الدكتور محمد عباس يصف بن سلمان في مقال منشور في الشعب الإليكترونية في 28/11/2003

الدكتور محمد عباس يصف بن سلمان في مقال منشور في الشعب الإليكترونية في 28/11/2003



بقلم د محمد عباس
الشعب 28/11/2003 

لكم أحزنني أن قليلا من القراء هم الذين أدركوا  بذكائهم وحساسيتهم خطورة المقالات التي بدأت في كتابتها منذ عدة أسابيع عن حادث  المنشية.. لقد كنت في الواقع  أكتب عن خمسين عاما قادمة لا عن خمسين عام ماضية!!.. أو على الأحرى كنت أكتب عن زمان يمتد للوراء قرنين على الأقل ويمتد في المستقبل إلى ما شاء الله له أن يمتد..
ولم أكن حتى أقصد مصر..
كنت كالطبيب الذي يحصل من جسد المريض على عينة كي يشخص مرضا ألمّ بالجسد كله..
***
أسوأ ما يمكن.. أفظع ما يمكن.. أخطر ما يمكن أن نتناول جسد الأمة الإسلامية كأشلاء نقيم كل شلو منها بمعزل عن الشلو الآخر.. فلا ندرك أن احتقان الكبد قد لا يعود إلى مرض في الكبد نفسه بل لعجز القلب عن تصريف الدماء منه.. و أن فشل الكلية قد لا يعود لمرض فيها بل إلى قصور في الدورة الدموية فلا يصل إليها الدم الكافي..
الطبيب الذي لا يفطن  لذلك يقتل مريضه..
والسياسي الذي يتصرف على نفس المنوال يقتل أمته..
أسوأ ما كان.. أفظع ما كان.. أخطر ما كان.. أن الخونة والحمقى قد مزقوا الأمة وراحوا يدرسون ما حدث لكل مزقة بمعزل عن الأخرى فلم يدركوا أن الهجوم على الجسد الإسلامي يحمل نفس الآليات والسمات.. فلو أننا كنا قد  درسنا وفهمنا كيف تم ترويض تركيا  لأمكننا إنقاذ مصر.. ولو فهمنا كيف أُسرت وروضت واستعبدت مصر لأمكننا إنقاذ الجزيرة العربية..
وهكذا دواليك..
***
تعمد الحكام الخونة.. وخلفهم طابور هائل من فقهاء السلطان والكتاب والخصيان أن ندرس كل جزء من عالمنا الإسلامي بمعزل عن بقية الأجزاء..
والكارثة أن جامعاتنا ومعاهدنا وصحافتنا و أجهزة إعلامنا وجيوشنا وشرطتنا  تكرس ذلك..
ما يجمع هذه الأمة هو الإسلام.. ولو جاء الإسلام بعدله وبعقله وتقديسه لحرمات الإنسان تقديسا يرفع حرمة دم المسلم فوق حرمة الكعبة.. لو جاء الإسلام لأطاح بهؤلاء جميعا .. بالحكام.. والطابور والفقهاء والكتاب والخصيان  والجامعات والمعاهد والصحافة و أجهزة الإعلام  والجيوش والشرط .. لو جاء الإسلام لأطاح بهم جميعا ولانتصر على أعدائه ولساد الدنيا..
كل أولئك إذن ليسوا مجرد عملاء لأعداء الإسلام.. بل هم أعداء أصليون.. يدركون أن الإسلام حين ينتصر – وهو حتما بإذن الله سينتصر – سيفعل بهم ما سيفعله بالأعداء سواء بسواء.
أجل..
يجب أن ندرك ذلك..
هؤلاء جميعا.. ليسوا مغلوبين على أمرهم.. ولا هم مخطئين في اجتهادهم.. ولا هم يناورون.. ولا على أبصارهم غشاوة..
إنهم أعداء أصليون..
فلا فرق بين مبارك وبوش..
ولا فرق بين عبد الحكيم عامر وموشى ديان..
ولا بين ولى العهد عبد الله وشارون..
ولا فرق بين رامسيفيلد وشمس بدران وفؤاد علام.. والأمير نايف..
كلهم سواء بسواء..
كلهم أعداء
مصالحهم في ذات الجانب..
ومصالح أمة لا إله إلا الله محمد رسول الله في الجانب الآخر...
يجب أن نملك الجرأة والشجاعة والشمول كي نقول ذلك..
ويجب أن نملك أيضا من قوة الإيمان وصفاء العقيدة ما يجعلنا نقيّم إيمانهم..
فمن يطعن الإسلام لا حق له أن يحتمي به بل ويتاجر فيه..
نعم..
نحن ضعفاء جدا.. وهم أقوياء جدا جدا ..
لكن ذلك لا ينبغي أن يمنعنا من قول الحق.. أما السبيل للتغيير فأمر آخر.
و إن كانوا في غدرهم بنا قد دمروا الصور وشوهوها  فلا ينبغي لنا أن نسمح لهم بتدمير القالب الذي نسخت منه الصور جميعا..  أقصد أن ما حدث طوال الفترات الماضية كان يشبه مجرما استولى على نسخ كتاب مطبوع فراح يشوه فيها ويزيد وينقص..
الكارثة الآن أن هذا المجرم بعد أن شوه وزور ما شاء له الشيطان قد طور هجومه.. ذهب إلى المطبعة حيث القالب الرئيسي .. القالب الذي نطبع منه نسخ الكتاب كلما أردنا نسخا منها..ذهب إلى هذا القالب ليشوهه..
مهما شوه ذلك المجرم كل النسخ المطروحة على الناس فإن وجود القالب سليما ضمان و أمان أننا مهما حُرِّفت النسخ نستطيع الوصول إلى الأصل لنعدل ونصحح التحريف..
أما إن وصل إلى الأصل ليحرفه فإن كل النسخ التي سنطبعها بعد ذلك ستكون محرفة..
إنني أضرب هذا المثل رمزا على ما حدث للعالم الإسلامي من تشويه للإسلام والمسلمين..
 كان ما حدث تحريفا للنسخ..
خطورة ما يحدث الآن في الجزيرة العربية أنه محاولة لتحريف القالب.. وهو ما ينجم عنه أن تكون كل النسخ المطبوعة بعد ذلك من القالب محرفة ومشوهة..
و أريد أن أنبه القراء أنه ليس لدي أي أوهام عن نظم الحكم في الجزيرة العربية .. و أدرك تماما أنها لا يقل علمانية عن معظم أنظمة الحكم العربية والإسلامية الأخرى. لكن الشعب.. الأمة.. العلماء والناس في البيوت والشوارع  .. في مكة والمدينة.. ونجْد و الرياض وجيزان و الأحساء  .. كل أولئك.. أو جل أولئك.. أو حتى بعض أولئك.. كانوا وما يزالون ملتزمين بالمرجعية الإسلامية  وكانوا بهذا يمثلون لأمتنا الأمل و لأعداء أمتنا الخطر.. كانوا يمثلون القالب الذي كنا نتحدث للتو عنه.. القالب الذي يمثل الأمل في استنساخ النسخ الصحيحة منه عندما تحرف النسخ الأخرى..هذا القالب هو الذي يستهدف الآن..  هذا الاستهداف المكثف للسعودية.. ليس للقضاء على المتطرفين كما يزعم الخونة.. ولا للقضاء على الوهابية ( لا يوجد ما يسمى بالوهابية ولكنني أستعمل المصطلحات الشائعة).. إنما المطلوب هو القضاء على الإسلام ذاته.. نعم أي ساذج يدرك أن هدفهم ليس أسامة بن لادن ولا سيد قطب أو عمر عبد الرحمن  أو محمد بن عبد الوهاب.. ذلك أن هدفهم الحقيقي هو القرآن والرسول (صلى الله عليه وسلم ) والإسلام..حتى السذج يدركون ذلك فلا ينكره إلا حاكم خان أو مثقف كفر.
ليست المشكلة مشكلة إرهابيين بل المشكلة مشكلة حكام مرتدين..
***
منذ عدة أعوام  كنت أناقش عالما من الجزيرة فقال لي: لا تخف علينا الآن.. فما زال للإسلام والمسلمين قوة ومناعة وحصانة.. من حقك أن تخاف علينا بعد عشرين أو ثلاثين عاما.. عندما يتولى جيل الشباب والأطفال الذين جففوا منابع دينهم أمر البلاد..
***
بعد أحداث سبتمبر بهرتني عبقرية الشيخ أسامة بن لادن رضي الله عنه..
لقد أدرك الخطة الخبيثة.. ولم يكن هناك أي سبيل لإفشال هذه الخطة إلا بتعجيل المواجهة قبل أن يتمكن الغرب من إنشاء جيل مشوه ممسوخ في الجزيرة العربية.. جيل مشوه ممسوخ لا دين له كما حدث لقطاعات عديدة في تركيا وفي مصر ثم في الأمة الإسلامية كلها دون استثناء وحيد إلا استثناء جزئي وحيد في أرض الجزيرة لم يكن للسلطة الحاكمة أي دور فيه.. لكن حكم طبيعة الأشياء بوجود الحرمين الشريفين وما فيهما وحولهما من علماء شكلت سياجا واقيا منع المرض من أن يستفحل في شعب الجزيرة العربية كما استفحل في سواها.. ولقد كان ذلك كارثة.. وفي حالة الجزيرة العربية تكون الكارثة أشد..
وكان ما فعله المجاهد الكبير أسامة بن لادن رضي الله عنه أن عجل المواجهة لكي يفضح عملية تحريف القالب..
ولقد كان العالم الإسلامي كله على استعداد للسكوت عن الفساد في الجزيرة العربية لا لأنها تمثل الإسلام بل لوجود الذكرى والبذرة والرمز.. ولتجنب الفتنة.. ولأنه لم يظهر من حكامها كفرا بواحا.. أو مجاهرة بالفحشاء..وليس هذا يعني نفي كليهما..!!
ولقد فجرت تفجيرات الشيخ أسامة بن لادن هذا كله..
فهتكت الأستار..
وظهرت العورات..
***
إحدى تلك العورات هي ذلك المشهد الخسيس المروع لتوبة الشيوخ عن دينهم و عن طاعتهم لا عن ذنوبهم وخطاياهم..
والمشهد كله لا يعني إلا انهيارا مريعا لإنسان.. انهيار تسبب فيه الرعب من وحش مسعور..
هذا الوحش المسعور هو الذي يتحكم ويحكم.. وهو الذي أمر بعرض هذه المسخرة على شاشة التلفاز..
لست أدري في أي مكان آخر في العالم – غير مصر – قد حدثت تلك الـ.. الـ.. الـ.. الـ:"مسخرة"..!!
ومن يريد أن يقرأ نموذجا عمليا على ذلك فليقرأ كتاب اللواء الوحش " فؤاد علام " وليقرأ مصعوقا طريقة حديثه عن الشهيد سيد قطب.. أو عن الشهيد كمال السنانيري الذي استشهد مخنوقا في السجن.. ويقال أن ذلك الوحش المسعور هو الذي خنقه..
دائما.. الإنسان يعرف أن الحيوان حيوان..
لكن الحيوان لا يعرف أبدا أن الإنسان إنسان..
ومن هذا المنطلق فإن رعاة فقه المراجعات في مصر.. ودعاة التوبة أمام مباحث أمن الدولة.. هم كأقرانهم في المملكة العربية السعودية.. وهم ليسوا سوى تلاميذ في مدارس الموساد والسي آى إيه.. علموا أو جهلوا.. وليسوا سوى عبدة للشيطان نيط بهم القضاء على الإسلام.
***
كلما شاهدت على شاشة التلفاز توبة واحد من أولئك أمام الشيطان تداعت إلى ذاكرتي على الفور أنماط التعذيب التي يمكن أن تكون قد مورست عليه.. أنماط التعذيب التي أثبتتها الوثائق الرسمية وتقارير الطب الشرعي وحيثيات أحكام المحاكم.. وسوف أسرد عليكم يا قراء بعضا منها على الفور.. ولكن بعد أن أقرر أن الإجرام في السعودية أشد منه في مصر.. ليس لطبيعة الجلادين فالكفر ملة واحدة.. لكن لأننا في مصر نملك أحيانا حق الفضح والصراخ وكشف ما يحدث للمعتقلين.. بينما لا يوجد في السعودية أي شئ من هذا..
ولننتقل على الفور لنموذج من نماذج التعذيب:
قبل التعذيب توضع الغمامة على عيون الضحايا، ثم يجبرون على الجري بالضرب بالعصا فيسقطون على السلالم عدة مرات، وقبل دخول الغرفة المخصصة للتحقيق يجري ما يسمي ( تسخين الضحية ) للتعذيب بالضرب على القفا والوجه والإلية بالعصا وتستهدف أسئلة المحقق الحصول على المعلومات مع اللجوء إلى السب والتوبيخ والتهديد بهدف تحطيم المعنويات ثم يبدأ التعذيب بعد نزع ملابس الضحية، وتستخدم الأساليب التقليدية المعروفة في التعذيب من الضرب بالسياط والكابلات الكهربائية والتعليق في أوضاع مركبة من المعصمين لأعلى مع رفع القدمين قليلا عن الأرض، أو في وضع ( الشبح ) أو ( الذبيحة ) أو (الخروف المشوي) واستخدام الصدمات الكهربائية في أجزاء حساسة من الجسد كالخصية والأعضاء التناسلية واللسان وحلمتي الثدي وشحمة الأذنين ومقدمة الإصبع، فضلا عن نتف اللحية وشعر العانة، وغالبا ما يجري عقب جولات التعذيب أو ما بينها صب مياه ساخنة على جسد الضحية ثم إجباره على الوقوف عاريا أمام مروحة أو تيار هوائي..
 تستخدم أيضا كهربة المياه كوسيلة في التعذيب وذلك بوضع الضحية عاريا في حجرة مغطاة بالمياه بارتفاع حوالي خمسة سنتيمترات بحيث تغمر أقدامه، ثم توصل المياه بالكهرباء، فتسري الكهرباء في جسد الضحية المبتل، فيقفز لأعلي ليسحب قدميه من المياه لكنه سرعان ما يهبط، ليصعق مرة أخرى، وهكذا دواليك حتى يفقد اتزانه بفعل الكهرباء والإرهاق فيسقط بجسده كاملا في المياه فيصاب برعشات متتالية فيقطعون الكهرباء، ثم يجبرون الضحية على الوقوف مرة أخرى، لتتكرر دورة التعذيب..
ولكي لا يتعرف الضحية على المكان الذي يعذب فيه فيما بعد يعمدون أحيانا إلى إيهامه بعلامات مختلفة في الطريق بعد تعصيب عينيه، فيوهمونه أن أمامه سلك شائك يجب عليه أن يحني رأسه ليتفاداه، ثم يجبر على المرور في بركة مياه، ثم يستقل عربة تجوب به داخل المعسكر نحو نصف ساعة لتضليله وإيهامه بأنه خارج المعسكر..
من الوسائل الشائعة أيضا في التعذيب: ( المرتبة الكهربائية ) وهي عبارة عن مرتبة من الإسفنج مبللة بالماء يربط بها الضحية ثم توصل بها الكهرباء فتسري في جسده..
كما تستخدم المياه المثلجة في التعذيب خاصة في الشتاء القارس حيث تصب على جسد الضحية ورأسه بعد تعرضه لجرعات مطولة من التعذيب لفترة قد تصل إلى 8 ساعات وعقب التعذيب يودع الضحية في زنازين الحبس الانفرادي بعيدا عن بقية المعتقلين لإدخال الرعب على الضحية الذي يكون بمعزل عن الجميع، ومن ناحية أخرى فإن طول غيابه يزيد من مخاوف زملائه المعتقلين الذين يجهلون مصيره ..
ومن وسائل التعذيب التي استخدمت في بعض المعسكرات تجريد الرهائن من زوجات الهاربين من ملابسهن، ووضعهن عراة مع متهمين عراة داخل حجرة مغلقة..
***
فهل أدركتم يا قراء الآن لماذا وكيف يتوب الشيوخ والعلماء..
هل أدركتم كم مرة تعرض التائب للشيطان لمثل هذا العذاب..
هل أدركتم لماذا سموا الجهاد إرهابا وتبرءوا منه.. ولماذا سموا الإرهاب شرعا وقانونا يستحق من يخالفه العقاب الشديد..
هل أدركتم لماذا اتهم هذا العالم المؤمنين بالكفر وأسبغ صفات الإيمان على الكافرين..
وهل أدركتم كيف أن إمام المسجد الحرام لم يدع على الأمريكان أبدا طيلة رمضان..
ولقد جعلني هذا والله لأتمزق ألما فأدعو باللعنة على من أمر بالمنكر ونهى عن المعروف و على كل من استجاب له.
هل أدركتم..
هل أدركتم..
هل أدركتم..
***
المزعج.. المرعب.. المخيف أن من يتابع هذه الظاهرة ( ظاهرة التوبة عن الطاعات) و أمثالها في المملكة العربية السعودية لا يقارنها بمثيلاتها في مصر وتونس وتركيا وسوريا و.. و.. و.. ولو أنه فعل لأدرك على الفور أن المنبع كله واحد.. منبع نجس كافر يهدف إلى تقويض الإسلام بالتقسيط بعد أن فرضوا على أمته التجزئة..
***
يجلس الكاتب العلماني  الاستراتيجي يتيه علينا فخارا باستراتيجيته ليقول لنا جملا من نوع:
" وهكذا نلاحظ أن إسرائيل تشن علينا حربا كل عشرة أعوام تقريبا......"..
يقولها اللبناني.. يقولها السوري.. يقولها الأردني.. يقولها المصري وابن الجزيرة.. وكل واحد منهم يقصد وطنه فقط دون نظرة إلى أن الهجوم ليس على هذا ولا على ذاك بل على الإسلام نفسه.
أما كاتبنا الاستراتيجي نفسه فهو واحد من أفراد العصابة.. ولم يكونوا ليسمحوا له أن يكون كاتبا لولا أنه نحي الإسلام كمرجعية..
***
وبدون الإسلام ليست لنا أية قضية..
نعم..
بدون الإسلام ليست لنا أية قضية..
***
بالإسلام سندرك أن الأمر لا يتعلق بحرب كل عشرة أعوام بل بحرب لم تتوقف أبدا..
بالإسلام سندرك أن ما حدث مع على بك الكبير بتأييد موسكو.. هو ما حدث مع محمد على بتأييد فرنسا هو ما حدث مع كمال أتاتورك والشريف حسين والملك عبد العزيز آل سعود .. وجمال عبد الناصر..
كلها فصول في نفس القصة..
أما من يتناول فصلا في القصة ويعتبره الحكاية كلها فلن يفهم أبدا..
والكارثة..
الكارثة..
أن عدم الفهم هذا غالبا ما يكون جريمة متعمدة مع سبق الإصرار والترصد..
جريمة مدفوعة الثمن..
***
من هذا المنطلق إذن كانت كتاباتي في الحلقات الماضية..
وكان المفروض أن يأتي  هذا المقال  بعد أسابيع أخرى أكمل فيها ما حدث بعد مذبحة المنشية في مصر لكي يكون هو الأخير في الدراسة – والكتاب - ..
لكن إحساسي بالكارثة المحدقة الوشيكة كان يطاردني..
كنت أكتب عن مذبحة المنشية وهمّ المستقبل في وجداني.. وكان النذير داخل قلبي يصرخ:
-   أسرع.. قبل القارعة..
وحاولت الإسراع ما استطعت وربما من أجل ذلك كانت مساحة المقال الواحد تتجاوز ثلاثة أو أربعة أضعاف مساحات مقالاتي العادية.. بل حاولت – فوق ذلك- أن أسبق سياق الأحداث  فكتبت بتاريخ 17 من جمادى الآخرة 15 أغسطس مقالا بعنوان : "دين حكامنا" قلت فيه:
هذا نداء عاجل أوجهه إلى شعبنا العربي في الجزيرة العربية.. اصبروا وواجهوا  رحمكم الله فأنتم البقية الباقية التي تحمل ميراث النبوة..اصبروا واصمدوا وواجهوا رحمكم الله فأنتم اليوم في وضع الإمام أحمد بن حنبل.. لا يباح لكم رخصة في المواجهة ولا تقية فأنتم بالنسبة لأمة لا إله إلا الله محمد رسول الله بمثابة العالِم الذي يزلّ بزلّته عالَم..
يا أهلنا في جزيرة العرب : دعونا نسمي الأشياء بمسمياتها :
ليس ثمة تثريب علينا في ممارسة الإرهاب بمعناه الإسلامي لكي نرهب به أعداء الله..
وليس هناك في الإسلام متطرفون و إنما هناك مستمسكون بالعروة الوثقى ولا ينفي هذا أن كل ابن آدم خطاء..
ليس هناك متطرفون بل هناك حكام مرتدون يريدون أن يضيعوا الإسلام وأهله مرضاة لسادتهم.. وتثبيتا لدعائم ملك لم تعد تمسك بأطرافه المتهاوية إلا الردة والعمالة للكفار..
يا أهلنا في الجزيرة..
إنكم تمرون الآن بما مر به إخوتكم في مصر منذ خمسين عاما.. حين تعرضت مرجعية الإسلام للاغتيال.. فغُمّ على الأمة .. ترددت نخبتها.. وخان بعض علمائها مالئوا الطواغيت تماما كما يحدث عندكم الآن .. فخاف الأغلبون أن يقتلوا – شهداء – بالرصاص.. وكانت النتيجة عندنا – وستكون عندكم -  أن ماتوا ويموتون حتى الآن بالسياط والاعتقالات  وقد نحي الإسلام عن المرجعية تماما تماما..
رفضوا الموت مأجورين فماتوا مأزورين..
رفضوا ميتة العز والفخار فماتوا ميتة الخزي والعار..
يا علماءنا في الجزيرة: إن الأرض عطشانة إلى دماء عالم شهيد يقف للسلطان الجائر
يا علماءنا في الجزيرة  إن : "افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة)..
 و يا علماءنا في الجزيرة : عن أنس بن مالك قال: قيل: يا رسول اللّه متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: "إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم" قلنا يا رسول اللّه وما ظهر في الأمم قبلنا؟ قال: "الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم، والعلم في رذالكم"..
يا أهلنا وعلماءنا في الجزيرة إنكم الآن من الأمة بمثابة الإمام أحمد بن حنبل في المحنة فإذا ثبتم أنقذتم الأمة و إذا استسلمتم هلكت الأمة .. وما أقول لكم إلا ما قاله الأعرابي للإمام أحمد: يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤما عليهم وإنك رأس الناس اليوم فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه فيجيبوا فتحمل أوزارهم يوم القيامة وان كنت تحب الله فاصبر على ما أنت فيه فانه ما بينك وبين الجنة إلا  أن تقتل وإنك إن لم تقتل تمت وان عشت عشت حميدا..
يا أهلنا في الجزيرة فلتطلبوا من طواغيتكم أن يأتوكم بآية من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تجيبوهم  إليها.
و يا علماءنا في الجزيرة : لقد سئل الشهيد سيد قطب  لماذا كنت صريحا  كل الصراحة في المحكمة التي تملك عنقك? فقال: لأن التورية  لا تجوز في العقيدة، ولأنه ليس للقائد أن يأخذ بالرخص .
واجهوا الطاغوت..
والطاغوت الآن لا يهدف إلا ترويضكم ترويض النخاس للعبيد.. وحتى إذا كانت ثمة أخطاء من بعضكم فما يرفع طواغيتكم إلا كلمة حق براد بها باطل.. إن كانت كلمة حق..
***
وكان هذا الاستطراد الطويل كله خروجا عن سياق المقال عن حادث المنشية في مصر عام 1954 .. وكان مكانه أيضا – فيما تصورت وقتها -  هو في الفصل الأخير من الكتاب التي تشكل هذه المقالات بعض فصوله.
ولكنني كنت أسابق الكارثة.. وكان  قلب ينبئني  أن ما حيك لمصر وللإسلام في مصر عام 1954 يحاك الآن لأهل الجزيرة العربية .. بعد خمسين عاما..
***
وواصل النذير صراخه:
-   أسرع.. قبل القارعة..
فكتبت بتاريخ 7 شعبان – 3أكتوبر مقالا بعنوان " مذبحة المنشية" ولكنني أقحمت عنوانا ثانيا و أنا أسابق الكارثة.. وكان العنوان الثاني يقول: " السعودية تكرر نفس المجزرة ضد أفضل علمائها".. وفي هذا المقال قكتبت:
" أخاف أن أموت، قبل أن أصدع بحق أرانيه الله، وقبل أعترف بخطأ وقعت فيه، حين ظننت ذات يوم أن الصدام بين ثورة 23 يوليو والإخوان المسلمين كان صداما سياسيا دنيويا تبادل فيه الطرفان الأخطاء ثم انتصر أحدهما على الآخر..
أخاف أن أموت قبل أن أصدح بها عالية صريحة واضحة أن الخلاف لم يكن كذلك.. كان للإخوان أخطاؤهم  بلا شك.. لكنها الأخطاء البشرية مهما بلغ حجمها.. وما من أجل هذه الأخطاء حاكمتهم الثورة و روعتهم وسجنتهم وعذبتهم و أعدمتهم..
ليس من أجل الأخطاء.. بل من أجل التزامهم بالمنهج الإسلامي ودعوتهم إليه..(...).. لم أقع في غرام التاريخ إذن يا قراء – وليس هذا عيبا – ولكنني أرى نفس خيوط المؤامرة تستعمل المرة تلو المرة في البلد بعد البلد  لشنقنا. وما حدث في مصر عام 1954 أراه يحدث الآن بعينه في كثير من بلادنا وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.. و أرى أمراءها يتحولون أميرا بعد أمير إلى جمال سالم و أنور السادات وحسين الشافعي .. والدجوي.. وشمس بدران.. أراهم بنفس الظلم والغباء والخسة يسلبون روح أمتهم.. فيقتلون أفضل من فيها أو يحاصرونهم(...)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ..
أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ ..
 وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ ( سورة البقرة) ..
***
ثم عدت إلى سياق المقال عن حادث المنشية  حين اكتشفت أن الأمر لم يكن أمر إرهاب ولا خروج على القانون.. بل كانت مؤامرة أمريكية تنفذها أصابع مصرية ضد الدين وضد الأمة..
وكنت أصف مشاعري حين انطمست كل الهالات وانطفأ بريق الأضواء الزائفة.. وسقط كل ما كان يستر العورات .. وكتبت:
صرخت يومها:
البطولة والإبهار والمجد والزعامة و الإلهام والفكر والحكمة والقداسة والعصمة والصواب المطلق ونفي الآخر وادعاء أن الآخر كان شيطانا رجيما ... كل ذلك لم يكن كذلك..
لقد نجح  برنامج صناعة النجم على غير الحقيقة فألبس الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق..
كل ذلك.. لم يكن كذلك ..
" الثورة .. ليست كذلك"..
"و هيكل.. ليس كذلك"..
وتلك الصورة المثالية الحالمة ليست كذلك..
الطهر كان عهرا..
والبطولة كانت خيانة..
والخونة حاكموا الأبطال..
***
الآن أستطيع أن أكرر نفس الكلمات عن المملكة العربية السعودية..
أصرخ:
الطهر عهر..
والبطولة خيانة..
والخونة يحاكمون الأبطال..
***
إن الجزيرة العربية وطني كما أن مصر وطني.. فالإسلام هو الوطن..
وأنا لست من فصيلة بعض شيوخنا .. الموظفين.. الذين يعبدون الحاكم لا الله.. الشيوخ الذين اعتبروا أن  حدود سايكس بيكو تحدد صلاحية فتاواهم.. فما يصلح لمصر لا يصلح  للعراق.. وهؤلاء الشيوخ أنفسهم.. يطلقون فتاوى عابرة للقارات إذا ما طلب منهم سفير أمريكي أو حتى حاخام إسرائيلي ذلك..
***
نعم.. الجزيرة العربية وطني.. ومن هذا المنطلق أتكلم .. بل أصرخ..  لو كانت الحقيقة هي ما تقوله البيانات الرسمية فإن المعتقلين والمطاردين إرهابيون.. لكننا تعودنا في  عالمنا الإسلامي كله.. تعودنا على كذب خسيس مجرم يغطي على خيانات مجرمة.. تعودنا في عالمنا الإسلامي  على خائن.. نعم.. خائن يلبس الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق.. وهذا الخائن لا يفعل ذلك عن اختلاف في الفكر أو حتى خطأ في الرأي.. بل يفعله.. ببساطة.. وبمباشرة .. وبكلمة واحدة: لأنه خائن..!!
لا تسألوني عن تفاصيل هذه الخيانة ولا عن أسبابها ولا حتى ثمنها.. لأن التفاصيل والعدد تضاهي عدد المسئولين..!!
لكنني أتكلم الآن عن خائن ينفذ دون أن يسأل عن السبب أوامر سادته ويحصل على الثمن.. وفي أغلب الأحوال يكون هذا الثمن تسترا على فضائحه و إخفاء لسرقاته وجرائمه..
نعم.. لو كان سيد قطب خطط لنسف القاهرة و إحراق المواصلات و إغراق الدلتا لاستحق ما حدث له..
ولو كان أسامة بن لادن لا يستهدف إلا قتل النساء والأطفال الأبرياء (!!) لكان ما يقولونه صحيحا..
ولو كانت الجماعات الاستشهادية في السعودية قد فعلت ما اتهمتها به أجهزة الإعلام  لكان حقا أن توصم بما وصمت به..
لكننا نعرف أن كل هذا تخرص وباطل وكذب..
ندركه ولدينا به خبرة أكثر من أي شعب آخر في الدنيا..
حين تنطلق تلك الحملات الهستيرية المجنونة الصارخة التي لا تسمح لصوت العقل أبدا أن يتدخل.. بل إن أي تساؤل – مجرد تساؤل- لا يعني إلا التورط مع الإرهابيين  المجرمين واستحقاق العقاب مثلهم.. في هذه الحملات الهستيرية المجنونة لا تتم فقط الإدانة دون محاكمة.. ولا يكتفون بسحب الجنسية حين يسحبونها.. بل إنهم يسحبون الصفات البشرية نفسها.. إنهم مجرمون أشرار.. خوارج كفرة.. وهم ليسوا بشرا..
نعم..
هم ليسوا بشرا..
فذلك وحده هو الذي يجعل المجتمع يتقبل قتلهم وتشويههم والتمثيل بهم.. لأنهم ليسوا بشرا..
هكذا فعل محمد على بالمماليك..
هكذا فعل الفرنسيون مع سليمان الحلبي....
وهكذا فعل أتاتورك بالخلافة
وهكذا فعلت الثورة  في مصر مع شهداء الإخوان.. و
وهكذا تفعل السعودية مع أفضل مجاهديها وعلمائها..
وفي كل هذه الأحوال كان المتَّهم هو البطل..
وكان المتِّهم هو الخائن..
ألا تشمون يا قراء تلك الرائحة النتنة التي تنبعث من توجيه كل هذه الاتهامات لكل من يحاول أن يوقف خيانة الحكام..
ألا تذكركم هذه الرائحة برائحة أخرى مثلها.. رائحة الصليبية والصهيونية وما فعلوه وما يفعلونه بشعوب العالم الإسلامي..
فشعوب العالم الإسلامي ليسوا بشرا.. إنهم إرهابيون متخلفون و أي كلمة للدفاع عنهم لا تعني إلا أنك تستحق العقاب مثلهم..
نفس المنهج..
نفس المنبع..
نفس الشيطان..
نفس الكفر..
نفس الخيانة..
فهل تدركون الآن يا قراء لماذا كتبت عن حادث المنشية الآن؟!!
البيانات التي كان يطلقها وزير الداخلية المصرية أيام حادث المنشية كانت أشد من البيانات التي يصدرها وزير الداخلية السعودي الآن..
واللهجة كانت أحد..
والتفاصيل كانت مروعة ورهيبة.. وكان الإخوان المسلمون ينوون حرق البلاد و إغراقها.. وكان لديهم من المتفجرات ما يكفي لنسف القاهرة عشر مرات و..و.. و..
وكان كل هذا كذبا..
وكانت كل الاعترافات وليدة التعذيب الهمجي الوحشي المجنون بأحدث أجهزة التعذيب الأمريكية..
و برغم كل الاعترافات وكل الصحف وكل المجلات وكل الإذاعات فقد كان كل ما روجته الآلة الإعلامية الجبارة   كاذبا .. وكان على رأس المروجين  عميل حقير نجس ينفذ بوعي أو بدون وعي.. بعلم أو بجهل مخططا صليبيا صهيونيا للقضاء على الإسلام..
وكان عبدا للشيطان..
وحوّل الأجهزة التي يرأسها ويحركها إلى أجهزة لسحق أمن الأمة وروحها بدلا من أن تكون أجهزة لحماية الأمة..
وشيئا فشيئا تم تحويل كل القوى التي يجب عليها حماية الأمة إلى قوى ضد الأمة.. فالحاكم ما بين أحمق  ومغفل وجاهل تم خداعه وقد حالف أعداء أمته  مقابل بقائه على العرش.. وجهاز الأمن الغبي فقد عقله وتحول إلى حيوانات ووحوش مسعورة.. والنيابة أضحت تضاهي الشرطة في خستها أما القضاء فلم يعد سوى ألعوبة وقلم يكتب ما يملى عليه.. وكلما ازدادت درجة التفريط في الضمير كلما ارتفعت درجة المنصب الذي سيسند إليه بعد خيانته.. وكذلك الصحافة وكل أجهزة الإعلام..
وكان المجرمون يحاكمون الأبطال..
وما يزالون..
كان الكافر يطلب من المؤمن أن يتوب..
وكان الخائن يدين البطل ويحكم عليه..
ولم يعد الأمر أمر أنظمة حكم.. بل أمر عصابات مجرمة لا تتورع عن قتل أي شرطي يحاول مقاومتها أو كشفها..
***
نعم.. منطق العصابات لا منطق الحكومات..
لذلك.. فكون وزير هنا أو هناك يطلق مثل هذه الاتهامات لا يعني صحة كلامه.. ولا نقول لمثله إلا أن من يصفهم بالإرهابيين هم إرهابيون فعلا .. لكن.. لو صدق معاليه.. و أن الأمة كلها لا تظنه صادقا..بل تلحقه بكل سابقيه من عبدة الشيطان.. ذلك لأن القواد حين يمتدح فتاة فذلك لا يعنى سوى أنها – ككتاب السلطة – مجرد داعرة.. أما عندما يشهر بأخرى فهذا لا يعني سوى طهارتها وعفتها..
***
معاليه أو سموه أو سعادته أو حتى فخامته وجلالته في أغلب الأحوال خائن باع أمته وبلاده.
***
أحسب يا أمة .. ويا إخواننا في الجزيرة  أن حكايات كحكايات حسن عشماوي ومحمد فرغلي ويوسف طلعت ومحمد الصوابي وسيد قطب التي كتبت لكم عنها في الأسابيع الماضية  تتكرر الآن  في الجزيرة العربية بحذافيرها..
أحسب يا أمة .. ويا إخواننا في الجزيرة أن كلابا للنار كجمال سالم وشمس بدران والدجوي وفؤاد علام هي التي تطارد الآن أبناءنا وإخوتنا وعلماءنا في الجزيرة وتروج عنهم الأباطيل..
***
أحسب يا أمة.. ويا إخواننا في الجزيرة  أن الخيانة – وهي بالتأكيد موجودة.. لكنها بالتأكيد من نصيب الطرف الآخر.. من نصيب واحد أو مجموعة في مؤسسة الحكم...
أحسب يا أمة.. ويا إخواننا في الجزيرة  أن كل الذي يحدث إنما هو مخطط..
مخطط ومنشور ومعروف للدنيا كلها إلا لشعوبنا التي تسلط على إعلامها القوادون وعلى ثقافتها الشواذ..
نعم ..
معروف ومنشور..
كانت هناك داخل الإدارة الأمريكية  ثلاثة تصورات للتعامل مع المملكة العربية السعودية بعد غزو العراق..
كان التصور الأول هو امتداد الغزو الكامل للمملكة..
وكان التصور الثاني هو إغراق العالم ببترول العراق حتى ينخفض السعر انخفاضا حادا يجعل الحكام السعوديون يركعون أمام الإدارة الأمريكية ( لست أدري كيف يطلب من الساجد الركوع!!)..
أما التصور الثالث فكان هو ما يحدث حاليا.. وهو ما يطلق عليه عمليات إرهابية.. والتي يرى كثير من المحللين أن المخابرات الأمريكية وراءها..
***
عني أنا .. ليس لدي شك أن ما يحدث كله بتدبير أمريكي صهيوني.. و أنه يحدث باختراق كامل – واشتراك -  للأجهزة السعودية..  كما أن الجماعات الإسلامية الجهادية غير محصنة ضد الاختراق.. على الأقل في التضليل بمعلومات خاطئة..
كانت البيانات كاذبة.. وكان كذبها معروفا على الأقل للخاصة ومنهم العلماء.. لكن الجبن أذل أعناقهم.. فتصنعوا أنهم يصدقون الطاغوت فأفتوا لصالحه.. ولقد سمعنا من علمائنا في مصر عام 54 نفس ما نسمعه الآن من بعض علماء السلطة في الجزيرة العربية ضد من تسميهم البيانات الرسمية بالإرهابيين.
أخزاكم الله يا علماء السوء ورفقاء الشيطان وفقهاء السلطان..
***
هذا التصور – و أحسبه حقيقة – يفضح موقف العلماء في الجزيرة..
في مصر.. في عام 54  خرج علينا شيخ للأزهر.. وشيوخ فيه.. ومفت للديار.. وعلماء وكتاب .. يدينون من سموهم بالإخوان المجرمين.. وكان أول من أطلق على الإخوان المسلمين  هذا الاسم هم الصهاينة عام 48.. ثم الجهاز الإعلامي للثورة عام 1954.. ثم المخابرات الأمريكية بعد ذلك..  ولو أن بيانات جمال سالم وصلاح سالم وزكريا محيي الدين وجمال عبد الناصر أيامها كانت صحيحة لكان موقف العلماء صحيحا.. ولكان الإخوان المسلمون كما وصفوهم.. ولكن الأمر كان على العكس تماما.. كان كيرميت روزفيلت ومايلز كوبلاند من المخابرات الأمريكية يحركان كل شئ.. بل كان الأخير مستشارا لوزير الداخلية المصري عام 1954..
ترى..
ترى..
ترى.. من هو مستشار وزير الداخلية السعودي الآن؟!
***
سوف نقطع التواصل لبرهة قصيرة نعرض فيها لما نشرته مجلة أمريكية منذ أكثر من 24 عاما حسبما تنقل لنا صحيفة القدس العربي في عددها الصادر  بتاريخ: 29-10-2002.. تقول الصحيفة:
كانت إحدى ألعاب وخطط الحرب التي تنبأت، بشكل مُحدّد، بغزو عراقي محتمل للكويت وقد وضعت مسودتها في البنتاغون. كما أن مقالات قد نشرت في المجلات الأمريكية تتحدث عن احتمالية من هذا القبيل. فقد نشرت مجلة فورتشن في عددها الصادر يوم 7/5/1979، أي قبل 12 سنة من حرب عاصفة الصحراء، سيناريو لعبة حرب تضمنت تفصيلا لكيفية رد الفعل الأمريكي العسكري والخطط التي ستطبقها الولايات المتحدة في حالة غزو عراقي للكويت قائم علي نزاع الحدود أو حول أمور أخري. وقالت المجلة في الصفحة 158 تحت عنوان إذا غزا العراق الكويت : قد تقوم القوات العراقية المسلحة بصورة رئيسية بمعدات روسية باجتياح الكويت بسرعة. وإذا طلب منا تقديم المساعدة فسوف تشتمل ضربات جوية تكتيكية ضد العراق ومعداته الأرضية وإسناده الجوي. وربما تكون هناك تهديدات بتدمير المنشآت النفطية العراقية والتسهيلات التابعة لها. وقد يتطلب الأمر، من أجل طرد القوات العراقية البرية، استعمال قطع بحرية من الأسطولين السادس والسابع وجنود مشاة من الفرقتين الثانية والثمانين، والواحدة بعد المائة. وتصورت الخطة جيشا في الهواء لنقل القوات واستعمال الجسر الجوي الاستراتيجي لقوات الدفاع الجوي الأمريكي، والذي يضم سبعين طائرة عملاقة من طراز سي-5ايه C5-A ومائتين وثلاثين طائرة من نوع C141 المخصصة للنقل فضلا عن سبعمائة طائرة تموين وقود في الجو من طراز KC-135 للتزود بالوقود جوا .
***
كان ما حدث مخططا ومعروفا إذن..
وكان منشورا..
ولم يكن يحتاج إلى أي جهد من مخابراتنا لمعرفته..
ولما كان الأمر هكذا.. فإن كل من وافق على استدعاء أمريكا إلى المنطقة عميل ويجب – لو توفرت القدرة – محاكمته بتهمة الخيانة العظمى.. ملكا كان أم رئيسا أم أميرا..
تهمة الخيانة العظمى ثابتة إذن..
و أظن أن تهمة التآمر على الدين كله ثابتة في حقهم أيضا لو وجد علماء على استعداد للاستشهاد..
وهذه المطاردات والمحاكمات والهجمات الهستيرية الجارية الآن إنما تتم ضد من يقف ضد الخيانة..
و إن المسئولية الأولى تقع على عاتق علماء الجزيرة الذين أصرخ فيهم:
الأرض عطشى إلى دمائكم ففروا إلى الله.
لست أطالب منكم مقاومة مسلحة بل أطلب منكم الوقوف على ثغر الدين..
آخر ثغر نملكه..
فلا تفرطوا فيه..
ولا تسمحوا باختراقه..
***
الآن سوف أقفز على التفاصيل..
سأتجنب السباب والإدانة.. ليس لأنهما غير واجبين.. ولكن لأن كل الإدانة لا تكفي وكل السباب لا يشفي..
سوف أتجنب ذلك لكي أتناول بقدر ما أستطيع من إيجاز كتابا واحدا في طبعات مختلفة.. أو قصة واحدة في حلقات متعددة.. والمأساة أن هذه الحلقات تمتد عبر قرنين.. وقد تحالف حكامنا مع كتابنا الخونة ومثقفونا المستغربين على أن يضعوا على أبصارنا غشاوة حتى لا نري تلك الحقيقة..
نعم..
القصة منذ البداية واحدة..
مغزاها القضاء على الإسلام.. خطوة خطوة.. ببطيء شديد حتى لا يتنبه المسلمون ويستيقظوا.
***
نعم ..
ما يحدث حلقات متعددة في مسلسل واحد كان اسم إحدى حلقاته الأولى محمد على.. وكان اسم حلقة أخرى  كمال أتاتورك.. وفي الجزيرة العربية كانت حلقة الشريف حسين التي تلتها حلقة عبد العزيز آل سعود.. وفي مصر كانت حلقة جمال عبد الناصر..
حلقات في مسلسل واحد  لأنظمة متعددة صنعها أعداء الإسلام ونصبوها كي تهدم الإسلام.. ولا يهم هنا هل كانت هذه الأنظمة تعرف أم لا تعرف..
لقد كان محمد علي صنيعة فرنسا ومخلبها للتغريب و إضعاف الخلافة الإسلامية  العثمانية.. وكان كمال أتاتورك صنيعة الحلفاء للقضاء على الخلافة.. علاقة بريطانيا بالثورة العربية الكبرى ثم بالملك عبد العزيز آل سعود لا تحتاج إلى تعليق.. ثم آل الميراث بعد ذلك إلى أمريكا التي تولت أمر الثورة في مصر أيضا.
كل نظام من هذه الأنظمة قام على كاهل شخص لم تكن مواهبه الشخصية ولا وضعه السياسي يؤهله للزعامة فادعي أنه قام لينصر الإسلام وانضم إلى جماعة من جماعاتهم  فأيدوه فاستولى على الحكم بتخطيط أعداء الإسلام ثم انقلب على المسلمين الذين ساعدوه ثم أطلق أجهزة إعلامه لتشويههم ثم أعد لهم مذبحة كبرى..
كل واحد منهم كان وسيلة في يد أعداء الدين والأمة سواء علم أو جهل..
وكل واحد منهم كان حلقة يمهد للحلقة التي تليه.. فلم يكن من الممكن – على سبيل المثال – أن تشن هذه الحملة المسعورة على الجزيرة العربية في أوائل القرن العشرين.. أو منتصفه.. كان لا بد أولا من التغريب و إضعاف الخلافة الذي قام به محمد على.. ثم القضاء على الخلافة وتهوين أمر الخروج من الإسلام كما فعل الكافر كمال أتاتورك.. ثم القضاء على شمولية المرجعية الإسلامية وكان هذا دور القوميين وعلى رأسهم عبد الناصر ومن تولوا أمر الثقافة والإعلام في عهده..
كثيرا ما أسأل نفسي: أي الجريمتين – من جرائم الناصرية – أشد: قتل كاتب الظلال أم تولية الشيوعيين الملحدين أمر الثقافة والإعلام في مصر ( أليس غريبا تسللهم ليقودوا الثقافة والإعلام حتى في الدول التي كانت تناصب عبد الناصر العداء.. ومنها السعودية .. لكن هذا موضوع آخر)..
كان الإغراء هو سبيل الغواية لمحمد علي..
ثم كان السحق العسكري لتركيا..
ثم كان السحق الفكري لمصر.. ثم الهزيمة العسكرية بعد ذلك.. وطوال الوقت كان الحكم في السعودية يقوم بدور خطير.. دور إيهام العالم الإسلامي أن القالب الرئيسي محفوظ فيه و أنه أمين عليه.. وأنه إن ناور وداور إلا أن الإسلام خط أحمر لن يسمح بتجاوزه..وبغض النظر عن صدق الادعاء أو زيفه إلا أنه أعطى نتائجه.. وكان من أخطر هذه النتائج أن العالم الإسلامي لم يتنبه في الوقت المناسب إلى مدى الحقد الصليبي الذي تحمله أمريكا للعالم الإسلامي.. وبسبب هذا الموقف المخاتل للمملكة لم يتنبه العالم الإسلامي إلا و أمريكا  تبدأ الحرب المباشرة السافرة عليه.. وهو في أسوأ حالاته و أضعف حالاته..
كان الإخوان المسلمون من أسبق الفئات إدراكا لخطورة أمريكا و إسرائيل ومن يقرأ مقالات حسن البنا في ثلاثينيات القرن الماضي أو مقالات سيد قطب في أوائل خمسينياته  سوف يذهل  من مدى صفاء البصيرة وبعد النظر الذي تناولوا به هذه الأمور .. حتى أن واحدا من أفضل من كتب عن الإخوان من خارجهم  كتب مندهشا: ماذا يريدون؟.. لقد وقفوا ضد عبد الناصر حين تحالف مع روسيا ثم وقفوا ضد السادات عندما تحالف مع أمريكا.. ولم يدرك المسكين مع من هم..!!.
أما خالد محيي الدين فيكتب في مذكراته أن منشورات الضباط الأحرار كانت تهاجم دائما الاستعمار الأنجلو أمريكي حتى مارس 1952 حين طلب جمال عبد الناصر الاقتصار على الوقت استعمار البريطاني فقط..
الكاتب محمد جلال كشك يقول أن هذا هو الوقت الذ ى وصل فيه كيرمت روزفيلت – أحد أهم الأشخاص في المخابرات الأمريكية إلى القاهرة- والذى كان مسئولا قبل ذلك عن انقلاب الشيشيكلى في سوريا ثم بعد ذلك في الانقلاب على مصدق في إيران.
ولقد كان الإخوان أول من اكتشف علاقة الثورة بالإخوان وهو الاكتشاف الذي شاركتهم فيه بعد ذلك كل القوى السياسية في مصر بعد ذلك..  ولولا السحق الذي قام به عبد الناصر للإخوان  لكانت وجهة نظرهم  هي التي سادت.. لكنه نجح في تشويه صورتهم وسحقهم – كأفراد لا كفكرة - .. ولم يكن صدفة أن ما فعله عبد الناصر منذ خمسين عاما.. هو بنفسه ما تصدت أمريكا للقيام به مباشرة – بعد أن عجز الوسطاء- منذ عدة أعوام.. وهو بنفسه ما تقوم به الحكومة السعودية الآن..
ولم يكن المقصود حسن البنا أو سيد قطب أو الإخوان المسلمين.. بل الإسلام والقرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم..
والآن  في السعودية فإن المستهدف ليس الإرهابيين بل المجاهدين.. وليس الإرهاب بل الجهاد.. وليس فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب بل دين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم..
***
يا أمة.. إنني أرى نذر مذابح هائلة في الجزيرة العربية..
وتذكروا يا قراء مذبحة المماليك.. ومذابح كمال أتاتورك.. ومذابح الثورة المصرية ضد الإخوان المسلمين.. وتذكروا أيضا مذابح الملك عبد العزيز ضد الإخوان ( وهم غير الإخوان المسلمين)..
وتذكروا أيضا أنه في كل مذبحة من هذه المذابح كان الأكثر كذبا وخسة ونفاقا وخداعا هو الذي ينتصر في النهاية بعد أن  يخدع كل من حوله فيستغلهم في القيام بالمذبحة ليتخلص منهم بعد ذلك..
لا أريد أن أغوص في التاريخ كثيرا.. لكنني أثبت هنا أنني أرى مؤامرة خطيرة:
ثمة مؤامرة على الجزيرة العربية.. مؤامرة ضد الدين والدولة.. وهناك شق في الحكام ضالع في المؤامرة.. شق لا يتورع عن أي درجة من العهر والعري والخيانة والكفر كي يتمكن من الوصول إلى الحكم أو الاستمرار فيه.. هذا الشق – أغلب الظن – بعيد عن الصورة الآن.. إنه يحرك الأمور من بعيد بكفر وفجر وخسة.. ينتظر سقوط الثمرة ( لم يدرك الغبى جمال سالم أن عبد الناصر كلفه بالقضاء على الإخوان لا لثقته فيه بل  لكي يفقده كل شعبيته، ولكي يكون مكروها حتى يسهل القضاء عليه هو نفسه بعد ذلك.. وهو ما تم فعلا.. وتم معه القضاء على رئيس الجمهورية.. محمد نجيب..)..
إنني أحذر و أنذر .. أن هذا الخائن المتآمر الذي يحرك الأمور من بعيد.. سينقض على السلطة في الوقت المناسب.. ولمصلحة أمريكا.. وستتكرر نفس المأساة التي حدثت في مصر عام 54..
نعم .. أحذر و أنذر.. من أن هذا الخائن المتآمر سيفعل بالإسلام ما فعله به كمال أتاتورك في تركيا وبورقيبة في تونس وجمال عبد الناصر في مصر.. ولكي يصل إلى مأربه فسوف يسحق عشرات الآلاف من العلماء والمفكرين والكتاب بل والناس العاديين الذين يحافظون على دينهم.. وسوف يتحول الإسلام إلى تهمة لا حق لمن توجه إليه هذه التهمة في أي حق من حقوق البشر .. وسوف تنتهي أية شرعية للأسرة الحاكمة التي بنت وجودها – ولو بالزور – على حماية الإسلام  عندما تقوم هي نفسها بهدمه.. سوف تنتهي شرعية الأسرة الحاكمة لتبدأ شرعية أمريكية إسرائيلية لواحد أغلب الظن أنه من الأسرة  لكنه يتمتع بصفات غير طبيعية من خسة وغدر وكفر.. وهي الصفات التي ستشكل وثائق اعتماده وتعيينه.
نعم سيُذبح علماء وساسة وكتاب ومسئولون ومواطنون..
وستهدر كرامة أمتنا في الجزيرة كلها.. لا ليوم أو يومين.. ولا لعام أو عامين بل إلى أن يشاء الله..
وسوف تغمض أمريكا ومنظمات حقوق الإنسان أعينها حتى تتم المذبحة..
ولكنني  أحذر و أنذر  من أن مذبحة هذا الخائن المتآمر ستطال الأسرة الحاكمة نفسها فسوف تكون أمامه ثلاث قوى داخل الأسرة المالكة لابد أن يتخلص منها:
قوة من هم أكبر أو أقوى أو أسبق منه فمنهم من يمكنه إفشال المؤامرة ومنعها من ناحية  أو إنجاحها لحسابه من ناحية أخرى..
ثم قوة من يمكن أن ينافسوه في خيانته ليقطفوا ثمرتها بدلا منه .. أو من يتوسم فيهم أنهم أكثر خسة وكفرا منه مما يمكنهم أن يقدموا لأعداء الإسلام أكثر مما يمكنه هو تقديمه..
ثم قوة من ما يزالون يقبضون على دينهم أو حتى وطنيتهم  من الأمراء لأنهم سوف يقاومون خيانته ..
كل هؤلاء سيذبحون..
فيا أهلنا في الجزيرة: لقد أعذر من أنذر..
ويا حكامنا هناك:
إن لم تكن تهمكم الآخرة.. فاحرصوا على الدنيا!!..
***

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتابي: الجزء الأول

بعد مائة عام..!!