واقعة محرجة وطريفة
Privillage Card
في فترة نشاطي وتفاعلى كنت ألتقي كتابا وصحافيين من مصر والبلاد الأخرى (كدت أكتب والبلاد العربية لكني أبيت فمصر عربية) وكان اختيار مكان وموعد اللقاء مشكلة، فما بين أماكن صاخبة لا نستطيع الحوار فيها، أو أماكن رومانسية (أو بالأحرى منحلة) لايجوز لنا الجلوس فيها، وكنت من أوائل من اقتنى الكمبيوتر المحمول، وكنت أذهب عندما أشتاق للجلوس على النيل لأكتب مقالاتي في قاعة جميلة تطل عليه في فندق سميراميس حيث المكان هادئ جدا في الصباح. ويوما عرضت عليّ إدارة الفندق عرضا وجدته حلا لمشكلة المكان والزمان. بطاقة امتياز Privillage card وهي بطاقة للفندق وفروعه في مصر والعالم تتيح ميزات عديدة منها تخفيضات كبيرة في الإقامة ولكن الأهم أن يكون لك الحق في دعوة ضيف مجانا على أي وجبة تطلبها في مطعمه الفاخر. وبهذا تصبح تكلفة الوجبة لشخصين توازي سعرها في الخارج لشخص واحد.
تعودت على المكان وأحببته، وكثرت لقاءاتي فيه، كنت أدفع ثمن الوجبات ببطاقة الائتمان وأضيف عليها الإكرامية (البقشيش) حتى أتى لي أحد من يقدمون الطعام ذات يوم ليقول: العمال هنا مساكين ونحن نوزع الإكراميات عليهم كل يوم لكنك عندما تضمها في بطاقة الائتمان تتأخر كثيرا وقد لا تصل إلينا، فليتك تدفع فاتورة الطعام بالبطاقة لكن ضع لنا الإكرامية نقدا. وهكذا أصبحت أفعل.
ويوما دعوت كاتبا معروفا لأنني كنت أريد مناقشة كتاب من كتبه، تغدينا غداء فاخرا وناقشته فيما أريد. حان وقت الحساب فوقعت الفاتورة ووضعت البطاقة ومبلغ عشرين جنيها كإكرامية : كانت مبلغا كبيرا أيامها، فيما أذكر كانت تكلفة الوجبتين ١٢٠ أو ١٣٠ جنيها.
فوجئت بالضيف مذهولا ويقول: كل هذا الطعام الفاخر والمكان الفاخر والخدمة المميزة بعشرين جنيها فقط؟!إنها أرخص من مطاعم السيدة والحسين! ولاد ال(...) يضحكون علينا. لن آكل فيها مرة أخرى أبدا. سأصطحب أسرتي وضيوفي إلى هنا دائما.
أسقط في يدي، فلا يجوز أن أقول له الحقيقة ولا يجوز أن أسكت خوفا من تورطه بعد ذلك. ولكن غلبني الخجل فصمت.
لم نلتق بعد ذلك، لم نكن أصدقاء، كانت كتاباته إسلامية وقومية.
لست أعرف الورطة التي تورط فيها، لكنني حين حدثت أزمة وليمة لأعشاب البحر، ذهلت لأنه وهو الذي استضافت الشعب مقالاته ككاتب إسلامي كان من أعلى الأصوات هجوما عليّ مطالبا بإغلاق الصحيفة الإرهابية.
هل كان يرد لي الصاع صاعين؟ وهل لذلك علاقة بخلطه بين الإكرامية وثمن الوجبة؟ لا أعرف!
مضت أعوام . ثم شعرت بالسأم فلم أدفع اشتراك بطاقة الامتياز. وطاردتني موظفات العلاقات العامة، ويوما كنت هناك فحاءتني رئيستهم تسأل عن سبب عدم تجديد البطاقة، قلت لها:
- أنت كابنتي فهل تريدين أن أخدعك أم أقول لك الحقيقة؟
قالت: بل الحقيقة.
قلت: يا بنيتي أنا كشجرة نخل باسقة أو جميزة ضخمة لا يجوز لها أن تزرع وسط ميدان التحرير أو أمام متحف اللوفر. أنا منذ أعوام أتردد على هذا المكان لكنني لم أشعر بنفسي فيه أبدا. أنا هنا غريب. إن كوبا من الشاي في العتبة في مقهى حقير أمام المسرح القومي أشهى ألف مرة من كل الشاي الذي احتسيته هنا. وإن طبق كشرى أتناوله في وسط البلد ألذ من أي طعام هنا، ووجبة في الحسين أشهى من بوفيهكم المفتوح، حيث لم يفارقنى أبدا خوف في العقل الباطن من مخالطة لحم خنزير أو دهنه. يا ابنتي أنا لا أشعر بنفسي وسط هذه الديكورات الفخمة. لا أشعر بنفسي إلا على النيل بوروده البرية المتوحشة وعلى البحر حيث لا شيء إلا البحر وفي الصحراء. أشعر بنفسي مع المساكين الطيبين المقهورين وأرى أن واجبي أن أكون دائما بينهم ، هذا ليس عالمي يابنتي لذلك لم أجدد البطاقة.
المدهش كثيرا أن عيناها كانت مليئتان بالدموع وهي تقول:
- شكرا يا أبي أنك عاملتني كابنتك باحترام وقلت لي الحقيقة، واسمح لي أن أقول لك حقيقتنا أيضا، جميعنا مثلك لكننا نمثل، رغم التظاهر نحس بغربتنا وأن هذا المكان ليس مكاننا ولا هذه البيئة بيئتنا ولا هذا الوطن وطننا.
تعليقات
إرسال تعليق