحاسبكم يا سادتي يوم لا أمن مركزي يحميكم ولا حرس وطني يدفع عنكم ولا مخابرات أمريكية تنبئكم بدبيب النمل في بلادكم، ولا رؤساء تحرير صحف على استعداد لأن يهاجموا في المساء بكل شراسة ما أيدوه في الصباح بكل حماسة، أستحلفكم يا سادتي أن تفتشوا عن الصهاينة المسلمين داخلنا، لا تتركوا مكانا، حتى داخل أنفسكم لا تتركوه فقد يكونوا قد تسربوا إلى دمائكم تسرب الشيطان، فتشوا في بعضكم البعض فتشوا في رؤساء وزرائكم وكبار قوادكم وأمناء أحزابكم وفى مستشاريكم وفقهائكم وكتابكم ورجال مخابراتكم وأجهزة أمنكم، وحتى شيوخكم لا تتركوهم، فالله ما كان يرضى لخير أممه كل هذا الهوان وكل تلك المذلة ما لم يكن الكل مشكوكا فيه . فتشوا عنهم لكن احذوا أن يكون القائمون بالتفتيش هم أنفسهم الصهاينة فيكم، فأولئك سيضللونكم، سوف يؤلبونكم على أفضل من فيكم ومن فينا، حتى نأكل بعضنا بعضا ويستريحوا هم منا، سوف يزينون لكم الخيانة باسم التحضر، والانحلال باسم الرقى، وهجران الدين باسم عدم التعصب، والعبودية باسم الحرية، وسوف يجعلونكم تفعلون أسوأ ما يمكن أن يفعل وأنتم تتشدقون باسم المبادئ والنظام الجديد .
حاولوا … إن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير
ومهما يحدث الآن فإنني أظن أن التاريخ لن يغفل الحقائق الآتية :
* أن التكليف الذي لا نملك فيه اختيارا هو أن نتحد .
أن الغرب والصهاينة يفرضون علينا الذل والخضوع والاستسلام باسم السلام، لكن الله كتب علينا القتال وهو كره لنا، وإن العالم الإسلامي يمكنه لو أتحد ألا يقهر إسرائيل فحسب بل أن يقهر الحضارة الغربية كلها .
* وإنه بعد انهيار الكتلة الشيوعية فإنه قد آن للإسلام أن يسترد بضاعة سرقت منه في غفلة من أبنائه، فإن عشاق العدل الاجتماعي مكانهم الإسلام وليس أي نظام أرضى آخر، إن مئات الملايين من الثوار في جميع أنحاء العالم والذين تصدعت أفئدتهم إزاء انهيار فردوسهم الأرضي سيتجهون إلى مكانهم الحقيقي بين المسلمين حيث لا يتصدع فؤاد ولا ينهار فردوس.
* إن العدل الإلهي حق والقصاص حق، وإنه كما يحيق بالأفراد يحيق بالأمم، ولعل ما يحدث للعراق ولصدام حسين الآن قصاص لما حدث مع إيران، وأظن قصاصا آخر سيأتي لما يحدث الآن للعراق وليبيا . قصاص أدعو الله أن يقتصر على الحكام لا الأمم .
* أظن أنه من حق العالم كله – لا العالم الإسلامي فقط أن يتساءل عما إذا كان بوش وميجور أفضل حقا وأقل ووطأة على البشرية من هتلر وموسولينى، وهل كانت حضارة التتار والمغول والبرابرة أكثر وحشية من حضارة الغرب؟؟ .
• إن موقف الجغرافيا في العالم الإسلامي يجب أن يعاد تقييمه، أن يعاد النظر في دور بلاده في حماية الأمن الإسلامي أو تهديده . إن الأمر لم يعد يقتصر على وجوب البحث عن مدى شرعية نظم الحكم في العالم العربي والإسلامي، بل أصبح من اللازم أن يتعدى ذلك، ليس لمجرد بحث شرعية وجود بعض الدول التي شكلت على مدى تاريخها تهديدا مستمرا لوجود الأمة ككل، وعونا لأعدائها، وخيانة لمستقبلها. يتعدى الأمر كل ذلك إلى ضرورة البحث في حق الحكام في الاستمرار في تفتيت الأمة، معرضين كل مستقبلها للضياع، مستأجرين بثروة الأمة أعداء الأمة لقتل الأمة.
سيدي الرئيس :
دعنا من موقفك من صدام، دعنا منه الآن فقط، فالتاريخ لن يدعك، وأظنه مقارنا موقفك بموقف الملك العاضد والخديوي توفيق، لكن دعنا من هذا كله الآن لنتساءل، لنضع افتراضا يفيدنا فيما هو قادم، لنفترض أن صدام لم يغز الكويت، لنفترض أنه لم يوجد على الإطلاق، أتحسب حقا أن أمريكا وبريطانيا وإسرائيل كانوا تاركينا ؟ لنفترض أيضا أن السعودية والكويت والخليج لم يدفعوا لهم تكاليف حربهم علينا، أكان يمكنهم تحقيق كل هذا النصر علينا، لنفترض أن نصف حكامنا على الأقل لم يكونوا عونا لهم علينا، أكان يمكنهم تحقيق كل هذا النصر علينا، لنفترض أن نصف حكامنا على الأقل لم يكونوا عونا لهم علينا، أكان يمكن أن يجرعونا كل هذه المذلة وكل هذا الهوان ؟
* سيدي الرئيس:
ألم تفكر أبدا أن تعاتب أشقاءك في المملكة العربية السعودية، من يحملون شرف خدمة الحرمين، أن تعاتبهم لأنهم في تاريخ المملكة كلها لم يرفعوا أبدا سيفا إلا على مسلم ؟
أبدا ..
على الإطلاق .
أفأدعو لهم بدعاء سيدي وحبيبي وشفيعي يوم القيامة : اللهم اغفر لهم فإنهم لا يعلمون ؟ ..
أم تراهم يعلمون ..
* سيدي الرئيس :
لماذا لم تقل لأخوتك هناك إنه لا يكفى أن يسمى أحدهم نفسه خادم الحرمين ويقعد .
ذلك أن خدمة الحرمين ليست سقاية حجيج ولا مد طرق ولا تكييفا مركزيا ولا حتى غسل الكعبة، خدمة الحرمين واجب هائل تجاه الإسلام والمسلمين . لن أتحدث الآن عن استدعاء ما كان يجب أن يكون، وإنما أتحدث عن مسلمين في بلد اسمه العراق تسفح كرامتهم ويموتون جوعا وتدمر كل إمكانياتهم الحضارية والعسكرية، عن تدمير مجمع الأثير النووي، وهو مجرد مشروع تجارب، وعلى مرمى جمرات منا مائتا قنبلة نووية في إسرائيل لكنهم يا سيدي – مثلك – لم يحركوا ساكنا، لكنهم ليسوا مثلك فهم خدام الحرمين وعليهم واجبات فوق واجباتك.
يا إلهى … لقد وقفتم ضد إيران مظلومة ومعها ظالمة .
عندما تصدت طائرات العراق لغارة إيرانية احتجت الأمم المتحدة على دفاع العراق عن نفسها.
أي ذل وأي مهانة …
لماذا لم تقل - يا سيادة الرئيس - للآخرين أن تحمل الذل والمهانة تجنبا لمزيد من الذل والإهانة لا يسفر إلا عن المزيد من الذل والإهانة .
لماذا لم تقل لهم إن الحرص الذي يذل أعناق الرجال لا يبقى لهم أبدا ما قد حرصوا عليه .
ولماذا لم تقل لإخوتك الهلوعين المفزوعين على عروشهم وإماراتهم إنهم في ذات اللحظة التي استدعوا فيها أعداء أمتهم لتوطيد أركان ملكهم قد نزعوا أوتاده وقطعوا حباله ليفقدوا شرعية حكمهم أمام أمتهم، وأمام التاريخ، وإنهم إن لم يدفعوا الثمن بأنفسهم فسيدفعه أبناؤهم فلذات أكبادهم وإن هذا الثمن هو ذات الثمن الذي دفعه شاوسيسكو ويدفعه هونيكر .
لماذا لم تقل لهم وللعالم يا سيدي الرئيس إن مجلس الأمن هو الحكومة العالمية التي تنبأت بها بروتوكولات حكماء صهيون، حكومة عالمية يحكم بها اليهود العالم، إن بوش وريجان وجونسون، وتاتشر ليسوا إلا وكلاء لهذه الحكومة الخفية، كذلك جورباتشوف وشيفرنادزة وكيسنجر وبيكر، وإنه من واجبنا أن نتصدى لهذه الحكومة العالمية الخفية لا أن نستسلم لها، فلقد استخلفنا على الأرض من أجل هذا وبعثنا من أجله ؟
* سيدي الرئيس :
سيدي :
لأنني أحب الله والوطن وأحبك أتحدث إليك أنت.
لا أقولها لك نفاقا، فأنا أعترف بيني وبين نفسي بأنك واحد من أفضل حكام العرب والمسلمين[3]، أنت، يا من حارب وانتصر، أعرف - وأرجو ألا أكون مخطئا - أن قلبك كان ينزف وأنت تجرد حملتك العسكرية إلى الخليج، وانك حاولت أن تتجنب ذلك، لكن محاولتك كانت متأخرة عشر سنوات على الأقل ..
وأعرف أن قلبك يتمزق وأنت تنفذ قرارات الحكومة العالمية – مجلس الأمن – على ليبيا لكن ما يدفعك إلى ذلك ليس قدرا نحني له جباهنا، بل وإنني أظن فوق ذلك كله أنك لم تفعل هذا كله إلا لظنك أنك تجنب به أمتك الثبور والويل، وهذا بالضبط ما أراك مخطئا فيه وما أظنهم خدعوك به، فالويل والثبور في مطاوعتهم لا في معارضتهم، لأنهم – أولئك الذين يدعون الحضارة – ليسوا إلا برابرة همجا، وهم أبناء أكثر الحضارات إجراما في التاريخ، وهم لم يوفوا بعهد، ولم يدعوا منكرا إلا ارتكبوه، ولقد أخافوك وما كانوا صادقين، ثم وعدوك وكانوا كاذبين.
سيدي الرئيس
لم ترضخ إسرائيل لقرارات حكومتها العالمية – مجلس الأمن – فلماذا نرضخ نحن ؟ لماذا نقبل الدينية في ديننا ؟ عجزت إسرائيل عن فرض اتفاقية على لبنان فلماذا نجحت معنا ؟ وهرعت أمريكا هاربة من بيروت بعد عملية فدائية واحدة فلماذا لم نتعلم ؟
وقد وعدوا العالم العربي بحل مشاكله بعد أن يساعدهم على اغتصاب العراق، لكن هاهم أولاء يستديرون لحل العالم العربي لا لحل مشاكله .
وغازلوا سوريا كي ترفع نقاب العروبة الذي ارتدته ثلاثين عاما فلما رفعته تربصوا بها وسيضربونها بعد ليبيا .
الحقائق واضحة كالشمس، وقد قلناها لكم منذ أعوام وأعوام، الدورات على الجميع وسوف يخدعكم بوش كما خدعكم دائما .
والدورات على مصر أيضا .
هل تصدقونهم يا سيدي أن نكسة سنة 67 كان بسبب خليج العقبة..
أو أن ضرب العراق سنة 91 كان بسبب الكويت
أو أن ضرب ليبيا سنة 92 هو بسبب لوكيربى
أو أن ضرب سوريا سنة 93 هو بسبب …
أو …… أو … أو ………؟؟!!
أما آن لكم يا سيدي أن تدركوا أنه مخطط عمره ألف عام يتحينون له الفرص فإن انعدمت خلقوها ؟
* سيدي الرئيس:
أقسم لك بمن سيكشف عنك غطاءك إنني أرجو لك الخير وأرجوه منك، على يديك لأنك بالرغم من كل شئ منا لا منهم .
وأناشدك الله أن تجيبني أو حتى تسر لنفسك بالإجابة عن سؤالي لك:
لو كنت أنت مكان بوش : هل كنت ترتاح لقيادة حسنى مبارك لمصر، قلب العروبة ودرع الإسلام وجذوة الضمير الحي الذي قد يغطيه الرماد لكنه لا يخبو . هل كنت تأمن له ؟
أنا أجيبك يا سيدي :
لو أنني كنت بوش لكنت سعيدا جدا بجل زعماء وحكام وملوك وأمراء وسلاطين العرب والمسلمين، ولتوجست دائما من مصر، فهي التي كانت تنهض دائما في النهاية لتحمى العرب والمسلمين، فعلت ذلك مع التتار والمغول ومع الصليبين أجداد بوش وشامير، فالدولة نفسها غير مأمونة، ورئيسها أيضا غير مأمون، لأنه ليس خائنا كالآخرين لوطنه، وقد أستطيع بين الوعد والوعيد أن أحجم دوره، وقد أستطيع خداعه بعض الوقت، لكنه في النهاية لا بد سيتمرد علينا، وساعتها سيقود المنطقة كلها ضدنا، لذلك فإنه قد يصلح لمرحلة نشغله فيها عن نفسه بالديون والهموم ثم ننهى دوره.
* سيدي الرئيس :
هل تعلم من أختاره لمصر رئيسا لو كنت بوش
إبراهيم سعدة ……
أنيس منصور ……
يوسف والى ……
سمير رجب ……
عبد الهادي قنديل ……
زكى بدر …………
وعشرات ………
ومئات وألوف ………
لكن اسم حسنى مبارك ليس فيهم
عام سعيد يا سيدي …
وأرجو أن تسمح لي بمواصلة الحديث – جزئه الأخير – في العدد القادم .
وكل عام وأنت طيب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ الدكتور/ محمد عباس
تابعت مع الشعب المصري كله باهتمام رسالتك إلى السيد رئيس الجمهورية وأحييك على ما أنت فيه من إيمان صادق بالله وعلى أنك لا تحنى رأسك إلا لله .. فهو ممسكها ومرسلها وهو الذي يقبضها وإذا شاء أرسلها .. وتمنيت من كل قلبي لو أن جميع علماء الدين الإسلامي في بلادنا – خاصة علماء السلطة – لو كانوا مثلك ولكن لا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل حفظك الله وأكرمك الله ..
ولكنني أسمح لي يا عزيزي أن أوضح لك خطأ بسيطا جاء في الرسالة الرابعة. وهو قولك بأننا سوف ننادى يوم القيامة بأسماء أمهاتنا وهذا غير صحيح لأننا سوف ننادى يوم القيامة بأسماء آبائنا مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم أحسنوا أسمائكم وأسماء أبنائكم لأننا سوف ننادى يوم القيامة بأسماء أبنائنا فقال سيدنا طلحة : يا رسول الله هناك يوم القيامة مئات طلحة فمن أين أعرف أنى أنا المقصود ؟ قال صلى الله عليه وسلم يا طلحة حينما ينادى على طلحة لن يقوم إلا أنت .. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذا أستاذي العزيز ما جاء في الحديث الصحيح أردت توضيحه إلى سيادتكم جزاكم الله عنا خير الجزاء
وتحياتي لك ولأسرة "الشعب"
أخوك
عبد المنعم الجابرى
(مواطن مصري)
بسم الله الرحمن الرحيم
من أنت يا محمد عباس؟
من أنت يا رجل أستحلفك بالله..
ومن أي كواكب وقعت علينا في هذه الآونة الرهيبة المريبة، وما هذه الإمكانات التي خصك الله بها دون مئات الملايين من المسلمين، وكيف جمعتها ؟ ثم كيف ركبتها ؟ والأغرب كيف عرضتها ؟ هل أم أنت مارد من الإنس أم من الجان؟ هل أنت ملاك ؟ كيف أوتيت الشجاعة .. كل هذه الجرأة .. كل هذا الإقدام ؟ كيف اجتمعت فيك شهامة مئات الملايين من المسلمين وبلاغتهم وفصاحتهم ونبلهم وفضلهم وحسهم، صاروا جميعا خرسا وتحدثت وحيدا بألسنتهم.
كنت كثيرا ما أتساءل : أليس فيكم يا أمة الإسلام رجل رشيد ؟ والرجل الرشيد في التاريخ الإسلامي العظيم هو ذلك الرجل يحذر أمته من ارتياد مواقع التهلكة أو السير في دروبها والانصياع لمدبريها فهل أنت يا بن عباس هذا الرجل ؟
وهل وصل بنا في مصرنا كل هذا الهوان، وكل هذا الضياع ؟ يتلاعب بنا أبناء صهيون حفنة من الملايين من البشر المطاردين في كل بقاع الدنيا المشردين يسوسون العالم ونحن تحت أقدامهم هل منا من قبل هذا الحال ورضى به ؟
كثيرا ما يتساءل المرء : كيف تصاغ القوانين في مجلس الشعب ولماذا لا تكون في صالح الأمة حتى ؟ جاء ابن عباس وفسر ما في بروتوكولات حكماء صهيون ويتساءل المرء كيف لماذا يتقدم أصحاب السوء ويتأخر غيرهم في ارتياد المناصب العليا حتى جاء ابن عباس وفسر.
لماذا يتقدم الراشون والمرتشون والرائشون ويتأخر غيرهم حتى جاء ابن عباس وفسر..
لماذا يتقدم الفاشلون ويتأخر الناجحون .
لماذا خابت الزراعة، وخاب النحل، وهلكت الصحة، ودخل الإيدز، وضاعت القيم واندثرت المثل العليا حتى جاء ابن عباس وفسر.
أين فكرنا أين عقولنا ؟ مللت من وضع علامة الاستفهام فهي محيرة بل فيها يأس وإحباط فالعلامات كثيرة تحتاج الملايين من ابن عباس ليجيب عليها ولكنه تطوع وصنع توكيلا عاما من مئات الملايين من البشر المنتسبين إلى الإسلام ليتحدث باسمهم، ولعله يكون كالرجل الذي حكى عنه الهادي البشير (ص) ذلك الرجل الذي حذر أمته من هجوم غادر فمنهم من استمع له ونجا، ومنهم من كذبه وهلك .
فيا أمة الإسلام اقرءوا إن شئتم النجاة بروتوكولات حكماء صهيون واحذروها واقرءوا إن شئتم النجاة برتوكولات ابن عباس وعوها.
اللهم اجعل ساستنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
وولى علينا خيارنا لا خيار أبناء صهيون وأذنابهم فهؤلاء الأذناب أشد علينا من أعدائنا قاتلهم الله جميعا بأيدينا ..
دكتور
سعد الحلواتى
مدرس التاريخ الحديث بجامعة الأزهر
من مواطن مصري إلى الرئيس مبارك
الحلقة الأخيرة
عام سعيد يا سيدي …
كل عام سعيد يا سيدي …
اقرأ يا سيدي الجزء الأخير من رسالتي إليك..
اقرأها ولا تكتف، ولا تصدق أيضا، رد أبى جهل عليها ولا تقرير أبى لهب عنها ولا استنكار ابن أبىّ لها .
لا تصدقهم ..
فهم يا سيدي سيقولون في قولي لك ما قد قاله أبو جهل قبل ذلك للمسلمين السابقين …سيقولون مثلما قالوا في محاولات إبراهيم شكري لرأب الصدع بيننا وبين ليبيا وسوريا والعراق، وهو لا يحزننا لكنه يخفينا على مستقبل الدين ومصير الأمة . لا يحزننا ولا ينقص من كرامتنا حتى لو ألقوا الروث على رؤوسنا كما فعل أجداد لهم مع سيد الخلق وأكرمهم عند الله، صلى الله عليه وسلم … وفى المسجد الحرام .. عند الكعبة …
أجل لن يحزننا ما يقولون فأي قائل أكمل من سيد المرسلين وقد قالوا أنه مجنون ؟ وأي كلام أجل من كلام رب العالمين وقد قالوا أساطير الأولين ؟ ..
اسمعنا نحن، فإن المواطن العادى ذا العقل السليم يستطيع التفكير خيرا من أعظم كتابكم الذين تصدر عنهم أفخم الكلمات بأضخم الأبناط، لكنهم إذ يفعلون تحولّ عيونهم فعين على سيف المليك وعين على ذهبه.
لقد أكلوا خبزكم فكان عليهم أن يحاربوا بسيفكم، كتاب سوء وعلماء ومسئولي سوء يسخرون مواهبهم لمسخ الدين ومحو الحق، ولتحويل دين الحرية إلى سبيل للظلمة والمستبدين لإحكام قبضة ظلمهم واستعبادهم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
اسمعنا فنحن عماد الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء، فليكن صغوك وميلك معنا، أما خاصتك يا سيدي، فوالله ما من أثقل عليك مؤنة في الرخاء وأقل معونة عند البلاء وأكره للإنصاف واسأل بالإلحاف وأسرع تنكرا عند ملمات الدهر منهم .
اسمعنا فإن الوضع الآن خطير ورهيب، ولقد سقط من التاريخ سبعون عاما فعادت حضارة الغرب قوية ضارية بعد أن استأصلت أورامها النازية والفاشستية والشيوعية، عادت متحدة لتواجه بقايا مهلهلة لإمبراطورية الإسلام التي طالما أرعبتهم .
ولقد كانوا مشغولين عنا فوضعوا أمامنا إسرائيل كالرداء الأحمر أمام ثيران تندفع تجاهه فتجيئا السهام والصواريخ والقنابل من كل خلف .. ليست القضية قضية حدود 73 و 67 و لا حتى 48، ليست القضية وجود إسرائيل كلها، جديدة وقديمة، وهى قضية لم يكتب لنا النصر فيها ولن يكتب حتى نواجههم متحدين كما يواجهوننا متحدين .. فإسرائيل ليست سوى الرداء الذي يشغل الثور عن عدوه الحقيقي.
اسمعني يا سيادة الرئيس فالغضب في قلب الأمة شواظ نار محرقة لا يخفى ضريمها إلا بحور من اليأس لا من رحمة الله .
اسمعني، فبرغم يقيني أن ليس لها من دون الله كاشفة إلا أنني أوقن أيضا أن الله لن يكشف الضر عنا حتى نغير ما بأنفسنا .
اسمعني فقد اجتويت المقام، لكن ليس لي في الدنيا وطن آخر أعيش وأموت فيه ويعيش فىّ، وليس لي من رئيس سواك أناشده المرة تلو المرة، رغم أنهم يجهدون دائما أن يبعدوني عنك ويبعدوك عنى، ولطالما طمعت فيك أن تكون راعيا للدين حين تمكنت منه الذئاب وأسلمته رعاته .
يخيل إلى أحيانا أنك تغيرت كثيرا عنك في بدايات حكمك، وانك نسيت، لكنني في ليلة القدر هذا العام وجدتك في التليفزيون فإذ بك تنطق آيات وددت لو تلوتها عليك، أن أنبهك إليها فقد تكون نسيتها، وأردت أن أذكرك فالذكرى تنفع، لكنك تعرفها إذن، تعلمها، ألا تعلم أيضا أن أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه .
وانتهت يومها خطبتك لأفاجأ بنشرة الأخبار وفيها تطلب أنت من مجلس الأمن أن يؤجل قراره بإدانة ليبيا – 24 ساعة – حتى لا يتوافق صدوره مع ليلة القدر.
لماذا تنصحهم بعدم استفزاز الأمة في ليلة مباركة، أخوفا من ثورة الأمة عليهم، أتحذر الأمة أم تخدرها، أحرام في ليلة القدر حلال في غيرها ؟ ..
ماذا يمكنني أن أقول لك، ماذا ؟..
كيف أفهمك وكيف تفهمني ؟..
هل يدهش داهش بعد ذلك إن جاء دفاع مجرم العتبة ليطلب تخفيف الحكم أو حتى البراءة لأن الجريمة وقعت بعد الإفطار لا أثناء الصيام ؟!..
إن رد الفعل العفوي للأمة بالنكتة أو الشائعة لا يقل أهمية عن الفن العظيم، وهو مثل الفن تيار وجداني مواز للواقع وقد يكون أكثر صدقا، ذلك أنه يتخفف من أعبائه وليست عليه تبعاته، ومن هنا تتبدى أهمية دراسة العادات والتقاليد والفلوكلور، فمن خلالها يتم التأثير في المجتمع وفهمه .
لا تأخذوا صمت المجتمع إذن بمعنى الرضا، ولا سلبيته بغرض العزوف، فهو مجتمع ما زال البسطاء فيه يطلقون على الملاريا اسم " المبروكة " وعلى العفريت اسم " بسم الله الرحمن الرحيم" لكنهم أيضا ذات البسطاء الذين تجاهلوا الاسم الحقيقي لصفقة الأتوبيسات – وورد – ليطلقوا عليها في عفوية عبقرية أسم : كارتر معربين للدنيا أنهم يعرفون منبع الفساد ومكمن الخطر.
ومن هذا المنطلق نفسه نستطيع أن نتفهم اشتعال الوجدان الشعبي بحادث العتبة، والذي كان كلحن جنائزي صادف قلب ثاكل، كقصيدة شعر تعبر عن هموم لا يستطيع المهموم نفسه أن يعبر عنها، وربما لا يستطيع أيضا أن يفهم ما في أعماق نفسه حتى تضئ القصيدة له جوانبها المظلمة، جوانبها المرعبة الموحشة التي لم يكن يستطيع مواجهتها ولا فهمها دون القصيدة التي قرأها صدفة، ولقد جاء حادث العتبة ليضرب في لحظة عبقرية على الوتر الصحيح، ليعزف اللحن الذي لم نتخيل أبدا سماعه وليقول الكلمة التي لم نجرؤ على نطقها، وليجسد الوضع النفسي الذي وجدنا أنفسنا فيه، فكان الحادث مفتاح الحل للغز حرنا في فهمه..
لقد كان العراق بالأمس – وليبيا اليوم وسوريا غدا ومصر بعد غد – هي الفتاة. وكان المعوق الذي ساعد – دون أي مبرر – هم من أيدوا الغرب بقلوبهم وأيديهم وكان المغتصب الغرب .
وكان الأربعمائة متفرج هم الأمة التي وقفت ساكتة وعرضها يستباح وبكارتها تفض.
أبعد كل هذا التاريخ من بطش الجهلاء ونفاق العلماء تطلبون الإيجابية من الناس؟..
ألا يسحق من يفكر مجرد تفكير أن يغير منكرا بيده ..؟
ألم يفت علماؤكم بأن تغيير المنكر مقصور على ولى الأمر، ما لهم يدينون الأمة إذن وقد دانت لهم بالطاعة ؟ أليست هذه السلبية غرسكم، وذلك الحنظل زرعكم، وذلك القتاد ثماركم ؟
ها هم أولاء رعاياك يا مولاي ساكتون، أنصاف رجال وأشباه بشر .
سكتوا كما سكتوا على العراق وكما يسكتون عن ليبيا اليوم
وأنا يا سيدي والله لست من مريدي القذافى ولا من تابعيه.
لم أقرأ الكتاب الأخضر قط، ولا أعرف حتى الآن شيئا عن النظرية الثالثة ولم يرشني القذافى بمال، فلا تدع كتبتك يتهموني بذلك ظلما كما اتهمت أنت يوسف إدريس ذات يوم وأنت له ظالم ..
لا تربطني به صلة إلا الدين والهوية والأمل والألم واللغة والتراث والتاريخ المشترك والمصير الواحد، وهى كما ترى سمات تجمعني بمن أحب ومن أكره، تجمعني حتى بحكام باعونا، لكن ليس ثمة رباط شخصي، وبالرغم من ذلك، أو على الأحرى لأجله، وفى عشية 15 أبريل – حين فرضوا على ليبيا الحصار – جافاني النوم، ثقلت على الهواجس والهموم، والله والله والله يا سيدي طلبت الموت، تمنيته على الله، استعدت كلماتك عندما أنذرتنا أن الأيام القوادم سود، تخيلت أنني إن عشت إلى قابل فسوف أصحو ذات ليلة على ضابط أمريكي يطرق باب بيتي يأخذني كي يحاكمني : أنت متهم بالادعاء أن لك ربا غير بوش، وأنك تعادى آلهتنا، وأنك تؤمن برسل غير وزراء خارجيتنا ودفاعنا وأنك ما زلت تؤمن بأساطير الأولين فأقول له : أنى أعترف، فيأخذون أهلي رهائن ثم يأتي " بولدوزر" هائل يحمل نجمة داود يهدم بيتي..
والله يا سيدي أقولها حقيقة لا خيالا أنني أعتقد – إن استمر الحال كما هو – أن يكون محافظ مدينتي في غد قريب أمريكيا في غد غير بعيد إسرائيليا.
ليلة 15 إبريل كنت قد أنهيت كتاب محمد حسنين هيكل عن حرب الخليج، وكان حزني فاجعا، حزن غريب الأبوين ما مخضته بطن، فها هو ذا محمد حسنين هيكل يستشرف رؤى الإسلام والمسلمين كما لم يستشرفها من قبل، فيصول في التاريخ ويجول ليضع ما يحدث لنا، للعراق وليبيا ومصر في مكانه الطبيعي والحقيقي من بانوراما التاريخ الهائلة، إذ حاول الغرب منذ ألف عام في حروبه الصليبية أن يحطم قلب العروبة والإسلام متمثلا في مصر والشام، لكنه بعد مائتي عام من المحاولات عجز عن تحطيم القلب بالمواجهة فقرر تحطيمه بالالتفاف، بقص أجنحة العالم الإسلامي، وتم له ما أراد بالاستيلاء على الأندلس غربا وعلى الهند شرقا، ومن الهند سيطر على شبه الجزيرة العربية، وليرسم ضابط بريطاني الحدود بين إماراتها وممالكها، تلك الحدود التي شتتت قوانا بالفرقة ثم ضيعتها في عاصفة الصحراء بين الرمال السافيات هباء . ليكون تحطيم العراق وليبيا هو الخطوة الأخيرة مخططهم القديم نحو مصر.
سيدي الرئيس : يذكر هيكل واقعة عن قرارات القمة العربية في القاهرة بعيد غزو الكويت، واقعة فاجعة، الفاجع أكثر أنني – وقد تلاشت التخوم بين العقل والجنون- على استعداد لتصديقها، فالقرارات التي عرضت على الجلالات والفخامات والسماوات كانت ركيكة الصياغة بدرجة تشي أنها ترجمت إلى اللغة العربية على عجل، ولم يكن لدى المترجم الحصافة أو الوقت ليغير التاريخ من أول أغسطس إلى الثاني من أغسطس بالنسبة للعالم العربي وأوربا، لكن فرق سبع ساعات في التوقيت بيننا وبين واشنطن جعل فجر 2 أغسطس عندنا هو مساء 1 أغسطس عندهم، وكان 1 أغسطس هو التاريخ الذي ورد في مشروع قرارات الجلالات والفخامات والسماوات، كان الأمر واضحا وفاضحا، لقد أعدت قرارات مؤتمر القمة العربية في واشنطن، ولم يكن لديكم من الوقت حتى ما تغيروا فيه فارق التاريخ الناتج عن فرق التوقيت.
ولم يكن صباح 15 إبريل بأمثل من ليله، كانت السكين التي ذبحتني في العراق تشرع لذبحي في ليبيا، وكنت أفرج كربى بطرحه على زواري، لكن ما وجدته لم يكن دون القتاد شوكا ولا العلقم مرارة .
كان زائري الأول شابا يحمل درجة الدكتوراه شديد التدين والصفاء وأجابني حين سألته عن رأيه فيما يحدث بأنه شديد السعادة لأن الله يسلط الظالم على الظالم، وأردف موضحا : أليس هذا هو القذافى الذي أنكر الأحاديث وحرف القرآن ؟.
أرأيت يا سيدي ماذا يفعل الإعلام حين يكون غبيا، بذيئا، يشوه وجدان صفوة عقول الأمة من أجل مصالح آنية دنيئة ووضيعة .
أم لعلك نسيت ادعاء الكثير على صدام وأسمائه الحسنى، وعلى القذافى والخميني وجمال عبد الناصر وأحمد عرابي وكل من كفر بإمبراطورية الشر، لا أبرئ أحدا ولا أبرئكم لكنني أدين الكذب أينما كان .
كان زائري الثاني في ذلك اليوم طبيبا شهيرا يمثل صفوة الأرستقراطية المصرية النظيفة، وكان رأيه وهو يجادلني أن الأمر لو عرض على الشعب المصري في استفتاء لأيد الشعب موقف مبارك، فنحن نتعاطف مع الشعب الليبي لكن لا أحد مستعد للمشاركة في مصير محتوم لن يغيره مشاركتنا له، وقلت له: رأيك مثلهم ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، فلكي تستفتى استفتاء حقيقيا يجب أن تفتح وسائل الإعلام كلها لكل الآراء، ليس لمدة ربع ساعة كما فعلوا في سوابق لهم، وإنما لمدة ربع قرن ، ثم أن افتراضك الثاني خاطئ ومدمر، ذلك أن مصير ليبيا هو مصيرنا جميعا مع فارق التوقيت، وأطرق صديقي وقد تزلزل يقينه حين تذكر ما أنبأته به حين حرب الخليج، أنهم لن يحلوا قضية فلسطين، وأنهم سيصطادون الدول العربية والإسلامية دولة بعد دولة، و أن دور مصر آت لا مناص، وحينها، إن كان قد بقى من الدول العربية شئ فسيقفون منا ذات الموقف الذي تقفه أنت من ليبيا .
كان الزائر الثالث من عامة الناس على مشارف السبعين من العمر، وسألته ماذا فعلت بالأمس، وأجاب الرجل أغلقت على باب حجرتي وظللت طول الليل أبكى، كل ما عشت من أجله ينهار، وكل ما خشيت منه يتحقق .
ولم أفهم الدلالة الكاملة لذلك يا سيادة الرئيس إلا بعد أسابيع عندما نشر فهمي هويدى مقاله فذة .. شديدة الروعة مشتعلة بالآلام والمرارة بعنوان : " تقرير عربي عن الفتنة الأمريكية " كانت قمة جعلتني أشعر أنه يكتب بل يرقص مذبوحا من الألم، كان السر الذي لم يكشفه فهمي هويدى لقارئه أنه بدل الأدوار فتخيل يا سيادة الرئيس أن حاكما عربيا هو من يحكم الولايات المتحدة الأمريكية، وأن كتبتكم هناك هم كتبتكم هنا ووزراءكم هناك هم وزراؤكم هنا، وبأسلوبه الرصين المتميز أخذ يسرد بأسلوب شديد الجدية والسخرية والمرارة تفسير ما حدث في لوس أنجلوس على أنه مؤامرة من الأصوليين الإسلاميين لهدم أمريكا .
ما حدث بعد المقالة يا سيادة الرئيس كان مذهلا، كان فضيحة وكارثة للعقل المصري، إذ لم يفهم المقالة سوى أقل القليل، لم يدرك أحد مرارة السخرية فيها، وهتف أحدهم في يأس : ولماذا لا يسقط فهمي هويدى هو الآخر مع من سقطوا، هذا جيل أضناه الكفاح دون جدوى حتى سقط واحد من أعظم رواده : خالد محمد خالد – وهو يصرخ : "أدركنا بها يا بوش" فجعل من بوش صلاته وإلهه : فلماذا نتوقع من الناس إذن أن يفهموا، وقد بلغ بهم اليأس مبلغ أن أحدا عندهم لم يعد محصنا ضد السقوط.
إبان "غاشية" الخليج تضاربت الخواطر والحلول في رأسي، لكنني كنت أردع نفسي بأنها حلول مجنونة، ولم تكن مجنونة لأنني مجنون وإنما لأن حكامنا موجودون.
فكرت أيامها يا سيدي أن تتحد العراق والشام وشبه الجزيرة العربية و مصر لتعود كما كانت في عهد الفاروق عمر، ألا تستمر كما هي في عهد الخليفة بوش .
وأفكر الآن أيضا أن نحل مشكلة ليبيا بطرح ما قامت أكبر ثوراتكم في الظاهر بسببه " ثورة 15 مايو في بداية السبعينات" ألا وهو مشروع الوحدة بين ليبيا ومصر والسودان . ألم تعينوا له رئيسا، أكانت وحدة أم خداعا لأمة و إلهاء لها لا يقصد صالحها وإنما هي مناورات دنيئة للعبة الكراسي لكنها لا تجوز للإنقاذ؟
لكنك يا سيادة الرئيس ترد بأن الوحدة تحتاج لظروف لم تكتمل وقد يكون رأيك صحيحا في وضع أخر لا نملك الآن رفاهيته فعندما يكون الفناء محدقا بنا جميعا يحل لنا أكل الميتة أفلا تحل الوحدة ..
إن الغرب يطالب ليبيا بتغيير نظامها وإجراء انتخابات حرة فهل يسكت إذا ما طلبنا نحن بإجرائها في كافة أرجاء العالم العربي والإسلامي، في السعودية مثلا .. أو حتى مصر ..
يا سيدي :
ناشدتك الله أن تنظر في أحوال أمتك نظرتك عندما كنت واحدا منها قبل أن يوليك الله عليها . عندما كنت ترى – مثلنا – أن كوارثنا الاقتصادية تتلخص بإعجاز في قولك معنا لهم : لقد أخذتم المال في غير حله فوضعتموه في غير حقه، وجعلتم المال دولة بين الأغنياء منكم ، حين كان رأيك لبد رأينا ورأينا رأيك في أن سبب كل التوترات التي يحفل بها مجتمعنا ليس إلا الطغيان والاستبداد، فلا بد للحاكم المستبد من فئة مستغلة تعينه وتؤيده وتأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف لتتسلط معه وتستأثر بما تشاء من جاه وثراء، وهى في سبيل ذلك تهدم الدين والقدوة والمثل لتترك الأمة خائرة ضعيفة مهزومة من الداخل قبل أن تهزم من الخارج، حين كنا – كنت – نرى أن فرط الغنى وفرط الفقر يؤديان إلى تآكل صلابة الدولة.
أتذكر أحيانا مسرحية جون أوسبرز " أنظر وراءك في غضب " حين يقول أحد أبطاله أن خلف كواليس السلطة الرسمية يوجد خمسة أو ستة أفراد لا يعرفهم أحد لكنهم هم مصدر السلطة الحقيقية . لكن السؤال الذي يطعن القلب هو لمصلحة من ؟؟ من يملك السلطة ؟؟ ..
وتاريخنا يا سيدي يحوى كثيرا من السلاطين عجزوا عن إدارة أهون أمورهم، حتى شئون قصورهم، حيث تولاها بالرغم منهم الطامعون الغاضبون المتآمرون على الدين والوطن والأمة، حيث جرد الخليفة أو الملك أو الرئيس أو الأمير أو السلطان أو الإمبراطور من كل سلطانه وكل سلطاته مقابل وعد بأن يبقى التاج على رأسه وإن كان لا يحكم، لكن هذا الوعد قد تمخض دائما عن سقوط رأس الحاكم واقعا لا مجازا كي يبقى التاج بعد ذلك في يد أعداء وطنه وأمته ودينه . لي الحق يا سيدي إذن أن أخاف، ولى الحق أن ألقى السؤال تلو السؤال عن هذا الذي يحدث ؟ أيحدث بوعى وإدراك ؟؟ أم أن ما مارسه الأعداء والسلطة من تزييف وعى الأمة قد ارتد على الحكام فلم يعد أمامهم بيانات صادقة تمكنهم من تكوين رأى صائب .
سيدي : ليتك قرأت ما ورد في كتاب أثرياء الشرق للصحفي الألماني الشهير " جرهارد نزلمان " هذا الكتاب المأساة الذي يتناول فيه كاتبه – بموضوعية مذهلة – الموقف الإجرامي للحضارة الغربية تجاه العالم العربي والإسلامي، كيف ينهبوننا؟ كيف يسرقون منا الحاضر والمستقبل، ومجرد الأمل في حياة كريمة ؟ وأنه إزاء ذلك لا يردعهم رادع ولا يعوزهم وازع، فالغاية تبرر الوسيلة، وكل شئ لهم مباح، ولسنا بالنسبة لهم سوى فصيلة من العبيد أو الحيوانات المتطورة .
ولم أختر هذا المثل الذي يتحدث عن السلطان قابوس كراهية فيه ولا إغاظة لكن – فأنا أعرف أنه صديقكم الوفي الحميم – ولكن لأنه هو الحاكم العربي الوحيد الذي امتلك فضيلة الصراحة للاعتراف بنوع شرعية حكمه . أتعتقد يا سيدي أن الباقين يختلفون ؟؟؟ ياله من أمر محزن يا سيدي أن يظن رعاياكم – وبعض الظن لا كله إثم – أن أعداء الأمة لم يتسللوا إليها من خلال أوباشها بل من خلال أرؤسها..
فأولئك الحكام الذين يرتدون رداء الإسلام يسهمون من خلال مخططاتهم في تشكيك الأمة بصلاح دينها لممارسة حياتها وحكم أمورها، وتلك والله والله فرية عظمى وإفك أكبر . لكنها وقرت في أذهان البعض لأن تاريخ الحكام الأسود إذا حسب على الإسلام فهو مروع ورهيب ولم يكن حكمهم حكم الإسلام وإنما اغتصابا يرتدى غلالة مزورة يدعى أنها الإسلام.
إنكم يا سيادة الرئيس غير قادرين على حوار، لأن أي حوار يتضمن افتراض خطئكم واحتمال صوابنا، ولأن الحوار يتطلب أيضا افتراض تساوى أطرافه . لقد نهانا القرآن يا سيدي – ونهاكم أيضا – أن نتنابز بالألقاب لكنكم تنابزتم بالقرآن الكريم والحديث الشرف . وبأسماء الله الحسنى .
منذ عشرات الأعوام عندما أطلق الإعلام الغربي الصهيوني الفاجر صكوك غفرانه وشهادات الكفر والإيمان، كانت الخطة أمامه مكتملة ينفذها خطوة خطوة ولم يلاحظ من فقهائنا فقيه أن دعاوى الكفر لم تصب إلا أعداء أمريكا و إسرائيل، ولم يكن الأمر بالنسبة لهم كمثله عندنا مجرد حشو لصفحات الصحف بالحروف ولأجهزة الإذاعة والتليفزيون بالكلمات والصور، كان تنفيذا لخطة كاملة شاملة تفقدنا – نحن الأمة – التعاطف معهم كي يضربونا نحن في النهاية . وكان المرجو من فقهائنا أن يحمونا، لكن بلغ الأمر ببعضهم أن فسر آية " وشاورهم في الأمر " على أن الأمر القرآني موجه للرسول صلى الله عليه وسلم لا إلى الحكام، وأن هذا دليل على وجوبه على الرسول لا على الحكام . إبكوا كثيرا، واضحكوا قليلا .
والله يا سيدي لكأننا من أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولدنا في الجور ولم نعرف غيره .
يا سيدي :
عندما يهدر الأفراد الشرعية فمن واجب الدولة أن تتصدى لهم يساعدها المجتمع فإن أهدرت الدولة نفسها الشرعية فكل شئ مباح .. ولقد حمد ابن الخطاب الله يوما أن جعل في أمته من يقوم اعوجاج عمر بسيفه .. أما أجهزة أمنك فهي تسحق سحقا أولئك الذين يقومون اعوجاج منحرفيكم بألسنتهم . أما الذين تتفضلون عليهم بعدم السحق فأنتم لا تمنون عليهم إلا بآذان بها وقر، وقد لا تعلم يا سيادة الرئيس كم تعذبنا عندما كان الدكتور حلمي مراد يكتب مقالاته الرصينة المهذبة، التي لا تخدش حياء ولا تكشف عورة، باذلا النصح لكم من أجلكم، ومن أجل وطنكم وأمتكم ودينكم، وفى البداية ما من مرة كتب إلا ظننا أنه كشف لكم ما التبس، وأوضح أمامكم ما عميت عنه البصائر والأبصار، وأنكم لابد منصفوا الحقيقة ولو من أنفسكم، بيد أن صمتكم كان يذبحنا، وعندما ارتفعت نبرات ذلك الرجل العظيم، ووضحت إشاراته لحد الفضيحة، قلنا أنكم سترسلون من يستر ما انكشف من سوأة أخيكم، لكن حتى ذلك يا سيدي لم يحدث، فظل واخوة له يسوموننا الحكم بسوءات عارية ومساوئ بادية ولم يجد حلمي مراد مناصا من تسليم خطاب تلو خطاب، ومناشدة تلو مناشدة إلى رجالك كي تكون الحقيقة أمامك، لكن شيئا لم يتغير واضطر الكاتب الوطني الكبير بعد اليأس أن يضع للأجيال القادمة كتابا يتضمن ما يحدث من فساد في قطاع البترول، ولم يكن الخلاف حول مبادئ يجب ألا تختلف عليها – لكننا للأسى اختلفنا – ولا حول نظريات يمكن بل يجب أن نختلف عليها، ولكن خلاف حلمي مراد – ومعه الأمة – مع حكوماتنا وكنا ننشد فقط ألا تكابر الأجهزة عندما يكون الفساد فادحا مكشوفا موثقا بالأدلة والمستندات، لكنهم يا سيادة الرئيس كابروا وعندما آن الأوان الذي لا نعرف له سببا وأقيل بعض المفسدين كنا ندرك أن هذا ليس رجوعا إلى الحق وإنما خلاف حول باطل .
وبعد ذلك وقفت الدولة بقضها وقضيضها تساند الفساد وتعضده، حتى لتكاد النكتة الشعبية الشائعة تتحقق : عندما حكمت ببراءة المتهم وحبس المحامى .
ولو أن الأمر يا سيدي كان يقتصر علي فساد جهاز أو هيئة لهان، لكنه فساد نظام ومنهج، يفسد فيه الفاسد غير الفاسد، فإن لم يستطع عزله عن التأثير على المجتمع و شهّر به وافتأت عليه .
لقد اقترن عهدك يا سيدي الرئيس بالقروض بأكثر مما حدث في عهد إسماعيل وأنت تعرف ما حدث بعده .
ولقد كان ترك شركات توظيف الأموال في غيبوبة القانون مأساة، وكان اغتيالها بالقانون كارثة . كذلك كان ترك البنوك الأجنبية تنهبنا وبنك الاعتماد والتجارة يهدر مقدرات مواطنيك مأساة وكارثة .
والطريقة التي يباع بها القطاع العام الآن، والطريقة التي يعامل بها القطاع الخاص المنتج – خاصة في مجال استزراع الصحراء – مأساة وكارثة .
والطريقة التي تدار بها الصحف الحكومية والإعلام والثقافة والفنون مأساة وكارثة .
ونظام التعليم من أدناه إلى أعلاه مأساة وكارثة .
كذلك نظام الشرطة والجامعات وربما الجيش .
إن ريتشارد نيكسون يحدد – في كتابة : انتهزوا الفرصة – طريقة انهيار دول العالم الثالث، وخروجها من التاريخ فيما يحدث عندنا الآن .
ويقول فوزي منصور في كتابه : " خروج العرب من التاريخ" إن التاريخ قد يغفر لأمم أن تنهزم لكنه لا يغفر لها أن تعطى للتاريخ ظهرها" .. فلماذا نفعل ذلك يا سيادة الرئيس، ولماذا نجعل على رأس أجهزتنا حكاما لو اختار أعداؤنا ما اختاروا غيرهم .
سيدي الرئيس :
لا يثمر الكذب إلا كذبا ولا ينبت الشر إلا شرا، ولا تسفر الخطيئة عن حلال، لذلك أقول لك أن خطأنا في المنهج، وهو خطأ كفيل إن لم تتداركه بانهيار مخيف، وصدقني أنني أخشى انتقام الله منك ومنا، أخشى أن ينتهي عهدك نهاية كابوسية تنهار فيها السدود والأنفاق، وتنفجر مياه الصرف وتشتعل أنابيب الغاز ومصافي البترول، وتغرق السفن وتنتشر الأوبئة، وتكسد التجارة وتخسر المصانع – التي أدت غرضها لمن أقامها بمجرد قبض العمولة عليها –، أخشى أن تتحول بلادنا، كما تحولت بلاد أخرى إلى مسخ أوطان ترتكب فيها الشرطة أعتي الجرائم وتنشر المخدرات، ويهدد العسكر أمن الوطن، ويتخلى القضاء جالسا وواقفا عن تراثه العتيد، فيتاجر بالعدالة، ويتحول الأطباء إلى مصاصي دماء يتاجرون بالبشر، أخشى تراجع القرى إلى عصر الخراب والمدن إلى عصر الغابة، أخشى أن ينهار المجتمع كله.
أجل …وعند ذلك تأتى إسرائيل لتحكمنا .
فمن أجل أبنائي وأبنائك صن.
من أجل الأمة والعرب والمسلمين صن.
في سبيل الله صن
فليس الأمر أمر هيئة ولا مؤسسة ولا حكومة وإنما المجتمع كله، الأمة والتاريخ والدين والحضارة، وليس كل ذلك فقط . وإنما توشك الأرض أن تميد تحت أقدامنا، أن ننتهي كجغرافيا وكمجرد وجود بيولوجي.
أنت لا تملك الوقت يا سيدي كي تقرأ كما نقرأ، استدع إذن أستاذا في التاريخ وأسأله، أي أستاذ، حتى لو كان الدكتور عبد العظيم رمضان، استدعه وأسأله عن تماثل ما يفعله الأمريكيون بنا، وما فعلوه بالهنود الحمر، حتى أبادوهم عن بكرة أبيهم وزعيمهم يصرخ في أسى : إنهم يتحدثون دائما عن السلام لكنهم لا يطبقونه أبدا .. سله يا سيادة الرئيس إن كانوا قد وفوا بعهد قط، إن كان قد منعهم مانع أو وزعهم وازع أو ردعهم رادع، لقد وصف ريتشارد نيكسون بعض دولنا بأنها مجرمة لكننا نرى أن أمريكا هي أكثر الدول وأبشعها إجراما في التاريخ، لكن عبد العظيم رمضان لن يقول لك كل هذا فحاول أن تعرف الحقيقة منا لا ممن حولك، فإننا نظن – وبعض الظن حق – أنه يكاد ألا يكون أحد منهم إلا ويكذب عليك، ما من أحد يقول لك رأيا يعرف أنك لا تراه، ما من أحد منهم يكتب مقاله يبحث فيها عن حقيقة ينزف في تلافيفها قلبه، وهو يحاول أن يستقطر منها الحكمة كي يقدمها إليك، إنما يا سيدي – وتلك كارثة - يتلمسون اتجاهك، يحاولون معرفة رأيك كي يؤكدوه لك ويبرروه لنا، وهم بهذا يكفون عن الكينونة بشرا ليكونوا مرايا، لا ترى فيها أحدا إلا نفسك، يكفون عن الكينونة بشرا ليكونوا خبثا يعزلك عن ضمير الأمة، وآمالها وآلامها وعنائها، أعظم من فيهم يا سيادة الرئيس شيطان أخرس لا يأمرك بمعروف ولا ينهاك عن منكر، أعظم من فيهم يتجنب إبداء رأيه لأنه يعلم أنه يخالفك، أما الآخرون فقد حسبوها حسبة أخرى، فأنت بالنسبة لهم أكبر استثمار في حياتهم، كلما وافقوك أكثر كانت مغانمهم أكبر، ثم أن عقابك عاجل وعقاب الله آجل، و غرتهم الأماني فحسبوا إمهال الله نسيانا، ثم رأوا رأى العين في كلمة الحق ابتلاء، وأن قائل الصدق في أحسن الأحوال عندكم مذموم مدحور محاصر بأجهزتكم التي تطلق عليه الشائعات أحيانا والكلاب أحيانا أخرى .
ماذا يفيدك يا سيدي أن تفقأ عيون كان المأمول أن تكون عيونك .
ترى حين أفقأ عينيك وأثبت جوهرتين مكانهما …
ترى هل ترى ..
هي أشياء لا تشترى …
أجل يا سيادة الرئيس فلنحاسب أنفسنا ولنحاسب بعضنا .. قبل أن يحاسبنا الله . وإن كان يسوءك اشتدادي عليك في الحساب اليوم فيوم القيامة أمام الله سيكون الحساب أشد … لكن الحساب يوم الحساب ..
فهل تشك يا سيادة الرئيس أن هذا اليوم آت …
لا أظن أنك تشك. .
لكن هل أعددت لذلك اليوم العظيم نفسك ؟..
يوم يقضى الله للجلحاء من القرناء، ويوم يسأل الجماد فيم نكب إصبع الرجل، هل أعددت نفسك يوم يسألك ونحن شهود لك أو عليك فماذا تفعل حينذاك ؟..
ماذا تفعل في هذا اليوم ؟.
ماذا تفعل في هذا اليوم ؟ يوم التكوير، يوم الانكدار، يوم التسيير، ، يوم التسعير، يوم التعطيل، يوم التسجيل، يوم السؤال، يوم الكشط والطى ، يوم الساعة، يوم البعث، يوم النفخة، يوم الناقور، يوم القارعة، يوم الغاشية، يوم النشور، يوم الحشر، يوم العرض، يوم الجمع، يوم التفرق، يوم البعثرة، يوم التناد، يوم الدعاء يوم الواقعة، يوم الحساب، يوم السؤال، يوم الشهادة، يوم التبديل، يوم التلاق، يوم الآزفة، يوم المآب، يوم المصير، يوم القضاء، يوم الوزن، يوم الجدال، يوم القصاص، يوم الحاقة، يوم الطامة، يوم الصاخة، يوم الوعيد، يوم الدين، يوم الجزاء، يوم الندامة، يوم التغابن، يوم الشخوص، يوم الشفاعة، يوم العرق، يوم القلق، يوم الجزع، يوم الفزع، يوم فرار، يوم الازدحام، يوم الحر، يوم العطش، يوم الانفطار، يوم الانشقاق، يوم الذل، يوم الخوف، يوم لا تملك نفس لنفس شيئا، يوم تبض وجوه وتسود وجوه......... فهل تشك يا سيادة الرئيس أن هذا اليوم آت ؟..
أنا واثق أنك لا تشك..
لكن إن كنت لا تشك في ذلك الهول كله ..
أفليس جديرا بك أن تدعو بالرحمة لمن يهدى إليك عيوبك . وأليس جديرا أن أهتف بك : أتق يوما كان عذابه مستطيرا ..
كان …
فعل الديمومة والكينونة ..
هي الفتنة يا سيادة الرئيس فابتغ الخلاص . أم حسبت أن تقول أمنت ولا تفتن .
ألم تسأل نفسك قط أين الملوك والحكام قبلك وقد بعدوا ونسى ذكرهم وصاروا كلا شئ، لقد بقيت عليهم التبعات وانقطعت عنهم الشهوات، مضوا والبنيان بنيانهم يملكه غيرهم .
فإذا لم نجرؤ نحن أن نسألك عن كل هذا..
أو إذا جرؤنا لكنك لم تعرنا اهتماما، فكيف ستواجه حساب الله سبحانه وتعالى لك يوم القيامة ؟..
إنني واثق أنك أيها المواطن مثلى بالله تؤمن .
لكن ..
لا إيمان بلا يقين ..
واليقين يهزم الزمن حتى يكاد يلغيه ..
وإنى لأكاد أراك رأى العين .. يحاسبك الله ويسألك الملائكة وأصابع مئات الملايين من وطننا ومن العالم العربي والإسلامي تشير إليك هاتفة :
- كان يستطيع يا رب .. لكنه لم يفعل ..
وأخالك يومها .. وحدك .. لا جيش ولا حرس ولا أمن مركزي ولا وزير داخلية يقلب الحقائق..
وكل نقطة قوة كانت لك في الدنيا هي عليك في الآخرة .. فهل أعددت عدتك للسفر يا سيادة الرئيس … للقاء ربك ..
أدمعت عيناك من خشية الله منذ أصبحت رئيسا للجمهورية أم غرتك القوة ؟ أنكصت عن فعل كنت تزمعه خوفا من الله . أو أقدمت على فعل لصالح رعيتك مبتغيا وجه الواحد القهار لا مبتغيا استمرار النظام ..
أقدرك الله علينا اليوم، فاتقيت قدرتنا عليك غدا أمامه ..
وكيف تجيبه حين يسألك عن جائع لم يجد طعامه .. وعار لم يجد كساءه، وقاطن بالمقابر لم يجد سكنا .. وعن مظلوم لم تنصفه وعن ظالم لم تنصره برده عن ظلمه .. وعن آمال ضيعتها وعن آلام سببتها وعن كذب لم تصححه وعن تزييف لعقل الأمة لم توقفه .. وعن أشرار وليتهم وعن لصوص ائتمنتهم، وعن أتقياء استبعدتهم، وعن حق هجرته، وعن باطل احتضنته، وعن أخ لك في الله جفوته حتى العداوة وعن عدو لله اصطفيته .. وكيف تجيبه حينما يسألك عن لصوص ومرتشين استنزفوا البلاد سكتّ عنهم .. وكيف تجيبه عندما يواجهك من عُذّب في عهدك .. وما بالك إذا أخذوا يقتصون منك بكل ما فعل بهم واحدا واحدا يا ابن الأكرمين .. وكيف تجيبه حين يواجهك الآلاف الذين استشهدوا في حروب الوطن .. أدافعت عن القضية التي استشهدوا في سبيلها، أم أن موقفك منها تلخص في حكمين فاجعين : حبس بطل مصر العظيم سعد الشاذلي وفى نفس اليوم الإفراج عن آل مصراتى ..أتشاذلي
أي عار ينكس القامات ويجلل الهامات.....
وليس حزننا من أجل الفريق الشاذلي كشخص فمثله لا يحزن عليه، بل به وله نفرح..
ولا حزننا من أجلك فما يزال باب التوبة مفتوحا أمامك .
وإنما نذكر نصر أكتوبر، نصرنا اليتيم الذي ليس لدينا سواه نفخر به ونعتز بذكره فنرى بطله الثالث – أنت يا سيادة الرئيس – يحبس بطله الثاني: سعد الدين الشاذلي .
ولعلك تتساءل الآن عن البطل الأول لحرب أكتوبر ..
سأجيبك :
أنا يا سيادة الرئيس ..
أنا..
أنا بطلها، أنا المواطن المصري العادى البسيط الذي لا حول له ولا قوة، أنا من لا رأى له يسمع ولا قهرا يمنع، آبائى وإخوتى وأبنائى هم فعلوها في رمضان وانتصروا، نحن الذين كافحنا ودفعنا دماءنا من أجل أن نكلل هامة الأمة والتاريخ بالانتصار .
فكيف لا يلبى بطل رمضان الثالث أمر بطلها الأول بالإفراج عن بطلها الثاني كيف ؟..
وكيف تقف أمام الله لتدافع عن نفسك ولماذا تجعل مهمتك كل يوم أكثر صعوبة؟
لكن الأمر لا يقتصر على ذلك فقط، إذ يبدو أن أعداءنا وأعداءك يدفعون الأمور في سبل محددة وطرق ممهدة كي يحرجوك ولا يبالون بمشاعرك ووضعك أمام شعبك وأمام أمتك وأمام العالم..
نفس ما فعلوه بالسادات في أعوامه الأخيرة بعد أن وثق بهم .
وهنا أيضا يبدو إصرارك على عدم تعيين نائب لك مخاطرة بمستقبل الوطن إذا ما شاء الله أن يسترد وديعته فيك .
يا سيدي … يا سيدي … قد يقول لك سدنتك أنني انفعالي متخلف أحدثك بالقلب في عالم لم يعد فيه للقلب صوت، بيد أنى أحدثك حديث العقل أيضا.
والعقل قيمة كبرى أعلى الدين من شانها حتى لتسقط فروض الدين عن غير العاقل، وهو قيمة عليا أخذ أعداؤنا بأسبابها فامتلكوا الدنيا، وها نحن أولاء نوشك أن نكون لهم عبيدا، أهملناها رغم أن دينهم لم يعل شأن العقل كديننا، و ذلك يعنى أن لا نتبع نمطهم العقلي الفاسد. فعندهم الغاية تبرر الوسيلة , وعندنا الغاية وجهه والنتيجة أمره وقدره وقضاؤه أما الوسيلة فهي أمرنا , وقدرنا وقضاؤنا الذي سيحاسبنا الله عليه . والعقل قيمة عليا في كل ذلك لكنه يكاد يكون عندهم هو القيمة العليا الوحيدة بينما هو لدينا قيمة عليا من قيم عليا ليس لها نهاية , علينا أن نأخذ بأسبابه فنحن أولى بها منهم ولكن علينا في ذات الوقت ألا نسقط من خلاله في براثن اليأس وحمأة الرعب وسلاسل العبيد..
العقل قيمة عليا … علينا ألا نفلت سببا من أسبابه، لا لأن ذلك سبيل انتصارنا عليهم، وإنما لأن ذلك أمر الله لنا .. فإن اتبعنا أمره سيأتينا نصره، سيأتينا من حيث لا نحتسب، ستنهار كتلتهم كما انهارت الكتلة الشرقية، وسوف تصدع الأرض والجبال والبحار لأمر الله فيغرقهم طوفان ويحرقهم بركان وتميد بهم رواس، سيرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل تجعلهم كعصف مأكول، وسننتصر، سينتصر الإسلام بطريقة جديدة فريدة تحفظ له عظمته، ولعله سيغزوهم داخل ديارهم لا بالسيف ولا بالقنابل، ولكن بمبادئه السماوية إزاء إجرام حضارتهم الوحشي وخوائها الروحي .
سيدي الرئيس :
لست مزايدا ولا مقامرا ولن أطلب منك حرب أمريكا ولا حتى إسرائيل فقد انقطع أملنا في الحاضر، حتى الحلم مات، ذوى، ذرتة رياح صرصر عاتية، لم نعد نفكر في حرب أعدائنا ولم نعد – حتى – نحلم بنصر، ذلك بأمر الله وبوعده الحق قادم، لكن في زمن آخر لن ندرك بشائره ولن نذوق رحيقه ، ما نريده، ما نرجوه ونتوسل وندعو الله من أجله أن نبقى لأبنائنا ما يبدءون منه، أن نترك لهم حتى رايات ممزقة وصواري محطمة تذكرهم بأن آباءهم كان لهم شرف المحاولة قبل عار الهزيمة، كيلا ينظروا إلى أجيالنا باشمئزاز واحتقار هاتفين: ألم يكن فيهم رجل؟ ألم يكن فيهم رشيد؟ ما نرجوه منك يا سيادة الرئيس أن نوقف الانهيار لنبدأ .. لنضع اللبنة الأولى في مصر، فمنها سيفيض النور والخير بإذن الله على العالم العربي والإسلامي .
وما أطلبه منك يا سيدي – والله – ليس عسيرا وإنما هو الحق والعدل والدين والمنطق والسياسة والحضارة .
ما أطلبه منك:
ليكن عيد ميلادك القادم أخر عيد ميلاد في السلطة [4]
إن كانت السلطة شرا فكفاك وإن كانت خيرا فقد نلت منه ما يفيض..
أنت نفسك الذي قلت لنا ذلك في بداية حكمك فلا يصدنك شياطين الجن والإنس عن عزمك القديم..
السلطة مغتصبة من الأمة فأعدها إليها..
لا ترشح نفسك مرة أخرى..
والذي نفسي ونفسك بيده لن يدفعك إليها إلا منافق ولن يكذبني إلا كاذب ولن يستبقيك إلا عاص يريد الخير لنفسه، وقد اطمأن لموقعه في وجودك، فكن القدوة …
كن أول حاكم يتخلى عن السلطان اختيارا..
اخلع أرديتها فإنها لظى نزاعة للشوي .. وعد إلينا حبيبا قريبا، بطلا عظيما لنصر وحيد، وقد بنا من صفوفنا محاولتك لرأب صدع الأمة..
خض بنا البحر – في سبيل الله - نخضه معك .
ليكن عيد ميلادك القادم أخر عيد ميلاد لك في السلطة .
انقل الحكم من العسكريين إلى المدنيين، وهو انتقال لابد آت فافعله أنت اختيارا تحقن دماء أهلك من سطوة العسس . اجعل من مصر منارة أمام العالم الإسلامي حيث نظام الحكم وشخص الحاكم لا يتغير إلا بالموت، افعلها تكن لك يد بيضاء عند الأمة أبد الدهر .
افعل ما تود أن تقابل الرحمن به غدا، بل اليوم بل الآن، أم أن لديك ميثاقا أن تعيش أكثر . وهل تنتظر إلا الساعة أن تأتينا بغتة فقد جاء أشراطها يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم لأنهم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون .
إن الشيطان قد يئس أن يعبد لكنه رضى أن يطاع فلا ترض أنت .
فليكن عيد ميلادك القادم آخر عيد ميلاد لك في السلطة .
وحين يحين ذلك حاول أن تحصى ذنوبك كي تتوب إلى الله .
أن ترجع عنها قبل أن يرجع عليك بها .
صارح الأمة وواجهها بحقيقة أمرها .
ذلك أن أول درجات سلم التوبة الصعب أن تقر بذنبك ..
اكشف لنا ما قد علمت من تعذيب وتزوير وتستر..
اكشف للأمة أن ما شاركت فيه لم يكن " عاصفة الصحراء " فقط وإنما كان " المجد للعذراء" أيضا وهو أسم أخفاه إعلامك عن الأمة لغرض في نفس شامير وبوش .
ألغ قانون الطوارئ .
وافق على تغيير الدستور .
ألغ الاستفتاء على رئاسة الجمهورية وحوله إلى انتخاب حر .
لا ترشح نفسك مرة أخرى ..
أوقف التعذيب..
أوقف تزوير الانتخابات ..
أطلق حرية الصحافة والأحزاب حقا وصدقا ..
طارد الفساد والمفسدين ..
ضع الأسس لبناء مصر الحديثة. .
خطط لإعداد دولة الإسلام كما خطط بنو إسرائيل لإقامة دولتهم..
ضع مع أقرانك خطة تحقق ولو بعد مائة عام..
إن بقاء أي أسرة من الأسر الحاكمة الآن في العالم العربي والإسلامي لمدة عام واحد أمر غريب، عشرة أعوام معجزة عشرين عاما مستحيل، فأعرض علهم إذن مشروعا لوحدة العرب المسلمين لا يكتمل إلا بعد مائة عام، مشروعا لا ينتقض من سلطة، مشروعا يداوى جروح الأمة ويجمع شراذمها ويعيدها خير أمة أخرجت للناس .
افعل ذلك، تمح حسناتك سيئاتك..
تب إلى الله..
وإن لك من مجد أكتوبر ما يجعلنا ندعو الله أن يغفر لك .
افعل ذلك … فوالله لو جئت الله بملء الأرض ذنوبا لجاءك بمثلها حسنات .
ولو تقربت منه ذراعا تقرب منك باعا وإن أتيته تمشى أتاك هرولة .
وليكن عيد ميلادك القادم أخر عيد ميلاد في السلطة .
***
قد يكون هذا آخر حديثي لك ولعله آخر الاجتماع
فالسلام عليكم يا سيادة الرئيس ..
السلام عليك يا أيها الأجير …
فلعلنا لا نلتقي أبدا بعد عامنا هذا في موقفنا هذا .
ومن أجل هذا كتبت لك ما كتبت، ولم أكن ألقى بنفسي في التهلكة بل والله أنقذها.. فلو أن عبدا خير بين ما عند الله وما عندك فاختار ما عند الله أيهلك، أم ينقذ من الهلاك نفسه ؟..
أبارت تجارته أم ربح البيع. .
السلام عليك أيها الرئيس ..
السلام عليك، وعلى موعدنا للقاء أمام الله في يوم قد يكون مقداره خمسون ألف سنة .
خمسون ألف سنة فتخيل معي يا سيادة الرئيس واعتبر، لأننا -إذا كان ذلك- في الحساب على ذنوبنا – لا في العذاب عليها – سوف نحاسب عن كل يوم عشناه في هذه الدنيا ثلاثة أعوام ..
فكيف لا أقول، وما أنا إلا عابر غريب، دنياي آخرتى، والطريق وعر، والمخاطر جمة، حتى أنني أتهلل لم يختصر لي المسافة ويقصر على الشقة ويخفف الابتلاء ويلطف القضاء ويعجّل بالأوبة .
لست مقيما، وإنما أتزود من قفرى لروضتي، أنتظر الطلب بالذهاب والإذن بالمثول، غير آبه لأي حال تكون عليه عظامي وإهابي حين مغادرتي .
وكيف لا أقول وما أنا إلا عبد أرسله سيده وأمره أن يقول فكيف لا أصدع أنا ولم لا تصدع أنت ؟ ..
السلام عليك أيها الرئيس .
سلا م الله لا سلام أعداء الله .
السلام عليك ورحمة الله وبركاته .
1- راجع قائمة المحتويات لقراءة المقال كاملا.
[2] - هذا قول مرجوح.
2- على القارئ الذى يقرأ الآن أن يلاحظ أن هذه المقالة نشرت فى الشعب قبل عشرة أعوام، لم تكن كل الحقائق قد اكتشفت، ولا الرؤى تبلورت، وكان هناك مساحة واسعة من المجاملة لائتلاف القلوب، ولبعض المعادلة للاتهامات الخطيرة التى احتوت عليها بقية المقالات.
[4] - اكتمل نشر المقالات فى آخر شهر مايو عام 92، فى المقالة الخامسة والأخيرة ناشدت الرئيس ألا يرشح نفسه مرة أخرى، وكان الاستفتاء على الرئاسة مقررا فى نهاية عام 93، وردا على مناشدتى انفجرت المبايعات فى الصحف الحكومية والعميلة والمنافقة ، انفجرت، وظلت تبايع عاما ونصف عام!!.. رغم أن النتيجة معروفة قبلها بأعوام
رسالة من …
مواطن مصري
إلى …
الرئيس مبارك
(سلسلة أفاق وتحديات عربية) – إصدار الشركة العربية للطباعة والنشر – أكتوبر1993
بسم الله الرحمن الرحيم
بدلا من المقدمة
طرحت – والأصدقاء – أسماء معظم كبار المفكرين المتهمين بهموم الوطن لتدبيج مقدمة هذا الكتاب، بيد أن فكرة غلابة ما برحت تلح على، ألا وهى أن الأولى بالسعي إليهم لتشريفي بتقديم هذا الكتاب هم قراؤه، فكبار المفكرين آرائهم معلنة بصورة أو بأخرى .
ولقد يسر على الأمر أن مادة هذا الكتاب قد نشرت في صحيفة " الشعب " التي يجمع معظم المفكرين أنه لولاها ما كانت في مصر صحافة معارضة . وقد ترتب على ذلك توافر نماذج شتى من الآراء والردود والتعليقات، إلا أنني وجدت لزاما على ألا أكتفي – كالسلطة – بإيراد كل رأى مؤيد وحجب كل رأى معارض . ولقد علمنا القرآن أنه لا يهمل – في الجدل - حتى حجج الشيطان .
لذلك طرحت كل الآراء المعارضة التي لم تمثل سوى نزر يسير من مجمل الآراء الأخرى، ومن هذا المنطلق كان طبيعيا أن ينشر حتى تعليق فرج فودة، جنبا إلى جنب مع بطاقة من صفوت عبد الغنى .
يشتمل الكتاب على جزأين : الجزء الأول سلسلة المقالات الخمس : " من مواطن مصري إلى الرئيس مبارك " ويحتوى الجزء الثاني على مجموعة مقالات أخرى تشكل امتدادا وثيق الصلة بالجزء الأول. ولقد كان طبيعيا على سبيل المثال أن تكتمل الرسالة الثالثة للرئيس مبارك وموضوعها التعذيب برسالة أخرى للأستاذ خالد محمد خالد عن نفس الموضوع، كما ترتب على ذلك – استكمالا للموضوع – أن نورد رد اللواء حسن أبو باشا فتلك كلها حلقات شديدة الاتصال بموضوع هذا الكتاب.
كان طبيعيا أيضا أن نورد مقال الكاتب الكبير فهمي هويدى :" تقرير عربي عن الفتنة الأمريكية" بعد أن أشير إليه في أكثر من مقال .
بقى شكر احسبني عاجزا عن الوفاء به لرجل : نسيج وحده، أمه في رجل، رجل مثلت نشاطاته الفكرية توهجا يضئ الحقيقة، إلا كتاباته شكلت في نفس الوقت عائقا أمام الكثيرين – وأنا منهم – حين كنا نفاجأ به كأنه يغترف من أعمق أعماقنا، من أرواحنا ونفوسنا وقلوبنا وعقولنا جميعا ليصوغها في مقال ممهور بتوقيعه، نفس المقال الذي انتوينا كتابته !!..
رجل ما كان يمكن لموضوع هذا الكتاب أن ينشر في مصر على صفحات صحيفة – كما صارحني رئيس تحرير إحدى الصحف – إلا إذا كانت هذه الصحيفة هي "الشعب" وكان رئيس تحريرها هو هذا الرجل : عادل حسين . أم أنه ينبغي علينا أن ننتظر حتى يموت – كجمال حمدان – كي نقول فيه كلمة حق ؟!!.
الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
د/ محمد عباس
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
إلى من أسعدني وأبكاني في آن واحد على مدى ثلاثة أسابيع حتى الآن إلى
والله لقد فاضت عيناي بالدمع وأنا أقرأ مقالاتك.
تدمع حزنا لوجود أناس لا يخشون الله .. وتدمع فرحا لوجود أمثالك، حفظك الله من بطش الجلادين وسدد خطاك .
منصور إبراهيم عبد اللطيف
ديرب نجم – شرقية
مــــــن مواطـن مصري
إلى الرئيس مبارك "1"
السيد رئيس الجمهورية : محمد حسنى مبارك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
عيد ميلاد سعيد، أدعو لك الله فيه بمجامع القلب وأعماق الروح أن يجعل في استخلافك على بضعة من أمة محمد "صلى الله عليه وسلم" خيرا لها وخيرا لك .
عيد ميلاد سعيد يا سيدي .
عيد ميلاد سعيد أقولها لك حقا وصدقا رغم أنني أعرف أنك لا تصدقني، لا تثق في، لا تسمع إلى، ولا تقرأ أبدا صحيفة من تلك الصحف التي أكتب فيها، وتلك أحد أوجه مأساة العلاقة بيني وبينك، ذلك أ حاشية السوء دأبت على أن تصور لك أن كل كلمة منى هي هجوم عليك، وأن كل رأى لي هو انتقاد لك، وكل إرادة لي انتقاض من إرادتك، وكل حرية أنالها انتقاص لهيبتك، بل بلغ بهم الأمر – قاتلهم الله – أن صوروا لك أن تلمس نبضي والاستماع لرأيي وتنفيذه هو ضعف للإرادة لا يليق، وأن الحزم والحسم في احتقاري وعنادي، رغم أنهم يعرفون أن العناد يورث الكفر، ويعرفون أيضا أنه لا يدخل الجنة من في قلبه ذره كبر يغمط بها الحق ويحتقر الناس .
لكنني بالرغم من ذلك كله يا سيادة الرئيس أحبك، والله أحبك لكن حبي لك ليس حب منافق يهوى بك إلى النار، ولا حب أحمق يوردك موارد التهلكة، إنما هو حب أخ لك في الله يرى أن أعظم ما يهديه إليك عيوبك، وقد تتعجب يا سيدي من إقراري بحبك، وقد تتندر حاشية السوء حولك، لكن كيف لا أحبك وقد حذرني سيدك وسيدي أنني لا أومن حتى أحب لك ما أحب لنفسي، وكيف لا أحبك وأنت رئيسي، رمزي، وجهي الذي يراه العالم، أهلي، ودمى مهما اختلفنا فإن ما يصيبك يصيبني، وما يؤلمك – في حدود مصالح الوطن وكرامته – يذبحني، كما ذبحت حادثة 4 فبراير وعملية القرصنة الجوية الأمريكية مشاعر المواطنين جميعا بغض النظر عن موقفهم من الحاكم.
وكيف لا أحبك وليس ثمة شئ في حياتي كلها تفوق أهميته قيمة كلمة أنتظر أن تقولها، وفعل أود أن تقدم عليه، وتوبة أرجو أن تتوبها، ليس ثمة شئ في حياتي يعدل ذلك، حتى الوالدان اللذان أوصاني الله بهما، حتى الزوجة والأبناء والإخوة والخلان، ما اهتمامي بأحد منهم يعدل اهتمامي بك، ولا أفكر في أحد منهم قدر تفكيري فيك، ذلك أن ازورار أي أحد منهم عن الحق لا يعدو في تأثيره محيطه الصغير، أما أنت فزلتك تزل بها الأمة، لا قيمة لشيء إن لم تكن أنت على صواب، حتى الثروة والمجد ما قيمتها إذا كانت الأمة مستباحة ؟
من أجل هذا لا يهمني أمر أحد كما يهمني أمرك، فكيف تشك بعد هذا كله أنني أحبك، بيد أن حبي لك هو حب في الله، لا من أجل جاه تسبغه علىّ ولا سيادة تسيدنيها، أحبك على الخير لا على الشر، على الحق لا على الباطل، على الإصلاح لا على الإفساد، على إعلاء كلمة الله لا النظام العالمي الجديد .
وحين تقدم على ذبحي يا سيادة الرئيس فوالله لا أكرهك إنما أكره ما تفعل وما تقول.
أظن أنني واضح وصريح معك بدرجة قد تقنعك أن هناك ما يجمعنا وأن ما يجمعنا جدير بأن يدفعنا للبحث عن لغة يكون مدلول الكلمات فيها بيننا واحدا، فهل نستطيع أن نجعل من الألفاظ وسيلة للفهم لا لسوء الفهم، للاقتراب لا للابتعاد ؟؟.
إن الصمت بيننا موحش، انعدام الهدف المشترك بيننا يخنقني، الشرخ في جدار الثقة يزلزل كياني، هل أستطيع أن أحدثك، لا باللسان لكن بأعمق ما في القلب من شجن ورغبة في التوصل والفهم، بحزن الثاكل والأرمل واليتيم واللطيم أموت شوقا حتى ولو ليثبت أنني مخطئ وأنك كما تقول لا كما أظن . هل يمكن أن تسمعني كما كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يسمع امرأة من عامة المسلمات، وهل يمكن أن يكون التعامل بيننا كما كان التعامل بين عمر وأبى بكر رضى الله عنهما مع من أنكروا عليهما حقهما في الخلافة ؟ مع إمام المتقين على أو مع الصحابة سعد بن عبادة الذي رفض أن يبايع الصديق والفاروق وظل حياته يغلظ القول لهما ويرفض أداء المناسك خلفهما . فهل تسمح لي يا سيادة الرئيس أن أحادثك بصدق، أن أخالفك وأهاجمك، أن أكشف لك عن خبيئة نفسي، أن أجردك في خيالي من هالات السلطة وجبروت القوة وبهرج الدنيا الزائف، أن أحاسبك، كما لا بد سأحاسبك يوما أمام الله حين تكون ضعيفا مثلى، مرعوبا مثلى، بلا حول وبلا قوة مثلى، حين تتلمس رضاي ورضا الأمة، فينا وضع الله الشفاعة لك.
فهل تسمح لي، لن تكون منة منك أنك الرئيس العربي الوحيد الذي يستطيع أحد مواطنيه أن يخاطبه، لن تكون منة منك بل فخرا لك، ووجاء من النار يوم القيامة .
وأنا يا سيدي واحد من عامة المسلمين أخاف كما يخافون، وأتجنب موارد التهلكة، لكن إن كانت التهلكة في حديث صادق لك فبطن الأرض خير، أجل، أخافك لكن خوفي من الله أشد، كما أخشى يا سيدي والله جلاديك، ,أخشى أبا لهب وأبا جهل، قتلة سمية وسيد قطب وسليمان خاطر لكنني أعلم أن عذاب الله اشد، فإن خيرت بين عذابه وعذابك فأهلا بعذابك ..
فهل تسمح لي يا سيادة الرئيس أن أكتب لك .
سيدي:
شائك أن أكتب إليك وصعب .. أن أحاول بموضوعية حوار رئيس جمهورية ما زال يحكم .. فقد درجت العادة في بلادنا أن يكون الحاكم نبيا طالما حكم، ثم شيطانا رجيما عندما يترك الحكم . ولست أخشى على نفسي شبهة نفاق لك .. بل على العكس أخشى أن أغمطك بعض حقك استجلابا لتقريظ شجاعة مزعومة . أخشى يا سيدي أن تخدعني نفسي ويغرني الشيطان فيقال لي يوم القيامة : قد كتبت كي يقال إنك شجاع وقد قيل، أذهبوا به إلى النار، يصيبني الرعب من نفسي على نفسي فأتساءل والرعب موج كالجبال في ليل أليل : ماذا لو كان مبارك والسادات على حق، وماذا لو لم يكن معاوية ويزيد كظني بهما ؟ ماذا أفعل وماذا يفعل بي إذا جئتم يوم القيامة آخذين بخناقي هاتفين : ظلمنا يا رب ؟؟ .
تلك مشكلة يا سيدي لا أملك لها – كما لا تملك أنت أيضا – حلا حتى يكشف عنا غطاؤنا فيصبح بصرنا يومها حديدا .
لكنني أقحمت نفسي فيما هو أشد من حوارك وأعظم، وزعمت لنفسي الحق في استرجاع تاريخنا كله ومواجهة أحد صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم – وأحد كتاب رسائله – لا وحيه – حين رجعت بأسباب تدهور العالم الإسلامي إلى معاوية بن أبى سفيان الذي ثلم الإسلام بجرحين لم يرتقا بعده : ألا وهما : شرعية الحكم ووظيفة المال في الأمة، حتى لقد كدت أوقن أن كل حاكم بعده ليس سوى غاصب، وكل مال ليس إلا مغصوبا، وإن الإسلام المطروح منذ ذاك ليس هو الإسلام الذي أنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم – بل هو بالضبط ليس إلا الانقلاب عليه، انقلابا ما زال يكوينا بناره ويبهظنا بنيرة . أفأنكص أمامك أنت عن كلمة الحق وقد أدنت معاوية ؟؟!! فلا خير في إن لم أقلها ولا خير فيك إن لم تسمعها..
أنا يا سيدي من ذلك الجيل الآفل الذي يطرق الآن أبواب العقد السادس من عمره، جيل الحلم الذي هوى بالمجد الذي انطوى، جيل السقوط والنكسات والهزائم والنكبات، جيل عهر الكلمات والزنا بالمحارم تحت عباءة الشرعية وانعدام التطرف والتشدد . جيل رآهم بأم أعينه يغيرون وضع اللافتات فيضعون على الجنون لافتة قد كتبوا عليها العقل، وعلى الخيانة أمانة، وعلى التزوير نزاهة، وعلى العمالة تحضرا، وعلى الكفر – الكفر وضعوا لافتة تحمل حروف كلمة الإيمان .
وهذا يا سيدي ما يدفعني للكتابة إليك، لكن غير مقتصر عليك، فلست يا سيدي ظاهرة فريدة لا تمثل إلا نفسك فالسمات الموجودة فيك هي هي ذاتها الموجودة في أقرانك وزملائك وكل من يسبق أسمه جلالة أو فخامة أو معالي أو سمو وكل من نودي " يا مولاي " ليس في هذا العصر فقط يا سيدي، بل ارتجاعا في التاريخ إلى معاوية ويزيد والسفاح . ولعلى أعترف بأنني وجدتك في البداية تفوق معظم أقرانك لكنني ما لبثت أن أدركت أن الفارق بينك وبينهم لا يعدو كثيرا الفوارق الطبيعية لتاريخ الحضارة وعمرها وطبيعة الشعوب واختلاف الممارسات تبعا لذلك، فهو كالاختلاف بين الإعدام على الخازوق أو الصليب والإعدام رميا بالرصاص أو على الكرسي الكهربائي . ولقد احتارت فيك مشاعري كما احتار عقلي، لم أفقد الأمل فيك لكنني لم أعلقه أيضا عليك، لكن أشد الأمور قسوة علىّ، هو افتقاد لغة الحوار بيني وبينك، فما أقوله أنا لا تفهمه أنت – شد ما يحزنني ما يتكرر كثيرا في خطبك عندما تقول في عصبية : أنا موش فاهم – إن ما تقوله أنت أيضا يطرق آذاننا لكنه يخاصم عقولنا وقلوبنا، لا عن عدم فهم بل عن اختلاف لغة وتباين مسميات، ليس بيننا وبينك فقط، بل بيننا وبين كتابك وسدنتك، احترنا، حتى امحت الفروق بين الكاتب والمهرج، وبين المفكر والبهلوان، بين الحكومة والعصابة وبين العصابة والحكومة، بين عدو الله وبين عدو الشيطان، بين رجل الدين الذي يعبد الله والآخر الذي يعبدك من دون الله .
قل لي يا سيدي الرئيس : ماذا تريد الآن، أستخرج لك به فتوى، وأجرى استفتاء، وأغطيك بفلسفة، وأجد لك ألف كاتب يدافعون عما تريد، قله، وسوف يوافق مجلس الشعب بالإجماع، وسوف يشيد مجلس الوزراء بحكمتك . قل غيره يا سيادة الرئيس، لا، ليس غيرة فقط، بل عكسه تماما وأنا كفيل – والله – بعكس الفتوى وعين المستفتين وذات الفلسفة وجميع الكتاب . فهم يا سيدي من قوم ذلك الشاعر الذي قال لك أو لأحد أسلافك …… لا يهم فالكل واحد:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار .
ولعلك يا سيدي لا تنسى فضيحة شيوخنا أثناء كارثة الخليج حين لم يحدث ولو مرة، لم يحدث ولو ذرا للرماد في العيون، أن اختلف شيخ منهم مع حاكم بلده، وذلك يا سيدي لم يفقدنا الثقة فيكم جميعا فقط، بل أفقدنا الثقة في شرعية الحكم، وفي النخبة الحاكمة كلها، النخبة الحاكمة بما تضم من مال وعسكر وشيوخ، وأفقدنا الثقة أيضا بشرعية الجغرافيا، شرعية تلك الحدود التي وضعها أعداؤنا بين شعوبنا، فرحتم تدافعون عنها بكل شراسة مهدرين أمن الأمة نفسها.
من أجل هذا كله يا سيادة الرئيس لا بد أن أحادثك، أن أكشف لك خبيئة نفسي فبالصدق – والصدق فقط – يمكن أن ننسج معا حروف لغة مشتركة، فهم مشترك، نستعين بهما على الابتلاء العظيم بالدنيا، وهو – كما لا ريب تعلم – ابتلاء نكصت عنه السماوات والجبال والأرض فقبلناه بظلم وجهل، كل منا ابتلاء للآخر فتحمل إذن صدقي، ودعني أسرد عليك بعضا من علاقتي بك، لعلنا نجد بين الأشلاء وشيجة انقطعت يمكن أن تتصل!!
عندما جئت أنت لم يكن في قلوبنا مزيد من محبة أو كراهية، كان صمتك يغرينا بالأمل فيك، وكان مجدك – مجدنا – في أكتوبر 73 مرتسما على ملامح وجه طيب يغرينا بذكريات دالت عن مجد لا ينبغي أن يدول، ولم نكن ننتظر الكثير منك، لقد تعرضت مصر وتعرضنا لخطر ساحق ما حق انتهى بمجيئك . كنا منهكين متعبين سعداء . كان ما نريده أيامئذ أن نرتاح قليلا، فلشد ما كان الطريق وعرا والآلام هائلة، أعطيتنا في البداية هدوءا كنا نحتاج إليه، ثم فاجأتنا بعض قراراتك الصائبة، فقل نزيف المرارة الذي ننزفه، وأفرجت عن المعتقلين من عيون الوطن وعقوله وفلذات كبده وسويداء قلبه وقابلتهم في اعتذار صريح للأمة وللوطن وللتاريخ عن جريمة اعتقالهم، وبدأت تنمو براعم أمل فيك، أصارحك أننا حاولنا قدر جهدنا أن نئدها، كنا قد وصلنا إلى حال أمسى فيه ألم الموت أهون من موت الأمل، فحاولنا ألا ينمو داخلنا أمل فيك، وعندما بدأت محاكمة خالد الإسلامبولى كان قلبنا يوجس خيفة خاصة عندما قررت المحكمة أن تكون الجلسات سرية، كان واضحا أنكم تخفون عار كامب ديفيد والمبادرة عنا، وأنكم تتجنبون إلهاب مشاعر الجماهير الصامتة المترقبة، وكانت إسرائيل أيضا تترقب، وأميركا والعالم كله ينتظر، وحاولت الأمة وحاولت أحزاب المعارضة وحاول المحامون، لكن ماذا يفعل المنطق في قلوب كالحجارة أو هي أشد قسوة، وترامت أخبار من هنا وهناك أن إسرائيل تشترط إعدام خالد الإسلامبولى ورفاقه قبل إتمام انسحابها من سيناء . وصدر الحكم بالإعدام . وساورنا أمل حزين بائس أن الطيار القديم والمحارب البطل محمد حسنى مبارك سوف يفاجئ الدنيا كما فاجأها في أكتوبر 1973 فيخفف الحكم . لكن حكم الإعدام نفذ فعلا قبل انسحاب إسرائيل من سيناء، وكان الرصاص الذي أطلق على خالد الإسلامبولى ورفاقه يصل إلينا فيشوى جلودنا ويمزق لحمنا ويهشم عظامنا .
وأدرك الناس أن الفجر لم يلح وأن الخلاص بعيد ووجدتني أردد مع أمل دنقل
لا تحلموا بعالم سعيد ………
فخلف كل قيصر يموت .. قيصر جديد …
وخلف كل ثائر أحزان بلا جدوى ودمعة سدي …
أخذنا نلعق جروحنا، نجتر آلامنا، نلملم أشلاءنا الممزقة، لا نحتمل ولا نتصور أن تكون امتدادا لما مضى وأن نواصل المعاناة كما عانينا، فطفقنا نبحث لك عن أعذار تقلل من وطأة ما حدث، وبرغم أن تصديقك على إعدام خالد الإسلامبولى مزق قلوبنا بجرح ما يزال ينزف إلا أننا تجاوزنا الأزمة … كان شرفنا القومي والديني قد بيعا بثمن بخس لكننا لم نكن قد حصلنا عليه بعد … وبدا أن العدو الفاجر يساوم بحياة خالد الإسلامبولى مقابل سيناء مثلومة الشرف … ولو كان لي الخيار لما اخترت التضحية بخالد، ولكنني كنت على استعداد لأن أتفهم لا أن أقبل باختيارك . كانت الهواجس تستبد بنا كوابيس ليل بهيم، كيف تم اختيارك نائبا للرئيس ولماذا، ونحن نعلم – كما تعلم سيدي – أن منصبا كذلك تتداخل فيه مئات العوامل الداخلية والخارجية، لكننا كنا نبعد تلك الأحلام الكابوسية فلم نكن نحتمل مزيدا من الألم ومع بوادر حرب الفساد في الداخل وسحب السفير المصري من إسرائيل وتجميد التطبيع أحسسنا أنك تسير في الطريق الصحيح لكن ببطيء شديد، وشبهك محمد حسنين هيكل بالطيار الذي يفحص أجهزة طائرته وممرات مطاره قبل أن يقلع، لكن الأيام تلو الأيام تمر والطائرة جاثمة والطيار لا يقلع . ثم جاءت انتخابات سنة 84 بما حدث فيها فكانت كحمض حارق ينسكب على جلد مشوي . قطعت رأسا للفساد فنبتت رؤوس ثم رؤوس، كان ضمير الأمة يناشدك في صمت مأساوي مشحون : واصل، كن كأملنا فيك، نحن نعلم أننا في الخارج مقيدون عاجزون محكومون، ولا نطلب منك إلا ما في وسعك، واجه الفساد، في إصلاح الداخل النفاذ من الحصار الخارجي . وظننا أنك سمعت صوتنا، نداء قلوبنا وهتاف أرواحنا إليك .
وبدا في البداية كأنك حريص ألا تستمع إلى أقوال مرسلة قد تكون مجرد إشاعات كاذبة وبدا حرصك على عدم اتخاذ إجراء ضد شخص إلا بحكم قضائي حرصا له وجاهته رغم بطئ إجراءات التقاضي من ناحية، وعدم إمكانية الإحاطة بكل الجرائم التي تتستر عليها مراكز قوة تحتمي بالسلطة من ناحية أخرى .. ومن ناحية ثالثة فليست كل الأخطاء الموجبة للإبعاد عن العمل العام تخضع لقانون العقوبات . وبرغم كل هذه الاعتراضات فقد كنت ألتمس شيئا من العذر لك .. كنا مختلفين وكان لكل منا منطقة .. لكنني لم أستطع أن أجد عذرا على الإطلاق لك عندما بدأت السلطة التنفيذية تتحدى أحكام القضاء .. لم يكن الأمر انتظارا لعدالة القضاء إذن، بل استغلالا لبطئ إجراءاته .
لكن الأمر لم يستمر كذلك، فذلك انتهى، فلكل أول آخر ولكل مبتدأ نهاية، إذ ما لبثت أحكام القضاء أن توالت فراحت حكوماتك يا سيادة الرئيس تتحايل عليها، حتى صرخ الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين – قبل انفجار الدم في رأسه – مناشدا الحكومة أن تكون خصما شريفا، وفهمنا معنى صرخته المهذبة المعذبة أن الحكومة تصرفت كخصم بلا شرف . وانفجر الدم في عروقنا نحن الآخرين يا سيادة الرئيس. بل وأنفجر في حيثيات حكم شهير ناشد السلطة أن تتحرى الدقة والطهارة في اختيار رجالها، وانفجر السؤال نزيفا في قلبي : هل يرضى الرئيس حسنى مبارك أن يكون عهده موصوما بهذه الوصمة .
بعد ذلك فوجئنا بوضع غريب يحدث يا سيادة الرئيس، غريب مريب، دعني أقله لك قبل أن يقال عنك، قبل أن يكتبها أبو جهل في الصفحة الأولى كما فعل مع سلف سلفك ومع زوجة سلفك، هذا الوضع يا سيادة الرئيس هو موقف الدولة من الفساد، إن شعوري كمواطن هو أن الدولة بقوتها الأسطورية لم تكف عن محاربته فقط، ولم تغمض أعينها عنه فقط، ولم تتستر عليه فقط، وإنما راحت تربية وتنمية، حتى لقد أصبح الفساد ليس سلوك أفراد تحاربه الدولة وتتربص به، بل سلوك دولة يحاربه أفراد فتتربص الدولة بهم . تغلغل الفساد حتى إلى جهات كانت مهمتها محاربة الفساد، ولم يعد نبتا شيطانيا بل شجرة زقوم هائلة تتشابك جذورها مع جذور السلطة وتتساقط ثمارها عليها، دعك يا سيدي من تقارير الصحف بالطهارة فأنت تعرفها، ودعك من أحكام القضاء بالبراءة، أنا لا أهاجم القضاء لكن عندما تتناقض أحكامه مع ضمير الأمة ووجدانها الجماعي فليس لذلك معنى إلا أن شيئا خطيرا خطيرا خطيرا حدث، شيئا لا يشرخ شرعية نظام الحكم فقط بل يهدم أساس المجتمع كله، من المفروض أن القضاء ينفذ بحيدة قانونا موضوعا فإذا خالفت الأحكام ضمير الأمة فالقضاء مخطئ أو القانون باطل، وإذا شاب القانون بطلان فأساس تماسك الدولة كلها في خطر، وأنا معكم يا سيدي الرئيس أمجد القضاء وأنزهه، ولكن ليس بطريقتكم، لأن الإصرار اللحوح على إثبات شئ إنما يواجه دائما نفيا خفيا بضده، وأنا أمجد القضاء وأنزهه لكنني لا أنسى أبدا أن قاضيا في الجنة وقاضيين في النار، ولا أنسى أيضا من عبرة التاريخ أن أشد السلاطين دفاعا عن نزاهة القضاء كانوا هم لا غيرهم أكثر السلاطين دأبا على إلقاء تبعة جرائمهم على القضاة، ولكم قتلوا وسجنوا وعذبوا وسلخوا وأحرقوا وسحلوا وارتكبوا كل كبيرة وكل منكر، لا لأن الشيطان داخلهم أراد ذلك بل لأن القضاء النزيه العادل حكم به، أما هم، الأبرياء الأتقياء الأطهار الأبرار فكيف لا ينزلون على أحكام القضاء وكيف لا يرضخون لأمره .
أيامها يا سيادة الرئيس كانت مشاعرنا تصرخ توسلا إليك .. أنت منا.. أنت نحن لا هم، كنا نخشى عليك منهم، من أبى جهل وأبى لهب وابن أبىّ الذين لا مكان لهم في ظل حاكم عادل، كانوا يدافعون عن وجودهم وكنا ندافع عن أنفسنا وعنك، ولشد ما وددنا يا سيدي والله أن تكون معنا، نحميك وتحمينا، وحلم الناس أن تكون أبا زيد الهلالي، عنترة بن شداد، صلاح الدين الأيوبي، وكل بطل شعبي هب لينقذ أهله من جلاديهم، وابتدع الوجدان الشعبي العبقري شائعة انتشرت في أربعة أركان مصر انتشار النار في الهشيم .. وكانت تعبر عن لهفة الشعب المقهور للبطل الذي يخلصه من ذله، وممن كان واجبهم حماية أمنه فاغتالوه .. قالت الشائعة إن أحد كبار ضباط الشرطة اصطدم بابن حسنى مبارك في محطة بنزين عندما لم يحترم دورة ( هكذا يراهم الشعب ) فاعترضه أبن الرئيس في هدوء (هكذا يتمناه الشعب ) ولما كان الضابط لا يعرفه فقد انهال عليه بسباب قذر ( هكذا عرفهم الشعب ) لكن ابن الرئيس تمالك أعصابه تماما ( هكذا يتمناه الشعب ) إلا إنه أصر على موقفه بعزم من حديد (هكذا يريده الشعب ) وازداد تطاول الضابط ( هكذا خبرهم الشعب ) وإزاء ذلك طلب ابن الرئيس التوجه إلى قسم الشرطة للتحقيق .. واعتبر الضابط أن هذه فرصته الكبرى للتنكيل به في قسم الشرطة حيث يمكن هناك - فيما يفترض أنه قلعة الأمان – أن يعذبه عذابا لا يدركه أحد ولا ينقذه من بين يديه منقذ .. وتوجها إلى قسم الشرطة وهناك قابلوا الضابط الكبير بآيات التبجيل والتوقير واستقبلوا ابن الرئيس باستهانة ولم يسمحوا حتى بالجلوس .. وبدأ التحقيق الذي كان ينتوى به تلفيق قضية للمواطن … وأدلى الضابط الكبير ببياناته شفهيا لكنهم طلبوا بوقاحة من المواطن بطاقته، وكاد المحقق أن يسقط مغشيا عليه عندما أدرك أن من شارك في الاستهانة به هو ابن رئيس الجمهورية .. وفى لمح البصر انقلب الوضع تماما فإذا بالضابط الكبير يتهاوى ويتذلل إلى ابن الرئيس أن يصفح عنه، لكن ابن الرئيس يرفض .. ويحضر مدير الأمن والمحافظ بل ووزير الداخلية لكن ابن الرئيس يظل واقفا، فليس من حقه أن يجلس كابن رئيس وقد منعوه من الجلوس كمواطن.. وتنقلب الدنيا ويشتت الظالمون وينتصر الحق ..
كانت الشائعة رسالة أمل يائس منسحق إليك يا سيادة الرئيس من شعب أمل فيك أن تكون مخلصه ومنقذه من جلاديه .. لكن صحافتك القومية نفت الشائعة بمنتهى القسوة …
إذن … ليس هو أنت ..
ريفي أنا مثلك يا سيادة الرئيس .. وكان ليل القرية الطويل يمنحني الوقت كي أفكر وأتأمل وأحلم وأحاسب نفسي . فهل مارست هذا أنت . أتملك الوقت كي تحاسب نفسك إن كنت قد أخطأت أم لم تخطئ .. أم أن ثمة لعنة في كرسي الحكم تشي لشاغله أنه منزه عن الخطأ ..
مندهش أنا يا سيادة الرئيس ولا أفهم .. لماذا تكون أنت طاهرا .. وهذا هو اعتقاد أغلبية صامتة - رغم بعض ما قيل ولم يحقق – ويكون بعض من حولك غير ذلك ..
ألم تقرأ قولة سيدي وسيدك عمر بن الخطاب إن من ولى أمر المسلمين فاجرا فهو فاجر مثله .. عليه وزر ما فعل ..
يا سيادة الرئيس .. إنك إن تجاوزت عن فاسد واحد في بطانتك فسوف يفرخ مئات الألوف ..
يا سيادة الرئيس إن الأحمق من باع أخرته بدنياه . لكن الأحمق منه من باع آخرته بدنا غيره.
سيدي الرئيس
لماذا يتغير الناس عندما تتغير مناصبهم وأوضاعهم
يا سيادة الرئيس .. إن حياة كل إنسان منا حلقات متصلة قد يختلف فيها الشكل لكن المضمون واحد … لا يتغير المضمون إلا لدى العباقرة والمجانين والخونة .. وعلى هذا فإن مبادئ الإنسان وقيمة الأخلاقية لا تتغير .. وقد تتغير الوسيلة لكن الهدف لا يتغير .. وقد يقع ما ليس في الحسبان فيتأخر الوصول للهدف لكنه لا يتغير .. فماذا كان هدفك يا سيادة الرئيس وأنت في العشرين من عمرك .. في براءة الشباب التي لم تخدشها أنياب الزمن .. وماذا كان هدفك وأنت في الأربعين .. وماذا أنت عليه الآن …
ما رأيك في صدام حسين الآن وماذا كان رأيك فيه منذ أعوام قليلة وأي الرأيين صحيح ؟ ..
ما رأيك في القذافى الآن وماذا كان رأيك فيه منذ أعوام قليلة وأي الرأيين صحيح ؟ ..
ما رأيك في إسرائيل الآن وماذا كان رأيك فيها عام 73 وأي الرأيين صحيح؟..
سيدي :
ما رأيك فيما يقال عن ثروات بعض حكام العالم الثالث الذين ينهبون شعوبهم عبر سلاسل شيطانية بغيضة من الفساد الاقتصادي وتجارة السلاح ؟.
لقد دفعتني هذه النقطة للتفكير طويلا في كيفية إحساس الحاكم وهو يخون الأمانة . في عالمنا الثالث لا يكاد يوجد حاكم غير ثرى، بل فاحش الثراء، ثرى حتى انه ليكفل لأجيال من ذريته أن يكون طعامهم إن شاءوا ذهبا، الدافع المادي إذن غير كاف لكي يكون السبب الوحيد .
أم يا ترى هو الابتلاء الصعب وليس المال الحرام إلا كماء البحر للعطشان، كلما عب منه ازداد عطشا له وسعارا إليه . وهل تتشكل الخيانة بأسلوب سهل مباشر كأن يقنع الحاكم نفسه بأن شعبه ليس إلا مجموعة من الرعاع أقصى ما يمكن أن يطمحوا فيه حد الكفاف، بعد هذا الحد كل مطلب طمع وإسراف سفيه لا يقدم عليه إلا أحمق لا يقدر المخاطر التي تهدد الوطن . بيد أن حد الكفاف هذا لا يخضع لأية مقاييس ثابتة، إذ قد يكون سفيها من يشرب الشاي، أو يأكل الخبز أو حتى يغرق همه وقهره في تصريف الغريزة التي خلقها الله فيه .
وثمة نقطة أخرى فكرت إنها قد تكون تبريرا للحاكم فيما يفعل : إن الثروة محدودة، ولو وزعت بالعدل فسوف يكون عدل الفقر، سيكون الجميع فقراء، لن يضر الفقراء إذن أن يزدادوا فقرا في سبيل توفير الثروة للحكام الذين يتشكلون في كل وطن من طبقة لا من فرد أو أفراد - هل تأتى المبررات بعد ذلك لإثبات أحقيتهم في تلك الثروة، إنهم هم الساهرون على مصالح البلاد ( حتى لو ضاعت المصالح)، الحريصون على أمنها ( حتى لو أفتقد الأمن) الأمناء على رفع رايات النصر (حتى لو انهزموا ) ..
وهل يدخل في إطار هذه المبررات أنهم لكي يستقروا في الحكم مهددون بالموت كل يوم، وأن أي ثروة يحصلون عليها إزاء هذا التهديد المستمر ثمن بخس، وأنهم يستحقون أضعاف الأضعاف لولا رأفتهم بأحوال شعوبهم .
أتساءل : بماذا يشعر ملك يفرض على كل برميل بترول دولارا له، وعلى كل طلقة رصاص سنتا . بماذا يشعر ذلك الحاكم وهو يهمل ألزم الأساسيات لوطنه ويهدر المليارات في مشاريع أقل ما يقال فيها أنها غير ضرورية لمجرد أن ينال نصيبه من العمولة عليها . وبم يشعر ذلك الحاكم وهو يضيع ثروة أمته على أسلحة فاسدة كما حدث في مصر في القضية الشهيرة على الأقل وكما يحدث كل يوم ولدى حكام إخوتنا الذين أنفقوا مئات المليارات – أو آلافها والله لا أدرى – على أسلحة لم تستعمل قط، لم تحم أمنا ولم تهدد عدوا ولم تؤازر صديقا، حتى إذا وقعت المصيبة هرعوا إلى من يحميهم . فيم ضاع ما ضاع إذن، لو أنه ضاع لخطأ في الحساب أو تجاوز في التقدير لغفرنا، لكنهم واصلوا خطاياهم مع سبق الإصرار والترصد والتكرار والاستمرار دون أن يتعلموا أبدا . وليس جديدا علينا أن نعرف العمولات الهائلة التي تدفع في تجارة السلاح. ولو أنهم استعملوا هذا السلاح في الدفاع عما ادعوا أنهم اشتروه لأجله لما استمرت نيران الغضب والكراهية سعيرا في حشايانا، بيد أن من خالف القاعدة منهم فاستعمل هذا السلاح لم يستعمله ضد عدو وإنما ضد شعبه أو ضد شعب شقيق . وذلك الله يا سيدي الرئيس ما زاد من مراجل الغضب في صدري . لقد خدعونا كثيرا من أجل القضية والوطن، من أجل الاستقلال، ثم التنمية في وطن مستقل، وضاعت القضايا والأوطان والاستقلال وهاهم أولئك يحاولون إقناعنا بشيء غريب وهو التنمية عن طريق التبعية .
ولطالما ألقيتم باللائمة علينا، زاعمين أننا كسالى متخلفون حمقى لكن الإحصائيات العالمية تقول غير ذلك .
لقد استورد الشرق الأوسط خمسين بالمائة من جملة ما استورده العالم الثالث من سلاح في الفترة ما بين 1971 و 1989، حتى ليتساءل د. سامي منصور عن تكديس السلاح، هل كان هو السلاح المناسب أم كان استنزافا للقدرات ؟، هل كان السلاح الذي نملك مهارات استعماله أم كان مجرد زينة، كأدوات زينة النساء وأفخر أنواع العطور و أحدث السيارات.
لقد اعترف أحد أعضاء منظمة ثورة مصر بإرغامه على الموافقة على شراء أسلحة فاسدة وذلك أثناء خدمته في القوات المسلحة.
وتجمع المصادر على أن العالم العربي هو أكثر مناطق العالم الثالث إنفاقا حربيا وشراء للسلاح . ومعنى ذلك أننا كأمة قد أدينا دورنا و لم نبخل بشيء .
لقد أنفق العالم العربي – عالمنا – على السلاح في عام 1986 فقط 62 مليار دولار لكل فرد في السعودية و 1300 لإسرائيل
لقد استوردت إسرائيل أسلحة في الفترة ما بين 1951 و 1985 قيمتها 21 مليار دولار، في نفس الفترة استوردت مصر بـ 20 مليارا سوريا بـ 22 مليارا والسعودية بـ 23 مليارا والعراق 25 مليارا وليبيا 21 مليار دولار.
أما مجموع ما استورده العالم العربي فيقارب 220 مليار دولار .. أي عشرة أضعاف إسرائيل .
عشرة أضعاف إسرائيل يا سيادة الرئيس ثم ننهزم .
200 مليار دولار في أقل التقديرات، فهناك تقديرات أخرى تصل بهذا الرقم إلى ألف مليار دولار لشبه الجزيرة العربية فقط .
وعلى الرغم من هذا فذلك جزء من الحقيقة فقط يا سيدي، لأن استيراد السلاح يمثل فقط ثلث الإنفاق الحربي . أمتنا أنفقت 600 مليار دولار على السلاح ثم ننهزم، 600 مليار تجمعت من حلال الجياع لا من حرام الضباع، لم تتقاعس الأمة ولم تبخل ولم تسرق ولم تجن من الفساد إلا الخراب، أما السلاح الذي استوردته الأمة بدم قلبها فقد استعمل أكثر ما استعمل في سفك المزيد من دمائها .
يطلق على فضائح الفساد والرشوة في تجارة السلاح اسم : فضيحة القرن العشرين .
وقد ثبت أن عمولات ورشاوى تجارة السلاح في بعض دول العالم الثالث تصل إلى 10% من قيمة السلاح المستورد .
في اليابان قبض على رئيس وزراء بتهمة تقاضى عمولات عن شراء السلاح، وفى ألمانيا تم توجيه الاتهام إلى رئيس وزراء . أما في العالم العربي فالكل أطهار أخيار أبرار، لم يتهم أحد، ولم يدن أحد، نحن الذين اتهمنا وأُدنا .
آه يا سيادة الرئيس .
حجم الإنفاق الحربي العربي يزيد مرة وثلثا عما تصرفه فرنسا وألمانيا وأكثر من مرة ونصف عن بريطانيا والصين .
يالها من مأساة ..
ليست جيوشا إذن وإنما شركات لتوظيف الجيوش.
شركات للنصب علينا .
تعداد الجيش الإسرائيلي : 786000
والجيوش العربية 687000 2
لدى العالم العربي 17864 دبابة مقابل 3900 لإسرائيل .
إن الحرب القادمة مع إسرائيل هي حرب صواريخ وفيها تحقق إسرائيل تفوقا ساحقا .
ألهذا يدمرون صواريخ العراق، ويوافق العرب في مجلس الأمن .
إنني أعرف أن مصر هي آخر دولة عربية ينبغي أن تسأل عن السلاح، لكنها يجب أن تسأل .
وأعرف أيضا أن حجم الفساد في مصر رغم ضخامته قد يكون أقل من حجم الفساد لدى معظم إخوتنا ..
وبالرغم من ذلك فإننا لا ننسى ما حدث عندنا، في فضيحة قضية البوينج الشهيرة رفض الوزيران أحمد نوح ومحمد مرزيان التلاعب حتى وصلهما أمر رسمي من رئيس الجمهورية أنور السادات بتوقيع الصفقة على الفور، لينشر جيم هوجلاند بصحيفة الواشنطن بوست أن هناك مبالغ أودعت في حسابين سريين في سويسرا أحدهما بـ 8 ملايين دولار والآخر بـ 650000 دولار .
لا ننسى صفقة الأتوبيسات وصفقة حديد التسليح الأسباني، وصفقة الأسمنت، وقضية البترول ومترو الأنفاق ونفق أحمد حمدي، وفضيحة صفقة التليفونات التي زادت قيمتها عن مليارى دولار، بينما كان هناك عرض بنصف المبلغ لكننا رفضناه لنقبل العرض الأغلى الذي قدمه اليهودي كارل كاهان، ولتقبض السلطات النمساوية نفسها على بعض أعضاء العصابة الداخلة في الصفقة ولكننا نصر هنا على أن الجميع أطهار أخيار أبرار.
هذا ما حدث عندنا ولعله مجرد فتات بالنسبة لما يحدث عند جيراننا، فما هو الضمان أنه لم يعد يحدث .
هذا ما حدث في صفقات تتابعها الصحف ويوافق عليها مجالس الشيوخ والشورى والأمة، فماذا يحدث إذن في صفقات لا تتابع ولا تعرض، ماذا يحدث في صفقات السلاح ؟ .
قل لي يا سيادة الرئيس محمد حسنى مبارك :
لماذا تقبل تفويض مجلس الشعب في استيراد السلاح ؟؟؟؟
عيد ميلاد سعيد يا سيدي .
عيد ميلاد سعيد حقا وصدقا .
وأرجو أن تسمح لي بمواصلة حديثي معك في العدد القادم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة … والصلاة والسلام على القدوة والأسوة.
الأستاذ الفاضل / د. محمد عباس
تحية من عند الله مباركة طيبة .. وسلاما أرق من نسيم الصباح وأعطر من شذي الريحان ..تحية من قلوبنا نرسلها من خلف الأسوار .. نرسلها بعبير دمائنا وشذي محنتنا.. نرسلها من قلوبنا يحملها إصرارنا يطير بها فوق المحن والآهات لتصل إليكم متمنية لكم كل الخير والتوفيق.. داعية لكم من أعماق القلب أن تكونوا على خير حال يحبه الله ويرضاه .. وأن يصرف عنكم السوء وأهله وأن يحفظكم من كيد الظالمين وألا يجعل لهم عليكم سبيلا .
أستاذنا الفاضل
نتابع بكل لهفة وبمنتهى الشوق كتاباتكم المباركة .. وحقيقة في هذه العجالة نود أن نقدم لكم شكرنا .. ونسأل الله تعالى أن يجازيكم خير الجزاء وأن ينصركم في الدنيا والآخرة لما تكتبونه بمنتهى الشجاعة والقوة والوضوح نصرة للمستضعفين . المقهورين في بلادهم وأوطانهم .. وحربا على المفسدين الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا..
أستاذنا الفاضل ..
رغم محنتنا ورغم الأسوار إلا أننا نرى إشراقة الفجر تشق دياجير الظلمات .. سوف يأتي الفجر – أستاذنا – قريبا وسيمسح بطيب نسماته آلام الظلام .. سوف يأتي الفجر – أستاذنا – قريبا وتحقق الآمال
نعم .. نراه يرنو من قريب .
تتوق الأنفس إليه .. ولكنها حكمة لا بد أن تتحقق
"… ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .. "
وختاما ..
تقبلوا سلام إخواننا من هاهنا جميعا ودعواتهم وتحياتهم .
وفقكم الله إلى كل خير ..
ونصر بكم الإسلام والمسلمين ..
إخوانك
ممدوح على يوسف
صفوت عبد الغنى
مــــــن مواطـن مصري
إلى الرئيس مبارك "2"
فخامة الرئيس :
عام سعيد يا سيدي .
عام سعيد عليك وعلى أمتك..
عام سعيد يخفف عنا وطأة أعوام الحزن .
عام سعيد ترفض فيه تفويض مجلس الشعب لاستيراد السلاح، وليس هذا فقط ما نرجوه من بطل 10 رمضان، بل ونرجو أن تكون مصر تحت قيادتك سباقة لتشكيل لجنة على أعلى مستوى لمراجعة كل مشتريات السلاح في مصر لتعلن نتيجة مراجعتها على العالم، لجنة تكون وسام فخر لعهدك ووصمة عار لأشقاء لم تكن الجيوش عنهم إلا جيوش المحمل والمهرجانات وإرهاب الشعب، وجيوش جعلتهم رحماء بالأعداء أشداء بينهم، جبارون علينا خوارون أمامهم .
لقد هزمنا وتعدادنا كعرب أربعون ضعف تعداد إسرائيل، ناتجنا القومي عشرون ضعفا، تعداد جيوشنا أربعة أضعاف، وحجم أسلحتنا أربعة أضعاف، وإذا ما أدخلنا العالم الإسلامي في الحسبان – كما يجب – لتضاعف الفارق أضعافا مضاعفة أخرى .
وقد يتبادر إلى الذهن أن أسلحتنا كانت متخلفة، وهذا ما تنفيه تماما مؤسسات الغرب العسكرية ومجلاتهم المتخصصة .
وقد يزعم حاكم أن شعوبنا متخلفة عن شعوبهم، لكن الإحصائيات عن حملة الماجستير والدكتوراه في بلادنا، وعن نماذج المواطنين الفذة التي تستطيع عبقريتها في الخارج، كل ذلك دليل قاطع هو أن الفرق بيننا وبينهم هو الفرق بين حكامنا وحكامهم .
لم نهزم إذن عن قلة .
ولم نهزم عن ضعف في الإمكانيات أو نقص في المال والعتاد.
هزمنا بعد ما قدّمنا، لم نقصر كأمة، أما ما ضرب علينا من الذلة والمسكنة فلم نكن نحن سببه، نحن قدمنا أكثر مما قدم أي شعب في العالم، هل استثمرتم أنتم كقادة ما قدمنا ؟ هل كنتم في مستواه ؟ هل أضفتم عليه أم أهدرتموه، ضيعتموه، سفحتموه؟..
لا تغضب يا سيادة الرئيس وخذ من التاريخ عبرة .. فإن العبيد والجوارى الذين كادوا يؤلهون جمال عبد الناصر هم الذين يجلدون اليوم بالسياط ذكراه .. وأولئك الذين كادوا يعبدون السادات من دون الله هم – لا من أبغضوا السادات في الله – الذين امتهنوا كل شئ في ذكراه حتى عرضه، وبرغم أنني من قوم يرون في جيهان السادات ملامح هند بنت عتبة فقد نزف قلبي دما عندما لاك إبراهيم سعدة في فمه ما هو أعز على المرأة من كبد الحمزة علينا وعليه.
نسى أنه يكتب في عهد الفلاح حسنى مبارك فهجر النصيحة وفجر الفضيحة.
ذلك يا سيدي أن قانون الله في ماله وسلطانه أنكم ما منحتموه غير أهله إلا حرمكم الله ودهم وشكرهم .
أفتأمن يا سيدي على نفسك منهم ؟؟ !!
أتشك أنك ميت وأننا ميتون ؟؟ !!
ماذا تتوقع أن يكتب عنك إبراهيم سعدة بعد موتك، أي إبراهيم سعدة وكل إبراهيم سعدة، ماذا تتوقع أن يكتب أنيس منصور وسمير رجب، وكثيرون وكثيرون وأنت تسمعهم وتقربهم، ولست طامعا والله في شئ من ذلك فأنا غنى عن قربك غناك عن قربى، لكنني أخشى على وطن ائتمنت عليه، وأمة أسلمت لك قيادها، لا شورى ولا طوعا .. وإنما انتخابات واستفتاءات .. إن كنت تعرف ما يحدث فيها فما أشد غضبى وإن كنت لا تعرف فما أشد يأسى .
أجل يا سيدي، أنا غنى عنك غناك عنى، غنى عنك يا سيدي، غنىُّ عنك غِنى ذلك الزاهد الذي دعاه هارون الرشيد إلى طعامه فأبى الزاهد أن يقربه مبديا اشمئزازا وتأففا من أصناف الطعام الفاخر حتى دهش الخليفة وظن أن الرجل لجهله لا يدرك قيمة ما أمامه، لكن الزاهد لم يلبث حتى مد يده إلى أصناف الطعام وملأ قبضته منها ثم أخذ يعتصرها ليتساقط منها دم وأشلاء بشرية فيصرخ قائلا : هذا هو طعامك الذي تدعوني إليه يا أمير المؤمنين . وعيف الطعام فرفع.. ثم نودي بالشراب فمد الخليفة يده إلى كوب ماء فحال الزاهد بينه وبين الماء متسائلا : كم تدفع فيه يا أمير المؤمنين إن مُنِعته ؟ فأجابه : أدفع فيه نصف ملكي، وخلا الزاهد ما بينه وبين الماء حتى ارتوى فسأله : فكم تدفع لو حصرت فيه؟.. فأجابه الخليفة : أدفع فيه نصف ملكي الآخر.. وهنا قام الزاهد مغادرا مجلس الخليفة وهو يقول في ازدراء :
- ما أهون ملكا لا يساوى شربة وبولة !!
لطالما ساءلت نفسي يا سيادة الرئيس : كيف وأنت الدمث المهذب الرقيق تترك مسوخا تعبر عنك، تنقل لنا فكرك، تحمل أوزارهم ولا تنال منهم نصحا وأنت حي ولا إنصافا بعد أن تموت .
كيف ولماذا وحتى متى ؟؟!!
لماذا تتركهم يشوهون مواقفنا ؟ لماذا يكذبون فيدّعون علينا ما لم نقله ؟ ينشرونه في صحفهم الواسعة الانتشار ؟ بل في صحفنا نحن التي استولوا – بإذنكم – عليها ليعاملوها كما تعامل السبي، ثم يأخذون في الرد علينا، يفندون ما يدعوه ولم نقله.. كانت أرواحهم ونفوسهم وجذورهم تمتد دائما خارج الوطن رغم أنهم غالبا كانوا يعيشون بأجسادهم فيه يستنزفونه، كما يعيشون في الوطن بينما كان الوطن يعيش فينا، في قلوبنا وبين حشايانا، نرويه بدمنا فيستنزفون دم الوطن ودمنا .
عيرونا بهزيمة 67، ويومها هزمنا نحن لا هم وهزمت أنت أيضا معنا يا محمد حسنى مبارك، الغرب واليهود وهم انتصروا، وفى إعجاز مذهل لخص نجيب محفوظ الأمر كله بأن مصر لم تهزم في حرب 67، بل انتصر نصف العرب على نصفهم الأخر، انتصر نصفنا على نصفنا، وكانوا هم النصف المنتصر، مع أعدائنا انتصروا علينا . نحن لم نؤيد الظلم والبطش والجبروت والظلم والطغيان والمعتقلات . بل كنا ضحاياها، أيدها هؤلاء الذين يعيروننا اليوم . فلماذا تسمع لهم يا سيادة الرئيس ولا تسمع لنا، ولماذا تسخّر لهم وسائل إعلام -المفروض أنها ملك الأمة- كي تكون مطاياهم التي يسحقون بها هامات الأمة ؟
أجل، لم نكن مع الفساد والظلم لكننا كنا مع بناء السد العالي وتأميم قناة السويس وحرب الاستنزاف وأدنا بكل ما نملك من قوة السجون والمعتقلات وغيبة الديمقراطية، وكنا مع سعودية فيصل عندما وقف بكل الشموخ مهددا : نحن قريبي عهد بحياة البداوة فإذا ما قررت أمريكا الاستيلاء على أبار بترولنا، سنشعلها ونعود بدوا كما كنا، وكنا مع السادات حين أشعل نار أكتوبر وكنا ضده حين أطفأ نوره، كنا معك أنت أيضا يا سيادة الرئيس بكل ما في القلب من حب وبكل ما في الروح من عزم وقوة وأنت تحارب أعداءنا وأعداءك، كنا معك، كنا نتلمس الأعذار والتبريرات لأخطائك، لم يفعل اليوم لكنه غدا سيفعل، لم يكتشف بعد لكنه حتما سيكتشف، حتى كانت الغاشية في حرب الخليج .
الغاشية …
إن كل أحزان زولا وأعماق دستويفسكى وبحور تولستوى وعوالم فوكنر وجيشان إبسن، وحوارى نجيب محفوظ، وصدمات الحلاج وآلام صلاح عبد الصبور، كل ذلك غير كاف للتعبير عن مشاعري، كمواطن، كوطن، كتاريخ، كأمة .
ذبحتني فنخعتنى .
أكان كل ما مضى وهما، سرابا، إسقاطا لأحلام ضائعة عليك ؟ ..
قل لي بربك لماذا اشتركت في عاصفة الصحراء ؟ أهذا هو أنت، وذلك الوجه الطيب الذي هو وجهك، الوجه الذي طالما أراحني في بداية حكمك، حين كنت أرى فيه وجه أبى وآخي وصديقي وابني، كوجه مصري في بلد غريب يشدني بالحب والانتماء إليه ؟ أكنت من البداية هكذا أم أنك تغيرت، أم أنني أنا الذي لم افهم ولا أفهم ولن أفهم ؟ لو أن أحدا قال إنك يمكن أن تفعل ذلك لشاجرته . الفلاح المصري ابن كفر المصيلحة مركز شبين الكوم منوفية لا يمكن أن يفعل هذا، الضابط المصري العظيم الذي تجرع معنا ذل الهزيمة ومهانتها ثم رشف معنا رحيق حلاوة النصر لا يمكن أن يفعل هذا، لا يمكن، المنطق يرفض، والدين يرفض، والعرف يرفض وحتى قانون العيب يرفض .
ولم يكن التخلي عن علاقتي بك سهلا، كان مؤلما كالسلخ، رحت أحاور نفسي.. إن كان هو يتغير فنحن أيضا نتغير..
إن كان قد غير موقفه من العراق فانقلب عليها فنحن أيضا غيرنا موقفنا من الهجوم عليها إلى مساندتها .
لماذا أحمل عليه إذن وقد غيرت موقفي مثله ؟
أفقدتني الثقة بنفسي..
إما أن أكون على صواب وأنت خاطئ أو تكون المصيب وأنا مخطئ .
وضعتني في موقف البين بين، موقف الشك وانعدام اليقين، أقسى المواقف وأكثرها عتوا .
أراجع نفسي، أؤنبها، أوبخها وأبخعها، أتساءل : لماذا لا أفترض أنك مصيب، بل لماذا لا أفترض أن السادات كان على حق، العالم كله يركع ثم يسجد أمام العلج الأمريكي، فهل كان السادات محقا حين سبق العالم بالركوع والسجود – والتعبير ليس لي إنما المسئول سعودي قال : " لقد طلبنا من السادات أن ينحني أمام أمريكا ففوجئنا به يسجد أمامها " – فهل كان السادات أبعدنا نظرا أم أكثرنا خيبة، أم كان فأر التجارب الذي أجرت عليه المخابرات الأمريكية والمحافل الصهيونية بروفتها الأخيرة، كي تضرب بعد ذلك ضربتها الكبرى مع جورباتشوف وصدام فيسجد العالم أمام أصنامها وطواغيتها وعلوجها ؟..
أهذا هو الابتلاء الأخير لنا، حيث يحاط بنا فمنا من يثبت ومنا من يظن بالله الظنونا ؟ والله يا سيدي إن ظني بصدام لأسوأ من ظنك فيه ذلك أنك تدينه كرئيس شطح عن نمط الرؤساء والملوك، بينما أنا أدينه – وأدينك- لأن القاعدة عندي والمقياس ليس نمطكم وإنما نمط السلف الصالح والخلفاء الراشدين وتراث أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
لكن الأمر لم يكن أمر صدام ولا غزو الكويت، وإنما كان صدام حضارتنا بوحشيتهم وإيماننا بكفرهم، خير أمه أخرجت للناس بأممهم، وهو صراع كتب علينا فيه القتال وهو كره لنا .
لكن موقفك يومها كان فارقا ..
من لحظتها، - لحظتها فقط – عمقت الفجوة واتسعت الهوة وابتعد القرار .
لم نكن ضدك، ظنناك في البداية تناور كي تنقذ، كي تحمى، كي تصون .
ظنناك تناور، كما ظننا ذات يوم إنك ستناور كي تنقذ خالد الإسلامبولى وسليمان خاطر .
لكن كتبتك رغم انذباحنا لم يرحمونا . وكما ادعوا علينا زورا أننا قلبنا قارعة 67 نصرا وحولنا مجد 73 هزيمة، كما ادعوا ذلك .. في أقذر حرب في التاريخ ادعوا أننا كنا مع صدام، بينما معه كانوا وضده كنا، ومنه تلقوا الهدايا والرشاوى، وهاجمناهم فاتهمونا بأننا لا نفهم وأننا نتلقى الرشاوى من إيران، ثم انقلبوا عليه ليدعوا أننا خونة وحمقى لأننا ندافع عن صدام وما عنه دفاعنا ولكننا دافعنا عن شعبنا، عن أنفسنا وثروتنا وأسلحتنا وجيشنا فصدام زائل وأنتم زائلون ونحن زائلون لكن كل ذلك كان يجب أن يبقى للأمة، لأجيال تأتى بعدنا.
آه يا سيادة الرئيس
ما أوسع الفجوة وما أشد الألم .
لقد ظل بيني وبينك خيط لم ينقطع وفتق لم يتسع إلا بموقفك ذاك .
طيلة الوقت ،رغم كل جرح وكل نزف وكل صدمة ظللت أتخيل نوعا من التفاهم السرى بيني وبينك، نوعا من التفاهم السرى لم نتفق عليه لكننا بأعمق ما في الروح ظننا أننا ندركه .
ثم حدث ما حدث .
إن كنت يا سيدي قد نسيت فأنا لم أنس.
أم تراك قد نسيت ما قاله لنا كتبتك عبر صحفك وإذاعتك وتليفزيونك، ما قلتموه عن الخطر الفارسي على العرب فأحييتم فتنة كانت قد انطفأت منذ ألف عام، ولم يأبه أحد ولم يحاذر من أن إشعال نار فتنة لن يقتصر عليها . أخذتم تمجدون صدام البطل الذي يدافع عن بوابة العرب الشرقية ضد المجوس، لنفتح الباب في ذات الوقت أمام من يريد إخراجنا من زمرة العرب، أمام من يقول إننا فراعنة، والسودان والصومال أفارقة ودول المغرب العربي بربر، لكن الانفعال استبد بهم فقال قائلهم إن خطر إسرائيل لا يساوى شيئا إزاء خطر الفرس المجوس، لكننا يا سيدي رغم تكريس كل أجهزة إعلامك نقمنا عليك وهاجمناك حين ناصرت صدام في ظلمه، لا برده عنه بل بمساعدته عليه، وأخذتم استجداء لتأييد الأمة، تقسمون الأمة إلى سنة وشيعة وهى أسماء سميتموها لم يقل بها قرآن ولم يرد حديث نبوي شريف، لكنه كان استمرارا فاجعا لشق اجتماع الأمة وفض إجماعها وتشتيت شملها وبلبلة فكرها وتمزيق وحدتها .
تتعدد المسميات لكن الهدف واحد، كان خطأ فاجعا منك يا سيادة الرئيس أن تقف هذا الموقف حينذاك مع صدام ضد إيران، لكننا كنا نلتمس لك عذرا واهيا في أنك بعيدا عن الدين تتبع المثل العامي المصري، فتقف مع أخيك ضد ابن عمك، لكن ها هو ذا الغريب يسفك دم أخيك، فإذا بك تعاونه، وابن عمك – إيران – يصرخ بكم ألا تضيعوا أخاكم، كيف فعلتها يا مبارك، كيف فعلتها ولماذا ؟ غيرك فعلها قلبي يوطد أركان عرش متهاو فقد شرعيته بين أهله وداخل أرضه فراح يتسولها ببيع أرضه وأهله .. غيرك فعلها لأنه لا يستحق ما يملك، لكن .. أنت النزيه الشريف ذو الكفن الذي لا جيوب له لم فعلتها ؟ لم رضيت من الوفاء باللفاء ؟ لماذا لم تكن الوسط، لماذا اخترت الغلو ؟ بينما خير هذه الأمة النمط الأوسط يلحق بهم التالي ويرجع إليهم الغالي، نحن يا سيدي كنا مع العراق وهو ينسلخ عن أعداء الأمة وخونتها، لكننا كنا ضده عندما راح يأكل أهله، وكنا ضد إيران الشاه عبدة أمريكا وصديقة إسرائيل – وبالمناسبة لم يكفر كتبتكم أيامها الشاه رغم أنه شيعي – وأيدناها بمنتهى القوة عندما أصبحت ضد أعداء العرب المسلمين، والذين أخذوا يشعلون نار الفتنة ليندفع الحمقى في حرب وقودها أمة محمد، وصرخنا فيكم :
- صدام ظالم فانصروه برده عن ظلمه .
لكنكم رحتم تكدسون السلاح عنده، والأسياد في الغرب يحرضون وينصحون، وأنتم تستجيبون، وهم يعلمون أن تكديس السلاح لدى العراق يشكل عامل ضغط عليه قلبي يمارس العدوان، كان عدوانا ظالما على إيران كذبت أجهزة إعلامكم علينا فيه، وقلتم لنا أن انكسار العراق هو انهيار لأمن الأمة وشرخ لباب البيت..
يا إلهي.. لقد حطمتم أنت الباب وخربتم البيت، لتعود أجهزة إعلامنا دون حياء تتباكى بكاء التماسيح على ظلم صدام لإيران .
أناشدك الله يا سيادة الرئيس، هل اتخذتم قرار تدعيم العراق أيامها بناء عن اقتناع حقيقي أم أن الصديق الأمريكي هو الذي أوحى إليكم بذلك ؟ كان يعرف منذ البداية أنكم ستدفعون دم قلوبنا في سلاح يذهب للعراق يتكفل هو بتدميره في النهاية..
ثم كانت الغاشية .
واعترف كتابكم أخيرا بظلم صدام، لكن صدام لم يكن وحده .
ولم نحول موقفنا من إيران إلى العراق بل ثبتنا على موقفنا من الأمة .
وكانت الفضيحة لكتبة لا يعرفون الفضيحة، أن إيران نفسها وقفت مع العراق ضد أعداء الدين والأمة .
وبالرغم من ذلك أخذ كتبتكم يعيروننا بموقفنا من العراق، فوالله لا نملك إلا تذكر ذلك الأحمق الذي قابل عمار بن ياسر – وهو أمير – ليسبه قائلا : يا أجدع الأذن، ( وكانت أذنه قد قطعت بسيوف المرتدين في حرب اليمامة ) فلا يقول الأمير له إلا: خير أدنى سببت، لقد أصيب في سبيل الله . وها أنتم أولاء تعيروننا بخير مواقفنا مع العراق ووالله ما كانت إلا في سبيل الله .
ولأستعر قولة سيدي وسيدك عمار بن ياسر لبنى أمية، ولأنح نحوه :
" أما أنتم فوالله ما قصدتم الحق لكنكم ذقتم الدنيا واستمرأتموها وعلمتم أن الحق يحول بينكم وبين ما تتمرغون فيه من شهواتكم ودنياكم، وإنكم خدعتم الناس بزعمكم أنكم تسعون لتحرير الكويت، وما أردتم إلا استمرار أنظمتكم لتكونوا جبابرة وملوكا ."
هل تظن يا سيدي أنك انتصرت عندما انضممت إلى قوات التحالف ؟
أم انتصرت الأمة ؟
الذي انتصر يا سيدي شخص له نفس ملامحك، نفس رسمك، يلبس ذات الملابس ويقطن نفس الأماكن ويتحدث بنفس الصوت لكنه ليس أنت، الذي انتصر عدو الله وعدو لنا وعدو لك .
نحن لم نكن معك ولا ضدك .
لم نكن مع شخص ولا ضد شخص .
كنا فقط مع من ينصر الأمة، مع من يوحد كلمتها ويرفع رايتها ويواجه أعداءها، فإذا انحرف لم ننحرف خلفه بل هرعنا إلى خالقنا ندعوه أن يحفظنا على الصراط المستقيم لنقف ضد الضالين المغضوب عليهم من الله فمنا .
لقد تابعت بإعجاب حزين مجهوداتك يا سيدي الرئيس لإنقاذ ليبيا
إعجاب حزين، لأننا كنا نتسول الصفح منهم، وهم لا يكفون عن إذلالنا، لم أستطع منع موقفي من التساؤل : لماذا لم يكن مثل هذا الجهد مع العراق، ولو أننا استنقذنا قوة العراق من براثن الوحوش هل كنا سنضطر لكل هذا التوسل المذل المهين لإنقاذ ليبيا، وهو توسل سنلجأ إليه دائما، مرة لليبيا ومرة لسوريا وأخيرا لمصر .
لقد دهشت لسذاجة مفكر مشاعري اقترح – في قصر نظر ليس منقطع النظير – أن تسلم ليبيا المتهمين وينتهي الأمر، لا يدرك الأحمق السلسلة الجهنمية التي ستعقب ذلك بخلخلة نظام الحكم هناك خلخلة تنتهي بطلب تسليم القذافى لمحاكمته، وقد يحدث انقلاب مبرمج يسفر عن تسليم القذافى فعلا، وقد لا يحدث الانقلاب فتضرب أمريكا وبريطانيا ليبيا، لن تضربا السلاح فقط بل المصانع ومشروع المياه العظيم وكل بادرة تقدم، ولن يحدث ذلك كله إلا لكي تكون ليبيا رأس الذئب الطائر بالنسبة لكل حاكم عربي، أن يضعوا كل حكم في الاختيار الرهيب بينه وبين الوطن .. إما أن يستمر ليحقق لهم أغراضهم أو يؤسر ليحاكم .
هل تذكر يا سيادة الرئيس خطة إسرائيل لاختطاف جمال عبد الناصر ذات يوم؟
إن أمريكا ترفض استقبال ياسر عرفات لدخول الأمم رغم مخالفة ذلك للقانون الدولي، وتقابل مانديلا استقبال الرؤساء …
أصبح القانون أهواءها والشرعية مزاجها .
إنها يمكن أن تضرب أي دوله و تبرر عدوانها بأنه ضرب للإرهاب .
ولقد اختطفت نورويجا لمحاكمته، وأصدرت حكما بالإعدام على صدام، وقامت بمئات العمليات القذرة لاغتيال زعماء وتدمير الأمم .
هل يسيطر على الحكام العرب خوف من ذلك أو من شئ مثله ؟
هل يتحكم ذلك الرعب في قراراتهم ؟ إن لطفى الخولى يصرح في الأهرام 18/3/1992 :
" ثمة فكرة محورية خطيرة تدور في الوجدان الغربي، وهى أن الحضارة الغربية – اليهودية المسيحية – المتقدمة باتت مطالبة تاريخيا بالتصدى العنيف للحضارة العربية الإسلامية المتخلفة والعدوانية "
فما هيخطتنا للصدى .. للمقاومة .. للدفاع عن الدين والوجدان والهوية والحضارة بل للدفاع عن الوجدان .
يا سيدي :
أجدنى مضطرا إزاء غلواء كتابك وشططهم، إزاء شهادتهم الزور أن أعترف لك بشيء وأن أقسم له بالله الواحد الأحد أنه حق وصدق، عندي فجر ذلك اليوم الكئيب الذي دهمتنى فيه أنباء غزو الكويت استشطت غضبا، استيقظت كراهيتي القديمة لصدام حسين، وتجسد في وجداني ذلك الذنب الهائل الذي لن أغفره له قط في إهدار قوى الأمة واستنزاف طاقاتها لصالح أعدائها، وفى حماقة الغضب تمنيت أي تدخل حاسم يردعه " يخلعه من الكويت " وفى حماقة الانفعال لم استبشع أي نوع من التدخل .
مالي أخجل من موقفي، مالي أخجل من مصارحتك، كي وعدتك أن يكون حديثي لك كله حديث صدق .
في جحيم غضب الساعات الأولى تمنيت أن يقف العالم كله ضده، حتى الشيطان الأكبر، كي ما لبثت أن استرددت وعيي وعقلي في نفس اليوم .
والله يا سيادة الرئيس ما زلت حتى الآن كلما تذكرت ذلك أخجل من موقفي .
فكيف لم أدرك من اللحظة الأولى أن الأحمق قد استدرج لا لمصرعه بل لمصارع قومه، لمصرعي أنا.
وكيف لم أدرك من اللحظة الأولى أن قيام الغرب بحماية دول البترول سوف ينهى لمائة عام انتماءها إلينا، وسوف تنشق الأمة كما لم تنشق قط .
وجرت الحوادث فصدق ظني.
وعاد جيش مصر لكن جيش أمريكا بقى .
وتحررت الكويت لكنها لم تعد إلينا .
ولم يعد إلينا الخليج ولا حتى السعودية .
ورجع جيشنا في غضب من لم يقدر صنيعه .
وكنا كالنعامة حين راحت تبحث عن قرنين فعادت بلا أذنين.
وانسحقت العراق لكن صدام بقى .
وبالرغم من ذلك كله استمر إذلال العراق لا صدام .
استمر إذلالي كوطن ودين وأمة .
استمر سحقي وتحطيم كبريائي وإذلالي وإهانة ديني، وقد نصحنا جنودهم أن ننادى المسيح ما دام إلهنا لا يستجيب لنا .
ولا نملك إلا أن نقول قوله الحسين : كل ما حم نازل، عند الله نحتسب أنفسنا وفساد أئمتنا.
سيدي الرئيس :
لقد تحررت الكويت .
إذن : ما هذا الذي يحدث لشعب العراق الآن ؟
ألم تشعر بأن كل هذا الإذلال الذي يوجه إلى العراق ينال منك ؟ إنك أنت المقصود به ونحن معك .
هل هذا هو عنوان لنظامكم الجديد ؟ هل تفوق جرائم صدام حقا جرائم شامير ؟ وإلا فلماذا لم تطله الداهية الدهياء؟ أم سلمتم لهم بأننا أبناء الجارية، وأننا عبيد ؟
مهما بلغت جرائم أي حاكم عربي فهل تبلغ جرائم حكام إسرائيل الذين وصفهم بعض المفكرين بأنهم مجموعة المرضى النفسيين العاشقين لسفك الدماء ؟
أجل … ما يحدث الآن يا سيادة الرئيس ليس إذلالا لشعب العراق بل هو إذلال لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ولقد شاغلونا بليبيا حتى ننسى العراق وحتى ننسى ما يفعلوه بنا في مدريد وموسكو وواشنطن " وغدا يشاغلونا حتى ننسى أنفسنا .
ويذبحني ذات يوم يا سيدي تصريح رسمي لك أننا على الحياد بين الفلسطينيين وإسرائيل .
يخيل إلى أنني حين أموت ذات يوم سيكون حيني وأنا أقرأ ما نشيت صحيفة أمام شاشة التلفاز وهو يذيع خبرا من أخباركم يا سيادة الرئيس، والله أقولها جدا لا هزلا، ومطالعة لا مبالغة، حين يغلى الدم في عروقي وتحترق موقفي وتتعذب روحي فتتسارع دقات في وألهث كحيوان عاجز حبيس في قفص يرى الإهانة ويحس المهانة وهو عاجز حتى عن الصراخ، حتى لو تركوا له فما غير مكمم، لأن ما بقى به من العقل بعد ما جرى له يجعله يفهم أنه مهما صرخ فلن يسمعه أحد ولن يدركه أحد ولن يتأثر بصراخه أحد .
غير كاف .
غير كاف .
غير كاف .
سأموت وأنا اسمعها ذات مرة من عتل زنيم يرأس الولايات المتحدة الأمريكية يذل بها قوما هم قومي، وملكا أو رئيسا – مهما جار على، مهما قتلني – فهو منى وأنا منه، هو النازل منزلتي فكأننا شخص واحد لا يختلف إلا في البدن
غير كاف.
غير كاف .
غير كاف .
والملك الرئيس الأمير الخليفة ملك العبيد وعبد الملوك في شبكة الصياد مذعور يحاول أن يتملص، يخلع رداء القوة، غير كاف، يخلع رداء الكرامة، غير كاف، يصرخ أنا مجروح، غير مهم، يخلع رداء الشرف، غير كاف، يدفع الإتاوة، غير كاف.
غير كاف.
ألم يدرك أحد بعد ما هو كاف .
إن كان ذلك كله غير كاف فما هو كاف.
أنا أقول لك يا سيادة الرئيس .
الدين والملة والجغرافيا والتاريخ والحضارة .
أعطهم ما شئت يا سيادة الرئيس.
وافقهم على كل شروطهم، مجد نظامهم العالمي الجديد، نفذ تعليمات صندوق النقد الدولي، طور العلاقات مع إسرائيل وعمقها، أقنع سوريا بالتفاوض حول الماء والتجارة والأرض المحتلة، إحمد لهم غض الطرف عن حقوق الإنسان حين يكون أحد مواطنيك ؟، شاركهم في أكل لحم أخيك حيا أو ميتا كما حدث لشعبنا في العراق، إضرب لهم ليبيا أو شاركهم، حاصر السودان، وأيد الدُّمى التي تحكم باسمهم بعض شعوبنا، جارهم في استنزاف اقتصادنا ومحو هويتنا ووأد آمالنا، افعل ذلك – وما أظنك بفاعله كله – لكنك حتى ولو فعلته كله فلن ترضى إسرائيل وبريطانيا وأمريكا عنك، لن يرضوا عنك حتى تتبع ملتهم، فإن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم، فكيف تطلب منا وليا وكيف ترجو من الله نصرا .
يا سيدي، استحلفك بتراثك أنت يا بطل أكتوبر العظيم ألا تتخذهم أولياء فبعضهم أولياء بعض فإن توليتهم فإنك منهم والله لا يهدى القوم الظالمين .
إنهم يحسبون يدك وأيدينا ويد الله مغلولة، غلت أيديهم، لكن الخيارات أمامنا واسعة ومتاحة وسوف – بمشيئة الله – تحدث، فنل أنت شرف البداية .
أجل ……
مهما فعلت لهم لن يرضوا عنك إلا أن تترك ملة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أخبرك القرآن بذلك منذ ألف وأربعمائة عام .
هل تظن يا سيادة الرئيس بعقلي الظنون، هل تتساءل أهي شجاعة أم تهور، أحب ظهور ؟ ولو كان لكان مديحك أولى وأجزى، ولكنه ليس ذلك كله وإنما تذكرت الموقف الرهيب في اليوم العظيم يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، أخشى ذلك اليوم، يوم لا يغنى عنى – ولا عنك – ماليه، يوم يهلك عنى – وعنك – سلطانيه يوم يقال خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه، من أجل هذا اليوم يا سيدي الرئيس أقسم بما تبصرون وبما لا تبصرون، أنني تخيلت موقفي يومها والله يحاسبني كيف يستخلفني في الأرض فأنكص عن كلمة حق أمام سلطان جائر، وساعتها سيدي قارنت جبروتك في الأرض بجبروته في السماوات والأرض فخشيت منه وانحزت إليه داعيا أن يكلأني وإياك برحمته .
سيادة الرئيس محمد حسنى مبارك ....
يا محمد حسنى مبارك..
إنها لا تساوى عند الله جناح بعوضة، لا تساوى جيفة، وهى ابتلاء وفتنة، أم حسبت أن تقول أمنت ولا تفتن..
ستفتن يا سيادة الرئيس كما فتن الذين من قبلك وليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين .
من أجل ذلك كله يا سيادة الرئيس أكتب إليك مدركا أننا نحتاج إلى الصدق في علاقتنا أكثر من حاجتنا له في أي يوم مضى، نحتاج إليه، فبدونه لن نخرج أبدا من هذا الكابوس الذي نعيشه .
نحتاج إليه لأن سيدي وسيدك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أخبرنا أن المسلم قد يسرق وقد يزنى وقد يسرق لكنه لا يكذب .
لكننا بالرغم من ذلك نكذب عليك يا سيادة الرئيس، أجل نكذب عليك، ونكذب على بعضنا، أجهزة إعلامك أيضا تكذب علينا، وأنت تعرف أننا نكذب وأن أجهزة إعلامك تكذب، وأننا نعرف، وأنهم يعرفون، الصحافة كذب والمجلات كذب والمذياع كذب وتصريحات المسئولين كذب والانتخابات كذب والاستفتاءات كذب والاستقصاءات كذب وتحليل الرأي العام كذب والمعاهد الاستراتيجية كذب والشعارات كذب والأهداف كذب والنتائج كذب فكيف يتمخض كل هذا الكذب عن صواب . تسلل الكذب إلينا، تسرب إلى أعمق خلايانا، كل مرؤوس يكذب على رئيسة وكل رئيس يكذب على مرءوسه، في أعلى المستويات وفى أدناها، حتى حين لا يكون للكذب ضرورة ولا للصدق خطر، لكننا تعودنا عليه حتى لم نعد نجيد سواه، أصبحنا نكذب حتى على أبنائنا وهم يكذبون علينا، لا في السياسة فقط، وإن كانت هيالأصل، عندما يسألني ابني عن آيات القرآن التي تتحدث عن بنى إسرائيل – الآيات التي حذفها منشور وزاري – فإنني أعجز عن الإجابة، إن كان القرآن يدعونا للسلام معهم حقا، فلماذا نؤمن ببعض آياته ونحذف بعضها الآخر، أم كفرنا بها، كي أكذب على ابني كيلا أبلبل فكرة، فربما يعيش في زمان آخر غير زمني يعطيه الإجابة على سؤاله .
هل يختلف ما يفعله إعلامك اليوم بي سيادة الرئيس عن صراخ أبى جهل في أحد المسلمين السابقين : نحن خير منك، لنسفهن حلمك، ولنضعن شرفك، ولنكسدن تجارتك ولنهلكن مالك .
وأنت يا سيدي الرئيس : أتعلم أم لا تعلم :
لقد خفّت إدانتي لك حين جمعتني الصدفة بمن أوتى علما فسألته : ألا يصدق المحيطون بالرئيس له النصيحة ؟ وضحك من أوتى حظا من العلم في مرارة وهو يقول أنه يعرف الكثيرين ممن كانوا حول الرؤساء وممن حولك، وقرر أنهم لا يصدقون النصح، لا عن خيانة، وإنما لأنهم ببساطة لا يجرؤون، هم يعرفون كيف تم اختيارهم، فثمة بضع جهات يتكفل كل منا بإعداد ملفات للمرشحين للمناصب الوزارية والعامة، ويعرفون أيضا أن هذه الملفات لا تغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصتها . وإن هذه الملفات خاضعة للتغير المستمر نتيجة مقالة في صحيفة أو حديث للإذاعة أو التليفزيون أو معلومة جديدة، يتحرك القلم الأحمر ليشطب كل ذي رأى وكل صاحب اتجاه، كل من يمكن أن يسبب صداعا ذات يوم، وبسبب هذا لا يصل إلى هذه المناصب في النهاية إلا شخصيات باهتة، لا تتحرك إلا بتوجيه، لا تعارض ولا تنصح بل تتلمس اتجاه الرئيس قلبي تتفانى في تأييده حتى لو اضطرت إلى الكذب، إلى إخفاء الحقيقة عنه، وثمة تغيير آخر محزن يصيب هذه الشخصيات بعد اختيارها فعلا، إذ قد تؤدى نظرة غير مقصودة من الرئيس إلى أن يجفو النوم عين المسئول الكبير أسبوعا يقضيه متسائلا لماذا نظر إلىّ هذه النظرة . بهذه الطريقة، لماذا لم يلتفت إلى التفاتته المعهودة، لماذا لم يجاملني مجاملته الرقيقة بالسؤال عن أبنائي، ماذا حدث وفيم أخطأت ولأي وشاية تعرضت، هل كتب أحد الأجهزة تقريرا عنى، ويظل الموظف الكبير يدور حول نفسه حتى يلقى الرئيس مرة أخرى، لا ليطمئن، بل ليدور في نفس الحلقة المفرغة عن كلمة قالها الرئيس قد تكون عفو الخاطر، لكن المسئول يحملها بما يجعله يدور حول نفسه مرة أخرى حتى لقاء أخر مع الرئيس لتتكرر نفس الحكاية بصورة أخرى، ورعب الإقالة يطارد المسئول .
قلت لمحدثي إن الرئيس معذور إذن، وهو إذن لا يعلم الحقيقة من أناس كل همهم أن يخفوها عنه .
ثم استدركت سريعا لأقول في أسى وثورة وغضب : لكنه هو الذي اختارهم .
وأردف محدثي محايدا : بعد أن يتركوا مناصبهم يظل معظمهم يغازل السلطة على أمل أن تعود إليه ذات يوم، وأما أقل القليل فبعد أن يصيبه اليأس الكامل يتحول إلى ناقم شرس وناقد أشد شراسة .
لكن لا أحد منهم تستطيع أن تحصل منه على تقييم صادق للوضع الذي مارسه وتخصص فيه.
يا للجهود المهدرة يا سيدي :
ألهذا إذن ؟!
أتخيل أحيانا وضعك، أتخيلنى مكانك، علّى أفهم سر نظرة الاحتقار التي تنظر بها إلىّ، سر الأسلوب الصارم الذي تخاطب به الوزراء أو كبار المسئولين أحيانا وكأنهم أطفال، أتساءل : أهي نتيجة لحياة عسكرية طويلة عشتها لها طقوسها ومراسيمها، أم أن المزيد من تذللهم إليك وخوفهم منك يدفعك للمزيد من احتقارهم أنت تعرفهم عن قرب، ولعل هذا يفسر نصف سبب نظرة الاحتقار التي أراها موجهة إليهم وإلىّ، أنت لا تعرفني يا سيدي فلماذا تحتقرني إذن ولماذا تنظر إلىّ بكل هذه الاستهانة، أأستحقها، أم أنك سألت نفسك إن كان خاصتهم كذلك فكيف يكون عامتهم، أم أنك لا تعرفني إلا من خلال تقاريرهم التي لا يمكن أن تنصفني . أنت تقول لنا أن خيوط اللعبة كلها في يدك، لذلك فأنت وحدك الذي تستطيع إدراك الصورة الكاملة واتخاذ القرار .
وذلك يدفعنا يا سيادة الرئيس للحديث عن جانب أخر مما يحدث في بلادنا .
تبدو الساحة في بلادنا كما وصفها "ديفيد هيريست" – مراسل الجارديان البريطانية – في وضع عبثي يفوق أعظم أعمال " كافكا" عبثا، وتبدو الساحة كمحكمة بلا قاض، يتقاتل الخصوم ويتبارى الإدعاء والدفاع في التراشق بالكلمات لكن مقعد القاضي خال، وتدلهم الدنيا حولنا فكأنما أصدرت حكمك علينا بأن يبقى الحال على ما هو عليه، لا أحد يحكم في نهاية القضية ما هو الصحيح وما هو الخطأ؟ من هو الصادق ومن هو الكذاب؟ من الجلاد ومن الضحية؟ وأنت مسئول يا سيدي الرئيس عن هذا الوضع. أنت مسئول عن أداء العمل الذي أوكله الدستور إليك بأن تكون حكما بين السلطات وأن تسهر على حماية الدستور، الدستور الذي نطالب بتعديله الآن بعد أن غيره السادات قلبي يتمكن من الحكم أبدا فباء بإثمه ولم يذق ثمرته . ثمرته سقطت عليك أنت يا سيادة الرئيس ابتلاء لا اصطفاء.
وهنا أريد أن أحدثك في كثير من الأمور يا سيادة الرئيس.
وأريد أيضا أن أعاتبك .
ليس إبراهيم شكري من تسقط أجهزتك حزبه في الانتخابات فيصرخ أحمد بهاء الدين – ضمير العصر – إن مصر كلها بالاعتذار إليه .
وليس عادل حسين – ذلك العقل الفذ والقلب الجياش – هو من تطارده المحاكم ما بين عسكرية وجنائية .
وليس الفريق سعد الدين الشاذلي الذي لا يقل مجده في حرب أكتوبر من مجدك فيها – إن لم يزد – هو الذي يحبس في وطنه .
سيادة الرئيس :
أهدى إليك عيوبك فتقبل .
تقبلها من مواطن عادى، يصدقك نصحا، أنت والله تفتقده .
تقبلها فإن أعظم الخيانة خيانة الأمة وأفظع الغش غش الأئمة .
أنا يا سيدي أريد لك الجنة، فماذا يريد لك من يغشك ؟
إن ما تتولاه الآن أمانة لكنه في الآخرة خزي وندامة .
أم تدخلون الجنة ولم نأمن بوائقكم.
عيد ميلاد سعيد يا سيدي
وأرجو أن تسمح لكنني بمواصلة حديثي إليك في العدد القادم من الشعب إن شاء الله.
وكل عام و أنت طيب..
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد / المواطن المصري الذي يكتب إلى الرئيس مبارك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
هذه أول رسالة أبعث بها إلى صحيفة من صحائف البلد وعندما فكرت في كتابة هذه الرسالة تراجعت أكثر من مرة لأنني لست من هواة مراسلة أي صحيفة لأنني أعلم أن الصحفيين هو أشد الناس نفاقا وكذبا، وبعد تفكير تراجعت عن هذا المفهوم وأمسكت بالقلم وبدأت أكتب إلى هذا المواطن المصري الذي اشعر نحوه باحترام كبير رغم أنني لم أره ولم أعرف عنه أي شئ غير أنه صادق فيما يكتب ولقد قرأت رسائلك إلى من يهمه الأمر، ولقد سعدت كثيرا بما كتبت وشعرت بأنه لا تزال هناك قلوب وضمائر تخاف الله، ولقد حزنت كثيرا لأنني أعلم أنك ستكون في يوم من الأيام متطرفا وخائنا للوطن خائنا للمهنة ويكون مصيرك أي معتقل
آخي المواطن المصري انطلق إلى ما ،ت سائر عليه ولا تهاب أي سلطان مادام سلطان الله باقيا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التوقيع / واحد مشاعري لا يتمنى أن يكون مصريا
من مواطن مشاعري إلى الرئيس مبارك "3"
عيد ميلاد سعيد يا سيدي .
عيد ميلاد سعيد .
كم عمرك الآن يا سيادة الرئيس .
وكم يتبقى لك من العمر … عام .. عشرة أعوام … خمسون عاما ..
سوف تمر كلمح البصر كما مضى ..
ثم ووجدتني يوم الحساب ..
لقد بدأت الخامسة والستين ..
فأسمع قولي قبل ألا تسمع .
أسمعه قبل لات ساعة ندم .
الآن تحفل صحفك بتعداد مناقبك، وسوف تحفل في غد غريب بعكسه، فاسمع قولي لعل الحق فيه . أسمعه، أسمعه لأنني لن أغيره إذا كتب لكنني أن أعيش بعد أن تموت .
ورغم علمي بأنك لم تطلب رأيي ولم تسأل شهادتي، فإنني أدلى بها، لأن نبيي وشفيعي يوم القيامة خبرني أن خير الشهداء الذي ووجدتني بشهادته قبل أن يسألها .
اسمعني فقد لا يكون بينك وبين الجنة إلا أن تسمعني فتتوب فتدخل الجنة .
اسمعني فسوف نحشر معك يوم القيامة إلى الله حفاة عراة غرلا . ويصك النداء آذاننا، يسمعه القريب كما يسمعه البعيد :
أنا الملك أنا الديان..
حين يقبض الله الأرض ويطوى السماوات بيمينه ثم يقول :
أنا الملك أين ملوك الأرض، أين الجبارون أين المتكبرون .
بم تجيب ساعتها يا سيادة الرئيس .
ألم يجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا، وسخر لك الدنيا، فبم تجيب
لقد استرعاك الله علينا ومن استرعاه الله أمة محمد فمات وهو غاش لها حرم الله عليه الجنة .
اسمعني ففرق بين أن تكون الممارسة السياسية عمليه دءوبة لقيادة المجتمع، وبين أن تكون أداه في خدمة الحاكم لترويض المجتمع واستئناسه، يتكيف مع واقع زائف .
اسمعني، فبحق جلال الله ما أعرض عليك شيئا لن تُسأل عنه يوم الفزع الأكبر..
اسمع منى – لأني لا أخفى عنك شيئا- – ما رواه الدكتور هارون طلحة طبيب الصحة المدرسية بالجمالية، والذي أفرجت عنه النيابة لبراءته . اسمعني فقد قبض عليه في عهدك، اسمع اعترافات البريء وتخيل ما حدث مع من لم يبرأ :
بدءوا معي في مباحث أمن الدولة بتكبيل يدي بالحديد، وعصب عيني برباط مشدود جدا، وتوجيه الشتائم لكنني ولأبى ولأمي، وبعد أن جردوني من ملابسي كلها ألقونى على الأرض وبدءوا في صعقي بالكهرباء، في مختلف أجزاء جسمي وبالذات أعضائي التناسلية، واضعين فوق جسدي العاري ثلاث كراسي واحد على الصدر والثاني على البطن والثالث على الساقين، واليدان مكبلتان من خلفي وأنام عليهما في صعق متواصل بالكهرباء، وأنا بدون شعور أتنطط على القيد الحديدي المكبلة به يدي من خلف ظهري حتى فقدت الوعي، وبعد أن أفقت وجدت حلقي قد جف تماما، ولساني ملتصق به، ولا أستطيع الكلام، وأخذت أفتح فمي وأغلقه فوضعوا فيه قليلا من الماء، وطلبت المزيد فرفضوا ثم أوقفوني عاريا معصوب العينين ومكبلا من الخلف لينقلوني بعد ذلك من غرفة إلى أخرى، ومن مكان إلى آخر والضرب مستمر على ظهري بجنزير من الحديد، وعلى وجهي بأيد غلظة، وعلى القفا، ثم أخذوا ينتفون شعر لحيتي ليضعوه في فمي، ويأمرونى بأن أمضغه ثم يعودون إلى الجولة الكهربائية، مطروحا على الأرض، ثم الوقوف عاريا تماما أمام شباك مفتوح طول الليل في برد يناير القارس دون طعام ولا شراب، وفى هذا الوضع تكون الكهرباء في الأذن والشفتين، كما هددوني بالقتل خمس مرات، وهددونى بإحضار زوجتي لكي تراني على هذا الوضع، ولكي يعتدوا عليها .
يا شيخ محمد الغزالي، يا شيخ شعراوى، يا شيخ الأزهر، يا مفتى الديار، يا قاضى القضاة، نريد الفتوى منكم، لا من عمر عبد الرحمن، ولا من شكري مصطفى، ولا حتى من سيد قطب، نريد فتواكم فيمن يفعل هذا، أمؤمن، أمسلم، نريد فتواكم فيمن أمر به أمؤمن أمسلم ؟ نريد فتواكم في ولى الأمر الذي علم بهذا كله فلم يمنعه .
أجل يجب أن تفتونا في هؤلاء الجلادين .
لو أن أحدا منكم مثلما فعل شيخ المسجد الأقصى الأسير، فأفتى بعدم جواز صلاة الجنازة على حمزة البسيونى، وصفوت الروبى، والوزير البذيء، لما استمر الأمر .
أفتونا أنتم قبل أن نبحث عن الفتوى عند غيركم .
يجب أن تعلم الأمة موقف دين محمد صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الجلادين أفتونا، لو خرج مثل هذا الرجل من المعتقل بعد ما تعرض له من تعذيب ليغتال ضابط مباحث أمن الدولة في الفيوم، أو ليغتصب فتاه العتبة، أو أن يكون شاهدا ديوثا يرى انتهاك الأعراض والحرمات فلا يتحرك، لو حدث أي من ذلك فمن هو المجرم ؟
أفتونا، فأنتم بفتواكم لنا لا تفيدونا فقط، ولا تؤدون شرع الله فقط وإنما تفيدون أيضا من يقوم بذلك، ربما لا يعلمون أن ما يقومون به من كبائر الكبائر، إنه لا يمكن أن تكون عقيدة التوحيد سليمة لضابط يخاف الحاكم أو وزير الداخلية أكثر من خوفه من الله، ويحرص على تنفيذ أوامرهم حتى ولو كانت منكرا يأباه الله ورسوله والمؤمنون . أفتوهم في حقيقة إيمانهم، أنا لا أكفرهم، فليس من حقي أن أفتى، لكنكم يا مسئولون عن الفتيا من واجبكم ومن حقهم عليكم أن تفقهوهم في أمور دينهم، دعكم من إنكار المنكر وجحود الجاحد، أسألكم عمن يفعل ما ذكرت، من يعذب بالنار التي لا يشدني أن يعذب بها إلا الله، من يجلد بالسياط ويصلب، من يلعن الآباء والأمهات، وينتهك الأعراض، أو من يتستر على ذلك، من يأمر بحبس وهو ظالم، من يلفق تهمة، نريد فتواكم اليوم، لا يدعى منكم أحد أن ذلك لا يحدث، وحتى لو ادعاه فليفترض أن ذلك يحدث وليفت فيه، إن فقهاء المسلمين العظام قد أفتوا في كثير من الافتراضات، فإن كنتم لا تصدقون ما نقول، فافترضوا أنه لا يحدث في عهد محمد حسنى مبارك، افترضوا أنه سيحدث في زمن قادم، في عهد رئيس آت، أو مات من ألف عام، قلبي لا يكون هناك عليكم حرج ولا خوف ولا تقيه . أناشدكم جميعا، وأخص بالمناشدة الشيخ محمد الغالي، ذلك العظيم الذي لم يفر في عصرنا أحد فريه، وليس عليك أن تقول فقط، بل أن تناشد الآخرين أيضا أن يحددوا موقف الدين ممن يفعله، أتقبل صلاته وصومه، أتقبل منه عبادة، أيتعامل معه المسلمون كما يتعامل المسلمون مع المسلمين، أتقبل شهادته، أتقبل مصاهرته، أتجوز مجالسته ومصاحبته، ثم ما موقف أهله منه، تلك كلها تساؤلات يجب أن نعرف حقيقة الإجابة عنها، قلبي لا يفرِط أحد ولا يفرّط أحد، ولكي يعلموا هم أنفسكم، فلقد جمعتني الصدفة ببعضهم، فأصبت بالرعب والذهول حين وجدتهم لا ينكرون ما يفعلون، إنما هم على يقين بصوابه، ذهلت حين وجدت أن عمليات غسيل المخ قد نجحت معهم بالكامل وأنهم يقدمون على ما يقدمون عليه بيقين كامل أنهم على صواب، وليس ذلك فقط، بل إنهم يظنون أنهم سيثابون عليه أيضا، لا من الحكام كما قد يتبادر للذهن بل من الله، أليسوا يطيعون ولى الأمر ؟
ولقد جمعتني صدفة يا سيدي الرئيس بلواء في جهاز سياسي هام، فرحت أطرح عليه بعضا مما أطرحه الآن عليك، كان ذلك منذ سنوات، وحتى قبل انهيار الكتلة الشرقية ولم يخف الرجل ضيقة وعذابه فانفجر قائلا : أنت تفكر بصورة نظرية ومثالية لا توجد لها في الواقع أرض، هل تصدق دعاوى الحرية والديمقراطية والحق والعدل والخير والجمال؟ على مستوى العالم كله لا يوجد ذلك، لا توجد إلا المخابرات الأمريكية تحرك كل شئ وتوجه كل شئ وعلينا أن نرضخ لذلك ونتصرف في حدوده، فهذا خير من الفناء . وصرخت فيه : لقد وضعتها مكان الله . وخيم علينا صمت حزين ذاهل، وكل منا يحاول ألا يصدق الأخر، وإلا فقد مبرر وجوده .
سيدي الرئيس :
لقد اكتفيت حتى الآن بضرب مثل واحد فقط، ومع أن هذا المثل وحده كاف لإدانة عهدك كله، ومع ذلك فلم يكن من البحر إلا قطرة، أم لم تسمع يا سيدي باقتحام المساجد واعتقال المصلين، وفتح النار عليهم، بل وإطلاق القنابل المسيلة للدموع فيها؟ وتطور الأمر في عهدك يا سيادة الرئيس كما لم يحدث في عهد قبلك، فابتدع نظامك القبض على رهائن من آباء وأمهات وأبناء المطلوبين حتى يسلموا أنفسهم، وابتدع أيضا حملات التأديب على قرى وأحياء ومراكز بالكامل، لعلك يا سيدي نسيت لكننا –نحن- لم ننس، كل واقعة منها طعنه في القلب، طعنة لا تزال تنزف، سنورس وبهوت وفوة والمنصورية وميت عنتر وأبو قرقاص وكفر الدوار والمحلة وعين شمس والمنصورة وبنى سويف، وطلبة الجامعات والعمال والزقازيق وأسيوط والمنيا ونجع أبو شجرة وسوهاج وقنا وميت فارس وأخميم وبلجاى وكفر سليمان وتيرة وبنى غالب والعنانية والمطرية وأبو زعبل ومراغة ونزلة شادى والكوم الأحمر .
هل تعرف ماذا يحدث في عمليات التأديب تلك ؟ أم لم يأتك نبأ ما حدث في قرية الكوم الأحمر – على سبيل المثال والاستدلال لا على سبيل الحصر للأفعال، إحراق المنازل وهدمها وتدمير أثاثها، إذلال المواطنين وهتك أعراضهم، ترويع النساء والأطفال، اعتقال القرية بأكملها في معسكر للأمن المركزي وتعذيبهم جميعا فيه، ضرب الآباء أمام أبنائهم والأبناء أما آبائهم والأمهات أمام الجميع، سفح الكرامة والشرف، ذبح النخوة والشهامة، وكل قيمة نبيلة، إعدام الرجولة والإنسانية. ثم يتساءل كتبتكم لماذا وقف المواطنون سلبيين وعرض فتاه العتبة ينتهك أمام أعينهم؟ .
وقفوا سلبيين يا سيادة الرئيس لأن عرضهم كان منتهكا بالفعل قبلها، من لم ير سمع، ومن لم يحضر اعتبر، أدركوا أن الدولة بقضها وقضيضها لا تحمى كرامة ولا تستر عرضا بل هيالتي تهدده وتنتهكه .
ويتساءل كتبتكم أيضا : لم هوجم ضابط مباحث أمن الدولة في دمياط واغتيل زميله في الفيوم ؟ .
سيدي : لو أن كل هذا الاستفزاز وجه إلى كلب لعقر، إلى حيوان لطاب له الموت، إلى حكيم لجن، إلى حليم لاحتار، إلى مواطن لفقد كل انتماء للوطن .
ولم يكن كل ذلك يا سيادة الرئيس لحماية هيبة الدولة، لم يكن لإحقاق حق ولا لإبطال باطل، لم يكن حتى للردع، بل كان فقط لمجرد إذلال الناس، في عصر أصبحت قيمة الشخص فيه تتحدد بقيمة الجرائم التي يمكنه ارتكابها دون عقاب، نفس ما تفعله أمريكا وإسرائيل بشعوبنا يفعله رجالكم بنا، نفس الطغيان والجبروت والسحق، ذلك أن أي طاغية وكل طاغية في حقيقته عبد خوار إذا واجهته القوة وعتل جبار إن واجهه ضعف، عدنا إلى عصر الغابة، حيث الإنسان وحش لا تحميه إلا مخالبه، لقد ضج القضاء نفسه من بطش الشرطة وحفلت حيثيات أحكامه بالاعتراض، بل إن الأمر لم يخل من ضباط شرطة شرفاء هالهم ما يحدث، فاعترضوا عليه، وهرب بعضهم إلى وظائف مدنية أو إلى أي قطاعات في الشرطة لا تعذب الناس، واكتفى بعضهم بعذابه، ونجح البعض الآخر في خداع نفسه، لكن العميد أسامة حلاوة صرخ مناديا بنبذ سياسة الشلل والطوائف في الشرطة، وألا يشغل المناصب الهامة إلا الأكفاء فلا تظل المناصب حكرا على أصحاب الوساطات وأقرباء القيادات والقادرين على إنشاء صلات، ولم يتمالك الضابط الشريف نفسه فهتف مطالبا بإلغاء مباحث أمن الدولة، معترفا أن هذا الجهاز قد بنى عضلاته في الظلام في غفلة من القوانين، وأنه فضلا عن ذلك أثبت عدم قدرته على ضبط الجريمة السياسية. كما أن الشائعات تنتشر بشكل مخيف عن طريقة الالتحاق بكلية الشرطة، عن أول درس يتلقاه الطالب قبل أن يخطو خطوته الأولى إليها، عن قصيدة أولها كفر، فعلينا أن نستنكر بدايتها قبل أن نرفض نهايتها .
سيدي الرئيس :
هل هالك ما سمعت، بيد أنه بالرغم من بشاعته، لا يقدم إلا جانبا واحدا لصورة متعددة الجوانب، إلا ذراعا واحدا لإخطبوط، لأن ما يحدث في أقسام الشرطة ليس أقل بشاعة ولا تدميرا للأمة مما يحدث من تعذيب وعقاب جماعي، والأمر ليس مقاومة إرهاب، ولا حتى محافظة على نظام الحكم، إنما هو إجرام لم يجد من يردعه، لا عن سهو ولا عن جهل، وإنما هيسلسلة واحدة تتعلق بالفساد والتزوير، وبالرغم من ذلك كله يسخر وزيرك من شعبك متهكما، فيتساءل هل نستقبلهم في فنادق ذوات نجوم خمس، رعاياك يا مولاي لا يعرفون ذوات النجوم، فكيف يطلبون ما لا يعرفون، وهو لا يطلبون ما لا يعرفون، وهم لا يطلبون إلا قليلا، قليلا فقط من الكرامة واحترام الآدمية.
نعم.. قليلا فقط من الكرامة واحترام الآدمية .
إن أحداثا كهذه يا سيدي تجعلني أكاد أسمع بأذني صرير تفسخ أوصال أمتك، انهيارها، اقتلاع جذورها، فنحن يا سيدي أبناء دين علمنا أن دماءنا وأموالنا وأعراضنا حرام عليكم وحرام علينا . إن من يعذب الناس دخل النار.
ديننا يعلمنا أن للكبائر كبائر ومن أكبرها شهادة الزور، أليس تزوير الانتخابات شهادة زور .
إن الكذب يهدى إلى الفجور، وإن الفجور يهدى إلى النار .
وإن من أشار لأخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه، فكيف يقرأ الحديث لا من يشير بحديدة بل يحطم بها العظام .
وإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن لعن الدابة، فكيف يقرأ هذا من يلعن الإنسان الذي كرمه الله . وإن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء فكيف تستقيم عقول أناس يدّعون الإيمان ويسفكون الدماء .
كيف لا تتحطم نفوسهم وتنسحق أرواحهم إذ يقرءون : أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم وصيفة إلى أمر، فأبطأت، فقال لها : والله لولا خوف القصاص لأوجعتك بهذا السواك.
يا إلهى بأبى أنت وأمي، ما أكرمك وما أرحمك وما أحلمك حين تخشى القصاص من السواك، فما بال أناس يدعون انتماءهم إليك، وجوههم وجوه إنس وقلوبهم قلوب شياطين، لا يخشون قصاصا من سفك دم وهتك عرض وإهانة من كرمه الله .
والله يا سيادة الرئيس إنني أرثى لهم .
ليس لضحاياكم بل لجلاديكم..
ذلك أن بطشهم ليس موجها لما تسمونهم بالجماعات الدينية المتطرفة فقط، بل للأمة كلها ولذواتهم أيضا .
أنت قرأت بالتأكيد يا سيادة الرئيس تلك القصة التي نشرها بريد الأهرام عن تلك المرأة التي اغتصبت في حديقة الأزبكية، ولم تكد تمر أسابيع قليلة حتى كانت الفاجعة المذهلة لفتاة العتبة، أقسم لك يا سيادة الرئيس أن الدموع تملأ عيني، وأنا أكتب لك، لا من أجل الفتاه فقط، لكن من أجل أربعمائة ديوث مسختهم أنظمة حكم آخرها نظامك، هل كنا من1 البداية هكذا، أتربينا على هذا، أنا لا أتحدث عن تاريخ موغل في القدم قد يبالغ ناقلوه، كي أتحدث عن تاريخ عشته أنت في شبابك، الأربعمائة رجل مجرد مثل لملايين الرجال، وهم أصدق تمثيلا للأمة من مجلس الشعب والشورى ومن المثقفين والسادة، ما الذي مسخ شعبك هكذا يا سيادة الرئيس، ما الذي فعل بنا هذا سوى سلاسل شيطانية من القهر والفساد والجبروت، من انعدام الثقة، من إدراك الجميع أن كل أجهزة الدولة مكرسة فقط للحفاظ على نظام الحكم، أما الباقي فلا يهم، دعوهم كحيوانات الغابة، أو كلاب الطريق الضالة، أربعمائة رجل، كل ديوث منهم – ومنا – وكل مسخ فكر ألف مرة فيها يمكن أن يحدث له لو ذهب إلى قسم الشرطة، قلاع الأمان التي تحولت إلى مجازر تعذيب، أم لم تسمع يا سيادة الرئيس عن ذلك الضابط في أحد أقسام الشرطة، الضابط الذي أرغم مواطنا أن يقبل قضيبه، أكنت ترجو بعد هذا من الأربعمائة ديوث أن يكونوا إيجابيين أو أن تمسهم الصحوة الكبرى عبر تقبيل المواطن – أحد رعاياك الذين سيسألك الله عنهم – لقضيب الضابط .
إن هذه النوعية الخاصة من الجرائم ليست إلا نتاج نطفة حرام نمت وترعرعت في رحم السلطة .
إن اللواء حلمي الفقي مدير مصلحة الأمن العام، بعد أن يؤكد أن حادث اغتصاب فتاة العتبة حادث عادى، يتهم الفتاة الضحية بأنها هي التي شجعت الشاب على هتك عرضها، وأنها تركته يفعل ما يشاء حتى وصل بيده إلى منطقة حساسة دون أن تنهره أو تصرخ .
هكذا تتحول الضحية إلى جانية، وتصرخ الفتاة للصحفيين إن ضباط الشرطة يعاملونها كمتهمة .
وفى حادثة إمبابة حدث نفس الشيء، نفس النظرة إلى الناس كحيوانات قذرة، لا شعور لها ولا إحساس، ولكي يغطوا على التقصير المخجل، نشرت الصحف أن الزوجة عشيقة صديق الزوج، وأنكرت الزوجة وأنكر الزوج، وأنكر الصديق، فمن أين أتوا ببهتانهم، نفس المنهج، ونفس الفكر الذي يعاملون به المثقفين والمعارضين والوطنيين، أقصى درجات التشويه والكذب لتبرير الإجرام .
لكن ما دامت الجريمة قد وقعت فلا بد أن يكون هناك مجرم، وما دام المجرمون الحقيقيون فوق القانون وفوق المساءلة، فلا بد أن يبحثوا عن إلصاق الجريمة بالضحية .. بالشعب ، ولماذا تستغرب هذا على مدير أمن عام، إذا كان سيد سابق له قد اتهم رموز أمته، وخلاصة ضميرها، بأنهم خنازير وكلاب، ومصابون بالشذوذ الجنسى . ولماذا نستغربه من مدير أمن عام إذا كان سيد سابق له قد قال لشيخ جليل تحت قبة مجلس الشعب : " يا سافل يا مجرم يا وسخ ".
لماذا نستغرب إذن تصريحات اللواء حلمي الفقي ن ولماذا لا نكون واقعيين فننصح كل فتاه تغتصب - وكل معتقل يعذب – أن تلعق كالحيوان جرحها بلسانها، وألا تلجأ إلى مسئولين قد لا تقل وحشية بعضهم عن وحشية من اغتصبوها .
هل تتخيل يا سيدي الرئيس أنني احترمت اللواء محمد عبد الحليم موسى، عندما صرح بأن حادث اغتصاب الفتاه حادث عادى، هذا الرجل مازال يستطيع أن يقول الصدق، هذا رجل الأسرار مكشوفة أمامه، والملفات مفتوحة أمام عينية . هذا رجل يعرف باليقين ما يحدث في سجونه من تعذيب وإهدار للآدمية، هذا رجل يمارس رجاله الحرق والهدم وما هو أكثر، هذا رجل يعرف ما يحدث في أقسام البوليس وماذا يحدث خلفها، رجل يعرف ماذا يحدث في "لاظوغلى"، وفى معهد أمناء الشرطة وفى أماكن أخرى يعرفها ولا نعرفها. هذا رجل يعرف هذا كله ويعرف أكثر منه، فكيف لا يكون حادث اغتصاب فتاة العتبة مجرد حادث عادى بالنسبة له ؟ لقد صدق الرجل، وتلك خطيئته الوحيدة .
لقد تولى الوزارة، وليس له عدو وأخشى أن يغادرها وليس له صديق . إنه الابتلاء الأخير لرجل أحبه الناس فخذلهم، وثقوا فيه أنه لن يكون كالآخرين فأهدر ثقتهم . نفس المأساة تتكرر مع كل مسئول . يتسلل الشيطان عبر السلطة والجاه ليقايض الدنيا بالآخرة . آخر امتحان وأصعب امتحان وفيه – في زماننا – لا يكاد ينجح أحد.
إن عبد الحليم موسى يتحمل أمام الله أوزاره، لكنك تحملها معه أيضا يا سيادة الرئيس، كما تتحملها مع كل مسئول آخر تأتون به ليتحمل في الدنيا أمام الناس أوزاركم، وبعد استنفاد أغراضكم منه، بعد أن يفيض بالناس الكيل، تتخلصون منه، ثم تأتون بغيره ليبدأ من جديد .
أين كل وزراء الداخلية السابقين ؟ ألا يعتبر بهم أحد، وقد قامر معظمهم بالآخرة من أجل الدنيا، فخسروا الآخرة والدنيا . لماذا لم يقف منهم أحد ليقول : لا.. لا.. لا.. الله عندي أكبر والآخرة أغلى والدين أعز.
ولعلى أتساءل : ما علاقة ذلك بأحداث شديدة الشذوذ والانحراف، كأولئك الأربعة من أمناء الشرطة الذين اختطفوا في سيارة الشرطة سيدة ليحتجزوها في شقة أحدهم أياما يتناوبون فيها اغتصابها، عمل إجرامي قد يحكم عليهم الإعدام من أجله، لكن زملاء لهم قاموا بنفس الفعل البشع مع معتقلين وزوجاتهم دون عقاب.
ألا يمكن أن تكون هذه الحيوانات البشرية قد تعلمت الإجرام في وكر كان يفترض أن يكون حصن أمان.
كذلك قصة الضابط الذي فعل نفس الشيء .
ما علاقة تهريب المخدرات بذلك المهرب الكبير الذي أدعى أنه عميد شرطة حين القبض عليه . ما علاقته بتفتيش سيارة محافظ – أصبح بعدها وزير للداخلية – بحثا عن المخدرات .
بل ما علاقته بأحداث فردية مروعة – كذلك الضابط الذي قتل مواطنا لمجرد أنه احتج عليه عندما صفعه – وذلك الآخر الذي أمر جنوده باختطاف مدرس – إلى بيته – بعد أن ضربوه حتى فقد الوعي، لكنهم اختطفوه قلبي يضربوه أيضا أمام التلميذ – ابن الضابط – الذي ضربه المدرس في الفصل .
إن الشيطان عندما يزين لنا السوء لا يدلف إلى غرضه الخبيث بأن يقول هذه معصية فاقترفوها، وهذه حسنة فاجتنبوها، بل إنه يلبس الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق، بيد أنى لا أظن القضية بهذه السهولة، ذلك أن الله خلق في داخلنا رادارا أدق من أي رادار اخترعه بشر، يجعل جزءا في داخلنا يدرك – رغم تمويه الشيطان وتعميته – أن هذا الحق الذي نتشدق به على الناس، ليس إلا ستارا يخفى خلفه القبح واللصوصية، والانتهازية، وخيانة الله ورسوله والمؤمنين .
وهذا بالضبط يا سيدي الرئيس ما يحطم رجالك، ذلك أنهم مهما ادعوا صواب ما يفعلون، فليسوا على درجة من الحماقة قلبي يقتنعوا في أعماق أعماقهم بصدق ما يدعون، لكنهم لا يرتدعون .
كيف لا يرتدعون، كيف رغم أن العمر قصير، والحساب آت، ومتاع الدنيا قليل. حتى الحجاج ارتدع عندما هرب منه معارض فقبض على أخيه رهينة، وقال ابن الفجاءة – الرهينة – للحجاج : " إن معي كتابا من أمير المؤمنين ألا تأخذني بذنب غيري " وتساءل الحجاج في دهشة : أين هو هذا الكتاب ؟ فأجاب ابن الفجاءة: والله إن معي أرفع منه وأكرم، كتاب الله عز وجل الذي يقول فيه " ولا تزر وازرة وزر أخرى " .
السفاح ارتدع، الذي قتل خيرة التابعين، والذي قتل عبد الله بن الزبير، وأحرق الكعبة ارتدع . الذي فعل ذلك كله يا سيدي ارتدع لكن نظام الحكم عندنا لم يرتدع.
لم يرتدع رجالك ..
لكن الحجاج كان يجاهر بما يفعل، لم يكن يخفيه، لم يكذب على الآخرين وعلى نفسه، لذلك ارتدع .
أما رجالنا فما من أحد منهم إلا ويكذب، رجال أمنك، الذين لا يكفون عن اختلاق المؤامرات حولك، يعزلونك عن شعبك، فماذا تفعل إذا كنت مهددا في كل خطوة ماذا تفعل إن كان عليك أن تتوجس من كل اتجاه شرا، و من كل تجمع مؤامرة، ومن كل حركة محاولة لقلب نظام الحكم، بيد أنهم لا يقومون بذلك فقط، فالأجهزة الأخرى، هيالأخرى تفعل ذلك، على كل جهاز منها إذن أن يتقرب إليك أكثر، وليس ثمة وسيلة لذلك إلا أن يشكك كل جهاز في الجهاز الآخر، فليس إلا هو الأكثر ولاء لك، أما الأجهزة الأخرى، فقد تسلل إليها أعداؤك، لا تثق بها، وثق بنا فقط، لكن الأجهزة الأخرى أيضا تقول لك نفس القول، فيالها من أخطبوطات هائلة، وعنكبوتات سامة تلتف حولك ليصبح الصراع جله صراع الباطل مع الباطل، الشر مع الشر، الكذب مع الكذب، ويصبح التسابق كله نحو نار جهنم .
ما من أحد يصدق يا سيادة الرئيس، ما من أحد يقول لك الحقيقة، ما يشعر به، وما يفكر فيه حتى ولو لم يكن صوابا . وعندما اغتيل ضابط مباحث أمن الدولة في الفيوم، تبارت الأقلام كلها باحثة عما يمكن أن تكتبه أنت لو كتبت، كأنهم صبوا في قوالب، أو قدوا من حديد، ما من أحد منهم له رأى أخر، ما من أحد قال : إن دماءهم في عنق السلطة، هيالتي أمرت رجالها بالعنف، وجعلت وجودهم في مناصبهم مرتبطا بالمغالاة فيه، وعندما تقع الواقعة، تتنصل الدولة، لا تتنصل فقط بل وتسد عليهم الطريق عندما تختلق ثأرا لا وجود له، وتستنفر فيهم الحمية بالقول إن الضابط شجعان لن يجبنوا عن أداء واجباتهم بسبب استشهاد بعضهم، ولو أنهم استشهدوا في سبيل الله، أو في سبيل ما يرضى عنه الله فأجل، ولقد دمعت عيناي والله من أجل ضابط الفيوم، كي لو كنت أباه لظللت أبكيه حتى أموت، لا اعتراضا على قضاء الله، وإنما خوفا من كيفية تقبل الله له، وثمة أناس كانوا يحاربون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلوا النار لأنهم لم يخلصوا لله قلوبهم فكيف آمن على ابني إن مات هذه الميتة .
أنت تعرف يا سيدي أنهم في الغرب يتهمونا بضيق الأفق، بالحمق، أننا لحياتنا في الصحراء والوديان نبسط الأشياء، ونسطحها ولا نرى منها إلا جانبا واحدا، أننا أحاديي النظر والبصيرة، وأن ذلك يجعلنا ندور دائما حول أنفسنا، لا نتقدم، لو أن أحدا منهم طرح القضية بصدق منذ عام 54 لربما ما وصلنا إلى ما وصلنا إليه، فإزاء التعذيب الهمجي الوحشي المجرم للمعتقلين أيامها ثار التساؤل الفقهي، في المعتقل … هل من حق من وقع عليه التعذيب أن يثأر لنفسه ممن عذبه، ما دامت الدولة تتستر عليه، وتدعمه وتؤيده وتنصره وتخفيه، ثار التساؤل أيامها عنيفا داميا، لكن الرأي استقر أخيرا أن يحتسبوا عند الله ما يحدث لهم، وتغيرت الدنا من حولنا واتسعت الرؤى، لكن التعذيب عندنا استمر في عهد السادات، كما كان عهد جمال عبد الناصر، ثم استمر في عهدك يا سيدي، كما كان في عهد السادات . في عهد جمال عبد الناصر كان جبروتا صريحا بشعا يعلن عن نفسه، وفى عهد السادات لم تقل البشاعة لكنهم غيروا الأسماء، عندما ذهب الرئيس المؤمن بمعول ليهدم سجنا بينما رجاله يبنون سجونا أخرى، وفى عهدك أيضا يا سيدي الرئيس لم تقل بشاعة التعذيب، بل اتسمت ببشاعات أخرى منها : عصب أعين المعتقلين، قلبي لا يروا جلاديهم، واستعمال أسماء حركية للضباط القائمين بالتعذيب والتحقيق تضليلا للقضاء إذا ما لجأ الضحية إليه، وتلك أفعال عصابات يجب أن تطاردها الدولة لا أفعال دولة، وتلك يا سيدي كانت أولى الخطوات في اغتيال رفعت المحجوب، وضابط مباحث أمن الدولة في الفيوم .
الدنيا كلها تتحدث عن التعذيب في سجونكم وأنتم تنكرون، تقارير الطب الشرعي تثبت وأنتم تنكرون، ما من أحد منا إلا وقابل معتقلا سمع منه تفاصيل التعذيب لكنكم تنكرون، منظمات حقوق الإنسان تصرخ وأنتم تنكرون .
وثمة شواهد لا تدحض عن تعذيب للمتهمين أقرت المحاكم بها، فبدا أن النيابة لم تسمع صراخ المعذبين، ولم تثبته . وتلك علامات انهيار خطيرة ليس لنظام حكم ولا لهيبته بل للمجتمع كله.
كل هذه الدماء التي سألت، وكل هذه السياط التي هوت، وكل الأشلاء التي تمزقت، وكل هذه القضايا التي لفقت .
أما آن الأوان لكي تنتهي .
صباح الغد يا سيدي سوف تجد تقريرا على مكتبك، أو مقالا في صحيفة يشير إلىّ كمجرم يساند الإرهاب، مثلما حدث بعد مقالتى :" كأنهم يقولون : قل هو الرئيس أحد الرئيس الصمد "[1]، عندما أندفع بلهاء يقولون أنني حرفت القرآن وشبهتك بالله، وما ذلك قلت بل قلت ضده، فإلام يفهمون عكس ما نقول، وحتام يدعون علينا ما لم نقل . أم أنهم لا يستطيعون مواجهة ما نقول، فيدعون علينا ما يستطيعون مواجهته .
وأنا والله يا سيدي ضد الإرهاب بكل صوره، طبيعتي كمسلم ترفض الظلم وطبيعتي كمثقف تنبو عن العنف، ولأنني أدرك أن مأساة المسلمين الكبرى بدأت بعمل إرهابي قُتل فيه ذو النورين، كما أدرك أيضا أن اغتيال السادات – بغض النظر عن أشياء كثيرة – لم يغير من الأمور الكثير، ذلك أن الحاكم ليس فردا وإنما طبقة، ونظام الحكم ليس رأيا، وإنما منهج متكامل، والإنسان لا يستطيع أن يقتل طبقة ولا أن يطلق الرصاص على منهج، لذلك أدين الإرهاب، وأومن بالدعوة إلى سبيل الله بالحكمة، كي حين أدين الإرهاب، أدينه فيكم قبل أن أدينه في أعدائكم
الحقيقة التي لا أظننا سنختلف عليها كثيرا، أن الدولة العسكرية التي انهارت 67 قد أسلمت ميراثها للدولة البوليسية التي فاقت الأولى بشاعة، ولقد كانت لدولة العسكر كل عيوب العسكريين في شتى أنحاء العالم، وبرغم أخطائها الهائلة فإن مجد العسكرية المصرية التليد قد وضع في كفة الصواب ما لا يستهان به، وما تدعم بصورة حاسمة في أكتوبر 73، أما بالنسبة للدولة البوليسية فإنني أخشى أن تكون عيوبها وتاريخها التليد في القهر والتزوير حاجبا لكل ميزة، وفى قلب القلب للدولة البوليسية يقع القلم المخصوص أو السياسي أو المباحث العامة، أو مباحث أمن الدولة وأي مسمى آخر . لقد كانوا هم أدوات السلطة للجبروت، وعندما يقعون الآن ضحايا فنما أسهل أن نسطح الأمر في بلاهة، لنقرر أنهم ضحايا خوارج يجب استئصال شأفتهم.. حسنا .. لن تستطيعوا استئصال شأفتهم بالكامل أبدا والتاريخ معي يشهد، قد تقمعونهم لعام، لعامين، ليعودوا مرة أخرى، وليتساقط من ضباط أمن الدولة آخرون .
عندما أتأمل جهاز مباحث أمن الدولة فإنني أشعر بالرثاء من أجل رجاله، بالإشفاق – لست أنفى المسئولية عنهم – كي أشعر بالرثاء من أجلهم، لأنهم مباحث أمن النظام لا أمن الوطن أو الدولة.
ناشدتك الله يا سيدي الرئيس هل أما مخطئ ؟
لقد غير الجهاز توجهاته بالكامل إلى الضد مرات عديدة في كل عهد، تأتيهم الأوامر .. طاردوا الإخوان المسلمين، ويفتى الأزهر بأنهم خوارج، خففوا القبضة قليلا عن الإخوان ، وطاردوا الشيوعيين فإنهم كفرة، أما من يتعامل مع إسرائيل فكافر على جميع المذاهب، أفرجوا عن الشيوعيين وطاردوا من مشى في جنازة النحاس، أفرجوا عن الإخوان المسلمين فهم صفوة الأمة، وما زعيمكم السابق الذي ظللتم ثمانية عشر عاما تعبدونه إلا وثن يجب هدمه، زعيمكم الجديد مؤمن رفع راية الإسلام وحقق النصر، أمسكوا من يهاجم إسرائيل فإنهم خونة يجب قطع دابرهم : اقبضوا على الجميع، أفرجوا عن الجميع، العراق صديقة فغضوا البصر عن كل أخطاء رعاياها، العراق عدوة ولا بد من دليل على ذلك بضبط تنظيمات تتبعها تهدد أمن الوطن .. ليبيا عدوة، ليبيا صديقة .. سوريا عدوة، سوريا شقيقة، ياسر عرفات زعيم دولة، ياسر عرفات هباش بكاش ……!!
لو أن جهاز كمبيوتر غذى بهذه البيانات المتناقصة لاختنق، لاحترق.
من أجل ذلك أشفق عليهم.
أشفق عليهم أيضا لأنه كانت لهم دائما المعلومات التي لا نعرفها عن تورط السلطة في الفساد، والأوامر بغض البصر، يأتيهم الأمر بتزوير الانتخابات مثلا، ثم يصرح المسئول الكبير مشيدا بنزاهة الانتخابات، وهم يعلمون علم اليقين – لا الظن مثلنا – أن المسئول كاذب . تأتيهم الأوامر الشفهية بالتعذيب أو حتى بالقتل، ويقسم المسئول في التليفزيون أن ذلك لا يحدث.
ماذا يمكن أن يفعل الشيطان في إنسان أكثر مما فعلته السلطة فيهم .
ولننظر إليهم بعد ذلك كله كبشر، كيف يستطيعون المحافظة على توازنهم النفسي وثمة رادار خلقه الله في أنفسهم يجعلهم يدركون – رغم كل محاولات السلطة لغسيل المخ – يدركون أنهم يخالفون شرع الله، وهم يعلمون أن قصاص الله آت، كيف يستطيعون وسط هذه المتناقضات كلها أن يحتفظوا بنفوس سوية، أن يكونوا أبناء بررة، وآباء صالحين، وأفراد أصحاء في المجتمع، لا يتوجسون كل لحظة وأخرى، لا من انتقام ضحاياهم، بل من انتقام الله منهم وابتلائه لهم في أنفسهم وفى ذويهم، وهم في موقفهم المأساوي هذا لا يملكون القدرة على التراجع، فذلك يفقدهم ميزات القوة والسلطة التي تتمتع بها مراكزهم، فإن تخلت عنهم واجهوا المجتمع الذي لم يتعودوا على مواجهته دون بطش .
هل تتخيل يا سيدي الرئيس نفسية واحد منهم يعرف أن التزوير من الكبائر وأن التعذيب من الكبائر، لكن الأوامر تأتيه بأن يعذب ويزور، وهو أن استجاب ضاع، وإن رفض جاع .
ما هو شعور زوجة تكتشف أن زوجها جلاد، وابن يكتشف عندما يميز الصواب والخطأ أن ما فعله أبوه مخجل، ولا يجعله يفخر بالانتماء إليه .
إنكم تحطمونهم .
والكارثة أننا نعالج الخطأ، لا بالرجوع عنه لكن بمزيد من الإيغال فيه، إن حماية ضباط مباحث أمن الدولة من الاغتيال، لا تأتى بمزيد من البطش والعسف والتعذيب، بل بالعودة إلى الحق، إلى الدين، والعقل، ودفع المواطنين إلى الإيجابية لا تأتى بتكثيف كابوس الشرطة، لكن بدفعهم لمعاملة المواطنين كآدميين لا كحيوانات .
يا شيخ محمد الغالي، يا شيخ الأزهر، يا مفتى الديار، يا البابا شنودة، يا حلمي مراد، يا أحمد بهاء الدين، يا عادل حسين، يا أسامة الباز، يا مصطفى الفقي، يا إبراهيم شكري، يا فؤاد سراج الدين يا خالد محيى الدين، يا على الدين صالح، يا زكى نجيب محمود، يا نجيب محفوظ ، يا نعمات أحمد فؤاد، يا يحيي حقي،، يا جمال حمدان ، يا نور الشريف، يا محمد السيد سعيد، يا أحمد بهجت، يا إبراهيم نافع، يا محفوظ الأنصاري، ويا كل مواطن يحترم الوديعة، التي أودعها الله فينا، أذهبوا إلى الرئيس لتقولوا له إن وصمة التعذيب لا تجلل عهده بالعار فقط، وإنما تجعل من كل منا ديوثا، أجل ديوثا ما دام يرى هذا العذاب يلحق بهذه النفوس البشرية بين أيدي السفاحين الجلادين، وهم بلا حول ولا قوة، ثم لا يتحرك من أجلهم .
ناشدتك الله يا سيدي الرئيس، الله الواحد الأحد، القوى القهار، المنتقم الجبار الذي يمهل ولا يهمل، الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ناشدتك بحقه عليك، وعلينا أن تجيب على تساؤلي : ألم يمارس عهدك التعذيب ؟ ألم تعلم به ؟.
دعك من بيانات وزير الداخلية، وإنكار السلطة، دعك من أحكام القضاء على من مارسوا التعذيب بالبراءة، دعك من كتاب تعرفهم خيرا منا، دعك من هذا كله، أنا وأنت والله ثالثنا، ألم يحدث تعذيب في عهدك، ألم تعلم به، ألم يطلق رجالك الرصاص على رجال مهما تكن تهمهم، فالقضاء لا رجال الشرطة هو الكفيل بهم .
أم أنكم يا سيادة الرئيس تعاملوننا كأننا عبيد، وأنتم سادة، فلا حقوق لنا عليكم إلا ما كان من حقوق العبيد . في أعناقنا سلاسلكم .. ظهورنا موطئ سياطكم .. حريتنا في يمينكم .. وحتى أعراضنا حلال عليكم .. وليس من حقنا بعد ذلك إلا أن نسبح بحمد نعمتك علينا … أتقبل يا سيادة الرئيس أن يصل الأمر أن كاتبا شهيرا أعتقل أخوه في قضيه برأته منها المحكمة – بعد ذلك – يضطر لمناشدتك على صفحات الصحف في إعلانات مدفوعة الأجر قلبي تنقذ أخاه من التعذيب في سجون الزبانية حيث ينفردون بضحاياهم .. يعصب المجرمون أعينهم .. وهم إذا اشتكوا يطالبهم القضاء بألف دليل ويقين على نوع التعذيب ، وشخصية المعذبين، فكيف يتمكنون من ذلك وقد كان الشيطان منفردا بهم، ألم يحك لك مكرم محمد أحمد عما حدث للدكتور محمد السيد سعيد الكاتب الكبير بأكبر صحيفة عربية، بواحدة من أشهر عشر صحف في العالم، في الأهرام، ألم يحك لك عما حدث له عندما أراد أن ينقل عبر الأمة إليك كلمة صدق عن إرهاب الدولة، معمل التفريخ الشيطاني لكل إرهاب في المجتمع، ألم يقل لك كيف لفقوا له التهم، كيف عذبوه، كيف رآه مكرم محمد أحمد بأم عينيه ممزق الروح والجسد، هذا ما يحدث لصحفي من أكبر الصحفيين في صحيفة من أكبر الصحف في العالم فماذا يحدث إذن للمواطن العادى، ماذا يحدث لرعاياك يا سيدي الرئيس ؟.
هل تعرف وطأة ذلك على بناء شخصية الأمة .. إن الجميع يودون من أعماقهم أن يبادروا لنجدة المعذب المستغيث .. ولكن الخوف واليأس يقتلان نخوة الرجال وشهامتهم فيصمتون … وفى الصمت تسقط رجولتنا وإنسانيتنا وشرفنا، وكرامتنا فنتحول إلى قطيع من الخراف ينتظر الذبح … الدور يمكن أن يصيب أي واحد منا لأي سبب وبلا سبب .
ذات يوم ضرب شيخ من شيوخنا المثل لواحد من خلفاء بنى العباس حين رآه يسرف في تجنيد الترك – الذين قتلوا الخليفة والتهموا الخلافة بعد ذلك – فقال له:
مولاي : كان هناك راع، ساءه أن تفترس الذئاب بعض غنمه فأسرف في تربية الكلاب قلبي تذود الذئاب، لكن الكلاب احتاجت إلى طعام، فأخذ يذبح كل يوم من غنمه حتى يطعمها، حتى انتهت غنمه، فيا مولاي، ماذا يفعل الراعي إذا أكلت كلابه غنمه ؟
نعم يا سيادة الرئيس.. أكلت الكلاب الغنم، لم تأكلها الذئاب، ولا وحوش الفلاة، ولم يسرقها اللصوص، وإنما أكلتها الكلاب.
لشد ما وددت أن يأتيك نجيب محفوظ حاملا إليك جائزة نوبل هاتفا بك يا سيدي، أعدها إليهم فأنا لا أستحقها، لا أستحقها بالتأكيد، ما دامت كتاباتي في خمسين عاما لم تجعلكم توقفون التعذيب، وإهدار كرامة الإنسان .
ووددت أيضا أن يأتيك بطرس غالى – في صحوة ضمير – قائلا : أنه لا يستحق شرف منصبه العالمي، وقد كان عضوا في حكومة تم في عهدها تزوير الانتخابات والتستر على الفساد، ونهب الاقتصاد، وتهريب أكثر من مائة مليار دولار للخارج .
سيدي الرئيس :
ناشدتك الله، هل ترضى أن يكون أحد أبنائك واحدا من الجلادين . بل ألم تفكر للحظة أن علاء ابنك هو ضحية الجلادين، هو الذي يصلب ويعلق ويحرق، و .. و.. لا أستطيع أن أكمل، لكنك أنت يجب أن تكمل، لأن سؤال الله لك عنا سيفوق سؤاله لك عن ابنك
كل عام وأنت طيب يا سيادة الرئيس .
عيد ميلاد سعيد يا سيدي.
عام جديد سعيد عليك وعلينا، أو بالأحرى أقل ألما وحزنا .
عام يشهد أوامر صارمة جامعة مانعة للتعذيب، ومحاسبة من قاموا به .
فتلك يا سيدي خطوة في طريق طويل قلبي لا نكون في المكان الذي يريده لنا أعداؤنا وأعداؤك.
من وصفوني ووصفوك بأبشع ما يكون في بروتوكولات حكماء صهيون . لكن ذلك مقال آخر، أرجو أن يتسع صدرك له في العدد القادم .
وعام سعيد يا سيدي.
رد دكتور فرج فودة على مقال د. محمد عباس
مادمنا نتحدث عن صحف المعارضة فلا بأس أن أنقل للقارئ مكالمة من صديق عزيز، متفوق في مجاله الطبي، ومشارك في الحياة السياسية والعامة .
قال لكنني، هل قرأت ما يكتبه محمد عباس في الشعب ؟
تقصد رسالة إلى السيد الرئيس ؟ ..
- نعم، لقد أصابتني الرسالة بارتفاع في ضغط الدم .. الصديق معه حق، سلسلة المقالات التي يكتبها الأخ عباس، الذي لم أتشرف بالتعرف عليه سياسيا أو كاتبا من قبل، تذكرنا بمحاولاتنا الأولى ونحن هواة، حين كنا نتخيل أننا نجلس إلى السيد الرئيس، ونكتب الصفحات الطوال، ونأخذ راحتنا في الحديث وينتهي الأمر بمحاولة نضحك عليها حين تقرؤها " على كبر " ..
أنا شخصيا كتبت رسائل مطولة للرئيس السادات وللرئيس مبارك . وكان ذلك قبل نحو عشر سنوات، ولكنى والحق يقال لم أبلغ ما بلغه الأخ عباس، من مستوى لا أسمح لنفسي بوصفه ..
ما معنى أن يتحدث كاتب للسيد الرئيس قائلا ما معناه، إن عمرك اليوم تجاوز الخامسة والستين، وقد اقترب موعد لقائك بربك، وسوف يسألك عن كذا وكذا وساعتها لن يكون معك كذا وكذا .
أين اللياقة وأدب الحوار ؟ بل وأين الفكر في هذا كله، ومن هذا كله ؟
أنني أعتذر للقارئ بأنني لم أقرأ الرسائل كاملة واكتفيت بنظرة سريعة إلى السطور لأنني فوجئت بالكاتب في الرسالة الأولى يكتب شيئا أذهلني، حيث كان يتوقع كما يقول : أن يبدأ حسنى مبارك عهدة بالإفراج عن قتلة السادات ..
هكذا ..
أين حدث هذا إن شاء الله ؟..
واستنادا إلى أي شرع أو دين أو فكر ؟ …
قتل رئيس الدولة وسبعة معه، يؤدى إلى براءة المتهمين ؟
لماذا لا يكمل إذا سلسلة مقالاته، ويبوح بما يعتمل في صدره، ويطالب لهم بأوسمة؟
يبدو أن الكاتب يعيش في "الباى باى" ويتخيل أوهاما دينية لا سند لها إلا الإرهاب، ولا شفيع لها إلا مرض النفوس، شفاه الله منه وعافاه ..
عندما قتل عبد الرحمن بن ملجم الإمام عليا، تولى أمره عبد الله بن جعفر بن أبى طالب فقطع يديه، وقطع رجليه، وسمل عينيه، وقطع لسانه، ثم قتله، ثم صلبه وأحرق جسده ..
هذا عن قاتل على إمام المتقين .
في عهد أبى جعفر المنصور، كتب الأديب الرائع ابن المقفع "رسالة الصحابة" ناصحا له، فماذا كان جزاء النصيحة، مجرد النصيحة ؟
اختلفت الرواية يا أستاذ عباس ..
رواية تقول إنهم قطعوا جسده قطعة قطعة، وأخذوا يشوون القطع على النار ويطعمونه إياها حتى مات ..
ورواية أخرى أنهم أحرقوه في التنور .
والحديث طويل، وأئمة الفقه الأربعة كان مسموحا لهم في عهد ازدهار الدولة الإسلامية بالحديث عن الدين، فإذا تجاوزوا إلى شبه السياسة، أو حتى شبه الاختلاف الفقهي مع فقهاء الخليفة، نالوا ما نالوا من جلد وضرب وتعذيب الأمام "أبو حنيفة" جلد لرفضه ولاية القضاء، وقيل انه مات بعد أن دسوا له السم ..
الإمام مالك، جلدوه وهو عار ولم يستروا عورته، إمعانا في إذلاله، حتى خلعت كتفه وامتنع عن الذهاب للمسجد بعد ذلك، خجلا من الناس، حتى توفاه الله..
الإمام ابن حنبل، عذب وجلد لرأيه في خلق القرآن، على خلاف رأى المعتزلة، الذي أقتنع به الخليفة المأمون ..
الإمام الشافعي ، تربص به تلاميذ الفقيه فتيان، فقيه السلطة، وضربوه حتى مات ..
والسلسلة طويلة ..
الإمام زيد بن على إمام المذهب الزيدى، قتل وصلب جثمانه .
الإمام ابن تيميه، خرج من سجن إلى سجن حتى مات فلتحمد الله يا أستاذ عباس على أنك تعيش في عصر، غير العصر الذي تدعو إليه، وتظللك الديمقراطية الوارفة بظلها الظليل، ويحميك القانون " الوضعي " مهما تجاوزت، وتكفل لك الدولة " المدنية" أن تكتب ما تكتب وأنت آمن
وإذا لم تستح فاكتب في جريدة "الشعب "
من مواطن مشاعري إلى الرئيس مبارك "4"
سيادة الرئيس
كل سنة وأنت طيب
كل عام وأنت أكثر صحة، فصحتك صحة لأمتك..
كل عام وأنت أكثر قوة، فقوتك ذخر لوطنك ..
أليس هكذا يجب أن تكون الأمور يا سيدي ؟؟ ..
كان هذا حديثا لشخصك..
*****
فلنعد الآن إلى حديثنا العام الذي لا يعبر فيه ضمير المتكلم عنى ولا كاف المخاطب عنك، ولا المضارع مضارعا لأن ما يحدث الآن قد حدث بذاته قبل ذلك ومضى، ولا الماضي ماضيا لأن ما حدث قبل ذلك ما يزال.
أنا الأمة وأنت الحاكم الرئيس الملك الأمير الخليفة .
أنا العبد الأجير وأنت المالك الآجر القادر وأنا المقدور على .
فهل تغفر لكنني ذنبي يا سيادة الرئيس إن جرؤت وشككت فيك ..
لقد شك الأنبياء أنفسهم في الله حتى هداهم إليه .
والإمام الغالي يقول إن الشك قنطرة اليقين .
ويوم القيامة سننادى بأسماء أمهاتنا[2] لأنه ما من أحد يدرك على وجه اليقين أن أباه أبوه حتى الأنبياء لم تخل سيرتهم من قصة إفك، وزوجة الحسن رضى الله عنه قد دست له السم في طعامه .
******
فاغفر لكنني يا سيدي الرئيس إذن أن أشك فيك، فالمرء أحيانا يشك في نفسه، بيد أن علاج ما في النفس من شك، لا يتم ولوج أبوابه إلا عبر طريق طويل يعبّده الصدق، لا صدق اللسان فهذا هين، وإنما الصدق مع النفس وهذا لعمرك من أشق الأمور وأصعبها، ثم إنني أحذرك من مراوغة الحقيقة التي تغرينا بسهولتها وأنها قبض أيدينا لكننا ما نلبث حتى نكتشف أن أيدينا لا تقبض إلا على ضلال، أجل أحذرك من مراوغة الحقيقة حتى إن جاهدنا أن نبلغ أعلى مراحل الصدق التي تستطيع الوصول إليها، فما بالك يا سيدي إن كذبنا .
فدعني يا سيدي أحكي لك عن واقعة دفعتني للشك في عقلي وما تزال، فعندما قرأت بروتوكولات حكماء صهيون منذ ثلاثين عاما سخرت منها كثيرا ثم وضعتها في مكتبتي في رف للكتب التافهة التي تحوى كتب السحر والشعوذة والخرافة، وأخذ هذا الرف يتضخم بعد ذلك بكتب مئات الكتاب والصحفيين والساسة ومذكراتهم ثم مر بنا الزمن أو على الأحرى مرّ علينا فسحقنا، بدد شملنا وفرق جمعنا وأهدر بين أمم الأرض دماءنا، فإذا ما ظننت أنه شعوذة وخرافة هو بعينه ما يحدث لنا بتفاصيل أحيانا يعجز العقل معها عن التفكير والاستيعاب، إنها كآلة الزمن تكشف لنا عما سيحدث لنا، وضعتني وأنا أعيد قراءتها أتنبه لأول مرة إلى تعليق مفكر عملاق هو العقاد عليها بقوله :" الأمر الذي لا شك فيه هو أن لسان الحال أصدق من لسان المقال وأن السيطرة الخفية قائمة بتلك البروتوكلات أو بغيرها "
فلو أننا تنبهنا حينئذ.
ولو أننا ونحن نقرأ الآن لا تأخذنا نعرة الرفض والتكذيب غير متخيلين أن هذا الذي يراد بنا يمكن أن يحدث لنا، لأنه حدث فعلا ويحدث ولسوف يستمر إذا لم نعتبر .
فلنقرأ إذن مقتطفات من بروتوكولات حكماء صهيون :
***
إننا نخشى تحالف قوتهم الحاكمة مع قوة الرعاع العمياء غير أنا قد اتخذنا كل الاحتياطات لنمنع احتمال وقوع هذا الحادث، فقد أقمنا بين القوتين سدا قوامه الرعب الذي تحسه القوتان كل من الأخرى..
هل لاحظت يا سيدي أنك هنا أنت الحاكم وأنا الرعاع ؟ ..
وهل رأيت ما يخشاه أعداؤنا منا ؟ ألم أقل لك إن علينا أن نحب بعضنا وأن نجعل الثقة جسرا بيننا بدلا من كل هذا التوجس والترقب .
واصل القراءة معي يا سيدي، طال عمرك، واتسع صدرك، وعظم صبرك .
" سنختار من بين العامة رؤساء ممن لهم ميول العبيد، ولن يكونوا مدربين على فنون الحكم، ولذلك سيكون من اليسير أن يمسخوا قطع شطرنج ضمن لعبتنا "..
أرأيت مدى بذاءتهم يا سيدي لكن بذاءتهم ليست شاغلنا الآن فلنواصل القراءة إذن .
" لقد وضعنا في مكان الملك كاريكاتيرا في شخص رئيس يشبهه وقد اخترناه من الدهماء بين عبيدنا "
ناشدتك الله يا سيادة الرئيس : ألم ينجحوا عند بعض أشقائنا ؟
" يومئذ لن نكون حائزين في أن ننفذ بجسارة خطتنا التي سيكون دميتنا مسئولا عنها ".
" ولكي نصل إلى هذه النتائج سندير انتخاب أمثال هؤلاء الرؤساء ممن تكون صحائفهم السابقة مسودة بفضيحة أو صفقة سرية مريبة إن رئيسا من هذا النوع سيكون منفذا وفيا لأغراضنا لأنه سيخشى التشهير وسيبقى خاضعا لسلطاتنا .. إن مجلس ممثلي الشعب سينتخب الرئيس ويحميه ويستره، ولكننا سنحرم هذا المجلس سلطة تقديم القوانين وتعديلها " ..
"هذه السلطة سنعطيها الرئيس المسئول الذي سيكون ألعوبة خالصة في أيدينا وفى تلك الحال ستصير سلطة الرئيس هدفا معرضا للمهاجمات المختلفة ولكننا سنعطيه وسيلة للدفاع وهى حقه في أن يستأنف القرارات محتكما إلى الشعب، أي أن يتوجه الرئيس إلى الناس الذين هو عبيدنا العميان وهم أغلبية الدهماء ".
رحمتك اللهم …
أهذا إذن ما وراء الاستفتاءات والانتخابات المزورة ؟.
يا إلهى
لقد حدث شئ من هذا مع جورباتشوف، حاكم قوة عظمى ظلوا وراءها حتى انهارت .. فكيف لا أخشى حدوث مثله مع حكام أوطانى، وأوطانى أضعف بكثير .
يا سيدي والله لا أحمل عليك إلا خوفا على الأمة وأنت منها، على رأسها .
الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ
فلنواصل سيدي قراءة بروتوكولاتهم :
" إلى ذلك سنعطى الرئيس سلطة إعلان الحكم العرفي، وسنوضح هذا الامتياز بأن الحقيقة هيأن الرئيس لكونه رئيس الجيش يجب أن يملك هذا الحق لحماية الدستور الجديد، فهذه الحماية واجبة لأنه ممثلها المسئول"..
" سيكون حقا لرئيس الجمهورية أن يعين رئيسا ووكيلا لمجلس النواب ومثلهما لمجلس الشيوخ وسنستبدل بفترات الانعقاد المستمرة للبرلمانات فترات قصيرة مدة شهور قليلة . وإلى ذلك سيكون لرئيس الجمهورية باعتباره رأس السلطة التنفيذية حق دعوة البرلمان وحله . وسيكون له في حالة الحل إرجاء الدعوة لبرلمان جديد ولكن لكيلا يتحمل الرئيس المسئولية عن نتائج هذه الأعمال المخالفة للقانون مخالفة صارخة من قبل أن تبلغ خططنا وتستوى، سنغرى الوزراء وكبار الموظفين الإداريين الآخرين الذين يحيطون بالرئيس قلبي يموهوا أوامره بأن يصدروا التعليمات من جانبهم، وبذلك نضطرهم إلى تحمل المسئولية بدلا من الرئيس، وسننصح خاصة بأن تضم هذه الوظيفة إلى مجلس الشيوخ أو مجلس شورى الدولة أو إلى مجلس الوزراء، وأن لا توكل إلى الأفراد وبإرشادنا سيفسر القوانين التي يمكن فهمها بوجوه عدة . وهو فوق ذلك سينقض هذه القوانين في الأحوال التي نعد فيها هذا النقض أمرا مرغوبا فيه، وسيكون له أيضا حق اقتراح قوانين وقتية جديدة بل له كذلك إجراء تعديلات في العمل الدستوري للحكومة محتجا لهذا العمل بأنه أمر يقتضيه سعادة البلاد ".
" وإنهم يقنعون الناس عن طريق وكلائهم بأنهم إذا أساءوا استعمال سلطتهم ونكبوا الدولة فما أجريت هذه النكبة إلا لحكمة سامية ".
حكمة سامية .. كيف يقول بعد ذلك قائل أن أوراق اللعبة كلها تجمعت عنده وإنه هو وحده الذي يعرف ماذا كان يمكن أن يحيق بالبلاد من خراب لو اتخذت طريقا آخر غير طريقه أو اتبعت رأيا أخر دون رأيه ؟ وما أي رأى نرفض وما كل رأى نرفض، لكننا ندرك أن خديعة فرد يقود قطعيا من النعاج سهلة . وأننا نحتاج لعقول الأمة جمعاء قلبي نقف ضد تدبيرهم .
* واصل معي يا سيدي قراءة بروتوكولاتهم :
"إن ضخامة الجيش وزيادة القوة البوليسية ضرورتان لإتمام خططنا، وإنه لضرورة لنا قلبي نبلغ ذلك ألا يكون إلى جوانبنا إلا طبقة صعاليك ضخمة، وكذلك جيش كثير وبوليس مخلص لأغراضنا "
" يجب علينا أن نكون مستعدين لمقابلة كل معارضه بإعلان الحرب على جانب ما يجاورنا من بلاد تلك الدولة التي تجرؤ على الوقوف في طريقنا . ولكن إذا غدر هؤلاء الجيران فقرروا الاتحاد ضدنا فالواجب علينا أن نجيب على ذلك بخلق حرب عالمية " يا إلهى أليس هذا ما يحدث الآن ؟؟!!
بل … أليس هذا ما حدث فعلا .
"بإيجاز، من أجل أن نظهر استعبادنا لجميع الحكومات سوف نبين قوتنا لواحدة منها متوسلين بجرائم العنف والإرهاب، وإذا اتفقوا جميعا ضدنا فعندئذ سنجيبهم بالمدافع الأمريكية أو الصينية أو اليابانية "..
الخلاف فقط في أن المدافع صينية وليست روسية، وأغلب الظن أن مدافع الصين ستضرب غدا، في بغداد أو القاهرة أو دمشق وكل عبد يرفع رأسه ستقطع…
الصحافة
:لقد سقطت صحافتهم في أيدينا، ومن خلالها أحرزنا نفوذا وبقينا نحن من وراء ستار"..
" تقوم الصحافة بتهيج العواطف الجياشة في الناس، ومعظم الناس لا يدركون أغراضنا الدقيقة أقل إدراك، إننا سنسرج الصحافة وسنقودها بلجم حازمة "
" أما الصحف الحزبية التي لن تردعها العقوبات فإننا في الخطوة التالية سنعطلها ".
لله درك يا عقاد
حتى لو لم تكن البروتوكولات موجودة، أليس هذا هو ما يحدث لنا ؟..
ألهذا إذن تصادر الصحف وتغلق ؟..
ألهذا حوربت " الشعب " فأعاقوا أن تصدر يومية ؟ ..
لكن .. فلنواصل :
" وبهذه الوسيلة سنعادل التأثير السئ لأية صحيفة مستقلة، ونظفر بسلطان كبير جدا على العقل الإنسانى ".
" وفى الصف الأول سنضع الصحافة الرسمية، وستكون دائما يقظة للدفاع عن مصالحنا، ولذلك سيكون نفوذها على الشعب ضعيفا نسبيا، وفى الصف الثاني سنضع الصحافة شبه الرسمية التي سيكون واجبها استمالة المحايد وفاتر الهمة "
" وستكون هذه الجرائد مثل الإله الهندي (فشنو) لها مئات الأيدي، وكل يد ستجس نبض الرأي العام المتقلب، ومتى ازداد النبض فإن هذه الأيدي ستجذب الرأي العام نحو مقصدنا لأن المريض المهتاج الأعصاب سهل الانقياد وسهل الوقوع تحت أي نوع من أنواع النفوذ "
" وبفضل هذه الإجراءات سنكون قادرين على إثارة عقل الشعب وتهدئته في المسائل السياسية، وسنكون قادرين على إقناعهم أو بلبلتهم بطبع أخبار صحيحة أو زائفة، حقائق أو ما يناقضها، وإن الأخبار التي سننشرها ستعتمد على الأسلوب الذي يتقبل به الشعب هذه الأخبار وسنحتاط دائما لجس الأرض قبل أن نسير عليها"..
ائذن لي يا سيادة الرئيس أن أتذكر مقالات بعض كبار كتابنا : اعتماد خورشيد، أنيس منصور، إبراهيم سعدة، عبد العظيم رمضان .. وعشرات وعشرات .. ماذا أفعل يا ربى إن سبق أجلهم أجلى ؟؟ هل أقرأ الفاتحة على أرواحهم أم اقرأ بروتوكولا من البروتوكولات…؟
لا أدرى والله … فلنترك ذلك إذن لنواصل قراءة البروتوكولات :
" أي إنسان يرغب في الاحتفاظ بمنصبه سيكون عليه كي يضمنه أن يطيعنا طاعة عمياء ".
أمن أجل هذا إذن ؟؟؟؟!!
كل هذا العار وكل هذا البؤس وكل هذه الهزائم وكل هذا الاستعداد للعيش بلا كرامة لأنهم يريدون الاحتفاظ بالوظائف ؟ .
" سنتنكر لكل نوع من أنواع التذمر والسخط وسنعاقب على كل إشارة تدل على البطر عقابا بالغا في صرامته حتى يكون عبره للآخرين "..
حقا حقا : والسلسلة طويلة، وهى إن بدأت بسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين لم تنته بخالد الإسلامبولى ولا سليمان خاطر ولا سعد إدريس حلاوة، ولا بعشرات ومئات وآلاف وملايين يدفعون ذات الثمن في سبيل الله ..
" سنقصر رجال الدين وتعاليمهم له على جانب صغير جدا من الحياة، وسيكون تأثيرهم وبيلا سيئا على الناس حتى إن تعاليمهم سيكون لها اثر مناقض " ..
ألهذا حوصر أمثال الشيخ محمد الغزلي وأوذوا في سبيل الله أفسح المجال كله لغيرهم فساد الجهل وعمت السطحية وقاد الغباء فعم البلاء .
" سنعتقل الناس الذين يمكن أن نتوهم منهم الجرائم السياسية توهما عن صواب كثيرا أو قليل، إذ ليس أمرا مرغوبا فيه أن يعطى رجل فرصة الهرب مع قيام مثل هذه الشبهات خوفا من الخطأ في الحكم . ونحن فعلا لن نظهر عطفا لهؤلاء المجرمين، وقد نعتد بالظروف المخففة في الجرائم العادية، ولكن لا ترخص ولا تساهل مع الجريمة السياسية "
يا إلهى …
مرة أخرى من أعمق أعماق الألم … يا إلهى …
هل قرأ الودعاء الطيبون من ضباط مباحث أمن الدولة هذا ؟ ..
هل قرأه وزير الداخلية المؤمن وعلامة صلاة كبيرة تتصدر جبهته لتشهد له أو عليه يوم القيامة ؟ ..
هل قرأته أنت يا سيادة الرئيس ؟ ..
لماذا إذن يا سادتي - فكلكم سادتي – تكون أعظم آمال المعتقلين السياسيين جموحا أن تساووهم في التعامل بالسجناء الجنائيين، باللصوص والقتلة والمجرمين وهاتكي الأعراض ؟
ومن أوحى بفعل هذا ولماذا أطعتموه؟؟
ها هو مكتوب أمامكم فاقرؤوه ……
واقرؤوا أيضا :
" ولكن ننزع عن المجرم السياسي تاج شجاعته سنضعه في مراتب المجرمين الآخرين بحيث يستوي مع اللصوص والقتلة والأنواع الأخرى من الأشرار المنبوذين المكروهين. وعندئذ سينظر الرأي العام عقليا إلى الجرائم السياسية في الضوء ذاته الذي ينظر فيه إلى الجرائم العادية وسيصمها وصمة العار والخزى التي يصم بها الجرائم العادية بلا تفريق "
" إن تمردهم ليس أكثر من نباح كلب على فيل، في الحكومة المنظمة تنظيما حسنا من وجهة النظر الاجتماعية لا من وجهة نظر بوليسها، ينبح الكلب على الفيل من غير أن يحقق قدرته، وليس على الفيل إلا أن يظهر قدرته بمثل واحد متقن حتى تكف الكلاب عن النباح، وتشرع في البصبصة بأذنابها عندما ترى الفيل "..
أهذا تفسير ما فعلوه مع صدام حسين، وكلنا بالنسبة لهم صدام حسين إلا من يبصبص لهم بذنبه ؟
" سيعظم سلطاتنا فيصير استبدادا يبلغ من القوة أن يستطيع في أي زمان وأي مكان سحق الساخطين علينا "
أرأيت يا سيدي ؟ من كان يظن أن يدين لهم الشرق والغرب كما يدين لهم الآن؟
منذ عشرة أعوام فقط من هو المجنون الذي جرؤ على تخيل أن تكون لهم كل هذه السلطة فيما كان الاتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية ؟ ..
" إن أي حكومة منفردة لم تكن لها سندا من جيرانها حين تدعوها إلى مساندتها ضدنا، لأن كل واحدة منها ستظن أن أي عمل ضدنا هو نكبة على كيانها الذاتي "..
حقا حقا ..
" إن المشكلة الرئيسية لحكومتنا هي كيف نضعف عقول شعبهم بالانتقاد، وكيف نفقدها قوة الإدراك التي تخلق نزعة المعارضة، وكيف تسحر عقول العامة بالكلام الأجوف "..
هل ما زالت هذه مشكلة أم حللتموها ..؟
" إننا سنعرف كل شئ دون مساعدة البوليس الرسمي الذي يبلغ إفسادنا إياه عليهم أنه يحجبهم عن رؤية الحقائق " ..
اللهم رحمتك … عفوك …
" إنني أستطيع في ثقة أن أصرح اليوم بأننا أصحاب التشريع المتسلطون على الحكم المقررون للعقوبات، وأننا نقضي بإعدام من نشاء ونعفو عمن نشاء، ونحن أولو الأمر الأعلى في جميع الجيوش "..
" أستطيع الآن أن أؤكد لكم أننا على مدى خطوات قليلة من هدفنا، ولم تبق إلا مسافة قصيرة كي تتم الأفعى الرمزية – شعار شعبنا – دورتها "
… يا إلهي …
… يا إلهى …
كل هذا يريدونه بي وبحكامي ؟ ..
ألا خسئوا …
سيدي الرئيس …
بل سادتي الرؤساء والملوك . يا جلالة يا فخامة يا معالي يا سمو يا خليفة يا مالك يا قادر :
أدفع عمري لتقرءوا هذه البروتوكولات وتعتبروا بها وتحتاطوا لما يراد بنا .
إنها ليست بيانا من أحزاب المعارضة كي تسفهوه وتحجموه وتنشروه في صحفكم مشوها ثم تردوا على ما شوهتم لا على البيان نفسه.
إنه مستقبل أمم ودين وحضارة أنتم القيمون عليه، هذا قضاؤنا فيكم فاستمعوا لنا.
إن الصهيونية ليست دينا وإنما فكر، وبعض المتعصبين من أتباع الدين المسيحي يعتنقون هذا الفكر بإقرارهم بأنفسهم، وما جونسون وتشرشل إلا مثلا، بيد أن الكارثة ليست في ذلك بل في المسلمين الصهاينة، فأستحلفكم بمن سيحاسبكم يا سادتي يوم لا أمن مركزي يحميكم ولا حرس وطني يدفع عنكم ولا مخابرات أمريكية تنبئكم بدبيب النمل في بلادكم، ولا رؤساء تحرير صحف على استعداد لأن يهاجموا في المساء بكل شراسة ما أيدوه في الصباح بكل حماسة، أستحلفكم يا سادتي أن تفتشوا عن الصهاينة المسلمين داخلنا، لا تتركوا مكانا، حتى داخل أنفسكم لا تتركوه فقد يكونوا قد تسربوا إلى دمائكم تسرب الشيطان، فتشوا في بعضكم البعض فتشوا في رؤساء وزرائكم وكبار قوادكم وأمناء أحزابكم وفى مستشاريكم وفقهائكم وكتابكم ورجال مخابراتكم وأجهزة أمنكم، وحتى شيوخكم لا تتركوهم، فالله ما كان يرضى لخير أممه كل هذا الهوان وكل تلك المذلة ما لم يكن الكل مشكوكا فيه . فتشوا عنهم لكن احذوا أن يكون القائمون بالتفتيش هم أنفسهم الصهاينة فيكم، فأولئك سيضللونكم، سوف يؤلبونكم على أفضل من فيكم ومن فينا، حتى نأكل بعضنا بعضا ويستريحوا هم منا، سوف يزينون لكم الخيانة باسم التحضر، والانحلال باسم الرقى، وهجران الدين باسم عدم التعصب، والعبودية باسم الحرية، وسوف يجعلونكم تفعلون أسوأ ما يمكن أن يفعل وأنتم تتشدقون باسم المبادئ والنظام الجديد .
حاولوا … إن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير
ومهما يحدث الآن فإنني أظن أن التاريخ لن يغفل الحقائق الآتية :
* أن التكليف الذي لا نملك فيه اختيارا هو أن نتحد .
أن الغرب والصهاينة يفرضون علينا الذل والخضوع والاستسلام باسم السلام، لكن الله كتب علينا القتال وهو كره لنا، وإن العالم الإسلامي يمكنه لو أتحد ألا يقهر إسرائيل فحسب بل أن يقهر الحضارة الغربية كلها .
* وإنه بعد انهيار الكتلة الشيوعية فإنه قد آن للإسلام أن يسترد بضاعة سرقت منه في غفلة من أبنائه، فإن عشاق العدل الاجتماعي مكانهم الإسلام وليس أي نظام أرضى آخر، إن مئات الملايين من الثوار في جميع أنحاء العالم والذين تصدعت أفئدتهم إزاء انهيار فردوسهم الأرضي سيتجهون إلى مكانهم الحقيقي بين المسلمين حيث لا يتصدع فؤاد ولا ينهار فردوس.
* إن العدل الإلهي حق والقصاص حق، وإنه كما يحيق بالأفراد يحيق بالأمم، ولعل ما يحدث للعراق ولصدام حسين الآن قصاص لما حدث مع إيران، وأظن قصاصا آخر سيأتي لما يحدث الآن للعراق وليبيا . قصاص أدعو الله أن يقتصر على الحكام لا الأمم .
* أظن أنه من حق العالم كله – لا العالم الإسلامي فقط أن يتساءل عما إذا كان بوش وميجور أفضل حقا وأقل ووطأة على البشرية من هتلر وموسولينى، وهل كانت حضارة التتار والمغول والبرابرة أكثر وحشية من حضارة الغرب؟؟ .
• إن موقف الجغرافيا في العالم الإسلامي يجب أن يعاد تقييمه، أن يعاد النظر في دور بلاده في حماية الأمن الإسلامي أو تهديده . إن الأمر لم يعد يقتصر على وجوب البحث عن مدى شرعية نظم الحكم في العالم العربي والإسلامي، بل أصبح من اللازم أن يتعدى ذلك، ليس لمجرد بحث شرعية وجود بعض الدول التي شكلت على مدى تاريخها تهديدا مستمرا لوجود الأمة ككل، وعونا لأعدائها، وخيانة لمستقبلها. يتعدى الأمر كل ذلك إلى ضرورة البحث في حق الحكام في الاستمرار في تفتيت الأمة، معرضين كل مستقبلها للضياع، مستأجرين بثروة الأمة أعداء الأمة لقتل الأمة.
سيدي الرئيس :
دعنا من موقفك من صدام، دعنا منه الآن فقط، فالتاريخ لن يدعك، وأظنه مقارنا موقفك بموقف الملك العاضد والخديوي توفيق، لكن دعنا من هذا كله الآن لنتساءل، لنضع افتراضا يفيدنا فيما هو قادم، لنفترض أن صدام لم يغز الكويت، لنفترض أنه لم يوجد على الإطلاق، أتحسب حقا أن أمريكا وبريطانيا وإسرائيل كانوا تاركينا ؟ لنفترض أيضا أن السعودية والكويت والخليج لم يدفعوا لهم تكاليف حربهم علينا، أكان يمكنهم تحقيق كل هذا النصر علينا، لنفترض أن نصف حكامنا على الأقل لم يكونوا عونا لهم علينا، أكان يمكنهم تحقيق كل هذا النصر علينا، لنفترض أن نصف حكامنا على الأقل لم يكونوا عونا لهم علينا، أكان يمكن أن يجرعونا كل هذه المذلة وكل هذا الهوان ؟
* سيدي الرئيس:
ألم تفكر أبدا أن تعاتب أشقاءك في المملكة العربية السعودية، من يحملون شرف خدمة الحرمين، أن تعاتبهم لأنهم في تاريخ المملكة كلها لم يرفعوا أبدا سيفا إلا على مسلم ؟
أبدا ..
على الإطلاق .
أفأدعو لهم بدعاء سيدي وحبيبي وشفيعي يوم القيامة : اللهم اغفر لهم فإنهم لا يعلمون ؟ ..
أم تراهم يعلمون ..
* سيدي الرئيس :
لماذا لم تقل لأخوتك هناك إنه لا يكفى أن يسمى أحدهم نفسه خادم الحرمين ويقعد .
ذلك أن خدمة الحرمين ليست سقاية حجيج ولا مد طرق ولا تكييفا مركزيا ولا حتى غسل الكعبة، خدمة الحرمين واجب هائل تجاه الإسلام والمسلمين . لن أتحدث الآن عن استدعاء ما كان يجب أن يكون، وإنما أتحدث عن مسلمين في بلد اسمه العراق تسفح كرامتهم ويموتون جوعا وتدمر كل إمكانياتهم الحضارية والعسكرية، عن تدمير مجمع الأثير النووي، وهو مجرد مشروع تجارب، وعلى مرمى جمرات منا مائتا قنبلة نووية في إسرائيل لكنهم يا سيدي – مثلك – لم يحركوا ساكنا، لكنهم ليسوا مثلك فهم خدام الحرمين وعليهم واجبات فوق واجباتك.
يا إلهى … لقد وقفتم ضد إيران مظلومة ومعها ظالمة .
عندما تصدت طائرات العراق لغارة إيرانية احتجت الأمم المتحدة على دفاع العراق عن نفسها.
أي ذل وأي مهانة …
لماذا لم تقل - يا سيادة الرئيس - للآخرين أن تحمل الذل والمهانة تجنبا لمزيد من الذل والإهانة لا يسفر إلا عن المزيد من الذل والإهانة .
لماذا لم تقل لهم إن الحرص الذي يذل أعناق الرجال لا يبقى لهم أبدا ما قد حرصوا عليه .
ولماذا لم تقل لإخوتك الهلوعين المفزوعين على عروشهم وإماراتهم إنهم في ذات اللحظة التي استدعوا فيها أعداء أمتهم لتوطيد أركان ملكهم قد نزعوا أوتاده وقطعوا حباله ليفقدوا شرعية حكمهم أمام أمتهم، وأمام التاريخ، وإنهم إن لم يدفعوا الثمن بأنفسهم فسيدفعه أبناؤهم فلذات أكبادهم وإن هذا الثمن هو ذات الثمن الذي دفعه شاوسيسكو ويدفعه هونيكر .
لماذا لم تقل لهم وللعالم يا سيدي الرئيس إن مجلس الأمن هو الحكومة العالمية التي تنبأت بها بروتوكولات حكماء صهيون، حكومة عالمية يحكم بها اليهود العالم، إن بوش وريجان وجونسون، وتاتشر ليسوا إلا وكلاء لهذه الحكومة الخفية، كذلك جورباتشوف وشيفرنادزة وكيسنجر وبيكر، وإنه من واجبنا أن نتصدى لهذه الحكومة العالمية الخفية لا أن نستسلم لها، فلقد استخلفنا على الأرض من أجل هذا وبعثنا من أجله ؟
* سيدي الرئيس :
سيدي :
لأنني أحب الله والوطن وأحبك أتحدث إليك أنت.
لا أقولها لك نفاقا، فأنا أعترف بيني وبين نفسي بأنك واحد من أفضل حكام العرب والمسلمين[3]، أنت، يا من حارب وانتصر، أعرف - وأرجو ألا أكون مخطئا - أن قلبك كان ينزف وأنت تجرد حملتك العسكرية إلى الخليج، وانك حاولت أن تتجنب ذلك، لكن محاولتك كانت متأخرة عشر سنوات على الأقل ..
وأعرف أن قلبك يتمزق وأنت تنفذ قرارات الحكومة العالمية – مجلس الأمن – على ليبيا لكن ما يدفعك إلى ذلك ليس قدرا نحني له جباهنا، بل وإنني أظن فوق ذلك كله أنك لم تفعل هذا كله إلا لظنك أنك تجنب به أمتك الثبور والويل، وهذا بالضبط ما أراك مخطئا فيه وما أظنهم خدعوك به، فالويل والثبور في مطاوعتهم لا في معارضتهم، لأنهم – أولئك الذين يدعون الحضارة – ليسوا إلا برابرة همجا، وهم أبناء أكثر الحضارات إجراما في التاريخ، وهم لم يوفوا بعهد، ولم يدعوا منكرا إلا ارتكبوه، ولقد أخافوك وما كانوا صادقين، ثم وعدوك وكانوا كاذبين.
سيدي الرئيس
لم ترضخ إسرائيل لقرارات حكومتها العالمية – مجلس الأمن – فلماذا نرضخ نحن ؟ لماذا نقبل الدينية في ديننا ؟ عجزت إسرائيل عن فرض اتفاقية على لبنان فلماذا نجحت معنا ؟ وهرعت أمريكا هاربة من بيروت بعد عملية فدائية واحدة فلماذا لم نتعلم ؟
وقد وعدوا العالم العربي بحل مشاكله بعد أن يساعدهم على اغتصاب العراق، لكن هاهم أولاء يستديرون لحل العالم العربي لا لحل مشاكله .
وغازلوا سوريا كي ترفع نقاب العروبة الذي ارتدته ثلاثين عاما فلما رفعته تربصوا بها وسيضربونها بعد ليبيا .
الحقائق واضحة كالشمس، وقد قلناها لكم منذ أعوام وأعوام، الدورات على الجميع وسوف يخدعكم بوش كما خدعكم دائما .
والدورات على مصر أيضا .
هل تصدقونهم يا سيدي أن نكسة سنة 67 كان بسبب خليج العقبة..
أو أن ضرب العراق سنة 91 كان بسبب الكويت
أو أن ضرب ليبيا سنة 92 هو بسبب لوكيربى
أو أن ضرب سوريا سنة 93 هو بسبب …
أو …… أو … أو ………؟؟!!
أما آن لكم يا سيدي أن تدركوا أنه مخطط عمره ألف عام يتحينون له الفرص فإن انعدمت خلقوها ؟
* سيدي الرئيس:
أقسم لك بمن سيكشف عنك غطاءك إنني أرجو لك الخير وأرجوه منك، على يديك لأنك بالرغم من كل شئ منا لا منهم .
وأناشدك الله أن تجيبني أو حتى تسر لنفسك بالإجابة عن سؤالي لك:
لو كنت أنت مكان بوش : هل كنت ترتاح لقيادة حسنى مبارك لمصر، قلب العروبة ودرع الإسلام وجذوة الضمير الحي الذي قد يغطيه الرماد لكنه لا يخبو . هل كنت تأمن له ؟
أنا أجيبك يا سيدي :
لو أنني كنت بوش لكنت سعيدا جدا بجل زعماء وحكام وملوك وأمراء وسلاطين العرب والمسلمين، ولتوجست دائما من مصر، فهي التي كانت تنهض دائما في النهاية لتحمى العرب والمسلمين، فعلت ذلك مع التتار والمغول ومع الصليبين أجداد بوش وشامير، فالدولة نفسها غير مأمونة، ورئيسها أيضا غير مأمون، لأنه ليس خائنا كالآخرين لوطنه، وقد أستطيع بين الوعد والوعيد أن أحجم دوره، وقد أستطيع خداعه بعض الوقت، لكنه في النهاية لا بد سيتمرد علينا، وساعتها سيقود المنطقة كلها ضدنا، لذلك فإنه قد يصلح لمرحلة نشغله فيها عن نفسه بالديون والهموم ثم ننهى دوره.
* سيدي الرئيس :
هل تعلم من أختاره لمصر رئيسا لو كنت بوش
إبراهيم سعدة ……
أنيس منصور ……
يوسف والى ……
سمير رجب ……
عبد الهادي قنديل ……
زكى بدر …………
وعشرات ………
ومئات وألوف ………
لكن اسم حسنى مبارك ليس فيهم
عام سعيد يا سيدي …
وأرجو أن تسمح لي بمواصلة الحديث – جزئه الأخير – في العدد القادم .
وكل عام وأنت طيب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ الدكتور/ محمد عباس
تابعت مع الشعب المصري كله باهتمام رسالتك إلى السيد رئيس الجمهورية وأحييك على ما أنت فيه من إيمان صادق بالله وعلى أنك لا تحنى رأسك إلا لله .. فهو ممسكها ومرسلها وهو الذي يقبضها وإذا شاء أرسلها .. وتمنيت من كل قلبي لو أن جميع علماء الدين الإسلامي في بلادنا – خاصة علماء السلطة – لو كانوا مثلك ولكن لا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل حفظك الله وأكرمك الله ..
ولكنني أسمح لي يا عزيزي أن أوضح لك خطأ بسيطا جاء في الرسالة الرابعة. وهو قولك بأننا سوف ننادى يوم القيامة بأسماء أمهاتنا وهذا غير صحيح لأننا سوف ننادى يوم القيامة بأسماء آبائنا مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم أحسنوا أسمائكم وأسماء أبنائكم لأننا سوف ننادى يوم القيامة بأسماء أبنائنا فقال سيدنا طلحة : يا رسول الله هناك يوم القيامة مئات طلحة فمن أين أعرف أنى أنا المقصود ؟ قال صلى الله عليه وسلم يا طلحة حينما ينادى على طلحة لن يقوم إلا أنت .. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذا أستاذي العزيز ما جاء في الحديث الصحيح أردت توضيحه إلى سيادتكم جزاكم الله عنا خير الجزاء
وتحياتي لك ولأسرة "الشعب"
أخوك
عبد المنعم الجابرى
(مواطن مصري)
بسم الله الرحمن الرحيم
من أنت يا محمد عباس؟
من أنت يا رجل أستحلفك بالله..
ومن أي كواكب وقعت علينا في هذه الآونة الرهيبة المريبة، وما هذه الإمكانات التي خصك الله بها دون مئات الملايين من المسلمين، وكيف جمعتها ؟ ثم كيف ركبتها ؟ والأغرب كيف عرضتها ؟ هل أم أنت مارد من الإنس أم من الجان؟ هل أنت ملاك ؟ كيف أوتيت الشجاعة .. كل هذه الجرأة .. كل هذا الإقدام ؟ كيف اجتمعت فيك شهامة مئات الملايين من المسلمين وبلاغتهم وفصاحتهم ونبلهم وفضلهم وحسهم، صاروا جميعا خرسا وتحدثت وحيدا بألسنتهم.
كنت كثيرا ما أتساءل : أليس فيكم يا أمة الإسلام رجل رشيد ؟ والرجل الرشيد في التاريخ الإسلامي العظيم هو ذلك الرجل يحذر أمته من ارتياد مواقع التهلكة أو السير في دروبها والانصياع لمدبريها فهل أنت يا بن عباس هذا الرجل ؟
وهل وصل بنا في مصرنا كل هذا الهوان، وكل هذا الضياع ؟ يتلاعب بنا أبناء صهيون حفنة من الملايين من البشر المطاردين في كل بقاع الدنيا المشردين يسوسون العالم ونحن تحت أقدامهم هل منا من قبل هذا الحال ورضى به ؟
كثيرا ما يتساءل المرء : كيف تصاغ القوانين في مجلس الشعب ولماذا لا تكون في صالح الأمة حتى ؟ جاء ابن عباس وفسر ما في بروتوكولات حكماء صهيون ويتساءل المرء كيف لماذا يتقدم أصحاب السوء ويتأخر غيرهم في ارتياد المناصب العليا حتى جاء ابن عباس وفسر.
لماذا يتقدم الراشون والمرتشون والرائشون ويتأخر غيرهم حتى جاء ابن عباس وفسر..
لماذا يتقدم الفاشلون ويتأخر الناجحون .
لماذا خابت الزراعة، وخاب النحل، وهلكت الصحة، ودخل الإيدز، وضاعت القيم واندثرت المثل العليا حتى جاء ابن عباس وفسر.
أين فكرنا أين عقولنا ؟ مللت من وضع علامة الاستفهام فهي محيرة بل فيها يأس وإحباط فالعلامات كثيرة تحتاج الملايين من ابن عباس ليجيب عليها ولكنه تطوع وصنع توكيلا عاما من مئات الملايين من البشر المنتسبين إلى الإسلام ليتحدث باسمهم، ولعله يكون كالرجل الذي حكى عنه الهادي البشير (ص) ذلك الرجل الذي حذر أمته من هجوم غادر فمنهم من استمع له ونجا، ومنهم من كذبه وهلك .
فيا أمة الإسلام اقرءوا إن شئتم النجاة بروتوكولات حكماء صهيون واحذروها واقرءوا إن شئتم النجاة برتوكولات ابن عباس وعوها.
اللهم اجعل ساستنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
وولى علينا خيارنا لا خيار أبناء صهيون وأذنابهم فهؤلاء الأذناب أشد علينا من أعدائنا قاتلهم الله جميعا بأيدينا ..
دكتور
سعد الحلواتى
مدرس التاريخ الحديث بجامعة الأزهر
من مواطن مصري إلى الرئيس مبارك
الحلقة الأخيرة
عام سعيد يا سيدي …
كل عام سعيد يا سيدي …
اقرأ يا سيدي الجزء الأخير من رسالتي إليك..
اقرأها ولا تكتف، ولا تصدق أيضا، رد أبى جهل عليها ولا تقرير أبى لهب عنها ولا استنكار ابن أبىّ لها .
لا تصدقهم ..
فهم يا سيدي سيقولون في قولي لك ما قد قاله أبو جهل قبل ذلك للمسلمين السابقين …سيقولون مثلما قالوا في محاولات إبراهيم شكري لرأب الصدع بيننا وبين ليبيا وسوريا والعراق، وهو لا يحزننا لكنه يخفينا على مستقبل الدين ومصير الأمة . لا يحزننا ولا ينقص من كرامتنا حتى لو ألقوا الروث على رؤوسنا كما فعل أجداد لهم مع سيد الخلق وأكرمهم عند الله، صلى الله عليه وسلم … وفى المسجد الحرام .. عند الكعبة …
أجل لن يحزننا ما يقولون فأي قائل أكمل من سيد المرسلين وقد قالوا أنه مجنون ؟ وأي كلام أجل من كلام رب العالمين وقد قالوا أساطير الأولين ؟ ..
اسمعنا نحن، فإن المواطن العادى ذا العقل السليم يستطيع التفكير خيرا من أعظم كتابكم الذين تصدر عنهم أفخم الكلمات بأضخم الأبناط، لكنهم إذ يفعلون تحولّ عيونهم فعين على سيف المليك وعين على ذهبه.
لقد أكلوا خبزكم فكان عليهم أن يحاربوا بسيفكم، كتاب سوء وعلماء ومسئولي سوء يسخرون مواهبهم لمسخ الدين ومحو الحق، ولتحويل دين الحرية إلى سبيل للظلمة والمستبدين لإحكام قبضة ظلمهم واستعبادهم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
اسمعنا فنحن عماد الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء، فليكن صغوك وميلك معنا، أما خاصتك يا سيدي، فوالله ما من أثقل عليك مؤنة في الرخاء وأقل معونة عند البلاء وأكره للإنصاف واسأل بالإلحاف وأسرع تنكرا عند ملمات الدهر منهم .
اسمعنا فإن الوضع الآن خطير ورهيب، ولقد سقط من التاريخ سبعون عاما فعادت حضارة الغرب قوية ضارية بعد أن استأصلت أورامها النازية والفاشستية والشيوعية، عادت متحدة لتواجه بقايا مهلهلة لإمبراطورية الإسلام التي طالما أرعبتهم .
ولقد كانوا مشغولين عنا فوضعوا أمامنا إسرائيل كالرداء الأحمر أمام ثيران تندفع تجاهه فتجيئا السهام والصواريخ والقنابل من كل خلف .. ليست القضية قضية حدود 73 و 67 و لا حتى 48، ليست القضية وجود إسرائيل كلها، جديدة وقديمة، وهى قضية لم يكتب لنا النصر فيها ولن يكتب حتى نواجههم متحدين كما يواجهوننا متحدين .. فإسرائيل ليست سوى الرداء الذي يشغل الثور عن عدوه الحقيقي.
اسمعني يا سيادة الرئيس فالغضب في قلب الأمة شواظ نار محرقة لا يخفى ضريمها إلا بحور من اليأس لا من رحمة الله .
اسمعني، فبرغم يقيني أن ليس لها من دون الله كاشفة إلا أنني أوقن أيضا أن الله لن يكشف الضر عنا حتى نغير ما بأنفسنا .
اسمعني فقد اجتويت المقام، لكن ليس لي في الدنيا وطن آخر أعيش وأموت فيه ويعيش فىّ، وليس لي من رئيس سواك أناشده المرة تلو المرة، رغم أنهم يجهدون دائما أن يبعدوني عنك ويبعدوك عنى، ولطالما طمعت فيك أن تكون راعيا للدين حين تمكنت منه الذئاب وأسلمته رعاته .
يخيل إلى أحيانا أنك تغيرت كثيرا عنك في بدايات حكمك، وانك نسيت، لكنني في ليلة القدر هذا العام وجدتك في التليفزيون فإذ بك تنطق آيات وددت لو تلوتها عليك، أن أنبهك إليها فقد تكون نسيتها، وأردت أن أذكرك فالذكرى تنفع، لكنك تعرفها إذن، تعلمها، ألا تعلم أيضا أن أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه .
وانتهت يومها خطبتك لأفاجأ بنشرة الأخبار وفيها تطلب أنت من مجلس الأمن أن يؤجل قراره بإدانة ليبيا – 24 ساعة – حتى لا يتوافق صدوره مع ليلة القدر.
لماذا تنصحهم بعدم استفزاز الأمة في ليلة مباركة، أخوفا من ثورة الأمة عليهم، أتحذر الأمة أم تخدرها، أحرام في ليلة القدر حلال في غيرها ؟ ..
ماذا يمكنني أن أقول لك، ماذا ؟..
كيف أفهمك وكيف تفهمني ؟..
هل يدهش داهش بعد ذلك إن جاء دفاع مجرم العتبة ليطلب تخفيف الحكم أو حتى البراءة لأن الجريمة وقعت بعد الإفطار لا أثناء الصيام ؟!..
إن رد الفعل العفوي للأمة بالنكتة أو الشائعة لا يقل أهمية عن الفن العظيم، وهو مثل الفن تيار وجداني مواز للواقع وقد يكون أكثر صدقا، ذلك أنه يتخفف من أعبائه وليست عليه تبعاته، ومن هنا تتبدى أهمية دراسة العادات والتقاليد والفلوكلور، فمن خلالها يتم التأثير في المجتمع وفهمه .
لا تأخذوا صمت المجتمع إذن بمعنى الرضا، ولا سلبيته بغرض العزوف، فهو مجتمع ما زال البسطاء فيه يطلقون على الملاريا اسم " المبروكة " وعلى العفريت اسم " بسم الله الرحمن الرحيم" لكنهم أيضا ذات البسطاء الذين تجاهلوا الاسم الحقيقي لصفقة الأتوبيسات – وورد – ليطلقوا عليها في عفوية عبقرية أسم : كارتر معربين للدنيا أنهم يعرفون منبع الفساد ومكمن الخطر.
ومن هذا المنطلق نفسه نستطيع أن نتفهم اشتعال الوجدان الشعبي بحادث العتبة، والذي كان كلحن جنائزي صادف قلب ثاكل، كقصيدة شعر تعبر عن هموم لا يستطيع المهموم نفسه أن يعبر عنها، وربما لا يستطيع أيضا أن يفهم ما في أعماق نفسه حتى تضئ القصيدة له جوانبها المظلمة، جوانبها المرعبة الموحشة التي لم يكن يستطيع مواجهتها ولا فهمها دون القصيدة التي قرأها صدفة، ولقد جاء حادث العتبة ليضرب في لحظة عبقرية على الوتر الصحيح، ليعزف اللحن الذي لم نتخيل أبدا سماعه وليقول الكلمة التي لم نجرؤ على نطقها، وليجسد الوضع النفسي الذي وجدنا أنفسنا فيه، فكان الحادث مفتاح الحل للغز حرنا في فهمه..
لقد كان العراق بالأمس – وليبيا اليوم وسوريا غدا ومصر بعد غد – هي الفتاة. وكان المعوق الذي ساعد – دون أي مبرر – هم من أيدوا الغرب بقلوبهم وأيديهم وكان المغتصب الغرب .
وكان الأربعمائة متفرج هم الأمة التي وقفت ساكتة وعرضها يستباح وبكارتها تفض.
أبعد كل هذا التاريخ من بطش الجهلاء ونفاق العلماء تطلبون الإيجابية من الناس؟..
ألا يسحق من يفكر مجرد تفكير أن يغير منكرا بيده ..؟
ألم يفت علماؤكم بأن تغيير المنكر مقصور على ولى الأمر، ما لهم يدينون الأمة إذن وقد دانت لهم بالطاعة ؟ أليست هذه السلبية غرسكم، وذلك الحنظل زرعكم، وذلك القتاد ثماركم ؟
ها هم أولاء رعاياك يا مولاي ساكتون، أنصاف رجال وأشباه بشر .
سكتوا كما سكتوا على العراق وكما يسكتون عن ليبيا اليوم
وأنا يا سيدي والله لست من مريدي القذافى ولا من تابعيه.
لم أقرأ الكتاب الأخضر قط، ولا أعرف حتى الآن شيئا عن النظرية الثالثة ولم يرشني القذافى بمال، فلا تدع كتبتك يتهموني بذلك ظلما كما اتهمت أنت يوسف إدريس ذات يوم وأنت له ظالم ..
لا تربطني به صلة إلا الدين والهوية والأمل والألم واللغة والتراث والتاريخ المشترك والمصير الواحد، وهى كما ترى سمات تجمعني بمن أحب ومن أكره، تجمعني حتى بحكام باعونا، لكن ليس ثمة رباط شخصي، وبالرغم من ذلك، أو على الأحرى لأجله، وفى عشية 15 أبريل – حين فرضوا على ليبيا الحصار – جافاني النوم، ثقلت على الهواجس والهموم، والله والله والله يا سيدي طلبت الموت، تمنيته على الله، استعدت كلماتك عندما أنذرتنا أن الأيام القوادم سود، تخيلت أنني إن عشت إلى قابل فسوف أصحو ذات ليلة على ضابط أمريكي يطرق باب بيتي يأخذني كي يحاكمني : أنت متهم بالادعاء أن لك ربا غير بوش، وأنك تعادى آلهتنا، وأنك تؤمن برسل غير وزراء خارجيتنا ودفاعنا وأنك ما زلت تؤمن بأساطير الأولين فأقول له : أنى أعترف، فيأخذون أهلي رهائن ثم يأتي " بولدوزر" هائل يحمل نجمة داود يهدم بيتي..
والله يا سيدي أقولها حقيقة لا خيالا أنني أعتقد – إن استمر الحال كما هو – أن يكون محافظ مدينتي في غد قريب أمريكيا في غد غير بعيد إسرائيليا.
ليلة 15 إبريل كنت قد أنهيت كتاب محمد حسنين هيكل عن حرب الخليج، وكان حزني فاجعا، حزن غريب الأبوين ما مخضته بطن، فها هو ذا محمد حسنين هيكل يستشرف رؤى الإسلام والمسلمين كما لم يستشرفها من قبل، فيصول في التاريخ ويجول ليضع ما يحدث لنا، للعراق وليبيا ومصر في مكانه الطبيعي والحقيقي من بانوراما التاريخ الهائلة، إذ حاول الغرب منذ ألف عام في حروبه الصليبية أن يحطم قلب العروبة والإسلام متمثلا في مصر والشام، لكنه بعد مائتي عام من المحاولات عجز عن تحطيم القلب بالمواجهة فقرر تحطيمه بالالتفاف، بقص أجنحة العالم الإسلامي، وتم له ما أراد بالاستيلاء على الأندلس غربا وعلى الهند شرقا، ومن الهند سيطر على شبه الجزيرة العربية، وليرسم ضابط بريطاني الحدود بين إماراتها وممالكها، تلك الحدود التي شتتت قوانا بالفرقة ثم ضيعتها في عاصفة الصحراء بين الرمال السافيات هباء . ليكون تحطيم العراق وليبيا هو الخطوة الأخيرة مخططهم القديم نحو مصر.
سيدي الرئيس : يذكر هيكل واقعة عن قرارات القمة العربية في القاهرة بعيد غزو الكويت، واقعة فاجعة، الفاجع أكثر أنني – وقد تلاشت التخوم بين العقل والجنون- على استعداد لتصديقها، فالقرارات التي عرضت على الجلالات والفخامات والسماوات كانت ركيكة الصياغة بدرجة تشي أنها ترجمت إلى اللغة العربية على عجل، ولم يكن لدى المترجم الحصافة أو الوقت ليغير التاريخ من أول أغسطس إلى الثاني من أغسطس بالنسبة للعالم العربي وأوربا، لكن فرق سبع ساعات في التوقيت بيننا وبين واشنطن جعل فجر 2 أغسطس عندنا هو مساء 1 أغسطس عندهم، وكان 1 أغسطس هو التاريخ الذي ورد في مشروع قرارات الجلالات والفخامات والسماوات، كان الأمر واضحا وفاضحا، لقد أعدت قرارات مؤتمر القمة العربية في واشنطن، ولم يكن لديكم من الوقت حتى ما تغيروا فيه فارق التاريخ الناتج عن فرق التوقيت.
ولم يكن صباح 15 إبريل بأمثل من ليله، كانت السكين التي ذبحتني في العراق تشرع لذبحي في ليبيا، وكنت أفرج كربى بطرحه على زواري، لكن ما وجدته لم يكن دون القتاد شوكا ولا العلقم مرارة .
كان زائري الأول شابا يحمل درجة الدكتوراه شديد التدين والصفاء وأجابني حين سألته عن رأيه فيما يحدث بأنه شديد السعادة لأن الله يسلط الظالم على الظالم، وأردف موضحا : أليس هذا هو القذافى الذي أنكر الأحاديث وحرف القرآن ؟.
أرأيت يا سيدي ماذا يفعل الإعلام حين يكون غبيا، بذيئا، يشوه وجدان صفوة عقول الأمة من أجل مصالح آنية دنيئة ووضيعة .
أم لعلك نسيت ادعاء الكثير على صدام وأسمائه الحسنى، وعلى القذافى والخميني وجمال عبد الناصر وأحمد عرابي وكل من كفر بإمبراطورية الشر، لا أبرئ أحدا ولا أبرئكم لكنني أدين الكذب أينما كان .
كان زائري الثاني في ذلك اليوم طبيبا شهيرا يمثل صفوة الأرستقراطية المصرية النظيفة، وكان رأيه وهو يجادلني أن الأمر لو عرض على الشعب المصري في استفتاء لأيد الشعب موقف مبارك، فنحن نتعاطف مع الشعب الليبي لكن لا أحد مستعد للمشاركة في مصير محتوم لن يغيره مشاركتنا له، وقلت له: رأيك مثلهم ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، فلكي تستفتى استفتاء حقيقيا يجب أن تفتح وسائل الإعلام كلها لكل الآراء، ليس لمدة ربع ساعة كما فعلوا في سوابق لهم، وإنما لمدة ربع قرن ، ثم أن افتراضك الثاني خاطئ ومدمر، ذلك أن مصير ليبيا هو مصيرنا جميعا مع فارق التوقيت، وأطرق صديقي وقد تزلزل يقينه حين تذكر ما أنبأته به حين حرب الخليج، أنهم لن يحلوا قضية فلسطين، وأنهم سيصطادون الدول العربية والإسلامية دولة بعد دولة، و أن دور مصر آت لا مناص، وحينها، إن كان قد بقى من الدول العربية شئ فسيقفون منا ذات الموقف الذي تقفه أنت من ليبيا .
كان الزائر الثالث من عامة الناس على مشارف السبعين من العمر، وسألته ماذا فعلت بالأمس، وأجاب الرجل أغلقت على باب حجرتي وظللت طول الليل أبكى، كل ما عشت من أجله ينهار، وكل ما خشيت منه يتحقق .
ولم أفهم الدلالة الكاملة لذلك يا سيادة الرئيس إلا بعد أسابيع عندما نشر فهمي هويدى مقاله فذة .. شديدة الروعة مشتعلة بالآلام والمرارة بعنوان : " تقرير عربي عن الفتنة الأمريكية " كانت قمة جعلتني أشعر أنه يكتب بل يرقص مذبوحا من الألم، كان السر الذي لم يكشفه فهمي هويدى لقارئه أنه بدل الأدوار فتخيل يا سيادة الرئيس أن حاكما عربيا هو من يحكم الولايات المتحدة الأمريكية، وأن كتبتكم هناك هم كتبتكم هنا ووزراءكم هناك هم وزراؤكم هنا، وبأسلوبه الرصين المتميز أخذ يسرد بأسلوب شديد الجدية والسخرية والمرارة تفسير ما حدث في لوس أنجلوس على أنه مؤامرة من الأصوليين الإسلاميين لهدم أمريكا .
ما حدث بعد المقالة يا سيادة الرئيس كان مذهلا، كان فضيحة وكارثة للعقل المصري، إذ لم يفهم المقالة سوى أقل القليل، لم يدرك أحد مرارة السخرية فيها، وهتف أحدهم في يأس : ولماذا لا يسقط فهمي هويدى هو الآخر مع من سقطوا، هذا جيل أضناه الكفاح دون جدوى حتى سقط واحد من أعظم رواده : خالد محمد خالد – وهو يصرخ : "أدركنا بها يا بوش" فجعل من بوش صلاته وإلهه : فلماذا نتوقع من الناس إذن أن يفهموا، وقد بلغ بهم اليأس مبلغ أن أحدا عندهم لم يعد محصنا ضد السقوط.
إبان "غاشية" الخليج تضاربت الخواطر والحلول في رأسي، لكنني كنت أردع نفسي بأنها حلول مجنونة، ولم تكن مجنونة لأنني مجنون وإنما لأن حكامنا موجودون.
فكرت أيامها يا سيدي أن تتحد العراق والشام وشبه الجزيرة العربية و مصر لتعود كما كانت في عهد الفاروق عمر، ألا تستمر كما هي في عهد الخليفة بوش .
وأفكر الآن أيضا أن نحل مشكلة ليبيا بطرح ما قامت أكبر ثوراتكم في الظاهر بسببه " ثورة 15 مايو في بداية السبعينات" ألا وهو مشروع الوحدة بين ليبيا ومصر والسودان . ألم تعينوا له رئيسا، أكانت وحدة أم خداعا لأمة و إلهاء لها لا يقصد صالحها وإنما هي مناورات دنيئة للعبة الكراسي لكنها لا تجوز للإنقاذ؟
لكنك يا سيادة الرئيس ترد بأن الوحدة تحتاج لظروف لم تكتمل وقد يكون رأيك صحيحا في وضع أخر لا نملك الآن رفاهيته فعندما يكون الفناء محدقا بنا جميعا يحل لنا أكل الميتة أفلا تحل الوحدة ..
إن الغرب يطالب ليبيا بتغيير نظامها وإجراء انتخابات حرة فهل يسكت إذا ما طلبنا نحن بإجرائها في كافة أرجاء العالم العربي والإسلامي، في السعودية مثلا .. أو حتى مصر ..
يا سيدي :
ناشدتك الله أن تنظر في أحوال أمتك نظرتك عندما كنت واحدا منها قبل أن يوليك الله عليها . عندما كنت ترى – مثلنا – أن كوارثنا الاقتصادية تتلخص بإعجاز في قولك معنا لهم : لقد أخذتم المال في غير حله فوضعتموه في غير حقه، وجعلتم المال دولة بين الأغنياء منكم ، حين كان رأيك لبد رأينا ورأينا رأيك في أن سبب كل التوترات التي يحفل بها مجتمعنا ليس إلا الطغيان والاستبداد، فلا بد للحاكم المستبد من فئة مستغلة تعينه وتؤيده وتأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف لتتسلط معه وتستأثر بما تشاء من جاه وثراء، وهى في سبيل ذلك تهدم الدين والقدوة والمثل لتترك الأمة خائرة ضعيفة مهزومة من الداخل قبل أن تهزم من الخارج، حين كنا – كنت – نرى أن فرط الغنى وفرط الفقر يؤديان إلى تآكل صلابة الدولة.
أتذكر أحيانا مسرحية جون أوسبرز " أنظر وراءك في غضب " حين يقول أحد أبطاله أن خلف كواليس السلطة الرسمية يوجد خمسة أو ستة أفراد لا يعرفهم أحد لكنهم هم مصدر السلطة الحقيقية . لكن السؤال الذي يطعن القلب هو لمصلحة من ؟؟ من يملك السلطة ؟؟ ..
وتاريخنا يا سيدي يحوى كثيرا من السلاطين عجزوا عن إدارة أهون أمورهم، حتى شئون قصورهم، حيث تولاها بالرغم منهم الطامعون الغاضبون المتآمرون على الدين والوطن والأمة، حيث جرد الخليفة أو الملك أو الرئيس أو الأمير أو السلطان أو الإمبراطور من كل سلطانه وكل سلطاته مقابل وعد بأن يبقى التاج على رأسه وإن كان لا يحكم، لكن هذا الوعد قد تمخض دائما عن سقوط رأس الحاكم واقعا لا مجازا كي يبقى التاج بعد ذلك في يد أعداء وطنه وأمته ودينه . لي الحق يا سيدي إذن أن أخاف، ولى الحق أن ألقى السؤال تلو السؤال عن هذا الذي يحدث ؟ أيحدث بوعى وإدراك ؟؟ أم أن ما مارسه الأعداء والسلطة من تزييف وعى الأمة قد ارتد على الحكام فلم يعد أمامهم بيانات صادقة تمكنهم من تكوين رأى صائب .
سيدي : ليتك قرأت ما ورد في كتاب أثرياء الشرق للصحفي الألماني الشهير " جرهارد نزلمان " هذا الكتاب المأساة الذي يتناول فيه كاتبه – بموضوعية مذهلة – الموقف الإجرامي للحضارة الغربية تجاه العالم العربي والإسلامي، كيف ينهبوننا؟ كيف يسرقون منا الحاضر والمستقبل، ومجرد الأمل في حياة كريمة ؟ وأنه إزاء ذلك لا يردعهم رادع ولا يعوزهم وازع، فالغاية تبرر الوسيلة، وكل شئ لهم مباح، ولسنا بالنسبة لهم سوى فصيلة من العبيد أو الحيوانات المتطورة .
ولم أختر هذا المثل الذي يتحدث عن السلطان قابوس كراهية فيه ولا إغاظة لكن – فأنا أعرف أنه صديقكم الوفي الحميم – ولكن لأنه هو الحاكم العربي الوحيد الذي امتلك فضيلة الصراحة للاعتراف بنوع شرعية حكمه . أتعتقد يا سيدي أن الباقين يختلفون ؟؟؟ ياله من أمر محزن يا سيدي أن يظن رعاياكم – وبعض الظن لا كله إثم – أن أعداء الأمة لم يتسللوا إليها من خلال أوباشها بل من خلال أرؤسها..
فأولئك الحكام الذين يرتدون رداء الإسلام يسهمون من خلال مخططاتهم في تشكيك الأمة بصلاح دينها لممارسة حياتها وحكم أمورها، وتلك والله والله فرية عظمى وإفك أكبر . لكنها وقرت في أذهان البعض لأن تاريخ الحكام الأسود إذا حسب على الإسلام فهو مروع ورهيب ولم يكن حكمهم حكم الإسلام وإنما اغتصابا يرتدى غلالة مزورة يدعى أنها الإسلام.
إنكم يا سيادة الرئيس غير قادرين على حوار، لأن أي حوار يتضمن افتراض خطئكم واحتمال صوابنا، ولأن الحوار يتطلب أيضا افتراض تساوى أطرافه . لقد نهانا القرآن يا سيدي – ونهاكم أيضا – أن نتنابز بالألقاب لكنكم تنابزتم بالقرآن الكريم والحديث الشرف . وبأسماء الله الحسنى .
منذ عشرات الأعوام عندما أطلق الإعلام الغربي الصهيوني الفاجر صكوك غفرانه وشهادات الكفر والإيمان، كانت الخطة أمامه مكتملة ينفذها خطوة خطوة ولم يلاحظ من فقهائنا فقيه أن دعاوى الكفر لم تصب إلا أعداء أمريكا و إسرائيل، ولم يكن الأمر بالنسبة لهم كمثله عندنا مجرد حشو لصفحات الصحف بالحروف ولأجهزة الإذاعة والتليفزيون بالكلمات والصور، كان تنفيذا لخطة كاملة شاملة تفقدنا – نحن الأمة – التعاطف معهم كي يضربونا نحن في النهاية . وكان المرجو من فقهائنا أن يحمونا، لكن بلغ الأمر ببعضهم أن فسر آية " وشاورهم في الأمر " على أن الأمر القرآني موجه للرسول صلى الله عليه وسلم لا إلى الحكام، وأن هذا دليل على وجوبه على الرسول لا على الحكام . إبكوا كثيرا، واضحكوا قليلا .
والله يا سيدي لكأننا من أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولدنا في الجور ولم نعرف غيره .
يا سيدي :
عندما يهدر الأفراد الشرعية فمن واجب الدولة أن تتصدى لهم يساعدها المجتمع فإن أهدرت الدولة نفسها الشرعية فكل شئ مباح .. ولقد حمد ابن الخطاب الله يوما أن جعل في أمته من يقوم اعوجاج عمر بسيفه .. أما أجهزة أمنك فهي تسحق سحقا أولئك الذين يقومون اعوجاج منحرفيكم بألسنتهم . أما الذين تتفضلون عليهم بعدم السحق فأنتم لا تمنون عليهم إلا بآذان بها وقر، وقد لا تعلم يا سيادة الرئيس كم تعذبنا عندما كان الدكتور حلمي مراد يكتب مقالاته الرصينة المهذبة، التي لا تخدش حياء ولا تكشف عورة، باذلا النصح لكم من أجلكم، ومن أجل وطنكم وأمتكم ودينكم، وفى البداية ما من مرة كتب إلا ظننا أنه كشف لكم ما التبس، وأوضح أمامكم ما عميت عنه البصائر والأبصار، وأنكم لابد منصفوا الحقيقة ولو من أنفسكم، بيد أن صمتكم كان يذبحنا، وعندما ارتفعت نبرات ذلك الرجل العظيم، ووضحت إشاراته لحد الفضيحة، قلنا أنكم سترسلون من يستر ما انكشف من سوأة أخيكم، لكن حتى ذلك يا سيدي لم يحدث، فظل واخوة له يسوموننا الحكم بسوءات عارية ومساوئ بادية ولم يجد حلمي مراد مناصا من تسليم خطاب تلو خطاب، ومناشدة تلو مناشدة إلى رجالك كي تكون الحقيقة أمامك، لكن شيئا لم يتغير واضطر الكاتب الوطني الكبير بعد اليأس أن يضع للأجيال القادمة كتابا يتضمن ما يحدث من فساد في قطاع البترول، ولم يكن الخلاف حول مبادئ يجب ألا تختلف عليها – لكننا للأسى اختلفنا – ولا حول نظريات يمكن بل يجب أن نختلف عليها، ولكن خلاف حلمي مراد – ومعه الأمة – مع حكوماتنا وكنا ننشد فقط ألا تكابر الأجهزة عندما يكون الفساد فادحا مكشوفا موثقا بالأدلة والمستندات، لكنهم يا سيادة الرئيس كابروا وعندما آن الأوان الذي لا نعرف له سببا وأقيل بعض المفسدين كنا ندرك أن هذا ليس رجوعا إلى الحق وإنما خلاف حول باطل .
وبعد ذلك وقفت الدولة بقضها وقضيضها تساند الفساد وتعضده، حتى لتكاد النكتة الشعبية الشائعة تتحقق : عندما حكمت ببراءة المتهم وحبس المحامى .
ولو أن الأمر يا سيدي كان يقتصر علي فساد جهاز أو هيئة لهان، لكنه فساد نظام ومنهج، يفسد فيه الفاسد غير الفاسد، فإن لم يستطع عزله عن التأثير على المجتمع و شهّر به وافتأت عليه .
لقد اقترن عهدك يا سيدي الرئيس بالقروض بأكثر مما حدث في عهد إسماعيل وأنت تعرف ما حدث بعده .
ولقد كان ترك شركات توظيف الأموال في غيبوبة القانون مأساة، وكان اغتيالها بالقانون كارثة . كذلك كان ترك البنوك الأجنبية تنهبنا وبنك الاعتماد والتجارة يهدر مقدرات مواطنيك مأساة وكارثة .
والطريقة التي يباع بها القطاع العام الآن، والطريقة التي يعامل بها القطاع الخاص المنتج – خاصة في مجال استزراع الصحراء – مأساة وكارثة .
والطريقة التي تدار بها الصحف الحكومية والإعلام والثقافة والفنون مأساة وكارثة .
ونظام التعليم من أدناه إلى أعلاه مأساة وكارثة .
كذلك نظام الشرطة والجامعات وربما الجيش .
إن ريتشارد نيكسون يحدد – في كتابة : انتهزوا الفرصة – طريقة انهيار دول العالم الثالث، وخروجها من التاريخ فيما يحدث عندنا الآن .
ويقول فوزي منصور في كتابه : " خروج العرب من التاريخ" إن التاريخ قد يغفر لأمم أن تنهزم لكنه لا يغفر لها أن تعطى للتاريخ ظهرها" .. فلماذا نفعل ذلك يا سيادة الرئيس، ولماذا نجعل على رأس أجهزتنا حكاما لو اختار أعداؤنا ما اختاروا غيرهم .
سيدي الرئيس :
لا يثمر الكذب إلا كذبا ولا ينبت الشر إلا شرا، ولا تسفر الخطيئة عن حلال، لذلك أقول لك أن خطأنا في المنهج، وهو خطأ كفيل إن لم تتداركه بانهيار مخيف، وصدقني أنني أخشى انتقام الله منك ومنا، أخشى أن ينتهي عهدك نهاية كابوسية تنهار فيها السدود والأنفاق، وتنفجر مياه الصرف وتشتعل أنابيب الغاز ومصافي البترول، وتغرق السفن وتنتشر الأوبئة، وتكسد التجارة وتخسر المصانع – التي أدت غرضها لمن أقامها بمجرد قبض العمولة عليها –، أخشى أن تتحول بلادنا، كما تحولت بلاد أخرى إلى مسخ أوطان ترتكب فيها الشرطة أعتي الجرائم وتنشر المخدرات، ويهدد العسكر أمن الوطن، ويتخلى القضاء جالسا وواقفا عن تراثه العتيد، فيتاجر بالعدالة، ويتحول الأطباء إلى مصاصي دماء يتاجرون بالبشر، أخشى تراجع القرى إلى عصر الخراب والمدن إلى عصر الغابة، أخشى أن ينهار المجتمع كله.
أجل …وعند ذلك تأتى إسرائيل لتحكمنا .
فمن أجل أبنائي وأبنائك صن.
من أجل الأمة والعرب والمسلمين صن.
في سبيل الله صن
فليس الأمر أمر هيئة ولا مؤسسة ولا حكومة وإنما المجتمع كله، الأمة والتاريخ والدين والحضارة، وليس كل ذلك فقط . وإنما توشك الأرض أن تميد تحت أقدامنا، أن ننتهي كجغرافيا وكمجرد وجود بيولوجي.
أنت لا تملك الوقت يا سيدي كي تقرأ كما نقرأ، استدع إذن أستاذا في التاريخ وأسأله، أي أستاذ، حتى لو كان الدكتور عبد العظيم رمضان، استدعه وأسأله عن تماثل ما يفعله الأمريكيون بنا، وما فعلوه بالهنود الحمر، حتى أبادوهم عن بكرة أبيهم وزعيمهم يصرخ في أسى : إنهم يتحدثون دائما عن السلام لكنهم لا يطبقونه أبدا .. سله يا سيادة الرئيس إن كانوا قد وفوا بعهد قط، إن كان قد منعهم مانع أو وزعهم وازع أو ردعهم رادع، لقد وصف ريتشارد نيكسون بعض دولنا بأنها مجرمة لكننا نرى أن أمريكا هي أكثر الدول وأبشعها إجراما في التاريخ، لكن عبد العظيم رمضان لن يقول لك كل هذا فحاول أن تعرف الحقيقة منا لا ممن حولك، فإننا نظن – وبعض الظن حق – أنه يكاد ألا يكون أحد منهم إلا ويكذب عليك، ما من أحد يقول لك رأيا يعرف أنك لا تراه، ما من أحد منهم يكتب مقاله يبحث فيها عن حقيقة ينزف في تلافيفها قلبه، وهو يحاول أن يستقطر منها الحكمة كي يقدمها إليك، إنما يا سيدي – وتلك كارثة - يتلمسون اتجاهك، يحاولون معرفة رأيك كي يؤكدوه لك ويبرروه لنا، وهم بهذا يكفون عن الكينونة بشرا ليكونوا مرايا، لا ترى فيها أحدا إلا نفسك، يكفون عن الكينونة بشرا ليكونوا خبثا يعزلك عن ضمير الأمة، وآمالها وآلامها وعنائها، أعظم من فيهم يا سيادة الرئيس شيطان أخرس لا يأمرك بمعروف ولا ينهاك عن منكر، أعظم من فيهم يتجنب إبداء رأيه لأنه يعلم أنه يخالفك، أما الآخرون فقد حسبوها حسبة أخرى، فأنت بالنسبة لهم أكبر استثمار في حياتهم، كلما وافقوك أكثر كانت مغانمهم أكبر، ثم أن عقابك عاجل وعقاب الله آجل، و غرتهم الأماني فحسبوا إمهال الله نسيانا، ثم رأوا رأى العين في كلمة الحق ابتلاء، وأن قائل الصدق في أحسن الأحوال عندكم مذموم مدحور محاصر بأجهزتكم التي تطلق عليه الشائعات أحيانا والكلاب أحيانا أخرى .
ماذا يفيدك يا سيدي أن تفقأ عيون كان المأمول أن تكون عيونك .
ترى حين أفقأ عينيك وأثبت جوهرتين مكانهما …
ترى هل ترى ..
هي أشياء لا تشترى …
أجل يا سيادة الرئيس فلنحاسب أنفسنا ولنحاسب بعضنا .. قبل أن يحاسبنا الله . وإن كان يسوءك اشتدادي عليك في الحساب اليوم فيوم القيامة أمام الله سيكون الحساب أشد … لكن الحساب يوم الحساب ..
فهل تشك يا سيادة الرئيس أن هذا اليوم آت …
لا أظن أنك تشك. .
لكن هل أعددت لذلك اليوم العظيم نفسك ؟..
يوم يقضى الله للجلحاء من القرناء، ويوم يسأل الجماد فيم نكب إصبع الرجل، هل أعددت نفسك يوم يسألك ونحن شهود لك أو عليك فماذا تفعل حينذاك ؟..
ماذا تفعل في هذا اليوم ؟.
ماذا تفعل في هذا اليوم ؟ يوم التكوير، يوم الانكدار، يوم التسيير، ، يوم التسعير، يوم التعطيل، يوم التسجيل، يوم السؤال، يوم الكشط والطى ، يوم الساعة، يوم البعث، يوم النفخة، يوم الناقور، يوم القارعة، يوم الغاشية، يوم النشور، يوم الحشر، يوم العرض، يوم الجمع، يوم التفرق، يوم البعثرة، يوم التناد، يوم الدعاء يوم الواقعة، يوم الحساب، يوم السؤال، يوم الشهادة، يوم التبديل، يوم التلاق، يوم الآزفة، يوم المآب، يوم المصير، يوم القضاء، يوم الوزن، يوم الجدال، يوم القصاص، يوم الحاقة، يوم الطامة، يوم الصاخة، يوم الوعيد، يوم الدين، يوم الجزاء، يوم الندامة، يوم التغابن، يوم الشخوص، يوم الشفاعة، يوم العرق، يوم القلق، يوم الجزع، يوم الفزع، يوم فرار، يوم الازدحام، يوم الحر، يوم العطش، يوم الانفطار، يوم الانشقاق، يوم الذل، يوم الخوف، يوم لا تملك نفس لنفس شيئا، يوم تبض وجوه وتسود وجوه......... فهل تشك يا سيادة الرئيس أن هذا اليوم آت ؟..
أنا واثق أنك لا تشك..
لكن إن كنت لا تشك في ذلك الهول كله ..
أفليس جديرا بك أن تدعو بالرحمة لمن يهدى إليك عيوبك . وأليس جديرا أن أهتف بك : أتق يوما كان عذابه مستطيرا ..
كان …
فعل الديمومة والكينونة ..
هي الفتنة يا سيادة الرئيس فابتغ الخلاص . أم حسبت أن تقول أمنت ولا تفتن .
ألم تسأل نفسك قط أين الملوك والحكام قبلك وقد بعدوا ونسى ذكرهم وصاروا كلا شئ، لقد بقيت عليهم التبعات وانقطعت عنهم الشهوات، مضوا والبنيان بنيانهم يملكه غيرهم .
فإذا لم نجرؤ نحن أن نسألك عن كل هذا..
أو إذا جرؤنا لكنك لم تعرنا اهتماما، فكيف ستواجه حساب الله سبحانه وتعالى لك يوم القيامة ؟..
إنني واثق أنك أيها المواطن مثلى بالله تؤمن .
لكن ..
لا إيمان بلا يقين ..
واليقين يهزم الزمن حتى يكاد يلغيه ..
وإنى لأكاد أراك رأى العين .. يحاسبك الله ويسألك الملائكة وأصابع مئات الملايين من وطننا ومن العالم العربي والإسلامي تشير إليك هاتفة :
- كان يستطيع يا رب .. لكنه لم يفعل ..
وأخالك يومها .. وحدك .. لا جيش ولا حرس ولا أمن مركزي ولا وزير داخلية يقلب الحقائق..
وكل نقطة قوة كانت لك في الدنيا هي عليك في الآخرة .. فهل أعددت عدتك للسفر يا سيادة الرئيس … للقاء ربك ..
أدمعت عيناك من خشية الله منذ أصبحت رئيسا للجمهورية أم غرتك القوة ؟ أنكصت عن فعل كنت تزمعه خوفا من الله . أو أقدمت على فعل لصالح رعيتك مبتغيا وجه الواحد القهار لا مبتغيا استمرار النظام ..
أقدرك الله علينا اليوم، فاتقيت قدرتنا عليك غدا أمامه ..
وكيف تجيبه حين يسألك عن جائع لم يجد طعامه .. وعار لم يجد كساءه، وقاطن بالمقابر لم يجد سكنا .. وعن مظلوم لم تنصفه وعن ظالم لم تنصره برده عن ظلمه .. وعن آمال ضيعتها وعن آلام سببتها وعن كذب لم تصححه وعن تزييف لعقل الأمة لم توقفه .. وعن أشرار وليتهم وعن لصوص ائتمنتهم، وعن أتقياء استبعدتهم، وعن حق هجرته، وعن باطل احتضنته، وعن أخ لك في الله جفوته حتى العداوة وعن عدو لله اصطفيته .. وكيف تجيبه حينما يسألك عن لصوص ومرتشين استنزفوا البلاد سكتّ عنهم .. وكيف تجيبه عندما يواجهك من عُذّب في عهدك .. وما بالك إذا أخذوا يقتصون منك بكل ما فعل بهم واحدا واحدا يا ابن الأكرمين .. وكيف تجيبه حين يواجهك الآلاف الذين استشهدوا في حروب الوطن .. أدافعت عن القضية التي استشهدوا في سبيلها، أم أن موقفك منها تلخص في حكمين فاجعين : حبس بطل مصر العظيم سعد الشاذلي وفى نفس اليوم الإفراج عن آل مصراتى ..أتشاذلي
أي عار ينكس القامات ويجلل الهامات.....
وليس حزننا من أجل الفريق الشاذلي كشخص فمثله لا يحزن عليه، بل به وله نفرح..
ولا حزننا من أجلك فما يزال باب التوبة مفتوحا أمامك .
وإنما نذكر نصر أكتوبر، نصرنا اليتيم الذي ليس لدينا سواه نفخر به ونعتز بذكره فنرى بطله الثالث – أنت يا سيادة الرئيس – يحبس بطله الثاني: سعد الدين الشاذلي .
ولعلك تتساءل الآن عن البطل الأول لحرب أكتوبر ..
سأجيبك :
أنا يا سيادة الرئيس ..
أنا..
أنا بطلها، أنا المواطن المصري العادى البسيط الذي لا حول له ولا قوة، أنا من لا رأى له يسمع ولا قهرا يمنع، آبائى وإخوتى وأبنائى هم فعلوها في رمضان وانتصروا، نحن الذين كافحنا ودفعنا دماءنا من أجل أن نكلل هامة الأمة والتاريخ بالانتصار .
فكيف لا يلبى بطل رمضان الثالث أمر بطلها الأول بالإفراج عن بطلها الثاني كيف ؟..
وكيف تقف أمام الله لتدافع عن نفسك ولماذا تجعل مهمتك كل يوم أكثر صعوبة؟
لكن الأمر لا يقتصر على ذلك فقط، إذ يبدو أن أعداءنا وأعداءك يدفعون الأمور في سبل محددة وطرق ممهدة كي يحرجوك ولا يبالون بمشاعرك ووضعك أمام شعبك وأمام أمتك وأمام العالم..
نفس ما فعلوه بالسادات في أعوامه الأخيرة بعد أن وثق بهم .
وهنا أيضا يبدو إصرارك على عدم تعيين نائب لك مخاطرة بمستقبل الوطن إذا ما شاء الله أن يسترد وديعته فيك .
يا سيدي … يا سيدي … قد يقول لك سدنتك أنني انفعالي متخلف أحدثك بالقلب في عالم لم يعد فيه للقلب صوت، بيد أنى أحدثك حديث العقل أيضا.
والعقل قيمة كبرى أعلى الدين من شانها حتى لتسقط فروض الدين عن غير العاقل، وهو قيمة عليا أخذ أعداؤنا بأسبابها فامتلكوا الدنيا، وها نحن أولاء نوشك أن نكون لهم عبيدا، أهملناها رغم أن دينهم لم يعل شأن العقل كديننا، و ذلك يعنى أن لا نتبع نمطهم العقلي الفاسد. فعندهم الغاية تبرر الوسيلة , وعندنا الغاية وجهه والنتيجة أمره وقدره وقضاؤه أما الوسيلة فهي أمرنا , وقدرنا وقضاؤنا الذي سيحاسبنا الله عليه . والعقل قيمة عليا في كل ذلك لكنه يكاد يكون عندهم هو القيمة العليا الوحيدة بينما هو لدينا قيمة عليا من قيم عليا ليس لها نهاية , علينا أن نأخذ بأسبابه فنحن أولى بها منهم ولكن علينا في ذات الوقت ألا نسقط من خلاله في براثن اليأس وحمأة الرعب وسلاسل العبيد..
العقل قيمة عليا … علينا ألا نفلت سببا من أسبابه، لا لأن ذلك سبيل انتصارنا عليهم، وإنما لأن ذلك أمر الله لنا .. فإن اتبعنا أمره سيأتينا نصره، سيأتينا من حيث لا نحتسب، ستنهار كتلتهم كما انهارت الكتلة الشرقية، وسوف تصدع الأرض والجبال والبحار لأمر الله فيغرقهم طوفان ويحرقهم بركان وتميد بهم رواس، سيرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل تجعلهم كعصف مأكول، وسننتصر، سينتصر الإسلام بطريقة جديدة فريدة تحفظ له عظمته، ولعله سيغزوهم داخل ديارهم لا بالسيف ولا بالقنابل، ولكن بمبادئه السماوية إزاء إجرام حضارتهم الوحشي وخوائها الروحي .
سيدي الرئيس :
لست مزايدا ولا مقامرا ولن أطلب منك حرب أمريكا ولا حتى إسرائيل فقد انقطع أملنا في الحاضر، حتى الحلم مات، ذوى، ذرتة رياح صرصر عاتية، لم نعد نفكر في حرب أعدائنا ولم نعد – حتى – نحلم بنصر، ذلك بأمر الله وبوعده الحق قادم، لكن في زمن آخر لن ندرك بشائره ولن نذوق رحيقه ، ما نريده، ما نرجوه ونتوسل وندعو الله من أجله أن نبقى لأبنائنا ما يبدءون منه، أن نترك لهم حتى رايات ممزقة وصواري محطمة تذكرهم بأن آباءهم كان لهم شرف المحاولة قبل عار الهزيمة، كيلا ينظروا إلى أجيالنا باشمئزاز واحتقار هاتفين: ألم يكن فيهم رجل؟ ألم يكن فيهم رشيد؟ ما نرجوه منك يا سيادة الرئيس أن نوقف الانهيار لنبدأ .. لنضع اللبنة الأولى في مصر، فمنها سيفيض النور والخير بإذن الله على العالم العربي والإسلامي .
وما أطلبه منك يا سيدي – والله – ليس عسيرا وإنما هو الحق والعدل والدين والمنطق والسياسة والحضارة .
ما أطلبه منك:
ليكن عيد ميلادك القادم أخر عيد ميلاد في السلطة [4]
إن كانت السلطة شرا فكفاك وإن كانت خيرا فقد نلت منه ما يفيض..
أنت نفسك الذي قلت لنا ذلك في بداية حكمك فلا يصدنك شياطين الجن والإنس عن عزمك القديم..
السلطة مغتصبة من الأمة فأعدها إليها..
لا ترشح نفسك مرة أخرى..
والذي نفسي ونفسك بيده لن يدفعك إليها إلا منافق ولن يكذبني إلا كاذب ولن يستبقيك إلا عاص يريد الخير لنفسه، وقد اطمأن لموقعه في وجودك، فكن القدوة …
كن أول حاكم يتخلى عن السلطان اختيارا..
اخلع أرديتها فإنها لظى نزاعة للشوي .. وعد إلينا حبيبا قريبا، بطلا عظيما لنصر وحيد، وقد بنا من صفوفنا محاولتك لرأب صدع الأمة..
خض بنا البحر – في سبيل الله - نخضه معك .
ليكن عيد ميلادك القادم أخر عيد ميلاد لك في السلطة .
انقل الحكم من العسكريين إلى المدنيين، وهو انتقال لابد آت فافعله أنت اختيارا تحقن دماء أهلك من سطوة العسس . اجعل من مصر منارة أمام العالم الإسلامي حيث نظام الحكم وشخص الحاكم لا يتغير إلا بالموت، افعلها تكن لك يد بيضاء عند الأمة أبد الدهر .
افعل ما تود أن تقابل الرحمن به غدا، بل اليوم بل الآن، أم أن لديك ميثاقا أن تعيش أكثر . وهل تنتظر إلا الساعة أن تأتينا بغتة فقد جاء أشراطها يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم لأنهم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون .
إن الشيطان قد يئس أن يعبد لكنه رضى أن يطاع فلا ترض أنت .
فليكن عيد ميلادك القادم آخر عيد ميلاد لك في السلطة .
وحين يحين ذلك حاول أن تحصى ذنوبك كي تتوب إلى الله .
أن ترجع عنها قبل أن يرجع عليك بها .
صارح الأمة وواجهها بحقيقة أمرها .
ذلك أن أول درجات سلم التوبة الصعب أن تقر بذنبك ..
اكشف لنا ما قد علمت من تعذيب وتزوير وتستر..
اكشف للأمة أن ما شاركت فيه لم يكن " عاصفة الصحراء " فقط وإنما كان " المجد للعذراء" أيضا وهو أسم أخفاه إعلامك عن الأمة لغرض في نفس شامير وبوش .
ألغ قانون الطوارئ .
وافق على تغيير الدستور .
ألغ الاستفتاء على رئاسة الجمهورية وحوله إلى انتخاب حر .
لا ترشح نفسك مرة أخرى ..
أوقف التعذيب..
أوقف تزوير الانتخابات ..
أطلق حرية الصحافة والأحزاب حقا وصدقا ..
طارد الفساد والمفسدين ..
ضع الأسس لبناء مصر الحديثة. .
خطط لإعداد دولة الإسلام كما خطط بنو إسرائيل لإقامة دولتهم..
ضع مع أقرانك خطة تحقق ولو بعد مائة عام..
إن بقاء أي أسرة من الأسر الحاكمة الآن في العالم العربي والإسلامي لمدة عام واحد أمر غريب، عشرة أعوام معجزة عشرين عاما مستحيل، فأعرض علهم إذن مشروعا لوحدة العرب المسلمين لا يكتمل إلا بعد مائة عام، مشروعا لا ينتقض من سلطة، مشروعا يداوى جروح الأمة ويجمع شراذمها ويعيدها خير أمة أخرجت للناس .
افعل ذلك، تمح حسناتك سيئاتك..
تب إلى الله..
وإن لك من مجد أكتوبر ما يجعلنا ندعو الله أن يغفر لك .
افعل ذلك … فوالله لو جئت الله بملء الأرض ذنوبا لجاءك بمثلها حسنات .
ولو تقربت منه ذراعا تقرب منك باعا وإن أتيته تمشى أتاك هرولة .
وليكن عيد ميلادك القادم أخر عيد ميلاد في السلطة .
***
قد يكون هذا آخر حديثي لك ولعله آخر الاجتماع
فالسلام عليكم يا سيادة الرئيس ..
السلام عليك يا أيها الأجير …
فلعلنا لا نلتقي أبدا بعد عامنا هذا في موقفنا هذا .
ومن أجل هذا كتبت لك ما كتبت، ولم أكن ألقى بنفسي في التهلكة بل والله أنقذها.. فلو أن عبدا خير بين ما عند الله وما عندك فاختار ما عند الله أيهلك، أم ينقذ من الهلاك نفسه ؟..
أبارت تجارته أم ربح البيع. .
السلام عليك أيها الرئيس ..
السلام عليك، وعلى موعدنا للقاء أمام الله في يوم قد يكون مقداره خمسون ألف سنة .
خمسون ألف سنة فتخيل معي يا سيادة الرئيس واعتبر، لأننا -إذا كان ذلك- في الحساب على ذنوبنا – لا في العذاب عليها – سوف نحاسب عن كل يوم عشناه في هذه الدنيا ثلاثة أعوام ..
فكيف لا أقول، وما أنا إلا عابر غريب، دنياي آخرتى، والطريق وعر، والمخاطر جمة، حتى أنني أتهلل لم يختصر لي المسافة ويقصر على الشقة ويخفف الابتلاء ويلطف القضاء ويعجّل بالأوبة .
لست مقيما، وإنما أتزود من قفرى لروضتي، أنتظر الطلب بالذهاب والإذن بالمثول، غير آبه لأي حال تكون عليه عظامي وإهابي حين مغادرتي .
وكيف لا أقول وما أنا إلا عبد أرسله سيده وأمره أن يقول فكيف لا أصدع أنا ولم لا تصدع أنت ؟ ..
السلام عليك أيها الرئيس .
سلا م الله لا سلام أعداء الله .
السلام عليك ورحمة الله وبركاته .
1- راجع قائمة المحتويات لقراءة المقال كاملا.
[2] - هذا قول مرجوح.
2- على القارئ الذى يقرأ الآن أن يلاحظ أن هذه المقالة نشرت فى الشعب قبل عشرة أعوام، لم تكن كل الحقائق قد اكتشفت، ولا الرؤى تبلورت، وكان هناك مساحة واسعة من المجاملة لائتلاف القلوب، ولبعض المعادلة للاتهامات الخطيرة التى احتوت عليها بقية المقالات.
[4] - اكتمل نشر المقالات فى آخر شهر مايو عام 92، فى المقالة الخامسة والأخيرة ناشدت الرئيس ألا يرشح نفسه مرة أخرى، وكان الاستفتاء على الرئاسة مقررا فى نهاية عام 93، وردا على مناشدتى انفجرت المبايعات فى الصحف الحكومية والعميلة والمنافقة ، انفجرت، وظلت تبايع عاما ونصف عام!!.. رغم أن النتيجة معروفة قبلها بأعوام
تعليقات
إرسال تعليق