في ظلال السيرة المقدمة 1
في ظلال
السيرة
المقدمة 1
د محمد عباس
أذوب
حتى أكاد أتلاشى كلما صافحت عيناي الآية:
وَمَا
قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) الزمر.
وتستبد
بي الدهشة كلما قرأت الحديث النبوي
الشريف:
"
ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة و فضل العرش على الكرسي
كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ".
صححه
الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 174 : سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ
الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني
وقد
ورد الحديث بصيغ أخرى لم يصححها الألباني وسند معظمها ضعيف وإن كان المعنى صحيحا،
ومجمل تلك النصوص أن السماء الأولى بالنسبة للسماء الثانية كحلقة في فلاة وأن السماء الثانية هي كحلقة في فلاة بالقياس
لحجم السماء الثالثة ، وأن السماء الثالثة في السماء الرابعة كحلقة في فلاة ، وأن السماء
الرابعة كحلقة في فلاة بالقياس للسماء الخامسة ، وأن السماء الخامسة مقارنة
بالسماء السادسة كحلقة في فلاة وهذه بدورها كحلقة في فلاة نسبة للسماء السابعة .
فهل يقتصر الأمر على هذا
الهول كله..
لا والله..
فالسموات السبع كلهن لا تمثل
بالقياس إلى الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة !!!..
يا اللــــــــــــــه
كيف استطاع الصحابة رضوان
الله عليهم أن يؤمنوا بذلك كل هذا الإيمان في ضوء القدر المتيسر من علوم الفلك
آنذاك.. كيف استطاعوا.. وأي إيمان كان.. وأي بشر فوق مستوى البشر.
أسأل نفسي: لو أن جيلنا
الحالي كان مكانهم.. هل كان سيؤمن منا أحد؟.. فإن كان.. فكم؟!..
سبحانه ..
وَمَا قَدَرُوا
اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ..
" ما السموات السبع في الكرسي إلا
كحلقة ملقاة بأرض فلاة و فضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة
" .
سبحانه..
***
سبحانه
فلنحاول الآن باختصار شديد
جدا وبتبسيط بقدر الإمكان أن نفهم معنى ذلك.. بأن نتصوره من خلال تصور عكسه..
لنواجه في ذهول من طمس الله على قلوبهم فنسألهم:
هل يمكن أن يكون هذا الكون بدون إله؟
فلنعمل عقلنا إذن..
فليس من المعقول أبدا أن يكون هذا العقل
المطلق موجودا ثم لا يتصل بمخلوقاته الوحيدة العاقلة عبر رسول..
***
لكل رسول مرسل..
وبين المرسل والرسول رسالة..
ولكل رسالة كتاب..
إن التلازم بين المرسل والرسول والرسالة
أمر بديهي تدركه الفطرة السليمة على الفور.
وكلما ازداد ذكاء المرء وصفائه وتجرده..
(أو صفائه وتجرده حتى بدون ذكاء) أدرك ذلك التلازم.. بداية من الصورة الصريحة
المباشرة التي نطق بها لسان الفطرة عند الأعرابي عندما سُئل عن دليل وجود الله ؟
فقال: البعرة تدل على البعير .. والأثر يدل على المسير.. فسماء ذات أبراج .. وأرض
ذات فجاج .. ألا تدل على العليم الخبير.. وليس نهاية بالصورة المركبة المعقدة التي
تشمل أحدث ما وصلت إليه نظريات العلم كالنسبية والكم والانفجار العظيم.
***
إن موقف الإنكار الكلي الذي ساد في بعض
عصور الإغريق وازداد في القرون الثلاثة الأخيرة قبل القرن العشرين قد تداعى مع
الاكتشافات العلمية بعد ذلك.. أما عن مشركي العرب فلم يصلوا إلى درجة الإنكار
الكلي..” وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّا يُؤْفَكُونَ" (61) العنكبوت.
درجة الإنكار الكلي غباء مطبق تضع من يقول
بها في مرتبة الحيوانات العجماء بل أقل.
وَلَقَدْ ذرأنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ
الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ لا
يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا
يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ
الْغَافِلُونَ (179)الأعراف
***
إنكار وجود الله حماقة لم تعد تحتاج إلى
من يدحضها.. لأنها لا تدل إلا على الغباء والحماقة..
ولنضرب مثلا كي نوضح الصورة..
إذ ماذا يمكن أن نقول إذا ما فوجئنا
بإنسان ينكر وجود دولة اسمها أمريكا في
هذا العالم، فيقرر أن يمحو اسمها من كتب التاريخ والجغرافيا، ثم لا يكتفي بذلك بل
ينظر بعين السخرية والاتهام إلى من يؤكد وجودها؟!.
وماذا يمكن أن يحدث لو فوجئنا بإنسان آخر، يقر
كارها ومضطرا إزاء الدلائل بوجود أمريكا، لكنه يجهل كليا كيفية التعامل معها، فلا
يعرف كيف ينال مودتها أو كيف يتجنب عداوتها، لذلك فإنه يقرر أنه برغم اعترافه
بوجودها إلا أنه لا يستطيع إخضاع هذا الوجود أو تفسيره بمنطقه، لذلك فسوف يمارس حياته كما لو كانت غير موجودة؟!..
وكيف نواجه ثالثا يعترف بوجودها لكنه ينفي أي تأثير لها على هذا العالم وهو ما
يجعل وجودها وعدم وجودها سواء..
من يتبنى أي موقف من هذه المواقف سيجد
نفسه منضما من الناحية العملية إلى الآخر ، الأول ينفى وجودها وبالتالي تأثيرها،
والآخر يعترف لكنه يجهل كيفية التعامل معها فيتجاهل وجودها.. أما الثالث فيدعى أن لا تأثير لها ولا تدخل في هذا العالم.
والآن، لندلف على الفور إلى ما يرمز إليه
المثال، ولنرفع اسم أمريكا ولنضع اسم الله جل جلاله، إن الفئة الأولى تمثل
الملحدين، والفئة الثانية والثالثة تمثل قصورا عجيبا في العقل يلغي من الوجود ما
لا يفهمه بدلا من السعي إلى فهمه.
***
يحدثنا وحيد الدين خان في كتابه القيم :
الإسلام يتحدى" أن نيوتن .. مكتشف قانون الجاذبية .. تحدث عن اكتشافه قائلا:
" إنه لأمر غير مفهوم أن نجد مادة لا حياة فيها ولا إحساس وهى تؤثر على مادة أخرى،
مع أنه لا توجد أي علاقة بينهما"..
لكن عدم الفهم هذا يدفع للفهم والاستنباط
والقياس..
هل ينكر أحد قانون الجاذبية؟!..
الجاذبية.. تلك النظرية المعقدة غير
المفهومة.. نعتبرها اليوم – جميعا – حقيقة علمية بلا جدال..
لماذا ؟!..
لأنها تفسر بعض ملاحظاتنا ..
ليست الحقيقة العلمية إذن هي ما علمناه
مباشرة بالتجربة.. بل هي اعتقاد يقيني في وجود حقيقة لا نراها تربط وتفسر ما
نراه..
كيف يمكن لإنسان القرن الحادي والعشرين أن
ينظر إلى إنسان لا يؤمن بنظرية الجاذبية..
الحقيقة التي لا نراها ولكنها تربط وتفسر
ما نراه ..
ماذا تطلقون على الكافر بها والذي يعلن
أنه لن يؤمن بها إلا إذا رآها..
ماذا تطلقون على الأحمق الذي يرفض الربط
بين تجلياتها وظواهرها ونتائجها..ويعتبرها غيبا يتنافى الإيمان به مع المنهج العلمي..
أي قدر من الاتهامات الهائلة يمكن أن
نواجه به هذا الأحمق..
يغفر لي الله تجاوزي إن أنا
استبدلت كلمة الله بكلمة الجاذبية..
هب أن واحدا من الذين اشمأزت قلوبهم قال: أنا لا أومن بقانون الجاذبية ، أو
حتى قال : أنا أومن به كأمر واقع لكنني ما دمت لا أفهمه لن أرتضى أحكامه.. سوف
أعقب عليها.. سوف أسقطها وسأصنع قانوني الخاص الخاضع لتجربتي العملية..
هبوا أن ذلك الرجل الزى قرر ألا يتحكم
قانون الجاذبية فيه خرج إلى شرفة بيته.. في
الطابق العاشر أو العشرين.. ثم قرر أن يتحدى القانون الذي لا يفهمه.. فخطى في
الهواء ليمشى – ضد قانون الجاذبية -نحو السحاب..
ماذا سيحدث؟!..
لن يموت على الفور..
سوف تكون هناك ثوان يسقط فيها..
في هذه الثواني سوف يرى ما لم يره أبدا..
وسوف يحس بما لم يحس به أبدا..
ما بين التحدي والهلاك ثوان.. ليست كمثلها
ثوان..
***
لو أن واحدا منا.. قال لنفسه أنه لا يؤمن
بالله.. أو كتبه أو رسله أو اليوم الآخر.. ولو أنه قرر أنه حتى وإن آمن فإنه لا
يفهم.. ومن أجل ذلك سيسقط أحكام الله.. سينشئ أحكامه الخاصة الخاضعة لمنطقه.. هبوه
فعل ذلك.. ثم انطلق في حياته يمنطقها بمنطقه.. وهو يظن أنه بين السحاب يوشك أن
يمسك النجوم..
هذا التعيس.. في هذه اللحظة.. يكون قد بدأ
سقوطه.. سقوط يستمر أربعين أو خمسين أو ستين عاما..
فما أربعون أو خمسون أو ستون عاما إزاء
الأبد..
أهي أكثر من ثوانِ؟؟!!..
ثوان .. نسقط فيها من أرحام أمهاتنا ..
فيلتمع الضوء لحظة .. ثم نسقط في غياهب القبور..
أوَتنكرون علىّ إن قلت لكم أن عمر أي واحد
فينا إزاء الخلد القابع في الغيب.. ليس إلا لحظة كمثل تلك اللحظة وثوان كمثل تيك الثواني؟!..
ثوان يتبعها الخلد أبدا .. إما في جحيم
وإما في نعيم ..
***
نحن مأمورون أن نتدبر بعقولنا.. ولكي يجد
عقلنا ما يعقله فلن يكون أمامنا في البداية إلا الكتاب..
لأن صدق الكتاب يدل بداهة على صدق الرسول
ووجود المرسل..
فإذا تأكدنا تأكدا لاشك فيه فسوف يكون على
العقل أن يدرك قصوره ويترك لباقي الملكات الإنسانية دورها في اكتشاف
الإعجاز والإيمان به.
لأن إهمال العقل في موضعه حماقة واستعماله
في غير موضعه صفاقة!
***
ماذا يفعل أي واحد فينا إذا ما مرض؟!
سيلجأ إلى طبيب يداويه.. وسيكون حريصا على
اختيار هذا الطبيب مستعينا بكل أدلته العقلية وخبراته وتجاربه.. ثم سيذهب بعد ذلك
إلى هذا الطبيب الذي وثق به.
إن الثقة بالطبيب سبقت ذهابه إليه بل هي التي
دفعته نحوه.
قبل الذهاب إلى الطبيب كان إعمال كل ملكات
العقل ضرورة لا غنى عنها ولا بديل..
أما بعد الذهاب ومباشرة الطبيب علاجه بأية طريقة شاء.. هل من العقل
أن يواصل المريض استعمال عقله؟!!
هل سيناقش الطبيب في كل خطوة يخطوها؟ في
كل قرص دواء يكتبه؟ هل من حقه – عقلا – أن يقول للطبيب أنه يقبل أقراص الصباح لكنه
يرفض أقراص المساء
فأي امتهان للعقل لو فعلنا ذلك.. وأي
توظيف له في غير محله.. لكننا نستدرك فنقول أن هذا ليس تغييبا للعقل بل تكريما
له.. ليس انسحابا منه..
إعمال العقل إذن ضرورة لا غنى عنها في
مجاله.. أما إعماله في غير مجاله فليس سوى حماقة لا تفوقها حماقة.. ولن تعود
بالضرر على أحد سوى من يخطيء الحساب..
***
لقد سقنا مثالنا حتى الآن في إطار واقعي
ومجسد..
فلننتقل خطوة إلى الأمام لننتقل به إلى
مثال رمزي ومجرد..
ولنفترض من أجل تلك الخطوة الواسعة ما لا
يحدث في الواقع.. مثل أن تكون الثقة في الطبيب كاملة واليقين به مطلقا وأن تكون الثقة
بالشفاء لا شك فيها.
هل سيعوقنا ساعتها عن الاستمرار في العلاج
دواء مهما بلغت مرارته.. أو عملية جراحية مهما بلغت معاناتها؟!..
ثم نعود إلى العقل في إطار مثل المريض
والطبيب.. هل يعنى حجبنا إياه عن الجدل الجاهل مع الطبيب أننا غيبناه؟..
ثم.. هل يعنى ذلك أنه فقد دوره وأهميته
وقيمته..؟!
لا..
ففي حدود المثل يبقى له أن يتأمل طول
الوقت براعة الطبيب وعبقريته ومعجزاته في علاجه..
يبقى له أن يتأمل في انبهار مدى حكمة
الطبيب عندما أخفى عنه ما أخفى.. وعندما صرح بما صرح.. وعندما أصر على مواصلة
العلاج حتى عندما كانت الظواهر والأعراض لا تبشر..
يبقى له أيضا أن يتأمل .. وأن يحاول أن
يتعلم.. لماذا اختار الطبيب هذا الدواء ولم يختر ذاك.. لماذا اختار العملية
الجراحية وليس الإشعاع.. أو العكس.. عليه أن يتأمل و أن يستنبط في وجد لا حد
لعذوبته كلما حل مسألة أو اجتاز مشكلة أو فهم معضلة..
فإن كان عقله على مستوى الإدراك الذي
يجعله يفهم فبها ونعمت.. وإن غمّ عليه الأمر
واحتاج إلى معونة فإن عليه أن يلجأ إلى عالم ليعلمه.. إلى عالم .. وليس إلى
عدو أو سمسار أو جاهل..
قمة عقل المريض أن يدرك أنه لا من حقه ولا
هو يستطيع أن يحكم على عقل الطبيب بعقله.
***
انتهى ضربنا للمثل.. وندلف على الفور إلى
بيت القصيد..
إذ أننا في حديثنا عن السيرة النبوية إنما
نتناول فيما نتناول منهج تفكيرنا الذي يختلف كليا عن منهج تفكير أعداء الله..
بالنسبة لهم فما هي إلا الحياة الدنيا..
أما نحن فالوضع عندنا مختلف.. والآخرة أشد حضورا و أكثر أهمية من الدنيا بما لا
يقاس..
من أجل هذا فلابد أن تكون أسئلتنا الأولى:
هل نحن مؤمنون؟: هل نؤمن بالله؟ أم لا نؤمن؟.. ثم هل نحن مسلمون؟ هل نؤمن
بأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه صدقنا فيما بلغنا به عن ربه و أن
القرآن من عند الله..
فإن كانت الإجابة نفيا كما هو الحال
بالنسبة للصهاينة والصليبيين والشيوعيين والعلمانيين فليس لنا ثمة سيطرة عليهم..
وليس هناك مشكلة ملحة..
وإن كانت الإجابة إيجابا فليس ثمة مشكلة
أيضا.. فسوف يكون نبراس المؤمنين بل المسلمين جميعا: إن كان قالها فقد صدق..
المشكلة تأتى من أولئك الصهاينة
والصليبيين والشيوعيين والعلمانيين الذين تسللوا إلينا كطابور خامس يلبسون رداءنا
ويتحدثون لساننا ويدعون إيمانا كإيماننا فإن أردنا أن نحكم عليهم بإيمان يدعونه
هاجوا وماجوا وأرادوا أن يكونوا الخصم والحكم.. نعم.. فالأمر ليس أمر غزو فكرى .. إنه أشبه
بالاحتلال الاستيطاني الذي يدرك أن لا بقاء له في البلاد التي غزاها إلا بإبادة
أهل البلاد الأصليين عن بكرة أبيهم..
إنهم يدعون المنطق بينما هم يخاصمونه..
ويزعمون الموضوعية ثم يقاطعونها.. بل ولا يتورعون عن أشد درجات التزوير في العلم
كي يسوغوا انحرافاتهم وأباطيلهم. وغير بعيد أنهم قاموا بعمليات معقدة بتركيب فك
قرد على جمجمة إنسان ثم طمروها وادعوا العثور عليها واكتشافها كحلقة متوسطة في
تطور القرد إلى إنسان.. وقد اعترف العالم المزور بذلك بنفسه. ولقد جهلوا أو
تجاهلوا أن القضية لم تكن فقط نشوء الحياة على الأرض..فكرسوا كل جهودهم لينسبوا
للصدفة العمياء ملايين المصادفات التي أدت في النهاية إلى خلق الإنسان بالصدفة.
تجاهلوا وجهلوا أن الأمر لا يتعلق بالأرض فقط بل بالكون الواسع الهائل كله في
منظومة لو اختل جزء فيها لسقطت السماء على الأرض.
إن الأمر هزل لا يحتمل مناقشته بجدية..
إنه يشبه تناول حجر في منتصف ناطحة سحاب .. ومحاولة إيجاد نظريات لتفسيرات وجوده
معلقا في الهواء مع إهمال كلي لكونه جزءا من منظومة ناطحة السحاب.
لم تكن المشكلة في الأرض.. فما الأرض
بالنسبة للكون إلا حلقة في فلاة.
***
أذوب حتى أكاد أتلاشى كلما صافحت عيناي
الآية:
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ
بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)
الزمر.
وتستبد بي الدهشة كلما قرأت الحديث النبوي الشريف:
" ما السموات السبع في الكرسي إلا
كحلقة ملقاة بأرض فلاة و فضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة
".
***
لا
يكاد يستوعب العقل مدى اتساع الكون.. ولا
يكاد يستوعب أنه رغم اتساعه لا يكف عن التوسع.. وبسرعة تقترب من سرعة الضوء.. أحدث النظريات العلمية التي تفسر كيف خلق الله
هي نظرية الانفجار العظيم.
يقول
ستيفن هوكنج-أشهر علماء الفلك في القرن العشرين-في كتابه تاريخ أكثر إيجازا للزمن-
دار العين. أن الكون بدأ في لحظة ما منذ 13.4 بليون سنة حيث كانت المسافات كلها
تساوي الصفر والكتلة لا نهائية ليبدأ الانفجار العظيم ويتغير كل شيء في كوننا
المنظور..لأن القوانين التي كانت سائدة قبل الانفجار لا تنطبق على ما بعده والعكس
صحيح.. وبهذا يضع هوكنج حدا رياضيا لحدود العقل البشري. وللدكتور محمد الحسيني
إسماعيل كتب قيمة جدا في نفس الاتجاه.. حيث يبرهن على وجود الله بالمعادلات
الرياضية البحتة..(راجع مثلا : - الحقيقة
المطلقة الله والدين والإنسان وأيضا كتاب الدين والعلم وقصور الفكر البشري-مكتبة
وهبة.
ويقول الأستاذ الدكتور زغلول
النجار في مقال بعنوان" إشارات قرآنية في نشوء وتمدد الكون:
إن
ما جاء في كتاب الله العزيز لا يمثل إلا لمحة في كيفية نشأة الكون المتطور وتمدده
والتي لم يشهدها غيره سبحانه. لقد لوحظ إن بعض النظريات الفلكية والجيولوجية تقترب
إلى حد ما مع ما ورد من الآيات القرآنية من حيث حقيقة عدد ومواقع ومعاني الكلمات
المطلقة بكل تفصيلات الوقائع المادية ذاتها وحركتها وقوانينها بقوله تعالى في
" سَنُريهم آياتُنا في الآفاقِ وفي أنفُسِهم حتى يتبينَ لَهُم انهُ الحقُ أو
لَم يكفِ بربكَ انه على كل شيءٍ شهيد " (سورة فصلت:53) .
***
لم
تكن المشكلة مشكلة الأرض فقط..
ولا
كانت مشكلة الإنسان فقط..
بل
كانت مشكلة تفسير هذا الكون بالغ الاتساع الذي سخره الله سبحانه كي يكون مناسبا
لحياة الإنسان على الأرض في منظومة تتصل ولا تنفصل.
نعم..
كون بالغ الاتساع..
فليتخيل
كل واحد منا مدى اتساع مدينته.. وكيف أن وطنه مترامي الأطراف.. وأن الأرض كبيرة
جدا وهائلة جدا للدرجة التي جعلت مناطق شاسعة فيها لم تطأها أقدام بشر.. ومع ذلك
فإن هذه الأرض صغيرة جدا ولا تكاد تذكر إزاء حجم الكون.
إن
الأرض الشاسعة الواسعة موطن الإنسان
وبيئته ليست في حقيقة الأمر إلا كوكبا
سيارا صغيرا من أحد عشر كوكبا تدور حول نجم الشمس وهناك بلايين الشموس أو النجوم
في مجرتنا التي هي واحدة من بلايين المجرات مثيلاتها في كون فسيح إلى حدث يصعب
تصوره وتخيل مداه.
***
في
حياتنا الأرضية اليومية نحتاج إلى أدوات ومصطلحات ولغة معينة لا تصلح في غير هذه
الحياة اليومية. إنني أقصد المعنى المباشر الذي سنتناوله في الفقرة التالية على
الفور . كما أقصد المعنى غير المباشر. وأعنى به أن السيرة غير التاريخ.. وأن
النبوة غير البطولة..وأننا نحتاج إلى أدوات أخرى تعيننا على دراسة وفهم السيرة
النبوية.
***
في
حياتنا الأرضية البشرية يعتبر "المتر" مقياسا مناسبا لحاجاتنا على
الأرض. ولو قسمناه إلى مائة قسم ينتح عندنا السنتمتر الذي هو مقياس يفيدنا كثيرا
في الاستعمالات اليومية . وكذلك لو قسمنا السنتيمتر على عشرة مرفوعة للأس8 (مائة
مليون) لحصلنا على قطر نموذجي للذرة... ولو ضربنا السنتيمتر في نفس العدد (مائة
مليون) لحصلنا على قطر القمر. ولو ضربنا قطر القمر بنفس العدد (مائة مليون) فإننا
نحصل على حوالي قطر النظام الشمسي.. ومرة
أخرى لو ضربنا قطر النظام الشمسي بنفس هذا العدد لوصلنا إلى أقرب جار كوني لمجرتنا.. فهل يمكن أن
نقيس المسافة بين الشمس والأرض أو بين المجرات بالمتر؟
***
وكذلك
يعتبر "الكيلوجرام" مقياسا إنسانيا أرضيا ممتازا. ولو قسمناه على ألف نحصل على الجرام الذي هو مقياس مخبري نموذجي..
فلو قسمنا الجرام على (واحد وأمامه ثلاثة وعشرون صفرا) فإننا نحصل على كتلة ذرية نموذجية.
ولو بدلا من ذلك ضربناه بنفس العدد نحصل على ما يقارب كتلة أصغر
قمر طبيعي في النظام الشمسي.. فإذا ضربنا الناتج هذا بنفس العدد مرة أخرى نحصل على
ما يقارب كتلة مجموعتنا المحلية من المجرات.
***
والإنسان الذي يدرس الكون- تماما كالإنسان الذي
يدرس السيرة- مضطر لتغيير قيمه ومقاييسه
إلى هذه الحجوم والكتل الهائلة التي لا يستطيع أن يجد لها تشبيها معقولا يساعده
على تصورها وفهمها. (الكون والثقوب
السوداء- رؤوف
وصفي -عالم المعرفة -العدد 254)
***
ولكي نتصور حجم الكون فدعونا نسترجع
المسافة بين القاهرة وبعض المدن الكبرى. فالمسافة بين القاهرة ونيويورك 9042
كيلومترا.. وبين القاهرة وطوكيو 9419 كيلومترا وبين القاهرة وباريس كندا 9312
كيلومترا وبين القاهرة وباريس فرنسا 3213 كيلومترا وبين القاهرة ولندن 3498
كيلومترا وبين القاهرة وبكين 7378 كيلومترا. ولكن استرجاع المسافات بهذه الطريقة
أمر مجهد ويمكن أن يتسبب في التباسات عديدة.. من أجل ذلك فقد تعود الناس أن يحسبوا
المسافة بالساعات.. ولكي يفعلوا ذلك فقد تصوروا طائرة تسير بسرعة ثابتة مقدارها
ألف كيلومتر في الساعة.. وبمثل هذه الطائرة فإننا نستطيع حساب المسافة بالزمن
فنقول أن المسافة بين القاهرة ونيويورك تسع ساعات.. ومثلها تقريبا لطوكيو.. وخمس
ساعات –تقريبا- لباريس ولندن.. وهكذا دواليك.
***
المسافة
بين الأرض والشمس 150,000,000كيلو متر، فلو أننا ركبنا ذات الطائرة التي تطير بسرعة 1000كيلو متر
في الساعة فإننا بذلك سنحتاج إلى أكثر من 150,000 ساعة طيران أي 6250يوم أي 209شهر
أي أكثر من 17 سنة من الطيران المتواصل وبدون توقف حتى نصل إلى الشمس !!!
الكيلومتر إذن مقياس ضئيل جدا لقياس
المسافة بين الأرض وبين الشمس.. وكذلك فإن الساعة لا تصلح كمقياس زمني.
ولما
كانت سرعة الضوء هي 299,792كم في الثانية، فإنه يقطع المسافة من الشمس إلى الأرض
في مدة 8 دقائق و20 ثانية. فعندما تفلت مركبة فضائية من قوة جذب الأرض، فإنها
تنطلق بسرعة 40,200كم في الساعة. وإذا أمكنها الاحتفاظ بهذه السرعة طوال رحلتها
إلى الشمس دون أن تحترق، فإن رحلتها تستغرق 154 يوماً، أو ما يزيد قليلاً على خمسة
أشهر.
وتماما
كما ترجمنا المسافات بين المدن إلى ساعات زمنية فقد اصطلح على قياس المسافات
الكونية بالزمن كأن نقول أن المسافة بين الأرض والشمس ثماني دقائق ضوئية.
ولكن
هذه المسافة شيء لا يكاد يذكر مقارنة بالمسافات الشاسعة في الكون. ولو تأملنا
المسافات التي تفصلنا عن النجوم التي تحيط بنا لوجدناها مسافات هائلة الكبر لدرجة
لا يتصورها عقل بشري إلا بالأرقام. فأقرب نجم لكوكبنا(غير الشمس) يبعد عنا أكثر من أربع سنوات
ضوئية، أي أن الضوء الصادر من هذا النجم يستغرق أكثر من أربع سنوات ضوئية لقطع
المسافة من هذا النجم باتجاه الأرض(الثانية الضوئية 300000 ثلاثمائة ألف كيلومتر)فتخيلوا
معي كم تبلغ المسافة التي يقطعها الضوء في
أربع سنين.. ولمزيد من توضيح هذا الأمر.. فلو أننا عدنا إلى مثل الطائرة التي تسير
بسرعة ألف كيلومتر في الساعة وركبناها كي نسافر إلى أقرب النجوم إلى الأرض
لاستغرقت رحلتنا زمنا من الطيران المتواصل قدره مئة وتسعة وتسعون ألف 199،000 سنة
من الطيران المتواصل.
***
نعم
.. ما أوسع الكون..-
يقول الأستاذ عامر أبو سمية في كتابه
الإليكتروني "أما آن لك أن تعتنق
الإسلام"[1]
الأرضُ التي نعيش فوقها تُمثِّل قطرة ماء
في محيط عظيم , أو حبَّة رمل في صحراء شاسعة !, لا بُدَّ لنا إذن أن نختار وحدةً لقياس مسافاته الهائلة . هذه
الوحدة ليست هي الكيلومتر ؟ ولا الألف كيلومتر ؟ بل ولا المليون كيلومتر ؟ أبدًا ! إنَّ المسافات بين النُّجوم لا يكفي
لقياسها حتَّى المليون كيلومتر , إذ لا
بُدَّ من مليون المليون ! ذلك أنَّ أقرب نجمٍ إلينا بعد الشَّمس , وهو ما يُسمَّى
بالفرنسيَّة Proxima Centauri
والذي ينتمي إلى النِّظام المتعدِّد النُّجوم Alpha du
Centaure , يَبعدُ عنّا حوالي 41 ألف مليار كيلومتر
!! نعم , هذا أقرب نجم ! فَما بالُك ببقيَّة النُّجوم ؟! لذلك , اتّجهَ العلماء في
حساب المسافات الفلكيّة إلى استعمال سُرعة الضّوء التي تبلغ 300 ألف كلم في
الثَّانية . لكنّ هذا الرَّقم , على كِبَره , غير كافٍ أيضًا ! فوقع الاتِّفاقُ
إذًا على السَّنة الضَّوئيَّة , وهي المسافة التي يقطعُها الضَّوءُ في سَنة من
الزَّمن , كَوحْدة للقياس . السَّنة الضَّوئيّة = 9.5 ألف مليار كيلومتر .
وعلى هذا , فَعِوَضًا أن نقول أنَّ
المسافة التي تَفصلُنا عن الشمس هي مائة وخمسون مليون كيلومتر فإننا نقول
أنها ثماني دقائق .. وبدلا من أن نقول أن
المسافة بين الأرض و النَّجم Proxima Centauri هي 41 ألف مليار كلم , نقول أنَّها تساوي حوالي 4.3 سَنة ضوئيَّة
, أي أنَّ هذا النَّجم يبعد عنَّا مسيرة 4.3 سَنة بسرعة الضَّوء , أي أنَّه لو
أرسلَ إلينا شُعاعًا من نُوره لَوَصل إلينا هذا الشُّعاع بعد 4 سنوات وثلاثة أشهر
ونصف تقريبًا !.. وبما يعني أنه لو انفجر واختفي من الوجود فلن نعلم إلا بعد 4 سنوات وثلاثة أشهر ونصف. إن الأمر يشبه أن
يراسلك صديق في الخارج من مكان يستغرق وصول الخطابات منه أسبوعا. فإنك لن تعرف
بحدوث أي خبر يخبرك به إلا بعد أسبوع من حدوثه. فإذا مات هذا الشخص فإنك لن تعرف
إلا بعد أسبوع من موته(زمن وصول الخبر).
***
ما أضخم الأرض..
بل ما أضأل الأرض!
إنها ليست إلا حلقة في فلاة..
إن
قطر الأرض يبلغ 12756 كيلومتر
أما قطر الشمس فيصل إلى 1.4 مليون كيلومتر.. وأن الشمس تتسع لاحتواء مليون كرة
أرضية بداخلها.. فما أضخمها وما أضألها..
حلقة في فلاة!.
***
وبمقارنتها
بالنجوم الأخرى، تُعد الشمس متوسطة الحجم ، فهناك نجوم تبلغ أقطارها 1000 مرة قدر
قطر الشمس.
ولضخامة
كتلة الشمس فإن قوة الجذب على سطحها تزيد كثيراً على قوة الجذب على سطح أي كوكب.
لذلك فإن الأجسام تزن فوق سطحها أكثر مما تزن فوق أسطح الكواكب. فالإنسان الذي يزن
مثلاً على سطح الأرض 45 كجم، يصل وزنه إلى 1,270 كجم على سطح الشمس. ولنلاحظ هنا
العلاقة بين حجم الأرض وقوة الجاذبية ووزن الإنسان وعلاقة ذلك بقدرته على الحركة
والحياة وأن أي اختلاف في أي جزئية كان يمكن أن تمنع إمكانية الحياة من الأساس.
***
وتنتمي
المجموعة الشَّمسيَّة إلى مجموعة أخرى أكبر منها بكثير تسمَّى مَجَرَّة دَرْب
التّبَّانة (Voie Lactée) , ويُسمِّيها البعضُ مَجَرَّة طريق اللَّبن
.
ويبلغ طولُ هذه المجرَّة حوالي 100 ألف
سنة ضوئيَّة , وارتفاعها حوالي 10 آلاف سنة ضوئيَّة ! ولكن مجرة درب التّبَّانة ,
ليست سوى حلقة في فلاة !, فالجزءُ مِن الكون الذي تَوصَّل العلماءُ اليوم إلى
اكتشافه بواسطة مَراصدهم العملاقة , يحتوي على ملايين المجرَّات !
والمدهش أكثر أنَّ المسافة بين هذه
المجرَّات تُقدَّر بملايين السِّنين الضَّوئيَّة ! وهذا يعني أنَّ الكون ,
بالرَّغم من احتوائه على مليارات المليارات من النُّجوم , إلاَّ أنَّه فارغٌ
بأتمِّ معنى الكلمة ! وأنتَ عندما تَستلقي على ظهرك تتأمَّلُ السَّماء , في ليلةٍ
ظلماء لا يَشوبُها سحاب , تُشاهد حشدًا هائلا من النُّجوم , فتظنُّ أنَّ الكون
مُزدحم . لكنَّ الحقيقة أنّك لو ركبتَ مثلا مركبةً فضائيَّة لِتَنْقُلَكَ من نجم
لآخر , لَبقيَتْ تسير بك ملايين السِّنين في فراغ مُوحش وسواد شديد , لا يعترضُكَ
فيه أيُّ شيء حتَّى تصل إلى النَّجم المقْصُود !
***
لقد أثبتت الأبحاث خلال المائة سنة
الأخيرة، وباستخدام التكنولوجيا المتقدمة والحسابات المختلفة بأن هناك تاريخاً
لميلاد الكون. وقد أثبت العلماء من خلال هذه الأبحاث أن الكون في حالة تمدد و اتساع
مستمرين. و بإجراء مراجعة منطقية لهذا التمدد توصلوا إلى أن الكون قد بدأ من نقطة
و هي بداية لهذا الكون، فالعلم الحديث توصل إلى بداية الكون من هذا العدم”النقطة”
بواسطة الانفجار، وقد سمي هذا الانفجار بـ “الانفجار العظيم” .(BIG BANG).
إن كلمة الانفجار هنا غير دقيقة كما لاحظ
بحق الدكتور زغلول النجار، فالأدق هو التعبير الذي استعمله القرآن الكريم:
"البناء أو التشييد". ذلك لأن الانفجار يفضي إلى الفوضى وانعدام
القوانين والسنن وليس إلى بناء بالغ التناسق والتنظيم.
ولنتفحص معاً المثال الآتي: لنفترض أن
انفجاراً قد وقع تحت سطح الأرض، وكان من نتيجته أن ظهر إلى الوجود قصر من أفخم ما
يكون و بجميع غرفه وأثاثه و نوافذه و أبهته. هل يمكن لنا أن نقول بأن المصادفة
كانت سبباً في ظهور هذا القصر؟ هل يمكن لهذا الحدث أن يقع من تلقاء نفسه؟ هكذا
يدعي العلمانيون.
أو لنتصور أن انفجارا حدث في مصنع للحبر
أعقبه انفجار في مصنع للورق.. فهل يمكن أن يتمخض عن الانفجارين أن تتكون –بالصدفة!-
مكتبة هائلة تحتوي على بلايين النسخ من ملايين الكتب والروايات ودواوين الشعر
المزينة أغلفتها بأجمل ما في الوجود من صور؟! وأن نفسر بلايين بلايين الكلمات وما
تؤدي إليه من ملايين المعاني والأفكار والاكتشافات والعلوم بأن ذلك كله محض صدفة
من تناثر الحبر على الورق إثر الانفجار!
أي عبث هذا؟! أي عبث؟!.
أما ولادة الكون نتيجة الانفجار العظيم
فلا يمكن مقارنته بالمثالين السابقين لكونه ظهوراً خارقاً ورائعاً بكل المقاييس.
فالدقة المتناهية موجودة في كل صغيرة وكبيرة من هذا الكون، ويحكمه نظام خارق
أيضاً.
فإذن: إنّ التشبث بالادعاء القائل بأن
“الكون ظهر من تلقاء نفسه” يُعَدُّ أمراً لا منطقياً، بل غبيا، وإنّ هذا الحدث
يثبت لنا وجود خالق للمادة من العدم، وإن هذا الخالق يسيطر على هذه المادة كل لحظة
ويمنحها مميزاتها، وإنّ هذا الخالق لابد أن يكون ذا قوة وعلم لا حد لهما. إن هذا
الخالق القويّ هو الله البارئ المصور جل جلاله.
***
ما أوسع الكون..
الأرض الهائلة بالنسبة للمجموعة الشمسية
حلقة في فلاة..
والمجموعة الشمسية بالنسبة لمجرة درب التبانة
حلقة في فلاة.
نعم حلقة في فلاة..
لو أننا تصورنا أن الكرة الأرضية في حجم
حبة العنب لكانت الشمس في حجم كرة القدم
ولكانت المسافة بينهما بنفس مقياس الرسم 280 مترا كما أن المسافة بين الشمس
والكواكب الأبعد في المجموعة الشمسية ستبلغ كيلومترات عديدة.
ومن خلال هذا المثال نستطيع أن نتخيل حجم
مجموعتنا الشمسية الهائل. ولكن لو قارنا حجمها بحجم مجرة درب التبانة التي هي جزء
منها، فالنتيجة تكون هائلة جداً؛ لأن هذه المجرة تحوي نجوماً غير شمسنا وأغلبها
أكبر حجماً، ويربو عددها على 250 مليار نجمة.
ولكن مجرتنا تغدو صغيرة جداً لو قارناها
بالفضاء الشاسع المترامي الأطراف؛ لأن الفضاء يحتوي على مجرات أخرى يقدر العلماء
عددها بـ 300 مليار مجرة. كما أن الفضاء الذي يقع ما
بين النجوم في مجرتنا ليس نهاية هذا الكون، فوراءه ملايين المجرات الأخرى، وهي
تندفع جميعها، كما يبدو مبتعدة عن بعضها البعض بسرعة فائقة قد تبلغ نصف سرعة
الضوء، كما تمتد حدود الكون الذي يمكن رؤيته بالمجاهر الحالية مسافة (2000) مليون
سنة ضوئية على الأقل في كل اتجاه. فالكون
في تمدده المتواصل يشبه الكرة التي يتابع النفخ فيها حتى إذا انفجرت تطايرت أشلاؤها
فكذلك الكون يكبر بتباعد مجراته حتى ينفجر في النهاية ويتطاير كسفاً ويتناثر
حطاماً حيث ليس للكون نهاية معروفة. ومع أن بعض المجرات تزيد سرعتها على سرعة
الضوء نفسه خلافاً لنظرية (اينشتاين) في النسبية بشأن السرعة والكتلة لجسم متحرك
ما، وبذلك لا يمكن أن تصل الأضواء المنبعثة من تلك المجرات. أي أنها في الكون
اللامرئي. الكون الذي ولا يمكن مهما بلغت وسائلنا العلمية أن نراه. ذلك أننا نرى
بسرعة الضوء.. فإذا كان هناك شيء يتحرك بسرعة أكبر من سرعة الضوء فإننا لا يمكن أن
نراه.. تماما كما لا يمكن للسيارة أن تلحق بطائرة.. إلا إذا تحطمت الطائرة.
..
{ وَالسَّمَاءَ
بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ- الذاريات 47 }
***
حلقة في فلاة..
نعم.. حلقة في فلاة..
و لو تأمّلنا في بناء مجموعتنا الشمسية
لوجدنا أن هناك توازناً دقيقاً و متقناً للغاية، فالذي يحفظ الكواكب من ابتعادها
عن الشمس، وبالتالي اندفاعها نحو الفضاء الخارجي ، هو التوازن الموجود بين قوة جذب
الشمس والقوة الطاردة المركزية للكواكب، فالشّمس تملك قوة جذب هائلة تجذب بواسطتها
الكواكب نحوها، والكواكب تستطيع أن تقلل أو تتخلص إلى حد ما من هذه الجاذبية
بواسطة قوتها الطاردة المركزية المتولدة عن حركتها المدارية، ولو كانت سرعة دوران
الكواكب أقل مما هي عليه لانجذبت نحو الشمس لتبتلع من قبلها مصحوبة بانفجار كبير،
ولو افترضنا العكس أي لو كانت أسرع دوراناً لما كانت قوة جذب الشمس كافية لإبقائها
ضمن المجموعة، وبالتالي تندفع هذه الكواكب نحو الفضاء الخارجي. بيد أنّ أياً من
الافتراضَين لن يحدث أبداً. والمجموعة الشمسية تستمر في الوجود بفضل هذا التوازن
الدقيق جداً.
إن هذه الظواهر تُعَدُّ دليلاً على وجود
مثل هذا التوازن الخارق في المجموعة الشمسية، وهذه الظواهر تقود إلى حقيقة عظيمة؛
و هي أنّ هذا التوازن الذي يحفظ بنيان المجموعة الشمسية بشمسها وكواكبها، لم
يتكوّن من تلقاء نفسه.
إن هذه حقيقة واضحة لكل ذي عقل وتفكير.
فالواضح أمامنا أن هذا التوازن قد تم حسابه بدقة متناهية جداً، ويُعَدُّ هذا
التوازن آية من آيات الله عز وجل وقدرته التي لا حدّ لها في الخلق و التصوير.
لم يكن للحياة أن تنشأ على الأرض إلا
بتدبير هائل يخلق وينسق بين ملايين العوامل والضرورات التي تتضافر جميعا كم تمكن
الإنسان من الوجود والاستمرار..
ويمكن أن نحصي العديد من هذه الضروريات
كالأكسجين والماء والشّمس والغلاف الجوي والحيوانات ...، وضروريات أخرى أجل وأكثر
من أن تحصى ولكنها موجودة كلها بصورة طبيعية في هذا الكوكب. وهذه العوامل الضرورية
تمر بأذهاننا في حالة ما إذا فكرنا تفكيراً سطحياً، و لكننا لو تعمقنا في التفكير
لوجدنا أنّ هذه العوامل مرتبطة بعضها مع بعض ارتباطاً وثيقاً وفق موازين دقيقة.
وإن هذه العوامل الحياتية الموجودة في هذا الكوكب كالكائنات الحيوانية والنباتات
والسماء والبحار مخلوقة ومسخرة لحياة الإنسان على أحسن صورة.
فلو أنَّ الأرض مثلاً كانت أقرب إلى
الشَّمس مِمَّا هي عليه الآن , لاحترقَتْ بِمَن عليها ! ولو أنّها كانت أبْعَد
منها ممَّا هي عليه الآن , لَتَجمَّد كلُّ شيء فوقها !
والذي سَنَّ هذين القانونَين عَلِم أنَّ
الأرض ستمارسُ جاذبيَّتها على كُلِّ مَن فَوقها من أحياء وجماد , فيَلتصقُوا بها ,
لا يستطيعون حراكًا . لذلك , جعلها تدور حول نفسها لِتَكْتسب قوَّة طَرْد مضادَّة
لجاذبيَّتها , فيحصلُ التَّوازن , ويستطيع الأحياءُ المشيَ والحركة !
وهذا الدَّورانُ محسوب أيضا بدقّة , بحيث
لو كان أسرع مِمَّا هو عليه الآن , لَتَناثر كلُّ مَن على الأرض مِن بَشَر ودوابّ
وغير ذلك , ولو كان أقلَّ مِمَّا هو عليه الآن , لَوَجد النَّاسُ صعوبة كبيرة في
الحركة !
ولأنَّ الكونَ يسيرُ وفْقَ نظام واحد ,
فقد سَنَّ خالقُه سُنَّةَ الدَّوران أيضًا على كلِّ الكواكب والنُّجوم والأقمار
الأخرى , فجعلها كلُّها تدور حول نفسها !
والأعجب من هذا أنَّها كلُّها تدور من
الغرب إلى الشَّرق , على عكس دَوران عقارب السَّاعة إذا نظرنا إليها من فوق , سواء
عندما تدور حول نفسها , أو عندما تجري في مدارها حول النَّجم أو المركز الذي تدور
حولَه !
فالأرض تدور حول نفسها من الغرب إلى
الشَّرق , وتدور في مدارها حول الشَّمس , أيضًا من الغرب إلى الشَّرق ! والقمر
يدور حول نفسه من الغرب إلى الشَّرق , ويدور مع الأرض حول الشَّمس , أيضًا من
الغرب إلى الشَّرق ! وكلُّ كواكب المجموعة الشَّمسيَّة تدور حول نفسها من الغرب
إلى الشَّرق , ويدور كلٌّ منها في مداره حول الشَّمس , أيضًا من الغرب إلى الشَّرق
! والشَّمس تدور حول نفسها من الغرب إلى الشَّرق , وتدور في مدارها حول مركز مجرَّة
درب التّبَّانة , أيضًا من الغرب إلى الشَّرق !
والأعجب من العجب أنَّنا إذا انتقلنا من
المجرَّة , التي هي أكبر شيء في هذا الكون , ونظرنا في أصغر شيء فيه , وهو
الذَّرَّة التي هي أَصْل كلِّ مادَّة , لَوَجدناها تتكوَّن من نَواةٍ في الوَسط ,
تدور حولها إلكترونات , أيضًا من الغرب إلى الشَّرق , في مداراتٍ كما تدور الكواكب
حول الشَّمس ! فالنَّواة هي شمس هذه الإلكترونات , و "من الغرب إلى
الشَّرق" هي قاعدة ثابتة في هذا الكون !
ومن اللاّفت للانتباه حقًّا أنَّ المسلمين
عندما يؤدُّون فريضة الحجّ , يقومون بالطَّواف بالكعبة , فيدُورون حولها من الغرب
إلى الشَّرق ! نعم , مثل الكواكب والنُّجوم والإلكترونات ! (أما آن لك أن تعتنق
الإسلام. م.س.)
***
حلقة في فلاة..
ليس على مستوى الحجم فقط بل على مستوى كل
وجه من أوجه الإعجاز.
تدور الأرضُ حول محورها مرَّةً كلَّ 23
ساعة و56 دقيقة و4.1 ثانية , وذلك بسُرعةٍ تزيد قليلاً عن 1600 كلم في السَّاعة
بالنِّسبة لِنُقطةٍ عند خطِّ الاستواء . نعم , إنَّ الأرض تدور بنا بهذه السُّرعة
المجنونة , ونحن لا نشعر بِدَوَرانِها على الإطلاق !
وليس هذا فقط , فهي في نفس الوقت تدورُ ,
ومعها القمر , حول الشَّمس في مَدار إهليلي مرَّةً كلَّ 365 يومًا وربع اليوم ,
بسرعة 105 ألف كلم في السَّاعة!
وتدور الشَّمسُ حول مركز مجرَّة درب
التّبَّانة بسرعة 69500 كلم في السّاعة , بالنّسبة لِمَا حولها من النُّجوم ,
حاملةً معها الأرض وبقيَّة المجموعة الشَّمسيَّة !
وتدور مجرَّة درب التّبَّانة في مدار
حلزوني حول مركزها الهندسي بسرعة 972 ألف كلم في السَّاعة, حاملةً معها الأرض
والشَّمس وبقيَّة نجوم المجرَّة !
***
هذا هو العلم وليس
الفن..
هذه هي الحقائق
وليست الأباطيل..
نحن نتكلم عن الفلك
والفيزياء وليس عن تهويمات صوفية أو خرافات أو أساطير.
نتكلم عن الواقع لا
عن الخيال.. عن رؤية اليقظة لا رؤية الأحلام. عن البصر لا عن البصيرة. عن
المعادلات الرياضية الدقيقة وليس عن شطحات
الروح.
نتحدث عن الجزء
الذي نراه من الكون..
وليس لدينا أي فكرة
عن حجم الجزء الذي لا نراه..
وقد يكون الجزء
الذي نراه في الكون بالنسبة للجزء الذي لا نراه هو أيضا كحلقة في فلاة..
ثم أننا بعد هذا
كله نتحدث الآن عن كون واحد هو الذي نرى بعضه دون بعضه الآخر..
وليس هناك أي مانع
نظري من أن تكون هناك مئات أو آلاف أو ملايين أو بلايين الأكوان..
ثم يأتي بعد ذلك أن
هذه الأكوان كلها ما نرى منها وما لا نرى
بالنسبة للكرسي ليست سوى حلقة في فلاة..
لم ينته الأمر
بعد..
لأن فضل العرش على
الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة.
***
سبحانك..
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ
بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)
الزمر.
سبحانك..
" ما السموات السبع في الكرسي إلا
كحلقة ملقاة بأرض فلاة و فضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة
".
سبحانك..
سبحانك..
سبحانك..
تعليقات
إرسال تعليق