غيلان الدمشقسي

  

 

 

غيلان الدمشقي

 

 

غيلان 1

 

كنت ذاهبا لصلاة الفجر في مسجد الإمام الحسين فقابلت غيلان الدمشقي  خارجا من الأزهر غاضبا  فأقسمت عليه أن يصحبني كي يعظ شيوخنا, فقد استمرءوا طعام معاوية ولم يعودوا للصلاة مع علي, فتكدرت ملامحه وتغضن وجهه  وقال :

- هذا زمن الهرج  , وشيوخكم ليسوا إلا فقهاء سلاطينكم, وهم إن وُعِظُوا  أَنِفُوا  و إن وَعَظُوا  عَنُفُوا . .

قلت له في ضراعة :

- إدعُ لهم بالهداية  فلعل دعوتك تستجاب . .

تفرس في وجهي في ألم وانطلق قائلا :

- لكن الله يضل الظالمين . . الله يضل الظالمين . . الله يضل الظالمين ..

ثم اختفي في ظلام الليل فجلست علي الطوار أبكي .

***

غيلان  2

 

عرفت صومعة غيلان فألقيت عندها الترحال بعد أن  خاب  أملي وخارت قواي  ورحت أتحين الفرص للحديث إليه  ولمحته  فصرخت فيه :

- إنهم أتباع بني أمية .. وهاهي ذي سيوف يزيد تقطع رقابنا.  حتي الحسين لم يتركوه  لكنهم يحكمون علينا بأننا نحن أتباع  بني أمية  وبأننا الداعون لعودة حكمهم  ويرهبوننا ويتهموننا  بالإرهاب .

 رد في سأم :

  - انظر إلي نفسك : أعبد الله أنت أم عدوه .

قلت :

- والله أنا عبد الله وهم أعداؤه .

قال :

- رُبّ متعبد لله بلسانه  معاد له بفعله  ذلول في الانسياق إلي عذاب السعير  في أمنيته أضغاث أحلام يعبِّرها بالأماني والظنون!!.

صرخت في فزع :

- ألست علي الحق .

قال في وجوم :

- بلي  ولكنك - مثلي - مقتول .

***

غيلان  3

رأيت غيلان يتجول في المدينة فتبعته  فدار حول قصر عابدين  وقصر العرب ومجلس الشيوخ ثم شد الرحال إلي طرة والقناطر والواحات و أنا أغذ السير خلفه حتي بلغ مني الجهد كل مبلغ  فهتفت به :

- تعبت ياسيدي . . تعبت . .

نظر نحوي بدهشة غاضبة  وتمتم :

 -  لكنك لا تري .

هتفت في لوعة :

- إدع لي كي أري ماتري . .

قال:

 - هل تستطيع معي صبرا?.

أومأت بالإيجاب يسحقني عذاب..

فتمتم بدعاء  فإذا بي أري الحقيقة  فالسماء سوداء. والسحب تمطر ترابا أحمر. و أخذ غيلان يرفع الأحجار  في أرجاء المكان  فما من حجر إلا وجدنا تحته دما  وتلفت حولي في فزع  فإذا بالجدران ملطخة بالدم  فرفعت يدي أناشده و أتوسل إليه:

- إدع لي ألا أري !!. .

وإذا بيدي ولساني تقطر دما . . !!.

***

غيلان  4

 

قلت لغيلان :

- ما يصبّرني علي ماصرنا إليه من فساد في الأرض وسفك في الدم وخراب في الذمم وظلم أولي الأمر إلا أنه لا يحدث إلا بمشيئته وقدره  لكن حكمته تخفي علي مثلي .

رد في غضب :

 - هل تزعم أن الله يحب أن يُعصي ?!..

قلت في ضراعة :

- كلا بأبي أنت و أمي : لكن هل تري أنه يُعصي قسرا ?!

قال في ألم :

- هل تنسب الجور إلي الله?. هل يحاسب الله الناس علي فعله هو?. وهل سيدفع بهم إلي ما نهاهم عنه?وهل يكلفهم بما لاطاقة لهم به? هل وجدت حكيما يعيب ما صنع?! أو يصنع ما يعيب?! أو يعذب علي ما قضي?!أو يقضي علي ما يعذب عليه?! أم وجدت رشيدا يدعو إلي الهدي ثم يضل عنه?!.. أم هل وجدت رحيما يكلف العباد فوق الطاقة ?!. ويعذبهم علي الطاعة ?!.أم هل وجدت  عدلا يحمل الناس علي الظلم والتظالم?!. وهل وجدت صادقا يحمل الناس علي الكذب والتكاذب بينهم?!

صرخت :

- إذن كيف يفعلون مايفعلون ?..

قال :

- كفي ببيان هذا بيانا وبالعمي عنه عمي!!..

***

غيلان 5

 

نصبوني حاكما  للبلاد . . .  باستفتاء زوّرُا الأصوات فيه . . .  فقطنت أعلي ربوة من روابيها  . . . وجاءني غيلان  يعظني ويحمل الحمل الثقيل معي  فقال لي: انبش تحت الربوة  فوجدت كوما من الجماجم  والذهب المنهوب  ووثائق الخيانة المدفونة  وراح يكشف لي عن كل قبيح  ويعرض علي كل مظلمة حتي برهن لي أن العفن قد تسلل إلي كل شيء حتي طالني  و أنني محاصر بحاشية السوء  أحسب أنني أحكم بينما هم  الذين يحكمون. وفكرت في الأمر طويلا واستبدت بي الحيرة  حتي وصلت إلي يقين ; فأمددته بالمال والرجال والعتاد ورجوته أن يحارب جيشي , وأن يهدم حكمي.

***

غيلان   6

 

 رأيت غيلان وقد تسلل إلي لقاء الرئيس بالمثقفين في معرض الكتاب  وأخذ مكبر الصوت عنوة  وراح يصيح :

- إعلمْ  أنك أدركت من الإسلام  خلقا باليا ورسما عافيا, وربما نجت الأمة بالرئيس وربما هلكت بالرئيس , فانظر أي الرئيسين أنت , فإن الله  تعالي يقول ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ) فهذا إمام هدي ومن اتبعه . .   ويقول ( وجعلناهم أئمة يدعون إلي النار  ويوم القيامة لا يُنصرون ) .

رأيت الحرس ينقض عليه   ويسوقونه إلي حيث لا أعلم . .

ولم تنشر الصحف عن ذلك شيئا . .

***

غيلان    7

 

قال غيلان لي :

- ليس لعين تري الله يُعصي أن تطرف  حتي تغير أو تنتقل !.

قلت له :

- فبم نواجه الشر ?

قال :

 - بالسيف . .

***

غيلان   8

 

قلت لغيلان :

- هل بعد هذا الشر خير ?!

قال :

- نعم .

قلت :

- فهل بعد ذلك الخير شر ?

قال: نعم . .

قلت له :

- فادع الله أن يمد في أعمارنا  حتي نري بشائر غرسنا . .

قال :

- ما رأيت عاقلا يطالب بتأخير نضوج محصوله ونوال أجره !!.

ثم واصل القول :

- بعد عام نموت  وبعد ألف عام سوف نموت . . . فالآن .

***

غيلان   9

 

رأيتني نائبا للظالم  الجبار الغبي المتكبر  فلما قتلوه صار إليّ الحكم من بعده   فوليت غيلان ديوان المظالم  فجمع كل ثروة حرام  ولم يترك  للجبار الهالك  ولا لبنيه شيئا  ولا ترك وزيرا ولا مديرا ولا حتي حلي امرأتي,  وراح يقف كل يوم أمام كاميرات التليفزيون ينادي علي ماصادره :

- تعالوا إلي متاع الخونة . . تعالوا إلي متاع الظلمة . . تعالوا إلي من خلف الرسول في أمته بغير سنته  وسيرته . . من يعذرني ممن يزعم أن هؤلاء كانوا أئمة هدي,  وهذا متاعهم والناس يموتون من الجوع . . ?! .

جاءني كبير مباحث أمن الوطن يقول لي أن غيلان يشعل الثورة ويشجع علي الإرهاب , و أنه يخشي علي العواقب فقلت له :

- كل يوم أتقيه و أخافه دون يوم القيامة  لا  وُقِــيــتُـــــه !!.

***

غيلان    10

جلست أمام صومعة  غيلان في انتظار أن تهل علي طلعته أو يشنف أذني صوته فأخذتني سنة نوم , فرأيتني أمتطي بساطا سحريا يعبر بي الزمن  إلي أزمان أنكرتها حتي حطّ بي أمام صومعة كصومعة غيلان , وجدت فيها  خالد الإسلامبولى و أسامة بن لادن   فهتفت به  والدموع تتقاطر من عيني :

-  رأينا من المظالم ما لا قبل لبشر به  فلا تبايعا  أحدا منهم.. !!

فردا بنفس مطمئنة :

 - ما هؤلاء ولا أولئك  سوي بثور قيح علي جسد الزمن  ولقد خلعنا بيعتهم جميعا , ثم أن العصور عصور الناس لا عصور الولاة الطغاة .

سألت ملهوفا :

- فمن بايعتما  إذن ?

قالا في نشوة  من يعلما أن الاستشهاد مآلهما :

- فبايعنا على كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم.

***

غيلان   11

 

صحوت من نومي فإذا الشرط يحيطون بداري,  ويسألون عن غيلان  فأنكرت معرفتي به , فواجهوني بتسجيلات بالصوت والصورة , وعذبوني  فأرشدتهم إلي صومعته , واستفتوا الشيخ الكبير  فأفتي  بأنه إرهابي و بأن قتله أفضل من قتل ألفين من الصهاينة,  وجاء القاضي فصدق علي الحكم فصرخت فيه :

- احكم بما تعلم - أعزك الله - لا بما يقولونه لك  و أنت تعلم أنه قول الزور وتخرص الكذب .

أمر بإحالتي إلي المحاكمة ببنود القانون    فصرخت :

 - حاكموني واحبسوني واقتلوني لكن دعوا غيلان يرد المظالم .

قالوا :

- بل تقرر صلبك مع غيلان و أعوانه .

سألتهم :

- ألم يبطل النظام العالمي الجديد  الصلب .

قالوا :

- لكننا تحت حكم الطواريء,  ثم أن النظام العالمي الجديد يحض علي صلب الإرهابيين مثلك  .

صرخت فيهم :

- والله إنكم أنتم  الإرهابيون , وأنتم القتلة . .

فأتوا بنا فصلبونا  وغيلان يدعو الله عليهم  . .

صرخت فيه :

- لماذا لا يستجيب الله لك  . . ?!.

قال لي في رثاء :

- يا أعشي القلب . . بذلك يستجيب !!.

وقال له الشيخ الكبير :

 - أرأيت مافعل الله بكم .

أجاب غيلان :

- لعن الله من فعل بنا ذلك .

أمروا بتقطيع أيدينا و أرجلنا من خلاف,  و أجهدنا العطش والألم,  وطلب أحدنا شربة ماء,  فرفضوا وقال الشيخ الكبير :

- لا نسقيكم حتي تشربوا من الزقوم  في جهنم .

التفت إلينا غيلان من علي صليبه  وقال :

- يزعم هؤلاء أنهم لن يسقونا حتي نشرب من الزقوم  كذبوا . . إن الذي نحن فيه لبشير بالجنة  فاصبرو علي ما أنتم فيه .

صبرنا, ورحنا نموت الواحد بعد الآخر,  فيستدير غيلان من فوق الصليب فيصلي علي من يموت .

والتفت إلي من حضر من الناس و أخذ يقول :

- قاتلكم الله,  وقاتل حكامكم فكم من حق أماتوه ?!  وكم من باطل قد أحيوه ?! وكم من ذليل في دين الله أعزوه?! وكم من عزيز في دين الله أذلوه?!.

وراح غيلان يفضح خيانة الحكام ومباذل الحاشية ونهب الثروات وضياع الحقوق والاستسلام للعدو  وضياع الدين وانهيار القيم  وتفاصيل البنود السرية في الاتفاقيات المخزية  والاستسلام لضغوط صندوق النقد الدولي,  و أخذ يسترجع عِــبَــرَ التاريخ. وخشي رجال الحاشية أن تنقل وكالات الأنباء ما يقوله .. وأن تنقل الصحف عنه,  فهرولوا إلي سيدهم وقالوا له :

- لقد قطعت يدي غيلان  ورجليه و أطلقت لسانه .

فأمرهم بقطع لسانه,  فقطعوه , فظل ينزف حتي ارتفعت روحه إلي بارئها  فالتفت من علي صليبي,  وصليت عليه .

***

غيلان  12

 

وأنا علي الصليب  اجتاحتني من العذاب الهلاوس,  فخيل إلي  أنني  قابلت الملك صدفة  بعد أن أفرج عني فسألته :

- أخبرني عن رجل له خصم ألدّ , ما حاله ?.

قال :

- سيء الحال .

قلت :

- فإن كانا خصمين ألدّين .

قال :

- فهو أسوأ حالا .

قلت :

- فإن كانوا ثلاثة .

قال :

 - ذاك حيث لايهنئه عيش .

قلت :

- فوالله يا جلالة الملك  مامن أحد من أمة محمد صلي الله عليه وسلم إلا وهو خصمك .

   

***


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتابي: الجزء الأول

أيهم أولى بالاتباع: علماء السلاطبن فقهاء الخليج أم هؤلاء.

بعد مائة عام