تدنس ثوبك فاخلعه
تدنس ثوبك
فاخلعه
ا
قال لي كبير الحرس :
- إلا الملك .. إلا الملك يا خصي يا
صعلوك يا ابن الرعاع .. اكتب عن من شئت وعما شئت لكن إلا الملك .
قلت في سريرتى أنه مخصي قبلي و أنه هو
الصعلوك وابن الرعاع لكني أوشك -وقد غلقت أمامي كل الأبواب إلا بابه - أن أكون
مثله.
وجهت وجهي إلي السماء مدعيا الضراعة و
دعي لساني لمولانا بطول العمر, لكن الحركة لم تنطل عليه - ولعله سمع قلبي يدعو لله
بقصف عمره وبعثره ملكه وتشريد أهله الذين يسوموننا سوء العذاب - فواصل مهددا :
- إياك أن تظن أننا لا نفهم لمزاتك
وغمزاتك ورموزك, والله الذي لا إله إلا هو لإن عدت إليها لأسملن عينيك ولأطعنن
قلبك ولأخصينك ثم لأقطعن رأسك .. إلا الملك .. لا شأن لك به ..
أردت أن أقول له أنه هو الخصي في أمة
خصيان ربها سيده ومولاه الذي يأمرني بعدم التعرض له, ثم كيف أكتب عن من شئت وعما
شئت دون أن أتطرق إليه وهو الأصل خلف كل حدث والسبب في كل حادث . أعرضت عن كبير
الحرس و همست لنفسي مطأطئا:
- لا شأن لي بسواه .
***
ب
قال لي شيخي حين ذهبت إليه شاكيا متوجعا من أيام سود تطير فيها الرقاب ولا يعرف
فيها مقتول من قاتله ولما قتله :
- ليتهم يفعلون ذلك .. ليتهم لم يكفوا
عن قتلنا .. أصبحوا يضنون علي أمثالنا بمنازل الشهداء .. إنهم الآن يسملون البصيرة
لا البصر, يطعنون الشرف لا القلب, يقطعون الأمل لا الرقبة .
هتفت في يأس :
- و ما العمل يا مولاي?.
فأجابني متكدرا :
- حين تطلب الموت فلا تجده فلعل الله
يمنح الصابرين من الأحياء فوق منازل الشهداء . ثم أردف قائلا :
- أمامك ابتلاء.
***
ت
قال
لي رئيس التحرير شامتا :
- مقالاتك
لم يعد يقرأها أحد, خير لنا أن نستغل المساحة فيما يفيد.
ثم راح يقهقه وكل قهقهة نيزك يحرق
قلبي, ثم واصل الحديث وهو لا يكاد يغالب
ضحكه :
- كل قضاياك خاسرة, يا شؤم يا نحس, لماذا لم
تجرب مرة أن تقف ضد قضية تحبها, فلعل طلسم نحسك ينفك, ما من قضية حاربتها إلا
وانهزمتَ وانهزمتْ القضية وانتصر أعداؤك, في أبسط الأشياء وأكبرها, في الأهلي
والزمالك وفي أمريكا روسيا والخليج و إسرائيل والسودان والعراق وليبيا وإيران
والبوسنة والهرسك .....
ثم أتي بحركة وضيعة وهو يعابثني بيده
مستهزئا وقائلا :
-
بوسني وهرسكني .... !
حاولت أن أدافع, أن اكرر له ما سبق أن
كررته دائما, لكنني قلت لنفسي أن ما لم يقنعه سابقا لن يقنعه آنفا . رحت بيني وبين
نفسي -وأنا أطرق صامتا- أسبه سبابا قبيحا, وحين تحول القبح إلي فحش غلبني الابتسام
فكسوت وجهي بالاستسلام كي لا أثير حفيظته فيمنع علي معاشي وطعامي وشرابي . عزيت
نفسي بأن الناشر سيعوضني خيرا.
***
ث
قال لي الناشر مغالبا إشفاقه علي:
- طبعت من كتابك الأخير عن حقوق إنسان القرن
الحادي والعشرين ألف نسخة فقط, أرسلتها محزمة من المطبعة إلي دار التوزيع, بعد
أسبوعين أعادت دار التوزيع إلي ألفا وخمسين نسخة!! ....
قاطعته - وقد صَعُبَتْ علي نفسي -
قائلا:
- نصابون وكذابون, لقد اشتريت أنا وحدي
خمسين نسخة كي أوزعها علي النقاد الذين
توقفوا عن شراء الكتب ...
وغالب الناشر هذه المرة ابتسامته قائلا:
- بعد تحقيق وتدقيق ومراجعة اكتشفنا أن
المطبعة طبعت مائة نسخة بالزيادة .
غرقت في الإطراق حين لم أجد ما أقول,
لكنني بيني وبين نفسي رحت أسب القراء سبابا قبيحا .
قال الناشر في ود حميم :
لماذا لا تجرب مجالات أخري في الكتابة, أنت كاتب
موهوب, لكن لماذا لا تغير مواضيع كتابتك إلي مناطق لا يناصبك فيها الكل العداء?
تمتمت مخاطبا نفسي والهم يركبني والحيرة
تشملني:
- فيم أكتب إذن?.
سارع بالإجابة مدركا أن مجرد تساؤلي
موافقة:
لماذا لا تكتب في الجنس?.
هتفت مأخوذا :
الجنس ??!!..
واصل بحماسة قبل أن أغير رأيي :
- موضوع لا يبلي ولا يُمل, جديد دائما
ومطلوب .
تساءلت حائرا :
- كيف?.. وماذا?.. ولماذا?..
فتمتم متلفتا حوله :
- الحرية الوحيدة التي لا يعاديها طاغية ولا
يمنعها سلطان ولا تطاردها مباحث ...
فعاودت تساؤلي :
- كيف ? وماذا ا ? ولماذا ا ?
رحت أقلب عيني بين السماء الأرض .
ارتد إلي البصر وهو حسير, وأنا حسير.
عكفت علي نفسي واعتكفت .
***
ج
قطعت علي حبيبتي خلوتي متسائلة وقد أحس
بدبيب الخطر قلبها الشفيف:
- لكأنها خلوة لعبادة الشيطان !!..
فران علي صمت من يخشي أن يبوح بإثمه ولو
بالرغم منه إذا نطق, فواصلت هي كأنما تحمل مفتاح الفرج :
- الصدق مأْمَنة.
صرخت في لوعة:
- بل مهلكة... وقد خدعونا .
انطلق صوتها الحاد كالنواح محملا بغيوم
الفجيعة فتهاطلت الكلمات أمطارا من الدم:
- من أولئك الذين خدعونا ?.
فأجبتها و قد نقلني صاروخ تدفعه كتلة
وقود صلبة من الألم واليأس من درب المبالاة إلي مجرات اللامبالاة :
- شيوخنا وفقهاؤنا ومفكرونا والكتب .. و
.. أنت ...!!.
ثم أردفت في تحد:
- ليس من هدف
أسمي للحياة سوي الهروب من الألم, لذلك فإن أقصر الطرق بين نقطتين هو
أكثرها تعرجا والتواء, أما الخط المستقيم فلا يصل أبدا...أبدا ...أبدا ...إنما هو
يقطع .
***
ح
أقسمت ألا يسبقني في الفسق فاسق, وألا يغلبني في
الفحش عاهر. ما أن بدأت حتي أيقنت أنه إذا كان أصل الشيطان ملاكا غوي وضلّ فإن أصل
الإنسان شيطان لم يضل .
كتبت في الجنس, عن الجنس, عن الدعار
والداعرات.
شغلت مقالتي الأولي صفحات المجلة الأولي
وزينت عناوينها صفحة الغلاف واستدعاني رئيس التحرير ليعانقني في ود حميم وترحاب
وانفعال وشوق حتي اقشعرّ بدني حين تذكرت ما أشيع عن إصابته بالشذوذ فابتعدت, وراح
هو يهنئني مراجعا تقارير شركة التوزيع عن تضاعف الأعداد المباعة.
جاء الناشر يلهث مستحلفا إياي أن أشركه في أيامي
الحلوة كما حمل معي أيامي المرة .. نثر أمامي النقود قائلا :
- لك ما تشاء لكن وقِّع معي الآن عقد نشر كتابك
الجديد! .
تبت وكتبت و كتبت ... كتبت عن زنا
المحارم, عن هاتك عرض أمه, وغاشي ابنته ومعاشر أخته ... كتبت عن متعة الحرام ونشوة
الدنس ... غصت في الأوحال أجمع مادتي, استجوبت الدعار والداعرات, فكتبت ما قالوه
ولم أخف شيئا, بل لونت لياليهم بما شئت من ألوان الطيف و أضفت ما أردت من توابل .
المجتمع يهتز, أكشف خبيئته فيمور ويغلي, أما
رئيس التحرير فيرقص, والناشر يغني طربا .
***
خ
كتبت عن المرأة التي أغوت عاشقها
فأغواها فأعطت طفلتها التي لما تكد تبلغ الحلم بعد كأس سم مذاب في العسل كي تجرعه
أباها, وقضي الأب نحبه وتسللت الهواجس إلي قلب الطفلة, فواجهت الأم, فلم تجد الأم
مناصا من أن تطلب من العشيق أن يغشي الطفلة ويهتك عرضها حتي يسيطر عليها . كتبت عن
الجنس الساخن علي رمال سيناء الدافئة, عن عنف الإسرائيلية وجدية الألمانية وتجهم
الإنجليزية وانفتاح الأمريكية وعذوبة الفرنسية, عقدت اتفاقا مع ملاك قرية تعذروا
في بيع وحدات قريتهم, كتبت موضوعات عديدة بأسلوب علمي رصين عن اكتشاف إشعاعات
لرمال تلك القرية تزيد الرجال رجولة والنساء أنوثة, دفعت للخبراء والعلماء فكتبوا,
ألمحت بدرجة يتواري إزاءها التصريح, وأخفيت بصورة يتضاعف معها التخيل, استدعيت
الأساطير فكتبت أن من يذهب سيجد نصفه الآخر الذي لم يعثر أبدا عليه, جعلت من
الطبيعة شذوذا ومن الشذوذ طبيعة, زورت تحاليل المعامل ودبجت التقارير, وبرغم أن
رئيس التحرير كان يعرف معظم تفاصيل اختلاق الأمر إلا أن شكا خامره ألا دخان بغير
نار فاستدعاني عندما صدق الكذب وكذب الصدق قائلا:
- أريد مكانا لمدة أسبوع .
فتساءلت :
- رجالا أم نساء أم أطفالا ?!
فتجاهل تعريضي وتصنع أنه لم يسمع و
ارتسمت علي شفتيه نصف بسمة ونصف انفجار. أحصيت ربحي فاكتشفت أنني فارقت إفلاسا
عمره من عمري وأن ما حصلت عليه من مكاسب يساوي مرتبي من الصحيفة في ألف عام .
***
د
كتبت عن العروس العاشقة في شهر العسل ... عندما
عاد العريس وسط الليل فجأة فقفز العاشق من الدور الرابع عاريا فلقي حتفه ... وجاء
البوليس و حامت الشكوك حول الجميع عدا العروس ... لكن الفضيحة انفجرت أخيرا. ذهبت
إلي سجن النساء وقابلت العروس, كتبت عن الفارق بين جنس وجنس ونشوة وزوج وعاشق
وهاجمت الكبت والقهر و دعاة الانغلاق ودافعت عن حرية المرأة, وكتبت من التفاصيل ما
جعل الأضعاف المضاعفة من نسخ الصحيفة المطبوعة تنفد بعد دقائق وما جعل بوليس
الآداب يستدعيني ورئيس التحرير بعد ساعات, ولولا عمق اتصالاتنا لقضينا الليلة في التخشيبة.
قلت لرئيس التحرير ونحن ننصرف معززين مكرمين :
- ما أسعد بلادنا بحكامنا.
التمعت نظرات الريبة في عينيه فواصلت :
- إذا أردت أن تذل شعبا سلط عليه حاكما, و إذا
أردت أن تذل حاكما سلط عليه امرأة, و إذا أردت أن تذل امرأة سلط عليها مثلي ومثلك
. أرأيت كيف نحكم ?.
راح يقهقه - مداريا عدم الفهم - قائلا :
- مادمت بعيدا عن السياسة فأبشر بطول
سلامة.
***
ذ
قال لي رئيس التحرير
-اكتب ...و اكذب ...فإن أنجح الصحف
أكذبها.
فكتبت عن قبيلة لم أحدد مكانها, عن
شوارب رجالها الاثنين والعشرين ولحاهم و أغطية رؤوسهم ورجولتهم البادية وفحولتهم
السابغة وعن جمال نسائهم و بناتهم, عن رعونة ذلك الفحل الذي بلغ به الجموح حد زنا
المحارم فاغتصب ابنة أخيه مدعيا - دون أدلة قاطعة علي كذب ادعائه - أنها حلاله,
فما كان من أخوته إلا أن استعانوا ببلطجي مشهور خلص الفتاة منه واصطفاها لنفسه محظية
وهم يهللون ويباركون والبنت وقد تشجعت به أخذت تتحكم بسطوة حاميها في أعمامها
فتسلط البلطجي علي الانتقام ممن تكره وتدله علي مداخل بيوتهم و أسرارها فلم تكد
تمر ليلة دون أن يرسل البلطجي من يسرق له ما شاء من بيت من شاء, كما دلته علي
ثرواتهم وكنوزهم الخبيئة, فأوهمهم ألا أمان لها إلا في خزائنه فاصطنعوا من فرط
الرهبة الاقتناع, وعندما همهم أحد أعمامها بما اشتم منه الفتوات أنه بدير اعتراض
علقوه علي العروسة و أعطوه علقة ساخنة والفتاه تصرخ وتزغرد وأعمامها يبرمون
شواربهم هاتفين للبلطجي منقذ الشرف الرفيع من الأذي, فراح يرد لهم الجميل فيأمر
بتحويل خيام من ارتضوا الوضع ورحبوا به إلي ملاذات آمنة ويأمر بحصار الخيام الأخري
التي لم تهتف له فلا بيع ولا شراء ولا سفر.
***
ر
قال لي رئيس التحرير منتشيا وهو يقرأ تقرير شركة التوزيع:
- اكذب أكثر . . . . .
فقلت له والدموع تغرورق في عيني :
ما أنا بكاذب!!..
***
ز
كتبت تفاصيل رهيبة عن واقعة اغتصاب حدثت
في الحرم وأخري في المسجد الأقصي وثالثة في صحن الأزهر, وأوجزت ..
و كتبت عن مضيف مصر الجديدة الذي لم يكن
يثيره إلا مضاجعة الغرباء لزوجته أمام عينيه بعد أن يحبس أطفاله, وعن رواية يصيب
الطلسم فيها رجال الوطن كله بالعجز, وصفت وفصلت و أطنبت ......
***
س
جاء رئيس التحرير يصرخ :
- لن يكتفوا بمصادرة عدد المجلة,
سيسحبون الترخيص كله .
لم يكن المسكين يدرك أنني لم أعد غزالا
تطارده السباع بل سبعا يفرض سلطانه..
***
ش
تساقط الأسي من عيني حبيبتي دون دموع
وهمست من قلب موجوع :
- كنت أنا وكنت أنت فكان الأنت أنا والأنا أنت,فكيف لم تعد أنت أنت ?ا
أردت أن أحكي لها عن الجلاد والملك
ورئيس التحرير والناشر وعن شيخي وعن رغبتي فيها وفي حيوات لا تشطر القلوب وكلمات
لا تقصف الرقاب لكنني إذ نظرت إليها لم أر لها أذنين, وإذ ارتد بصري إلي لم أجد
فما.
***
ص
كتبت عن وزير نافس ابنه علي عشيقة
فانقلبت الدنيا, إذ كان الوزير أثيرا عند الملك. صرخ رئيس التحرير غاضبا:
- هل أنت أعمي أو أصم, قلت لك اكذب ولم
أقل لك قل الحقيقة!!.
ونظرت إليه فلم أجد له عينين ولا لسانا ولا شفتين,
ولا حتي أذنين.
وبرغم أفضالي عليه وعلي صحيفته لم أفلت
التماعة الشماتة في عينيه وهو يقول :
- الكوارث تمشي في ركابك, سواء كتبت عن
الدعارة والداعرات أو عن...
وقاطعته قائلا والمرارة تفيض من بين
شفتي حمضا كاويا:
- أو عن الدعارة والداعرات . .
وانفتح فمه من الدهشة والعجب من تهوري وخالط
الشماتة في عينيه خبث ولمع شر.
نظر نحوي بريبة وتمتم :
- لست أفهمك, ويخيل إلي أنك و أنت تكتب
عن الدعار والداعرات تضعني في زمرتهم,بل ويخيل إلي أحيانا أنك تكتب عني لا عنهم . !
ثم تفرس فىّ مليا وهو يتمتم:
- ليس عنى فقط.. بل عنا.. نعم..
عنا..عنـّا.. عنــّا ..
***
ض
قابلني اللواء الجلاد فأعرضت عنه في أنفة من لم
يعد يخشاه, من اكتشف خبيئته ورأي عورته بأعين عشيقاته, وسمع أسرار البلد بآذان
خليلاته, اندلعت من خزائن الذاكرة جمرة لهيب كوت القلب فقلت له في مرارة:
- أما زال التهديد بالخصي قائما قربانا لربك ?.
فقلب يديه كما لو كان يعتذر بهما:
-
أما بعد التوبة النصوح والهداية فلا, أولم تقسم عندنا أنك تبت, أولم تقسم
علي ألا تعود إلي المعاصي أبدا, أولم تعزم علي الطاعة المطلقة والإخلاص الأعمي,
أولم تحصل علي وثيقة ممهورة بخاتم الدولة الرسمي بذلك كله .
ثم أردف ملزما الحجة إياي:
- أولم تؤمن ? .
قلت في شرود :
- نعم .
فأخذ يفرك يديه في حبور, و أخذت أحمد الله أنه
لا يفهم في اللغة .
لاحقني بعد أن انصرفت عنه قائلا :
- ليتك تزيد من جرعة الجنس و الإثارة وتقلل من
جرعات الوصف والتحليل فإن ضعاف النفوس وحاسديك يدسون عليك أنك تدس بين السطور ما
في الصدور.
نظرت إليه في سأم فواصل متفرسا, وربما
مهددا :
- أصارحك القول أنني أنا نفسي شككت ذات مقالة
أنك تقصدني.
تم رمقني بنظرة كادت تخترق حشاي.
***
ط
كتبت عن وزراء شواذ في البلاط وعن فروج
تحكم . لم ينطق رئيس التحرير لكنه راح يفرك يديه في سعادة لم تطل, فقد صدر القرار
بتعييني رئيسا للتحرير وبتعيينه نائبا لي, فقلت له في اجتماع مجلس التحرير:
- أكثر أيام الصحيفة رواجا تلك التي لا
تكتب فيها .
وطأطأ رأسه في خزي هامسا :
- بتشجيع سيدي سوف أجتاز العقبات لأصبح عند حسن
ظنه وحسن ظن مولاي .
و أخذ السفيه يكيد لي, لكنهم في لحظة شبق سلطاني اتخذوا القرار بأن أفوز
بالمركز الأول في انتخابات النقابة
والنادي. رحت أهدم أسياد الحقير وأقطع جذوره كي يضمر ويتعفن ويسقط, كما رحت أضم
لعضوية النقابة والنادي البلطجية
والقوادين كي يكونوا عونا لي عند احتدام الوغي, وكيلا يكون ولاؤهم لآخر.
***
ظ
قال لي الناشر في جزع :
- اكبح جماحك ..فحتي الكتابة في الجنس لها
محاذيرها .. إياك ودعارة السلطة..
فتساءلت دهشا :
- ألم يكن ذلك ما تريد?.
فازداد جزعه وهو يقول :
- أري الكوارث مقبلة عليك .
فنظرت إليه في رثاء من يدرك أنه لا يدرك شيئا لا
عن عمق الكوارث حقا و لا عن قوة من يدافعون عني ..
صمتَ طويلا ثم
نطق:
- لي عتاب عليك ..
نظرت مستفهما ومهتما فبيني وبين الرجل
ما لا ينسي, فتشجع قائلا:
- في مقالتك التي كنت تتحدث عن العروس التي خانت
زوجها في شهر العسل, واستطردت في الحديث عمن يخونون دون أن يكون لديهم أي مبرر
للخيانة. . . . أحسست بصورة من الصور أنك تقصدني .
همست لنفسي "يدفعني للدعارة ثم
يطالبني بالشرف" , لكنني اصطنعت الصدق والشرف والحرارة و أنا أهتف:
- لكن الواقعة حقيقية والحادثة قد حدثت فعلا.
ركز عيناه في عيني قائلا:
- لكنني كنت ماثلا في خيالك و أنت تكتب
عنها.
انفجرت من تلافيف الذاكرة أيام عذابي
حين انغلاقي وتحجري, وشملني الرعب أن أفقد نشواتي ومتعي منذ انفتاحي وتحرري,
فالنعمة لا تدوم.
خيل إلي أن جميع الناس يدركون
خبيئتي فامتدت يد خرافية أصابعها من جليد
فاخترقت عظام الصدر وراحت تهتصر قلبي وتبث فيه الرعب فاندفعت :
- أقسم لك ...
فقاطعني في أسي :
- لا تقسم, فأنا الآخر مثلك : لا أقسم
إلا إذا كنت أكذب .
وولي مغادرا وهو يتمتم :
- ليس المهم أن تقوله بل المهم ألا أكونه .
***
ع
مددت يدي إلي حبيبتي فصرختْ في فزع :
- لا أحلّ لك ..
فصرخت فيها :
- كيف ? كيف و..
فقاطعتني ببكاء بلا دموع :
- انظرْ في المرآة ..
نظرت .. فإذا بوجه ليس وجهي..
***
غ
أحببت ما كنت أكره وكرهت ما كنت أحب وازدريت ما
قدست وقدست ما ازدريت, وقلت لحبيبتي ليس العالم ماترين, فنظرت نحوي بدهشة مستفهمة,
فقلت لها لقد خدعونا, والإنسان وحش لا ملاك, فصرخَتْ :
- كل هذا العناء كي تتحول إلي داعر?..
فقلت لها أن الدعارة هي الشيء الوحيد
الصادق والأصيل في هذه البلاد وهي العمل الوحيد الذي يمارسونه بكفاءة ومهارة
واحتراف واقتدار.
نظرت إلي بازدراء فأردفت صارخا :
- إنها مهنة الحكام والسادة . . . كل الحكام و
السادة.
قالت في يأس :
- يا حيوان يا وحش يا داعر. . .
ولم أكن ساخرا كما ظنت حبيبتي حين رحت
أقول :
- ما أبدع الإنسان وما أعظمه !! الملاك ملاك
والشيطان شيطان والذئب ذئب والكلب كلب والبقرة بقرة والثور ثور والبغل بغل والحمار
حمار والفهد فهد والأسد أسد و الأفعي أفعي و ...و ....و .... ولا أحد منها يستطيع
أن يخرج عن طبيعته, أما الإنسان فيستطيع أن يكون ملاكا أو شيطانا أو ذئبا أو كلبا
أو بقرة أو ثورا أو بغلا أو حمارا أو فهدا أو أسدا أو أفعي ... أو ... أو يستطيع
أن يكون مزيجا منها مع اختلاف النسب.
***
ف
قال لي مدير البنك ناصحا بعد أن انفرد
بي:
- السادة أمثالك لا يحتفظون بكل
ملايينهم هنا . . يمكنني أن أساعدك.
***
ق
نثرت الدولارات والينات والشيكلات بين قدمي
حبيبتي, صففتها حتي غطت المكان, فمدت حبيبتي يدها وتلت تعويذة سرية فإذا بالنقود
صحيفة بيضاء أخذت تتشكل عليها خرائط أوطاننا, واستحال اللون الأخضر إلي لونين أخذا
يتبادلان ما بين الأحمر والأسود حتي ظننت بعيني الظنون, ومدت حبيبتي يدها الأخري
تم تلت تعويذة سحرية فاذا بخرائط الأوطان تتمزق : أكبر مزقة منها بمساحة دولار فصرخَتْ باكية:
- هل رأيت ?.
قلت :
- لا أري .
***
ك
نائبي الحقير وشي للسلطان بي, فأشفع دعوته لي
علي مائدته العامرة بدعوة لحبيبتي.
حبيبتى..
حبيبتى..
رفضتْ..
تمنعتْ..
حذرتنى..
تنبهت
للخطر و أنا أقدّم الملاك في وليمة للشيطان..
لا.. بل قبلها..
أستطيع أن أخدع الناس جميعا و أدعى أنني
لم أكن أعلم ما سيحدث لكن أنّى لى أن أخدع نفسي..
لن أدّعي أبدا أنني لم أكن أعرف ما يحدث أو أنني
لم أكن أتوقع ما سيحدث, حزرت كل شيء, لكن نائبي الحقير لم يفهم مدي حذري ممن يرجي
خيره ولا يؤمن شره, وأنه لا يوجد في الدنيا شيء ليس له ثمن، ولا توجد تضحية يمكن
لمثلى أن ينكص عنها.. .
***
ل
أخون من ذئب..
قال لمولاي:
- من يبيع حبيبته اليوم يبيعك غدا.
انقلب مولاي عليّ فلم أجن ثمار تضحيتي
بحبيبتي.
لم تشرق شمس الوجود اليوم فشفتا مولاي
لم تتبسما حين طالعت سحنتي محياه الكريم, وتوقفت موجات الصوت عن السريان في الأثير
حين لم يهاتفني اليوم سائلا عن آخر طرفة.
جمد الوجود ولم يعد إلا رجع الصدي لصراخ
حبيبتي و هي تستغيث وتصرخ قبل أن تُستشهد:
- ما أفجر الإنسان ما أكفره .
وكنت أتمني في سريرتي أن تعبر المحنة
صامتة فليست الفضائح ما يحدث بل ما يعرف .
***
م
تلقاني شيخي ببشر لم أتوقعه فارتبكت فإذا به يقول مبشرا:
- يثاب الإنسان رغم أنفه !!.
عزاني في حبيبتي فأحسن العزاء . ثم طالعني بعين
تدمع والأخري تضحك قائلا:
- أبشر بالفرج !!.
***
ن
يقاطعني الندماء والخلان ... كلما لقيت واحدا
منهم يَزْوَرُّ عني غاضبا:
- هل أنا ديوث وداعر ولا كرامة لي وكل
شئ يباع بعد تحديد الثمن .
فأرد يائسا:
- لم أقل ذلك .
فيتفرس الواحد منهم في وجهي بغضب :
- ألم أكن ماثلا في خيالك و أنت تكتب
مقالتك الأخيرة?
- لا أكتب إلا ما يحدث في الواقع .
- بل تقصدني وتقصد أولياء نعمتك .
- أكتب عن جرائم تحدث فعلا ..
- لكنك تدس فيها سمومك .
- لا أكتب إلا عن جرائم الجنس, لا أكتب حتي عن
جرائم السياسة.
- ليس المهم نوع الجريمة, ولكن كيف
تتناولها وتفسرها وتدس السم فيها.
- لا أكتب إلا عن الدعار والداعرات . . .
فينصرف عني . . . . .
***
هـ
نائبي الخسيس قابلني اليوم بوجهه القديم :
- كبير الحراس يطلبك .
ارتعدت فرائصي وارتعب قلبي وانهد في
داخلي شئ فقلت محاولا التماسك من حلق جف :
- لماذا?? .
فأجاب شامتا وساخرا :
- خمس دقائق . . . فنجان من القهوة.
***
و
- إلا الملك .. إلا الملك يا صعلوك يا ابن
الرعاع .. اكتب عن من شئت وعما شئت لكن إلا الملك ..ألم أقل لك ذلك .
صرخت :
- أقسم .. .. ما فعلت سوي ما أمرتني . .
. .
- يا بن المستفرمة عجم الزبيب: مقالاتك
المباشرة كانت أهون شأنا, كل هذا عن مولاك وسيدك ? .
- أقسم ما كتبت عنه وما قربته.. وكل ما كتبت كان
عن سواه .
- بل لم تكتب عن سواه .
***
ي
والسياط تنهال علي جسدي العاري واجهني وجه
حبيبتي تغسله دموع وتهمس :
- إذا ذلّ مولي المرء فهو ذليل .
والرصاص ينطلق نحوي رأيت وجه حبيبتي
مشرقا وهي تهمس :
أرأيت كم أنه هين ...ذلك ما كنت عنه تحيد ...
ثم خالط الإشفاق حنان وهي تواصل الهمس :
- تدنس ثوبك فاخلعه . . !!
و أخذت انظر إليها فإذا بوجهها مرآة و إذا بوجهي
وجهي . . . .
وشعرت أنني أخف و أشف فأطير والألم يتلاشي
ويتلاشي حتي ينمحي..
فانطلقت أصدح وأغني .. ...
***
***
تعليقات
إرسال تعليق