كتابي الجزء 2

 *

***

النص الكامل لكتاب:

 

روكس معكرون

أقسمت أن أروي

نبأ المجزرة الرهيبة

التي تقشعر لها الأبدان

1398هـ

الطبعة الثالثة

1978م

تقــــديــــم

إن الدكتاتورية تبدو في العادة ضخمة خطيرة من الخارج …

إنها تبدو صلبة براقة لا تقاوم …… 

أما من الداخل فهي عفنة ……

إنها أشبه بأضرحة البيضاء التي تبدو جميلة فعلا في مظهرها .. ولكنها من الداخل مليئة بعظام الموتى وجميع أنواع القذارة . 

المذبحة 

إلى أرواح الشهداء ..

إلى الشباب النضر كزهور الربيع ..

إلى الإيمان المجرد كأنه جوهر الحق 

إلى التضحية الصادقة بالدم والروح 

إلى الوطنية وإلي الإخلاص 

إلي شباب مصر شهداء مذبحة ليمان طره .. 

إلي أصدقائي: على حمزة .. إبراهيم قعوار .. حيري .. وبقية الأصدقاء الشهداء .. 

.. لقد عشت معكم أياما وليالي .. وأنا مسيحي وأنتم مسلمون .. وما شعرت معكم بغير الألفة والود والمحبة والإقدام المتبادل .. وما لمست فيكم غير أيمانكم بدينكم . وأيمانكم بوطنكم وأيمانكم بإنسانيتكم .. وهو منتهى المعرفة .

.. لقد عشت معكم صديقا نأكل ونشرب كأس السجن والعذاب معا .. جمعتني وكثير منكم رابطة الألفة والصداقة ومشاركة العمر والثقافة والميول فكنتم لي أخوة في المحنة .. وكنت لكم أخا .. وشهدت الكارثة الرهيبة ورأيت أخوتي يسقطون صرعى .. ورصاص الطغاة الآثمين يسلبكم الحياة .. بعد أن فشلت كل أساليب الغادرين ، أن تسلبكم الإيمان .. وأقسمت أن أروي للتاريخ مأساتكم الهائلة ..

إلى الرأي العالمي ..

وإلى الضمير الإنساني ..  

أقدم قصة هذه الأيام والليالي السوداء التي عشتها في ليمان طره ودفعت من كل ساعة من ساعاتها بل في كل لحظة من لحظاتها دمي وأعصابي ونور عيني . ويخطئ من يظن أنني في هذا الفصل سوف أستغل صناعة الكتابة أو براعة القلم في تجسيم الحقائق ! في التزيين أو التزييف  أو التشويه .. أنني لا يمكن أن ألجأ إلى شئ من هذا فإن الحقيقة وحدها تكفي ، وأن الواقع لأكثر هولا مما قد يخطر على أي بال .. وأن الأحداث لأفظع لأقدمها للتاريخ شاهدا ولأهدي هذا المجهود إلى أرواح الشهداء الذين استشهدوا لإيمانهم بالحق لوجه الحق وحده ، وأشهد الله على ما أقول .. والله على ما أقول شهيد.

لقد قلت : بأنني أؤمن بأن الله قد خلق عباده أجمعين من تراب وروح، وأنه قد خلقنا نحن أبناء لبنان من التراب والروح وجوهر الحرية .. ولازلت أقول أيضا .. أن الخبرة التي اكتسبتها من هذه الرحلة وممارستي حياة العبودية في جزيرة العذاب ، قد أتاحت لي في سنوات سجني ما كان لا يمكن أن يتاح لي في أي مكان آخر ولو في نصف قرن . فالحمد لله على المحنة .. وأنا قد اخترت هذه الحقيقة الواحدة التي ضمنتها هذا الفصل دليلا على ما شهدته وشاهدا على خبرته ..

استبداد الزعيم

وزعامة المضللين

في الشرق العربي .. ومنذ سنوات قليلة .. دعوة جارفة تحشد القوى .. أضخم القوى ، وتجند الوسائل .. حتى الدنيئة منها ، تدعو كلها إلى زعامة عبد الناصر .. أبواق تهتف ونشرات تخرج وصور وشعارات وألوان جذابة ومغريات هائلة .. وكلمات براقة ووعود خلابة .. طوفان من الدعاية ، كلها تساهم في بناء الغاية الكبرى: زعامة عبد الناصر .. بعض الناس يمضي في الطريق ويستجيب أغلبهم يستجيب عن طيبة أو سذاجة أو فراغ وأقلهم يستجيب عن مصلحة واقتناع .. وبعض الناس يقف في هذه الدعوة موقف المحارب المستميت يفضح مزاعمها ويفند أكاذيبها ينذر ويحذر .. تضليل ووهم ، تهريج وخداع .. وبعض الناس يقفون حيارى في مفترق الطرق .. أي الدعوة خير وآيتها شر ؟  ولو أن دعوة زعامة عبد الناصر داخل نطاق مصر لما تدخلنا ولما كان لغير المصريين أن يفصلوا في أمر الدعوة خير أم شر .. ولكن الطوفان أخذ يزحف إلى الشرق العربي حاملا الدعوة الدنيئة وانزلق أكثره في الطريق .. وبذلك وحده أصبح من حق كل مواطن عربي بل من واجبه مادام يملك ولو شعاعا ضئيلا من النور يكشف الحقيقة أن يتقدم فورا ومهما كان ثمن التضحية والفداء .. فمن حزمة الإشعاعات الضئيلة ستكون شعلة الرواد الذين يحررون الناس في الوهم .. من الزيف .. من الضلال .. من الزعامة الفردية .. من الاستبداد الدكتاتوري المطلق .. أنني قلت مهما كانت التضحية والفداء لأن دعوة عبد الناصر قد وطدت العزم على بلوغ الهدف بأي سبيل حتى ولو سلكت سبلا دنيئة بذيئة يلوثها  العار والخسة والانحطاط .. ولعلنا في لبنان قد ذقنا هذه الكأس المرة .. ودفعنا افدح الثمن .. دفعنا الخراب والدمار الذي أصاب لبنان ودفعنا أرواح القتلى .. وعذاب الأحياء ..

على أية حال هذا ليس مجال مناقشة الدعوة من الوجهة السياسية . وإنما أردت أن أعترف للقارئ اللبناني بهذا السؤال: ماذا نعرف نحن عن حقيقة الحياة في ظل زعامة عبد الناصر ؟ أنهم سيقولون أن عبد الناصر وبطانته يدعون للوحدة والاتحاد ويعملون من أجل رفاهية الشعب . أنهم يؤمنون بالعزة والكرامة والحرية .. هذا قول جميل يمكن أن يخدع ويغري الملايين .. وسؤال آخر : أليس من حقنا قبل أن ننطق بكلمة تأييد لهذه الدعوة أن ننظر في جوف الإناء لنرى ماذا هناك .. وماذا حققوا لمجتمعهم من خير ؟.    

وهنا يظهر السؤال المباشر

أيهما أقرب إلى زعامة عبد الناصر فأحق بدعايته وبكفاحه وببرامجه وبأفكاره العبقرية الخالصة ؟ مصر أم لبنان ؟ .. المجتمع في مصر أم المجتمع في لبنان ؟ .. الشعب في مصر أم الشعب في لبنان ؟؟؟ فتعالوا نشهد ماذا صنع عبد الناصر لمصر . وماذا فعل بالمجتمع المصري .. وبأي عملة تجري بينه وبين الشعب في مصر المعاملات . وأنا لست خبيرا في السياسة ولا أزعم أني قائد محنك أو زعيم مجرب .. وإنما أنا أسرد حديثي للقارئ واسأل فقط أليس من حقنا أن نعرف الحقيقة ؟… حقيقة الطرق الذي يدعونا عبد الناصر إليه ؟ ,اعتقد أني في هذا الفصل سأقدم حقيقة جانب من أهم جوانب الحياة في ظل حكومة عبد الناصر .. وستبقى هذه الحقيقة ، الضوء أسطع الضوء على حرية الفرد والحياة السياسية . والتكافل الاجتماعي . والقيم الأخلاقية . وأخيرا مقاييس الإنسان والحضارة في نظر عبد الناصر ونظام عبد الناصر وأنني لأحب أن أسأل سؤالا بسيطا أن كان من حقي كمواطن عربي شهد مأساة سجون الجمهورية العربية المتحدة : لماذا يتحدث حكام القاهرة عن العزة والكرامة والحرية وليس عندهم إلا الوحشية والعبودية والمذلة .. تجار الضجيج باعة السراب .. صناع العذاب ..

لقد قدر لي أن أكون الإنسان الوحيد الذي شهد هذه المحنة الفظيعة .. وخرج من السجن .. ومن سجون الجمهورية العربية المتحدة وحدودها جميعا ليتصل بالعالم الحر .

من منبر لبنان الشامخ ، حصن الحريات والحقوق .. من وطني .. فلتتطلع الإنسانية علي ما رأيت واشهد التاريخ ..  وكي انصف الواقع أقول  انه شهد هذه النكبة الوحشية معي أيضا الصديق اللبناني جورج يونس .. ويرى القراء قصة رحلته في جزيرة العذاب في غير هذا المكان .. وكأنها سخرية من القدر بتدابير الطغاة .. فيكشف الخبئ من حيث لا يقدرون .

كنت أجلس في زنزانتي الكئيبة لأكتب هذا الفصل .. وأرواح هؤلاء الأصدقاء تحوم حولي .. وستظل تحوم حول هذا المكان وستبقى الجريمة خالدة والدم البريء المراق .. والأرواح الطاهرة المزهقة ستظل تضرع وتشير إلى الجناة .. إلى الطغاة صناع الدمار أعداء الحياة .

وليس هؤلاء كل من عرفتهم وراء القضبان .. هناك الكثيرون وأبطال الكفاح من أجل إيمانهم .. شباب كثيرون جاءوا بهم من مقاعدهم بالجامعات ومن منابرهم في الصحافة والمحاماة والقضاء والطب والهندسة وساقوهم إلى اليمان من أجل إيمانهم بحق بلادهم في الحرية والكرامة .. وكنت أحس كلما جلست بينهم أن هذا الشعب سيحقق أمانيه وأن هؤلاء الذين يستبدون به إنما يخدعون أنفسهم وأن الحقيقة لا بد واقعة ولكن بعد الثمن الفادح .. بعد  الذل الهوان والعذاب .. ومن يدفع الثمن؟ مصر لا شك والمجتمع العربي بأسره. 

الطغاة يهدرون دماء الشهداء ويسومونهم سوء العذاب

واليوم ذهب بعضهم شهداء واختصروا  الطريق إلى أهدافهم العليا والآخرون بعثرهم الطغاة في سجون كثيرة بعضهم في قلب الصحاري وأعماق الفيافي هناك على مسيرة مئات الأميال من الحضارة والعمران .. في سجون الواحات ..

وأنا أخال أرواحهم تطوف بمسرح المصيبة .. وأذكر أحاديثهم وهم أحياء أخال انهم يحملوني أمانة الشهادة وواجب البلاغ .. وأنا كمسيحي لا بد مؤد حق الشهادة الخالصة .. وأنني كمواطن عربي لا بد ملب واجب البلاغ الصادق .. وكصديق للشهداء الذين ذهبوا .. وللسجناء الذين يرسفون إلى اليوم إنما أؤدي الأمانة ، و الواجب .. وأنا أضرع إلى الله في صلاة التوسل والرجاء أن يعينني على ما أنا بسبيله .. فلتقر أرواح الأصدقاء الشهداء .. رحمهم الله .. وتحية لنفوس الأبرياء السجناء الذين ما عرفت عنهم إلا تمسكهم بعقيدتهم .. ودفاعهم عن مثلهم وكفاحهم من أجل حقوقهم فنصب لهم المشانق .. وفتحت لهم السجون بظلمها وعذابها وما وجدتهم في محنتهم وسياط العذاب مسلطة عليهم إلا رجالا لها صابرين .. مؤمنين .. قادرين .. تهون عليهم أبدانهم والعذاب من أجل كلمة .. الله .. والوطن .. وهو منتهى الوفاء .

ونعقت غربان الشؤم .. وأخذت الطغاة العزة بالإثم فأطلقوا الرصاص على صدورهم فتنفجر منها آيات الطهر والقداسة .. وهتفوا حتى في لحظة الموت والرصاص يصرعهم . الله أكبر .. الله أكبر .. وهو منتهى الإيمان . 

ونظرت فرأيتهم قتلى .. صرعى والدماء تسيل .. وكانوا منذ لحظة ملء الحياة .. ولكنني والحق أشهد أنهم لم يكونوا قتلى ولا ضحايا .. كانت لهم حتى وهم في العدم  هيبة وجلال .. سيما الشهداء وهو منتهى الخلود .. وأنني لأخال هذه الأرواح تتحدث إلى .. وأكاد ألمح نورها يضئ ظلمة السجن وهمسها يرن كالمعزوفة الجنائزية .. تروي قصة الأحزان الخالدة .. أخال هذه الأرواح .. كما كنت أجلس بين أصحابها وهم ملء الحياة يملأهم الإيمان والأماني .. كانوا يعبدون الله .. ويعشقون الوطن ويعملون بوحي إيمانهم .. لأجل بلادهم .. وكانت كل كلمة منهم وكل تصرف لهم إنما هو مدفوع بالعبودية لله .. والكفاح من أجل الوطن .. كنت أعرف فيهم الأب الذي انتزع من لأسرته وتحطم بيته ..والزوج الذي فرق من زوجه وشرد أولاده .. والشاب الذي يقف على باب مستقبله العريض موظفا أمينا أو طالبا مجدا أو محاميا بارعا أو مهندسا ناجحا أو طبيبا عبقريا .. فذهب ذلك كله ألقى به إلى المشنقة أو إلى السجن ..

ولا قدم للرأي العام العالمي والضمير الإنساني تقصيا هذه المأساة المروعة :

مجزرة القرن العشرين

قصة المذبحة فظيعة ، بل أفظع قصة عرفها القرن العشرون .. بدأت مقدماتها يوم صلاة الجمعة ، حيث كان السجين الشيخ حسن أيوب وهو من جماعة الإخوان المسلمين ، يقوم بالوعظ والإرشاد لكل من حضر الصلاة .. وكان ذلك في فناء العنبر ، ولم يكد ينتهي الشيخ حسن من وعظه حتى فوجئ المصلون بسياط الزبانية تلسع ظهورهم وتفرقهم .. وقد نال النصيب الأكبر من هذه السياط الشيخ حسن المسكين .. ولماذا كل هذا ؟ لست أدري .. ولكن لم تمض ساعة من الزمن حتى انجلى الموقف.

في الليمان سجين وصولي عبد الوهاب الشعراني محكوم عليه في قضية قتل وإجرام الأشغال الشاقة المؤبدة .. له صلة قرابة بواعظ الليمان المدني الشيخ الصاوي شعلان .. كان عبد الوهاب يحقد كثيرا على الإخوان ينعتهم حينا بالخونة وحينا بالمأجورين لأنه  على ما علمت  من نزلاء الليمان ( عياش) يصفق ويهلل لكل عهد جديد ، يعيش بلا مبدأ ولا ضمير .. أسر الشعراني في إذن الشيخ الصاوي بكلمات كلها حقد وبطلان .. قال أن الشيخ حسن يتمادى في وعظه ويلمح عن طغيان الثورة وعهد الثورة .. وحمل الصاوي ما قاله الشعراني للسادة ضباط السجن وهؤلاء بدورهم أرسلوا زبانيتهم بأوامر  مشددة دون تحقيق ولا روية .. ووقعوا على الشيخ حسن وعشرات المصلين محاضر جلد . ووضعوهم في غرفة التأديب .. وجن جنون المسجونين ( كل المسجونين) من هذا التصرف الأحمق .. منهم من قال : لا صلاة بعد اليوم .. ومنهم من قال الكفر سيد في هذا المكان .. وتكهرب الجو بين الإدارة والإخوان .. وبدأت المعاكسات السخيفة ..  

أصدر طبيب أول الليمان محمد فؤاد السيد أمرا بإخراج الإخوان المرضى بالمستشفى إلى عنابرهم .. وقد كتب على تذكرة علاج كل فرد منهم .. كلمة (خروج) أي الخروج من الملاحظة لأنه شفى ! – وذلك دون مراعاة الضمير الإنساني الذي يحتم عليه أن يقف إلى جانبهم ويبقيهم في أسرتهم في المستشفى  لما يعانون من أمراض خطيرة ، كان سببها آلات تعذيب حكام القاهرة .

وأبي طبيب أول الليمان أن يقف بعيدا عن ممالأة أسياده ؟! 

وفى الصباح خرج الإخوان من المستشفى محمولين إلى العنبر ، كل يئن من آلامه وأوجاعه .. آلام الضرب والتعذيب قبل مجيئهم إلى الليمان .. آلام لا تطاق أذاقتهم إياها المخابرات المصرية في السجن الحربي .. حيث تفننت هذه المخابرات المصرية في السجن الحربي .. حيث تفننت هذه المخابرات بأساليب العذاب وألوانه .. فمن كماشة حديدية تطوق الرأس وتضغط حسب الطلب ! إلى نفخ في الأدبار حتى يصبح الآدمي بالونا معلقا على السقف .. إلى غير ذلك من أساليب وحشية دنيئة .

 وعند الظهيرة نادى السجان كشفا يحمل أسماء المسجونين المطلوبين للزيارة الخصوصية .. ونادى فيها منادى اسم السجين كمال عبد العزيز زوج الفنانة زوزو ماضي ، والمحكوم عليه بالشغال الشاقة المؤبدة في قضية المخدرات الكبرى مع زوجته .. ونادى كذلك الدكتور مصطفى حمدي وهو من جماعة الإخوان ، وغيرهم ودخلوا جميعا مكتب النقيب عبد الله ماهر آمر الزيارة . 

أعطت "زوزو" في نهاية الزيارة أكياسا كثيرة من المأكولات والحلوى لزوجها السجين ثم تقدمت والدة الدكتور حمدي تستأذن النقيب بإعطاء وحيدها دجاجة كانت تحملها في كيس صغير من "السلوفان" .. رفض الضابط طلبها وأصرت الوالدة … وإزاء إصرار الأم الحنون ، أخذ الضابط الهمام الكيس من يد الأم وقذف به خارجا وطردها .. وثارت ثأره الدكتور حمدي وقال للضابط كلمات كثيرة كانت درسا قاسيا في الأدب والتربية .. ووقع الضابط المنتصر  القصاص على حمدي وأودعه غرفة التأديب ..

أبلغ النقيب بطولته في معركة سيناء لمديره ورؤسائه ، وأضاف بأن الإخوان المسلمون يريدون به شرا .. وجمعت الزبانية في لحظة ، وأعطيت إليهم الأوامر من جديد :

1. 1.    عدم السماح للإخوان بالصلاة جماعة 

2. 2.    تفتيش الدور الثالث من العنبر أي حيث يسكن الإخوان تفتيشا استفزازيا صباحا ومساءا.

3. 3.  إخراج جميع الإخوان من غرفهم صباح الغد وسوقهم إلى الجل لتكسير الحجار دون استثناء المرضى منهم وتكهرب الجو من جديد وبات الإخوان ليلتهم في قلق شديد ينتظرون الغد ويحسبون ألف حساب لملاقاة المجهول .. 

وجاء الصباح المنتظر .. وجاوزت الساعة السابعة صباحا ولم تفتح الأبواب .. وذلك على غير عادة .. قفزت من غرفتي إلى الفتحة الصغيرة بباب الزنزانة استطلع الخبر .. ثم أر شيئا .. إلا أنني سمعت وقع إقدام كثيرة .. ثم رأيت ضباطا أعرفهم .. 

البكباشي : فؤاد سعد الدين 

النقيب: محمد صبحي 

الملازم الأول : عبد العال سلومه

النقيب: أحمد زكي 

الملازم : حسين سعيد 

وكلهم من ضباط السجن ، وكلهم مدججون بالسلاح ومعهم عدد وافر من الزبانية يشكلون حلقة ويشاورون ..

ولم تمض دقائق معدودات على هذا الوضع حتى توجه السجانون إلى الدور الثالث وفتحوا أبواب الزنازين بكاملها واخرجوا الأصحاء من الإخوان إلى شرفة الدور .. وتركوا بقية الدور مقفلة .. وبعد دقائق دوت طلقات نارية كثيرة ، ولم أسمع سوى صوت واحد ردده الجميع – جميع الإخوان – الله أكبر .. الله أكبر .. وبقى الرصاص يدوي إلى أن اطمأن الطغاة إلى استشهاد المجموعة البريئة ..

وخيم صمت رهيب على سكان العنبر حدادا على الشهداء .. وتمخضت المجزرة عن استشهاد إحدى وعشرون شهيدا وستة وخمسون جريحا استشهد منهم بعد ذلك أحد عشر متأثرين بجراحهم . جاوزت الساعة العاشرة ولم تفتح الدور الباقية وكنت أود ألا تفتح .. لأن قلبي كاد ينصهر من فرط الألم لاستشهاد الأصدقاء الأوفياء .. ونظرت إلى من معي بالغرفة ، جورج المذكور وقد احتل زاوية من الغرفة مذهولا خائفا .. وقلت له أهذه هي قومية عبد الناصر وديمقراطية الثورة وعدالة العهد ؟ وأجابني بصوت خفيض خلته ينبعث من القبور : "شو بدك بهالحكي .. مش وقته"..

وظننت بأن الأبواب لن تفتح قبل أن ينقلوا الجثث من العنبر .. إلا أن آدمية الطغاة خيب ظني وفتحت الزنازين _ كل الزنازين – وأمرنا بالخروج من الغرف لقضاء حاجياتنا 

وما بالك أيها القارئ العزيز إذا علمت بأننا كنا نتخطى الجثث وكأننا في ميدان حرب .. جثث في كل مكان أمام غرفتي وفى الفناء وعى سلم العنبر ..

كم كنت أود أن يطلق الرصاص على الأعداء .. أعداء بلادنا ، وليس في صدور أبناء عروبتنا الخلص الأبطال .. ولكنه الطغيان بأقسى أنواع ظلمه ووحشيته .. 

أعود إليك أيها القارئ العزيز لا سرد لك بقية القصة .. قصة المجزرة .. مجزرة القرن العشرين

أطلقت صفارة السجان .. ونودي علي جميع سكان العنبر بالنزول إلى الفناء .. وامتثل السجناء للأمر .. آمر سجانهم صاحب الحول والطول يفعل بهم ما يسعده من الآن العذاب والحرمان .. فهو يعرف قانون الليمان حاكم مطلق الصلاحية .

اجتمعنا نحن السجناء في فناء العنبر .. وأجلسونا القرفصاء .. وجلست هذه المرة دون مجرد التفكير والاعتراض علي هذا الوضع .. وكانت إدارة السجن قد استدعت بقية الإخوان الذين كانوا في غرف تأديب ومنهم الدكتور حمدي .. ووقف الملازم أول عبد العال سلومة لنا جميعا :

أيها النزلاء ..

يسر إدارة الليمان أن تسعدكم بمشاهدة الإخوان المسلمين يقومون بألعاب بهلوانية للترفيه عنكم ! وحضرتني في تلك اللحظة صورة نيرون يقهقه وروما تحترق ..

وأعطى الضابط الخليع أوامره للأخوات المسلمين ليدوروا سريعا حول العنبر ،  ومن ورائهم شرذمة من الزبانية تلهب ظهورهم بالسياط .. 

وشرذمة أخرى تقذفهم بالكلس الحارق علي وجوههم .. إن وحشيه هولاكو كانت لتبدو معدومة إذا ما قورنت بوحشية القائمين علي سكان الجزيرة يستمدون أوامرهم من وزارة الداخلية فينفذوها بدقة وإخلاص..

ثم نودي على الإخوان مرة أخرى ليوزع عليهم الضابط الهمام أسماء جديدة .. ولكنها أسماء لنساء صورة من المهانة والتحقير لم تعرفها الإنسانية من قبل .

ولم يكتف سلومة بهذا القدر من التحقير بل سولت له نفسه أن يأمر أحدهم – أعرفه جيدا يدعى محيي الدين عطية وهو طالب في كلية الحقوق – أمره بأن يضاجع أخا له .. واقشعرت الأبدان – أبدان السجناء كل السجناء – وبكى محيي من فرط الألم واستنكر بشدة أمر الضابط الرفيع . ، لم يكن سليط زكريا محيي الدين لتنال درة من أدميته .. فأوقعته أرضا ومغشيا عليه ..

وتمتمت بصوت خاشع : اللهم أرفع عنهم هذا الكأس وارحم الشهداء – شهداء الإيمان وأعداء الطغاة الآثمين .

الدكتاتورية المطلقة:

أسلوب الحكم البغيض  

عزيزي القارئ .. طالما أني تعرضت في حديثي عن طرق التعذيب وأساليبه التي ابتدعتها مخابرات عبد الناصر وزكريا محيي الدين واتبعها القائمون على السجون في مصر ، فلا بد أن أروي لك قصة تعذيب سجين عرفته الجامعة العربية.

من أنشط رجالها . أنه الأستاذ صالح أبو رقيق الذي كان يشغل منصب رئيس قسم شمالي إفريقيا في الجامعة ، وعضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين. وكان قد جئ به إلى الليمان مع مجموعة من زملائه أعضاء مكتب الإرشاد ، بعد أن عوقبوا بالشغال المؤبدة من محكمة الثورة ، وجاء معهم أيضا الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان .. والذي خفضت عقوبته من الإعدام للأشغال الشاقة المؤبدة .

أدخلوهم الليمان حفاة وشبه عراة .. ووضعوهم في الدور الثاني من عنبر "1 " أي العنبر الذي أسكنه .. وقد عرضت منهم صديقا قديما هو الأستاذ صالح المذكور وهرعت فورا لمقابلته .. ولكن الضابط المسؤول عن مراقبتهم خيب أملي ، إذ منعني من مقابلته .. وأضاف بأن لديه أوامر مشددة بالنسبة للإخوان ويحظر على جميع المسجونين الاتصال بهم .. ورضخت للأمر وعدت إلى زنزانتي .. 

جمعت كل ما فيها من معلبات محفوظة .. لحم وسردين وخضار إلى غير ذلك ، وأرسلتهم لصالح خفية من النوبتجي الذي يقوم على خدمتي . وأرسلت أيضا حذاء خفيفا للمرشد العام .. وفى اليوم التالي التقيت بصالح بعيدا عن الضابط المراقب فشكرني من الأعماق وقدمني للمرشد العام .. وشكرني الأستاذ الهضيبي بدوره أيضا .. ولم استطع الجلوس معهم نظرا للرقابة الشديدة التي كانت قد فرضتها عليهم إدارة الليمان .

وبعد أيام سمح لهم بالخروج إلى فناء العنبر .. حيث أصبح الاتصال بهم أمرا ليس بالعسير وجلست معهم .. وكان صالح يتحدث مع سعد كامل المحامي والدكتور شريف حتاته، وهما من مجموعة الشيوعيين المسجونين في الجزيرة وقلت لصالح:

لقد سمعنا من الزبانية هنا .. إنكم كنتم ضيوفا على الباستيل .. والباستيل كما يعرف جميع المساجين هو السجن الحربي .

وتنهد صالح وقال :

أيوه يا أخي ، كنا بالباستيل ، وأي باستيل .. رحم الله باستيل فرنسا ..

وقلت بالله عليك يا صالح ، اخبرنا ماذا جرى معك شخصيا هناك ؟!..

وقبل أن أترك له مجال التردد ..

قلت مضيفا :

لقد تسربت إلينا أخباركم وأنتم في الباستيل ، بواسطة الزبانية هنا .. إلا أنني أرجو سماع القصة منك بالذات ..

وقال صالح: ماذا أقول ؟ أشياء لا تقال .. ولا يمكن أن يتصورها عقل..

قلت : فليكن .. لقد صممنا على أن نسمع القصة منك على حقيقتها ..

وقال صالح : فتح باب الباستيل الضيق ، فاستقبلوني بلون جديد من الشتائم والسباب .. والسياط أيضا ..

ثم صدرت أوامر حمزة البسيوني قائد السجن الحربي هكذا :

- معك دقيقة من الوقت تتكون بعدها ( عريان زى ما ولدتك أمك !) ..

قلت للجاويش : ولماذا ؟

قال : هنا يا (...).. ؟؟ لا يسأل لماذا ؟ ولم نتعود أن نسمعها من أحد من قبل..  اخلع ثيابك فورا .. وإلا ..

قلت للجاويش : لا داعي لكل هذا التهديد .. سأترك شيئا يستر عورتي فقط! وخلعت ملابسي ولكن " البسيوني " لم يرتح لي .. فأمر زبانيته بإهدار كرامتي .. وحاولت الاحتجاج بشدة .. فتناولتني السياط من كل جانب وبكل غلاظة ، حيث مزقت جسدي وأنهكت قواي .. وغبت عن وعيي ..

وأفقت أخيرا لأجد نفسي في غرفة مظلمة ضيقة يعلو أرضها شبر من ماء .. وبابها موصد .. صنعت خصيصا لهذه الغاية .. غاية التعذيب والإرهاب وقضيت ليلة ليلاء عرفت فيها أبشع صور التنكيل والإجرام .

كنت مرهقا للغاية .. ألتمس هنيهة من رائحة .. ولكن كيف الوصول إلى ذلك .. كيف أنام وفراشي من مياه ولم أستطع الجلوس . وبقيت واقفا أنتفض من البرد وأتلوى من العذاب والألم .. إلى أن جاء الصباح .

أخرجوني من الغرفة منهوك القوى ، لا أستطيع حراكا .. ولكن ليدخلوني هذه المرة في غرفة كبيرة يتدلى من سقفها جنزيران من حديد .. في نهاية كل منهما حلقة حديدية.

وسألت الزبانية .. ألا من راحة ؟

فأجابني أحدهم .. كل الراحة .. إنه وقت الفطور.. سنقدم لك الآن وجبة الإفطار ثم بعد ذلك نتركك لتأخذ قسطا وافرا من الراحة !..  

واقترب اثنان منهم لوضع قدمي في حلقات الحديد .. وثرت عليهما وعلى هذا التنكيل ببني البشر .. وعلى الثورة البربرية .. وعلى الدكتاتورية ، وعلى الاستبداد المطلق ! واستجمعت قواي وأشبعتهم ضربا .. وازداد عددهم وتغلبوا علي .. ووضعوا قدمي بالحلقات الحديدية ، حيث تدلى رأسي إلى أسفل وشدت قدماي إلى فوق ، وانتظرت تمزيق جسدي بالسياط .. ولكن يا لهول ما فعلوا .. 

كم كنت أتمنى الموت .. ولا أرى ذلك ..؟؟

وسكت صالح : وفلتت من عينه دمعه تروي قصة التعذيب والتحقير وهدر الكرامة.

وسادنا الصمت جميعا .. وكان على رؤوسنا الطير .

ثم قطع السكوت الأليم أحدنا ، إذ قال : نحن مسيرون هنا .. فلا تحزن يا أستاذ صالح .. اكمل .

وقال صالح باختصار .. لقد حضروا منفاخا ووضعوا مقدمته في مؤخرتي .. ونفخوني به ، حتى أصبحت تماما كالبالون .. وإما عن الآلام وتقطيع الأوصال .. فحدث ولا حرج .

وقلت لصالح .. شكرا لله على خروجك  من الباستيل حيا .. وكلمات مواساة كثيرة.

ولم يشأ أحد منا بعد ذلك أن يسأل عن بقية وجبات الطعام ..

وقلت لصالح:

أن الخلود لرجال الميادين ..

 

 

محتويات الكتاب

هذا الكتاب

تقديم

المذبحة 

استبداد الزعيم وزعامة المضلين 

الطغاة يهدرون دماء الشهداء  ويسومونهم سوء العذاب 

مجزرة القرن العشرين

الدكتاتورية المطلقة " أسلوب الحكم البغيض "

الفهرس 

 

دار الأنصار

مكتبة طباعة  نشر توزيع

18 ش البستان ناصية شارع الجمهورية عابدين

ت:931581

انتهى الكتاب

 

 

 ملحوظة: نظرا لطول المقال تعذر نشر البريد وننشره في المقال القادم إن شاء الله

 




________________________________________

 [1] - لا يتجاوز متوسط توزيع العدد ألف نسخة ، ثمن النسخة جنيه مصري واحد، ويوزع مع معظم الأعداد كتاب كهدية مجانية، وقيمة الكتاب بأسعار هيئة الكتاب لا تقل عن خمسة جنيهات.. أما مرتب ص ع عن ذلك فيتجاوز 14000 جنيه.. أي أنه بحساب تكلفة الكتاب والصحافيين و.. و.. فإن كل عدد من الصحيفة المهجورة يكلف الأمة المنهوبة أكثر من مائة جنيه مصري.. وكل ذلك لأنه صنيعة الأمريكان والسلطان لتشويه الإسلام.. 

 [2] - المحزن جدا.. أن بعضا من إخوتنا الأفاضل من كتاب الشعب لم يفطنوا لذلك فبادروني بالعتاب عندما كتبت في مقال سابق أن جمال البنا  شقيق للإمام حسن البنا.. لكنه ليس من أهله.

 [3] - عادل حمودة- كيف يسخر المصريون من حكامهم- سفنكس للطباعة والنشر.

 [4]  - الوصف بتصرف عن فولتير في روايته القصيرة الشهيرة: الساذج- ترجمة عبد الله المشنوق- منشورات دار المقاصد الإسلامية- بيروت.

 [5] - القصيمي أيضا هو صاحب الكتاب الشهير: العرب ظاهرة صوتية.

 [6] - موقع إيلاف على الشبكة.

 [7] -  كتاب عملاق الفكر الإسلامي الشهيد سيد قطب  بقلم: الدكتور الشهيد  عبد الله عزام  

 [8] - من استن سنة سئة فعليه وزرها إلى يوم القيامة.. في الأسبوع الماضي هاجمت قرية في محافظة المنيا رجال الأمن و أحرقت سيارات الشرطة.. فقبلها بأسوع ذهبت المباحث لإلقاء القيض على أحد شباب القرية.. وبعدها بأسبوع وجد أهله جثته متعفنة في المزارع!!..

 [9] - مجلة آخر ساعة العدد 3470  

 [10] - موقع إيلاف على الشبكة العنكبوتية.

 

 [12] - لقد تحدثت عن مرتب صلاح عيسى في القاهرة.. وهو ضئيل جدا بالمقارنة لما يحصل عليه سواه.. جابر عصفور مثلا يحصل على ربع مليون جنيه سنويا  من وزارة الثقافة فقط (  وهناك غيرها ) مقابل نشر الكفر والعهر والتطبيع.. كما أن مرتب رجال الإدارة العليا ومنهم رؤساء الجامعات ومدراء الأمن ورؤساء الهيئات خاصة اإعلامية يتجاوز مرتب الواحد منهم 300000 جنيه شهريا.. نعم.. بالأرقام ثلاثمائة ألف جنيه شهريا.. وهذا ليس ثمن " عمل" بل ثمن بيع دين وأمة..

 [13] - الوفد- 6 أبريل 2002.

 [14] - أخبار الأدب 28-12-2003 .

 [15] - نفس منهج الحكومة السعودية في إخراج مناسك الحج خارج الحرمين  وكأنها ديكور فيلم ليوسف شاهين.. والأمر يحتاج لمقال طويل ليس مكانه ههنا.. ومرحبا بأي مشقة في الحج إلا أن تكون هذه المشقة مصنوعة من الأجهزة السعودية. من ذلك أنه لا يوجد جندي ينظم مرور الحجيج في رمي الجمرات فتراهم يتدافعون في كل اتجاه بلا نظام وهو ما ترتب عليه في العام الأخير سقوط عشرات من الحجيج شهداء..و أظن أن الحكومة السعودية ملزمة بدفع الدية لهم.. ومن أوجه القصور أيضا: عدم النظافة والنظام بصورة مذهلة في مني.. وكذلك أزمة دورات المياه و الأزمة في المواصلات خاصة بين منى ومكة.. حيث تقوم الحكومة بتعطيل وسائل المواصلات العامة في تصرف مذهل في لا منطقيته بحجة إتاحة فرصة للرزق لأصحاب التاكسي!!..

 [16] - منذ أيام كنت أشاهد ولي العهد على التلفاز يلقي أوامره للمسئولين أن يطاردوا الإرهابيين في كل مكان بلا رحمة ولا شفقة و أن يأتوا بهم إليه شخصيا..وذهلت.. فماذا يفعل ولى العهد بهؤلاء الآلاف أو حتى المئات.. هل سيذبحهم ليقدمهم وليمة لضيوفه؟!.. ولقد سبقه في ذلك الإنجليز.. حين قدموا لآخر ملك هندي مسلم على مائدة الطعام: رؤوس أبنائه.

 [17]- مذاهب فكرية معاصرة- الأستاذ محمد قطب- دار الشروق.

 [18] - ( إلا إذا نجحت المحاولات الدائبة للدكتور محمد سليم العوا كي يسحب البساط من تحت قدميه .. ليحل محله!)..

 [19] - وتلك نقطة أنبه القراء إليها.. خاصة أولئك الذين يعتمدون على الشبكة العنكبوتية كمصدر رئيسي للمعرفة.. لأنه يتم الآن تزييفها.

 [20] - آفاق عربية – 16-6-2004

 

________________________________________


لا شرعية إلا للمقاومة.. وهي تحكم ولا يُحكم عليها..

 

الأمة لا تواجه ربابنة أخطئوا الطريق بل قراصنة سرقوا السفينة..

 

الاستعانة بالأمريكيين في دارفور كفر..

 

حثالات بشرية

 

يا ولي العهد: إرسال  جيش إلى العراق كفر وخيانة..

 

يا ولي العهد: زادت أخطاؤك فليتك تتنحى..

 

حكام لهم صفات العبيد..

 

بقلم د محمد عباس

www.mohamadabbas.net

mohamadab@gawab.com

 

غاص قلبي..

أحسست بلفح النار واعتصار الألم وفزعة الغصة وترويع الاختناق..

كانت قناة الجزيرة تتحدث عن حزب سياسي في الدول الاسكندنافية يطالب باعتبار مجرد اعتناق الإسلام جريمة تستوجب السجن وباعتبار القرآن كتابا محرما لأنه كتاب إرهابي مرفوض وغير إنساني ولا يختلف عن كتاب هتلر: "كفاحي".. و أن الواجب تجريم اقتنائه..

وفي نفس الوقت كنت أقرأ:

" وصف  مقدم أحد البرامج الحوارية في  أكبر شبكات الإذاعة الأمريكية وهي شبكة وستوود وان ويدعى جاكي مايسون .. وصف "الدين الإسلامي كله" بأنه "منظمة قاتلة" تعلم "الكراهية والإرهاب والقتل".

و أضاف قائلا ما يلي:

" كل الدين الإسلامي يدعو إلى ويعلم الكراهية والإرهاب والقتل ولا أحد يعلم ذلك، وقد حان الوقت لأن يعلموا ذلك عن (الإسلام). القرآن يعبر بخمسين أسلوب عن الكراهية والحقد والعداء والقتل، (القرآن) موهوب للإرهاب. أنا لا أعلم كيف يمكن أن نسمي (الإسلام) دينا بالمعني التقليدي للكلمة. يجب أن نسميه منظمة قاتلة معنية بقتل الناس".

*** 

وغاص قلبي وحرقتني النار واعتصرني الألم وفزّعني الغصة وروعني الاختناق..

ورحت أتذكر مقتطفات من التلمود  الذي لم يهاجمه أحد، التلمود الذي ينص على أن  قتل الأممي (غير اليهودي)  قربان إلى الله يرضيه ويثيب عليه، لأن الأمميين أعداء لله واليهود، وهم بهائم لا حرمة في قتلهم بأي وسيلة، و يقول: "إن اليهود أحب إلى الله والملائكة، وانهم من عنصر الله كالولد من عنصر أبيه، ومن يصفع اليهود كمن يصفع الله، والموت جزاء الأممي إذا ضرب اليهودي، ولولا اليهود لارتفعت البركة من الأرض واحتجبت الشمس وانقطع المطر، واليهود يفضلون الأمميين كما يفضل الإنسان  البهيمة، والأمميون جميعاً كلاب وخنازير، وبيوتهم كحظائر البهائم نجاسة، ويحرم على اليهودي العطف على الأممي  لأنه عدوه وعدو الله، والتقية أو المدارة معه جائزة للضرورة تجنباً لأذاه. وكل خير يصنعه يهودي مع أممي فهو خطيئة عظمى، وكل شيء يفعله معه قربان لله يثيبه عليه، والربا غير الفاحش جائز مع اليهودي كما شرع موسى وصموئيل (في رأيهم). والربا الفاحش جائز مع غيره. وكل ما على الأرض ملك لليهود، فما تحت أيدي الأمميين مغتصب من اليهود وعليهم استرداده منهم بكل الوسائل [1].

ورحت أسترجع: "أصدر حاخام يهودي امس فتوى تحلل قتل المدنيين الفلسطينيين خلال الحرب. وقال الحاخام دوف ليئور مسؤول الكنيس في مستوطنة كريات اربع شرق الخليل، ان التوراة تأمر بحماية اليهود فقط" [2]..

وغاص قلبي وحرقتني النار واعتصرني الألم وفزّعني الغصة وروعني الاختناق..

وراح قلبي ينوح:

- -    هنيئا لكم انتصاركم.. هنيئا لكم يا حسني مبارك ويا جمال عبد الناصر ويا محمد علي.. هنيئا لك يا عبد العزيز آل سعود ويا ولي العهد.. هنيئا للقذافي وبورقيبة وكمال أتاتورك.. هنيئا للبشير وجارنج.. هنيئا لعلى عبد الله صالح ولجمال مبارك.. هنيئا للطهطاوي و أحمد لطفي السيد وسلامة موسى وعلى عبد الرازق وطه حسين ولويس عوض وجابر عصفور..هنيئا لشبلي شميل وفرح أنطون.. هنيئا لنازلي فاضل ومدرستها وللورد كرومر و تلاميذه.. هنيئا لسعد زغلول وإسماعيل صدقي وقاسم أمين.. هنيئا لصلاح عيسي ومصباح قطب ونوال السعداوي وجمال الغيطاني  وهويدا طه و أنيس منصور.. هنيئا لسمير رجب والإبراهيمين: العدة ونافع.. هنيئا للغذامي والحمد وفندي.. هنيئا للكاذب النيهوم والأسود غير العفيف و أركون والعظم وأدونيس .. هنيئا لفاروق حسني و أشباهه وهم كثر.. هنيئا لمباحث أمن الدولة والمباحث العامة والأمن القومي والحرس الوطني والبوليس السياسي.. هنيئا للجلادين والمرتدين والخونة.. هنيئا للشيوعيين واليساريين والقوميين..

ثم واصلت النواح:

- -    ها هم قد عادوا يا صلاح الدين.. عادوا يا عمر بن عبد العزيز يا على يا عثمان يا عمر يا أبا بكر ( رضى الله عنكم جميعا).. ها هم قد عادوا.. عادوا يا رسول الله صلى الله عليك وسلم وليس فينا من يقودنا من صحابتك.. أما إخوانك فموزعون على كهوف أفغانستان وسجون أمريكا والقاهرة والرياض وصنعاء وعمان وتونس و..و..و..أما في الأرض المقدسة يا رسول الله صلى الله عليك وسلم فقد منحوا المجاهدين ذوي الأجر أو الأجرين  مهلة شهر يتوبون فيها إلى الشيطان وينكصون عن الجهاد... عادوا..  عادوا.. وليس ثمة من يقودنا إلى طريق النجاة.. عادوا وليس فينا سوى أبي جهل و أبي لهب وابن المغيرة  والوليد والحارث بن قيس بن عدي وأمية بن خلف وأخيه أبي و  أبو قيس بن الفاكه والعاص بن وائل، والنضر بن الحارث  و زهير بن أبي أمية  و عقبة بن أبي معيط و الأسود بن المطلب، و مالك بن الطلاطلة الحافظ لدين الله وما حفظ  و أين الفائز بنصر الله وما انتصر، عادوا وكل حكامنا ابن سبأ بل يفوقونه..

 عادوا والمطلوب من الأمة أن توالي أعداء الله و أن تبرأ من المجاهدين في سبيله..

هل من حق ابن سبأ أن يحدد لنا ما هو الحلال وما هو الحرام؟!..

 أو من حق أبي جهل أن يعرفنا ما هو الإيمان وما هو الكفر..؟!

 أو من حق أبي لهب أن يميز لنا بين الرحمة والقسوة؟!.. 

أو من حق الوليد بن عتبة أن يقول لنا ما هو الصواب وما هو الخطأ..

هل من حق ابن سبأ السعودي أن يحدد لنا من هم المجاهدون ومن هم الخوارج؟!..

هل من حق ابن سبأ المصري أن يخون الدين والأمة كما لم يخن ابن سبأ الأصلى أمته ودينه..

هل من حق الخنزير – ابن سبأ العراقي- أن يعترف في وقاحة أنه هو الذي سلط الأمريكيين ليقصفوا أهلنا في الفلوجة .. والله يعلم أنه لكاذب فهو أحقر و أهون من أن يسلطهم  و أنهم هم الذين يسلطونه كما يسلط الصياد كلبه.. نعم.. هم يفعلون ما يشاءون ويتركون له مهمة النباح..

هل..

هل..

هل..

*** 

ها قد عادوا..

عادوا وفينا من يتهم الإسلام بأبشع مما يتهمونه به .. 

وزراء داخليتنا و أجهزة أمننا وكتابنا و إذاعاتنا وتلفازنا وصحافاتنا ومجلاتنا ونيابتنا وقضاؤنا!!..

عادوا وكلابنا تمزق لحمنا بأكثر مما تمزقها كلابهم..

بل إنهم عندما يعجزون يسلطون كلابنا مباشرة كما حدث في العراق..

عادوا..

عادوا..

عادوا..

لكنني من ديجور الظلام انتبهت على حقيقة باهرة..

أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.. كما أن أدنى صور  الحياة هي صورتها البيولوجية.. وأنهم يستطيعون قتل الملايين منا  لكن هل يستطيعون قتل في ظلال القرآن، أو الموطأ أو المسند أو الجامع أو الصحيحين.. يستطيعون مع الخونة والجهلة تغيير برامج التعليم.. لكن هل يستطيعون تغيير القرآن؟..

هل يستطيعون التسلل إلى قلوبنا ليتنزعوا منها تقوى الله وحب الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؟..

قد يستطيعون قتل البطل العظيم أسامة بن لادن رضى الله عنه أو أبي مصعب الزرقاني حفظه الله و أيده بنصره لكن خالد الوليد سيظل فينا رابضا ينتهز الفرصة كي يقلب الدائرة عليهم.. و أبي عبيدة بن الجراح سينهض ليطرد قيصر: كلب الروم بوش.

وقد يستطيعون أسر العالم الفقيه الشجاع حين جبن الناس: الدكتور عمر عبد الرحمن .. لكنهم لن يتمكنوا منا إلا إذا تمكنوا من المقداد بن عمرو  أبي ذر الغفاري وسعد بن أبي وقاص ومصعب بن عمير  ومعاذ وصهيب وآلاف وآلاف يحفل بهم تاريخنا وتضئ بهم سماواتنا لا يستطيعون الوصول إليهم أبدا مهما بلغ عدهم وعتادهم لذلك فإن النصر محتم لنا مهما تراجعنا والهزيمة حتم عليهم مهما انتصروا..

إذن ..

النصر قادم لا ريب فيه..

قادم مهما غاص القلب ولفحت النار واعتصر الألم وفزعت الغصة  وآلم الاختناق..

*** 

ولست أخاف يا أمة على الإسلام فهو محفوظ ومنتصر لكنني أخاف على أجيالنا أن يغضب الله عليها فيذهب بها ويأتي بقوم يحبهم ويحبونه فيكتب للإسلام على أيديهم النصر..

لا أحول أن أنقذ الإسلام بل أحاول أن أنقذكم يا ناس ويا أمة..

أحاول أن أنقذكم.. أحاول أن أنقذكم من خزى الدنيا وخرابها ومن فضيحة الآخرة وعذابها.. فلو لم تكونوا كما أنتم لما تمكنت منكم تلك الحثالات البشرية التي نصبت نفسها عليكم حكاما ونخبة..

لماذا لم تقاوموا كما ينبغي للمقاومة أن تكون..

لماذا خافتّم بإبطال الجهاد حتى قبل أن تجهر أمريكا بأمرها لإبطاله.

لماذا انقلبت عندكم المفاهيم..

لماذا تبنيتم مصطلحات أعدائكم و آرائهم فيكم..

منذ أسابيع قتل عملاء الأمن أو عملاء أمريكا مفتي الباكستان.. فهل تعلمون ماذا كان عنوان صحيفة الحياة؟ لقد كان:

"متشددون يثيرون فوضى في كراتشي بعد اغتيال المرشد الروحي لـ"طالبان"

مدريد, لندن, إسلام آباد, كابول     الحياة     2004/05/31

شهدت مدينة كراتشي جنوب باكستان امس, اعمال عنف نظمها متشددون احتجاجاً على اغتيال المفتي نظام الدين شامزاي الذي يعتبر المرشد الروحي لحركة "طالبان" في باكستان.

و إنني أنبه القارئ إلى هذه التغطية الفاجرة فالتمويه يتم على الشهيد وعلى وظيفته الحقيقية وعلى سبب اغتياله كما أن المحتجين على الاغتيال هم المتشددون.

أما الحقيقة فهي أن الرجل مفتي السنة وكان على وشك إصدار فتوى بكفر برويز مشرف لتعاونه مع أمريكا عدوة الإسلام.. فاستبق الخائن الفتوى و أمر العملاء الإرهابيين حقا بقتله.

حتى صحيفة الشرق الأوسطن التي يطلقون عليها في المنتديات: " الشر الأوسخ" كانت أفضل في تغطيتها من الحياة:

الشرق الأوسط:

شغب في باكستان بعد مقتل مفتي السنة

كراتشي ـ لندن: «الشرق الأوسط» والوكالات

اجتاحت كراتشي في جنوب باكستان أمس موجة عنف واسعة النطاق بعد ان قتل مجهولون بالرصاص مفتي السنة في باكستان، نظام الدين شامزاي، خارج مسجده.

وقالت الشرطة ان المفتي نظام الدين شامزاي الموالي لطالبان والذي دعا إلي الجهاد ضد الولايات المتحدة بعد غزو افغانستان والعراق مني باصابة أفضت إلي موته. كما أصيب ابنه وقريب اخر له وأحد حراسه وسائقه. ولم يتضح على الفور من وراء الهجوم او ما ان كانت له صلة بأحداث العنف الطائفية. وقال وزير الشؤون الدينية اعجاز الحق للتلفزيون الباكستاني : كان هذا قتلا عمدا ووفقا لمعلوماتنا فقد شارك فيه نحو 10 إلي 12 شخصا».

*** 

نعم..

بل لقد انتقلت العدوى .. وعمت..

 لقد ذهلت من وصول العطب إلى نخاع الكتاب الإسلاميين أنفسهم.. ومنذ أيام كان أحدهم يقول على إحدى الفضائيات مستعيدا أحداث رواية الفسق والكفر والجنون" وليمة لأعشاب البحر".. وكان الكاتب الإسلامي يقول أن القاهرة كادت تحترق لولا أن الله سلم..

الله سلم..

القاهرة كادت تحترق..

لكن التعبير لإبراهيم سعدة، وهو ابن سبأ آخر، فلماذا يكرر الكاتب الإسلامي إفكه..

الحمد لله على كل حال.. الحمد لله بالصبر.... ولقد سلم الله حسني مبارك وعصبته لحكمة لا ندريها و أجل حسابهم لزمن قد نستعجله لكننا نعرف أنه تقدست صفاته وتنزهت أسماؤه لا يعجل بعجلتنا..  لكن القاهرة لم تسلم ولا مصر بسلامة مبارك و أركان حكمه إلا إذا كانت السلامة في إزاحة الطواغيت و إزالة أغواتهم.. ليس بالسيف الذي هدد بتقويم اعوجاج ابن الخطاب إن اعوج ، ولا بالجهاد كما ينبغي أن يكون، بل بالمظاهرات والاحتجاج المدني ( وهما حلال في شرع اللات بوش والعزي : دول الاتحاد الأوروبي).. وبرغم أنهما حلال على كافة المذاهب فإن الكل يستعيذ مما كان يمكن أن يحدث..

ماذا كان يمكن أن يحدث..

أن تستعيد الأمة أمرها وتقبض على طواغيتها وتحاكم أكابر مجرميها وتقتل من فسقوا فيها..

ماذا كان يمكن أن يحدث لو تمكن الشباب الذين غضبوا من أجل لا إله إلا الله من الاستيلاء على الحكم لتحقيق إرادة الأمة.. 

ماذا كان يمكن أن يحدث؟..

أن تقف مصر الحرة لتقول لأمريكا : لا.. فتكبح جماح الخنزير الهائج بوش.. ولو أن مصر قالت لا لما فعلت أمريكا ما فعلته في أفغانستان والعراق.. ولما فعلت إسرائيل ما تفعله في فلسطين..

أن تقف مصر المسلمة نواة تتجمع حولها باقي دول المسلمين لاستعادة دولة الخلافة العظمى..

أن تخجل السعودية مما تفعل وقد رأت مصر تثوب إلى رشدها فتتوقف عن ممارسة دور العبد مع السيد في علاقتها بأمريكا.. و أن تتوقف عما تفعله من خيانة لدينها و أمتها وقومها..

هل هذا هو ما أخاف أخانا..

أهذا هو ما نستعيذ منه..

ما هو هدف المعارضة في مصر إذن ؟

وما هو هدف الإسلاميين جميعا ..

أليس القضاء على الطواغيت جميعا؟..

لماذا إذن نسقط بين الإيمان والكفر والجهل والغفلة والخيانة والنفاق  فنقول أننا سعداء لأن حركة الأمة أجهضت فلم تبلغ غايتها بتغيير نظام الحكم بالوسائل المدنية ( المصرح بها من الأمم المتحدة ومن اتفاقيات جنيف!!)؟؟..

لماذا..

لماذا..

لماذا..

*** 

هذه الغشاوة على البصائر والضمائر وهذا النكوص عن الحق والإصرار على الباطل هي التي تدفعني إلى مجال لم أكن أريد الولوج فيه أبدا..

مجال الفتوى..

***  

في الطب، لا يبيح القانون لغير طبيب ممارسة المهنة، فإذا مارسها، ولو بأدوات الطبيب وآلاته فإن القانون يعامله بحسم بالغ، ويعتبر أن فتح خراج مثلا  جريمة تكييفها القانوني هو: طعنة نافذة بآلة حادة..

هذا هو القانون.. أما الاستثناء فهو يحدث حين يتعرض مريض لحالة خطيرة في غياب الطبيب، كانسداد الحنجرة بطعام أو بسواه.. فإنه يباح للموجود أيا كان عمله أن يقوم بعملية جراحية أشبه بالذبح.. إذ عليه أن يطعن  رقبة المريض من الأمام في منطقة القصبة الهوائية  ولو بسكين مطبخ  أو شظية زجاج ليفتح فيها ثغرة تمكن  المريض أن يتنفس.. وليس أمام المريض من فرصة في الحياة إلا ذلك..

لا تسئ بي الظن أيها القارئ ولا تظنن أنني أستدرجك إلى درس في الطب..

لكنني أردت أن أقول لك أن الإقدام على فعل  ما قد يشكل  جريمة في الأحوال العادية .. و أن النكوص عن نفس الفعل قد يكون هو الجريمة في الظروف الاستثنائية.

أطلت المفتتح..

و أعترف أنني خائف..  بل وترتعد فرائصي لأنني مقدم على الفتوى.. و أنا غير مؤهل للفتوى.. لكن ما حيلتي إن غاب الطبيب و أحدق بالمريض الخطر..

لست خائفا من ملك قد أفتي بجواز قتله.. لكنني خائف من ملك الملوك أن يضلني الهوى.. وما كان أغناني لو تقدم غيري..

نعم..

أقدم على الفتوى دون جرأة عليها يا حبيبي ومولاي صلى الله عليك وسلم.. دون جرأة.. لكنني وجدت  علماءنا يتوارون ويتخلفون ويناورون ويتأولون.. ويسارعون في الفتوى إذا كانت للشيطان فإن كانت في سبيل الله ثقلت ألسنتهم واشمأزت قلوبهم..

أقدم على الفتوى لأقول أن مصدر الشرعية الوحيد هو المقاومة.. وليس من حق أحد الحكم عليهم .. ولهم هم الحق أن يحكموا علينا جميعا.. وليس من حق أي واحد منا أن يحكم عليهم..

يقف العالم الجهبذ فقيه السلطان متبرما مشمئزا يطلق صفات الوحشية والبربرية بل وأحكام الخروج على الإسلام ( ألم يدّع فقهاء السلاطين قبل ذلك أن المستنيرين لا يكفِّرون أبدا)  يطلقونها على أسيادنا – لا أقول إخواننا – المجاهدين الذين يمارسون أعمالا ليست من الإسلام فيذبحون الأسرى ويشوهون الإسلام.

لم يسأل الجهبذ نفسه أي سؤال.. ولا هو أجهد نفسه حتى بالتأكد أن من يحكم عليهم بأحكامه القاسية هم الذين ارتكبوا الفعل الذي ينسبه إليهم. فهناك من يقول على سبيل المثال أن بعض عمليات الذبح على الأقل يقوم بها الموساد والسي آى إيه.. ( الرئيس الإيراني على الأقل قال ذلك).. لكن فقهاء الريموت كنترول لا يأبهون بشبهة تسقط الحد ولا بدليل يوجبه.. فقهاء الريموت كنترول يفتون بما تتحرك به أصابع الحاكم.. والحاكم نفسه ليس سوي دمية في مسرح العرائس خيوطها في أيدي الـ CIA  والموساد. ولم يقل لنا أي فقيه من فقهاء الريموت كنترول  ولا هو كلف نفسه أن يوضح لنا من الذي طلب منه أن يصدر فتواه .. ولماذا..  ولم يقل لنا صدئ الروح  أين نذهب بـ: "وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر".. ولا قال لنا ميت القلب ماذا نفعل بـ:" ما من امرئٍ يخذلُ امرءاً مسلماً في موطنٍ يُنتقصُ فيه عِرضه ، ويُنتهك فيه من حُرمته إلا خذله اللهُ تعالى في موطنٍ يُحبُّ فيه نصرتَهُ ، وما من أحدٍ ينصرُ مسلماً في موطنٍ يُنتقصُ فيه من عِرضهِ ، ويُنتهك فيه من حُرمته ، إلا نصره الله في موطنٍ يحبُّ فيه نصرتَهُ ".. ولا هو فسر لنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يمنع تسليم المسلم حتى إلى الصليبي المحالف :"...  خلوا بيننا وبين الذين سَبَوْا منا نُقاتلْهم ، فيقول المسلمون : لا ، والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا".. ولا هو قال لنا أين نذهب بـ:"الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ و المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يسلمه".. ولا هو قال لنا كيف نفسر : "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون"..

لم يقل لنا أين نذهب بـ: )الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً(..

أين نذهب بـ:  ) فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (..

أين نذهب بـ:  )قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ(..

أين نذهب بـ:  ) قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ(.. 

أين نذهب بـ:  ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً (..

أين نذهب بـ:  ) وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً(..

أين نذهب بها وجميع قوانين جميع حكوماتنا تسحق من يحرض المؤمنين على القتال..

أين نذهب بـ:  ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(..

أين نذهب بها والمجلس الإسلامي الأعلى قد حرّم ذكر الجهاد في بياناته كما أن قوانيننا الوضعية تجرم ذروة سنام الإسلام..

أين نذهب بـ:   (والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله - والله أعلم بمن يكلم في سبيله - إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك).  

وكلمة الجهاد إذا أطلقت كما يقول ابن رشد ( المستنير الذي يعده المستنيرون حجة علينا ) : يقول ابن رشد  (وكلمة الجهاد إذا أطلقت إنما تعني قتال الكفار بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ).

أين نذهب بـ:   (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله). أين نذهب بها إذا ذهب مجاهد إلى ابن سبأ العراقي فقتله؟!..

أين نذهب بها .. وهل نحرم ذكر الحديث كي لا نخالف أوامر حكامنا.. أم ننال فيهم وبهم منازل سادة الشهداء.

أين نذهب بـ:   (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد).

     أين نذهب بـ: (المؤمنون تتكافأ دمائهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر).. 

أين نذهب بها وقد أقر حكامنا بالعكس: ألا يقتل كافر بمؤمن!!..

أين نذهب بـ:    (إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله)..

أين نذهب بـ:   (إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أدخل الله عليهم ذلاً لا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم)

أين نذهب بـ: (عجب ربنا من رجل غزا في سبيل الله فانهزم أصحابه، فعلم ما عليه فرجع حتى أهريق دمه، فيقول الله عز وجل لملائكته: انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي، وشفقة مما عندي حتى أهريق دمه).

أين نهرب من : (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قيل  : أو من قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قيل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)

أين..

أين..

أين..

هل ضاع الإسلام؟!..

أم نزل وحي بنسخ القرآن؟..

أم كفرتم بعد إيمانكم؟!!..

... 

أفتي أنا.. ليس جرأة على النار بل خوفا منها..

أفتي بأن أي دولة إسلامية ترسل جيشا إلى العراق استجابة لابن سبأ العراقي قد خالفت شرع الله مخالفة تخرج المسئول فيها من الملة.. وأن من حق المجاهدين قتل جنود هذا الجيش بل وقتل  من أرسله .. و أن من يُقتل منهم لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين..

هل تسمع يا ولي العهد السعودي؟!..

وليس المصري أغلى عندي من أبناء الجزيرة ولا مصر أغلى من الجزيرة فبعد مكة والمدينة كل أرض المسلمين سواء. ولو أرسلت مصر جيشا إلى العراق وكنت هناك لكنت أول من يقاتله..

يا ولي العهد لقد ذهبت بعيدا في الرضوخ لأمريكا.. 

ارحم نفسك رحمك الله واستقل وتنح عن الحكم.. فإن لم تفعل فإنني أصرخ في العائلة السعودية: أليس فيكم رشيد؟.. لقد عزلتم سعود لأمور أقل كثيرا مما اقترفه ولي العهد فلماذا لا تغيرونه وقد هبط بتصرفاته بسمعة المملكة إلى ما لم تكن عليه أبدا.

لم أيأس من جمعكم كله بعد يا آل سعود ومن المؤكد أن هناك أقلية منكم ما زالت تؤمن بالله وبرسوله وتعتبر أن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام.. وللباقين من آل سعود لست أناشدكم من أجل الدين أو الأمة بل أناشدكم من أجل أنفسكم.. إن أمريكا لا تحميكم.. بل هي تدفعكم إلى حتفكم على أن تغسل أيديها من دمائكم ليكون القاتل والمقتول منا..

انظروا إلى الكويت.. هل سيبقى منها شئ..

إذا انتصرت المقاومة – وهي حتما منتصرة بإذن الله – فقد انتهت الكويت ومسحت مسحا من خرائط الجغرافيا وكتب التاريخ لأن تكاليف الثأر ثقيلة و أخشى أنها تستوعب الدم الكويتي كله.. ( معظم الكويتيين اقتنوا المنازل في بريطانيا وكندا استعدادا لهذا اليوم)..

أما ذا انتصرت أمريكا - لا قدر الله- فسوف يقوم خنزيرها الحاكم في العراق بضم الكويت إلى البصرة كما كانت عبر التاريخ وستؤيد أمريكا ذلك..

في الحالين انتهت الكويت بحماقة حكامها فلا تسيروا في نفس الطريق..

تذكرون يا قراء أنني بدأت منذ شهور طويلة، قبل بدايات الأحداث أحذر من أنني أري ما سيحدث في السعودية وشبهته بما حدث في مصر عام 54..

المطلوب من ولي العهد اليوم هو بذاته ما كان مطلوبا من عبد الناصر .. القضاء على الإسلام.. سموهم إخوانا.. سموهم إرهابيين.. سموهم متشددين.. سموهم أصوليين.. سموهم أي شئ فالاسم لا يهم والمطلوب هو القضاء على الإسلام كله الذي يجاهر الآن كلابهم بالمطالبة باعتبار مجرد اعتناقه جريمة..

المطلوب الآن من ولي العهد ذلك.. وهو يفعله.. لكن الأمر لن يطول به بعد أن يفعله كما طال بجمال عبد الناصر.. فقد تغيرت الظروف وأسفر الوحش الأمريكي عن أنيابه.. و ما أظنه.. وما أصدق ظنوني!!.. أنه سيتم الضغط على ولي العهد كي يأتي أمورا تفقده صبر أهله وتثير عليه الأمة كلها.. إنهم يدفعونه لاستغلال وزن المملكة بين الدول الإسلامية لكنه سينسف هذا الوزن بفعله.. ولا أستبعد أبدا أن تكون أمريكا تدرك جيدا الانشقاق داخل الأسرة الحاكمة نفسها و أنها تعمق هذا الصراع بدفع ولي العهد إلى تصرفات لا يمكن الدفاع عنها.. لتنفجر الأمور وليحارب هذا ذاك وذاك هذا وتشتعل الفتنة بين العائلة والعائلة وبين العائلة والناس وبين الناس والناس.. لتدخل أمريكا في النهاية للاستيلاء على الجزيرة كي تقر الأمن..

يا ولي العهد:

لقد حذرتكم عام 1990 وقد حدث كل ما حذرتكم منه..

وحذرتكم 2001 وحدث ما حذرتكم منه..

وحذرتكم 2003 وحدث ما حذرتكم منه..

وهذا هو تحذيري الأخير:

أفعالك لن تقضي عليك فقط.. ولا على عائلتك فقط.. بل على الجزيرة العربية كلها.. بالإضافة إلى تأثيراتها الكارثة على أمة لا إله إلا الله محمد رسول الله.

يا ولي العهد : إرسال جيش من الجزيرة إلى العراق خط أحمر يفتح الأبواب لأنهار من الدم.. منها دمك.. فاحذر..

أفتي هنا بما أفتى به  علماء الباكستان ضد جيشهم الذي أمره ابن سبأ الباكستاني أن يلاحق المجاهدين في وزيرستان..

***  

أفتي بما أفتى به الشيخ محمد أبوزهرة  عن فلسطين و أطبقها على العراق: (إن العدو قد دخل ديارنا، وأخذ أرضاً مقدسة من أرضنا، وبذلك يكون القتال فرض عين، ولايكون فرض كفاية، فيجب على كل مسلم، في أي أرض اسلامية أن يتقدم للقتال، ويأخذ الأهبة لذلك.. وإن الذين احتلت أجزاء من ديارهم على المسلمين مجتمعين أن ينصروهم ولا يتركوهم) ثم أفتى بفتواه الجامعة المزلزلة لشتى المسلمين في كل أرجاء الأرض:  (ليس الجهاد بالعمل الجامع للجيوش المجيشة بل للجهاد ضروب أخرى غير الجيوش، فليذهب إلى الأرض المغتصبة في كل اقليم اسلامي طائفة مدرعة بالإيمان والسلاح والمال، تنطلق فتقض مضاجع أولئك المغتصبين، وتجعلها عليهم سماً زعافاً، بدل أن تكون لبناً وعسلاً كما يريدون).

***  

أفتي أيضا بأن المنافقين لا يحكمون على المؤمنين ولا القاعدين عن المجاهدين ولا الخائنين على المخلصين.. وأن من حق المقاومة أن تقوم بكل دور السلطة من ولي أمر وقضاء و إفتاء ما دامت السلطة الموجودة سلطة عميلة عينها الكافر.. و أن الجار المسلم مرتد إن والى الكفار فهو منهم..

قد أوصيهم عندما يكون لهم جيش ورادارات ومصارات ومخابرات أن يتجنبوا قتل المدنيين.. أما قبل ذلك فلا توصية ولا وصاية..

قد أوصيهم عندما يملكون القنابل النووية ووسائل نقلها أن يلتزموا قد الاستطاعة بعدم قصف المناطق السكنية في نيويورك وواشنطن وتل أبيب.. وأن يضربوا فقط معسكراتهم ومفاصل اقتصادهم..

قد أوصيهم ألا يستعملوا القنبلة النيوترونية التي تبخر البشر وتبقي على المعدات والمباني ( تلك التي استعملها عبدة الشيطان الأمريكان في مطار بغداد)..

قد أوصيهم بالصبر عند المقدرة.. أما عند دفاع الصائل فليس لهم منا إلا الذبح..

نعم..

أفتي بأن من حقهم قتل كل من أعان الأمريكان عليهم..

أفتي بأن الفتوى من حقهم لا من حق غيرهم ممن هان أو خان..

أفتي و لا أناشد بالإفراج عن أحد، فالدول المارقة التي تركت ضحاياها يذهبون إلى هناك هي الأولي، ليس بالمناشدة، بل بالتنديد واللوم إلى تلك الدول التي تركت رعاياها يتساقطون هربا من جوع تسببت فيه حكومات لصة عميلة.. تركتهم يتساقطون بين براثن الكفر والموت.

أفتي بأن الإسلام وطن..

لا يوجد عربي ولا كردي ولا زنجي ولا نوبي ولا بربري ولا أبيض ولا أسود و إنما إخوة لا فضل لأحده على أخيه إلا بالتقوى.. و أفتي في هذا الصدد أن استعانة الأكراد العراقيين بالأمريكيين أو الأفارقة السودانيين بالبريطانيين إنما هو كفر مخرج من الملة..

نعم..

كفر مخرج من الملة..

استعانة المسلم بالمشرك على أخيه المسلم كفر مخرج من الملة..

ومن يوالي الصليبيين على المسلمين فإنه من الصليبيين .. نعم.. هو منهم.. وقد أسقط هو بنفسه جميع حقوقه.. ولم يكن  له من حق سوى حق الحاكم الظالم الفاسق.. أما وقد والاهم فلا حقوق له ولا اعتبار لموثق أوثقه أو لعهد أعطاه أو لأمان أمضاه..

... 

أفتي بأن الأمة كلها آثمة إذ نكصت عن نجدة المجاهدين الأقرب فالأقرب..

أفتي بأن الأمة آثمة إذ لم تجاهد بأرواحها في جهاد هو فرض عين.. وليس بالضرورة أن يتم على أرض العراق بل إن ضرب قواعد الكفر في أي مكان قد يكون أكثر تشتيتا و تأثيرا.

أفتي بذلك و أعاتبك يا أمة.. بل أقرعك و أدينك..

إن كنت قد عجزت عن الجهاد كما يجب أن يكون.. أما من حركة.. أما من صوت أما من همسة..ألا يحرضك ضعيف الإيمان على الخروج في مظاهرة بعد صلاة جمعة..

*** 

أحاول أن أفهم.. كيف ركعت الأمة كل هذا الركوع لحثالات بشرية تسلطت على الحكم واستولت عليه..

أحاول أن أفهم  كيف سجدت الأمة كل هذا السجود لأعداء الله..

أدرك أن الهجمة كانت عاتية..

و أن الهدم لم يحدث في عام أو عامين بل في عشرات العقود والحقب..

أدركوا منذ زمان طويل أن أمتنا لا يمكن هزيمتها دون تفتيتها من الداخل.. وراحوا يفتتون كل مؤسسة وحزب وهيئة ونقابة..

أدركوا أن الإسلام هو الرابط للأمة فراحوا يوثنونه ويهودونه وينصرونه.. يحولونه إلى شئ آخر غير الإسلام..

*** 

خانك حكامك يا أمة.. لم يكونوا ربابنة أخطئوا الطريق إذ يمخرون بالسفن عباب البحار.. لم يكونوا ربابنة.. بل كانوا قراصنة استولوا على السفن وسرقوها.. فاستسلم لهم أصحاب السفن و أهلوها.. كما لو كانوا هم الربابنة..

خانك جيشك يا أمة.. وما من مكان حكم فيه العسكريون إلا حاق الخراب بأهله لأن جيشك لم يحارب الأعداء إلا فيما ندر وكان دائما يحاربك أنت يا أمة فلم لم تمنعيه..

خانك بوليسك يا أمة وتحول إلى عصابات إجرامية من النخاسين والجلادين يعرضون أبناءك في سوق النخاسة ويروعونهم ويقتلونهم ويلفقون لهم القضايا..

أفسد الفساد حتى قضاءك الجالس والواقف.. فلم يعد لديك قضاء لا واقف ولا جالس.. أصبح ما عندك قضاء ميت.. فإن حيا شخوصه فقد مات ضميره..

خانتك جامعاتك يا أمة أصبحت فروعا و أوكارا يستشري فيها الغزو الفكري وهدم الأمة..

خانتك صحافتك..

خانتك نخبتك..

فأين كنت يا أمة..

يا أمة نست الله فأنساها الله نفسها..

مزقي الدستور يا أمة..

مزقي دستور التضليل والكذب والزور والبهتان..

مزقي الدستور الذي لا يتعامل معه إلا بمفهوم المخالفة واللف والاقتحام والاستغفال..

مزقي دستورك..

مزقيه..

ودعيني أقدم لك دستورك الحقيقي..

دستورك الذي تتبعيه..

دستورك الذي أقسم حكامك وجيشك وبوليسك وقضاؤك وجامعاتك ونخبتك ألا يخالفوه أبدا.. فهم يسيرون على حذوه حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة..

أقرأ لك من دستورك الحقيقي يا أمة:

مادة 1: [3]

.. سنختار (لهم ) من بين العامة رؤساء إداريين ممن لهم ميول العبيد، ولن يكونوا مدربين على فن الحكم  ، ولذلك سيكون من اليسير أن يمسخوا قطع شطرنج ضمن لعبتنا في أيدي مستشارينا العلماء الحكماء الذين دربوا خصيصاً على حكم العالم ..

والى ذلك سنعطي الرئيس سلطة إعلان الحكم العرفي، وسنوضح هذا الامتياز بأن الحقيقة هي أن الرئيس ت لكونه رئيس الجيش ـ يجب أن يملك هذا الحق لحماية الدستور الجمهوري الجديد، فهذه الحماية واجبة لأنه ممثلها المسؤول.

مادة 2

إن الصحافة التي في أيدي الحكومة القائمة هي القوة العظيمة التي بها نحصل على توجيه الناس

مادة 3 

إن ضخامة الجيش، وزيادة القوة البوليسية ضروريتان لإتمام الخطط السابقة الذكر. وانه لضروري لنا، كي نبلغ ذلك، أن لا يكون إلى جوانبنا في كل الأقطار شيء بعد إلا طبقة صعاليك ضخمة، وكذلك جيش كثير وبوليس مخلص لأغراضنا.

مادة 4:

إننا أصحاب التشريع،  وإننا المتسلطون في الحكم، والمقررون للعقوبات، وأننا نقضي بإعدام من نشاء ونعفو عمن نشاء، ونحن ـ كما هو واقع ـ أولو الأمر الأعلون في كل الجيوش، الراكبون رؤوسها، ونحن نحكم بالقوة القاهرة، لأنه لا تزال في أيدينا الفلول التي كانت الحزب القوي من قبل، وهي الآن خاضعة لسلطاننا، إن لنا طموحاً لا يحد، وشرهاً لا يشبع، ونقمة لا ترحم، وبغضاء لا تحس. إننا مصدر إرهاب بعيد المدى. وإننا نسخر في خدمتنا أناساً من جميع المذاهب والاحزاب، (...) ولقد وضعناهم جميعاً تحت السرج، وكل واحد منهم على طريقته الخاصة ينسف ما بقي من السلطة، ويحاول أن يحطم كل القوانين القائمة. وبهذا التدبير تتعذب الحكومات، وتصرخ طلباً للراحة، وتستعد ـ من أجل السلام ـ لتقديم أي تضحية، ولكننا لن نمنحهم أي سلام حتى يعترفوا في ضراعة بحكومتنا الدولية العليا.

مادة 5 [4]

لقد نشرنا في كل الدول الكبرى ذوات الزعامة  أدباً Literature مريضاً قذراً يغثي النفوس.

الأدب والصحافة هما اعظم قوتين تعليميتين خطيرتين. ولهذا السبب ستشتري حكومتنا العدد الأكبر من الدوريات. 

وبهذه الوسيلة سنعطل Neutralise التأثير السيئ لكل صحيفة مستقلة، ونظفر بسلطان كبير جداً على العقل الإنساني. وإذا كنا نرخص بنشر عشر صحف مستقلة فسنشرع حتى يكون لنا ثلاثون، وهكذا دوالي.

ويجب ألا يرتاب الشعب أقل ريبة في هذه الإجراءات. ولذلك فإن  الصحف الدورية التي ننشرها ستظهر كأنها معارضة لنظراتنا وآرائنا، فتوحي بذلك الثقة إلى القراء، وتعرض منظراً جذاباً لأعدائنا الذين لا يرتابون فينا، وسيقعون لذلك في شركنا ، وسيكونون مجردين من القوة. 

وفي الصف الأول سنضع الصحافة الرسمية. وستكون دائماً يقظة للدفاع عن مصالحنا، ولذلك سيكون نفوذها على الشعب ضعيفاً نسبياً. وفي الصف الثاني سنضع الصحافة شبه الرسمية Semi Official التي سيكون واجبها استمالة المحايد  وفاتر الهمة، وفي الصف الثالث سنضع الصحافة التي تتضمن معارضتنا، والتي ستظهر في إحدى طبعاتها مخاصمة لنا، وسيتخذ أعداؤنا معارضتنا، والتي ستظهر في إحدى طبعاتها مخاصمة لنا، وسيتخذ أعداؤنا الحقيقيون هذه المعارضة معتمداً لهم، وسيتركون لنا أن نكشف أوراقهم بذلك. (...) وحين يمضي الثرثارون في توهم أنهم يرددون رأي جريدتهم الحزبية فانهم في الواقع يرددون رأينا الخاص، أو الرأي الذي نريده. ويظنون أنهم يتبعون جريدة حزبهم على حين انهم، في الواقع، يتبعون اللواء الذي سنحركه فوق الحزب.

.. ستكون الغرامات مورد دخل كبير للحكومة، ومن المؤكد أن الصحف الحزبية لن يردعها دفع الغرامات الثقيلة ولذلك فإننا عقب هجوم خطير ثان ـ ستعطلها جميعاً.

وهذه الإجراءات ستكره الكتاب أيضاً على إن ينشروا كتباً طويلة، ستقرأ قليلاً بين العامة من أجل طولها، ومن أجل أثمانها العالية بنوع خاص. ونحن أنفسنا سننشر كتباً رخيصة الثمن كي نعلم العامة ونوجه عقولنا في الاتجاهات التي نرغب فيها [5]. وان كون المؤلفين مسؤولين أمام القانون سيضم في أيدينا، ولن يجد أحد يرغب مهاجمتنا بقلمه ناشراً ينشر له.

مادة 6 

لخدمات البوليس أهمية عظيمة لدينا، لأنهم قادرون على أن يلقوا ستاراً على مشروعاتنا Enterprises، وأن يستنبطوا تفسيرات معقولة للضجر والسخط بين الطوائف. وأن يعاقبوا أيضاً أولئك الذين يرفضون الخضوع لنا. 

مادة 7

رغبة في تدمير أي نوع من المشروعات الجمعية غير مشروعنا ـ سنبيد العمل الجمعي في مرحلته التمهيدية  أي أننا سنغير الجامعات، ونعيد إنشائها حسب خططنا الخاصة. وسيكون رؤساء Heads الجامعات وأساتذتها معدين إعدادا خاصاً وسيلته برنامج عمل سري متقن سيهذبون ويشكلون بحسبه، ولن يستطيعوا الانحراف عنه بغير عقاب. وسيرشحون بعناية بالغة، ويكون معتمدين كل الاعتماد على الحكومة Government وسنحذف من فهرسنا Syllabus كل تعاليم القانون المدني مثله في ذلك مثل أي موضوع سياسي آخر. ولن يختار لتعلم هذه العلوم إلا رجال قليل من بين المدرسين، لمواهبهم الممتازة. ولن يسمح للجامعات أن تخرج للعالم فتياناً خضر الشباب ذوي أفكار عن الإصلاحات الدستورية الجديدة، كأنما هذه الإصلاحات مهازل comedies أو مآسٍ Tragedies، ولن يسمح للجامعات أيضاً إن تخرج فتياناً ذوي اهتمام من أنفسهم بالمسائل السياسية التي لا يستطيع ولو آبائهم إن يفهموها.(...) وعلينا أن نقدم كل هذه المبادئ في نظامهم التربوي، كي نتمكن من تحطيم بنيانهم الاجتماعي بنجاح كما قد فعلنا. وحين نستحوذ على السلطة سنبعد من برامج التربية كل المواد التي يمكن إن تمسخ upset عقول الشباب وسنصنع منهم أطفالاً طيعين يحبون حاكمهم، ويتبينون في شخصه الدعامة الرئيسية للسلام والمصلحة العامة.  [6]

وسنتقدم بدراسة مشكلات المستقبل بدلاً من الكلاسيكيات Classics وبدراسة التاريخ القديم الذي يشتمل على مثل Examples سيئة أكثر من اشتماله على مثل حسنة ، وسنطمس في ذاكرة الإنسان  العصور الماضية التي قد تكون شؤما علينا، ولا نترك إلا الحقائق التي ستظهر أخطاء الحكومات في ألوان قائمة فاضحة. وتكون في مقدمة برنامجنا التربوي الموضوعات التي تعني بمشكلات الحياة العملية، والتنظيم الاجتماعي. وتصرفات كل إنسان مع غيره.

مادة 8

إن حكومتنا ستعتقل الناس الذين يمكن إن تتوهم منهم الجرائم السياسية توهماً عن صواب كثير أو قليل. إذ ليس أمراً مرغوباً فيه أن يعطى رجل فرصة الهرب مع قيام مثل هذه الشبهات خوفاً من الخطأ في الحكم. ونحن فعلاً لن نظهر عطفاً لهؤلاء المجرمين. وقد يكون ممكناً في حالات معنية أن نعتد بالظروف المخففة Attenuating circumstances عند التصرف في الجنح offences الإجرامية العادية ولكن لا ترخص ولا تساهل مع الجريمة السياسية، أي ترخص مع الرجال حين يصيرون منغمسين في السياسة التي لن يفهمها أحد إلا الملك، وانه من الحق أنه ليس كل الحاكمين قادرين على فهم السياسة الصحيحة.

ولكي ننزع عن المجرم السياسي تاج شجاعته سنضعه في مراتب المجرمين الآخرين بحيث يستوي مع اللصوص والقتلة والأنواع الأخرى من الأشرار المنبوذين المكروهين.

مادة 9

حينما نمكن لأنفسنا فنكون سادة الأرض ـ لن نبيح قيام أي دين غير ديننا [7].

*** 

هل تُمارين يا أمة في ذلك أو تجادلين فيه..

أليس هذا هو الدستور المطبق في البلاد الإسلامية جميعا..

*** 

نعم..

هذا هو الدستور الذي يحكم بلادنا.. وإذا نظرنا إلى الواقع فلن نجد إلا تجليات هذا الدستور..

دعنا الآن من فساد رأس السمكة فذلك لا يحتاج إلى بيان ولننظر إلى فساد السمكة كلها..

*** 

إنني هنا لا أستطيع تناول الأمر بأي درجة من العمق والإحاطة.. إنما فقط أشير إلى شواهد الأمور من بعيد  إذ أحاول الإجابة على سؤال جوهري عن سر صمت الأمة.

أشير فقط..

*** 

وقبل أن أشير فإن علىّ أن أنبه القارئ أن ما أقوله بشع ومروع ورهيب.. لكن الواقع أكثر بشاعة وترويعا مما أقول بدرجة لا تقاس.

ولكي أضرب لكم مثلا عما أقول فلنعد إلى هزيمة 67..

تخيلوا لو أن الفرصة قد أتيحت قبل الهزيمة لانتقاد أوجه القصور في الجيش المصري..

فهل كان أي خيال مهما بلغ جموحه سيتصور ما حدث فعلا؟..

أم أن الواقع كان فوق أي خيال و أي تصور..

هل كان الخلل كما حاولوا أن يوهموا به الرعاع الذين هم نحن؟ هل كان لأننا لم نبدأ الحرب بالضربة الأولى؟ هل كان لأن الضباط قضوا ليلة الحرب في سهرة ماجنة فتأخروا في الاستيقاظ مما أدى لنجاح الضربة الجوية الإسرائيلية؟ هل كان لأن الشفرة تغيرت فلم يصل تحذير عبد المنعم رياض من الأردن بخبر انطلاق الطائرات الإسرائيلية؟( مكثت أعواما أعض بنان الندم و ألوك الحسرة على ضياع تلك الفرصة) لكن.. هل كان هناك أي فرصة؟ هل هزم الجيش لعارض طارئ أم هزم لخلل جوهري فيه لا يعود إلى إهمال ضابط أو لجهل جندي بل كان يعود إلى فساد هائل لنظام كامل.. أشد ما فيه فسادا قياداته.. وسط صمت شعبي يمثل التربة التي تترعرع فيها وتنمو أي هزيمة.. وأن جميع من نشروا تلك الأسباب السابقة وما شابهها إنما يشبهون مساعدي اللص في السوق والذين ينشرون الارتباك والضوضاء كي يفلت اللص. 

سوف يتطور الأمر بعد ذلك في كافة أرجاء عالمنا الإسلامي لكي يضع في كافة المستويات هياكل فارغة..

نعم هياكل فارغة..

يكون الرئيس أو الملك مع الأسرة والحاشية هم اللصوص الحقيقيون الذين ينهبون البلاد، ويعرف الكل ذلك، ويتاح للجميع أن يهاجموا الفساد واللصوص بشرط واحد.. ألا يتعرضوا على الإطلاق للرئيس أو الملك مع الأسرة والحاشية !! وفي تلك الحال يصبح أي كشف للفساد ليس سوي تصفية للمنافسين للسيد الرئيس الملك وحاشيته و أسرته!!..

هياكل فارغة..

اكتبوا كما شئتم لكن لا تذكروا الحقيقة أبدا.. ذلك هو برنامج الحرية في بلادنا وتلك هي حدودها..

تلك هي حدود الكارثة التي أتناولها.. ولكي أستطيع الإحاطة بها فإنني محتاج لجهد عشرات الآلاف من الكتاب عبر عشرات الحقب.. لذلك فإنني لا أستطيع إلا أن أشير..

نعم.. في هذا الإطار أتحدث إليكم مؤكدا أن خيالي ومنطقي  مهما بلغ جموحه فإنه لا يتناول إلا نزرا يسيرا من الكارثة.. مجرد أن يشير..

*** 

إذا تناولنا استفتاءات الرئاسة على سبيل المثال فلكم هو مروع ورهيب أن ندرك أن عدد من يذهبون إلى صناديق الاستفتاء فعلا لا يتجاوز 5% من الناخبين.. وهذه النسبة تبطل الاستفتاء كله.. وتجعل من رئيس الجمهورية غاصبا لمنصبه دون سند من القانون.. ( حتي في دراسات مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية لا تصل نسبة الحضور من الناخبين إلى20% وهي نسب مزورة .. ولكن لا يستطيع الأهرام أن يذكر سواها.. لأنه لو اعترف بالحقيقة لهدم شرعية الدولة كلها).

ولعل القارئ يذكر أن مجلس الشعب في مصر مطعون في شرعيته منذ عشرين عاما.

هل تعني هذه الإشارة للقارئ شيئا من الواقع أو الحقيقة؟..

هل تجيب على السؤال الصاعق: ومن يحكم إذن..

هل تكشف سيطرة جهاز الأمن الباطش الجبار الغبي ووسائله المجرمة في تزوير الانتخابات وترويع الناخبين بأكثر الطرق بشاعة و أشدها إجراما ووقاحة وسفها.. ويتم ذلك كله  في حماية سلطة الدولة بل تحقيقا لأوامرها واستجابة لمطالبها... يتم أمام الناس لسحقهم وترويعهم.. يتم أمام وسائل الإعلام وقنوات التلفاز والصحف والمجلات القومية فلا تنشر عنه شيئا على الإطلاق لتكون توابع الجريمة أشد تأثيرا من الجريمة نفسها.. فلماذا تقوم الأهرام أو الأخبار على سبيل المثال بالتعتيم على تزوير ضابط منحرف مزور  أو على تعذيب ضابط مجرم سافل مريض مجنون ..

وهل نندهش بعد ذلك  لغرق الأمة في بحور اليأس والعجز والصمت..

نعم.. اليأس والعجز والصمت..

هذا هو برنامج كل حكومة مصرية أو عربية أو إسلامية..

هذا هو البرنامج الرسمي ودعكم مما عداه مما يعلن..

فكما أن بروتوكولات حكماء صهيون هي دستورنا  فإن الغرق في بحور اليأس والعجز والصمت هو برنامج حكوماتنا الرسمي الذي تعهدت به أمام أمريكا و إسرائيل ولا يضمن لها استمرارها في الحكم إلا نجاحها في تنفيذ هذا البرنامج.. نعم .. فليس كل هذا اليأس والعجز والصمت  نتيجة لسوء التدبير أو عجز التفكير أو خطأ التقدير.. وإنما هو هو المطلوب لذاته..وهو الذي تستديم نعمهم ووظائفهم عليه وعطاياهم ورشاواهم على أدائه في كافة أرجاء عالمنا العربي والإسلامي.. فوزير الحرب ليست مهمته إعداد الجيش للحرب بل منعه من الاستعداد للحرب وجعله احتياطا لشرطة قمع الأمة وقهر الوطن.. وبالنسبة لدول الجوار مع إسرائيل فثمة مهمة إضافية .. هي حماية حدود إسرائيل.. وزير الصناعة مهمته تدمير الصناعة وفتح البلاد لصناعات الغير.. وزير الزراعة مهمته تدمير الزراعة.. وزير الثقافة مهمته نشر السفالة والوقاحة والشذوذ والكفر والعهر والتطبيع..

*** 

ومرة أخرى يا قراء فإنني أشير.. فقط أشير..

أشير إلى الصحافة على سبيل المثال..

أشير إليها من خلال قضية أثارها فهمي هويدي سببت زلزالا تكاتف الجميع كي يمنعوا تداعياته وفضائحه.. كان هويدي قد أكد  أن الفساد نابع من بعض القيادات الصحفية، وأنه لا يجوز فقط عقاب صحفيين شبان متورطين. وكشف هويدي عن أن أحد المسؤولين في أحد الأجهزة الرقابية أبلغه أن هناك "مؤسسة صحفية واحدة تضم 120 شخصا، تجاوز رصيد كل واحد منهم خمسة ملايين جنيه مصري. وحرص هويدي على أن يؤكد أن عبارة "الصحفي المليونير" لم تكن واردة في مصر على مدار تاريخها، إلا أن هذه العبارة أضيفت للقاموس خلال السنوات الأخيرة، رغم أن انضمام أي صحفي – كما يقول هويدي – إلى نادي المليونيرات في الظروف العادية لا يمكن أن يتحقق له من أي باب من أبواب الحرفة إذا كان شريفًا بطبيعة الحال. وقال: إن بعض هذه القيادات حولت الصحف لـ"عزب" خاصة بأسرها، وأن بعض القيادات تحصل على إتاوات عن كل شيء يدخل المؤسسة الصحفية من إعلانات إلى صفحات الوفيات. وأضاف هويدي يقول: إن هناك اختراقا من قبل بعض المؤسسات الأجنبية لبعض المؤسسات الصحفية لتمويل أنشطة مهمة فيها. وقال هويدي إن بعض المجلات الأسبوعية تنشر حملات صحفية عن مسألة معينة مثل مشكلات الدواء أو فساد الصناديق الاجتماعية، ثم تنشر بعدها إعلانات لهذه الجهات الرسمية تدافع عنها، ويعتبر ذلك ضروريا لدفع مرتبات العاملين في تلك الصحف والمجلات!. وأشار هويدي إلى أن الفساد الأكبر يأتي من الصحف المستقلة التي تدافع عن رجال الأعمال. وختم بالقول: إنه لا يمكن تحميل رجال الأعمال أو الوزارات التي تشتري المحررين كل المسؤولية؛ فهناك محاولة للإفساد، وهناك القابلية للإفساد. وقال من يحاول الإفساد ما كان له أن ينجح في ما يسعى إليه، إلا لأنه وجد أمامه طرفا قابلا للغواية.

*** 

ولنترك فهمي هويدي كشيخ من شيوخ الصحافيين ولنذهب إلى صحافي نابه من شباب الصحافيين هو أحمد عبد الهادي ولنطالع مقتطفات من كتابه المروع: " في بلاط صاحبة الجلالة" فنقرأ في مقدمة الكتاب الصاعقة:

" كانت صدمتي بحق قوية ..صحفي شاب في مقتبل العمر لا يزال في بداية الطريق، احترف البغاء الصحفي ..احترف النصب وتزوير الحقائق وقلبها رأسا على عقب ، من أجل حفنة جنيهات ..لا يمانع في الرقص مع الشيطان طالما أن ذلك سينتهي به إلى ما ينشدة ..وقدوته في ذلك صحفي عجوز ، نجح في تلقينه الدرس جيدا ، حيث يستغل هو الآخر دماء الضحايا وشبابهم ، ويمتص كل قطرة من دمائهم الفتية ..ووسائله في ذلك ، جريدة درجة ثالثة .. وجمعية يزعم أنه يرعى بها الموهوبين ..وقلم يقطر سما..".. 

" حاربنا في سبيل العثور على فرصة في بلاط صاحبة الجلالة..كنا على يقين من أن الطريق ليس سهلا بالمرة .. وندرك منذ أول خطوة لنا ، أن هذا الطريق تحفه المشاق ..فتحنا صدورنا الفتية للعواصف ، وأعددنا أنفسنا للأخطار والمتاعب ..وعندما عثرنا على هذه الفرصة كانت صدمتنا كبيرة ..التجارة ..والبيزنس ..والجنس .. والابتزاز ..بجوار المقالات التي تذوب عشقا في الوطن .. صحفيين تحولوا إلى تجار عبيد ، ورقيق أبيض  وآخرين قفزوا على الساحة بالابتزاز والنصب ..اكتشفنا أننا تحولنا إلى سلعة يتاجر فيها البعض ..اكتشفنا عشرات الأبواب الخلفية ، التي لابد من المرور بها أولا ، في سبيل الاستمرار ..صحفيين صغار تحولوا إلى طعام في سبيل استمرار الكبار ..صحف احترفت تجارة كل شئ ، بدءا من التهليل والتطبيل والتصفيق لمن يدفع ، وانتهاء بالهجوم المخطط على كل من تسول له نفسه ورفض مطالبها.. وصحف أخرى تفوح منها رائحة البترول ، والدولارات ، وصحف من عينة مصاصي الدماء..كل شئ أصبح يباع ويشترى ..اختلطت الأقلام الفاسدة بالشريفة ، فكان من الطبيعي أن يتوه كل شئ ..ونتوه نحن أيضا وسط مدينة نجح كل سكانها في إخفاء وجوههم الحقيقية ،خلف أقنعة مزيفة وملابس أنيقة أخفت كل حقيقتهم ..فكان لابد من هذا الكتاب ، الذي يكشف الستار عن بعض أسرار الصحافة المصرية ، وما يدور في الكواليس ، بعيدا عن أعين القراء ، ويكشف بعض من معاناتنا نحن الجيل الجديد في بلاط صاحبة الجلالة..ويكشف أيضا أبعاد الانقلاب الذي قام به البعض للسيطرة على عرش صاحبة الجلالة .والثورة المضادة التي حاول بعض الصحفيين الجدد تزعمها ، لتخليص صاحبة الجلالة من بين براثن بعض السماسرة"..

"إن هذا الكتاب يعد بمثابة محاولة للتطهر من كل الأخطاء ، والآثام التي ارتكبناها، وارتكبها في حقنا البعض ..محاولة لنزع كل الأقنعة المزيفة التي تفنن البعض في ارتدائها ، حتى أصبحت جزءا من جسده ..محاولة أخيرة لكي نقف أمام أنفسنا لأول مرة عراة ، من أجل رؤية أجسادنا على حقيقتها ، علنا ننجح في علاج ما تشوه من هذا الجسد قبل فوات الأوان".. 

يتحدث أحمد عبد الهادي عن كشفه  لفعل كويتي خسيس تسبب ، في قتل عشرات العمال المصريين بعد  انسحاب  صدام حسين من  الكويت  ، فقد بدأ الخبراء بتنظيف أرض الكويت من الألغام والمفرقعات ، لكنهم رأوا أن المسح التقليدي قد يستغرق فترة طويلة ، خاصة وأن المباني الهامة والحيوية ، تحتاج لسرعة التنظيف من الألغام حتى يتسنى استخدامها ، فقامت باستئجار مجموعة من العمال المصريين ومنحت لكل منهم عشرة دنانير في سبيل تنظيف إحدى المدارس من التراب الموجود بها ، والحقيقة أنها استأجرتهم للتأكد عما إذا كانت هناك ألغام بالمدرسة أم لا ؟ بحيث إذا كانت قوات صدام غرست بها ألغام فإنها ستنفجر في وجه العمال ، ويذهبوا في ستين داهية (...)  ..ودخل المساكين المدرسة دون أن يدركوا ما ينتظرهم في الخفاء .. وبعد لحظات ، دوى صوت انفجار في المكان ..وعاد الجميع جثثا هامدة إلى وطنهم .والجثث التي عادت إلى الوطن متفحمة ، معها اعتذار رقيق من وزارة الدفاع الكويتية ، دون حتى دولار واحد ، لأن حكومة مصر الشقيقة تفهمت الأوضاع في الكويت الشقيق ..وأهالي الضحايا فقراء معدمين ..حفنة فلاحين ..لا حول لهم أو قوة ..ولا يعرفون الطريق إلى أي مسئول ..ولا يمكنهم أن يكونوا سببا أبدا ، في تعكير صفو العلاقات الحميمة بين مصر والكويت ، ..ولم تكتب الصحف أي خبر عن وصول الجثث ..ولم يتحرك أي مسئول ، رغم أن الجثث كانت متفحمة وبالعشرات ، والعفن ينبع منها ، ورائحتها غير طبيعية ..وكان من الممكن أن تمر القضية مرور الكرام ،وتموت للأبد ماتت القضية بعد أن اكتشف الصحافي أنه كان أداة لكلمة حق أريد بها الابتزاز وتخليص الحسابات.

وفي مرة أخرى يحصل الصحافي على مستندات تدين أحد المحافظين : " وطلب منى رئيس التحرير المزيد من هذه المخالفات ، وظننت أن طاقة القدر اتفتحت لي ، وأن محمد سامر الله لا يسامحه  هيوافق ويصرف لي ولو حتى عشرين جنية خاصة بعد نشر جزء من هذه المخالفات .. لكن أتت الرياح بما لم تشتهى السفن..حيث فصلني بسلامته وطردني "..

أما السبب فهو أن رئيس التحرير اتصل بالمحافظ وساومه على وقف النشر ..

وفي واقعة ثالثة صارخة يوجع أحمد عبد الهادي قلوبنا ليس على الصحافة وحدها، بل على الصحافة والقضاء والنيابة والدولة كلها.

كان أحمد عبد الهادي يعمل تحت رئاسة مصطفى بكري في صحيفة الأحرار:

" وكان لابد من الانتقام منا نحن ، لأننا تجاوزنا الخطوط ، والحدود المقررة فقد احتضنا المظلوم ..وكنا السوط الذي يهوى على ظهر الظالم ..وكشفنا انحرافات بعض الكبار  وبلعبه سمجة ومتبعة في مثل هذه الأمور ، أقام صاحب العقار الموجود فيه الجريدة ، دعوى قضائية يطالب فيها بإخلاء الطابق الخامس ..وعلى الرغم من أن الدعاوى في مثل هذه الأمور تستهلك وقتا طويلا جدا ، من معارضات واستئناف ، ونقض ، وقد لا يستطيع صاحب العقار في هذه الحالة التنفيذ من الأساس ، نظرا لتقاعس الأجهزة الأمنية ، وتراخيها المعروف في التنفيذ.. رغم ذلك فوجئنا بعشرات من سيارات الأمن المركزي وعربات مدرعة وعشرات من قوات الأمن ، وحاصروا العقار رقم 19 بشارع الجمهورية صباح يوم الجلسة..جاءوا لتنفيذ حكم لم يصدر بعد ..وكنت أشرف على تنفيذ الصفحات المسائية بالجريدة مساء اليوم السابق ، وانتهيت من عملي في الرابعة فجر ذلك اليوم ، وكنت متوجها إلى غرفتي لأتمكن من نيل قسط من النوم ، وصدمتني هذه التشكيلات والفيالق الأمنية ، وظننت أنها جاءت لتأمين المكان حول محكمة عابدين خوفا من هروب بعض المتهمين الخطرين ..وعندما عدت بعد ثلاثة ساعات في السابعة ، تزايد عددها ..ثم جاءت القوات الخاصة ، وارتدى جنود الأمن المركزي الخوذات ، واستعدوا بالدروع ، وجاء مصطفى بكرى رئيس التحرير ، وقطع الشك باليقين عندما أكد لنا أن هذه الفيالق من أجلنا نحن ..في سبيل تنفيذ حكم لم يصدر بعد .وسألنا أنفسنا في دهشة ..حتى لو كان الأمر كذلك ، فهل نحن بهذه القوة التي يحشدون لها كل هذه القوات؟..وهل كانوا يظنون أننا نخفى أسفل طيات جلود أجسادنا النحيلة القنابل المسيلة للدموع ، والمدافع التي سنقاومهم بها ؟..وهل يخصصون مثل هذه الحشود والمصفحات والقوات الخاصة لتنفيذ أحكام القضاء الصادرة لكل المواطنين؟..ثم أليس من الطبيعي أن هناك طعون ..ونقض في الحكم ؟ هذا مع الفرض الجدلي ، بأن الحكم صدر لصالح صاحب العقار. كانت الأسئلة تدق كل الرؤوس على السواء ، وكنا واثقين من حياد ونزاهة القضاء المصري الذي أصبح هو الشيء الباقي لنا في الوطن ، لكننا أبدا لم نكن واثقين من حياد هذه الفيالق التي تحاصرنا من كل جانب ، وفجأة انطلقت صرخة من فم زميلنا أحمد جبيلى وهو يحذرنا :

 - أغلقوا الأبواب ، لقد صدر الحكم ضدنا

وجاءت الشرطة للتنفيذ ، وإخلاء الطابق الخامس ..على الرغم من استعدادنا المسبق للنتيجة ، إلا أننا صدمنا ..وشعرنا بأننا فقدنا عزيزا علينا .كان الأمل يراودنا في حكم يصدر لصالحنا ..لكن الأمل تسرب من بين أيدينا (...) وهرولنا جميعا ، وتفرقنا في أنحاء الطابق الخامس ، وأخذ كل منا يؤدى دورا لم يأمر به أحد  البعض يزيح المقاعد من الطرقات ، ويضعها خلف الباب ويجلس فوقها لمنع رجال الشرطة من الدخول .. والفتيات يحملن الأوراق الهامة ، لنقلها من أرض المعركة لمكان آمن (...) وجاء اللواء محمد مصطفى الشناوي ، يتقدم فيلقا من جنود الأمن المركزي شاهرا فوهة مسدسه في وجوهنا ، دون أن يفرق بيننا وبين المجرمين الذين يتعامل معهم وهو يقول في عجرفة: 

- وسع يا روح أمك منك له. 

وبلا مقدمات ، احتمى بجحافل التتار التي زحفت خلفة ، وأهوى بمؤخرة المسدس على رأس أحد الزملاء ، فاستشاط الجميع غضبا ، واشتعلت معركة غير متكافئة ضد لواء شرطة قدم لينفذ تعليمات عليا ، صادره إليه في أحد المكاتب المكيفة الأنيقة ، ونفذها فعلا حرفيا ، لذلك لم نندهش عندما تم مكافأة الرجل في نهاية خدمته ، بتعيينه محافظا للدقهلية ..( الدقهلية بالذات دون كل محافظات مصر مع الأسف ) ..وصرخ مصطفى بكرى محذرا 

- أيها الأغبياء ، احذروا انفلات أعصابكم

وضاعت كلماته وسط محاولة تصدينا لكسر الباب ، واقتحام الطابق الخامس والتفافنا حول ضباط الشرطة ، وصرخات الفتيات التي اختلطت بأجساد نحيلة بالضربات ..باللكمات بكلمات مشتعلة ..بمكاتب ، وأثاث ، وأوراق ، يتم إلقائها من أعلى لإفساح الطريق لسيادة اللواء ، الذي أخذ يلوح بمسدسة مزهوا في عنترية وسادية غريبة ، وصرخ في مسرحية مكشوفة 

- اتركوا الباب ياولاد الكلب

- لن نتركه

هوريكم يا.....( كلمة قذرة خادشة للحياء )

(...)

*** 

كتاب أحمد عبد الهادي يحمل في أحشائه عار الصحافة المصرية.. وهو عار يمثل القاعدة والاستثناء منه شديد الندرة.

*** 

لن أسمح لنفسي بالحديث عن معلوماتي المؤكدة غير الموثقة عن الرشاوى التي يتلقاها كبار الصحافيين، ولكنني أشير- على سبيل المثال  إلى مواد منشورة ومذاعة في الفضائيات ( قناة دريم) عن اعترافات الدبلوماسي لؤي الهاشمي:

"بعض الصحفيين المصريين كانوا يحصلون على رواتب " .. "وفي إحدى المرات جاء أحد الصحفيين المصريين ليتسلم راتبه الثابت فأعطيته شيكا أمام صحفي مصري آخر وكنت متعمدا ذلك فشكاني الصحفي للسفير الذي استدعاني على الفور وعاتبني قائلاً: كيف تتعمد أن تعطي الصحفي راتباً أو مبلغاً من المال أمام صحفي آخر؟ فقلت له: إذا كان رافضاً لهذا الأسلوب لماذا استلم المبلغ كان عليه أن يرفضه"..

إلا أنني أؤكد بعد إيراد المثل، أننا لم نتناول سوى القشور، لأن السرقات الكبرى كلها تتم بعيدا عن الأعين، بل على الأحرى في حماية جهاز الدولة الباطش الجبار المنحرف.

*** 

وفي هذا الصدد نفسه نذكر ما حدث من كبار الموظفين في التلفاز  محمد الوكيل أو من  "حازم الشناوي" من بعدما ثبت من التحقيقات تقاضيهم مع آخرين  ..

و أيضا.. لم أذكر ذلك إلا على سبيل الإشارة، بل إنني أذكر أن صحافيا هو الأستاذ سيد الغضبان  يكتب أسبوعيا عن فساد بمئات الملايين في محطات التلفاز و إعلاناته وبرامجه والرشاوى التي تقدم فيه..

فهل تعلمون منذ متى يفعل ذلك.. منذ ما يقرب من عشرين عاما.. فلا هو توقف.. ولا السرقة توقفت.. ولا أحد علق على كل ذلك.

*** 

أشير أيضا إلى كارثة التعليم في مصر..

كانت مهمة بهاء الدين  عليه من الله ما يستحق هو القضاء على التيار الديني والاستجابة للمطالب الأمريكية بتغيير المناهج وتجفيف منابع الدين و إحالة كل المدرسين الملتزمين إلى وظائف إدارية ونفيهم وتشتيتهم وتقديم الرشاوى إلى من يستسلمون ويبيعون دينهم ووطنهم ( رشاوى بكل معنى الكلمة.. فلجان تطوير التعليم المشتركة مع الأمريكيين كانت تحصل على رشاوى ضخمة تحت اسم المكافآت.. لكن هذه المكافآت كانت تصرف دون أي مستند.. خوفا من وقوع هذه المستندات في أيدي صحافي معارض يفضح الأمر) ..

وفي ظل بهاء الدين ذاك – عليه من الله ما يستحق – وصلت المهزلة إلى حد لا يمكن تصوره وتحول التعليم المجاني إلى جهل باهظ التكاليف، وخلت المدارس من تلاميذها – كل تلاميذها تقريبا- وانتشرت الدروس الخصوصية لتستهلك المليارات من أسر مطحونة تعيش على الكفاف..

الأكثر ترويعا و إجراما أن كل فرد في الأمة كان يعرف ذلك كله.. لكن وسائل الإعلام تنشر عكسه.. لأنه ما من أسرة في مصر إلا  ولها أطفال في المدارس ويعلمون علم اليقين ما يحدث فيها.. يعلمون على سبيل المثال أن نسبة الحضور لطلبة الثانوية العامة لا تزيد عن 5% بينما هو وهم – لعنه الله ولعنهم- لا يكفون عن التغني بأمجاده و أمجادهم..  وسيتفرع عن ذلك وجه آخر من وجوه الإفساد عندما يبحث هذا التلميذ عن شهادات مرضية يحصل عليها عن طريق الرشوة للأطباء أو المستشفيات.. وتستمر الدائرة الجهنمية بينما الصحف القومية وشاشات التلفاز تطالعنا كل صباح ومساء  بأنبل مظاهر تخفي خلفها أقبح غايات.

 ولقد قيضت لي الظروف أن ألمح مشهدا من المشاهد المأساوية حين واجه أحد نظار المدارس ذلك المسئول - عليه من الله ما يستحق – فما كان من المسئول الكبير إلا أن أمر حرسه بضرب الناظر علقة ساخنة مع صدور قرار بنفيه.. وتسرب الخبر إلى الصحافة.. ومورست الضغوط على الناظر المسكين فوقع على إقرار بنفي ما حدث.. وخرج المسئول وبراءة الأطفال في عينيه يدين أولئك الرعاع الذين لا يكفون عن عرقلته في مسيرته النبيلة. 

لو ظللت أكتب خمسين عاما لما استطعت الإحاطة بأوجه الفساد والخراب والدمار التي تحيط بالأمة..

*** 

لكنني أشير إشارتي الأخيرة .. أحاول أن أتتبع معكم رحلة حياة مواطن مصري أو عربي أو أي مواطن في أي بلد إسلامي.. من مولده إلى وفاته..

*** 

سوف أحاول الإيجاز قدر ما أملك.. لن أتطرق إلى الجوانب الاقتصادية والصحية والاجتماعية التي تعتصر القلب. ولا أنا سأقابلها من الجانب الآخر بمظاهر البذخ السفيه الفاجر الذي يضاعف بشاعة من يسرقون الأمة.. فليست كل الذنوب و إن اتفقت المسميات سواء.. ذلك أن من يسرق الغنى غير المحتاج ليس كمن يسرق المعدم أو من يحسبونهم أغنياء من التعفف.

فإذا ولد هذا الطفل في أسرة متدينة، فإن أغلب الظن أنه يولد ليجد أحد أبويه أو عمومته أو خئولته معتقلا بدون محاكمة.. ربما منذ عشرين عاما.. فإن لم يكن ذلك فلابد أن الابتلاء أصاب أحدا من العائلة.. 

في مثل هذه الأسر، تحاصرها أجهزة الأمن الباطشة الفاجرة الجبارة، تجعلها تعيش في رعب مقيم وهم مستديم، ذات مرة، ألقت الشرطة القبض على مسلم في بور سعيد، وبعد امتهان المنزل، وضرب الأب المسلم أمام أبنائه وزوجته وجيرانه لكسر هيبته وتحقيره ومنع تأثيره، اصطحبوا الأب، وفي اليوم التالي عاد أمين الشرطة، ولعله قال لنفسه إنني أعصى الله و أبيع الجنة و أشتري النار من أجل مرضاة الرئيس  فلماذا لا أفعلها من أجل نفسي، عاد أمين الشرطة في اليوم التالي، ليغتصب زوجة الرجل.

تحاصر هذه الأسرة، يضيق عليها، ويضايق أبناؤها ومن كان منهم موظفا  في الحكومة يفصل، ومن كان موظفا في القطاع الخاص يتصل ضابط الأمن بصاحب العمل ليغويه ثم ليهدده . يحاول جهاز الأمن الباطش الجبار سحق الأسرة، يحاول، بالضغط بالعوز والجوع والفقر والحاجة أن يدفع امرأة المعتقل أو بناته إلى الزنا، وفي وسط هذا الجو المرعب، يقتنصون أخا  شقيقا أو قريبا للمعتقل، ليجعلوا منه عميلا للمباحث  وجاسوسا على أصحاب أخيه، ولهذا الجاسوس العميل تفتح الأبواب وتمهد الطرق  وتتوفر الوظائف ويغدق المال.. و إذا تمكن من اقتناص الفرصة فقد يتحول إلى كاتب كبير تفتح له أجهزة الأمن كبريات الصحف، ومفكر عظيم تنشر له كبريات دور النشر كتبه.. لا لقيمتها.. بل لأن أجهزة الأمن أمرتها بذلك..

سنترك هذا الطفل الآن إلى طفل آخر، لم يولد في مثل تلك الأسرة، بل ولد في أسرة تلتزم الحد الأدني، هذا الطفل سينشأ على تحذيره من أن يغشى منابع التطرف: المساجد!.. أو أن يضع نفسه في مواطن الشبهات: صلاة الجماعة!.. كي لا يحدث لهم ما حدث لتلك الأسرة المنكوبة الملتزمة. 

الاحتمال الثالث أن يولد هذا الطفل في أسرة لا تقوم بأبسط واجبات الدين.. أسرة منحلة لا تقيم الصلاة ولا تؤتي الزكاة ولا تصوم رمضان ولا تحج أبدا.. أسرة كل المنكرات عندها مباحة وكل الفرائض إرهاب وتطرف..  فهؤلاء لا خوف عليهم من الطاغوت الفاجر المجرم.

في الخامسة أو السادسة من عمره  تبدأ رحلة الطفل مع المدرسة، ليجد مدرسة قد فرغت من كل من عمر الإيمان قلبه بعد أن أحالت أجهزة الأمن الباطشة الجبارة كل مدرس يعرف معنى الإيمان إلى وظيفة إدارية، ونفته من الأرض، بمساعدة وزراء تعليم منافقين فسقة.

هل غفل الطواغيت أن ما يفعلونه ذاك يفسد العملية التعليمية من أساسها، ذلك أن المؤمن المتدين الذي يؤدي حق ربه هو الحريص على أن يؤدي واجبه تجاه تلاميذه وهو الذي يعرف أن الإخلاص في العمل عبادة، و أن شرخ هذا النموذج يهدم العملية التعليمية كلها، ويجعل أساس الترقي هو الفهلوة والفساد والبعد عن الدين. إن السمعة السيئة في هذا المجال ليست عائقا أمام الترقي بل هي السبيل إليه لأنها تؤكد أن صاحبها غير مشتبه به، و أنه لن يكون منبعا من منابع التطرف والإرهاب.

سوف ينتقون لتدريس الدين أكثر المدرسين جهلا وتنفيرا وبعدا عن جوهر الدين ( شخصيا: أدخلت ابنتي في مدرسة إسلامية خاصة، ولم اكتشف إلا بعد أن انتهت من المرحلة الابتدائية أن مدرس الدين كان يساومهم على ألا يحفظوا ما عليهم من القرآن مقابل أن يعطوه شطائر الإفطار التي أعدتها لهم أمهاتهم) .. حذرهم المدرس من إفشاء السر.. ولم يكن هناك امتحانات كي تكشف الأمر.. ولم ينج من هذا الأمر إلا الأسر التي كانت متنبهة له منذ البداية فاعتمدت على مدرس خاص في تدريس الدين.

ما يهمنا هنا.. وما نضع ألف خط تحته.. هو الحرص على أن يكون التعليم الديني مهمشا ومجوفا ومظهريا يخفي من الجهل الكثير..

أكرر..

أضع تحت هذه الجملة ألف خط..

لأن ذلك لا يتم اعتباطا..

بل يتم وفق خطط مدروسة ومخطط لها جيدا..

يتم ويُواصل في التعليم الإعدادي والثانوي والجامعة..

ويتم تخريج جيل يعرف عن نابليون أكثر مما يعرف عن خالد بن الوليد.. وعن مادونا وسامبسون أكثر مما يعرف عن هارون الرشيد ومحمد الفاتح، وعن المودة أكثر مما يعرف عن الجهاد، ويستطيع أن يسمع أسماء الولايات الأمريكية بينما يعجز عن ذكر عشر عواصم عربية،  وهذا الجيل المفرغ الأجوف، المصنوع خصيصا، حسب الطلب، من النخاسين الذين يحكمون الأمة، هذا الجيل سيكون هو المستهدف بالشبهات التي يثيرها الصليبيون واليهود وخدمهم من اليساريين والشيوعيين والقوميين حول الإسلام،  وهي شبهات تتهاوى أمام أي علم ديني حقيقي، من الذي حُرم هؤلاء المساكين من أن يتعلموه، يتعرضون للشبهات، فيتزلزل إيمانهم، ويهتز يقينهم، ولا يعودون صالحين للجهاد في سبيل دين أو وطن. ولقد كان هذا هو المطلوب منذ البداية.

أرفع صوتي يا ناس و أحذر يا أمة.. أرفع صوتي بأنني كنت مخطئا في يقين طالما ركنت إليه.. يقين بأن المسلم لا يمكن أن يرتد من الإسلام إلى النصرانية أو اليهودية أبدا.. وكنت أضع لنفسي الأساس الفلسفي لذلك بقولي أن المشكلة العقلية كلها ليست في الإيمان بالله لأن أي دارس اليوم يدرك بقوانين الفيزياء والرياضة أن لهذا الكون خالقا هو الله سبحانه وتعالى.. دعنا من العميان الذين لا يرون ضوء الشمس فهؤلاء قلة لا يؤبه لها.. الأغلبية الساحقة تؤمن إذن بوجود الله.. تبقى المشكلة الثانية هي التساؤل: هل ترك الله عبيده الذين خلقهم دون رسل لهدايتهم وبيان الطريق القويم لهم، وذلك بمجرد المعطيات العقلية مستحيل..

إذن.. الله موجود .. وقد أرسل رسلا..

عند هذا المنعطف لا يوجد سوى الإسلام..

نعم.. فالتفوق الحاسم المطلق للإسلام لا يحتاج إلى أي دليل إلا إذا كان هذا الدليل صاروخ كروزو أو قنبلة ذكية أو طائرة أباتشي.. فنحن لا نملك دليلا مثله..

أقول أن تفوق الإسلام حاسم وتساميه معجز و إعجازه معقول ليس بالمقارنة لكم الخرافات  الوحشية المجنونة في الكتب السماوية المحرفة والتي لم يحفظ الله منها سوى القرآن.. ليس من أجل ذلك.. بل بالدراسة المجردة للإسلام دون حتى مقارنة يظهر على الفور تساميا لا ينافس ولا يبارى.. هذا التسامي الذي يعبر عنه سيد الشهداء في زماننا – إن شاء الله – بقوله:

(وعشت في ظلال القرآن أنظر من علو إلى الجاهلية التي تموج في الأرض ، وإلى اهتمامات أهلها الهزيلة الصغيرة ، أنظر إلى تعاجب أهل الجاهلية بما لديهم من معرفة الأطفال وتصورات الأطفال ، واهتمامات الأطفال ، كما ينظر الكبير إلى عبث الأطفال ، ومحاولات الأطفال ، ولغة الأطفال ، وأعجب ، ما بال هذا الناس ، ما بالهم يرتكسون في الحمأة الوبيئة).

أقول ظللت لي هذا اليقين أقول لنفسي أنه قد يباح للأعمى أن ينكر وجود الشمس لكنه حال إبصاره لابد أن يعترف بها وإلا كان مأفونا مجنونا.. وكنت أقصد بالأعمى : الكافر.. وكنت أعني بالمبصر من آمن بالله.. وكنت أعني أنه إذا آمن بالله ورسله فليس من دين يحترم العقل ويوافق المنطق إلا الإسلام.

ظللت على هذا اليقين واثقا أن المستحيل بعينه أن يستجيب مسلم لعمليات التبشير ويرتد.. كان ذلك مستحيلا بالنسبة لي رغم الأنباء المقلقة التي كانت تتسرب من الجزائر و أندونيسيا و أماكن أخرى.. ظللت على هذا اليقين حتى فوجئت بأنباء موثقة عن أعداد لا يستهان بها.. في قلب القاهرة .. ارتدت عن الإسلام إلى النصرانية.. صحيح أن جماعات التبشير تلك نفثت سمومها في قاع المجتمع حيث الفقر الوحشي والجهل الضاري وحيث الإسلام مجرد اسم لا تمارس أي شعيرة من شعائره.. لكنه على أي حال حدث.. ( مع توالي الضغوط طالب بعض علماء الأزهر أن تتوجه جماعات التبشير إلى الأزهر للتبشير هناك في ندوات مفتوحة تقرع فيها الحجة بالحجة.. لأنه ليس من المنطقي أن يذهب مبشرون على أعلى درجات الثقافة إلى قطاعات بشرية على أعلى درجات الجهل والفقر ليمارسوا التبشير بينهم .. وأن العدالة تقضى أن يواجه العلماء علماء.. واعتبر المبشرون ذلك اعتداء على حرية الأديان وانتهاكا.. واضطهادا.. وتفريطا .. وافتئاتا على حقوق الإنسان).. 

*** 

لنعد إلى طفلنا الذي كنا نتحدث عنه..

سوف نذهب مع هذا الطفل إلى المدرسة الإعدادية ثم الثانوية

كبر الطفل واتسعت مداركه وازداد وعيه وبدأ يتخذ موقفا من الحياة وبدأت عيون الجهاز الغبي الباطش الجبار ترصد.. سيلاحظ الطفل أن معظم مدرسي الدين مجرد مسوخ شائهة .. وسينسحب جزء من ذلك على اللغة العربية حيث يعد الاهتمام بها نوع من الحذلقة والتخلف التي تثير الاشمئزاز والنفور والضحك.. المرجعية الكبرى عادل إمام سوف يؤكد لهم ذلك .. وحتى المسكين محمد جلال عبد القوي والدكتور يحيى الفخراني حين يكون الحديث بالعربية الفصحي في مسلسلاتهم قرين للتخلف والإرهاب ( ماذا يريد شارون أكثر من ذلك).. في هذه السن الخطرة سيكتشف الطل الكبير أو الشاب الصغير أن الكبيرة الوحيدة التي يمكن أن تهدد وجوده وليس تفوقه العلمي فقط هو أن يواظب على صلاة الجماعة.. سوف يعد احتشامه وعفته قرينة ضده لكنها لا ترقى إلى مستوى كبيرة صلاة الجماعة.. المدرس الخواجة الأمريكاني ماضغ العلك سوف يكون المثل الأعلى.. وذلك الذي يرتكب كبيرة الزنا سوف يكون المثل الأعلى الذي يحذو الأطفال الكبار أو الشباب الصغار حذوه.

في مدرسة أجنبية اكتشف جاري أنهم يجعلون الأطفال يصلون أمام المذبح كل صباح.. كان معظمهم مسلمين.. وذهب الجار يحتج.. وتمسكت ناظرة المدرسة المسيحية بموقفها قائلة أن هذا هو سلوك المدرسة منذ خمسين عاما.. وهدد الرجل وتوعد.. واضطرت الناظرة إلى استثناء المسلمين من الصلاة أمام المذبح.. ابنة الرجل كانت متدينة.. ولست أدرى إذا ما كانت هذه الحكاية قد استفزتها أم أنها طبيعة التدين فيها هي التي دفعتها للتحدي والاتفاق مع مجموعة من زميلاتها على أداء الصلاة جماعة في مسجد المدرسة الخاوي على عروشه، ورتبوا الأمر بحيث لا يقيمون الصلاة في أوقاتها (!!) و إنما وقت الراحة ( الفسحة) حتى لا تتعارض صلاتهم مع الدروس والحصص. قوبل الأمر بالإهمال من الإدارة في البداية وبالسخرية من زميلاتهن المسلمات.. لكن.. شيئا فشيئا ابتدأ عدد المصليات في الزيادة..  ناظرة المدرسة ارتاعت من الظاهرة فحاولت منعها.. أصرت الطالبات.. بدأت الناظرة تكدرهن بصور شتى.. وقال جاري لابنته أنه لن يساعدها و إنما سيتركها تخوض التجربة حتى نهايتها.. ولتتعلم منها كيف تنتصر لدينها في بيئة معادية دون أن تخل بنظام ذلك المجتمع المحيط المعادي..راح عدد الطالبات يزداد.. وتمسكهن بالصلاة يشتد.. كانت قدرتهن على اجتذاب زميلاتهن قد رفع من روحهن المعنوية.. وكانت انتصارهن على ناظرة المدرسة مبعث فخار.. وبدأت الطالبات يطورن الأمر بالاتفاق على حفظ أجزاء من القرآن وتسميعها لبعضهن.. وتبادل الشرائط الدينية.. وفجأة أصدرت ناظرة المدرسة قرارا بأن يشرف مدرس الدين على المسجد ويكون مسئولا عن الصلاة .. بعد أيام رتب مدرس الدين دقائق معدودة للصلاة يغلق قبلها و بعدها المسجد.. احتجت الطالبات فقد كن يقمن أكثر من جماعة حسب ظروفهن.. لكن التضييق ازداد وادعي مدرس الدين لا غفر الله له -  بإيعاز من ناظرة المدرسة – أنه يحدد وقت الصلاة بهذه الدقائق ويغلق المسجد فيما عداها خوفا من قيام الطالبات بأعمال مخلة في المسجد.. ولم يكتف بذلك بل كتب طلبا إلى ناظرة المدرسة يوضح فيه وجهة نظره.. معظم الطالبات وربما كلهن لم يكن يفهمن ماذا تقصد المربية الوقحة المجرمة لعنها الله.. واستدعهن الناظرة إلى مكتبها واتهمتهن – شفاهة.. فلم تكن الملعونة تجرؤ على الإفصاح- أنهن يمارسن الشذوذ أثناء الوضوء..

عندما فهمن أصبن بانهيار عصبي..

توقفت الصلاة..

وكان مدرس الدين هو الوجه الآخر لشيخ أزهر ووزير أوقاف..

وكان الوجه الآخر لأجهزة الأمن التي لا ترى بأسا في ممارسة الشذوذ وترى البأس كله في الصلاة..

*** 

قلنا منذ البداية أن التلميذ ينتمي إلى أسرة من ثلاث: المتدينة المنكوبة.. والمسلمة التي تروعها صور الأسرة المنكوبة.. والأسرة المنحلة..

سوف يحاول التلفاز تذويب الفوارق.. سوف يكون الدين مجال السخرية والاستهزاء وسوف يكون الزنا حبا والمجون تحررا والخلاعة رقيا .. وحتى في التمثيليات الدينية فإنك لن ترى صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا صحابياته و إنما سترى صحابة فاروق حسني وصحابيات صفوت الشريف.. والأمر يحتاج إلى تفصيل في مقال مستقل.

*** 

في المدرسة أيضا سوف تسقط قيم الطفل الشاب قيمة بعد قيمة ومثلا بعد مثل.. سيتعامل مع المدرس الذي لا يسمح له بالنجاح إلا إذا أخذ عنده درسا خصوصيا.. وسيذهب البعض للشكوى للناظر أو المدير.. وسيكتشفون بعد عناء أن الناظر أو المدير يحصل على إتاوة من المدرس الذي يعطي دروسا خصوصية بينما لا يحصل على شئ من المدرس الذي يحترم نفسه وعمله فلا يعطى مثل تلك الدروس.. وسيكتشفون كم ينكل المدير بمثل هذا المدرس.

سوف يكتشف الطالب أيضا أن أجهزة الأمن التي لا تغيب عنها شاردة ولا واردة في أمور الدين والصلاة قد تركت تجار البانجو والمخدرات يرتعون أمام المدرسة مع دلائل مؤكدة على تستر الأمن مقابل اشتراكه في الأرباح  [8].

*** 

يلتحق البعض بالجامعة.. البعض الآخر يتوقف عند التعليم المتوسط لينضم إلى حشود هائلة من العاطلين يستفزهم التلفاز بإعلاناته السفيهة ويحرمهم الأمن من البحث عن ملاذ في المسجد فتتزايد حالات الانحراف والشذوذ والإدمان..

الذين يذهبون إلى الجامعة سيرون وجها أكثر بشاعة للحياة حيث يتحكم الأمن في كل كبيرة وصغيرة.. لكنهم قبل أن يذهبوا يفاجئون بآبائهم و أمهاتهم يجعلونهم يقسمون الأيمان المغلظة ألا يتورطوا في السياسة ولا في صلاة الجماعة أو الانضمام إلى أي نشاط ديني.

*** 

رغم أنني أكره بمجامع قلبي عهد جمال عبد الناصر إلا أنني أشهد كم كان الحرس الجامعي أيامها يهاب الطلبة ويتجنب الاحتكاك بهم مهما استفزهم الطلبة.. نعم .. كان ضابط الحرس الجامعي يهاب الطالب [9].. وعشت حتى رأيت في عهد مبارك عميدا لكلية جامعية كنت أستقل معه سيارته.. كنت في المقعد الخلفي.. وكان ضابط الحرس في الكلية يجلس على المقعد المجاور للعميد الذي كان يقود السيارة بنفسه.. وكنا كلما توقفنا هرول العميد كي يفتح باب السيارة لضابط الحرس!!.

كان العميد كالأساتذة كوكلاء الجامعة ورئيسها يعلمون أن قرارات ترقيتهم وتعيينهم لا يمكن أن تتم دون موافقة الحرس الجامعي وترشيحاته.

الحرس الجامعي هو وجه أجهزة الأمن في الجامعة.. وهو يتألى على الله لا غفر الله لهم.. فيعز ويذل ويخفض ويرفع..ابتداء من أصغر القضايا إلى أجلها و أعظمها.. إنه يحدد قوائم اتحادات الطلبة فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء.. وعندما تأتي  الانتخابات يقوم بالتزوير كي تنجح أسماء بعينها.. وهو لا يختار تلك الأسماء اعتباطا.. وإنما يفرز الطلبة منذ التحاقهم بالجامعة إلى عدة فئات.. فئة خاملة لا خطر منها ولا تأثير لها ولا اهتمامات على أي مستوى أو تنحصر اهتماماتها في لعب الكرة ومغازلة الزميلات.

*** 

تبقى فئتان: فئة منحة نشطة يقربها الأمن ويمنح أعضاءها مرتبا شهريا ويكلفه بمهام معينة وسط الطلبة منها التجسس عليهم أو إفشال مؤتمر لنصرة فلسطين أو العراق – على سبيل المثال – وكتابة تقارير لأجهزة الأمن عن الناشطين والمتدينين [10]... هذا القسم هو الذي سينمو باستمرار بعد ذلك، هو الذي سيتم توصية الأساتذة عليه كي ينجح بتفوق.. هو الذي سيغل المناصب في اتحادات الطلبة .. هو الذي سيعين كأعضاء لهيئة التدريس في الجامعة.. وبعد ثلاثين عاما سيشكل هيكل الجامعة كلها من أساتذة وعمداء ورئيس جامعة..

لكن..

ليس علينا أن ننتظر ثلاثين عاما..

لأن الموجودين اليوم هم الذين تمت تربيتهم بهذه الطريقة منذ ثلاثين عاما.

الفئة الأخرى هي فئة الملتزمين.. مجرد الالتزام الهادي الذي يشكل الحد الأدنى للمسلم الحقيقي.. هذا الحد الأدني تعتبره أجهزة الأمن تطرفا و إرهابا..

أفراد هذه الفئة يسحقون سحقا.. ينكلون بهم كي يكونوا عبرة.. ويفتحون لبعضهم ثغرة كي يكونوا جواسيس على زملائهم.

حكى لي بعض الطلاب أن الأمن كان كثيرا ما يفتش غرفهم في المدينة الجامعية،، وأنه كانت تحدث أثناء التفتيش حركة محمومة حيث يهرع الملتزمون إلى المنحلين يستعيرون منهم المجلات الفاضحة والصور العارية وشرائط الجنس كي يضعوها في غرفهم دليلا أمام أجهزة الأمن على براءتهم.

كانت أجهزة الأمن تغفر كل ذنب وتعفو عن كل جريمة وتتجاوز عن كل خطأ إلا أن يكون هذا الخطأ اقتناء لكتاب في الفقه أو التوحيد.. بل كان مجرد وجود المصحف دليل اشتباه يستوجب منهم اليقظة والحذر والمتابعة.

منذ دخول الطالب إلى الجامعة لن تحدث حركة دون موافقة الأمن عليها.. هو الذي سيحدد مواعيد الامتحانات بل طريقة التدريس التي تشغل الطالب طول العام بالامتحانات بغض النظر عن التحصيل كي لا يكون أمامه أي وقت لمحاولة فهم أي شئ في مجتمعه.

كان نظام الفترتين سبيلا إلى ذلك و أحد أعمدة انهيار التعليم في الجامعة لكنها أوامر الأمن.

لن يعين معيد ولا عميد ولا رئيس جامعة إلا بموافقة الأمن وترشيحه.

بل لن يسمح لطالب بالتحاق بالدراسات العليا دون موافقة الأمن.. ولن تعلن نتيجته إلا بعد موافقة الأمن..

بل لقد بلغ الأمر في الأعوام الأخيرة إلى ما لا يمكن تصوره.. إذ أن نتيجة الطلاب لا تعرض على مجلس الكلية لاعتمادها قبل أن يعتمدها الأمن .. أما ما يفعله الأمن فهو أنه لا يسمح أبدا للملتزمين من الطلاب بالاحتفاظ بترتيب متفوق.. نعم.. يقوم الأمن بتغيير الدرجات وترتيب الطلاب كي لا يسمح للمتدينين بالمنافسة على وظائف المعيدين والمدرسين المساعدين، وهذا هو مفهومهم في تجفيف المنابع.

هذا الانهيار في المبادئ والقيم لا يتم بلا ثمن.. وإذا كان من الممكن أن يتم تغيير الدرجات والترتيب مجاملة للحاكم والسياسة فلماذا لا يتم مجاملة للأساتذة وضباط الأمن الذين يشغل أبناؤهم كل المراكز الأولي.. كلها بلا استثناء.. بلا محاولة لذر الرماد في العيون.. بل إنني والله على ما أقول شهيد رأيت ما هو أغرب من ذلك.. رأيت طلبة حصلوا على الثانوية العامة بمجموع خمسين في المائة وحصلوا على بكالريوس الطب بامتياز وكانوا من الأوائل..أحد هؤلاء الناجحين بخمسين بالمائة.. لم يكن خريج القسم العلمي بل الأدبي!!.. أما كيف تم ذلك فبالمال والسلطان والنفوذ والفساد.. التحاق بكلية طب في رومانيا لعام واحد..تحويل إلى كلية طب محلية بتعضيد وتوصية من مسئول كبير.. معظم هؤلاء الطلبة لم يستخرجوا جوازات سفر من الأصل.. تم الأمر كله على الورق!!..

وسط هذه المباءة من الفساد انهار التعليم كله..

أصبح أخس الطلبة – بغض النظر عن مستواهم العلمي الذي لا يحدده مستواهم بل أجهزة الأمن- هو الذي يختار لوظائف المعيدين والمدرسين المساعدين.. فإذا أفلت أحد من الرقابة الصارمة فإنه لن يفلت من المصفاة التالية حيث يختار أخس المعيدين والمدرسين المساعدين لشغل وظائف المدرسين.. ثم يختار أخس المدرسين ليكونوا أساتذة مساعدين.. ثم أخس الأساتذة المساعدين ليكونوا أساتذة ثم أخس الأساتذة ليكونوا رؤساء أقسام ثم أخس رؤساء الأقسام ليكونوا عمداء كليات ثم أخس عمداء الكليات ليكونوا رؤساء جامعة.

متوسط الدخل الرسمي لرئيس الجامعة ثلاثمائة ألف جنيه..

الدخل الرسمي..

لا نتحدث عن العمولات والسرقات والرشاوى..

ثلاثمائة ألف جنيه..

ليس في العام..

ولكن..

في الشهر..

وهذا ليس مرتبا مقابل عمل.. و إنما أجر نخاس يبيع شرفه وطلبة جامعته وعلمه..

لهذا فسدت الجامعة.. ووقفت مع الكفر ضد الإيمان.. مع الطغاة ضد الأمة.. وتبنت مناهج تعليم الغرب وكل وجهات نظره فينا فانفصلت عن الأمة وازدرتها.. وسقطت.

*** 

إنني أعيد التكرار والتنبيه أنني أذكر الأمثلة على سبيل الاستدلال لا الحصر..

و أن ما يحدث في الجامعة يحدث في كل مجال آخر.. ولعل ما يحدث في الأماكن الأخرى أشد بشاعة.

*** 

الذين لا يعينون في وظائف الجامعة وهم الغالبية العظمى ينقسمون إلى قسمين: الأغلبية الكاسحة تنضم إلى جيش العاطلين.. أما الأقلية التي رعاها الأمن.. الجواسيس والعملاء.. فإن الأمن يدفع بهم إلى أجهزة الدولة المختلفة ليواصلوا علاقاتهم وخدماتهم للأمن من أماكن أخرى..

من هذه الأماكن على سبيل المثال: الصحافة والإذاعة والتلفاز.. وتبدأ دورة أخرى من دوائر الفساد والإفساد.

أحد أصدقائي المقربين وكان يشغل منصبا هاما في صحيفة حزبية خاضت مع الحكومة معارك ضارية قال لي وهو ينفس عن همه:

- لقد خضنا هذه المعارك كلها و 60% من الصحافيين في الصحيفة يتبعون جهاز الأمن.

*** 

لقد توسعت في مأساة الجامعة لكي أقول الآن أن هذه الدورة تتكرر في كل مكان في ربوع الوطن.. الوطن الكبير من المحيط إلى المحيط.. قد تختفي بعض تجليات الظاهرة لتحل محلها أخرى.. وقد تختلف بعض تفاصيلها.. لكن الأمر هو هو.. ولست أدري كيف غاب العقل والضمير والدين على أجهزة الأمن تلك.. خاصة بعد ما تمزق الغشاء وانكشف الغطاء ولم يعودوا يستطيعون الادعاء أنهم يحمون مبارك أو الأسد أو عبد الله.. تمزق الغشاء وانكشف الغطاء وانفجرت الفضيحة لأنهم يهزمون أمتهم ويهدمون دينهم لصالح أمريكا و إسرائيل.

نعم..

في مثل بلادنا يدفع الأعداء الجيش والبوليس ليكونا كما أرادت لهما بروتوكولات حكماء صهيون.. أن يكون الجيش فئرانا مذعورة .. و أن يكون البوليس كلابا مسعورة.. و أن تكون الأمة شراذم محاصرة مأسورة..

*** 

بالطبع هناك استثناءات باهرة.. وكما يسقط الشيطان بالغواية العابدين يتنبه بعض العابثين فيئوبون إلى ربهم ويعودون إلى رشدهم ليسببوا للجهاز الغبي الباطش الجبار المشاكل.

من ناحية أخري لم يعد هناك أي معنى لاستقلال الأجهزة والسلطات ما دام 60% على الأقل  ممن يشغلون أهم المناصب يتبعون الجهاز الباطش الجبار.

نعم..

60% في مصر.. وحال مصر أفضل من سواها.. فإنني أحسب هذه النسبة في سوريا 80% أما في تونس فربما كانت 100%.

البلد الوحيد الذي برئ من ذلك إلى حد كبير هو شعبنا في الجزيرة العربية.. أحفاد الصحابة.. ولنلتفت إلى أن مهلة ولي العهد لم تؤثر إلا على ستة فقط..

ليس معنى ذلك أنني أدافع عن الجهاز الباطش الجبار في المملكة.. بل لعلى أدرك أنه أكثر جهلا وقسوة وإجراما جبروتا من نظيره  المصري– الذي كان معلما له في يوم من الأيام في مدرسة التعذيب الأمريكية-..ولا أقلل أيضا من خطورة الجواسيس والعملاء الذين يتسترون خلف مصطلحات كالإصلاحيين أو حتى العلمانيين.. أدرك خطورتهم خاصة عندما تدعمهم الدولة – زاعمة العكس- ويدعمهم الخارج.. إنما أقصد قوة إيمان أهلنا في الجزيرة.. ذلك هو الهدف الرئيسي الآن.. وهذا الهدف مطلوب تفتيته وتحطيمه.

*** 

أريد أيضا أن أقول لكم يا ناس أن ما نحسبه هجوما مفاجئا بعد 11 سبتمبر إنما هو هجوم قديم مخطط سبق الإعداد له منذ عشرات الحقب.. وأن له مئات الفروع والروافد.. فرع منها على سبيل المثال تحرير المرأة ( كل امرأة نادت بهذا المصطلح تقع بين الكفر والفسوق) لأن المقصود فعلا تعهير المرأة.. وفرع آخر حقوق الإنسان.. والمعنى بعد " أبو غريب" لا يحتاج لبيان.. وفرع يحمل اسم الديمقراطية ..و..و.. وأن كل هذا استعمل منذ استعمل لتفتيت وحدة الأمة.. كانوا يعلمون أن الإسلام هو الضام القوي الذي يكبح كل التناقضات وكانوا يخططون لدفع الأمة لتركه أو على الأقل لعزله في المساجد ليضعوا مكانه شعاراتهم الجوفاء التي خدعت البعض منا .. أما البعض الآخر فقد أقدم عليها وهو يعلم أنه الكفر..

تحت مظلة الإسلام وبمرجعيته لم تكن الكويت تستطيع الاستعانة بكافر على مسلم لكنها براية القومية الخفاقة في الوحل فعلت..

تحت راية الإسلام كان الأكراد يدافعون عن الدولة العثمانية وتحت راية القومية أصبح منطقيا أن يطالبوا بدولة.. قومية ( منطقيا.. ولكن ليس صوابا ولا حلالا).. نفس الشيء ينطبق على البربر والأفارقة.

 نعم الهجوم مخطط له منذ مئات السنين وينفذ بدأب شديد وصبر أشد كي لا يفلت العيار ويصحو المسلمون فينقلب السحر على الساحر..

في السودان على سبيل المثال.. سمحت بها أوروبا لمحمد على كي تلهيه عن تكوين دولة عربية ( دعنا الآن من الوحدة التي ربطت بين البلدين منذ أعماق التاريخ.. منذ تحتمس الثالث على سبيل المثال).. سمحوا بوحدة مصر والسودان لكن إلى حين.. وبدأت المناوشات بحوردون عام 1877   تمهيدا لاحتلال مصر نفسها عام 1882.. والضربة الثانية كانت اتفاق الحكم الثنائي عام 1898.. والضربة الثالثة كانت تصرفات انقلاب 23 يوليو في مصر تحت ضغط الأمريكيين والبريطانيين.. وكان موقف مصر الأحمق ضد الإسلام بلا عقل في السودان خاصة.. لأن الإسلام في السودان متعدد الأعراق والأديان هو السبيل الوحيد للمحافظة على الدولة.

المعول الأخير لتفتيت السودان يأتي على يد عسكري آخر هو البشير وهو الخطوة المكملة لما فعله صلاح سالم وجمال عبد الناصر.

يقول فاروق جويدة: " كان من أسباب الجفوة أيضا , محاولات الخلط بين التيارات الإسلامية في مصر والسودان .. ان الدين في السودان يختلف تماما عنه في مصر , لأن الشعب السوداني يعتبر الدين مصدر حماية أمام ضغوط كثيرة قادمة من الجنوب تساندها كيانات دولية ضخمة .. وكان الشعب السوداني يعتبر نفسه حامل راية الإسلام في القارة السوداء .. وفي الفترات التي اشتبكت فيها ثورة يوليو مع التيارات الإسلامية في مصر في مراحل مختلفة كان ذلك من أسباب التوتر في العلاقات المصرية ـ السودانية رغم أنه من الثابت أنه لا توجد علاقة ما بين التيارات الإسلامية في البلدين." [11]

كان اللواء محمد نجيب يفهم ذلك.. لكن جمال عبد الناصر لم يفهمه فساهم مساهمة كبرى في الدفع إلى الهاوية.. إلى تفتيت السودان. 

إذن .. عندما نتكلم عن تفتيت السودان اليوم لا بد أن نبدأ التفكير فيما حدث منذ مائتي عام على الأقل.

نفس الأمر ينطبق على تفتيت الجزيرة العربية و أي بلد إسلامي آخر.. وما توسعت في متابعة حال نموذج للإنسان مصري منذ ولادته إلا لكي أنبه و أحذر.. فكل دول عالمنا الإسلامي تسير على نفس الطريق وإن اختلفت المسافات التي قطعوها والمحطات التي يقفون الآن عليها.

*** 

نعود إلى مصر..

نعود إليها كنموذج لما سيصير إليه حال الجميع لو استمرت الأمور على ما هي عليه..

ذلك أن مصر لم تعقم.. ولم تستسلم كلها..

كان هناك دائما من يحاول الخروج على النمط الذي حددته أجهزة الأمن.. ولنقرأ معا ماذا يحدث لهم أو بالتحديد ماذا حدث لبعض الشباب الذي نهض لا لكي ينازع الطاغوت سلطانه – غير الشرعي- و إنما ليحتج على الغزو الصليبي الأمريكي للعراق..: 

"قالت ثلاث من أهم المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان اليوم إنه يجب على السلطات المصرية اتخاذ إجراءات فورية لوضع حد لما يكابده المتظاهرون ضد الحرب من الاعتقالات وصنوف التعذيب المستمرة". 

منال خالد , تحمل صورة زفافها الذي تم منذ عشرة أيام فقط .. القي القبض عليها وعذبت وتم تهديدها بالاغتصاب .

التقى المحامون بمنال خالد أثناء اقتيادها من قسم الشرطة؛ فقالت لهم، والدموع تنهمر من عينيها، إنها تعرضت لـ"علقة موت"، وإن الرجال يُسحقون سحقاً بالداخل. وفي وقت لاحق، قالت منال خالد للمحامين إن ضباط قسم الخليفة هددوها هي ومعتقلتين أخريين بالاغتصاب. وذكر أحد المتهمين، وهو جمال عيد، للمحامين في جلسة تجديد أمر اعتقاله إن الضباط ضربوه ضرباً شديداً بعصا حتى انكسرت على جسمه؛ كما قال إنه اشتبه في وجود كسر في ساعده فطلب عرضه على طبيب، ولكنه حُرم من الرعاية الطبية. 

هذا، وقد استمرت موجة الاعتقالات منذ اعتقال المئات من النشطاء والمتظاهرين، بالإضافة إلى المتفرجين والمارة، أثناء المظاهرات المتفرقة المناهضة للحرب التي جرت في شتى أنحاء القاهرة يوم الجمعة الموافق 21 مارس/آذار الجاري؛ وردت الشرطة على المظاهرات باستخدام القوة المفرطة، حيث تعدت بالضرب على الكثيرين من المشاركين فيها، واعتقلت أعداداً كبيرة منها. كما احتلت الشرطة مقر نقابة المحامين نحو ست ساعات، واعتقلت المحامين خارج المقر وداخله؛ واقتيد المعتقلون إلى معسكر الأمن المركزي في حي الدراسة وإلى المقر الرئيسي لمباحث أمن الدولة في حي لاظوغلي. وقد أُفرج عن بعض هؤلاء المعتقلين، فيما أحيل 68 آخرون إلى النيابة العامة أو نيابة أمن الدولة. غير أن عدداً غير معروف من الأشخاص لا يزالون رهن الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي، مما يشكل انتهاكاً لما ينص عليه القانون من ضرورة إحالة المعتقلين إلى مكتب النيابة في غضون 24 ساعة منذ القبض عليهم. 

ولا يزال العدد الإجمالي للمعتقلين ومكان اعتقالهم طي المجهول؛ فمن المحتمل أن يكون بعضهم لا يزالون محتجزين في معسكر الأمن المركزي بالدراسة، ويُعتقد أن البعض الآخر محتجزون في سجن طرة المحكوم؛ وثمة آخرون من المحتمل أن يكونوا محتجزين في مختلف أقسام الشرطة بالقاهرة. ومن بين المعتقلين ما لا يقل عن ثلاثة أطفال دون الخامسة عشرة وجهت إليهم نيابة قصر النيل الاتهامات يوم 22 مارس/آذار، بالإضافة إلى فتاة في السادسة عشرة من عمرها وجه إليها مكتب نيابة الأزبكية الاتهام. وقد تلقت منظمة هيومن رايتس ووتش في 21 مارس/آذار معلومات من المحامي جمال عيد، أثناء احتجازه في معسكر الأمن المركزي بالدراسة، مفادها أن ثمة أطفالاً في الخامسة عشرة من عمرهم محتجزين في زنزانة واحدة مع الكبار. 

وفي 23 مارس/آذار، اعتقلت السلطات المزيد من الناشطين، اقتيد الكثيرون منهم من منازلهم، ومن بينهم اثنان من النواب المعارضين في مجلس الشعب المصري. وأحيل سبعة من المقبوض عليهم، من بينهم النائبان المعارضان، في نفس اليوم إلى مكتب نيابة أمن الدولة. وفي صباح الثلاثاء الموافق 25 مارس/آذار، اعتُقل عدد غير معروف من طلاب جامعة القاهرة، واقتيدوا إلى فرع مباحث أمن الدولة بشارع جابر بن حيان في الجيزة. وادعى طالب أخلي سبيله أن بعض الآخرين الذين لا يزالون محتجزين هناك تعرضوا للتعذيب لإجبارهم على الكشف عن مكان كمال خليل، وهو من النشطاء ضد الحرب. 

وأعربت المنظمات الثلاث عن بالغ قلقها بشأن ما ورد من أقوال تفيد بتعرض المتظاهرين للضرب أثناء القبض عليهم ثم أثناء احتجازهم. وفيما يلي أمثلة من ذلك:

تعرضت الناشطة منال خالد والمحامي زياد عبد الحميد العليمي للضرب المبرح عند القبض على كل منهما في 21 مارس/آذار. وذكرت منال خالد أيضاً أن ضابط أمن الدولة العميد حسام سلامة هددها بالاغتصاب عقب القبض عليها. وقد التقى طبيب من مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف، وهو من المنظمات غير الحكومية المصرية، بكلا المعتقلين في قسم شرطة الأزبكية يوم 22 مارس/آذار، وقال لمنظمة هيومن رايتس ووتش إن منال خالد أصيبت إصابة خطيرة في إحدى عينيها، بينما كان العليمي مصاباً بكسر في الذراع. وقالت منال خالد للمحامين والنشطاء في 25 مارس/آذار إنها حرمت من حقها في أن تُعرض على طبيب شرعي لإثبات الإصابة؛ وقال لها مفتش صحة إنها مصابة بتجمع دموي أسفل العين اليمنى، ونصح بعرضها على طبيب عيون، ولكنه لم يعالجها ولم يتحقق من تلقيها الرعاية الطبية اللازمة. وذكر زياد عبد الحميد العليمي أن أحد مفتشي الصحة قال له إن ذراعه مصاب بثلاثة شروخ، ولكنه لم يعالجه ولم يتحقق من حصوله على الرعاية الطبية اللازمة. وقد تعرض كلاهما للضرب مرة أخرى لاحقاً في قسم شرطة الخليفة .. 

ورد أن خمسة معتقلين على الأقل قد تعرضوا للتعذيب بالصدمات الكهربائية في مقر مباحث أمن الدولة بلاظوغلي بين منتصف الليل والثانية والنصف من صباح السبت الموافق 21 مارس/آذار 2003. • تعرضت نورهان ثابت، وهي طالبة حامل بجامعة القاهرة، للركل أثناء القبض عليها في 22 مارس/آذار 2003، وأثناء احتجازها لدى الشرطة معصوبة العينين ومقيدة اليدين. 

من بين المعتقلين الثمانية والستين الذين أحيلوا إلى النيابة حتى الآن، عُرض 12 على نيابة الأزبكية، وصدر أمر باعتقالهم أربعة أيام على ذمة التحقيقات في 22 مارس/آذار؛ وتم تمديد اعتقالهم لمدة أسبوع آخر في 25 مارس/آذار. وأحيل 49 إلى نيابة قصر النيل ونيابة الجمالية، وصدرت بحقهم أوامر اعتقال لمدة 15 يوماً. أما المعتقلون السبعة الباقون فقد أحيلوا إلى نيابة أمن الدولة في 23 مارس/آذار؛ وصدرت ضد السبعة جميعاً أوامر اعتقال لمدة 15 يوماً، ومن المحتمل إحالتهم إلى محكمة أمن الدولة التي لا يجوز استئناف أحكامها، ولا يمكن نقضه إلا بأمر من رئيس الجمهورية. 

وقد وُجِّهت إلى جميع المعتقلين الثمانية والستين الذين أحيلوا إلى النيابة تهمة المشاركة في تجمهر لأكثر من خمسة أشخاص، بموجب قانون التجمهر الذي يرجع إلى عام 1914.

*** 

لقد تعمدت في المثل الذي أوردته على الفور أن لا يكون الضحايا  من الاتجاه الإسلامي.. 

تعمدت ذلك..

فلدي أجهزة الأمن في العالم الإسلامي فتوى من الموساد والمخابرات الأمريكية أن ذبح المسلمين واجب.. بل فرض..

والنموذج السابق يتعلق بطائفة واسعة من المجتمع.. ولم يكن ضد نظام الحكم.. ومع ذلك عومل بهذه القسوة..

إنني أريد أن أقول أن من فعل جهاز الأمن ذلك لصالحه..  هو الذي يملك أمر هذا الجهاز ويرأسه...

أمريكا و إسرائيل..

و أريد أن أقول أن خبرة الدولة المصرية الحديثة منذ محمد علي باشا سنة 1805 حتى اليوم قامت على سعي الدولة الحثيث لتفليس المجتمع وإفقاده قوته وقدراته الذاتية. فقد سعت الدولة المصرية إلى ترسيخ وجودها على حساب المجتمع، من خلال تدمير مؤسسات المجتمع الطبيعية أو الأصيلة [12]  ولما كانت الدولة مخترقة بالدول الأوروبية ثم ببريطانيا ثم بأمريكا ثم بالاتحاد السوفيتي ثم عادت إلى أمريكا مرة أخري فقد كانت الأمة تفتت باستمرار لصالح هذه القوى.

 

*** 

ويتناول تقرير المنظمة المصرية  المتابعة الميدانية لظاهرة التعذيب في مصر خلال الفترة من أبريل 2003- أبريل 2004 . وفي هذا الإطار، رصدت المنظمة (42) حالة تعذيب داخل أقسام ومراكز الشرطة بينها (16) حالة وفاة توافرت لدى المنظمة شكوك قوية أنها نتيجة التعذيب وإساءة المعاملة.

كما يتناول هذا القسم أيضاً قراءة تحليلية لظاهرة التعذيب في مصر خلال الفترة من 1993-أبريل 2004 ، وفي هذا الإطار رصدت المنظمة حوالي (412) حالة تعذيب من بينها (120) حالة وفاة توافرت لدى المنظمة شكوك قوية أنها نتيجة التعذيب وإساءة المعاملة.

ورغم رصد المنظمة المصرية لاتجاه الحكومة بإحالة قضايا التعذيب إلى القضاء منذ عام 2000 ، إلا أنه يلاحظ إصدار أحكام قضائية مخففة على المتهمين بسبب القصور التشريعي في مواجهة ظاهرة التعذيب .

وأوضح زارع في مداخلته بان مركزه قد سجل العام الماضي 1124 حالة تعذيب ضد مواطنين ارتكبت داخل مراكز الشرطة او في مقرات جهاز أمن الدولة المصري، مشيرا إلى أن هناك اكثر من 70 وسيلة تعذيب يتم استخدامها في هذه الأماكن.

      ومن ناحيته دافع اللواء فؤاد علام رئيس جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق عن سجلات الشرطة التي نفي أنها تمارس التعذيب بشكل منهجي. وقال علام أثناء الندوة التي يأمل المشاركون ان تركز الانتباه علي قضايا التعذيب قد تكون هناك سلبيات ولكن هذا لا يعني أن الصورة قاتمة تماما .

***  

فؤاد علام هذا من كبار الجلادين وقيل أنه قتل بيديه الكثيرين منهم الشهيد كمال السنانيري زوج شقيقة الشهيد سيد قطب..

جلاد من كلاب النار..

( ويا أخي المهندس محسن من الجزيرة العربية.. توصيني بعدم السب.. وتجعلني أكشف لك أمرا.. فو الله ما أسبهم للتنفيس عن ضيق.. ولا للتعبير عن غضب.. ولكنني أخشى أن يفلتوا من عقاب الأرض – مع يقيني بعقاب السماء- فأحاول استدراجهم لرفع قضايا سب وقذف ضدي كي أستطيع إثبات جرائمهم وكشف الستر عنها.. ويعلم الله أنني أفعل ذلك مدركا أنني يمكن أن أُسجن في أي مرة فحال القضاء والنيابة ما تعلمون.. وعلى كثرة وقسوة ما أسبهم فلم يجرءوا أبدا على مقاضاتي إلا مرة واحدة في قضية " وليمة لأعشاب البحر عندما سببتهم بأشد الألفاظ قسوة .. بل وذكرت آباءهم أيضا( أرجوك أن تراجع صحيح الجامع في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في سباب بعض المشركين على آبائهم) ومع ذلك انسحبوا من المحكمة مذعورين خوفا من أن تدينهم المحكمة: وتذكر أن من حكم بكفر نصر حامد أبو زيد كانت محكمة النقض وليس الأزهر).

***  

ولنتناول في تقرير آخر ماذا حدث للإسلاميين:

"تعذيب متهمي الإخوان المسلمين في مصر"

القاهرة:سامح سامي

  تقدمت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أول أمس ببلاغ للنائب العام حول واقعة تعذيب سبعة من المتهمين في القضية رقم 462 لسنه 2004 حصر أمن دولة عليا المعروفة باسم " تنظيم الإخوان المسلمين".

  أفادت فيه بأن المذكورين متهمون في تلك القضية ومحبوسون على ذمتها حبساً احتياطياً ورغم ذلك تم اقتيادهم بمقر مباحث أمن الدولة فرع مدينة نصر ولذلك توجه محامو المنظمة لحضور تحقيقات النيابة معهم أثناء نظر أمر استمرار حبسهم احتياطياً وذلك يومي 12 و13 /6/2004. وأثناء عرض المذكورين على نيابة أمن الدولة العليا أثبت المذكورون أمام النيابة وقائع التعذيب وبحضور وشهادة محامو المنظمة حيث أنه بتاريخ 3/6/2004 تم إخبارهم أنهم مطلوبون لاستكمال التحقيقات وتم اقتيادهم من محبسهم بسجن مزرعة طرة إلى سجن الاستقبال حيث مكثوا هناك قرابة الأربع ساعات حتى تم نقلهم من سجن الاستقبال إلى مقر مباحث أمن الدولة بمدينة نصر.

وذكر التقرير أنهم تعرضوا للعديد من ممارسات التعذيب منها :

1- تكبيل أيديهم من المعصم في الوضع خلف الظهر كما تم وضع عصابات صوفية سميكة على أعينهم لحجب الرؤية.

2- نزع ملابسهم عنهم بالكامل وظلوا على هذا الوضع المهين طوال الفترة الممتدة من 3/6 وحتى 10/6/2004.

كما أفادوا بأنهم ظلوا في وضع التكبيل من المعاصم طوال فترة الاحتجاز و التعذيب مما أعاقهم عن الكثير من العمليات الحيوية اليومية اللازمة للإنسان كقضاء الحاجة أو الاستحمام فضلاً عن صعوبة النوم في هذا الوضع. 

3- الصعق الكهربائي في مختلف أنحاء الجسد على النحو التالي:

-الوضع "إستاكوزا" وفيه يتم توصيل الأسلاك في أطراف أصابع القدمين وفي الرأس مما يتسبب في مرور التيار الكهربائي في الجسد دورة كاملة. 

-الوضع "أبو غريب" وفيه يتم توصيل التيار الكهربائي في كل من الأعضاء التناسلية وحلمتي الصدر للمعذبين.

4- التعليق من الذراعين و القدمين على ماسورة حديدية في وضع يسمى "الشواية". 

5- التهديد بإحضار الزوجات والإناث من الأبناء وتعريضهم للإيذاء الجنسي على أيدي ضباط مباحث أمن الدولة ومعاونوهم.

هذا فضلاً عن الضرب بالأيدي والركل بالأرجل في سائر أنحاء الجسم والصفع المتواصل على مؤخرة الرأس و الرقبة والخدين لمنع المعذبين من التفكير والإجابة بشكل مرتب أو منظم. 

وقد نجم عن هذه الأساليب التعذيبية إصابة البعض منهم بالإصابات التالية : محمد إسماعيل سعد: يعاني من تبول لا إرادي نتيجة صعقه بالكهرباء في عضوه الذكري لفترات طويلة. هذا فضلاً عن أن المذكور يعاني من ربو شعبي ويحتاج دائماً لوجود البخاخة الطبية في متناول يديه وهو ما منع منه وعندما أصيب بنوبة سعال حادة قام الضباط بإفراغها في الهواء بالقرب من وجهه وسط ضحكاتهم المستهزئة بمحاولته المستميتة لاستنشاق أكبر قدر من العقار من الهواء وذلك على حد ما جاء بأقواله.

مصطفى طاهر الغنيمي: أصيب بكسر في يده مع عدم مقدرته على الوقوف لمعاناته من اختلال في التوازن نجم عن الصفع المتواصل على الأذن.

محمود زين العابدين: أصيب بكسر في الذراع الأيمن.

خالد عيد الشامي: مصاب بكسر في الضلوع.

وقد شهد محامو المنظمة الكثير من أوجه التعسف مع المتهمين حيث رفض السيد رئيس النيابة من مناظرة إصابات المواطن/ محمد إسماعيل سعد.

*** 

وانظر أيها القارئ إلى تلك الوحشية الفاجرة الكافرة.. لأن كل مسلم بل كل إنسان على ظهر الأرض قد أدمى ضميره ما حدث لإخوتنا في أبو غريب..

لكن وحوشنا يسمون نوعا من أنواع التعذيب باسمه جرأة على الله وعلى حدوده.. جرأة على الوطن وعلى الأمة وعلى الدستور وعلى القانون.. أي قانون حتى قانون الطاغوت المعلن.

ودعوني هنا أصدر فتوى أخري:

إن مرتكب الكبيرة لا يكفر.. إنه فاسق أو عاص.. ولكن من يعذب إنسانا كي يرده عن دين الله ويصرفه عن الإسلام فهو كافر.. وأظن أن ذلك هو ما تفعله أجهزة أمننا من الرباط إلى جاكرتا.. و أرجو أن يعذر بعضهم بالجهل.

*** 

       أوصيك يا أمة مع بداية أي تغيير في أي بلد من بلادك ألا تغفري لهذه الحيوانات المتوحشة أبدا.. و أن تحاكميهم في كل جريمة ارتكبوها لتقيمي فيهم حدود الله..

*** 

لطالما حيرتني ظاهرة التعذيب في بلادنا.. فالشمول والوحشية والاتساع والفجور الذي اتسمت به لا يعود إلى أي فترة من تاريخنا.. ولا حتى في الجاهلية.. و إن كان ثمة صلة مع الماضي فهي تشبه اضطهاد الرومان للموحدين من أقباط مصر.. أما في العصر الحديث فليس لها سوي أب واحد ولدت منه سفاحا.. هذا الأب هو المخابرات المركزية الأمريكية.

*** 

نعم..

الشكل واحد.. والمواصفات واحدة..

ولقد فشلنا في كل شئ حاولنا نقله عن الغرب.. إلا الأمن.. وهذه الطرق الوحشية المسعورة في امتهان البشر وخداعهم والكذب عليهم..

فشلنا في كل شئ لكننا نقلنا عنهم القسوة الوحشية المجنونة والخسة التي لا حدود لها وافتقاد المنطق والعقل والضمير..

*** 

وقد علق د. الشيخ محمد بشار الفيضي، عضو شوري هيئة علماء المسلمين في العراق على مثل هذه الخسة والوحشية بقوله:

 إن سلوك القوات الأمريكية في حصارها للفلوجة ربما لم يسجل مثيل له في تاريخ الحروب. فالقوات الأمريكية لم تقتل العراقيين من أهالي الفلوجة بالمئات بل أيضا احتلت مقبرة المدينة ومنعت أهلها من دفن شهدائها، ولم توقع اكثر من ألف جريح بين سكان المدينة فحسب بل أيضا احتلت المستشفي الرئيسي للمدينة ومنعت علاج الجرحى، ولم تفرض حصارا محكما علي مدينة الثلاثمائة ألف نسمة فقط، بل دمرت الإمدادات والمؤن التي أرسلتها مدن العراق الأخرى لإعانة وإغاثة أهلهم في الفلوجة.

وأضاف الضابط أن القوات الأمريكية تعتبر العراقيين غير آدميين‏,‏ ولا تشعر بأدنى قدر من القلق للخسائر في الأرواح بين المدنيين‏.‏ وأكد الضابط أن القوات الأمريكية تهاجم أي منطقة تنطلق منها قذائف تستهدف جنودها‏,‏ حتى لو كانت تلك المنطقة مأهولة بكثافة سكانية عالية‏,‏ وهو ما تحظره القواعد العسكرية البريطانية‏.‏

ووصف الضابط موقف الأمريكيين بأنه مأساوي‏,‏ ومثير للرعب‏,‏ ومخجل للغاية‏.‏ وقال‏:‏ إن القوات الأمريكية لا تقتل الإرهابيين فقط‏,‏ ولكنها تقتل وتشوه المدنيين.. 

وليس هناك أي غريب أو جديد إلا لأن نخبنا العاهرة قد خدعتنا بالحضارة الأمريكية لزمن طويل..

أما الواقع فهو أن الشعب الأمريكي هو أكثر شعوب العالم عبر التاريخ إجراما وانحطاطا وخسة [13].

ولنقرأ أيضا ما يقوله باسل ديوب:

110 مليون إنسان قتلوا من الهنود الحمر ثمناً لصعود إمبراطوريتهم، التي عمدوها بدم السكان الأصليين الممزوج مع صفحات صفرٍ من التلمود والعهد القديم،استندوا إليه في تبرير جرائمهم الخسيسة، وقد تفننوا بقتلهم قبل اختراع أسلحة الدمار الشامل، فقد توصلوا إلى أول سلاح جرثومي في التاريخ، حيث كانوا يقذفون معسكرات الهنود الحمر ومدنهم (كان لديهم حضارة مدنية حقيقية ) بالجثث المصابة بالطاعون والأمراض السارية، حتى تفتك بهم، و كان الأمريكي الأبيض يفخر بجراب تبغه المصنوع من جلد العضو الذكري للهندي الأحمر الأسير، وهكذا بنوا إمبراطوريتهم. [14]"..

*** 

يا للوحشية والخسة..

حتى عندما لا يكون للوحشية مبرر ولا للخسة داع:

 كان الأمريكي الأبيض يفخر بجراب تبغه المصنوع من جلد العضو الذكري للهندي الأحمر الأسير، وهكذا بنوا إمبراطوريتهم.

*** 

هل تشعر بالاشمئزاز والقرف أيها القارئ؟‍..

ألم تحس بصلة النسب بين الحيوان الأمريكي المتوحش الذي فعل هذا وبين الحيوان المصري المتوحش الذي ابتدع طريقة أبو غريب في التعذيب؟‍..

يحسب للأمن السعودي فضيلة عدم المجاهرة بالفحشاء والإثم رغم أن فعله لا يقل ضراوة ووحشية.

هذه السمات المشتركة كما قلت لكم يا قراء دليل لا يدحض على صلة نسب السفاح بين أجهزة الأمن الإسلامية وبين الجهاز الأمريكي الباطش السفاح.

عندما نتأمل عمليات التعذيب الوحشية المجنونة التي تمارسها سلطة تدعي الإسلام ضد المجاهدين سنتذكر على الفور ما مورس في مصر ضد الإخوان عام 1954..

نفس المنهج ونفس الخسة ونفس المخطط ونفس الأهداف..

أيامها كانت السلطة في مصر تكذب وتشهر للقضاء المعنوي على الإخوان بعد سحقهم الجسدي.. وكان ذلك كله بالاتفاق مع أمريكا.

نفس الشيء تفعله السلطات السعودية الآن..

وفي عام 1957 لم تكتف السلطة الباطشة الجبارة بما فعلته فدبرت مذبحة كبرى لإخوان في السجن..

و إنني أظن.. و أحسب أن ظني صحيح أن كثيرا من المذابح التي تحدث في السعودية الآن مفتعل من قبل السلطة بتدبير الأمريكيين لإبطال الجهاد واستئصال شأفة المجاهدين.

نفس ما حدث في المنشية..

ولقد نشرت في مقالتي الماضية شهادة يوسف معكرون عن مذبحة طرة.. والآن أستكمل هذه الشهادات لأختمها في مقالي القادم إن شاء الله.. 

و أذكرها لا لنبش الماضي ولا استعادة المحن ولا إثارة الإحن بل لأفضح ما يزال يمارس حذو النعل بالنعل في القاهرة والرياض ودمشق وبغداد ,..و..و..

أذكرها لتعلموا كم تكذب بيانات الشرطة وكم تدلس النيابة وكم يظلم القضاء..

أذكرها لا لكي تضموها إلى مقتنيات الذاكرة بل لتعلموا أن ما يحدث اليوم أمامكم يتضمن نفس الكذب والظلم والتدليس.. ولتعلموا أن ولي العهد يسير على خطى عبد الناصر و أخشي أن تنتهي المملكة إلى ذات الكارثة : شعب مضروب واقتصاد منهوب ووطن مسلوب.

و إلى مذبحة طرة:

شهادة الأستاذ مصطفى مشهور:

'في سنة 1957م كان عبد الناصر يخطط لخلع الملك حسين عن طريق الضباط الإخوان في الأردن، فكشفوا هذا المخطط، وأفشلوه فاغتاظ منهم، وأراد أن ينتقم منهم، ومن الإخوان المسجونين في طرة، ففي طرة كان السجناء يخرجون إلى الجبل، لتكسير الحجارة، ثم يعودون، والمريض منهم يأخذ تصريحاً طبياً، كيلا يخرج إلى الجبل. 

وذات يوم صدر الأمر بخروج جميع السجناء إلى الجبل، السليم منهم والمريض، فاستغرب الإخوان هذا الأمر، وشكوا في أسبابه، فلم يخرجوا. 

كان رد إدارة السجن أن مجموعة من الجنود يحملون الرشاشات، دخلوا على الإخوان في الزنازين والعنابر، وصوبوا الرشاشات نحوهم بعشوائية همجية، فاستشهد منهم واحد وعشرون شهيداً، وسميت 'مذبحة طرة"..

شهادة الأستاذ إبراهيم قاعود:

في أول شهر يونيو عام 1957 وقعت هذه الجريمة البشعة والتي شهدتها زنازين ليمان طره وجرت وقائع هذه الجريمة بعد تدهور العلاقات بين مصر وسوريا وقال عبد الناصر : إن الإخوان المسلمين في سوريا لهم دخل في هذا وكانت يده لا تصل إلي الإخوان في سوريا فصب جام غضبه على الإخوان في مصر وطلب من الضباط أن يضايقوا الإخوان أشد المضايقات (...)  فاستدعوا فرق المتطوعين في الجيش بأسلحتهم ووقفوا على سطح العنبر وأخذوا يطلقون النار على من فيه ثم دخلوا إلي الزنازين فقتلوا 22 في تلك الجريمة البشعة وانتهى الأمر بحفظ التحقيق في هذه القضية وقالوا : إنها ثورة في سجن وانتهت المسألة [15] .

وكان (ليمان طرة) أحد تلك السجون التي دخلها الإخوان في سبيل دعوتهم وفكرتهم.. وكان به ما يقرب من (183) أخًا معظمهم من الشبان صغار السن، من طلاب المدارس الثانوية والجامعات الذين كان للشهيد محمد يوسف هواش فضلَ تجميعهم وتنظيمهم بعد أحداث 1954م أثناء فترة هربه.

كما كان يوجد بالسجن بعض الإخوان القدامى من الرعيل الأول كالحاج أحمد البسّ، والذي كان محكومًا عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة.

كما كان من نزلاء السجن أيضًا من الإخوان الشيخ حسن أيوب، والأستاذ حسن دوح، وفي مستشفى الليمان كان يوجد الشهيد سيد قطب، والشهيد محمد يوسف هواش.

وكان يتولى مسئولية الإخوان داخل الليمان الحاج أحمد البسّ، ويعاونه ستة من الإخوان هم (الشيخ حسن أيوب، الأخ حسن دوح، عبد الحميد خطاب، حامد قرقر، عبد الرازق أمان الدين، عبد الحليم حسين).

وكان من تكاليف الإخوان في الليمان الخروج يوميًا للجبل لتكسير الحجارة ونقلها.. حسب كمية معينة مطلوبة منهم تتراوح بين (40- 80) متر مكعب يوميًا.

وكان يقوم على إدارة الليمان مجموعة من أسوأ الضباط.. كانت تحمل للإخوان حقدًا وكراهية شديدة منهم (عبد العال سلومة، عبد الله ماهر، عبد اللطيف رشدي)، وكان مدير الليمان في ذلك الوقت اللواء سيد والي الذي قاد المذبحة بعد ذلك.

التمهيد للمذبحة

افتُعلت مجموعة من الأحداث كانت بمثابة استفزازات للإخوان حتى يوجد المبرر لتنفيذ المذبحة:

- أول هذه الاستفزازات كانت في يوم الأربعاء 22/5/1957م، مُنع الإخوان من صلاة الجماعة في فناء عنبرهم بصورة استفزازية، ثم مُنعت صلاة الجماعة في الأدوار الخاصة للإخوان، ثم مُنعت صلاة الجماعة داخل الزنازين بنفس الصورة.

- وفي يوم الخميس 23/5/1957م مُنع لعب الكرة الذي كان مرخصًا به بنفس الطريقة.

- وفي يوم الجمعة 24/5 ظلَّت الزنازين مغلقة على الإخوان حتى صلاة الجمعة.

- وفي يوم السبت 25/5 حدثت مشادة بين الضابط "عبد العال سلومة" وثلاثة من الإخوان دون داعٍ سوى الاستفزاز.

- وفي يوم الأحد 26/5 قال هذا الضابط نفسه مهددًا بتصريحات غريبة (فيه أوامر عالية بجر الإخوان لمعركة نخلص فيها على ثلاثين.. أربعين..)، وكرر هذه التصريحات بصورة مستفزة.

- وفي يوم الأربعاء 29/5: أثناء إحدى الزيارات لعدد من إخوان شبرا، أخرجت إحدى الأخوات "دجاجة" وأعطتها لأخيها الأخ: عبد الغفار السيد، فثارت ثائرة الضابط عبد الله ماهر وصرخ بصوت مستفز "ممنوع أخذ أي شيء من الزوار"، وأنهى الزيارة.. ووضع القيد الحديدي من الخلف في يد كل أخ من الذين كانوا في الزيارة، وأرسلهم إلى زنازين التأديب وأُرسل أهاليهم إلى قسم شرطة طرة، واتُهموا بإحداث شغب أثناء الزيارة.

- وفي يوم الخميس 30/5 مُنعت الزيارات الخاصة بالإخوان بدون مبرر.

- وفي يوم الجمعة 31/5 أغلقت الزنازين حتى الصلاة، وفي المساء أخرجوا الإخوان الموجودين في مستشفى الليمان، وأعادوهم إلى العنابر، ونبهوا على الجميع بضرورة الخروج للجبل في اليوم التالي: السبت.

أحداث المذبحة (1/6/1957)

في يوم السبت 1/6 والذي حدثت فيه المذبحة.. كان تفصيل الأحداث كالتالي:

"رأى الإخوان أن يتخلصوا من هذه الحالة التي لا تراعي فيها الإدارة أي قانون من قوانين السجون فكتبوا طلبًا للإدارة.. لطلب النيابة للتحقيق فيما يجري معهم، وحددوا ما يطلبون باعتبارهم مسجونين سياسيين على أكثر تقدير.. وسُلِّمت شكاوى بهذا المعنى لكاتب العنبر لتأخذ خط سيرها الروتيني.. وانتظر الإخوان داخل الزنازين حتى العاشرة صباحًا.

ثم طلبت الإدارة أربعة منهم (أحمد ألبس، عبد الرازق أمان الدين، حسن دوح، عبد الحميد خطاب)، وأدخلوهم حجرة وكيل العنبر، فوجدوا مدير الليمان وحوله الضباط، وبيد كل واحد منهم مسدسه، وبعد فترة من الحديث ذهب مدير الليمان إلى مكتبه ومعه الضباط وتركوا الإخوان الأربعة في حراسة بعض الجنود.

وبعد فترة ليست طويلة فوجئ الإخوان بإحضار عدد من السلاسل الحديدية، وبدءوا في سلسلة الإخوان فيها، ثم أخذوا يفتحون الزنازين فيخرج من كل زنزانة ثلاثة من الإخوان يُفتشون ثم يُسلسلون في السلسلة، وهكذا حتى تَمَّ سلسلة خمسة عشر أخًا، وعلى أثر إهانة أحد الضباط لأحد الإخوان، رفض هؤلاء عملية السلسلة هذه، وصعدوا إلى الدور الثالث من العنبر؛ حيث كان يقيد الإخوان وأبواب الزنازين مغلقة عليهم، فاختطف أحدهم- "الشهيد علي حمزة"- المفتاح من الجاويش، وفتح جميع الزنازين، وخرج الإخوان.

وهنا فشلت الخطة التي دبرتها إدارة السجن لإخراج الإخوان بالسلاسل إلى الجبل ثم ضربهم هناك بدعوى قيامهم بالتمرد ومحاولة الهروب، ففكرت الإدارة في خطة أخرى نُفذت بعد ساعتين من فشل الخطة الأولى، وعند صلاة الظهر أُغلقت جميع زنازين الليمان.. ما عدا زنازين الإخوان.. الذين بدءوا الاستعداد لصلاة الظهر.

وفجأة دخلت الكتيبة العنبر، وصعد عدد منهم إلى الدور الرابع الذي يعلو الدور الثالث الذي يسكن فيه الإخوان.. ومن الدور الأول أطلق أحد الضباط طلقة كانت بمثابة إشارة البدء في المذبحة فصاح أحد الإخوان: "فشنك"، ولكن توالى إطلاق النار وسقط بعض الإخوان مضرجين في دمائهم.. وعندئذ صاح أحدهم: "الضرب في المليان يا إخوان.. ادخلوا زنازينكم.. وأغلقوا الأبواب عليكم"، فأسرع الإخوان إلى داخل الزنازين وأغلقوا الأبواب عليهم، واستطاع بعضهم أن يسمكر الأبواب عليهم.

وعندما دخل الإخوان الزنازين صعد بعض الضباط ومعهم جاويش، فكان الجاويش يفتح باب الزنزانة فيدخل الضابط فيطلق النار على مَن فيها بمسدسه، أما الزنزانة المغلقة فيضع في فتحة الزنزانة فوهة مسدسه ويطلق النار على مَن بداخلها، واستمر إطلاق النار ساعة أو أقل قليلاً، بعدها خيم صمت رهيب على الليمان، والجميع في ذهول، واستمر هذا الصمت الرهيب والإخوان في ذهولهم.. بين قتيل مضرج في دمائه.. ومصاب جرحه ينزف.. وثالث ذهب عقله.. ورابع لا يدري هل هو ميت أو حي!!.

وبعد توقف الضرب فتح باب المخزن، وهجمت قوة من الضباط والعساكر على مَن فيه، وأطلقوا عليهم الرصاص، وأجهزوا على الجرحى والمرضى منهم بالشوم، ثم انطلقوا إلى المخزن الآخر، ولكن بابه قد أغلق بفعل رصاصة سمكرت الباب، فذهبوا إلى الزنزانة المجاورة للمخزن الثاني، وأجهزوا على كل مَن كان فيها، ثم صدرت إليهم الأوامر بالانسحاب.

وبقيت هذه الحالة حتى جاء الليل.. وبدأت حركة داخل العنبر بدخول الحراس وفي أيديهم الشموع؛ يبحثون عن حصاد المذبحة.. وكان الحصاد 16 قتيلاً.. و22 جريحًا.

ووقف الحراس والضباط في الطريق الموصل إلى المستشفى يجهزون على المصابين ضربًا بالعصي الغليظة؛ حتى انضم عدد من الجرحى إلى القتلى.. فأصبح عدد القتلى (21) قتيلاً، واتجه تفكير إدارة السجن إلى تفسير الحادث على أنه اشتباك بين الإخوان بعضهم البعض وأن بعضهم قتل البعض الآخر بالسكاكين.. وبناءً على ذلك أخذوا يوسعون مكان الطلقات حتى تكون كالطعن بالسكين، ثم أرادوا أن يصوروا الحادث على أنه اعتداء من الإخوان على الحراس.. ولكن لم يكن بين الحراس حارسًا واحدًا مصابًا.

ولذلك لم يستسغ وكلاء النيابة أيًّا من هذين التفسيرين.. مما اضطر المسئولون إلى استبدال وكلاء النيابة بضباط مباحث تنكروا في هيئة وكلاء نيابة، وحفظوا التحقيق في المذبحة. 

وبعد ذلك دخل على المحققين "صلاح الدسوقي"، الذي كان يعمل وقتها أركان حرب وزارة الداخلية، وقال موجهًا حديثه لمدير الليمان سيد والي: "برافوا يا أبو السيد.. أنا كنت متأكد إن مفيش حد يقدر يقوم بهذا الأمر إلا أنت.. أنتم ماخلصتوش عليهم ليه؟!"، فاطمأن الضباط وعلت وجوههم الابتسامات.

وقد فسر الضابط "أحمد صالح داود" ضابط المباحث العامة والذي حضر المذبحة لأحد الإخوان (الأخ محمد الشيخ) أسباب المذبحة بقوله: "إن سبب المذبحة هو أن الإخوان المسلمين بالأردن وقفوا ضد جمال عبد الناصر؛ بأن أفسدوا انقلابًا دبره ضد الملك حسين، فانتقم جمال عبد الناصر من إخوان الأردن بضربكم هنا في مصر".

وكانت النتيجة النهائية للمذبحة كالتالي: 21 شهيدًا.. 23 جريحًا.. 6 فقدوا عقولهم 

وأرسلوا لأسر الشهداء لاستلام جثثهم بشرط ألا يعلم عن موتهم أحد، وألا تقام لهم جنائز، ويتم دفنهم ليلاً بحضور أحد الأقارب، وبقيت مقابرهم تحت الحراسة مدة لا يقترب منها أحد [16]

شهادة الدكتور محمد مورو رئيس تحرير مجلة المختار الإسلامي

وهي شهادة ينقلها لنا الصحافي النابه  أحمد عبد الهادى 

قال مورو : 

أبى كان عضوا في الإخوان وقد استشهد في السجن عام1957 في حادث طره .. حيث كان الإخوان معتقلين أيام عبد الناصر .. وعندما اندلعت حرب 1956 طلبوا المشاركة في الحرب حيث قدموا مذكرات لإدارة السجن بذلك .. وكان أبى من بينهم .. وكل الذين قدموا هذه الطلبات تم تصفيتهم إما بالتعذيب أو رميا بالرصاص من غير محاكمات .. 

كانت تهمة أبى أن أحد أصدقائه اعتقل ضمن المعتقلين من الإخوان وكان أبى يعمل وقتها في هيئة قناة السويس وكنا نقيم في الدقى .. وحرص أبى على إرسال نصف مرتبه لعائلة صديقه المعتقل عن طريق حوالة بريدية متصورا أن المروءة غير مجرمة .. 

وكان أبى وقتها قد شارك في معارك الإخوان عام 1951 في معارك القناة ضد الإنجليز .. 

ونظرا لحرص أبى على إرسال نصف المرتب تم اعتقاله .. والتهمة تمويل الإخوان .. وكانت صدمة له لم يصدقها وهو ما دفعه إلى الصدام أكثر من مرة مع إدارة السجن والمحكمة .. ويهتف ضد النظام في قلب المحكمة فقد فاض الكيل به .. وحكى الكثيرون عنه .. وعن قوتة ومواجهته للظلم الذي حاق به ورفض كتابة ثمة التماس للخروج . 

وعندما تقرر تصفية الإخوان داخل الزنازين هرول داخل إحدى الزنازين ولما لم يستطع إغلاقها بالترباس وقف خلف الباب بقوة لمنع الحرس من اقتحامها لتصفية من فيها فأطلقوا عليه الرصاص وتركوا زنزانته ومن فيها .. وكل من في الزنزانة نجا إلا هو فقد تلقى الرصاص في جسده نيابة عنهم . بينما تم تصفية الكثيرين منهم في الزنازين الأخرى. 

شهادة الشهيد سيد قطب

أودع سيد قطب ليمان طره (السجن الذي يضم المئات من شباب الإخوان) ، ولقد شهد بأم عينيه مذبحة الإخوان في ليمان طره عندما فتحت الحكومة الرشاشات على الإخوان حيث قتل من عنبر واحد ، واحد وعشرون من شباب الإخوان والتصقت لحومهم بالحائط ، ومن شاء الاستزادة فليقرأ  كتاب (أقسمت أن أروي لروكس معكرون) [17]. 

يذكر سيد قطب رحمه الله في مذكراته: (أنه أوحى إلي  بعض الأفراد بفكرة انساق إليها ببله وصار يروّج لها وهي الخروج من السجون بالقوة، وعرض هذا على بعض القيادات الإخوانية فرفضته بشدة وعنف وشتم ونهر هذا الإنسان، ثم علم بهذا معروف الحضري - وكان قائداً في الجيش وأبلى في حرب فلسطين بلاءً حسناً وكان معتقلاً في السجن مع الإخوان - فقال لي بعصبية: هذه دسيسة لتدبير مذبحة كبرى للإخوان في السجون وفي الخارج.

ثم يقول سيد قطب: وحوكمت وذهبت إلى سجن ليمان طرة وذهبت إلى مصلحة السجن لمرضي، إذا بقائد كتيبة الليمان في سجن طرة وهو الصاغ يزورني على غير معرفة سابقة ويحدثني في ضرورة تخليص الإخوان الذين هم في السجون لأنهم هكذا يستهلكون تماماً وخصوصاً هؤلاء الذين يقطعون الأحجار في جبل طرة مع كبار المجرمين، ومع معرفتي أن هذا الضابط لم يكن في يوم من الأيام من الإخوان. ثم مع إلحاحه وقوله أنه كقائد للكتيبة يضع نفسه وأسلحة الكتيبة تحت تصرفنا لأنه لم يعد يطيق منظر طابور الإخوان في الجبل، تذكرت خطط الدسائس المتكررة وذكرت قول معروف الحضري: دي دسيسة لتدبير مذبحة كبرى للإخوان في السجون والذين في الخارج جميعاً، وقلت له: إحنا متشكرين على عواطفك ولكن نحن نرى إننا أدينا واجبنا وانتهت مهمتنا بدخول السجن ولم نعد نستطيع عمل شيء فمن أراد أن يعمل من غيرنا فليعمل، فانقطعت زيارته ثم وبعد ذلك بأيام اتهم الإخوان في السجن بأنهم يعصون الأوامر ودخلت كتيبة السجن بأسلحتها لتطلق النار على الإخوان في الزنازين بدون ذنب ويقتل منهم أكثر من عشرين فرداً من الإخوان في مجزرة رهيبة عدا الجرحى!!) [18].

*** 

***  

ونواصل الشهادات في المقال القادم إن شاء الله

*** 

*** 

 

حاشية

الإخوان المسلمون

كبرى الحركات الإسلامية، والحركة الأم، وقد كنت دائما مع المناصحة الخافتة الهامسة، وكانت لي ملاحظات عديدة لكنني كنت أقول لنفسي أنها الحركة التي دفعت ضريبة الجهاد والاستشهاد والتضحية والصبر و أن من حقها أن تختار لنفسها طريقها الذي تشاؤه فقد أجهض بنيانها الضخم ثلاث مرات ومن حقها أن تحاول تجنب إجهاضه مرة أخرى ( دعنا الآن من اعتقادي أن أسباب إجهاضها لم يكن لأنها بادرت بالعنف .. بل على العكس.. أنها لم تبادر به) وكانت نصيحتي وتعليقي للإخوة الخارجين عليها ألا يهاجموها أبدا.. فليجاهدوا كما شاءوا  وليسيروا في طرق موازية وليسبقوها إذا استطاعوا ولكن عليهم ألا يبخسوا الحركة الأم حقها و ألا يهاجموها، خاصة أن بعض المنشقين لم يكونوا سوى اختراقات من أجهزة الأمن عجزوا عن جرف الحركة عن مسارها فانشقوا عنها  لإحداث انهيار فيها، بالإضافة إلى آخرين تحركوا بإيعاز من أجهزة الأمن وعلى وعد وغواية أن السلطة التي ترفض الإخوان رفضا استراتيجيا يمكن أن تعتبرهم كحل وسط تقبل التعامل معه، ستقبل التعامل معهم هم وتحلهم محل الإخوان. وهناك فصيل ثالث أجهده الجهاد فأصيب بما يشبه جنون العظمة الذي خيل له أن الإخوان حركة منافسة له أو لحزبه، وحزبه لا يتجاوز بضعة مئات أو آلاف على الأكثر.. وعلى ذلك بنى سياسته لمناوأتها ومنافستها فكان كالضفدعة التي راحت تعب الماء كي تصبح في حجم الفيل فانفجرت. وقد تناول مركز الدراسات الاستراتيجية في الأهرام ظاهرة الأحزاب الصغيرة  ليقرر: وفي الفترة من 1990 حتى 2002 تم إنشاء أحد عشر حزبا جميعها من الأحزاب الصغيرة التي لا تتعدى عضويتها ما بين 100- 400 عضو.. [19]..

ومن المحزن أن العلاقات بين أشباه الأحزاب المنشقة والحزب الحاكم أفضل بكثير من علاقتها بالحزب الأم، بالإخوان. بل إن أحد قيادات هذه الأحزاب أو الجماعات كتب عن: إلهام حسني مبارك، و أتبعه بالحديث عن إجرام الإخوان المسلمين!!..

كنت أرقب كل هذا بحزن.. وكنت أنظر في إعجاب مشفق إلى جهد الإخوان في تربية أفرادها تربية دينية يكون خلقهم فيها القرآن.. كنت أرى المثالب والعيوب، ونصاعة النظرية وعتامة التطبيق..

 وبرغم حبي و إعجابي وتقديري للبطل المجاهد أيمن الظواهري إلا أنني كنت أظن أنه ظلم الإخوان في كتابه عنهم ( مع وضع كافة التحفظات لاحتمال تحريف صحيفة الشرق الأوسط لكتابات الظواهري)  لأنه تجاهل في حكمه عليهم فقه الواقع، كما تجاهل الطريقة البشعة الهمجية الكافرة الفاجرة التي ووجهوا بها، و أن ذلك لا بد أن يكون قد ترك بصماته عليهم، و أن هذه البصمات ليست بالضرورة صوابا. لكنني كنت أخشى في نفس الوقت أن يتجاهل الإخوان كل أنواع الفقه إلا فقه الواقع.

***  

كنت أرقب جهود الإخوان المسلمين التربوية فيملأني الإعجاب والأسى..وكان ذلك يذكرني بنابليون بونابرت في منفاه في سانت هيلانة.. لم تدخر بريطانيا وسعا في أن تكلف أمهر الأطباء بعلاجه.. لكنها من ناحية أخرى كانت تدس له السم بجرعات محسوبة بدقة ليموت في الوقت المناسب لها سياسيا ( و أظن أن هذا ما تفعله أمريكا الآن مع الرئيس العراقي الحالي والسابق صدام حسين).

في هذا الوضع.. هل تستطيع براعة الطبيب مهما كانت أن تعالج المريض؟!..

في مثل هذه الحالة فإن المجرم القاتل يعرف كل شئ ويحدد دائما الوقت الذي يهاجم فيه ويقتل..

و أظن أن المثل لا ينطبق على علاقة السلطة بالإخوان فقط.. بل على علاقة أمريكا بالعالم الإسلامي كله.. الدواء بيد والسم بيد وميل الميزان لهذا أ ذاك هو الذي يحدد ميعاد الوفاة. دون أي احتمال في أن يستعيد المريض عافيته، وكلما طالت المدة، ازداد استهلاك المريض لمدخراته واحتياطاته لتصبح التجربة غير قابلة للتكرار.

انظر مثلا إلى قيام إسرائيل بتدمير المفاعل النووي العرقي.. تركته أعواما  حتى أنفقت العراق مئات الملايين ودربت العلماء وكانت قاب قوسين فإذا بالغارة تهدم كل شئ.

والآن حين ننظر إلى الواقع: إن الإخوان يقدمون لشباب الأمة الغذاء الصالح لتربيتهم.. أما السموم فثمة ألف يد تقدمها.. فصفوت الشريف جزء وفاروق حسني جزء ومكتبة الأسرة جزء والفضائيات جزء والإذاعة جزء والصحف جزء والمجلات جزء ومكتبة الأسرة جزء.. وخطباء المساجد – التابعين لأمن الدولة – جزء.. و أمن الدولة أجزاء و أجزاء.. و..و..و..

*** 

لكم أزعجني تحذير الكاتب الأمريكي المسلم جيفري لانج [20] حين كتب تحذيرا وثيق الصلة بما نحن فيه.. فقد كتب يقول أنه لنا أن نفرح بالأعداد المتزايدة لمن يعتنقون الإسلام كل عام  في الولايات المتحدة الأمريكية.. لكن.. علينا أن ننزعج إلى أقصى حد من عدد الذين يتسربون من الإسلام من أبناء الجيل الأول من المسلمين.. وقدر جيفري لانج  نسبتهم بـ90%.. فهؤلاء يكونون مسلمين بالاسم فقط دون شعائر ولا فروض.. بل ودون إيمان.

هذا بالضبط ما أخشاه.. أن  يحاول الإخوان تربية الشباب.. والدولة بقوتها الأسطورية مدعومة بالمخابرات الأمريكية واتحاد الدول الأوروبية و إسرائيل تقدم للشباب السم..

هل ستجدي تربية الإخوان؟!.

لو أن الإخوان ظلوا يربون الشباب والشابات ألف عام فهل سيمنع ذلك جندي الأمن المركزي من منع الناخبين من الوصول إلى صندوق الانتخاب؟ وهل سيمنع العاهرات اللائى يجلبهن الأمن للاعتداء على المحصنات العفيفات اللائى يذهبن للإدلاء بأصواتهن ؟.

ولو أنهم ظلوا ألف عام يربون الناس وظل كمبيوتر الداخلية يزور الانتخابات  فهل يمكن أن يشاركوا في السلطة في أي وقت؟.

نعم ..

تلك هي المعضلة.. ولست أملك لها حلا جاهزا  لكن على الحركة أن تجد حلا..

*** 

وعندما أتى الأستاذ محمد مهدي عاكف كنت معجبا بحيويته وقدرته الواسعة على المناورة مما أربك السلطة الغشوم فردت بالاعتقال والتعذيب والقتل – إهمالا-.. لكنني كنت أخشى أن توقعه المناورة في أخطاء شرعية، و أخشى أن يكون قد وقع في بعضها.

وتمنيت أن يترك جزءا من هذه المناورات للصف الثاني والثالث كي لا تحسب على الحركة ككل.

وفي هذه الأثناء روعني تصرفات بعض رجال الصف الثاني والثالث حين بدا أنهم لا يعرفون قيمة الإخوان المسلمين في الشارع الإسلامي .. في الجغرافيا وفي التاريخ أيضا.. فبدا أنهم يتسولون اعتراف الآخرين بهم.. و أنهم يبحثون عن أي قناة تربط بينهم وبين الشرعية ( وهي شرعية لا شرعية لها على الإطلاق) وكان الأمر بالنسبة لي يشبه إنسانا توضأ ليذهب إلى المسجد ليصلي..و أتي من يصحبه إلى المسجد عبر قبو ممتلئ بالخبث.. حتى إذا وصل إلى المسجد وصل وقد انتقض وضوءه وفسدت صلاته إذا صلى.

وصل الأمر بهؤلاء البعض إلى مخالفات شرعية صارخة كجواز أن يكون حاكم مصر مسيحيا وجواز تكوين أحزاب تدعو إلى الإلحاد.

إنني أعتقد أن الأمر أمر استدراج للإخوان المسلمين بسد جميع المنافذ أمامها وترك منفذ واحد فقط لإرغامها على السير فيه. هذا الطريق هو طريق القوميين. وهذا الطريق هو طريق الهلاك.

*** 

ما أسمعه الآن مزعج.. 

المرشد العام أكبر من أن يذهب إلى أحد إلا في سبيل الله..

والأمر ليس كبرياء مرذولا و إنما استعلاء المؤمن..

 ولو سبقت زيارة المرشد تصريح من الطرف الآخر بأنه يرتضى الإسلام  لرحبت بأن يذهب المرشد إليه ولو كان أشعث أغبر..

مكانة المرشد يجب أن تكون كمكانة الإمام المجاهد العز بن عبد السلام حين أتاه من يعده أنه إذا ذهب إلى السلطان وقبل يده فسيعفو السلطان عنه.. فإذا بالعز يجيب: يا مسكين أنا لا أرضى أن يأتي السلطان إلى ليقبل يدي فأعفو أنا عنه فكيف أقبل أنا يده؟!..

السلطان وليس خدم السلطان – مهما ادعوا معارضته- ..

لقد أدركت أروى صالح فكيف لا ندركه نحن..

اليساريون والقوميون والنظم الحاكمة و أمريكا و إسرائيل مجتمعون على أمر واحد لا يختلفون فيه أبدا: هو العداء للإسلام.

أقول أن الأستاذ محمد مهدي عاكف يجب أن يتردد كثيرا لو دعاه الرئيس مبارك على سبيل المثال للاجتماع به.

 فإذا كان هذا الذي يذهب إليه المرشد هزيلا لا وزن له ولا قيمة وكان غارقا في الأوحال والخطيئة  كان الأمر أنكى و أمر.. وليكن لنا في موقف المرشد الأسبق المستشار حسن الهضيبي عظة و عبرة حين غضب من رئيس الوزراء الذي وعده بلقاء منفرد ثم فوجئ ببقية الأحزاب تحضر الاجتماع فغضب واحتج.. و أعتقد أن فهمه لدور الحركة كان صحيحا.. وإن الذي تفعله السلطة الباطشة الغاصبة طول الوقت بإيحاء من الصليبيين واليهود لحشر الإخوان المسلمين في حزب يمكن القضاء عليه فيه هو ما يستدرج الإخوان الآن إليه..

إن كاتبا من كتاب التيار الذي يخطب المرشد وده كتب في صحيفة القدس العربي  يقول: "أطلقوا العنان لحرية الأفراد في إمتاع أجسادهم، فتفرغ خيالهم وتفرغت طاقاتهم لتستهلك في صنع التقدم بعد أن حرروا أجسادهم .. وكانت تلك الخطوة بحق .. أم الحريات!" ولم يقل لنا الكاتب الهمام ماذا نفعل فيمن لا يحسون بالمتعة إلا في التزوير أو التعذيب أو البقاء في السلطة إلى أبد الآبدين.. هل نترك لهم العنان ليتفرغوا للإبداع بعد ذلك.

هكذا يري هذا القومي العلماني الناصري اليساري المشكلة وحلها فهل ثمة مشترك بين الإخوان المسلمين وبينه.

إن الحركة القومية تحتضر .. أما الشيوعية واليسارية فقد ماتت وتعفنت و إن كانت لم تدفن بعد. فهل من الحنكة أن نتحالف معهم الآن؟؟

الحركة القومية تحتضر..و رغم ذلك فإنها الاختيار الأمريكي الوحيد.. لأنها البديل الوحيد عن الإسلاميين.. ولأن أمريكا قد جربتهم أكثر من نصف قرن وكانوا دائما عند حسن ظنها فقد كسبت بعدائهم أكثر مما كسبت بصداقة غيرهم – فضلا على أن العداء كان في العديد من المراحل مجرد تمثيل وذر للرماد في العيون..

للحركة القومية واليسارية جذور عميقة في العمالة وعداء الإسلام.. وحتى من الناحية البراجماتية فلن يسفر التحالف معهم إلا عما أسفر عنه منذ خمسين عاما.. حين تحالف الإخوان  مع العسكر فسرق العسكر منهم الشرعية وسحقوهم..

بمصطلحات الدنيا فحركة الإخوان مثل الدستور يجب أن تكون فوق الأحزاب جميعا.. بل ولا يمكن أن ينشأ أي حزب إلا بعد إقراره باحترام الدستور..

الحركة أكبر كثيرا من أي حزب.. وتحالفها مع أي حزب علماني يعطيه شرعية لا يستحقها  وينقض شرعيها كما ينقض الخبث الوضوء....

إنني أرحب بل و أتمنى التحالف مع أي حركة أو اتجاه بشرط وحيد: هو أن يعلنوا أن مرجعهم الإسلام.. فقط.

لا أطلب اعتذارا من هذا – لا تزر وازرة مثل أخرى- ولا توبة من ذاك – هلا شققت عن قلبه؟..

لكنني أضع شرطا واحدا.. هو المرجعية الإسلامية.. وليس مقبولا أن تتجاوز أي مناورة هذا الخط الأحمر..

والأمر ليس موقفا من هذا ولا ذاك – ولو كان ما شان- بل إنني أطالب بنفس المطلب لو كان هذا التحالف مع الوفد.. فالوفد هو الآخر حزب علماني.

ولا أملك إلا أن أقول للإخوان ولفضيلة المرشد ما قاله المرشد الإمام حسن البنا حين قال: "إنه لا يخاف على الإخوان من مكر أعدائهم، ولكن يخاف عليهم من أنفسهم واختراق صفوفهم". [21]

 

*** 

*** 

 

حاشية

هيكل

هستيريا البكاء والضحك..

تذكرني الحلقات التي تذيعها قناة الجزيرة بموقف لا أنساه رغم اعتراضي عليه، ذلك أنني أبغض الهذر عامة، أما في الجنائز فهو يكون بالنسبة لي في بشاعة الكبائر، وقد كانت هذه العلة القادحة الذميمة داء أصاب أحد زملائنا من الأطباء ولنرمز إليه بالرقم (1)، وذات يوم كان طبيب جراح  لنرمز إليه بالرقم (2) قد أجرى عملية جراحية خطيرة لوالد زميل ثالث  لنرمز إليه بالرقم (3). ونفذت مشيئة الله سبحانه وتعالى  وتوفي المريض. وفي استقبال المعزين في سرادق العزاء وقف الزميل رقم (1) يستقبل العزاء مع أسرة المتوفى، وكلما صافح أحدا أشار إلى الطبيب الذي أجرى الجراحة (2) وهو يقول:

- -          هذا هو الدكتور العظيم رقم (2)  الذي مات المرحوم على يديه الكريمتين!!.. 

وما بين الدهشة والحرج والغضب وواجب إكرام المجامل  مرت ساعة أو ساعتان، لكن، في النهاية ، انفجر الغضب الجامح، وكان على الزميل رقم ( 3 ) أن يحمي زملاءه من علقة ساخنة فدفعهم إلى حجرة معزولة حبسهم فيها ثم أصابته نوبة من هستيريا الضحك والبكاء.

*** 

تردد في مسامعي صدى هستيريا البكاء والضحك تلك و أنا أرقب الإخراج المهيب لحلقات الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل على شاشة قناة الجزيرة..

كانت عيناي تبحثان عن الزميل (1) – عليه رحمة الله -  أو من يحل محله  وهو يقدم الكاتب الكبير قائلا:

- -          هذا هو الصحافي الأشهر الذي ماتت القومية على يديه الكريمتين..

أو:

- -          هذا هو الصحافي الأعظم الذي حدثت النكسة أثناء اشتراك سيادته في الحكم..

أو

- -          هذا هو المفكر الأكبر  الذي صاغ فلسفة الثورة والميثاق على أسس ماركسية..

أو

- -          هذا هو الفيلسوف العظيم الذي ساعد السادات.. فانقلب السادات عليه وعلى عبد الناصر أيضا..

أو

- -          هذا هو الرجل الذي عاصر مذابح السجن الحربي وليمان طرة وكرداسة فلم يحتج..

أو

- -          هذا هو الرجل الذي عاصر العصف بالوفد والإخوان والديموقراطية ولم يعترض..

- -          أو هذا الذي أعدم عبد القادر عودة وسيد قطب في زمنه فلم ينبس ببنت شفة اعتراض.

*** 

ولو أردنا المقارنة بين الطبيب (2) وهيكل لكان للطبيب عذره فالطبيب ليس ضامنا لشفاء المريض و أنه لا تثريب عليه ما دام قد راعى الأصول الطبية.. فإذا لم يراع الأصول الطبية ينزع منه القانون الحصانة الطبية بل ويضاعف له العقاب.. وهذا الوضع الثاني.. هو الذي ينطبق للأسف على محمد حسنين هيكل!..

*** 

هيكل.. اشترك في الفعل ككاتب رئيسي ( بل الكاتب الرئيسي) ومفكر الثورة الأشهر عشرين عاما حيث وصل فيها إلى أعلى درجة يمكن أن يطمح فيها مفكر.. درجة الفعل المباشر.. درجة الإبرام والنقض فوق سلطات الدولة..  بل إنني في كثير من الأحيان أنحو نحو هيرودوت عندما قال أن مصر هبة النيل لأقول أن عبد الناصر هبة هيكل.. بل إنني أفسر العلاقة بينهما ( بين عبد الناصر وهيكل) كالعلاقة بين مؤلف روائي وبطل روايته، كنجيب محفوظ وكمال عبد الجواد على سبيل المثال. فليس عبد الناصر سوى بطل رواية ألفها هيكل.

بعد هذين العقدين من الزمن  تربع هيكل في صدارة الثقافة والفكر ثلاثة عقود أخرى من الزمان..

إن كانت خمسون – بل ستون -  عاما من الصدارة في الحكم والسياسة والثقافة لا تكفي لتحقيق مشروعه فكم كان يريد؟..

كم كان يريد؟!!

عمر نوح عليه السلام؟!..

وحتى لو منحه الله عمر نوح فما هو الضمان لكي لا يأتينا بعد ألف عام إلا خمسين عاما  بما يشبه قصيدة الرثاء في عالمه العربي ( عالمه.. ولا خطأ.. فعالمه العربي يختلف عن عالمنا العربي!)..يبكى فيها خرائبه وينعي أطلاله.

إن هيكل يبدو حكيما جدا بعد حدوث الكارثة.. ولست أنسى حزني منذ نيف وثلاثين عاما إذ قرأت له أن الأمر لم يكن أمر الضربة الجوية عام 67، ولو أن الطائرات المصرية كانت كلها في الجو لسقطت جميعا، كان الفارق الوحيد سيكون في طول مدة السقوط في الحالة الثانية..

هذه الحكمة بأثر رجعي لا تعيد اللبن المسكوب أبدا..

وكل افتراضات هيكل حتى لو كانت صحيحة – وهي بالقطع غير ذلك – ليست سوى دواء صحيح وصل بعد موت المريض. 

*** 

سوف نعود إلى هيكل بعد ذلك، لكننا الآن نلمس نتوءات عارضة كي نفرغ منها.. 

من هذه النتوءات أن كاتب القومية الأشهر لا يتحدث إلى قومه بلغتهم الجامعة الفصحى بل يتحدث بالعامية المصرية.. وهو كما نعلم ويعلم مطلب أمريكي الآن.. وكان مطلبا انجليزيا منذ أكثر من قرن من الزمان.

لقد كنت – وما زلت – أحد المعجبين بمحمد حسنين هيكل.. لكن إعجابي لم يكن بوجهه السياسي على الإطلاق.. على العكس.. كنت دائما أحمل الانتقاد لهذا الوجه والحذر منه، أما إعجابي فقد كان ببلاغته وحرصه على سلامة لغته حتى أننى أطلقت عليه منذ الستينيات أنه: نجيب محفوظ يكتب في السياسة.

ولو أن الأمر متعلق بسواه لسامحته ولالتمست له العذر في أنه يخشى أن يلحن في القول لذلك يفضل العامية، أما هيكل، ببلاغته ، فإن حديثه بالعامية يشكل موقفا.

نتوء آخر.. لا ألومه كثيرا عليه لأسباب لابد أن يفهمها القارئ.. وهو أنه في تحليله الشامل الجامع المانع للأحداث جعل من أمريكا سقف الكون ، مما دفعني للتساؤل:

- -          أين الله في عالمه.. أين دين أمته في عالمه.. أين دين قومه بعد لغتهم؟!!.

لقد بدا أن المتحدث ليس الأستاذ محمد حسنين هيكل.. بل اللورد هيكل أو الخواجة موهامات.. وبدت فكرته عن الجهاد والاستشهاد مروعة في سطحيتها حتى لو كان القائل هو اللورد أو الخواجة.. وإلا ماذا تقولون في مفكر لا يعرف للعمليات الاستشهادية من دافع إلا اليأس.. لم يعرف أبدا قدر الشهيد عند ربه ولا حلاوة التضحية في سبيل الله ولا طعم الطاعة..

لقد أحسست طول الحلقات أن مهمة هيكل طول الوقت ليس إثبات أي شئ.. بل نفي الإسلام.. ولأن الإسلام شاء هو أم أبي.. وشئنا نحن أم أبينا فإن الإسلام هو محور الصراع كله.. وهو محور الصراع لأنه البديل الأفضل الذي يهدد فلسفات الغرب بمحوها.. فإذا شاء هيكل أن ينفي الإسلام فإن ملحمة الصراع والمبارزة تتحول إلى " مسخرة " معتوه يبارز الهواء.

نتوء أخير – لهذا المقال- : كان هيكل يتحدث عن مشروعات الإصلاح.. وقال أنه لا يحمل أي عقد تجاه الخارج لأنه مصري عربي ينتمي للعالم ( لم يذكر الإسلام)   وأنه لا يعاني حساسية ضد مشروعات إصلاح من الخارج بل ويرد على من يستنكرها بقوله أن مشروعات الإصلاح الداخلي مطروحة منذ عشرات الأعوام فلماذا لم يأخذ بها أحد.. ولماذا نرفض مشروعات قد تكون في صالحنا.

ثم أضاف هيكل جملة خانته فيه قدرته الفذة على التحكم في مخارج الحروف وعلى ملامح وجهه المصاحبة لنطقه..

قال هيكل: " أنا قلت لإخوانا في أمريكا إنتو بتحرجو..." ثم توقف جزءا من الثانية مع اختلاجة مراجعة من جفنيه منعته من أن ينطق بما لا يجوز النطق به، بدا لي أن التكملة الطبيعية التي كاد ينطق بها: " أنا قلت لإخوانا في أمريكا إنتو بتحرجونا..." لكنه بعد توقفه لجزء من الثانية تراجع عن هذه الصياغة ليقول: " أنا قلت لإخوانا في أمريكا إنتو بتحرجو.. أصدقاءكم في مصر." وكان المعني أنه يعاتبهم على الجهر والإرغام .. وفضح الأصدقاء.

*** 

سوف نلجأ في مقالات تالية إلى المرحوم جلال كشك.. وإلى فؤاد زكريا عليه من الله ما يستحق و إلى إحسان عبد القدوس غفر الله له و إلى أروى صالح وصافيناز كاظم و إلى سيار الجميل و إلى مايلز كوبلاند عليه لعنة الله لنسمع شهاداتهم في هيكل.. لا لتجريحه بل لقاء الضوء على شهادته ومشروعه الفكري وبيان ما فيه من قوة أو عوار.

*** 

بعد موت السادات، أطلق هيكل تعبيرا عنه راح مثلا، حين قال:

- لقد مات حين مات..

والتعبير بالغ الإيجاز والإيحاء والقسوة، وكنت أحسب أنه لا يوجد في هذا الصدد تعبير أقسى من ذلك، لكنني رحت أتمتم لنفسي معلقا على حديث هيكل في الحلقات الأربع الماضية:

- سبحان الله.. قد مات قبل أن يموت..!!..

ثمة إحساس يرعبني دائما، عندما أرى - ولو بالتخيل – بصمات القدر وقد تخلت عن خفائها..

و أحسبني أراها مع هيكل في برنامجه في قناة الجزيرة..

لقد افتتن به الكثيرون.. وكانت فتنة..

أما الآن فإني أرى القدر يكشفه وينهي فتنته..

*** 

*** 

حاشية

صدام حسين

لم أقل كلمة مدح فيه قبل عام 1990..

ولم أقل كلمة قدح فيه بعد 1990..

لكننى أعتب على من يواصل إدانته كما لو كان يشك في أن تتسع رحمة الله لغفران ذنوبه..

أشهد أنه أفضل من أي حاكم عربي آخر.. و أن الفرق بينه وبينهم هو الفارق بين الطاغية والمرتد.. وهو فرق كما ترون عظيم.

منذ عقد ونيف من الزمان كنت أظن أن مقارنته بعبد الناصر إهانة لعبد الناصر..

الآن أحسب أن المقارنة إهانة لصدام حسين..

مشهد محاكمته كان مذلا ومهينا لكل مسلم وعربي وكان أيضا مسمارا أخيرا في نعش القانون الغربي وفضحا نهائيا لدعاوى حقوق الإنسان.

أما السلاسل التي ظهرت تحيط بجسده ويديه ( ولا تقارنوه بالسفاح الصربي الأبيض) فقد استدعت لذاكرتي على الفور المزمور 149 من مزامير داود:

"ليفرح إسرائيل  بخالقه. وليبتهج بنو صهيون بملكهم. ليسبحوا اسمه برقص، وليرنموا له بدف وعود، لان الرب راض عن شعبه. وهو يجمل الودعاء بالخلاص ليبهج الأتقياء بالمجد، وليرنموا على مضاجعهم، تنويهات الله في أفواههم، وسيف ذو حدين في أيديهم، كي ينزلوا نقمتهم بالأمم، وتأديباتهم بالشعوب، ويأسروا ملوكهم بقيود، وأشرافهم بأغلال من حديد، وينفذوا فيهم الحكم المكتوب".

نعم..

الحكم المكتوب أيتها الأمة الراكعة لغير الله..

الحكم المكتوب أيتها الأمة الخانعة المستذلة..

ثم يأتي الخنازير لينكروا أنها حرب دينية.

*** 

*** 

حاشية

جمال البنا مرة أخرى

لا يستحق جمال البنا إلا التحذير منه، مع التنويه إلى نقاط قليلة:

- -          أنه ممن يسمون أنفسهم بالقرآنيين وهم ينكرون الحديث كله ( السنة كلها).

- -          أنه و إن كان شقيقا للإمام حسن البنا فهو ليس من أهله.

- -          تستغل المجلات والمؤسسات الملحدة انحراف فكره فتروج له وتستكتبه.

- -    أجهزة الأمن مغرمة بالضغط على أسر الزعماء الإسلاميين لتحطيمهم ولتقديم نقطة سواد تشوه الصورة، كالضغط على زوجات المعتقلين لطلب الطلاق، أو العكس كما حدث بمنتهى الدناءة والخسة من ضغط على زوج المجاهدة زينب الغزالي، حيث ضغطوا عليه وهددوه، ولم يحتمل الرجل الضغط فطلق، ولم يحتمل الطلاق فمات!!. وسوف نلاحظ اصطيادهم لشقيق أو ابن لتشويه صورة العائلة أو الشوشرة عليها.

- -          أصدر الأزهر بيانين يتهم جمال البنا بالخروج عما هو معلوم من الدين بالضرورة.

- -    أصدر الرجل أكثر من مائة كتاب.. وتوزيعه ضعيف جدا. ولعل القراء يذكرون في مقال سابق لي كيف نبهتهم إلى أن أجهزة الأمن تستقطب كتابا للكتابة لها .. وبمكافآت مجزية.

ولتحذير القراء من سموم فكر جمال البنا المنحرف  فإنني أورد مقتطفات من حديث له أجراه معه  أشرف عبد الفتاح عبد القادر يقول فيه:

يجب الفصل بين الدين والدولة وحذف "الإسلام  دين الدولة" من الدستور

أنا ضد إرسال مجاهدين إلى العراق.

• بوش أفضل من صدام.

• لم يفرض الإسلام الحجاب على المرأة، بل فرض الفقهاء الحجاب على الإسلام.

• كل فتاوى الأئمة عوائق لتحديث الفكر الإسلامي.

• أراد الإسلام الإنسان وأراد الفقهاء الإسلام.

• فكر وفقه القدماء لا يصلح لعصرنا.

• أطلقوا علىّ في الصغر لقب "الفيلسوف".

• فشلت في حياتي العملية لأني رجل فكر.

• أخي عبد الباسط مؤلف أغاني لعبد الغني السيد.

• لو عاش حسن البنا لجدد الدعوة وأذهل التقليديين.

• ثورة يوليو هي انقلاب عسكري "للأحذية العسكرية" وليست ثورة.

• الإسلام أقر حرية الاعتقاد والتعددية.

• من يكفرون الكتاب والمبدعين مجانين.

• الخلافة انتهت بموت عمر وليس بموت علي.

• كلام سيد قطب عن الحاكمية الإلهية كلام فارغ وحلم مستحيل.

• ما يسميه المسلمون خلافة كان ملكاً عضوضا.

• آية الجزية شذت عن باقي الآيات ولم يطبقها الرسول ولا الخلفاء من بعده.

*** 

*** 

حاشية

أبو مصعب الزرقــــاوي

رعاك الله وحفظك و أيدك بنصره: أثخن فيهم..

عندما احتل النازي – وهو بالقطع أفضل من القرصان المجرم بوش – بولندا وظلت وارسو على عنادها في مقاومة الاحتلال حتى توجت ذلك بانتفاضتها الشهيرة في أول أغسطس عام 1944 حين نجح رجال المقاومة في السيطرة على العاصمة لمدة ثلاثة وستين يوما.، وفقدت خلالها وارسو مائة وخمسين ألف قتيل في ملحمة قتالية أشبه بالأساطير.. وما أن استعاد الألمان سيطرتهم على العاصمة حتى شرعوا في طرد كافة سكانها إلى خارج المدينة تمهيدا لتطبيق الخطة النهائية للتخلص من المدينة (المحروقة) وقد كان تعداد وارسو قبل الحرب يبلغ 000، 300. 1 نسمة قتل منهم أثناء سنوات الحرب والاحتلال الخمس 800 ألف نسمة.. [22]..

فأثخن فيهم يا أبا مصعب فلا وارسو أعز ولا الإسلام أقل.. فليبلغ الشهداء ما يبلغون.. المهم ذبح الخنازير الأمريكية والبريطانية – وقبلها: العراقية-..

ألم يمت منا مليون في الحرب مع إيران.. ومليونان في الحصار.. لا تجزعوا من عدد الشهداء إذن.. واقتلوهم أينما ثقفوا..

*** 

*** 

حاشية

قناة الجزيرة

أقترح لمواكبة الحداثة والمودة  وللمزيد من المودة مع الأمريكان أن نختصر اسمها إلى: 

J N N

ولست أدرى موضوع الحلقة القادمة لأحمد منصور.. وربما  تكون عن الرقص الشرقي. أقترح فصل فيصل القاسم و أحمد منصور وتعيين هالة سرحان ووائل الأبراشي مكانهما.. فهذا أكرم للقناة ..

كلما رأيتهم وبالذات فيصل القاسم وأحمد منصور  على القناة راحت عيناي تبحثان عن سلاسل تقيدهما.. تماما كالسلاسل التي رأيتها تقيد صدام حسين.. ورغم أنني لم أر تلك السلاسل على ملابسهما إلا أنني واثق من وجودها.. ربما تحت الملابس.. وربما تحت الجلد..

وعار عليك يا إدارة الـــ.. الــ.. الــ.. J N N ..

*** 

*** 

*** 

*** 

بريد القراء 

 

اعتذار إلى القراء

 

لأسباب عديدة  اضطرب البريد في الفترة الماضية، منها طول المقالات بحيث لا يتسع المجال معها للبريد، ومنها فيروس أصاب جهاز الكمبيوتر عطلني و أفقدني بعض الرسائل، ومنها أن بعض الرسائل رغم روعتها لا يمكن نشرها لأسباب قانونية فهي تتحدث عن حكامنا بما يستحقون، ومنها أنني أقوم بالرد على البعض ردودا خاصة.  واليوم أحاول الاعتذار جزئيا بنشر بعض الرسائل، و أبدؤها برسالة أظنها مرسلة من الـF B I :

*** 

 

 

الرد الى:  peacefully@yahoo.com 

 

بسم الله الرحمن ألرحيم

 

أخي وعزيزي وزميلي في ألأسلام والخندق والمهنه

ألسلام عليكم وجزاكم الله خيرا في كل ماتقوموا به للرجوع الي ربنا والخروج من هذه  ألمذله 

أرجوكم ألمساعده بخصوص  ألمساهمه لأهلنا في رفح  اتباعا لمنشور ألجمعيه ألخيريه " ألأحسان "  وتجدوا منشورهم في صفحه هذا ألعدد من صحيفه ألشعب الوقوره

بالتحديد أريد   ألعنوان ألألكتروني  لهذه ألمنظمه حتي يكون بيننا تبادل المعلومات أي بما يفيد  باني مثلا أرسلت تبرع ما الي حسابهم فيلزم أن أرسل لهم نسخه ألتحويل حتي يستطيعوا متا بعه  الحواله وأن يتمكنوا باثبات الحواله وتفاصيلها من حيث  تاريخ التحويل و كميه المبلغ وهكذا و كذلك ليفيدوني بوصول الحواله ليطمئن قلبي . لأنه من الصعب أرسال فلوس الي حساب ا بالبنك بدون امكانيه تتبع مصير  وسلامه ألتحويل لذلك  أقترح ألنظر في أقتراحي هذا وان تنصحهم بأن ينظموا عمليه جمع التبرعات بحيث انه المتبرع يستطيع ألأطمئنان بسلامه وصول التحويله الي حساب ألجمعيه وامكانيه التدخل في حاله ضياع أو تعسر دخول التحويله الي حساب المستفيد ولا أعرف طريقه أحسن من العنوان ألألكتروني

وشكرا وألسلام عليكم

د. عمر ألسراج

  

 والرد:

إن بعض الظن إثم.. بعضه وليس كله.. أعتقد أن هذه الرسالة بفجاجتها وغبائها مرسلة من الــFBI .. لقد تركتها دون تصويب الأخطاء.. والأسلوب يشير إلى مبتدئ في اللغة.. هل سمع أحدكم مسلما قبل ذلك ينادي مسلما بـ:زميلي في الإسلام؟!.. كما أن المتن يشير إلى قدر لا يتصور من الغباء والاستهانة بذكائنا.. فهو يظن أننا سنمده بأختام و أرقام و أسماء بنوك..

لكنني أطمئنه و أطمئن الـFBI الحقيرة الفاجرة  أن التبرعات لم تنقطع أبدا عن إخوتنا ولن تنقطع إلا إذا استطاع الصليبيون والصهاينة  أن يقطعوا الاتصال بيننا وبين الله..

فهل يستطيعون؟!..

قل لهم أن التبرعات مستمرة.. والجهاد متواصل حتى نطرد آخر خنزير من بلاد المسلمين.

ملحوظة: المقصود بالخنازير: اليهود والأمريكيون..  وأيضا رجال الـFBI.

ولا سلام عليهم ولا رحمة من الله ولا بركة

د محمد عباس

 

      *** 

 

أخى الدكتور محمد عباس

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يعز على ألا أشارك برأى تطلبه من قرائك، ولكنى لم أفهم جوهر الخلاف! أعلم أنك تعارض القومية والأحزاب القومية - وأنا معك فى هذا - ولكنى لا أعلم شيئا عن الأمور السياسية والتحالفات التى تذكرها، لذا لا أستطيع أن أدلى برأى.

كل ما أستطيع أن أقوله هو أننى أكره أن تترك الكتابة فى "الشعب". إن مقالك بجانب المقالات الأخرى يشكلوا ثروة، إذا انتثرت قلت قيمتها!

أدعوا الله أن يوفقك إلى ما فيه الخير.

محمد طاهر

يا أخي في الله:

ربما تجد في المقال جزءا من الرد، أنا لا أعرف الحلول الوسط، ولست لاعبا في سيرك الساسة إنما أكتب ما أحسب أنه الحق ولو على نفسي. ويبدو أن ذلك أصبح ثقيلا عند الجميع.

قل لي ماذا تفعل عندما يأتيك أخ في الله تحبه  يرجوك ألا تكتب عن جمال البنا لأنه يحبه!!

أو أن يأتيك آخر يرجوك التخفيف من مقالاتك لأن القوميين في الخارج عاتبون على مقالاتي عن القومية والمنشية..

أو أن يأتيك ثالث يحدثك عن المواءمات والحنكة والفطنة للتحالف مع آخرين..

 على العموم.. أستجيب لك وللقراء.. ولن أغمد قلما مكنني الله منه حتى يُكسر.. ولن أتوقف عن الكتابة في مكان حتى أُزاح و أُرغم.. ولك التحية والدعاء.

د محمد عباس

*** 

 

الدكتور محمد عباس 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

 

حفظك الله اينما كنت فتعلم مدى محبتى اليك والتى لا يعلمها الا الله ويبدو انى اردت الان ان اخبرك انى لست وحدى من يشهد لك هذة الشهادة الم اخبرك من قبل ان تظل كما انت فى نهجك فسيادتك تعتبر كما سبق ان قلتها لك الوحيد من الكتاب الاسلاميون الذين لم يتعرض1وا لنقد فى ميزان اهل السنة والجماعة ككثير الاستاذ مجدى حسين نفسة تعرض لذلك النقد ولكن اشعر بسعادة بالغة عن تناولك من الاخوة السلفيون بالمديح والثناء عليك لانى اشعر انى لم اخطا فى تقيمى كما سبق ان اخطا مع الكثير فيما مضى امثال محمد عبدة للاسف ومحمد عمارة للاف الاسف واحمد عرابى وسعد زغلول واسماء براقة عندما ونت بميزان اهل السنة والجماعة تبين زيفها وزخوائها 

ما اردت ان اخبرك بة هو كتاب جديد للدكتور سيد العفانى اتمنى ان تقراة ففية اشادة بدور سيادتك واسم الكتاب 

 

زهرالبساتين من كلام العلماء والربانيين 

عبارة عن 6 مجلدات ووذكر سيادتك تحت عنوان محمد عباس وصيحة هادرة لدينة

ويدعو لك فيها بالحفظ والسلامة 

يطلب من دار العفانى للنشر خلف الجامع الازهر فوق دار العقيدة هاتف رقم 5108257

*** 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

انها فرصه رائعه كى ارسل لك مباشرة يا دكتور محمد

كل كلماتك فى الشعب قراتها وكنت اتمنى ان التقى بك وساقول لك على شيئ  غريبا لا اعرف هل ستصدقنى ام لاع

موضوع كذا

مو صباح بعض مقالاتك كنت فى بعض الاحيان اتحدث مع زوجتى واقول لها   لو ان الدكتور محمد كتب غدا عن 

عن موضوع كذا وسبحان الله اجدك اليوم التالى تكتب فيهحدث هذا فى مقالك عن العلماء وفى موضوع  السعوديه  

وفى موضوع اريتريا وفى موضوع التعذيب وهذا ما زاد حبى فيك والحمد لله عرفت انك تفكر فى ما افكر فيه 

ثم اكتملت الصوره عندى عندما اكرمنى الله برؤيه شيخنا الفاضل الشيخ محمد الغزالى بعد وفاته فى رؤيا جميله 

وقلت له فيها يا سيدى ان كلامك يعجبنى   فقال لى وانت ايضا كلامك يعجبنى  فعرفت  وقتها معنى حديث رسولنا الكريم 

القلوب جنود مجنده ما اتفق منها ااتلف وما 

وساقول لك شيئ اخر   قبل اقفال الجريده وعندما كنت اقرا  كلامك فيها  كنت اضحك واقول لزوجتى   ستغلق الشعب  بسبب الدكتور محمد عباس  

ثم كان مقالك  الشهير  من يبايعنى على الموت

سيدى الفاضل   لاارييد ان اطيل عليك ولكن اعلم   ان هناك  قلوب مثل قلبك   

تسير فى نفس  المجال الايمان  وتحب  قلوب  على نفس الدرب  

تحيه خاصه الى الاخ محمد عباس ومقالاته النوريه انا كنت متابع لها فى جريده الشعب التى اقفلت وخاصة موضوع انى ارى الملك عاريا وفرحت كثيرا عندما رايته يكتب مره اخرى انا اعتبره حلاج هذا  الزمان

وتحياتى للدكتور محمد عباس الذى اتمنى ان التقى به لانى احبه كثيرا واحب كلماته الت تقطر دما والم واقول له يا دكتور محمد اكاد ارى قلبك يكتب بدم طاهر نقى  وانا من عشاق قلمك الذى كتب    انى ارى الملك عاريا وكتب  فى جريدة الشعب صباح كل جمعه كنت اشترى الجريده من اجلك فتقبل تحيات مسلم  معك فى نفس  الالم 

يا سيدى  هل تعرف نهاية الحلاج  

لا اقول انى اخشى عليك مثلها  

ولكن اقول لك انى ارى  روح الحلاج  ترفرف فوق  راسك 

ويستبشرون  بالذين لم يلحقوا بهم  ان لاخوف عليهم ولا يحزنون 

سيدى  الفاضل  

اطمان فهناك  حلاجون  ينتظرون دورهم

يا ضمير  الامه  

يا  صاحب القلب النورانى  

استمر 

فهناك من سيكمل المسيره 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

ف..

  *** 

 

 

السلام عليكم و رحمة الله وبركاته

الأستاذ المحترم /أ/محمد عباس

أشهد الله أنى أحبكم فى الله  -أرجو من سيادتكم أن تبدأ حملة إعلامية لمقاطعة الصحف

العميلة وذلك لشدة خطورتها على عقيدة المسلمين و على روحهم المعنويه 

لأنها تعمل على التهويل من قوة الكفار وأنه لاملجأ من أمريكا إلا إليها

وأبرز هذه الصحف(الأهرام -الأخبار-روز اليوسف)

وبعض الفضائيات الخطيرة جدا (قناة العربية)لأن هذه القناة صليبية 100%

وفقكم الله لخير المسلمين 

والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

 

*** 

 

 

السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته

شيخي و استاذي و أبي الجليل

 

اسمح لي أن أقتص من وقتك القليل و ذلك لأبلغك أمانة تحملتها في عنقي من فم أحد المجاهدين الذين قاموا بسحل الأسترالي في شوارع ينبع لمدة ساعة و نصف , فقد قال قبل موته (( بلغوا اخوتنا في العراق أنا قمنا بقتل الأمريكان و أعوانهم و سحلهم نصرة لهم و انتقاما لما أصابهم و ادعوا لنا بالشهادة )) و الله لقد قال ذلك ثم نطق الشهادتين و مات بعد أن حرقوه أل سعود هو و اثنين معه بأن فجروا سيارتهم ثم تركوه ينزف في الشارع حتى مات و هم يمنعون عنه المساعدة من الجمهور المشاهد أو من الأسعاف 

كما أحب أن أكد أن المجاهدين لم يقتلوا مسلماً قط لا بالخطأ و لا بالتعمد بل قالوا لمن رأهم من الأجانب المسلمين اشهدوا علينا غدا أنا لم نقتل إلا الامريكان و أعوانهم و الرجل الذي مات من الشرطة السعودية قتله بالخطأ زملاؤه 

 

أبنكم /  ا م الينبعي

 

 

*** 

 

السيد الدكتور محمد عباس

السلام عليكم ورحمة الله

بالنسبة الي خيانة الحكام أود أن ألفت انتباهكم الي بعض

النقاط الهامه وهي:

1) ان عداء بعض الأنظمة العربية سابقاً( كنظام عبد

الناصر) ما هي الا للتمويه فقط و لم يكن هناك عداءً

أصيلاًً. وكان العداء مع الاسلام و الاسلاميين . و من

وجهة نظري فهذا يرجع الي أن الرأسمالية و الشيوعية  كانا

من غرس اليهود. بعبرة أخري أنه لا يوجد فرق اساساً بين

النظامين فكلاهماهدفه السيطرة علي الشعوب واستنزاف

ثرواتها و التمكين للصهاينه في الشرق و الغرب من حكم

الدول و الشعوب. و من هنا نفهم كيف كان عبد الناصر علي

علاقة وطيدة مع الولات المتحدة سراً و كان المطلوب منه

عدائها علناً.

 

و للحديث بقية 

 

 والسلام عليكم ورحمة الله

 

 

*** 

 

Dear Sir.

I agree with  you 100% about your rulers& kings ,but one like you and your

colleages deserve them . Bush was wrong in going to IraQ  only because

Saddam was the best ruler for Iraq  I do think that most of the arab world

including you & your  colleges Deserve rulers like saddam & Assad  Please do

not get offended from the truth.

 

*** 

الاستاذ الدكتور محمد عباس

 

السلا م عليكم و رحمة الله و بركاتة

أنا من ملايين قرائك علي الشبكة العنكبوتية، و لن اطيل حديثي عن اعجابي بكتابتك و استمتاعي بقرأتها فإن هذا لن يجدي في هذا الوقت و ما نحن في حاجة اليه هو العمل العمل أو الاستعداد ليوم المواجهه من قبيل الاعداد بما استطعنا من قوة ومن رباط الخيل…

 

سيدي يكثر الحديث عن الديمقراطية و محاسن الديمقراطية و الدعوة الي الديمقراطية وقرات لكم و لغيركم عن مخاطر هذه الدعوة …

منذ انا صغير في السبعينات و انا اسمع صوت الرئيس الراحل أنور السادات يتحدث عن الديمقراطية و لم اكن أفهم لهذا المصطلح معني و في يوم من الايام جاء الرئيس حسني مبارك ليقول في أحد خطاباته ( ان الديمقراطية هي حكم الشعب بالشعب و لصالح الشعب) و كان ذلك في بداية حكمة في اوائل الثمانينات ، و اظنه قد طبق ذلك بحذافيره  طيلة قرابة الربع قرن الماضي – ما علينا _- و تعلمت بعد ذلك أن الديمقراطية هي عكس الديكتاتورية…. و تعلمت من القرآن الكريم قصة بلقيس و كيف انها قالت ) مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ(

وقلت في نفسي و انا صغير وقتئذ ليست هذه منتهي الديمقراطية ملكة لها مجلس شوري و لا تستبد بالحكم و لا تتخذ قراراً قط حتي تستشير …. و لكن رغم هذا لم تشفع  لها ديمقرطيتها )وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ( و لم يرض عنها المولي حتي اسلمت مع سليمان لله رب العالمين. 

فنقول اننا حتي لو طبقنا الديمقراطية بحذفيرها – مع فرضة انها ليست وهماً ليس له اصل و لا تعريف ولا تطبيق واقعي – فلن ينجينا ذلك من عذاب الله و إلا كان قد نفغ بلقيس من قبلنا.

و السلام ختام 

 صلاح– من مصر

 

 *** 

 

 

Dear Dr. Abbas.

After reading your articles lately, especially the last one in al shaab 

newspaper, i realize you are the man that can tell the truth with no fear, 

and care about truth especially if it was related to a friend of mine, an 

anknown hero.

i will summerize his story, and it's up to you to write about it or not, but 

after all the damage our young arabs suffered, all the negative and fear 

they have from one enemy Israel, here is a short story about a man that beat 

israel in his youth and now .

met him 1984, he was one of the first to initiate what is become after the 

MUKAWAMA in the south of lebanon, a young man that used a Mule ( animal ), 

instead of human against the occuppier irael. plus what he has done that 

took 2 years of his life, and never asked to be known or credited for it.

from a wealthy family, dropped out of medical school, left the luxury behind 

and join the first group of Mokawama, more known to israel ( musad ) than to 

arabs, he refused to be known. and he always said " I would rather die 

standing than living on my knees ".

His first name is Zouheir, and last name initials is L. known within his 

fighting friends by the Lion of the south, Israel never forgave his 

operations, after his moving to europe for a while to continue study, they 

tried to assassinate him 1 in paris, once in Madrid, they failed AND THAT'S 

THE STORY they failed and our young arabs believe they always succeed, no 

sir, they failed, after he decided to move to canada, live a low key life, 

work and build a future for his kids, his heart was always in the south.

Last sunday June 20th, after spending a weekend in an area called Niagara 

Falls, coming back to where he lives in canada, they tried again, followed 

by 2 cars for a distance that us , his friends believe they were Musad, his 

car roled over more than 6 times, the other 2 cars escape, he was OK, some 

bruzes ( alhamdullellah ) and the report to the police was only a car 

accident.

after sept.11, even the innocents have to keep quiet in north america, 

therefore we knew what was happening , but the police did not.

dear Dr. Abbas, Zouheir has no idea i am writing to you, he is strong to 

survive , but i felt that your readers should know that Israel failed and 

they fail many times everyday, but our people do not believe it. I write to 

you, as other newspapers will not have the courage of writing what you will. 

Please write it and tell our young egyptian brothers, that one day as long 

as we have commited heroes like Zouheir L, we will be free.

I hope you do the right thing

Thank you

 

*** 

 

 

الدكتور محمد عباس

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

فى بريد مقالتك السابقة قدمت حاشية من عدة سطور تحوى بينها الكثير!

 

و كان من بينها ملحوظة مهمة عن عدم موافقتك فى الهجوم على العلماء و هذا ما اوافقك عليه تماما.

 

و لم يكن تقريبا فيما نشرته من رسائل غير واحدة تتضمن مثل هذا التطاول على علمائنا الأفاضل و هذا يعنى ضمنا ان تلك الملاحظة موجهة لكاتب تلك الرسالة.

وبالتأكيد على خطأ ذلك الشخص صاحب الرسالة و وجوب إلتزامه بما يفرضه علينا الدين- كما قلت له- عند الحديث عن أهل العلم.... كان يمكن إضافة أن نقد العلماء من شأن العلماء وليس من شأن العوام !

 

و منطلقا من هذا الحق يجب أن أقدم إعتذارى على مثل هذه العبارات- حيث أننى صاحب تلك الرسالة - و حتى مع وجود الدوافع كان يجب على الاقل عدم التخصيص وذكرالأسماء عند إستخدام مثل هذه الكلمات!

 

لكن.. إسمح لى فى البداية بعرض هذه الكلمة من كتاب تلبيس إبليس:

 

قال ابن الجوزي رحمه الله:

(وأعلم؛ ان عموم اصحاب المذاهب يعظم في قلوبهم الشخص فيتبعونه من غير تدبر بما قال، وهذا عين الضلال، لأن النظر ينبغي ان يكون إلى القول لا إلى القائل، كما قال علي رضي الله عنه للحارث بن حوط وقد قال له: "اتظن انا نظن ان طلحة والزبير كانا على باطل؟!" فقال له: "يا حارث انه ملبوس عليك، ان الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله".....إنتهى)

و إسمح لى بإستكمال موضوع تلك الرسالة الذى كان ملخصه مقارنة مواقف العلماء الثقات السابقين مثل احمد بن حنبل و إبن تيمية و إبن قيم و غيرهم و وقوفهم موقف الحق فى مواجهة الطغاة من الحكام فى عصرهم... الأمر الذى كان سبب إنتصار الحق و حفظ الإسلام من التحريف.... وهذا مع مواقف علماء الأمة الإسلامية الآن و هو ما تعرفة..!!!! والذى ادى إلى ما تعرفة ايضا..!!!

 

و كان ممن ذكرناهم الشيخ العلامة بن عثيمين رحمة الله و فتواه عن حكم عدم تطبيق الشريعة الإسلامية  بالإعتذار بجهل الحكام و من حولهم و كان العالم الآخر هو الشيخ العلامة الألبانى رحمة الله وشبهته الخطيرة كما وصفها الدكتورالظواهرى و هى عدم جواز الخروج على الحكام لأنه واقع لا نستطيع تغييره رغم الإقرار بكفرهم!

و كان طبعا سبب هذا الإقرار هو عموم  حكم الآية الكريمة ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ((المائدة: من الآية44)

 

و كان المقابل سرد طويل عن فتاوى لعلماء فى حجم الحافظ بن كثير و شيخ الإسلام بن تيمية والإمام جلال الدين السيوطى و القاضى عياض المالكى والعلامة محمد بن المختارالشنقيطى والشيخ محمد بن إبراهيم  والعلامة أحمد شاكر والشيخ محمد حامد الفقى و غيرهم بتكفير الحاكم الخارج عن شرع الله.

 

و إسمح لى ان اوضح لك بعض دوافع مثل هذه الإنفعالات الهوجاء مثل هذه المواقف-->

 

من فتاوى سماحة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز رحمة الله :

 

كان يفتي قديما بكفر الحاكم بغير ما أنزل الله! فيقول: (لا إيمان لمن اعتقد أن أحكام الناس وآراءهم خير من حكم الله ورسوله، أو تماثلها وتشابهها، أو تركها وأحل محلها الأحكام الوضعية، والأنظمة البشرية، وإن كان معتقداً أن أحكام الله خير وأكمل وأعدل.....إنتهى).

 

وقال أيضا: (فمن خضع لله سبحانه وأطاعه وتحاكم إلى وحيه، فهو العابد له، ومن خضع لغيره وتحاكم إلى غير شرعه، فقد عبد الطاغوت وانقاد له.....إنتهى).

 

ثم لا نفهم ماذا حدث فعاد يقول :

 

يقول ابن باز للدعاة الذين جاءوا ليباحثوه في حكم الحاكم بغير ما أنزل الله: (الأصل عدم الكفر حتى يستحل، يكون عاصياً وأتى كبيرة ويستحق العقاب، كفر دون كفر، حتى يستحل.....إنتهى).

 

ونقل له احد الذين ناقشوه الاجماع الذي حكاه ابن كثير رحمه الله على كفر الحاكم بغير ما أنزل الله كفرا أكبر  فقال ابن باز: (ولو، ولو، ابن كثير ما هو معصوم، يحتاج تأمل، قد يغلط هو وغيره).

 

والمشكلة هنا أنهم يتكلمون عن إجماع و ليس رأى إبن كثير وحده رغم أنه يكفى !

 

ثم إلتقط شبهة الشيخ الألبانى و وجد فيها مخرجا من الأزمة ويقول :

 

 (اطلعت على الجواب المفيد القيم، الذي تفضل به صاحب الفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني وفقه الله، المنشور في صحيفة "المسلمون" الذي أجاب به فضيلته من سأله عن تكفير من حكم بغير ما أنزل الله من غير تفصيل، فألفيتها كلمة قيمة، قد أصاب فيها الحق، وسلك فيها سبيل المؤمنين وأوضح - وفقه الله - أنه لا يجوز لأحد من الناس أن يكفر من حكم بغير ما أنزل الله بمجرد الفعل من دون أن يعلم أنه استحل ذلك بقلبه.....إنتهى).

 

و يعلق الشيخ  أبو بصير في مناقشته تناقضات ابن باز في هذا الباب: (والآن يحق لنا أن نسأل ونتساءل: أي القولين هو قول الشيخ؟! وأيهما ناسخ للآخر؟! وهل في الكفر والإيمان ناسخ ومنسوخ؟! أم أن ضغط طواغيت الساسة كان يحتم على الشيخ مثل هذا التقلب والتغير؟!.......إنتهى).

 

و فى معرض آخر عن تطبيق الشريعة:

 

(في أحد الجلسات أبدى الدكتور خالد الدويش، وهو أستاذ مشارك في الهندسة الكهربائية بجامعة الملك سعود آنذاك، ضجره من كثرة المخالفات الشرعية في بلاد العالم الإسلامي، وحوَّل الكلام بذكاء إلى الأوضاع في تونس بالذات، ثم دار الحوار التالي، الذي نقدمه بأسلوب المسرحيات:

 د. خالد الدويش - يسأل الشيخ بن باز -: "توجد في تونس ملاهي تتعرى فيها الراقصات بحيث تكشف العورة المغلظة أمام رواد الملهى، وهذه الملاهي مرخصة رسمياً من قبل الدولة، أليس هذا من الكفر البواح الذي عندنا فيه من الله برهان، لا أقصد التعري نفسه، فهذا منكر ظاهر ومعصية فقط، وإنما الترخيص لتلك الملاهي؟".

 

الشيخ بن باز: "طبعاً، مثل هذا الترخيص كفر بواح، لا شك فيه".

 

 

د. خالد الدويش - مكرراً ومؤكداً -: "ألا توجد شبهة، أو إمكانية تأويل أو لف أو دوران؟".

 

 الشيخ – مؤكداً -: "لا! أبداً! هذا من أوضح الأمثلة على الكفر البواح الذي عندنا فيه من الله برهان!".

 

د. خالد الدويش - يوجه الضربة القاضية -: "فماذا عن الترخيص للبنوك الربوية في بلدنا هذا؟".

 

الشيخ بن باز - مصعوقاً من هول المفاجأة -: "حسبي الله عليك يا خالد الدويش! حسبي الله عليك يا خالد الدويش! حسبي الله عليك يا خالد الدويش!"......إنتهى).

 

(هذا من كتاب مفتى آل سعود)

 

أتتصور يا دكتور.. عند قراءة هذا الموقف وجدت نفسى أردد نفس الكلمة دون وعى و لكن ليس على خالد الدويش !!!!!

 

..........................................

 

لو تذكرت معى ذلك المشهد عندما هرع الشيخ الشعراوى رحمة الله رغم إعتلال صحته فى أيامه الأخيرة متساندا على الآخرين و ذلك ليستقبل ذلك الشخص بالقبلات والأحضان مهنئا له بالسلامة من محاولة إغتياله.

 و أخذ يدعو له بالسلامة !!!! والتوفيق!!!! و طول العمر!!!! 

 

و كان هذا الشخص هو رأس الكفر و منبع الفسق و بؤرة الظلم و بئرالخيانة فى بلادنا وفى الأمة الإسلامية كلها.......

 

هل كان الشيخ المفسر اللغوى العلامة لا يعرف حكم الآية الكريمة ؟

 

هل كان الشيخ المفسر اللغوى العلامة لا يدرى بما يحدث فى البلاد ؟

 

هل كان الشيخ المفسر اللغوى العلامة مجبرا على هذه الفعلة وقد كان مريضا مقعدا بالفعل ؟

لم يبقى غير الإحتمال الأخير و لن أذكره لأننى سألتزم الأدب مع العلماء هذه المرة كما نصحتنى!!!

 

و رغم أننى كنت ما زلت صغيرا فى ذلك الوقت إلا أن ذلك المشهد لم يبرح ذاكرتى ابدا! الامر الذى يؤكد فداحة و بعد تأثير هذه الأفعال !

 

الذى اريد تأكيدة لك ان هذا غيض من فيض و ما زال  لدى الكثير ولو عرضته هنا لتحولت صفحة بريدك هذه إلى جريدة مستقلة تحمل إسم جريدة العار !!!!!

 

المشكلة فى كل هذا ان هذه الفتاوى ليست محاولات لتفسير القرآن يراد بها وجه الله ويحتسب اجر بخطئها !  و قبل أن تعلن عدم موافقتك مرة اخرى سأبادرك بأن هذا ليس رأيى! 

 

إنه كلام فقيه المجاهدين الدكتورعبدالله عزام رحمة الله فى تلك الفتاوى فيقول :

 

( ....لا! لا! لا! هذا "مش" افضل الجهاد، لا افضل الجهاد ولا اقل الجهاد، هذا أكل رز؛ أكل طبيخ، هذا جهاد الطبيخ، هذا لعق الصحون والطناجر من فوق المآذن والمنابر........إنتهى).

 

طبيخ ؟  !!!!!!!!!!

 

القانون الفيزيائى البسيط عن مساواة رد الفعل بالفعل و تضاده فى الإتجاه كان يجب أن يفهمه علماؤنا ويطبقونه....

عندما وجدوا شراسة و عنف الهجوم من القوى الصليبية الصهيونية يتقدم صفوفهم الحكام المرتدون وهم يحكموننا بالإكراه والحديد و النار...

كان يجب عليهم الوقوف بقوة و حزم فى مواجة هذا الطوفان و يكونوا السد المنيع والدرع الواقى للأمة الإسلامية مثلما فعل أسلافهم من العلماء الثقات السابقين

 

لكن الذى حدث هو أنهم ذعروا من عنف الهجوم و إنخلعت قلوبهم على مرآى سياط الجلادين وأصابهم الهلع من سجن بقية السلف الصالح فى هذا الزمن مثل الشيخ ناصر الفهد و الشيخ ابو محمد المقدسى - نصرهم الله و فك أسرهم- هذا مع إعدام البعض مثل الشهيد سيد قطب.... فإنبطحوا و سجدوا أمام الهجوم فانكشفت الأمة من ورائهم و إنبطحت أرضا هى الأخرى و لم يرتفع لها رأس حتى الآن !!!!

 

و كانت النتيجة مثل أنك تجد فى البريد السابق  رسالة الأخ من اوروبا يقول (....لا توجد فتوى، لا توجد فتوى، علماؤنا مختلفون... أو ربما كان عذراً فقط، الحق بين ولا يحتاج الى فتاوى، ولكننا أمة لا تتحرك إلا بالفتاوى...).

 

وهذا غير صحيح الفتاوى موجودة من قديم الزمن و يمكنه مراجعتها فى نفس البريد السابق وسيجدها تباعا !  ليس فقط بأن الحاكم الخارج عن شرع الله كافر مرتد.... لكن هناك حكم آخر قد لا يبدو واضحا لأول وهلة وسنعرفه الآن :

 

(...يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل أو كثير... ) تفسير القرآن العظيم لابن كثير.

 

(....فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائعه) شيخ الإسلام بن تيمية.

 

هل أصبح الحكم واضحا الآن ؟.... هل يحتاج أحد إلى بعض الشرح ؟

 كلمة الوجوب هنا تضعنا نحن الشباب القادرين على الجهاد فى موقف عسير!

 

وهؤلاء العلماء الثقات معروفون بالدقة الفائقة فى إختيار الكلمات و لا سيما الأحكام ! وهذا يعنى ما فهمناه من ظاهر الكلام !

 

شباب الجامعات المتحمسون للخروج إلى العراق و فلسطين بعيدا عن المشكلة الأصلية التى هى السبب الفعلى لمصيبة العراق وفلسطين و يخرجون فى المظاهرات يصيحون بعض الوقت ثم يرجع كل شئ إلى حاله !....يعرفون جيدا عدم جدوى هذا العبث والأمر ليس إختيارا ولا تطوعا بل واجب سيحاسب كل منا أمام الله على تركة !

 

المصيبة الحقيقية فى إنسياق المسلمين للإنفعالات اللحظية مثلما حدث عند إغتيال ياسين والرنتيسى و إحتلال العراق.... ثم يعود كل شئ كما كان !

 

الأعداء الصليبيون يفهمون هذا جيدا و يجيدون إمتصاص مثل هذه الغضبات الساذجة ! و قد كان هذا واضحا من قصة موقف الملك حسين عند ضرب العراق التى شرحتها لنا فى المقالة السابقة (الصورة المقلوبة).

 

لا.. لا يجب أن نكون هكذا ! الأمة الإسلامية لن تنجوا بهذا الجهل و ردود الفعل التلقائية الحمقاء !

...................................................

 

الهدف يجب أن يكون ثابتا وشاملا ومحيطا... على مستوى خريطة العالم الإسلامى كلة و ليس فى العراق وحدها.

 

هدف تحدده معادلات كهذه :

 

العراق المسلمه =  أى دولة إسلامية.

 

بول بريمر =  أى حاكم خارج على شرع الله ويحكم دولة إسلامية.

 

مجلس الحكم الإنتقالى = أى مجلس وزراء لحاكم مرتد + أى مجلس تشريعى طاغوتى.

 

الجيش الأمريكى + الجيش البريطانى= قوات مثل الأمن المركزى + قوات مثل الحرس الجمهورى.

 

موساد + CIA = مباحث أمن الدولة + المخابرات العامة + المخابرات الحربية.

 

المقاومة العراقيه =   ؟

...................................................................

 

هذه هى طريقة التغيير ) إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ((الرعد: من الآية11)

 

وهذه هى الوسيلة ) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ( (الأنفال : 60)

 

وهذا هو قدرنا ) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ( (البقرة : 216)

وهذا هو التعامل ) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ( (محمد : 4)

وهذا هو الشعار ) وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ((الحج: من الآية40) 

وهذا هو الهدف ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ( (البقرة : 193)

........................................................

لكن علمائنا هم من لبسوا الأمر علينا...

 يعتذرالشيخ إبن عثيمين بجهل الحكام !

و يحرم الشيخ الألبانى الخروج عليهم !

و يحقرالشيخ المدخلى جهاد اسامة والظواهرى !

 

و يرفع الشيخ البوطى حاكمة المرتد لمرتبة اولياء الله !

 

و يخطئ الشيخ إبن بازالحافظ بن كثير فى تفسيرالآية !

 

و يحلل الشيخ القرضاوى قتل مسلمى الأعداء لنا !

 

و يدعو الشيخ الشعراوى لرأس الكفر بالسلامة و يقبله !

 

ويمنع عمرو خالد الحديث فى السياسة والجهاد !

 

و يصمتون جميعا عن تنحية الشريعة الإسلامية !!!!!!!!!!!

 ثم يتركوننا فى العراء بدون أى فتوى بديله وأى خطوط سير تتحرك عليها الأمة ولا هدف واضح نتجه نحوه لإنقاذنا من الحكام الخائنين والصليبيين واليهود و قد دخلوا أرض الجزيرة بالفعل و ربما الحرمين عما قريب!!!

قال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني : 

 

(... فماذا كانت النتيجة لغياب الافكار الواضحة... والتوحيد الصحيح ؟

 ماذا جر علينا ؟ ويلات وأي ويلات،

 بل غياب الفهم الصحيح هو الذي يجعل أولئك العلماء يخرجوا لنا كل يوم قيحة، يتشكل أمام ناظريكم بأنها فتوى شرعية تستند إلى كتاب وسنة، وهي لا تعدو أن تكون قيح أفكار وعلالة رجل مريض..........إنتهى).

هل عرفت الآن يا دكتور بعض دوافع ذلك الهجوم الأرعن على العلماء ؟

لن استرسل اكثر فى هذا الأمر لأن الإنفعال عاودنى و قد أسحب الإعتذار الذى قدمته منذ قليل !!!

و السلام عليكم..

خالد

مصر



________________________________________




وا سوأتاه و إن غفرت


تقديم لكتاب لم أجرؤ على إكماله..!!

فتوى بإهدار دم من يمارس التعذيب

ترويض العبيد 


ماذا لو ناديت بقتل خمسة أمريكيين في بلادنا مقابل كل عراقي يقتل؟

أبو جهل و أبو لهب.. وحمالة الحطب


بقلم د محمد عباس


وا سوأتاه و إن غفرت..

كان هذا هو عنوان المقال الذي أحاول إكماله منذ شهرين فلا أستطيع.

 كنت خجلا من نفسي، من مواقفي ومن مواقفكم يا قراء، فأنا و أنتم من فصيلة أولئك الذين قالوا: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، و أنا و أنتم ارتضينا أن نغش أنفسنا لنفرق بين عدو بعيد وقريب أشد عداوة، ربما يكون وصف جمال عبد الناصر – عليه من الله ما يستحقه-  لهذا القريب وصفا صحيحا ، عندما قال وهو يواجه اليهود – مهزوما ومحاصرا - في فلسطين، أن العدو الحقيقي ليس في حيفا و تل أبيب و إنما في دمشق وعمان  والقاهرة. ونحن نزيد عليه باقي العواصم جميعا.

كنت خجلا من نفسي ومنكم ومن الأمة ومن العالم ومن التاريخ.. 

كنت خجلا وقد أدركت أن كلاب النار من ملوك ورؤساء وشيوخ وفقهاء قد حاولوا تشويه الدين كي يحارب ضدنا، فانطلق كلب منهم يسمي المجاهدين خوارج ، وعوي كلب بأنهم الفئة الضالة، ونبح ثالث يحذر اليهود والنصارى من الإسلام إذا ما أصر الغرب على تطبيق الديموقراطية .. لأن الإسلام هو اختيار الناس وهو الذي سينتصر، وراحت باقي كلاب النار تلوي عنق الدين لتحرم الجهاد ، ليس في دمشق والرياض والقاهرة حيث الشبهة والالتباس، بل في بغداد، حيث يوجد مصدر وحي إسلامهم الأمريكي.. لعنهم الله.. وحتى قال أحد الكتاب ساخرا:

- الحمد لله أن لم يكن عند الفيتناميين فقهاء كفقهائنا يحرمون عليهم قتال الأمريكيين، ولو كان عندهم مثل أولئك الفقهاء ما انتصروا أبدا..

خجلت من كل شئ.. 

لكن أقسى الخجل كان من الله..

خجلت حتى من أن أدعوه ليغفر لي خطيئتي وتقصيري، إذ يحدث للمسلمين ما يحدث في فلسطين والعراق و أفغانستان والشيشان و .. و.. وأنا آمن في بيتي لم أجاهد ولم أدافع. واستطبت أن أمتشق قلما لا سيفا و أن تسيل مني قطرات الدمع لا قطرات الدم..

خجلت .. و أنا أفكر كم مرة سأعاني ما هو أشد من الموت و أقسى عندما يسألني الله يوم القيامة: ماذا فعلت.. ولماذا لم تستشهد مع الشهداء.. لماذا لم تجاهد أعداء الله..

خجلت.. حتى طغى الخزي و الخجل على الرعب والفزع والخوف والجزع..

خجلت وقلت لنفسي:

- حتى لو غفر لي الله يوم القيامة  فلن ينقطع خجلي بل لعله يزيد.. ولعلي قبلها وحينها وبعدها أصرخ واسوأتاه ..وا سوأتاه و إن غفرت..

خجلت.. أغرقني الخزي وشلني الخجل حتى عجزت عن الكتابة، لأنني كلما حاولت الكتابة تمزق قلبي، وانجرح، وكان الجرح طويلا وكان الطول طويلا: كطول المسافة بين الفلوجة ووادي النطرون، وكان الجرح عميقا وكان العمق عميقا ، عمق المسافة ما بين الأزهر وما بين الكعبة، وكان الجرح عريضا وكان العرض عريضا عرض الهوة التي صنعها – عليهم اللعنة – ملوك ورؤساء أمروا شيوخا وفقهاء بعدم القنوت على الأعداء فاستجابوا، كان الجرح طويلا وعميقا وعريضا وكان التناقض مبينا ثم كان التطابق مهينا بين الشيخ والحاخام والقسيس، فرأينا رجل دين يتذرع بالكذب- مستقويا بأعداء الأمة -  ويبتز، وعالم دين يفتي – وقد ارتد -  بالردة ولا يهتز، و أمة ذاهلة ران عليها الصمت فلا أدري أماتت حية أم تعيش ميتة. 

أظلمت الدنيا أمام ناظري واتسعت الرؤية ولم تضق العبارة  فأدركت أن جهدي المقل سيظلم أي حدث يتناوله، فتحجرت الكلمات كما تحجرت الدموع.

*** 

وظللت أقاوم و أحاول الاستمرار في كتابة المقال حتى الأمس ،  وبالأمس كانت القاضية، حين رحت أقرأ اعترافات أحد أسرى جوانتانامو، إذ يقول  أن أقسى تهديد كان يوجه إليهم هناك، في جوانتانامو، التهديد الذي كان يدفعهم للاعتراف بأي شئ وكل شئ بغض النظر عن ارتكابهم هذا الشيء من عدم ارتكابه، هذا التهديد كان أن ينقلوهم إلى مصر و أجهزتها الأمنية الرهيبة..

عند هذا أدركت استحالة إكمال المقال..

نزفت كرامتي و إحساسي وشرفي، ورحت ألعن هذه الأجهزة ابتداء من أصغر جندي ووصولا إلى إبليس ومرورا بالخفير والوزير والرئيس..

نزفت.. نزفت .. نزفت.. نزفت..

لكنني في نفس الوقت كنت قد قطعت على نفسي وعدا لكثير من الأصدقاء والقراء 

أن أكتب هذا الأسبوع..

لذلك..

أكتفي ببعض الحواشي التي كنت قد أعددتها إلى جوار المقال الرئيسي.. دون المقال ذاته.


*** 


تقديم لكتاب لم أجرؤ على إكماله..!!


هذا الكتاب لغم سوف ينفجر بين يديك على الفور أيها القارئ.. وليس هناك أي وسيلة لتوقيه..لا مني ولا منك..  ببساطة لأنه انفجر فعلا.. حتى لو كنت لم تشعر حتى الآن بعواقب الانفجار أو بمخاطر الطوفان الذي أعقب الانفجار..

هذا كتاب – إليكتروني-   أكتب مقدمته بكلمات يخطها قلم على ورق.. ولو أنصف القلم لانفلق ولو أحس الورق لاحترق..

 وهو كتاب لا أستطيع الادعاء أنني قرأته كله.. كما لا أستطيع الإنكار وادعاء العكس.. فالواقع أني لا أعرف!!.. ففي كل مرة تتقلب على مفاتيح الحاسوب  أصابعي،  فتتتابع على شاشة الجهاز صفحات الكتاب الذي أعده  الأستاذ الدكتور عاصم نبوي (وهو أستاذ في كلية الهندسة جامعة المنوفية، حصل على درجاته العلمية من الجامعات الإنجليزية، يجيد العربية الفصحى بقواعدها، محيط بالعلوم الشرعية  والقرآن الكريم والحديث الشريف، ويجيد الإنجليزية إجادة تامة) ، أقول أنني في كل مرة أقلب صفحات كتابه : "خواطر في وجوب مقاطعة بضائع الأعداء"  ورابط الكتاب على: "www.islamicnews.net"

في كل مرة  تتحول صفحات الكتاب إلى جمر يكوي أصابعي، أحاول برد الفعل إلقاء الجمر بعيدا، لكن الأصابع تتقلص عليه وتقبض، ثم أنه – الجمر- لا يكتفي بحرق الأصابع، بل يتسرب إلى دمي، ويسري في عروقي، كاويا كالنار، بل كاويا بالنار، يتسرب ويسري، حتى يصل إلى قلبي فيحرقه، وتنهار قدرتي على الاحتمال، فأغلق الكتاب لأولي هاربا، فإذا حدث وقاومت، وأصررت على المواصلة، تمتلئ عيناي بالدموع ، فأعجز عن الرؤية، وكأنما العينين أدركتا أنهما تريان ما يكاد يهلك صاحبهما فتكفان عن الرؤية..

نعم..

أولّي هاربا من حزن لا يوصف و ألم لا يوصف وعار لا يوصف وخزي لا يوصف وذنب لا يوصف..

أنوء بالكلمات.. بل أبوء باللعنات على من استُنجد فلم ينجد واستنصِر فلم ينصر واستغيث فما أغاث.

أنوء، و أبوء، و أعجز، فتدمع  الحروف وتنتحب الكلمات وتجهش الجمل  وتنخرط اللغة في البكاء..

في كل صفحة من صفحات الكتاب ذنب بل ألف ذنب..

ذنب أشترك فيه أنا كما تشترك أنت فيه أيها القارئ..

نشترك فيه اشتراكا يجعل وضعنا موازيا إن لم يكن مساويا لوضع المجرم الأصلي، لأن المغتصبة – بفتح التاء- إن كانت تستطيع المقاومة فلم تقاوم، لا يقل جرمها عن جرم من اغتصبها..

ونحن لم نقاوم..

أو على الأحرى لم نقاوم كما كان يجب أن تكون المقاومة..

قاومنا مقاومة عاجزة مرفهة يوقفها انقطاع التيار الكهربائي عن المدفأة فندفع الاتهام عن أنفسنا بعدم الاستطاعة!!..

قاومنا مقاومة من يشترط على الله – حاشا لله- أن يجاهد في سبيله على شرط ألا يؤذى!!..

فهل أدركت الآن أيها القارئ لماذا عجزت عن إكمال قراءة الكتاب، ومتابعة ما فيه وتقليب صفحاته  بأصابعي  إلا كما تتناول تلك الأصابع قطعا من الجمر ما أن تمسها حتى تحاول الهرب منها إن استطاعت..

فهل كان يمكنني أن أفعل غير ذلك..

هل كان يمكنني أن أخوض في النار ولست إلا عبدا مقصرا من نسل  إبراهيم عليه السلام كما أن الله تعالى وجل سبحانه لم يأمر النار أن تكون بردا وسلاما عليّ..

هل كان يمكنني أن أخوض في طوفان صفحات الكتاب بما فيها من حزن و ألم ودموع  دون سفينة نوح تعصمني من الغرق.. 

هل أدركت أيها القارئ أنني في كل مرة أمسكت فيها هذا الكتاب كنت كمن يغوص تحت الماء، فيسبق غوصه شهيق طويل.. ثم يغوص.. فإن طال غوصه اختنق وغرق..

وهل أدركت لماذا لا أستطيع الجزم لك بأنني قرأته كله كما لا أستطيع الجزم بأنني لم أقرأه كله.

لقد أبينا أن نذهب إلى الجبل.. أبينا أن نقوم بواجبنا.. فأتى الدكتور عاصم نبوي بالجبل إلينا.. ولم يكتف بذلك.. بل  نتقه ووضعه على رؤوسنا..

*** 

منذ أعوام طويلة، ينوء قلبي بما فيه، فأشعر كل حين وحين  بالعجز عن الكتابة، لا عجز انعدام القدرة، ولا فقدان الوسيلة ولا ضياع الغاية، بل ذلك العجز المؤلم، الذي يزيد دائما من وطأته أنه كان يمكننا دائما توقيه.

أشعر بالعجز، كمشلول تحاصره النار قبل أن يستطيع أن يهرب..

مشلول يسقط دون أن يملك من أمر نفسه شيئا.. أو على الأحرى ليس مشلولا و إنما قيده ذووه.

أسقط من مجرى التاريخ مع أمتي و أهلي ووطني..

في مزبلة التاريخ نسقط، حيث تطوي هذه المزبلة الهائلة من لم يدافعوا عن ملتهم و أمتهم وأوطانهم.. تطويهم، لا في غياهب النسيان، بل تعدهم، فتقذفهم في النار..

نعم..

فهو عار الدنيا وخزي الآخرة..

أسقط.. بل نسقط.. 

نسقط في بطئ مؤلم.. لم تصعقنا صعقة، ولم تذهلنا مفاجأة، ولم يبدنا وباء ولا أغرقنا طوفان ولا انفجرت فينا قنابل نووية..

نسقط رغم أن الله لم  يجعل للكفار سبيلا  علينا يمحون به دولة المؤمنين، ويذهبون آثارهم ويستبيحون بيضتهم..

نسقط رغم أن الله منّ علينا ألا يهلكنا بسنة عامة وألا يسلط علينا عدوا من غير أنفسنا ولو اجتمع علينا من بأقطارها حتى يكون بعضنا يهلك بعضا ..( هل كانت أمريكا تستطيع أن تفعل بنا ما تفعله لولا أن نصفنا ساعدها على نصفنا الآخر؟ وهل كان يمكن لاحتلال العراق أن يتم دون تواطؤ حكام  القاهرة ودمشق  و شيوخ الرياض ومسوخ الكويت).

نسقط رغم علمنا أن الله سبحانه لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا إلا أن يتواصوا بالباطل ولا يتناهوا عن المنكر ويتقاعدوا عن التوبة فيكون تسليط العدو من قبلهم؛ كما قال تعالى: ]وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ[ (الشورى:30). 

نسقط رغم أننا لم نؤخذ على حين غرة..

 بل نسقط في وعى كامل..

  نسقط بعد أن عرفنا أننا سنسقط، نسقط بعد أن ساهمنا في أسباب سقوطنا، نسقط بعد أن استسلمنا لحكام ليس بينهم وبين الأعداء أي فرق، نسقط بعد أن ساعدنا عدونا على ذبحنا، نسقط بعد أن كبلنا أنفسنا، وكبل كل منا أخاه كي يمنعه من مقاومة عدونا المشترك،  نسقط ونحن نعرف أسباب سقوطنا، ونسقط ونحن نعرف أنه كان يمكننا تجنب هذا السقوط، ونواصل السقوط ونحن نعرف أنه يمكننا استدراك الأمر إن صدقت نوايانا، ولكن أحدا منا لا يفعل.

*** 

أقول أنني منذ أعوام طويلة، ينوء قلبي بما فيه، فأشعر كل حين و آخر بالعجز عن الكتابة، يطفح الألم فأعجز، يطفح الغضب فأعجز، يطفح الخزي فأعجز، يطفح الجزع فأعجز، ويطفح العجز فأعجز، كانت المرة الأولى بعد هزيمة 67 الساحقة الماحقة ،  وكانت المرة الأخيرة عندما انتصرت الفلوجة وانهزمنا، نعم، انتصرت الفلوجة  وسقط  مليار ونصف مليار مسلم في طوفان الخزي فأغرقهم  وفي جحيم العار فأحرقهم.

*** 

هل كنت أحاول أن أذكركم يا قراء؟..

أم كنت أحاول أن أنسى؟..

لكن الدكتور عاصم نبوي يقطع عليّ وعليكم الطريق فيحمل إلينا أشلاء واقعنا الدامي..

هل قلت يحمله إلينا؟..

بل الأولى أن أقول ينتقه علينا..

*** 

نعم..

يحمله وينتقه  علينا..

يغوص في التاريخ ليحمل لنا وإلينا وعلينا ما فعله ذلك الشعب الأمريكي المجرم في إخوتنا في شتى أرجاء العالم وفي أربعة أركان المعمورة ..

يمد عاصم نبوي يده فيقبض على جرحنا العاري ويكشف الجرم الذي ارتكبناه في حق أنفسنا.. بل ما هو أكثر من الجرم..

يقول عاصم نبوي .. بل يصرخ وينزف ويتفتت أشلاء ترسم حروفا تقرأ: 

وانظروا معي – إخواني وأخواتي - إلى ما حدث في طريق الموت الممتد من الكويت إلى البصرة – جنوب العراق، حيث قتلت طائرات التحالف الشيطاني – في نهاية حرب الخليج الثانية 1991م - في مسافة طولها أقل من كيلومترين فقط ما يجاوز نصف مليون من البشر من العراقيين ما بين مدنيين وعسكريين منسحبين، ومن المدنيين الفلسطينيين الذين نزحوا من الكويت مع عائلاتهم خوف انتقام الكويتيين منهم بعد خروج القوات العراقية من الكويت.

يتحدث عاصم نبوي بل يصرخ وينزف ويتفتت أشلاء ترسم حروفا تتحدث عن تدمير المستشفيات بعد اعتقال الأطباء وأفراد التمريض بل والمرضى ومعاملتهم بأسوأ ما يمكن تخيله من وحشية. وعن قطع إمدادات الكهرباء والمياه  وعن اقتحام بيوت الله في الأرض – المساجد -  والخوض في دماء الأبرياء العزل المنطرحين بين يدي الله يصلّون، واستباحة حرمات المساجد وما فيها من نسخ من كتاب الله تعالى وعن ترك جثث المدنيين لتتحلل في البيوت والطرقات ولتأكلها الحيوانات الضالة، ومنع المدنيين من دفنها، وطرد مؤسسات الإغاثة قبل وأثناء وبعد المعارك، بل وطرد الهلال الأحمر العراقي من الفلوجة بعد اعتقال بعض أفراده بدعوى الشكّ في انتمائهم للمقاومة.

يتحدث عاصم نبوي بل يصرخ وينزف ويتفتت أشلاء ترسم حروفا تتحدث عن الإجهاز على الجرحى أمام عدسات المصورين دونما حياء أو أدنى مراعاة للمشاعر الإنسانية.

*** 

يعتمد عاصم نبوي على الصحف الأجنبية – يتحدث الإنجليزية كأهلها- حتى لا يدع أي مجال للشك فيما يسوقه من أخبار، خاصة تلك التي تصدم القارئ لشدة اختلافها مع المطروح في أجهزة الإعلام التي تسيطر عليها أمريكا.. إنه يتحدث على سبيل المثال عن عدد القتلة الأمريكيين في العراق السليب الشهيد : عدد القتلى من الأمريكيين قد تجاوز عشرة آلاف..

وربما يبدو الرقم مناقضا لما نعرف  لكنك حين تقرأ مراجعه والصحف الأمريكية والأوروبية التي نقل عنها لا يمكنك إلا التسليم بما يقول.

وربما كان لخبر مثل هذا أن يعزينا ولو قليلا، لكن سياق الكتاب يجعل الخبر يزيد من ألمنا، فلقد استطاع المجاهدون بأبسط الأسلحة أن يذلوا أكبر قوة عسكرية في التاريخ..

فقط.. كانوا يملكون ما فقدناه..

الإيمان.. الإيمان بمعناه الحقيقي..

الإيمان الذي دفع مجاهدا واحدا للصمود أمام مائة وخمسين خنزير أمريكي.

يتحدث الدكتور عاصم عن  درس قاس للأمريكيين  في الفلوجة: 150 من مشاة البحرية (الأمريكية) في مواجهة قناص واحد (من المجاهدين العراقيين في الفلوجة) ..

وراجع التفاصيل في الكتاب..

 وقد اعترف الجيش الأمريكي مؤخرا على لسان متحدث رسمي هو "بن ماراي" في مقال بالإصدار الأوروبيّ لصحيفة "النجوم والشارات العسكرية" الأمريكية، بأن عدد من عولج من الجنود الأمريكيين الجرحى في معارك العراق فقط، في مستشفيات القاعدة الأمريكية في "لاندشتول" بألمانيا فقط، يناهز واحدا وعشرين ألف جريح .. نكرر: 21000 جريح ..

*** 

لا يقتصر الأمر على بلادنا ولا على زماننا فالإجرام قديم  لا هو حادث ولا هو عارض..  فيذكر  الدكتور عاصم نبوي على سبيل المثال ما فعلته أمريكا في الفليبين:

"  إن القوات الأميركية اكتسحت كل أرض ظهرت عليها حركة مقاومة، ولم تترك هناك فلبينيا واحدا إلا قتلته. وكذلك لم يعد في ذلك البلد رافضون للوجود الأميركي لأنه لم يتبق منهم أحد.."

".. إن الجنود الأميركيين قتلوا كل رجل وكل امرأة وكل طفل وكل سجين أو أسير وكل مشتبه فيه ابتداءً من سن العاشرة، واعتقادهم أن الفلبيني ليس أفضل كثيرا من كلبه وخصوصا أن الأوامر الصادرة إليهم من قائدهم الجنرال فرانكلين قالت لهم : لا أريد أسرى ولا أريد سجلات مكتوبة!"..

ويعلق عاصم نبوي قائلا : 

إن هذا القول : لا أريد أسرى ولا أريد سجلات مكتوبة هو ما أمر به مجرم الحرب الهمجي الشاذ رمسفيلد .. .. طبق الأصل .. بشأن المجاهدين العرب والطالبان في أفغانستان وأسرى معركة قندز الذين أبيد منهم الآلاف بعد أسرهم وحشرهم لمدة أربعة أيام بلا طعام ولا شراب ولا هواء للتنفس .. في "حاويات الموت" وإعدام الباقين منهم أحياء بعد رحلة الأيام الأربعة، على شفير خندق أعد لذلك .. وكذا في مذبحة قلعة جانغي الشهيرة التي اشتركت فيها القوات البريطانية والأمريكية وشراذم عصابات الشمال المناهضة لطالبان..!!

*** 

يغوص في التاريخ القريب ليحمل لنا وإلينا وعلينا ما فعلته إسرائيل في أسرانا، مبرهنا أن الكفر ملة واحدة ومثبتا بصورة عملية ما قاله المؤرخ الغربي الأشهر إرنولد توينبي من أن الحضارة الغربية أكثر الحضارات إجراما في التاريخ، يحمل عاصم نبوي دم أسرانا فيلقيه على رؤوسنا:

" وكانت القضية قد تفجرت عندما نشرت صحيفة معاريف  العبرية بتاريخ 4 آب 1995 نص اعترافات "رفائيل إيتان"  الضابط السابق بالجيش الإسرائيلي، حيث أشار إلى أن تاريخ المأساة يرجع إلى يوم الاثنين 29 تشرين الأول 1956 عندما كانت الكتيبة 89 مظلات التي كانت تحت قيادته تستعد للهبوط على الجانب الشرقي لممر "متلا "  في عمق الأراضي العربية وكانت تلك هي اللحظات الأولى للحرب التي عرفت فيما بعد باسم عملية "قادش شارك"  والتي اشترك فيها 395 مقاتلا من بينهم قائد الكتيبة "إيتان "  وبينما كانوا معلقين بين السماء والأرض فوق منطقة الهبوط عند نصب " باركرز"  رصد جنود الكتيبة خيمتين كبيرتين على الجانب الشرقي للممر، ولم يبادر الأفراد الموجودون بهاتين الخيمتين بإطلاق النار على أفراد الكتيبة ولكن الأمور اتضحت بعد هبوط الجنود الإسرائيليين حيث تبين أن هؤلاء الأفراد الذين يبلغ عددهم حوالي 50 رجلا ليسوا سوى عمال تراحيل مدنيين " مصريين"  تصادف وجودهم في الموقع الذي قرر قادة الجيش الإسرائيلي إنزال القوات الأمامية فيه.. تم القبض عليهم وأسرهم وبعد يومين تمت عملية الالتقاء المرتقب باللواء (202) وتولى  " شارون " القيادة في متلا بينما تهيأت كتيبة "إيتان"  للتحرك في اتجاه رأس سدر، ولم يتم تحميل العمال المصريين على السيارات كما لم يتم ضمهم للكتيبة التي بدأت تتحرك في طابور إلى الجنوب. ويتدخل  " داني وولف " أحد جنود الكتيبة 89 وقتها في سرد الاعترافات مؤكدا أن الكتيبة تلقت أمرا صريحا ومباشرا بقتل الأسرى المصريين في اليوم الثاني من المعركة.

وفي هذا الصدد أكد  " اربيه بيرو " اليد اليمنى لرفائيل إيتان أن قتل الأسرى المدنيين قد حدث بالفعل موضحا أنهم كانوا سيشكلون عبئا على الكتيبة إذا ما حدث أي شيء خلاف ذلك، وقال: إن السؤال عن الذي أصدر الأمر بذلك أو قام بالتنفيذ ليس له جدوى، ولكن المهم أن أبناءنا أطلقوا الرصاص على أفراد عزل وقتلوهم بلا معركة.

ولم تقف اعترافات قادة الجيش الإسرائيلي عند هذا الحد حيث إن العديد من الضباط واصلوا اعترافاتهم فيما بعد بارتكاب أفعال مماثلة مع الأسرى المصريين والعرب خلال المعارك المستمرة بين الجانبين."

ولا يكتفي عاصم نبوي بذلك..

فبعد أن يتركنا نحمل وطأة جرمنا بالصمت  عن قتل خمسين أسير مصري، يفاجئنا بأن العدد ليس خمسين.. ولا مائة.. ولا خمسمائة.. ولا حتى خمسة آلاف..

بل ولا خمسين ألفا..

فالعدد الذي يذكره هو: الذين قتلهم جنود الصهاينة عمدا يصل إلى 65 ألف أسير منذ حرب 1948 وحتى تشرين الأول 1973

*** 

يتطرق عاصم نبوي إلى عزام عزام ومهزلته.. و إلى الفرقان ..  و إلى الأغذية المسمومة..  و إلى الكويز.. و إلى الجنود الثلاثة القتلى..( هل هم شهداء حقا.. وهم الذين يحمون إسرائيل، لا مصر ولا فلسطين ولا الإسلام والتساؤل من عندي  م.ع. )

ويستشهد الكاتب بما  نشرته دراسة الأهرام الاستراتيجية ـ‏113‏ ـ بعنوان الحروب الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين تحرير لواء د‏.‏ محمد جمال مظلوم‏-  أكرر: صحيفة الأهرام -  وما نشر فيها من معلومات أوروبية كشفت عن : مخطط إسرائيلي في مجال الهندسة الوراثية يهدف إلى تدمير صحة الإنسان من خلال مشروع رصدت له إسرائيل نحو ملياري دولار‏،‏ أطلقت عليه مشروع شلوع ولأنه أداة حرب من حروبها للإبادة فقد ألحقته كفرع من فروع سلاح   أن أبحاث هذه الوحدة تتركز على توظيف الهندسة الوراثية في مجال الإنتاج الزراعي لتجعل الغذاء ـ بدلا من أن يكون وسيلة ونعمة سماوية لحفظ الحياة ـ كارثة أرضية‏،‏ وقنابل لتدميرها‏،‏ فهذا برتقال لتدمير الجهاز العصبي‏،‏ وفراخ تصيب من يأكلها بالفشل الكبدي بعد ثلاثة أشهر فقط من تناولها‏،‏ وطماطم وخضراوات تنضج بسرعة تقتل بالسرطان وتدمر خصوبة الرجال‏.

*** 

والأمر ليس مقتصرا على بلد مسلم دون آخر.. ويستوي فيه القريب والبعيد والصديق والعدو.. يقول عاصم نبوي:

" أثناء حرب الخليج وبعد قدوم القوات الأمريكية إلى البلاد طلبت هذه القوات من الحكومة قطعة من الأرض لتدفن فيها مخلفاتها من أطعمه وذخيرة ونحوها .. وأعطيت هذه القوات قطعة أرض خارج مدينة الملك خالد العسكرية بحفر الباطن تقدر بحوالي ثلاثة كيلو مترات مربعة وتم وضع الأسلاك الشائكة ووضع حراسة أمريكية عليها.

قامت تلك القوات بتدريبات على قذائف اليورانيوم لأنها الوحيدة القادرة على اختراق الدبابات والأنفاق العراقية . وبسبب خطورة تلك المادة قامت القوات الأمريكية بدفن المخلفات في تلك الأرض .

هل انتهى هذا الأمر إلى هذا الحد؟ ... كلا ...

لما علم الأمريكان أن ( رَبْعَنَا ) لم يعرفوا هذا السلاح من قبل بل لم يسمعوا باسمه ولا مكمن الخطورة فيه شجعهم هذا على مزيد من دفن تلك المخلفات المرعبة في أي قطعة أرض دنستها أقدامهم فانتشرت المخلفات في عرض حفر الباطن وطولها بل قد تكون المنطقة الشرقية ملوثة تماماًَ.

ويقال إن هذه المخلفات السامة دفنت في الخرج حيث قاعدة الأمير سلطان."


*** 

يغوص عاصم نبوي  في الحاضر ليحمل لنا وإلينا وعلينا ما فعله ذلك الغرب الإرهابي المجرم المتوحش المجنون فيكتب في كتابه المروع نقلا عن فهمي هويدي:

" لم أصدق عيني حيث قرأت ذات صباح‏، أن أحد زعماء الأحزاب في الدنمارك‏، طالب أثناء الانتخابات التي جرت هناك في الأسبوع الماضي‏،‏ ببيع الفتيات الدنماركيات المسلمات أو المقيمات بصفة غير شرعية في البلاد إلى إحدى دول أمريكا اللاتينية‏، ثم بإقامة معسكرات اعتقال يوضع فيها المهاجرون المسلمون‏، تمهيدا لتطهير البلاد منهم‏، وطردهم إلى خارج حدودها‏!‏"..

*** 

يتحدث عاصم نبوي عن تداعي أمم الأرض علينا تداعي الأكلة على قصعتها..

يتحدث عن فظائع الكفار الروس في أفغانستان والهند في كشمير و..و..و..و..

ثم يرفق بعد هذا كله ملفا إلى جوار ملف الكتاب  يعرض فيه  تسجيلا لعرض بثمرئي Video مصورٍ بالأشعة دون الحمراء من طيارة قاذفة أمريكية من طراز AC-130 وهي تقصف مسجد خوست في أفغانستان بصواريخ النابالم الحارق ليلة أول رمضان 1422 هـ ، حيث قتلت المسلمين عمدا وهم في المسجد وحوله لحضور صلاة التراويح، ثم قصفت بعض المنازل السكنية، وقتلت من هرب منها من سكانها مع من حاول نجدتهم وإسعافهم، ثم ادعى الصليبيون الأمريكان بعد كل هذا أن القصف - الذي تم بأربعين صاروخا وخلال مدة تزيد على الدقائق العشر بخلاف وقت التآمر والتدبير - كان بطريق الخطأ أو ما يسميه الأمريكيون Collateral Damage !!!!


*** 

ولعل القارئ – مهما بلغ تأثره سيتساءل عن سر انفعالي بهذا الكتاب كل هذا الانفعال، ولعله سيقول لنفسه أن المنشور فيه تجميع للمنشور في مئات الكتب والصحف، وأنه ما كان له أن يؤثر هذا التأثير كله فيمن يتعامل مع الكلمات منذ نصف قرن. ورغم أنني لا أتفق مع هذا الرأي كثيرا إلا أنني أعترف للقارئ أن التأثير الأعظم للكتاب لم يكن بسبب ما فيه من معلومات وكلمات  بل بسبب ما فيه من صور.

هذا التجميع الرهيب المهين المذل أنقض ظهري..

ربما كان للمرء أن يحتمل صورة أو صورتين.. لكن هذه الكمية في هذا الكتاب قاتلة.. ذلك أن لدغة النحلة تؤذي، فإن كانت ألف لدغة فهي لا محالة قاتلة..

قتلتني الصور وذبحتني..

منذ أعوام .. إزاء العجز كنت أهرب من نشرات الأخبار فإذا حوصرت أغمضت عيني حتى لا أري الأشلاء والعار والذل والمهانة..

ولكن الصور الواردة في كتاب الدكتور عاصم نبوي داهمتني من حيث لا أحتسب..

كانت بالنسبة لي كأفلام الرعب.. للدرجة التي لا أعرف إن كانت الصور المروعة التي تصطخب الآن في وجداني هي صور منشورة فعلا في الكتاب أم صور أخري استدعتها صور الكتاب من مخزون الذاكرة.. 

نعم..

الصور هي التي ذبحتني وقتلتني..

فهل ترون الآن يا قراء – بعد قراءتكم لهذه المقدمة-  تلك الصور التي رأيتها..

وهل يتصدى ناشر لطباعة هذا الكتاب الأطلس المروع كي يرى الناس ما رأيت..

رأيت في تلك الصور طفلا ميتا في فمه نصف قطعة من البسكويت وفى يده النصف الآخر..

رأيت دما – لا لبنا – ينسكب من بين شفتي رضيع ميت.. 

رأيت شابا يحمل قدمه المقطوعة والدم ينبثق منها كنضاحة (نافورة)..

رأيت عجوزا يمتلئ وجهه بالتجاعيد والأخاديد، رأيته وقد بدا أنه حاول أن يتسلق شجرة تحميه من القصف فأصابته شظية فتكوم بجوار الشجرة وحوله تجمعت بركة هائلة من الدم المتخثر ..

هل رأيتم الدم المتخثر؟ ..

أنا رأيت..

رأيت أيضا رؤوسا بلا أجساد و أجسادا بلا رؤوس.. فهل رأيتم؟..

رأيت امرأة فلسطينية  تفاجئها آلام المخاض في طابور العذاب والرعب والألم أمام حاجز إسرائيلي ،  رأيت وليدها فور وصوله إلى هذا العالم فهممت أن أصرخ فيه: ارجع.. الوحش الأمريكي الإسرائيلي  المفترس يرقبك من طائرته وسوف يسعده أن يضم صورتك الميتة المسحوقة كصرصار إلى الألبوم الذي سيهديه لعشيقته الزانية فارجع..

الوحش الصربي سيقتلك ويقطع أذنيك كي لا يغالطوه في الحساب فارجع..

الوحش الروسي سيتعقبك تحت ظلمات أكبر عملية تعتيم في التاريخ فارجع..

الوحش الهندي سوف يحرقك حيا فارجع..

الوحش التيموري..

الوحش الفليبيني..

الوحش الصيني..

الوحش التايلاندي..

ارجع..

ارجع..

*** 

يعرض الدكتور عاصم نبوي الجثث المنتفخة بعد المذابح الجماعية.. المذابح التي استشهد فيها مائة ألف عراقي معظمهم من النساء والأطفال.. تظهرهم إحدى الصور .. كانوا مكومين على الأرض مبعثرين بعد أن حاول كل منهم الفرار في اتجاه مختلف وزخات الرصاص قد اخترقت ظهورهم.. كانت العظام المهشمة بالرصاص قد جعلتهم يتخذون أوضاعا غريبة.. فمن انطواء لا يتصور إلى انفراج لا يتوقع.. 

يعرض كذلك  صور جثث بعض ضحايا مجزرة جنين مكدسة على ظهر شاحنة استعدادا لدفنها جماعيا عام 2002م

أمكن للشاحنة أن تحمل جثامين الشهداء فأي قوة هائلة تقدر على حمل خزينا وعارنا وهواننا على العالمين.. 

أي خسة ومذلة وعار تواجه كل هذا الضغط والإرهاب والمهانة فتصمت.. 

بل أي قوة خسيسة عاجزة فقدت كرامتها وشرفها ونخوتها و إيمانها.

وثمة صورة لجندي إسرائيلي  مدجج بالسلاح يوجه سلاحه إلى صدر طفل فلسطيني يبكي..

كان الجندي مرعوبا وكان الطفل يبكي..

وثمة صورة أخرى لطفلة تختبئ خلف أختها والاثنتان تختبئان خلف أمهما والجندي الإسرائيلي  يتخذ وضع الاستعداد لإطلاق النار.. أما الأم.. فكانت متحدية مواجهة باسلة.. ولا تدع الصورة أي مجال للشك في أن الموت عندها هين جدا.. جدا..

فهنيئا لنا بالحياة نحن الجبناء..

كان ثمة أشلاء.. وكتل هائلة من اللحم البشري التي لا تستطيع أن تميز فيها أي شئ أي شئ أي شئ.. لا تستطيع أن تميز فيها رأسا من قدم من بطن من صدر.. وكأنما جاءت مفرمة ضخمة سحقت أجساد الآلاف من البشر..

و كان ثمة وجه بلا رأس ورأس بلا وجه وجمجمة طار غطاؤها وتناثر المخ حولها..

وكان ثمة طفلة يتدلى نصفها الأعلى من سيارة الإسعاف.. اغتالوها وهي في سيارة الإسعاف.. و أغلب الظن أن السيارة كانت تحملها لأنها كانت مصابة لكن الوحوش قصفوا السيارة قبل أن تصل إلى المستشفى..

لن يحكي لنا أحد أبدا كيف أصيبت تلك السيارة وكيف ماتت تلك الفتاة الطفلة وكيف تدلى نصف  جسدها الأعلى من السيارة..

هل أحست – لهف قلبي  وقرة عين أب لم تعد له قرة- بأن السيارة تقصف فحاولت القفز منها فعاجلتها المنية؟..

و هناك وجه مجهول بلا فك وبلا ملامح..

كانت الصور خرساء ولم تخبرني أبدا كيف مات هؤلاء الناس ولماذا ماتوا..

هل كان الدكتور عاصم نبوي يجمع صوره تيك بوسائل عادية أم بمفرمة ضخمة هائلة تسحق قلوب الناس لكنها تتركها بعد سحقها حية..

وهل كانت كومة اللحم الهائلة تلك المكونة من أشلاء الناس هي الأضخم أم أن الأضخم كانت كومة أخرى.. كومة أشلاء كرامة الأمة ونخوتها ورجولتها وعقلها و إيمانها بالله..

وكيف أمكن لذوي هذه الكومة الهائلة من أشلاء المعنى – لا أشلاء المبني – أن يعيشوا لحظة واحدة بعد كل هذا الإذلال وكل تلك المهانة..

كيف أمكن لأشلاء المعنى أن يروا صورة ذلك الجندي الصربي يركل بحذائه جثث ضحاياه من أفراد أسرة واحدة من المسلمين "البشناق" بعد أن أباد الأسرة بأكملها..

وهكذا فعل (المارينز) الأمريكان بالجرحى في " فلوجة" العراق ..

هذا بخلاف ضحايا الملاذ الآمن في سريبرينتشا  والذين ذبح منهم سبعة آلاف مسلم أعزل في يوم واحد.. لم يكونوا يحملون حتى العصي للدفاع عن أنفسهم ضد الأسلحة المتطورة الفتاكة التي أبيدوا بها بمعاونة وتستر مباشر من الغرب والأمم المتحدة وبطرس غالي..

كومة هائلة أخرى من أشلاء المبني.. تواجهها كومة أكبر بلا حدود من أشلاء المعنى..

من أشلائي أنا و أنت أيها القارئ.

كومة هائلة من أشلاء المعنى راحت تنظر وقد عقد الذهول أحاسيسها ومشاعرها إلى  جثة شيخ كشميري انتزعت أحشاؤه - قبل أن يقتل – لبيعها..

قبل أن يقتل يا أشلاء تداعت الأمم عليها تداعي الأكلة على قصعتها..

قبل أن يقتل يا قصعة..

نفس الشيء  يفعله اليهود أحفاد القردة والخنازير بالشباب في فلسطين..

وهذه – يا أشلاء ويا قصعة -  صورة لجثث بعض الكشميريين المسلمين المدنيين الذين أبادتهم القوات الهندوسية وألقت جثثهم بالجملة في الشوارع..

ويكتب عاصم نبوي تحت تلك  الصورة تعليقا ساخرا ما أن قرأته حتى بكيت..

كتب يقول معلقا على الصورة:

لاحظ تسليح الشهيد الثاني من أسفل الصورة .. قطعة من الخشب!!!

كان هذا هو سلاح الدمار الشامل الذي يحمله الشهيد..

*** 

هل سئمت أيها القارئ؟ هل جزعت؟ هل فزعت؟ هل عزفت؟ هل قرفت؟ هل قلقت؟ هل عرقت ؟ هل خزيت؟ هل هنت؟ هل ذللت؟ هل عطشت؟هل اسود وجهك؟ وكيف نلقى الله يوم القيامة ووزر الصمت عن كل هذا معلق في أعناقنا أغلالا و نحن مقمحون..

*** 

لم تنته الصور بعد..

فثمة مسجد أحرق والمصلون فيه .. وهذه هي بقاياهم المتفحمة .. كومة هائلة متفحمة.. ورغم التفحم الكامل فأنت ترى تفاصيل الأعضاء المشوهة المجعدة بالحريق، فهذا ساق، وذلك رأس بل وهذه أصابع يد.

ولم يقتصر الأمر على المساجد..

فقد  أحرقوا المسلمين أحياء في قراهم بعد تعذيبهم بوحشية ..

كانت الصور تظهر أيضا عيونا مفقوءة و أفواها مفغورة وأطرافا منزوعة وعظاما مسحوقة وجلودا مسلوخة و أشلاء متناثرة..

كانت جميع الجثث منتفخة بشكل فظيع.. 

*** 

ولم يكن ذلك هو أقسى الأمور ولا أشدها هولا.. فبرغم كل الألم فإن كل هذه الصور وكل هذا العذاب الذي لا يوصف قد زال وانقضى بالنسبة لهؤلاء الشهداء، وكان الألم الأشد والأنكى عذاب من نجوا من المذابح!!..

كان الألم الأشد و الأنكى يطفح من أعين أطفال العراق المشوهين ضحايا استخدام اليورانيوم المنضب في القصف المستمر منذ حرب الخليج الثانية 1991 إلى الآن..

كان الألم الأشد و الأنكى يطفح من أعين المشردين بلا مأوى، الجائعين بلا طعام والعراة بلا كساء بعد أن استجاب حكامنا لا غفر الله لهم لأوامر أمريكا فمنعوا عنهم حتى مصارف الزكاة والصدقة.. منعوها بعد أن اتخذوا قرارا نهائيا أن يكون خيارهم الاستراتيجي هو الاستسلام التام الدائم دون قيد ولا شرط.. الاستسلام ولو ضاعت الأوطان.. الاستسلام ولو ضاعت الأمة.. الاستسلام ولو ضاع الدين.. ولم يكتفوا بذلك.. بل أخذوا يروجون لأبشع هزائمنا وكأنها أعظم الانتصارات.

*** 

أهرب من كتاب الدكتور عاصم نبوي مروعا مفزوعا هروب من لا يحمل حتى الأمل المؤقت الزائف الذي كان يحمله ابن نبي الله نوح عليه السلام – ابنه وليس من أهله-  في أن يأوي إلى جبل يعصمه..

أهرب دون أي أمل في أن أجد أي مأوى أو عاصم..

أسأل نفسي إذا كان الله سيغفر لي ..

أو إن كان سيغفر لكم أنتم أيها القراء.. حين تُسأل تلك الجثث المتناثرة بأي ذنب قتلت.. حين تُسأل فلا يكون عليها أن تجيب .. سيكون علينا نحن أن نجيب .. 

*** 

حتى بعد أن وليت فرارا ورعبا من كتاب/ أطلس الدكتور عاصم نبوي فما تزال صوره تطاردني.. فأراها أمام ناظري  ويختفي الناس الذين هم أمامي..

تطاردني صورة محمد الدرة، ثم ما تلبث أن تطاردني صورة إيمان حجو، والتي كتبت عنها ذات يوم: صورة وجه طفلة في شهورها الأولى،  عندما رأيتها للمرة الأولى خفق القلب رحمة  وهفا تحنانا ، وددت أن أضمها إلى قلبي حين لم أدرك في اللحيظة الأولى أنها ميتة،  لكن الصورة تعرض وتكشف ،  يا إلهي، رحماك،  ثمة ثقب واسع في الصدر، أوسع بكثير من أن تسببه رصاصة، وثمة دم متجمد، ولحم أسود محترق، لحم بشرى، لحم طفلة لم تتجاوز شهرها الرابع، ولم يكتف  أطلس الدكتور عاصم نبوي بذلك، لم يكتف بالجرح الظاهر في الصورة والذي طفق يمتد إلى قلبي الذي راح ينزف، ظننت أن المأساة تقف عند هذا الحد، عند كل هذا الحد،  لم أتصور حدا بعده،  لكن الصورة التالية داهمتني عندما كشفت الظهر أيضا،  يا ربى، ما هذا؟ أي وحشية و أي جنون؟! أي كابوس رهيب يجتاحني يقظا و أي واقع مروّع  يسحقني يقظا ونائما؟.. أي وحش مسعور نهش البريئة هذه النهشة؟!  أي شيطان مجرم مريد فعلها؟!  لم يكن ذلك فعل رصاصة، بل  قذيفة دبابة هي التي أصابت الطفلة شظية من شظاياها، كان الجرح بمساحة الظهر المكشوف كله، اختلطت العظام المتفتتة للفقرات والضلوع بأنسجة الرئتين المهترئتين بنصف قلب تمزق وتناثر نصفه الآخر وقد أحاطت بالنصف الباقي فوهات مظلمة لشرايين و أوردة تقطعت،   انفجر الجمر وانصدع القلب واستعرت النار وانكسرت النفس وزلزلت الروح، تحسست صدري فوجدت الجرح نفس الجرح  فيه وتحسست ظهري فوجدت أن لا ظهر لي، كان مكانه حفرة بلا قرار، حفرة رحت أسقط فيها في بطئ مؤلم كما تسقطون الآن يا قراء..

إيمان حجو لم تكن تنطق الحروف بعد.. 

لم تتلفظ شفتاها الجميلتان بحروف وا إسلاماه ، لكن المؤكد أن قلبها الرقيق قد نطق بها في اللحظة التي لامسته فيها شظية قنبلة الدبابة قبل أن يتمزق وينفجر.  لم تنطق بها، لكن الملاين من آلها يصرخون ويستصرخون  بها ولا مجيب.

في زمن الخلافة الناقصة قالتها امرأة، فجهز المعتصم جيشا جرارا وسأل عن أعز حصونهم و أمنع مدنهم، فقالوا له أنها عمورية، و أنها أمنع من القسطنطينية، فلم يضع سلاحه حتى غزاها.

الآن..

رب وا معتصماه انطلقت ملء أفواه السبايا اليتم

لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم

الآن..

جل – بل كل - معتصمينا يأخذون أوامرهم من عمورية التي أصبح اسمها واشنطن.

***

أفظع ألف مرة بل مليون مرة من استشهاد إيمان حجو ومحمد الدرة استشهاد أولئك الذي لم يصورهم تلفاز ولم تكتب عنهم صحيفة..

أفظع ألف مرة بل مليون مرة من كل تلك الصور المروعة التي يعرضها علينا عصام نبوي في كتابه المروع، أفظع منها مليون مرة تلك الصور التي لم يأت بها ولم يعرضها.. ولن يعرضها أحد أبدا.

*** 

أهرب من الكتاب.. لكن كيف أهرب منه وقد تسلل الجمر إلى قلبي؟!..

أين أنت يا أمة..

كنا نعزى أنفسنا بأن الفساد الذي أعطب القشرة التي تمثل نخبتك لم يصل إليك، هل الحال فعلا كما نتمنى ونرجو أم أن العفن قد وصل إلى النخاع بعد فساد الرؤوس..

أين أنت؟..

ما هذا الخدر؟ بل ما هذه الغيبوبة.. بل ما هذا الموات

وأولئك الذين أفتوا باستخدام القوات الأجنبية في حرب الخليج، مالهم لا يجتمعون اليوم  ليفتوا بإعلان الجهاد في سبيل الله، من أجل القدس وبغداد.

*** 

أهرب من الكتاب حيث ثمة لا مهرب..

أهرب من جحيم النار المستعرة  فلست سوي عبد مقصر خاطئ  لا تكون النار بردا ولا سلاما على مثله .. 

أهرب من الطوفان .. وليس ثمة سفينة تحمي.. ولا حتى وهم جبل – أو جبل وهم -  يعصم..

تبكي  الكلمات ..

 تتوارى من  الخجل،  فليس ثمة ما يقال،  تندغم  حروف اللغة جميعا في حرفين لم يبق إلا هما..

آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآهٍ..

آآآآآه بلا نهاية..

فاحفظوها واستوعبوها جيدا.. فلن تكفوا عن استعمالها طيلة قراءتكم لكتاب الدكتور عاصم نبوي..

ولا بعد قراءته..

*** 

رابط الكتاب على الشبكة العنكبوتية:

www.islamicnews.net

*** 

*** 


ملاحظة:

سوف يعد المجرمون هذا الكتاب من ضمن أسلحة الدمار الشامل المحظورة، لذلك فإنني أناشد مختلف القراء والمواقع أن يحملوه من الشبكة على الفور و أن يضعوه في مواقعهم ( النص كله وليس مجرد الرابط).. ولولا أن الأمة ميتة أو توشك لرجوت أن يتصدى أحد لطباعته في كتاب ورقي يوزع على العالمين مرآة للحضارة الغربية وحقوق الإنسان فيها.

كما أناشد الدكتور عاصم نبوي جزاه الله خيرا وجعل هذا الكتاب في ميزان حسناته يوم القيامة، أطالبه بإصدار طبعة رابعة من الكتاب باللغة الإنجليزية لغير العرب من المسلمين.. بل ولغير المسلمين أيضا.


*** 


نذير إلى مباحث أمن الحاكم

فتوى بإهدار دم من مارس التعذيب..

مهما طال العمر بالطاغوت أو أبنائه فالتغيير قادم


تلك الفتوى بإهدار دم من مارس التعذيب، انتظرتها طويلا، بل وناشدت فقهاءنا منذ أعوام و أعوام أن يصدروها، ليس ضد من يمارس التعذيب فقط، بل – و إن كان بصورة أقل-  ضد من يزور الانتخابات، أو يكذب على الناس عامدا متعمدا، فيعينه الطاغوت رئيس تحرير أو مدير إذاعة أو وزير ثقافة.

انتظرت تلك الفتوى طويلا حتى فوجئت بوكالات الأنباء ترددها على استحياء، وبأقصى درجة ممكنة من التعتيم والإيجاز. فلم نفهم إلا أن مرجعا شيعيا عراقيا أصدر هذه الفتوى ضد من مارس التعذيب من أعضاء حزب البعث العراقي، ومن المؤكد أن الفتوى – طالما كانت دينية لا سياسية- لا يمكن أن تصدر بهذا الشكل، إذ لا يستساغ  أن يهدر دم البعثي الذي قام بالتعذيب بينما يعفى من العقاب عضو الحزب الوطني، أو الحرس الوطني أو ما شئت من ألقاب، إلا بذات المنطق الإجرامي السفيه، الذي تعفي به الأمم المتحدة الجنود الأمريكيين المجرمين من ملاحقة محكمة الجنايات الدولية.

الفتوي التي أصدرها الشيعة بالأمس ستصدر عن السنة غدا، والدماء التي ستهدر في العراق غدا ستهدر في كافة أرجاء العالم الإسلامي بعد غد، ولن يعصم الكفار المجرمين من العذاب عاصم.

أريد أن أكرر أن العسكر في عالمنا الإسلامي – جيشا وشرطة – قد قاموا بالدور الذي أناطته بهم بروتوكولات حكماء صهيون.. بحذافيره.. لم يكن في الأمر أي خدعة ولا سوء فهم ولا سوء تقدير .. و إنما كان كل شئ مخططا بعبقرية الشيطان، وكانت قوى العسكر تدرك أنها تدمر أمتها الإسلامية كي تقدمها لقمة سائغة لأعداء الله والأمة، كانوا يدركون ذلك دون ريب أو شك أو التباس، وكانوا يحصلون على الثمن الذي باعوا به دينهم ووطنهم. ولكي لا أظلم فإنني لا أقول أن المعرفة كانت موزعة على الجميع بالقسطاس، لكن، كما أن القانون لا يعفي المغفلين، فإنني أحسب أن الله لا يغفر للمنافقين – ما لم يتوبوا- .

و أريد أن أكرر أن العسكر لم يكونوا وحدهم في مركب الخيانة والنفاق، بل إن على الأمة الآن أن تراجع غفلتها التي أسلمتها إلى ما صارت إليه، وعليها أن تدرك أن الأمر بالنسبة للحكام أيضا لم يكن سوء تدبير أو خطأ تقدير، بل كانوا جميعا – وبلا استثناء طوال القرن الأخير – لعبة في يد الصليبية الصهيونية، لعبة بمعني العمالة المباشرة في أغلب الأحوال، العمالة المباشرة التي جعلت ذلك الملك الضليل يتعهد بأن يثير الفتن دائما مع إخوته العرب والمسلمين( هل هم إخوته؟ وهل هو مسلم؟) في نفس الوقت الذي يتعهد فيه ألا يطلق رصاصة واحدة على إسرائيل، كما جعلت هذا الرئيس المجرم يتعهد بمطاردة المسلمين أبدا، لمصلحة إسرائيل و أمنها.. بإدراك كامل لما يفعل وبإدراك كامل أن هذا هو الثمن الذي ينبغي عليه أن يدفعه للاستمرار في الحكم، بشخصه أو بنسله.

نعم.. في أغلب الأحوال كانت العمالة المباشرة الواضحة الصريحة المبنية على تعهدات مكتوبة هي الصيغة المعتمدة، وفي أحوال أقل، تعهدت المؤسسة العسكرية المخترقة، والمؤسسة التي تدعي الانتساب إلى الدين، تعهدت بتقديم حكام سيمتهم الغباء والحماقة والجهل والغفلة، وقد كان تأثير هؤلاء لا يقل فداحة عن تأثير من مارسوا الخيانة المباشرة، واتفق أولئك وهؤلاء على استبعاد الإسلام الحقيقي كمحرك للصراع والجهاد والمواجهة.

*** 

كان جهاز البوليس المجرم هو أداة الحاكم الخائن في تدمير أمته.

وسوف نخطئ كثيرا إن نحن تصورنا أن جهاز الأمن الغبي الباطش الجبار قد مارس سلطاته في حدود الأمن فقط.. ولا حتى بالمفهوم الممسوخ المشوه الذي يعني أنه قضى على الأمن، و أنه كالسرطان، قام بعكس وظيفته، بل بمفهوم رهيب ومروع  أكثر بشاعة مما يمكن أن يصل أي خيال إليه.

في العصور المتوحشة، وحروب الصليبيين، كان الطاغوت يعطى الأجر لجنوده بطريقة مجرمة غريبة، إذ كان يبيح لهم استباحة البلاد التي انتصروا عليها فينهبوا ثرواتها ويغتصبوا نساءها ويرتكبوا ما شاءوا من الجرائم فيها بغير حساب، وعلى قدر إجرام الحاكم وعسكره كانت فترة الاستباحة تطول وتقصر، لكنها لم تتجاوز أبدا أياما أو أسابيع كانت وطأة الطاغوت وعسكره تقل وقبضتهم ترتخي.  ولم يحو التاريخ فيما أعلم طواغيت كطواغيتنا، وجبابرة كجبابرتنا، أباحوا  لعسكرهم  دماء المسلمين و أعراضهم وثرواتهم منذ عشرات العقود، كان العقد الشيطاني بين الحاكم وعسكره: دعوني أستبيح الحكم واستبيحوا أنتم الأمة.

وكما أن عملية استباحة الحكم لم تكن عملية بسيطة بل كانت عملية خيانة كاملة بالغة التعقيد والتشابك في الداخل والخارج، فإن استباحة الأمة أيضا كانت كذلك، فلم يقتصر البطش على إجراءات الأمن، والتعذيب والإعدام، بل تجاوزه إلى سيطرة كاملة وتحكم كامل في جميع نشاطات الأمة المستباحة. ابتداء بالصحافة والإعلام، ومرورا بالثقافة والأدب وانتهاء بإفساد القضاء. 

كل اسم لامع تقرأونه يا قراء – فيما عدا استثناءات نادرة – لم يصبح لامعا إلا بعد أن اعتمدته أجهزة الأمن.. وفي أغلب الأحوال صنعته..

كل أديب وكل مذيع وكل كاتب وكل مفكر وكل وزير وكل محافظ وكل مسئول وكل أستاذ جامعة وكل..وكل..وكل..

بل و أقول أيضا أن اتجاهات فلسفية ملحدة كالعلمانية والقومية والحداثة وما بعد الحداثة والنسبية ( الفلسفية لا الفيزيائية) لم يكن لها أن تترعرع في مجتمعاتنا بدون الرعاية المباشرة والدعم المتواصل والحماية الكاملة من جهاز الأمن الغبي الباطش الجبار، حيث لم تقتصر الرعاية على دعم هذه الاتجاهات بل تجاوزتها إلى سحق الحركات الإسلامية التي قامت هذه الحركات للقضاء عليها تحت إشراف وبتحريض جهاز الأمن الباطش الذي أعطى مواثيقه للشيطان للقضاء عليها. 

لم يفلت من بطش العسكر إلا من حظي بشهادة أنه عميل لجهة أعلى.. لمخابرات أجنبية..

و إذا قيض للأسرار أن تكتشف فسوف يقتلنا الذهول عندما نكتشف العلاقات الخفية المحرمة بين هؤلاء جميعا وبين الأمن..

حتى على مستوى الطلبة في الجامعة.. يقسمهم الأمن إلى فئتين: فئة العملاء المتعاونين، وفئة غير المتعاونين الإرهابيين.

ونحن لا نتحدث على مستوي السذاجة التي تتحدث بها أجهزة إعلامنا، ولم ندّع ولم نقل أن كل واحد من المليون شرطي قد قابل رئيس الـ CIA ، ولا أن كل واحد من المليون جندي قد تم تعميده في الموساد، ولا نقول حتى أن كل وزير أو محافظ يتلقى تعليماته اليومية المباشرة من هناك.

لا أقول ذلك، وإنما تكفلت عبقرية الشيطان أن تخلق الآلية والمنهج التي جعلت مجتمع النخبة ي عالمنا الإسلامي يخون النخبة ويقودها نحو الهلاك.

لكننا في نفس الوقت لا ننكر أن عددا كبيرا جدا من الخونة يدرك أنه يخون، ويحصل على الثمن المباشر لذلك.

هذا الملك المعزول والرئيس المنفي اللذان يلعبان بالبلايين من الأرصدة المنهوبة المهربة للخارج كانا يعلمان أنهما يخونان وكانا يقبضان ثمن الخيانة.

هذا الصحافي المعدم الذي دخل إلى عالم الصحافة من بوابة الأمن ليصبح رئيس تحرير بلا أي موهبة حقيقية ليملك الآن مئات الملايين بل والبلايين عميل خائن ولص مجرم خان دينه وباع بلاده.

هذا المذيع..

هذا الـ.. و..و..و..

في لمحة بارعة الذكاء يلتقط الكاتب الكبير جلال كشك جزءا من الصورة ويكشف جزءا من الآليات المعتمدة في كواليس المخابرات فيقول في كتابه: "كلمتي للمغفلين":

"ذلك النوع من الإكراه الذي يقع على المفكرين المصريين فيجبرهم على ترديد فكر المنحرفين، أو حتى تبنيه، وذلك من خلال الخطة الخبيثة التي وضعها السادات ومسشاروه من رجال المخابرات الأمريكية بفرض نماذج معينة على العمل السياسي في مصر ومنحها وحدها ترخيص أو احتكار تمثيل التيارات واحتكار إصدار الصحف المدعومة من الدولة واحتكار تراخيص الأحزاب.. ومن ثم يستغلون حاجة الشرفاء المشروعة للتعبير في أي منبر لفرض أرائهم المنحرفة عليهم!."

انتهي جلال كشك من ملاحظته البارعة..

فهل نفهم الآن أن جميع ما هو موجود في الساحة متفق عليه.. ومع مستشاري المخابرات الأمريكية..

ومرة أخرى أقول أن كل ما هو موجود على الساحة صناعة أجنبية، أو على الأقل بموافقة أجنبية. كما أقول أن نسبة التصنيع المحلي تقل كلما ارتفعت الوظيفة، فإذا وصلنا إلى الرئيس أو الملك، كانت الصناعة أجنبية بالكامل.

كان من المستحيل أن يتفق الجميع ويتواطئوا على الخيانة المباشرة..

وكانت أوكار المخابرات قد اكتسيت خبرتها الهائلة عبر القرون.. وابتدعت آلية ومنهجا..

وكان المنهج بسيطا جدا: إلغاء الإسلام كمرجعية..

إلغاء الولاء والبراء..

إلغاء الحلال والحرام..

وبعدها أصبح كل شئ مباحا..

سيطر العسكر على كل شئ.. ولوثوا كل شئ وباعوا كل شئ..

أهدر الخونة المجرمون من مباحث أمن الحاكم – جيشا وشرطة -  دم الأمة..

ولقد تأخرت كثيرا الفتوى بإهدار دم من يمارس التعذيب..

وربما لو صدرت في الوقت المناسب لما أمكن للدائرة الخبيثة أن تكتمل.

وما أشد عتابي على فقهاء السنة أن لم يبادروا هم بذلك..

*** 

لقد كان التعذيب الذي مارسته أجهزة الأمن في طول عالمنا الإسلامي وعرضه من أهم العوامل التي أدت إلى الهزيمة الواقعة.. الهزيمة البشعة الرهيبة المروعة.. التي أذلت الأمة كما لم تذل أبدا.. تلك الهزيمة لسنا نحن المسئولين عنها.. فلم يكن لنا من الأمر شئ عندما وقعت..

كانوا هم في السلطة .. ولاة الأمر..

وكنا معزولين مضطهدين مطاردين مسجونين معلقين على المشانق..

كانت صحفنا تغلق.. و أصواتنا تخنق.. ورؤيتنا للصراع مع أعدائنا يُسخر منها.. وكان أبناؤنا يعذبون عذابا لم يشهد له التاريخ مثيلا.. 

ولاة الأمر هم الذين انهزموا..

ولاة الأمر ودينهم العلماني الوضيع وسياساتهم الخائنة هم الذين انهزموا.. 

أما الإسلام والمسلمون فلم يسمح لهم بدخول الصراع أصلا.. فكيف ينهزمون.

*** 

*** 

*** 


ثم أقدم للقارئ مقدمة غاية في الأهمية لكتاب خطير آخر يظهر كيف يتعامل الأمريكيون مع الشعوب الأخرى كالحيوانات أو أشد قسوة..

كيف تعاملوا.. وكيف يتعاملون.. وكيف سيتعاملون..

والكتاب لا يحتاج إلى تعليق إذ يتحدث عن نفسه بنفسه..

و إليكم مقدمته:


ترويض العبيد 

من كتاب: العبودية في أفريقيا والتاريخ المفقود

عايدة العزب موسى

مكتبة الشروق الدولية


هل يدرى القارئ أن ما نسميه بالاستغلال والاستبداد والقسوة والتعذيب ليس مجرد أفعال عشوائية تحركها الغلظة والشراسة أو عواطف الطمع والكراهية، إنها ليست كذلك فقط، إنها أيضا  خبرات وتجارب وتراكم لدروس مستفادة بحيث تصير فنونا ومعارف يتناقلها الزبانية ويتبادلون الخبرات فيها لتكون أشد إيلاما، وليكون التعذيب أدوم تأثيرا وأفعل في النفوس، وهذا يحتاج إلى دربة ومران وعقل مفكر وخبرات تتداول وتتراكم.

ولعل أكثر الأمثلة وضوحا على ذلك المحاضرة التي ألقاها وليام لنش، مالك العبيد في الكاريبي على ملاك العبيد في "مستعمرة  فرجينيا الذين أتوا إليه من كل أنحائها  ليستمعوا إلى خبرته في ترويض العبيد.

وكان أحد أصدقائه من ملاك العبيد في فرجينيا بالولايات المتحدة دعاه عام 1712م  ليتحدث عن تجربته وأسلوبه في السيطرة على العبيد في مستعمرته، وما ابتدعه من أساليب وحشية وخبيثة وأفعال رهيبة لإخضاعهم.

وإذا كان ماض البشرية يشينه ويخجله صورة العبد الأفريقي الذي اختطف وربط بالسلاسل في رحلة عذاب طويلة إلى أرض القارات الأمريكية ليخدم السيد الأبيض ويفعل به ما يشاء هذا السيد، فإن ما يفعله الأمريكي الأبيض الآن في بداية الألفية الثالثة بأسرى حرب أفغانستان لا يختلف كثيرا عما فعله جدوده من قبل، فبعد أن أفرغت الولايات المتحدة شحنتها من الصواريخ والقنابل والمتفجرات فوق أفغانستان وناسها، ساقت مئات الأسرى منهم مكبلين بالأغلال داخل معتقلات، وفى حملة انتقامية لا مثيل لها، نظر العالم مشدوها، وهو يشاهد أسرابا من الأسرى لم توجه لهم تهم ولم تصدر في حقهم أحكام قانونية يساقون كالبهائم مصفدين في الأغلال معصوبة عيونهم مخدرين، وينقلون كالوحوش المفترسة في أقفاص مكشوفة من الحديد، ويلقى بهم في قاعدة جوانتانامو العسكرية الأمريكية في كوبا.

وفى صحوة ضمير خصصت صحيفة "دى ميل أون صانداى" البريطانية الأسبوعية غلافها بصورة تظهر الوضع المهين للمعتقلين في القاعدة والقيود التي يرسفون بها والكمامات التي تعطل حواسهم، وكتبت في عنوانها الرئيسي: " إنهم لا يسمعون شيئا ولا يرون شيئا ولا يشعرون بشئ، أيديهم وأرجلهم ترسف في القيود، انهم يركعون مذعورين.. أبهذه الطريقة يدافع بوش  وبلير عن حضارتنا!.

ما أشبه اليوم بالأمس، فما يفعله الأمريكي " المتحضر" بأسرى أفغانستان في القرن الواحد والعشرين، هو نفس ما فعله الأمريكي الأبيض بالأفريقي الأسير المختطف في القرن الثامن عشر. لا اختلاف بينهما سوى أن الأمريكي اليوم يصف نفسه بالمتحضر وأمريكي الأمس كان يجهر بأنه مستعمر.

وهكذا تبقى صحيحة إلى اليوم محاضرة "وليام لنش " أو رسالته إلى أبناء جلدته، وأن كلماته هذه ونصائحه يتعين أن تنشر وتطرح على الملأ لعلها تحدث غضبا لدى الرأي العام العالمي.

وقف وليام لنش بين أبناء جلدته يقول: أيها السادة، إنني أحييكم هنا علي شاطىء نهر جيمس في 1712 م. أولا أشكركم أيها السادة في مستعمرة فرجينيا . دعوتكم لي هنا.

إنني هنا لأساعدكم على حل بعض مشاكلكم مع عبيدكم. إن دعوتكم وصلتني في مزرعتي المتواضعة في جزر الهند الغربية، حيث جربت عددا من الوسائل الحديثة والوسائل القديمة للسيطرة على العبيد، وإن روما القديمة يمكن أن تحسدنا إذا طبق برنامجي.

عندما كان قاربنا يبحر جنوبا في نهر جيمس، رأيت ما يكفى لمعرفة أن مشكلتكم ليست فريدة، وفى حين كانت روما القديمة تستخدم الخشب كصلبان لوضع الأجسام البشرية على طول الطرق الرئيسية فأنتم هنا تستخدمون الشجر والحبال لهذا الأمر، وقد لمحت عبدا ميتا معلقا على شجرة على بعد ميلين، وأنتم بهذه الطريقة لا تفتقدون فقط هذه الثروة التي تعلقونها، ولكنكم أيضا تعانون من الانتفاضات ومن هروب العبيد بعيدا، ومن أن محاصيلكم تبقى في الحقول بغير جنى كثر مما يستوجب الحصول على الربح اكبر، كما أنكم تعانون من حوادث الحريق التي تحدث من قتل حيواناتكم.

أيها السادة، إنكم تعرفون ما هي مشاكلكم ولست في حاجة إلى شرحها لكم ولست هنا ألقى الضوء عليها، إنما أتيت لأقدم لكم وسيلة لحل هذه المشاكل. في حقيبتي هذه وسيلة مجربة يمكنكم بها السيطرة على عبيدكم السود، وأني أضمن لكل واحد منكم إذا استخدمها بطريقة صائبة فستمكنه من السيطرة على العبيد لمدة لا تقل عن 300 سنة، وطريقتي بسيطة وأي واحد من أسركم وكل من يشاهدها يمكنه أن يستعملها.

إنني أبحث عن عدد من الاختلافات بين العبيد وآخذ هذه الخلافات وأعمل على تضخيمها، أستخدم وأستعمل الخوف وعدم الثقة والحسد لأغراض السيطرة، وهذه الوسائل نجحت في مزرعتي المتواضعة في جزر الهند وستعمل أيضا في كل الجنوب.

أيها السيد.. خذ هذه القائمة الصغيرة البسيطة من الاختلافات وفكر فيها، في قمة قائمتي ستجد اختلاف السن واللون وهناك أيضا الذكاء والحجم والجنس ومساحة المزارع وحالة المزرعة ووضع الملاك، وحيثما يكون العبيد يحيون في الوادي أو على التل في الشرق أو الغرب في الشمال أو الجنوب أو يكون شعرهم خشنا أو ناعما أو يكونون طوالا أو قصارا.

الآن إن لديك قائمة بالاختلافات وأعطيك طريقة للعمل، ولكن قبل ذلك أؤكد لك أن زرع الشك وفقدان الثقة هو أقوى من الثقة، وأن الحقد أقوى من التملق أو الاحترام أو الإعجاب، وأن العبد الأسود بعد أن يتشرب هذه المشاعر فسيحملها وسيغذيها تغذية ذاتية وسيولدها في نفسه لمئات من السنين أو من الآلاف منها.

لا تنسى أن تضع الرجل الأسود العجوز ضد الرجل الأسود الشاب، والرجل الأسود الشاب ضد الرجل العجوز الأسود.

يتعين أن تستخدم العبيد ذوى البشرة الداكنة ضد العبيد ذوى البشرة الأقل سوادا، وذوى البشرة الأقل سوادا ضد العبيد ذوى البشرة الداكنة.

يتعين أن تستخدم الرجال ضد النساء والنساء ضد الرجال، ويتعين أيضا أن تجعل الخدم البيض فاقدي الثقة تماما بكل السود، ومن الضروري أن تجعل عبيدك واثقين بنا ومعتمدين علينا ويجب أن يحبونا ويحترمونا ويثقوا بنا نحن فقط.

أيها السادة، هذه الأساليب هي مفتاحكم للسيطرة فاستخدموها، واجعلوا زوجاتكم وأطفالكم يستخدمونها ولا يتركون أية فرصة تفلت منهم.

إذا استخدمت هذه الوسيلة بكثافة لسنة واحدة فسيبقى العبيد دائما فاقدي الثقة، وإليكم التفاصيل:

وخشية من أن أجيالنا في المستقبل قد لا يتفهمون مبادئ الترويض لكل من الخيل والبشر فإننا نضع أمامهم هذا الفن، وإذا كنا نريد أن ندعم اقتصادنا الأساسي فيجب أن تربط الوحوش بعضها ببعض.

نحن نفهم الخطط قصيرة المدى والنتائج الاقتصادية في الاضطرابات الاقتصادية الدولية، ولكي نتفادى الاضطراب الاقتصادي يتعين أن يكون لدينا مدى طويل وعميق لاستخدام المهارة والحزم.

ونحن نضع المبادئ الآتية من أجل التخطيط الاقتصادي المعقول والطويل المدى:

1-  إن الحصان والزنجي كليهما لا يفيدان الاقتصاد في الحالة الطبيعية والبدائية.

2- كليهما يتعين أن يروض ويربط بعضهما ببعض لإنتاج المنظم.

3-  ومن أجل المستقبل المنظم فإن الاهتمام يجب أن يبذل بشكل خاص بالنسبة للنساء والذرية أو الناشئة.

 4- وكليهما يجب أن يدجن لينتج تقسيما متنوعا للعمل.

5- وكليهما يتعين أن يعلم أن يستجيب إلى لغة جديدة خاصة.

6- و إن تعليمات نفسية وجسمانية للاحاطة بهما يجب أن توجد. 

وبكلمات أخرى يتعين كسر إرادة المقاومة، إن عملية الترويض تصبح الآن هي ذاتها لكل من الحصان والزنجي. والاختلاف هو خلاف قليل في الدرجة فقط، ولكن كما ذكرنا من قبل هناك فن التخطيط الاقتصادي طويل المدى. كذلك يتعين أن تبقى عينك وأفكارك على الإناث وعلى الناشئة  أو الذرية من الخيل والزنوج.

إن برنامجا مختصرا لتطوير الناشئة سيلقى الضوء على هذا الأمر، اهتم قليلا بالجيل الأول الذي انفصل وركز على أجيال المستقبل. ومن ثم إذا تعاملت مع الأم الأنثى فإنها ستروض أبناءها في السنين الأولى لتطورهم، وعندما ينمو الناشئة فستسلمهم لك، لأن ميولها الأنثوية العادية في حماية النفس ستكون قد فقدتها في عملية الترويض الأولى التي جرت معها.

وعلى سبيل المثال ففي حالة التعامل مع قطيع من الخيل الوحشية والفرس الأنثى والحصان الصغير، وقارن عملية الترويض مع اثنين من الذكور الزنوج في حالتهم الطبيعية أو مع الزنجية الحامل مع وليدها.

خذ الحصان وروضه للتعامل المحدود، روض تماما الفرس الأنثى حتى تصير مهذبة جذا يمكن لك أو أي شخص آخر أن يركبها براحة تامة، واستولد الفرس حتى تحصل على الوليد المطلوب، ثم أطلق الفرس بحريتها ودربها أن تأكل طعامها من يدك ستجد أنها ستدرب أولادها لكي يأكلوا من يدك أيضا.

وعندما تروض الزنجي غير المتمدين فاستخدم العملية ذاتها، ولكن بدرجة مختلفة لكي تحصل على نتائج متباينة. استخدم أكثر الزنوج عنادا واخلع عنه ملابسه أمام الزنوج الذكور الآخرين وأمام النساء وأمام الأطفال واطله بالقار، وضع عليه الريش، واربط كل ساق له بحصان يتجه عكس الحصان الآخر، ثم اضرب الحصانين لينشطر أمام جميع الزنوج الموجودين. والخطوة الثانية أن تمسك بسوط وتضرب الزنوج الباقين إلى حد الموت أمام النساء والأطفال، لا تقتلهم ولكن اجعلهم يخافون،  لأنهم يمكن أن يكونوا مفيدين في استولاد الأطفال بعد ذلك. 

المرأة

" ثم خذ الأئثى وأجر عددا من الاختبارات عليها لترى ما إذا كانت إرادتها قد خضعت لرغباتك طواعية، اختبرها بكل طريقة،  لأنها هي أكثر العناصر أهمية من أجل الاقتصاديات الجيدة.

إذا وجدت منها أية إشارة لمقاومة الخضوع الكامل لإرادتك فلا تتردد في استخدام السوط لتضربها إلى أقصى مدى. وخذ حذرك بألا تقتلها؟ لأنك لو فعلت فستفسد الاقتصاديات الجيدة، وعندما يتم الخضوع الكامل فإنها ستدرب ذريتها في السنين الأولى لهم على الخضوع للعمل عندما يأتي سن العمل.

إن الفهم هو أطيب شئ، ومن ثم فنحن سنذهب بعيدا لهذه المسألة المتعلقة بما ذكرناه هنا بعملية الترويض للزنجية.

نحن عكسنا العلاقات، وهى في حالتها الطبيعية غير المتحضرة تكون لديها تبعية

قوية للذكر (الرجل) الزنجي غير المتحضر، ويكون لديها اتجاه للمناعة المحدودة بالنسبة لاستقلال أبنائها الذكور وستجعل أبناءها الإناث تابعين مثلها.

ومن الطبيعي بالنسبة لهذا النوع من التوازن فنحن نعكس الطبيعة عندما نتعامل

مع الزنجي بضربه بالسوط إلى لحظة الموت، وأن يكون ذلك أمامها وبحضورها، وعندما نتركها وحدها بغير حماية وبعد أن تحطم صورة الذكر، فإن المحنة ستنقلها من حالة التبعية السيكولوجية إلى حالة من التجمد والاستقلال والتبلد.

وفى هذه الحالة من الجمود النفسي فإنها ستعكس الأدوار الخاصة بالنسبة للذكور والإناث لنسلها، فهي خوفا على حياة ابنها الذكر ستدربه نفسيا على أن يكون ضعيفا من الناحية المعنوية وتابعا ولكن قوى من الناحية الجسمانية.

ولأنها قد صارت مستقلة نفسيا فإنها ستدرب ابنتها الأنثى لكي تكون مستقلة نفسيا، ما الذي ستحصل عليه من ذلك؟ ستحصل على امرأة زنجية في المقدمة وعلى رجل يتوارى بعيدا، وهذه الحالة ممتازة من الناحية الاقتصادية.

وقبل عملية الترويض يجب أن تكون متيقظا في كل الأوقات " أما الآن فيمكنك

أن تنام مطمئنا؟ لأنه ينتج من الخوف أن تصير المرأة حارسة لنا، أما الذكر فيصير أداة طيعة مستعدا أن يربط مع الحصان في سن البلوغ.

وعندما يبلغ الزنجي سن 16 سنة فإنه سيكون مستعدا لحياة طويلة من العمل الفعال ولإعادة إنتاج قوة العمل الجيدة.

ومن خلال الترويض للزنوج المتوحشين غير المتحضرين، وبجعل الزنجية المتوحشة في حالة من الاستقلال المتبلد بنفى تصور أن الذكر يقوم بحمايتها وبمحو عملية التبعية من الخضوع للذكر المتوحش الزنجي، نكون قد خلقنا دورة تفيدنا إلى الأبد إلا إذا حدث تحول آخر.

إن خبراءنا يحذروننا من إمكانية حدوث هذا التحول؟ لأنهم يقولون لنا: إن العقل لديه ثورة كبيرة على تصحيح نفسه بعد فترة من الوقت إذا لمس إمكانية لذلك.

وعملا بهذه النصيحة فإن أحسن طريقة للتعاون مع هذه الظاهرة هي أن نمسح ونلغي التاريخ المعنوي، وأن نخلق لهم عددا من الظواهر المتوهمة وكل وهم يأتي فعله بينهم.

اللغة المسيطرة

ومتى تم الترويض فمن أجل استبقاء أثره يتعين أن نمحو تماما اللغة الأصلية لدى الزنجي الجديد، وأن ننشئ لغة جديدة تسهل حياته العملية. وأنتم تعلمون أن للغة تكوينها الخاص وأنها تصل إلى قلوب شعبها، وبقدر ما يعرف الأجنبي لغة غيره من الشعوب بقدر ما يستطيع أن يتحرك وينتقل من خلال كل مستويات هذا المجتمع، ومن ثم إذا كان الأجنبي عدوا لبلد آخر إلى درجة أنه يعرف تكوين لغته إلى هذا المدى، يكون الوطن قابلا للغزو من الثقافة الأجنبية، وعلى سبيل المثال فلتأخذ العبد إذا أنت علمته كل ما يتعلق بلغتك فسيعرف كل أسرارك وسيعرف أكثر مما يجوز باعتباره عبدا لن تستطيع أن تستغله بعد ذلك، وإن جعله مغفلا هو إحدى الصفات الرئيسية لاستبقاء النظام العبودى.

وعلى سبيل المثال أيضا فإذا قلت للعبد: إنه يجب أن يحسن حصد حاصلاتنا،

إذا  كان هو يعرف اللغة جيدا فسيعرف أن لفظ حاصلاتنا لا تعنى إلا أنها حاصلات لنا وسينهار النظام العبودى؟ لأنه سيتعامل مع المعنى الحقيقي لكلمة حاصلاتنا.

ومن ثم فعلينا أن نكون حذرين في استخدام اللغة الجديدة؟ لأن العبد سيوجد في منزلك و سيتحدث إليك حديث رجل لرجل، وسيكون هذا هو الموت بالنسبة لنظامنا الاقتصادي.

وبالاضافة إلى ذلك فإن تعريف الكلمات والعبارات هو جزء صغير من العملية. إن القيم تخلق وتنتقل بوسائل اتصال من خلال هيكل اللغة، وأن المجتمع " لديه نظام من القيم المتداخلة، وكل هذه القيم في المجتمع تنتقل عبر اللغة وتترابط لتعمل بانتظام في المجتمع.

ولكن من أجل هذه الجسور اللغوية فإن هذه النظم القيمية ستتصادم بعنف وتوجد صراعا داخليا أو حربا أهلية. إن درجة الصراع تتحدد بمدى ضخامة الموضوعات ومدى قوة المعارضة، فمثلا إذا وضعت عبدا في مكان قذر (حظيرة  خنازير) ودربته على أن يحيا ويقيم فيه باعتباره وسيلة كاملة للحياة، فلن يجادلك  بعد ذلك في كيف يكون هذا المكان نظيفا ولن تخشى منه شيئا.

ومن ناحية أخرى إذا وضعت هذا العبد في نفس المكان القذر (حظيرة الخنازير)، وجعلت له من لغته ما يشعر به أن هذا المكان أو أن المنزل يمكن أن يكون أحسن من حظيرة الخنازير، يمكن أن ننشئ مشكلة وستجده بعد ذلك في منزلك أنت.

*** 


والآن أليست رسالة (وليام لنش) ونصائحه الخاصة بترويض العبيد لا تختلف كثيرا عما يحدث الآن لترويض الشعوب؟!


*** 

*** 

*** 


ماذا لو ناديت بقتل خمسة أمريكيين في بلادنا مقابل كل عراقي يستشهد؟

نعم..

ماذا لو فعلت ذلك، فأولئك اللصوص القراصنة جاءوا من أقصى الأرض ليستبيحوا بلادنا و نساءنا وأمتنا وملتنا.. وسوف يكون منطقيا تماما – وشرعيا أيضا- أن تدافع الأمة عن بعض من فلذاتها في العراق. الأمة بمفهومها الشامل، وكما جليت أمريكا كل حلفاءها ليساعدوها علينا فإن علينا في كل أنحاء العالم الإسلامي أن نطارد الأمريكيين – خاصة في الكنائس- انتقاما وثأرا حتى ينسحبوا من بلادنا..

ماذا سيحدث لو فعلت ذلك..

وكم ألف اتهام بالإرهاب ستوجه إلىّ..

وكم عربة مدرعة ستحاصر بيتي..

وكم عاما سوف أسجن ( لن يكتفوا طبعا بتوبيخي، توبيخا كالذي ناله قتلة الجنود المصريين في سيناء).

لكنني لم أفعل ذلك..

بل العكس هو الذي حدث ..

فقد نشرت  صحيفة "توسون سيتيزن" وناشرها، الصادرة بولاية أريزونا في 2 – 12 – 2003  مقالا يدعو إلى قتل المسلمين في الولايات المتحدة لوقف المقاومة التي يواجهها الجنود الأمريكيون في العراق. 

وجاء في المقالة المسيئة: "يمكننا أن نوقف قتلة الجنود الأمريكيين في العراق"، وأضافت "في كل مرة يُقتل (فيها جندي أمريكي) أو تحدث كارثة؛ نذهب إلى أقرب مسجد ونقتل أول 5 مسلمين نقابلهم، على كل حال هذه حرب مقدسة على الرغم من أن هذا الأسلوب ليس عادلا؛ إلا أنه قد ينهي الرعب"".. فخلال الحرب من الأفضل لك أن تخيف الآخرين أكثر من أن تكسب حبهم".

*** 

*** 

*** 

أبو جهل و أبو لهب.. وحمالة الحطب


المرشحون للرئاسة حتى الآن وصمة عار تستحقها الأمة..

ولقد قلت لنفسي ساخرا بعد مطالعة الأسماء أن هؤلاء المرشحين لن يحتاجوا الشهادات العادية فقط للتقدم للترشيح، بل سيحتاجون إلى شهادات أخرى لم يتقدم بها أي مرشح للرئاسة في أي بقعة من العالم..

سيحتاج بعضهم مثلا إلى شهادة من أمن الدولة والمخابرات العامة أنه ليس جاسوسا ( دعنا الآن من صدق  هذه الشهادة، خاصة من الأولي، لأنها  ستكون شهادة زور، تدفع بالجواسيس الحقيقيين لتولي المنصب.. وتبعد من هو جدير به عنه).

وسيحتاج البعض إلى شهادة من مستشفى الأمراض العقلية أنه ليس مجنونا.

أما البعض الآخر فسوف يحتاج إلى شهادة من بوليس الآداب.

*** 

قال لي صاحبي وهو يحاورني:

- فلتبغض سعد الدين إبراهيم كما تشاء ولكن تذكر أنك كنت أنت بالذات أول من تنبأ منذ سبعة أعوام – ولم يكن حينها يخطر على بال أحد – أن أمريكا تعده لكي يكون رئيسا للجمهورية، بل وكتبت ذلك صراحة، وقلت أيضا أن الهجوم عليه لا يتم لصالح الوطن، بل لصالح الرئيس مبارك.

ولم أحر جوابا فواصل:

- أما الهجوم عليه الآن فإنه يتم لصالح جمال مبارك..

ولم أحر جوابا فواصل قائلا، لكن في صراخ هذه المرة:

- هل تعتقد أن علاقة جمال بأمريكا و إسرائيل  أقل من علاقة سعد بهما، وهل تعتقد أن جمال سيكون أكثر رحمة بالمصريين أو انتماء للعروبة والإسلام، هل تعتقد أنه – لو جاء لا قدر الله- سيكون التعذيب أقل والتزوير أقل والفساد أقل..

ولم أحر جوابا فواصل ساخرا:

- على الأقل فإن الجيش والشرطة والحزب والصحافة والدولة لن تحمل من الولاء لسعد ما تحمله لجمال.. وقد يخفف هذا من قبضته علينا..

ولم أحر جوابا لكنني رحت أتمتم هامسا لنفسي غير حريص على سماع الصديق ولا على إسماعه:

- لست مضطرا للاختيار بين أبي جهل و أبي لهب وحمالة الحطب ولست مضطرا لاختيار الأسوأ .. لست مضطرا.. لست مضطرا.. فالشهادة والجنة أقرب..


 *** 

*** 

*** 


ثم لا أملك إلا أن أهمس في إعياء مجهد:

آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه.. 

 

 








أمريكا بدأت هجومها العام والشامل على الإسلام

بن لادن- وليس أبو جهل و أبو لهب - هو الحل


أرضيتم غير الإسلام دينا؟!

ليس أسوأ من تكفير المسلم إلا عدم تكفير الكافر

شارون يعتبر حكامنا حلفاء فكيف نقبلهم رؤساء

حسن السرات و أمير المؤمنين وكلاب العلمانيين

مكافأة – مني - لمن يقتل بوش..!!


بقلم د محمد عباس

www.mohamadabbas.net

mohamadab@gawab.com


أهانت عليكم عقيدتكم يا ناس..

أم رخص عندك دينك يا أمة..

أم سقطت فريضة الجهاد .. وانقضى زمان الاستشهاد..

وهل الجهاد والاستشهاد لا يجبان إلا على أهل فلسطين والعراق و الأفغان والشيشان..

أين أنت يا أمة..

أين أنت و أبوجهل ينقض عرى الإسلام عروة بعد عروة مدعيا أنه يحارب الإرهاب وما غير الجهاد يحارب .. وما من أحد منا سأله لمن ولاؤه وممن براؤه.. وهل هو مؤمن بالله وكافر ببوش أم كافر بالله ومؤمن ببوش.. فهما لا يجتمعان.

نعم.. أبو جهل.. هذا الدموي الغبي عييّ اللسان كثير التهتهة قليل الدين إن كان قد بقي لديه دين وهو يعلن الحرب على الإسلام بدلا من أن يعلنها على الكفر. 

أبو جهل الذي يلغي السنة أو يحرفها.. ويلوي عنق تفسير آيات القرآن الكريم ليصل بها إلى عكس معناها حتى أن فقيهه لعنهما الله ذكر جزءا من آية: " التهلكة" دون أن يبين أن التهلكة التي تقصدها الآية هي تهلكة الانصراف عن الآخرة والانكباب على الدنيا. فكلمة التهلكة لم ترد في القرآن الكريم إلا مرة واحدة في آية واحدة:

وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين (البقرة 195).. قال أبو أيوب الأنصاري: أن الإلقاء باليد إلى التهلكة هو ترك الجهاد في سبيل الله، وأن الآية نزلت في ذلك ( الجامع لأحكام القرآن).. وإلى هذا المعنى ذهب البخاري إذ لم يذكر غيره.. أو كما ورد في تفسير الجلالين: أن التهلكة هي الهلاك بالإمساك عن النفقة في الجهاد أو تركه..

أبو جهل الذي سلم كل مقاليد قوته و أموره إلى أعداء الله..

أين أنت يا أمة وقد بلغت شراسة أبي لهب أنهم يهددون الأسرى في جوانتانامو بأن يرسلوهم لتعذبهم أجهزة أمنه، فإذا بهذا التهديد أقسى من كل تهديد آخر.. و إذا به هو الذي تنهار به ذبالات مقاومات باقية.. و إذا به يفرح لذلك ويفخر به آملا أن تكون له يدا عند سيده ومولاه يمنحه بمقتضاها الحكم ولأهله.. تعس هو وأهله..

نعم.. أبو لهب الذي يبيع الإسلام عروة بعد عروة و أرضا بعد أرض.. هذا السمسار البشع الرهيب الذي لم تنكب بلاد المسلمين بمثله إذ لا يتورع عن فعل شئ في سبيل مكاسبه ومكاسب آله حتى لو احترق الوطن والأمة وقضى على الدين. 

أبو لهب.. القواد الذي يستدرج شقيقاته وبناته إلى الغواية..

والسمسار الذي يبيع جسد أمه قطعة قطعة..

يا إلهي..

كيف يمكن أن تأمل الأمة في نصر في ظل أبي جهل و أبي لهب..

وما من طاغوت من طواغيتنا إلا وهو أبو جهل و أبو لهب.

بل كيف يمكن أن تأمل الأمة في تخفيف تسارع الانهيار وجيوشنا مكرسة.. لا لتوحيد الأمة بل للدفاع عن الحدود المصطنعة التي فرضها أعداؤنا كي يضمنوا استمرار تمزق الأمة..

كيف يمكن.. وشرطتنا أشد قسوة و إجراما ودموية من شرطة أعتى أعدائنا..

كيف.. و أجهزة أمننا تكرس الفساد وتشجع التزوير وتمارس التعذيب وتحارب الإسلام..

كيف ووزراء ثقافتنا – الشواذ- يكرسون الغزو الفكري..

كيف ووزراء إعلامنا – القوادون – ينشرون الزيف والكذب..

كيف ووزراء تعليمنا – القوادون الشواذ- يعلمون الكفر والعهر والجهل ويمنعون الدين والعلم..

كيف وكتابنا ومفكرونا وصحفيونا – الأشد سوءا من القوادين والشواذ- أصبحوا أخطر أدوات الغزو الفكري.. أخطر حتى من الدبابات والطائرات والصواريخ والمدافع..

كيف.. كيف.. كيف.. كيف..

*** 

يقول العلامة محمود شاكر (في تقديمه لكتاب الظاهرة القرآنية- مشكلات الحضارة- مالك بن نبي- ترجمة د عبد الصبور شاهين- الهيئة العامة لقصور الثقافة):

 ..".. منذ أول الإسلام، خاضت الجيوش الإسلامية معارك الحرب في جميع أنحاء الدنيا، وخاض معها العقل الإسلامي معارك أشد هولا حيث نزل الإنسان المسلم. وتقوضت أركان الدول تحت وطأة الجند المظفر، وتقوضت معها أركان الثقافات المتباينة تحت نور العقل المسلم المنصور، وظلت الملاحم دائرة الرحى قرونا متطاولة، في ميادين الحرب وميادين الثقافة، حتى كان العصر الأخير.."

ثم تدور رحى الدائرة فيقول العلامة:

..".. انبعثت الحضارة الأوربية، ثم انطلقت بكل سلاحها لتخوض في قلب العالم الإسلامي، أكبر معركة في تاريخنا وتاريخهم، وهي معركة لم يحط بأساليبها وميادينها أحد بعد في هذا العالم الإسلامي (...) لم تكن المعركة الجديدة بين العالم الأوربي المسيحي، وبين العالم الإسلامي، معركة في ميدان واحد، بل كانت معركة في ميدانين: ميدان الحرب، وميدان الثقافة، ولم يلبث العالم الإسلامي أن ألقى السلاح في ميدان الحرب، لأسباب معروفة، أما ميدان الثقافة، فقد بقيت المعارك فيه متتابعة جيلا بعد جيل، بل عاما بعد عام، بل يوما بعد يوم، وكانت هذه المعركة أخطر المعركتين، وأبعدهما أثرا، وأشدهما تقويضا للحياة الإسلامية والعقل الإسلامي، وكان عدونا يعلم مالا نعلم، ويدرك من أسرارها ووسائلها مالا ندرك، ويعرف من ميادينها مالا نعرف، ويصطنع لها من الأسلحة مالا نصطنع، ويجرى لهما من الأسباب القاضية إلى هلاكنا مالا نحصى أو نلقى إليه بالا، وأعانه وأيده أن سقطت الدول الإسلامية جميعا مهزومة في ميدان الحرب، فسقط في يده مقاليد أمورها في كل ميدان من ميادين الحياة(...) والأساليب التي يتخذها العدو للقتال في معركة الثقافة، أساليب لا تعد ولا تحصى، لأنها تتغير و تتبدل وتتجدد على اختلاف الميادين وتراحبها وكثرتها، وأسلحة القتال فيها أخفى الأسلحة..."..

ثم يستطرد العلامة قائلا:

..".. وقد كان ما أراد الله أن يكون، وتتابعت هزائم العالم الإسلامي، في ميدان الثقافة جيلا بعد جيل، وكما بقيت معارك الحرب متتابعة سرا مكتوما لا يتدارسه قادة الجيوش الإسلامية وجندها حتى هذا اليوم، بقيت أيضا معارك الثقافة على تطاولها، سرا خافيا لا يتدارسه قادة الثقافة الإسلامية وجندها، بل أكثر من ذلك: فقد أصبح أكثر قادة الثقافة في العالم الإسلامي وأصبح جنودها أيضا، تبعا يأتمرون بأمر القادة من أعدائهم، عارفين أو جاهلين أنهم هم أنفسهم قد انقلبوا عدوا للعقل الإسلامي الذي ينتسبون إليه، بل الذي يدافعون عنه أحيانا دفاع غيرة وإخلاص. لم يكن غرض العدو أن يقارع ثقافة بثقافة، أو أن ينازل ضلالا بهدى، أو أن يصارع باطلا بحق، أو أن يمحو أسباب ضعف بأسباب قوة بل كان غرضه الأول والأخير أن يترك في ميدان الثقافة في العالم الإسلامي، جرحى وصرعى لا تقوم لهم قائمة، وينصب في أرجائه عقولا لا تدرك إلا ما يريد لها هو أن تعرف، فكانت جرائمه في تحطيم أعظم ثقافة إنسانية عرفت إلى اليوم، كجرائمه في تحطيم الدول وإعجازها مثلا بمثل، وقد كان ما أراد الله أن يكون، وظفر العدو فينا بما كان يبغي ويريد..".

*** 

تتابعت الهزائم كما قال علامتنا وشيخنا..

وكان الحكام والمثقفون هم أبناء اللقاء الحرام بين العدو الغازي والأمة المغتصبة..

الحكام أمرهم معروف ومشهور..

أما النخبة المثقفة.. فإنهم - كما يقول العلامة أبو الأعلى المودودي - أسوأ إنتاج للاستعمار الغربي في البلدان الإسلامية . فالصدمة الكبرى التي وجهها إلينا الاستعمار لم تكن في ميدان السياسة أو الاقتصاد ، بل كانت موجهة إلي أعماق أدمغتنا وأرواحنا . وقد أوجد هذا الاستعمار في أوساطنا عبيداً قلوبهم متعلقة بالغرب حتى بعد الحصول على الاستقلال السياسي .وهم يطيعون أسيادهم ويتبعونهم خطوة خطوة بكل خضوع. وهذه النظرية تدعونا إلي القول بأن حرب الاستقلال لم تنته بعد ، إذ أننا في حرب طويلة الأمد ضد هؤلاء الغرباء الوطنيين . 

*** 

هذه النخبة المجرمة نشأت تحمل سمات آبائها غير الشرعيين من مستشرقين ومخابرات أجانب.. هذه النخبة كما يقول العالم الكبير الأستاذ الدكتور إبراهيم عوض في مقال أخير له بصحيفة الشعب – بعنوان: فضيحة بجلاجل- (بتصرف) لا يحترمون القرآن ولا الحديث، وهما أساسا الدين لهذه الأمة، وبغيرهما لا يكون المسلم مسلما. لديهم قدرة عجيبة على الكذب والتدجيل دون أن يطرف لهم جَفْن ولا هُدْب، كما أن لديهم الجرأة الخبيثة على التلاعب بتفسير النصوص الدينية، والقرآنية بالذات، تفسيرا ما أنزل الله به من سلطان. وهذه الجرأة الوقحة على التلاعب بتفسير النصوص الدينية يرفدها جهل غليظ لا يستحي صاحبه من إعلانه على الناس. هذه النخبة أخطر علينا حتى من المستعمر نفسه، المستعمر الذي يتساءل الآن في سخرية شامتة: ترى هل يستطيع أحد من المسلمين أن يجرؤ على فتح فمه؟. وفوق هذا وذاك فالقوم لم يعودوا يخفون شيئا من أهدافهم ونياتهم: فهؤلاء هم المسلمون يُذَبَّحون وتُدَكّ بيوتهم فوق رؤوسهم ورؤوس الذين نفضوهم وتُغْتَصَب حرائرهم وتُلَطَّخ أجساد رجالهم بالخراء ويُكْرَهون على أن يأتي الأب منهم أولاده، والأولاد أباهم، بأوامر اللوطيين والسحاقيات من أبناء وبنات العمّ سام، وتُسَلَّط الكلاب المتوحشة عليهم تأكل أعضاءهم التناسلية وهم عرايا مقيدون قد أُبْعِد ما بين ساقيهم بآلات حديدية حتى لا يستطيعوا أن يداروها عن الكلاب المتلمظة التي يسلطها عليهم كلاب البشر! رهيب! رهيب! رهيب! ..

حقا..

رهيب رهيب رهيب رهيب كما يصرخ الدكتور إبراهيم عوض..

رهيب..

لكن صرخة الدكتور إبراهيم عوض لا تتوقف عند هذا ( وبالمناسبة فإنني أنبه القراء لمتابعة هذا العالم الفذ في كتبه العديدة ومقالاته القيمة المنشورة على صفحات الشعب).. 

لا تتوقف الصرخة.. إذ يتصورهم الدكتور إبراهيم عوض وقد جاءوا:

ثم يأتي أولئك الخلق فيصيحون بنا أن: كونوا متحضرين أيها الأغبياء يا من لا تزالون تعيشون وتعششون كالخفافيش في عصر الظلام الذي كان يعيش فيه محمد وأصحابه البدو المتخلفون! ما لكم تريدون أن ترجعوا عقارب الساعة إلى الوراء، وقد مات ذلك الـ"محمد" منذ أربعة عشر قرنا وشبع موتا، وينبغي أن يلحق به قرآنه وحديثه اللذان لا مكان لهما في عالم اليوم الذي استولت فيه أمريكا على عرش الألوهية بقوة السلاح كما استولت على بلاد الهنود الحمر بعد أن أبادتهم وجعلتهم أثرا من بعد عين، وحوَّلتهم إلى حكايات تُرْوَى وأفلام تُمَثَّل على الشاشة للتسلية وإدخال السرور على قلوب المشاهدين، ولم يعد هناك مكان لإله محمد يا أيها الحمقى، بل يا أيها البهائم؟ ألا تريدون أبدا أن تفيقوا من هذيانكم وظلامكم وتكونوا، ولو مرة واحدة، قوما متحضرين؟ استيقظوا وافركوا أعينكم وقلوبكم وعقولكم جيدا، فهذا الأوان أوان "الكاوبوى بوش" لا "محمد راعى الجِمَال" يا أيها الصُّمّ البُكْم العُمْى الذين لا يبصرون ولا يسمعون ولا يتكلمون كلاما يفهمه العاقلون! 

*** 

نعم..

يلمس الدكتور إبراهيم عوض المعنى الذي أريد اقتناصه..

ماذا يريد هؤلاء الصليبيون والصهاينة منا..

ماذا يريدون منا..وقد اتضح الآن أن كل المعلن من أهدافهم كذب.. لكن موجزه أن هذا العصر ليس عصر محمد عليه الصلاة والسلام و إنما عصر الشيطان الرجيم بوش..

أما الوسيلة فقد كانت أكثر الوسائل خسة ووحشية و إجراما ودموية وقسوة.. وهي صفات لا تقتصر على حاكم أو نخبة و إنما هي المكون الرئيسي لحضارة كافرة شرسة..

يقول منير العكش في كتابه – "أمريكا والإبادات الجماعية" عرض وكالة الأنباء الإسلامية :

لقد أبادت هذه الإمبراطورية الدموية 112 مليون إنسان بينهم 18.5 مليون هندي(بعض الأرقام تصل بعدد الضحايا من الهنود الحمر فقط إلى 110 مليون) أبيدوا ودمرت قراهم ومدنهم، ينتمون إلى أكثر من 400 أمة وشعب - ووصفت أمريكا هذه الإبادات بأنها أضرار هامشية لنشر الحضارة – وخاضت أمريكا في إبادة كل هؤلاء البشر وفق المعلوم والموثق 93 حرباً جرثومية شاملة وتفصيل هذه الحروب أورده الكاتب الأمريكي هنري دوبينز في كتابه "أرقامهم التي هزلت " THE NEMBER BECAM THINNED : NATIVE AMERICAN POPULATION في الجزء الخاص بأنواع الحروب الجرثومية التي أبيد بها الهنود الحمر بـ 41 حرباً بالجدري ، و4 بالطاعون ، 17 بالحصبة ، و10 بالأنفلونزا ، و25 بالسل والديفتريا والتيفوس والكوليرا . وقد كان لهذه الحروب الجرثومية آثاراً وبائية شاملة اجتاحت المنطقة من فلوريدا في الجنوب الشرقي إلى أرغون في الشمال الغربي ، بل إن جماعات وشعوب وصلتها الأوبئة أبيدت بها قبل أن ترى وجهة الإنسان الأمريكي الأبيض .

" فرانسيس ياركين " أشهر مؤرخ أمريكي في عصره لا يدين هذه القسوة والوحشية والإجرام و إنما يقول أن الهندي نفسه في الواقع هو المسئول عن الدمار الذي لحق به لأنه لم يتعلم الحضارة ولابد له من الزوال ..

*** 

ما ينطبق على الهندي الأحمر ينطبق على المسلمين إذن.

وهؤلاء المجرمون لا يقترفون كل هذه الجرائم ولا يقتلون كل هؤلاء الناس تبعا لمقتضيات الحرب حتى بمفهومهم هم..إنهم يقتلونهم حين يقاومون.. ويقتلونهم إذ يستسلمون.. وحتى إذا فروا من الميدان فإنهم يتعقبونهم ليقتلوهم.. وكأنما الجريمة التي ارتكبوها هي أنهم جرءوا على أن يوجدوا!!.. وكأنهم هم الذين أوجدوا أنفسهم.. لا يقتل البيض إذن ليسرقوا أو لينهبوا.. و إنما يقتلون ويعذبون ويمثلون بالبشر لأن لهم طباع الحيوانات الشرسة المفترسة.. بل أشد سوءا.. نعم.. إنهم يستمتعون بالقتل.. ليس استمتاع فرد شاذ.. بل استمتاع مجتمع شاذ وحضارة شاذة و أمة شاذة بأسلافها و أبنائها وعقيدتها المحرفة الشيطانية.. و لست أشك في أنهم جميعا ملحدون وليسوا مسيحيين بروتستانت كما يقولون.. تماما كما أن جل بناة دولة إسرائيل من اليهود ليسوا يهودا و إنما كافرون بالله العظيم وملحدون.

نعم.. الجريمة تجري منهم مجرى الدم وتقبع في النخاع.. جرت وتجري وستجري.. وربما يتخيل قارئ أن وحشية الأمريكي وخسته و إجرامه إنما تعود إلى أزمنة غابرة لم يعد لها الآن من أثر..

لكن..

فلنقرأ هذا الخبر في صحيفة القدس العربي:

واشنطن ـ اف ب: دافعت وزارة الدفاع الأمريكية الخميس عن جنرال في سلاح مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) اعتبر أن من الممتع إطلاق النار علي المسلحين في العراق أو أفغانستان. فخلال نقاش علني الثلاثاء في سان دييغو (كاليفورنيا غرب الولايات المتحدة) قال الجنرال جيمس ماتيس في الحقيقة من الممتع القتال. من الممتع إطلاق النار علي الناس.. ونشر سلاح المارينز بيانا قال فيه أن الجنرال ماتيس هو من القادة العسكريين الذين يتمتعون بقدر كبير من الشجاعة والخبرة في البلاد . وقال الجنرال مايكل هاغي أن ماتيس غالبا ما يتحدث بصراحة كبيرة .

القدس العربي 5-2-2005

*** 

نعم..

كانت المشكلة أن "ماتيس" لم يخف شيئا وتحدث بالحقيقة دون إخفاء أو تزوير..

و إنهم يستمتعون بقتلنا..

*** 

يستمتعون كما استمتعوا بجريمة سلخ فروة الرأس لكل ضحاياهم من الهنود الحمر وذلك على النقيض مما تروج له هوليود والرسميون والإعلاميون وأكاديميو التاريخ المنتصر ، فقد رصدت السلطات الاستعمارية مكافأة لمن يقتل هنديا ويأتي برأسه ، ثم اكتفت بعد ذلك بسلخ بفروة الرأس ، إلا في بعض المناسبات التي تريد التأكد فيها من هوية الضحية ، ولعل أقدم مكافأة على فروة الرأس بدلاً من كل الجمجمة تعود إلى عام 1664 ، وفي 12 أيلول سبتمبر من ذلك العام ، حيث رصدت المحكمة العامة في مستعمرة ماسوسيتش مكافأة مختلفة لكل من يأتي بفروة رأس هندي مهما كان عمره أو جنسه وتختلف المكافآت بحسب مقام الصياد ، 50 جنيهاً إسترلينيا للمستوطن العادي ، و20 جنيهاً لرجل الميليشا العادي ، و10 جنيهات للجندي ، ثم تغيرت التعريفة في عام 1704 فأصبحت مائة جنيه لكل فروة رأس ومن المفارقات أن المكافآت المتواضعة التي رصدت كانت لفروة رأس الفرنسي عام 1696 وهى 6 جنهيات ، حتى أن المغامر "لويس وتزل " يروى أن غنيمته من فرو رؤوس الهنود لا تقل عن 40 فروة في الطلعة الواحدة .

في أمريكا لا يتكلمون عن وتزل كمجرم ولا كإرهابي ولا كقاتل ولا كسفاح ولا يخجلون منه.. بل ويعتبرونه من أبطال التاريخ الأمريكي وما يعرف بعمالقة الثغور.

يفخرون به رغم أنه يخجل..

أما نحن فنخجل من أبطالنا رغم أنه كان لنا وعلينا أن نفخر بهم..

نحن نسمي الأبطال إرهابيين!!..

*** 

وبدءا من وتزل صار قطع رأس الهندي وسلح فروة رأسه من الرياضات المحببة في أمريكا ، بل إن كثيراً منهم يتباهى بأن ملابسه وأحذيته مصنوعة من جلود الهنود ، وكانت تنظم حفلات خاصة يدعى إليها علية القوم لمشاهدة هذا العمل المثير (سلخ فروة رأس الهندي وهو على قيد الحياة) حتى أن الكولونيل جورج روجرز كلارك في حفلة أقامها لسلخ فروة رأس 16 هندي طلب من الجزارين أن يتمهلوا في الأداء وأن يعطوا كل تفصيل تشريحي حقه لتستمتع الحامية بالمشاهد (راجع اليوميات في Michigan pioneer and historical colloction العدد 9 ، 1886م ، صـ501، 502) وما يزال كلارك إلى الآن رمزاً وطنياً أمريكياً وبطلاً تاريخاً وما يزال من ملهمي القوات الخاصة في الجيش الأمريكي .

ومع تأسيس الجيش الأمريكي أصبح السلخ والتمثيل بالجثث تقليداً مؤسساتيا رسمياً فعند استعراض الجنود أمام وليم هاريسون (الرئيس الأمريكي فيما بعد ) بعد انتصار 1811م على الهنود التمثيل بالضحايا ثم جاء الدور على الزعيم الهندي "تكوميسه" وهنا تزاحم صيادو الهنود والتذكارات على انتهاب ما يستطيعون سلخه من جلد هذه الزعيم الهندي أو فروة رأسه ، ويروى جون سغدن في كتابه عن "تيكوميسه" كيف شرط الجنود المنتشون سلخ جلد الزعيم الهندي من ظهره حتى فخذه .

وكان الرئيس أندره جاكسون الذي تزين صورته ورقة العشرين دولارا من عشاق التمثيل بالجثث وكان يأمر بحساب عدد قتلاه بإحصاء أنوفهم المجدوعة وآذانهم المصلومة ، وقد رعى بنفسه حفلة التمثيل بالجثث لـ 800 هندي يتقدمهم الزعيم "مسكوجى" ، وقام بهذه المذبحة القائد الأمريكي جون شفنغنتون وهو من أعظم أبطال التاريخ الأمريكي وهناك الآن أكثر من مدينة وموقع تاريخي تخليداً لذكره ولشعاره الشهير "اقتلوا الهنود واسلخوا جلودهم ، لا تتركوا صغيراً أو كبيراً ، فالقمل لا يفقس إلا من بيوض القمل " .

*** 

نعم ..

القمل لا يفقس إلا من بيض القمل..!!..

والإرهاب لا ينبع إلا من المسلمين..!!!!..

يكفي أن يكونوا مجرد مسلمين.. وليس يهم ماذا فعلوا وماذا لم يفعلوا..

بل لقد وصل الأمر لحد المهزلة .. ذلك أن فيرينك جيوركساني رئيس الوزراء المجري قد استخدم في 10-2-2005 تعبير "الإرهابيين العرب« أثناء إشادته بفريق بلاده الوطني لكرة القدم لتصديه للفريق السعودي. وكان جيوركساني قد أعلن »أن فريق بلاده قاتل بشجاعة تتحدي الموت ضد الإرهابيين العرب".

تحول الأمر إذن إلى عنصرية بغيضة حقيرة منتنة..

لا..

بل على الأحرى هو منذ البداية كذلك..

لكن لنواصل القراءة في سفر الحضارة الغربية الوحشية الشاذة المجرمة.. في كتاب:" أمريكا والإبادات الجماعية"..

*** 

يقول الجندي الأمريكي " أشبري" أن الأمر قد وصل إلى حد التمثيل بفروج النساء ويتباهى الرجل بكثرة فروج النساء التي تزين قبعته وكان البعض يعلقها على عيدان أمام منزله .

ثم اكتشف أحد صيادي الهنود إمكانية استخدام الجلد المسلوخ عن الأعضاء الذكرية للهنود كأكياس للتبغ ، أكياس فاخرة غير مخيطة من الجانب، ثم تطورت الفكرة المثيرة من هواية فردية للصيادين إلى صناعة رائجة وصار الناس يتهادونه في الأعياد والمناسبات ، ولم تدم هذه الصناعة طويلاً بسبب قلة عدد الهنود حيث وصلوا في عام 1900 إلى ربع مليون فقط (لمزيد من التفاصيل راجع stand hoig في كتاب the sand creek massacars ) .

*** 

أعرف أن النخبة المثقفة المجرمة في بلادنا وعلى رأسهم الحداثيون والعلمانيون والشيوعيون سيحاولون الهرب من المواجهة.. وسوف يدعون أن ذلك حدث في الماضي البعيد.. و أن أول شرط للحداثة هو القطيعة المعرفية.. هو نسيان ما حدث في الماضي..

يطلبون منا –كلاب النار- نسيان ما حدث منذ خمسين عاما من حقائق .. ولا ينسون هم أساطير مزعومة ترجع إلى الوراء أربعين قرنا.

وهذه النخبة المجرمة ليست جاهلة و إنما هي خائنة.. 

وهي لا تتناول الماضي بهذا الاستخفاف إلا لسبب واحد: هو إتاحة الفرصة للصليبيين لكي يواصلوا مذابحهم ضدنا دون مقاومة.. وتلك ليست مهمة النخبة بل وظيفة الطابور الخامس..

وقد يقول أحدهم أن تاريخ الهنود هذا تاريخ قديم.. و أن تيك الجرائم الأمريكية سقطت بالتقادم ولا ينبغي أن نحمل الأجيال التالية وزرها..

ليس حسنا يا كلاب النار يا حطب جهنم..

ليس حسنا وليس صحيحا و أنتم أول من يعلم أنه غير صحيح..

لكن.. فلنتناول إذن تاريخا غير قديم..

وليلاحظ القارئ أن ما حدث هو بعينه الذي يحدث الآن في العراق..

*** 

ففي أربعينات القرن العشرين دخلت اليابان أطلس الشعوب المتوحشة الأمريكي (سوف تسمى بعد ذلك محور الشر) .

ويروى مراسل حربي في مقالة له في atlantic monthly " لقد قتلنا الأسرى بدم بارد، ومحونا المستشفيات من الوجود ، وأغرقنا مراكب الإنقاذ ، وقتلنا المدنيين وعذبناهم ، وأجهزنا على الجرحى وقدناهم إلى حفر جماعية ، وهناك في الهادي سلقنا لحم جماجم أعدائنا (بقصد اليابانيين) لنصنع منها عاديات تذكارية توضع على الطاولات وتهدى إلى الأحباب أو صنعنا من عظامهم سكاكين لفتح الرسائل " .

وقد لاقت هذه الرسائل ترحيباً كبيراً لدى الشعب الأمريكي حتى أن مجلة لايف نشرت في عام 1944 موضوعاً عن الحرب مزيناً بصفحة كاملة لصورة صبية شقراء مبتسمة وهو تقف إلى جانب جمجمة يابانية أرسها إليها خطيبها من الجبهة .

*** 

ألم أقل لكم أن المشكلة ليست في الإدارة الأمريكية بل المشكلة في شعب جله مجرم، مع استثناءات تثبت القاعدة ولا تلغيها..

شعب مجرم نشأ من حرام وارتوي بالدماء، ولن تردعه أبدا إلا الدماء.

*** 

وفي الحرب العالمية الثانية اقترفت الجيوش الأمريكية العديد من جرائم الحرب وضد المدنيين العزل بشكل خاص. فقد شارك الأسطول الجوي الأمريكي عبر ما يسمى بالقصف السجادي، في تدمير العديد من المدن المكتظة بالسكان والتي لا تمثل أي قيمة عسكرية تذكر، وما تدمير مدينتي روتردام في هولندا ودرسدن في ألمانيا سوى نموذج للهمجية الأمريكية، والتي لا تعرف مكانا للقيم في منظوماتها العسكرية. وبلغت هذه الهمجية ذروتها حين تم ضرب مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين - اللتين لا قيمة عسكرية لهما - بالقنبلة النووية، والتي خلفت دمارا شاملا لا يمكن وصفه في صفوف المدنيين العزل إضافة إلى المنشئات والبيئة الطبيعية. وهذا مما يخالف كل قوانين الحرب التي تدعي أمريكا بهتانا اتباعها.

ولقد تبنت القوة الجوية الملكية والقوة الجوية للجيش الأمريكي أسلوب القصف الاستراتيجي والتدمير الواسع للمدن باستعمال القنابل الحارقة، فأمر الجنرال جورج مارشال - رئيس الأركان الأمريكي آنذاك - مساعديه بتخطيط هجمات حارقة على المدن اليابانية الكثيفة السكان، ومن ثم انطلقت 334 طائرة أمريكية لتدمر ما مساحته 16 ميلا مربعا من طوكيو بواسطة إلقاء القنابل الحارقة، مما أدى إلى مقتل 100 ألف شخص وتشريد مليون نسمة، بينما وصلت درجة حرارة الماء في القنوات إلى درجة الغليان وذابت الهياكل المعدنية وتلاشت الأجساد في ألسنة من اللهب. ولم تكن طوكيو وحدها هي التي تعرضت لتلك الهجمات الأمريكية الوحشية، فقد تكرر هذا السيناريو في 64 مدينة يابانية أخرى.. فضلا عن دك هيروشيما وناجازاكي بقنبلتين ذريتين حصدتا عشرات الآلاف من الأرواح، وأهلكتا الزرع والضرع، رغم أن الحرب كانت قد وضعت أوزارها بالفعل !!

*** 

غيروا أسماء المدن والتواريخ لتقرءوا ما حدث في العراق بعد ذلك بستين عاما..

ضعوا اسم بغداد مكان طوكيو.. والفلوجة مكان هيروشيما.. وبعقوبة مكان نجازاكي.. وعام 2004 بدلا من عام 1944..افعلوا ذلك تقرءوا ما حدث في العراق..

نفس المجرم ونفس الادعاءات ونفس الجرائم و إن اختلفت الضحايا..

*** 

في عام 1946 أنشأت الولايات المتحدة في بنما المدرسة الأمريكية المشؤومة – للتعذيب!!- ثم نقلت في عام 1984 إلى فورت بنينغ في جورجيا حيث كان يتم التدريب على الحرب وعلى العمليات البوليسية وقد تعلم فيها أكثر من 60 ألف عسكري وشرطي من أمريكا اللاتينية خلال سنوات عديدة فنون القهر والتعذيب والاغتيال وعمليات الكومندوس ومنهم كومندوس الموت ضد أطفال الشوارع.‏

*** 

هل عرفتم الآن أين تدربت وكيف تدربت وحوش بشرية كزكريا محيي الدين وصلاح نصر وصلاح دسوقي وحمزة البسيوني وحسن طلعت وزكي بدر والنبوي إسماعيل وحسن الألفي و فؤاد علام ..و..و..

وهل عرفت الآن – أنا – إجابة السؤال الذي طالما دوخني وأنا أتابع تفاصيل التعذيب في سجوننا فأهمس لنفسي مروعا مذهولا:

- من الذي علمهم ذلك.. ما يفعلونه مروع ورهيب وليس له أي جذور في الفكر الإسلامي ولا العربي ولا حتى الفرعوني.. ما يفعلونه مروع ورهيب لا يقوم به إلا كافر..

وكانت أمريكا و أوروبا فوق الشكوك كما علمنا أتباع دنلوب و أحفاد كرومر..

الآن أعرف من علمهم..

و أعرف الكفر و أهله و أصله..

أعرف علاقة النسب والدم بين جلادين وطغاة كحكامنا وبين المجرمين الصليبيين واليهود..

*** 

" هيوه مانكه " رئيس قسم المتطوعين الدولية، قال في شهادة له أمام الكونجرس 1971 قد أكد على عزم القوات الأمريكية على إبادة فيتنامي الجبل فقال " إننا سنحل مشكلتهم كما فعلنا مع الهنود " بينما قال " ماكسويل تايلور " وهو يصف الفييتكونغ في شهادة له أمام الكونجرس " إن الفيتناميين ليسوا بأفضل من قمل يغزو جلد الكلب " .

وكانت قناة history التليفزيونية الأمريكية قد عرضت في 3 تموز 1996 شكلاً حديثا من مشاهد السلخ في فيلم وثائقي بعنوان " قيام العنقاء " نرى فيه الجنود الأمريكان في فيتنام وهم يقطعون رؤوس الفييتكونغ ويعرضونها في مهمة أشرفت عليها وكالة الاستخبارات المركزية في أواخر عام 1967 وأطلقت عليها اسم " العنقاء " "operation phoenix" ، وقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن عدد ضحايا عملية العنقاء وحدها وصل إلى 26369 قتيل ، و33358 معتقل ، بينما يؤكد روي بروسترمن " أستاذ القانون في جامعة واشنطن أن عملية العنقاء شملت " فيتنام – والفلبين – والسلفادور " وبلغ عدد ضحايا فيتنام وحدها في الفترة بين 1968 ، 1971 ، ما يزيد عن 40 ألف قتيل وأكثر الضحايا كانوا من المدنيين والمعتقلين جزاء التعذيب .

ويروى "بارتون " أحد ضباط عملية العنقاء في شهادته أمام الكونجرس عام 1973 " كنت أنظر في قضية مشتيه يقول أحد عملائي أنه متعاطف مع الفييتكونغ وكان التحقيق يجرى في مجمع بالتجسس المضاد لفرق المارينز وحين دخلت لمتابعة ما يجري كان الرجل قد فارق الحياة بعد أن دكوا في فتحة أذنه سيخاً حديدياً طوله 6 بوصات اخترق دماغه وقتله .. لقد كانت حرب إبادة منظمة " .

وتصف مجلة country spy في عددها ربيع/ صيف 1975 عملية العنقاء بأنها أكبر برنامج للقتل الجماعي المنظم يشهده العالم منذ معسكرات الموت النازية فتقول " في 16 آذار ، مارس 1968 دخلت مجموعة من الكتيبة 11 إلى قرية ( ماى لاى) فقتلت 347 عجوزاً وامرأة وطفلاً رضيعاً ، ثم أن المشاة أحرقوا البيوت والأكواخ بمن فيهم البشر وهنأ الجنرال "وستمولند" هذه المجموعة لعملها " الممتاز" ، وفي يوم المجزرة نفسه هاجمت مجموعة أخرى من الكتيبة قرية (ماى خه) وفتحت نيرانها على طريقة الكابوي وفي هذه المجزرة تولت مجموعة من صغيرة من الجنود تكويم الجثث " 

وفي اليوم التالي زحفت هذه المجموعة عبر شيه جزيرة "باتنغن" جنوب بحر الصين وراحت تحرق كل قرية تعبرها وتقتل كل ما يدب فيه الروح من الجواميس والخنازير والبط والدجاج والبشر وتدمر المحاصيل ، وقال أحد جنود هذه المجزرة " ما فعلناه هنا ليس استثناء ، لقد فعلناه في كل مكان " وقال آخر " لقد كنا نتسلى " 

كنا نتسلى..

كنا نتسلى..

كنا نتسلى..

كما يتسلون في العراق وكما تتسلى إسرائيل في فلسطين..

*** 

وعن مذبحة ( ماى لاى ) يروي سيمور هيرش الكاتب الأمريكي ( والكلام عن المذبحة مقتبس من كتابيه(my lai – cover up ) يروى أن الطيار هيو تومسون كان يحلق بطائرته الهليوكويتر الصغيرة صباح 16 آذار ، مارس 1968 فوق منطقة ماى لاى ، وما إن اقترب من قرية سونغ ماى حتى رأي الأرض مزروعة بالقتلى والجرحى من دون إشارة تدل على وجود على وجود قوة معادية ، (في المنطقة التي تقع داخل فيتنام الجنوبية الحليفة التي تستضيف الجيش الأمريكي والضحايا كلهم من مواطنيها ) ، وظن الطيار أن أفضل ما يستطيع فعله هو تحديد المكان بالدخان حتى يسرع الجنود على الأرض للنجدة والمساعدة ، وكان أول ما فعل أن حدد مكان فتاه مصابة بطلقات في بطنها ومبطوحة على حافة السياج فيما كان نصفها السفلي فوق حقل الأرز . ولدهشته فإن الجنود أسرعوا إلى الفتاة ليجهزوا عليها لا ليسعفوها ، فقد أفرغوا في رأسها عدة طلقات " . 

ويقول أحد مساعدي تومسون " إن الجثث كانت كالنمل ، كان هناك من سمم مياه الشرب وكان كل من في القرية شرب من هذه المياه المسمومة وسقط صريعاً ، لقد استغرق دفن القتلى أكثر من خمسة أيام " 

وكان جوزيف ستريك قد أجرى لقاءات مطولة مع جنود هذه المذابح لتوثق لعام 1971 ، فقال " فردانو سمبسون : " كانوا يمثلون بالجثث وبكل شئ ، كانوا يشنقونها أو يسلخونها ، وكانوا يستمتعون بذلك ، يستمتعون بكل معنى الكلمة ـ وكانوا يتلذذون بقطع حناجرهم " .

وكانت "النيويورك تايمز" في أواخر نيسان 2001 قد كشفت عن مجزرة لم يكن أحد يذكرها لولا أن بطلها أصبح عضواً في مجلس الشيوخ ، وقد أرتكبها السيناتور " بوب كيري " في شباط فبراير 1969 ، عندما كان ضابطاً بحرياً متطوعاً في حرب فيتنام ونال جزاء بطولتها وسام النجم البرونزي ، ويروى " غيرهارد كلان " أحد الذين شاركوا في هذه المجزرة كيف كان أن السناتور بوب كيري الذي خاض الانتخابات الرئاسية الماضية قادهم في تلك الليلة إلى قرية ثونه فونغ حيث جمعوا 13 امرأة وطفلاً وأطلقوا عليهم النار بدم بارد ، وكيف أنهم بعد سقوط القتلى سمعوا طفلاً يبكى بين الضحايا فعاجلوه بالرصاص الكثيف . وقال إنهم بينما كانوا في طريقهم إلى مكان المجزرة مروراً بكوخ فيه عجوزان وثلاثة أطفال فطعنوهم جميعاً بالسكاكين ثم قطعوا حناجرهم " .

*** 

في فيتنام كما يؤكد الراهب البوذي الفيتنامي ثيتش ثين هاو أن " حرب فيتنام تسببت بحلول منتصف عام 1963 في مقتل 160 ألف شخص، وتعذيب وتشويه 700 ألف شخص، واغتصاب 31 ألف امرأة، كما نزعت أحشاء 3000 شخص وهم أحياء، وأحرق 4000 حتى الموت، ودمر ألف معبد، وهوجمت 46 قرية بالمواد الكيماوية السامة ". 

كما أدى القصف الأمريكي لهانوي وهايفونغ عام 1972 إلى إصابة أكثر من 30 ألف طفل بالصمم الدائم.. وبينما عانى الأمريكيون بعد الحرب من فقد 2497 جنديا (بحسب أحد التقديرات )، كانت العائلات الفيتنامية تكافح للتكيف مع فقد 300 ألف فيتنامي، فضلا عن أن عدد القتلى في فيتنام بلغ 4 ملايين شخص، إلى جانب عدة ملايين آخرين من المعوقين والمصابين بالعمى والصدمات والتشوه، مما حول فيتنام إلى ساحة كبرى للقبور ومبتوري الأعضاء والأرض المسممة واليتامى والأطفال المشوهين. 

*** 

لسنا أمام أزمة عابرة إذن، ولا أمام جنوح عابر أو جنون مؤقت، نحن أمام شعب متوائم مع نفسه متسق مع شخصيته و مبادئه بل ودينه، دينه الشيطاني الذي لا يتبع حتى المسيحية المحرفة.. بل يتبع الشيطان.. نحن أمام أمة مجرمة حتى النخاع. ولعلها تتفوق على أوروبا في الكم فقط، أما في الكيف فلا فرق. أمة مجرمة لن يردعها إلا المواجهة والجهاد.. ولن يمنعها عنا إلا إرهاب عدو الله وعدونا..

وحسبنا هنا أن ننقل ما أوردته جريدة التايمز البريطانية على لسان صحفي بريطاني في وصف ما حدث في العراق عام 1991: " كانت الحرب نووية بكل معنى الكلمة، وجرى تزويد جنود البحرية والأسطول الأمريكي بأسلحة نووية تكتيكية، والأسلحة المطورة أحدثت دمارا يشبه الدمار النووي، حيث استخدمت أمريكا متفجرات وقود الهواء المسماة Blu-82، وهو سلاح زنته 15000 رطل وقادر على إحداث انفجارات ذات دمار نووي حارق لكل شيء في مساحة تبلغ مئات الياردات ". 

كما استخدمت قنابل اليورانيوم المستنفد لأول مرة للتخلص من نفايات المفاعلات والمحطات النووية، حيث أطلقت الدبابات الأمريكية ستة آلاف قذيفة يورانيوم، بينما أطلقت الطائرات عشرات الآلاف من هذه القنابل، لدرجة أن تقريرا سريا لهيئة الطاقة الذرية البريطانية قدر ما خلفته قوات التحالف على أرض العراق بما لا يقل عن أربعين طنا من اليورانيوم المنضب. 

كما أكدت مصادر غربية أن هناك 800 طن من غبار وذرات اليورانيوم المنضب سوف تستمر في الهبوب على شبه الجزيرة العربية لمدى طويل جدا، حيث تم تلويث الهواء والتربة والأنهار بكميات مفزعة من الإشعاع المسبب للسرطان، مما دفع مكتب السكان الأمريكي نفسه لوصف العواقب الوخيمة لذلك على العراقيين بأنه تسبب في انخفاض عمر الرجال العراقيين بمعدل 20 سنة وانخفاض عمر العراقيات بمعدل 11 سنة، فضلا عن نصف مليون حالة وفاة بالقتل الإشعاعي في العاجل والآجل. 

*** 

نذكر ما حدث عام 1991.. أما ما حدث عام 2004 فلا نذكره .. لأن راعية العالم الحر أخفت المعلومات وقتلت المراسلين الذين حاولوا نقل الحقيقة إلى العالم..

*** 

يورد محمد حسنين هيكل في مقال له بعنوان الإمبراطورية على الطريقة الأمريكية - مجلة وجهات نظر- قصة احتلال الفلبين " في سبتمبر 1898 :

استقبل الرئيس الأمريكي " ماكينلى" وفداً من قساوسة جمعية الكنائس التبشيرية الذين فوجئوا به بعد أن انتهت جلسته يقول لهم " عودوا إلى مقاعدكم أيها السادة لأني أريد أن أقص عليكم نبأ وحي سماوي ألهمني ، أريد أن أقول لكم أنني منذ أيام لم أنم الليل بسبب التفكير فيما عسى أن نصنعه يتلك الجزرة البعيدة (الفليبن) ولم تكن لدى أدنى فكرة عما يصح عمله ورحت أذرع غرفة نومي ذهابا وجيئة أدعو الله أن يلهمني الصواب ثم وجدت اليقين يحل في قلبي والضوء يسطع على طريقي ، إن الجزرة جاءتنا من السماء فنحن لم نطلبها ولكنها وصلت إلى أيدينا منة من خالقنا ، ولا يصح أن نردها وحتى إذا حاولنا ردها فلن نعرف لمن ؟ - ولا كيف؟

وقد بدا لي أولاً أنه من زيادة الجبن وقلة الشرف والتخلي على الواجب أن نعيدها إلى أسبانيا ، ومن ناحية ثانية وجدت من سوء التصرف والتبديد أن نعهد بها إلى قوة أوروبية متنافسة على المستعمرات في آسيا مثل فرنسا وألمانيا ، ومن ناحية ثالثة أحسست أنه من غير الملائم أن نترك هذه الجرزة لحماقة وجهل سكان محليين لا يصلحون لتولى المسؤولية ، وكذلك فإن الخيارات المقترحة أمامنا تركزت في حل واحد هو في الواقع لمصلحة الفلبين قبل أي طرف آخر ، وهذا الحل هو ضم الجزر إلى أملاكنا ، بحث نستطيع تعليم سكانها ورفع مستواهم وترقية عقائدهم المسيحية ليكونوا حيث تريد لهم مشيئة الرب أخوة لنا فدتهم تضحية المسيح كم فدتنا! " . 

*** 

تصوروا لو أن حاكما عربيا أو مسلما تحدث عن: نبأ وحي سماوي ألهمه ، بعد أن ظل طول الليل يذرع غرفة نومه ذهابا وجيئة يدعو الله أن يلهمه الصواب ثم وجد اليقين يحل في قلبه والضوء يسطع على طريقه ، إن فلسطين جاءتنا من السماء وهي منة من خالقنا، ووديعة سيدنا عمر، ولا يصح أن نتركها لليهود وحتى إذا حاولنا تركها فلن نعرف ..

تصوروا لو أن حاكما أو عربيا قال مثل ذلك.. ماذا كان يمكن للغرب أن يفعل به..

بل ماذا كان يمكن لكلاب العرب الشرسة التي بثها الغرب فينا من خونته وعملائه العلمانيين والحداثيين والشيوعيين سيفعلون بمثل هذا الحاكم..

هذه الطغمة الفاسدة المجرمة التي تعوي ككلب أجرب كلما ذكر مسلم الإسلام أو القرآن.. وانظروا ماذا فعلت تلك الكلاب البشرية بواحد من أفضل كتاب المغرب و أوسعهم علما و أكثرهم نشاطا هو الأستاذ حسن السرات لمجرد أنه استخدم كلمة غضب الله بدلا من غضب الطبيعة وهو يتحدث عن زلزال تسونامي.. لكننا سنعود بالتفصيل إلى هذه النقطة في جزء تال.

لكنني أذكركم فقط كيف حاصر الغرب السلطان عبد الحميد الثاني واتهمه بالرجعية والتخلف والجمود رغم أن الرجل لم يدع أن هناك وحيا هبط من السماء عليه كما قال " ماكينلى" أو أن الله أمره كما قال القرصان الدموي المجرم جورج بوش..

*** 

دعونا نعود إلى الجرائم الأمريكية:

واشتهرت الوحدات الخامسة للقوات الأمريكية الخاصة (البيريه الخضراء) بعملياتها السرية والمعلنة في فيتنام بين عامي 1968 و1969 ثم في أمريكا الوسطى لاحقا، وسميت عملياتها في فيتنام بـ"مشروع فوينكس"، وفيه كانت تقوم بالكثير من الأعمال العسكرية "القذرة" – على حد وصف بعض مؤرخي الحرب الأمريكية- ومن بينها اغتيال زعماء القرى وحتى بعض الجنود الأمريكيين لضمان تأييد الكونجرس لاستمرار الحرب، وهو المشروع الذي وصفه المحرر العسكري المعروف "باول شيهان" بأنه "كذبة ناصعة"!. 

*** 

والتاريخ يعيد نفسه..

اقرأ عن المذابح الوحشية للأمريكيين تظن أنك تقرأ عن الحروب الصليبية واقرأ عن الحروب الصليبية تظن أنك تقرأ عن مذابح الأمريكيين في التاريخ المعاصر..

ينقل لنا المستشرق غوستاف لوبون هذه الصفحة من تاريخ الحروب الصليبية : "اقترف الصليبيون من الجرائم مالا يصدر عن غير المجانين ، وكان من ضروب اللهو عندهم تقطيع الأطفال إرْباً إرباً وشيّهم ! . لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في بيت المقدس ، وكانت جثث القتلى تحوم في الدم .. وكانت الأيدي والأذرع المبتورة تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها !! وأباد الفرسان الصليبيون الأتقياء جميع سكان القدس من المسلمين واليهود والنصارى .. وكان سلوك الصليبيين غير سلوك الخليفة الكريم عمر بن الخطاب حين وصل القدس منذ بضعة قرون .. ولا يسعنا سوى الاعتراف بأننا لم نجد بين وحوش الفاتحين من يؤاخذ على اقترافه جرائم قتل كتلك التي اقترفت ضد المسلمين".

أما المستشرق روم لاندو فيقول : "مثل هذا الإفناء البشري باسم المسيح كان لا بد له أن يُذهل الإنسانية ، ولقد عجزت القرون المتعاقبة عن محو هذه الوصمة … وإن كَرّ السنين لم يخفف من أعمال اللا تسامح التي قام بها الصليبيون باسم الله"

أمّا كنه هؤلاء" الأتقياء" فيحدّده أسقف عكا (جاك دوفيتري) : " كان لا يُرى منهم في أرض الميعاد غير الزنادقة والملحدين واللصوص والخائنين"..

نعم..

نعم..

كان وما يزال لا يُرى منهم في بلادنا غير الزنادقة والملحدين واللصوص والخائنين"... 

*** 

نعم.. نحن نواجه أمة مجرمة حتى النخاع.. أمة مجرمة عبر تاريخها كله.. ولم تتوقف أبدا عن ممارسة الإرهاب.

ولتقرأ من وكالات الأنباء هذا الخبر.

واشنطن: «الشرق الأوسط»..

سناتور يطالب بالتحقيق في تصريحات مدير أخبار الـ«سي. إن. إن» في منتدى دافوس

قال إن الجيش الأميركي يتعمد استهداف الصحافيين في العراق..

ما يزال الجدل مستمراً حول ما قاله رئيس قسم الأخبار في شبكة الـ«سي إن إن»، ايسون جوردان، في منتدى دافوس الاقتصادي أخيرا. وبحسب التقارير فإن جوردان اعتبر في ندوة عن الديمقراطية والإعلام أن الجيش الأميركي استهدف الصحافيين خلال عملياته في العراق. وقال انه على علم بحوالي 12 صحافيا لم يقتلوا برصاص القوات الأميركية فحسب، بل تم استهدافهم، وذلك تنفيذا لسياسة معينة وقد أيده في ذلك العضو الديمقراطي في مجلس النواب بارني فرانك.

*** 

يورد محمد حسنين هيكل في مقالة "مهمة تفتيش في الضمير الأمريكي في العدد التاسع والأربعون – مجلة وجهات نظر– فبراير 2003م " ، وهنا يم يكن مستغرباً أن تكون مقدمة الظهور الأمريكي مع مطلع القرن العشرين رجالاً من طراز "مورجان " وهو من أسرة اعتمدت ثروتها على في الأصل على جد من كبار القراصنة خبأ كنزه في إحدى جزر البحر الكاريبي ثم ترك لأسرته خريطة تدل على موقعه، وعندما تمكن الورثة من فك الرموز- أصبح الكنز في العصر الحديث أهم أصول واحد من أكبر البنوك الأمريكية)- ونفس الطراز من الرجال تكرر في "جون روكفللر" ( فقد تحصل على غنى أسطورى من إبادة قبائل بأكملها في "فنزويلا" كي يفسح المجال لحقول بترول تأكد له وجودها وصمم على امتلاكها، واستحق أن يوصف بأنه أسال دماء على سطح فنزويلا بأكثر مما استخرج من عمق آبارها نفطا)- ونفس الطراز كذلك تكرر في "فاندربيلت" ( الذي تسابق مع "مورجان" في مشاريع مد السكك الحديدية تربط أمريكا الشمالية بقضبان من الصلب ، تشق طريقها صاعقة نافذة في الجبال مكتسحة لمعظم ما بقى لمواطن الهنود الحمر ، والجيوب المنسية من جماعات المهاجرين .

*** 

ويقول (فرانك براوننغ) في كتابه (الجريمة على الطريقة الأمريكية): منذ سنة 1960م اخذوا في الولايات المتحدة الأمريكية يتحدثون كثيراً عن (سلطة خامسة) هي أحياناً قوية لدرجة الذي السلطات الأربع الأخرى تنحني أمامها.. كان البعض يقصد بها فيها الجيش، والبعض الآخر المخابرات. ولكننا نعتقد بأن ما وراء كافة هذه القوى الاجتماعية، توجد قوة أخرى (سلطة سادسة) قد ظهرت في الولايات المتحدة. قوة قادرة على التأثير في الحكومة، في القانون، في الاقتصاد، في الشرطة، في الأسعار، في الأذواق... إن هذه القوة تغرز جذورها حتى منبت التاريخ الأمريكي، الذي تأثيرها عميق وسيطرتها واسعة، وقدرتها متنامية باستمرار. فأمريكا لا تستطيع اليوم أن تعمل بدونها. إن هذه (السلطة السادسة) هي التي يمارسها عالم محترفي إجرام يعملون في خدمة الصناعيين والسياسيين من غير الشرفاء... أن الأفراد الذين ينتهكون القانون يعرفون من الآن فصاعداً أن باستطاعتهم الاعتماد على حماية (المنظمة) وعلى ضمان أموالها وعلى تعريف كافة مستويات المجتمع للشبهات، هذا التعريف الذي تثبت بواسطته سلطتها. إن (السلطة السادسة) تستعلي على تحالفات الطبقات وعلى الصداقات السياسية التقليدية... إن (السلطة السادسة) تلك الجريمة الممأسسة ليست إذن إفساد القوى الاجتماعية الأخرى وحسب. إنها تؤلف سلطة مستقلة تقاوم السلطات الأخرى في الوقت ذاته الذي تنفذ به إليها مندسة في مستويات الحياة العصرية كافة. ولكل هذه الأسباب لا يمكن لتاريخ الجريمة في الولايات المتحدة إلاّ أن يكون تاريخ الولايات المتحدة الذي تنتشر فيه مغامرات الخارج على القانون، وقاطع الطريق والمتمرد والمبتز.

*** 

نعم..

شعب مجرم و إدارة مجرمة..

يقول منير العكش:

لا عجب إذاً إذا رأينا أن ساسة هذه السلطة يكافئون الضابط البحري الذي أمر بإطلاق صاروخ على الطائرة الإيرانية المدنية ليقتل 298 مدنيا بريئاً، مثلما كوفئ (كولبي) بقتله المدنيين في فيتنام بأعصاب باردة. في إحدى جلسات الاستماع التي عقدتها إحدى لجان الكونجرس الأمريكي في عام 1971م حيث سأله المشرعون الأمريكيون المحبون للمعرفة عن درجة ارتباط الولايات المتحدة بمشروع (فينكس)، قال كولبي الذي استدعوه للإدلاء بأقواله: انه يشارك في المشروع 637 من العسكريين الأمريكيين بالإضافة إلى (المدنيين) أي موظفي وكالة المخابرات المركزية

*** 

أمة مجرمة يغطي إجرامها تاريخها كله.. ماضيها وحاضرها و أغلب الظن مستقبلها أيضا.

وحسب الإحصاءات كان في المعتقلات الأمريكية في منتصف العام 1998 نحو 1.800 مليون سجين و 200 مليون قطعة سلاح ناري، وتعد السجون هي الأمكنة التي يتم فيها أكبر تجاوز لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة ويعامل موظفو السجون المعتقلين معاملة مهينة ، خاصة السود والمهاجرين والنساء ، الذين يتعرضون لكثير من عمليات التعذيب. وتؤكد الدراسة أن السود الذين يمثلون ن 12% من السكان أمريكا يشكلون 42% من المسجونين.

وفي تقرير صدر في سبتمبر 2001 حثت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إدارة الرئيس بوش على التخلي عن سياسة اغتيال الأجانب ، وتجنيد مخبرين من مقترفي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في وكالة المخابرات المركزية.

*** 

أمة مجرمة تريد أن تعلمنا وليس هناك أمة في التاريخ أكثر إجراما وجهلا..

أمة تباهينا – ضمن ما تباهينا – بحقوق المرأة عندها..

فلنقرأ تقريرا دوليا عما يحدث للمرأة داخل المجتمع الأمريكي ننقله بتصرف واختصار كثير عن الأخ أبو معاذ المكي في الساحات:

صدر عن معهد الدراسات الدولية حول المرأة ، ومقره مدريد ، وهو معهد عالمي معترف به ، التقرير السنوي المسمى بـ قاموس المرأة ، وقد جاء فيه:

- في عام 1980م: (1.553000) حالة إجهاض ، 30 % منها لدى نساء لم يتجاوزن العشرين عاماً من أعمارهن ، وقالت الشرطة: إن الرقم الحقيقي ثلاثة أضعاف ذلك. 

- وفي عام 1982 م: 80% من المتزوجات منذ 15 عاماً أصبحن مطلقات . 

- في عام 1995م: 82 ألف جريمة اغتصاب ، 80% منها في محيط الأسرة والأصدقاء ، بينما تقول الشرطة إن الرقم الحقيقي 35 ضعفاً

- 70% من الزوجات يعانين الضرب المبرح ، و4 آلاف يقتلن كل عام ضرباً على أيدي أزواجهن أو من يعيشون معهن. 74% من العجائز الفقراء هم من النساء ، 85% من هؤلاء يعشن وحيدات دون أي معين أو مساعد.

- ومن 1979م إلى 1985م: أجريت عمليات تعقيم جنسي للنساء اللواتي قدمن إلى أمريكا من أمريكا اللاتينية ، والنساء اللاتي أصولهن من الهنود الحمر ، وذلك دون علمهن. 

- ومن عام 1980 إلى عام 1990م: كان بالولايات المتحدة ما يقارب مليون امرأة يعملن في البغاء. وفي عام 1995م: بلغ دخل مؤسسات الدعارة وأجهزتها الإعلامية 2500 مليون دولار. 

- وفي الولايات المتحدة فقط 1400 ملجأ للنساء المضروبات ، أو الهاربات من أزواجهن ، وهن اللاتي لا يجدن ملجأ عند أهل أو أقارب . من 90ـ95% من ضحايا العنف العائلي في أمريكا هم من النساء. •

- ضرب الزوجات في أمريكا : انتشرت عادة ضرب الرجل زوجته في الغرب على المستويات الاجتماعية والثقافية ودون ضوابط ، وتقول الإحصاءات إن في أمريكا كل 15ثانية يضرب أحد الأزواج زوجته ضرباً مبرحاً .. ونشرت مجلة التايمز تحقيقاً حول حوادث الضرب التي تتعرض لها الزوجات الأمريكيات ، فقالت إن من بين 2000 إلى 4000 زوجة تتعرض للضرب الذي يفضي إلى الموت .

- المقتولات في أمريكا من قبل أزواجهن أو أخلائهن : طبقاً لإحصائيات مكتب التحقيقات الفدرالي ، فإن30 % من ضحايا قتل الإناث بالولايات المتحدة الأمريكية في 1990م قد قتلن من قبل أزواجهن أو أخلائهن ، وقد بلغ ذلك تقريبا 3000 امرأة. 

- 80% من الأمريكيات يعتقدن أن الحرية التي حصلت عليها المرأة خلال الثلاثين عاما هي سبب الانحلال والعنف في الوقت الراهن ، 75% يشعرن بالقلق لانهيار القيم والتفسخ العائلي. 

- و80% يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه الزوج والأولاد. و 87% لو عادت عجلة التاريخ للوراء لاعتبرن المطالبة بالمساواة مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة وقاومن اللواتي يرفعن شعاراتها. 

- و42% من الأمريكيات يتعرضن لتحرشات جنسية في أماكن العمل والدراسة والمنتديات والشوارع.

- 6 ملايين امرأة تضرب في بيوتهن دون أن يبلغن الشرطة أو يذهبن إلى المستشفى، عشرات الآلاف دخلن المستشفيات للعلاج من إصابات تتراوح بين كدمات سوداء حول العين وكسور في العظام وحروق وجروح وطعن بالسكين وجروح الطلقات النارية وبين ضربات أخرى بالكراسي والقضبان المحماة . 

- 20% من النساء اللاتي شملتهن الدراسة (دراسة عن النساء المغتصبات في أمريكا) اعترفن أنهن اغتصبن من قبل أصدقائهن. و24 امرأة جرى الاعتداء عليهن نهارا في إحدى حدائق نيويورك . 

- دلت الإحصاءات الحديثة أن ربع طالبات المدارس الثانوية حبالى، وأن البكارة مفقودة البتة ، وفي مدينة (نفز) عاصمة (كولورادو) تبلغ نسبة الحبالى من تلميذات المدارس الثانوية 48%. يقول القاضي لندرس: "إنه يسقط في أمريكا مليون حمل ، على الأقل ، في كل سنة ، ويقتل آلاف الأطفال فور ولادتهم". وفي أمريكا مليون طفل يولدون سنويا من السفاح. 

- 85% من الزيجات في الدول الغربية تنتهي بالطلاق.

- في دراسة باسم (جهنم شخصية) في مجلة تايم الأمريكية بالنسبة للطفل أو المرأة يعتبر البيت أشد خطرا من الشارع والعنف المنزلي يسبب في سقوط ضحايا أكثر مما تسببه الأمراض أو حوادث الطريق . وحسب الإحصائيات الأمريكية: 80% من جرائم القتل هي جرائم عائلية ، و (24،500) جريمة عائلية في عام 1993م ، و 48 % من الجرائم مسرحها البيت .

- في تقرير نشر في أمريكا جاء فيه: إن واحداً من بين كل ستة أطفال في أمريكا يعاني من الفقر. وفي التقرير السنوي لصندوق الدفاع عن الأطفال الأمريكيين والمسمى الكتاب الأخضر: أظهرت إحصاءات الحكومة عن الفقر لعام 1999م أن أكثر من 12 مليوناً من أطفال أمريكا يعيشون تحت خط الفقر على المستوى الاتحادي . 

- يعتقد الخبراء مثل رايان ريني من المركز الوطني لادعاء الاعتداء على الأطفال أنّ عدد وفيات الأطفال سنويًا بسبب القسوة قد يصل إلى (5،000).

- في الولايات المتحدة في عام واحد (5600) طفل دخلوا المستشفى بسبب ضرب أمهاتهم العاملات لهم غالبهم تعرض لعاهات بسب الضرب .

- الأطفال الأمريكيون هم الأكثر عدوانية وانحرافا في سلوكهم يليهم أطفال إسرائيل . وهناك 6 ملايين حالة ضرب شديد من قبل الوالدين في أمريكا ، 3 آلاف منهم يؤدي بهم الضرب إلى الموت . وهناك 12 مليون طفل أمريكي مشرد في ظروف غير صحية . وفي إحصائية أخرى تبين أنه يباع في أمريكا أكثر من (5000) طفل كل سنة . في عام 1990م اتخذ البرلمان الأوربي قراراً يدين الولايات المتحدة على قيام الأمريكيين ، على نطاق واسع ، بشراء الأطفال في الأحياء الفقيرة في هندوراس وغواتيمالا ، لاستخدام أعضائهم لزراعتها في أجسام أخرى.

- كشفت الأبحاث أن 80% من الأمريكيين يعتقدون أن القمار شكل من أشكال التسلية، بينما لا يخجل 60% منهم من المراهنة . وينفق الأمريكيون الآن على القمار 480بليون دولار بعد أن كانوا ينفقون عليه 22 بليون دولار عام 1976م . 

- إدمان الكوكايين في أمريكا أو تجربته : أظهر استطلاع لوزارة الصحة الأمريكية أن مدمني الكوكايين في أمريكا بلغ عام 1985م 5.8 مليون شخص ، بعد أن كانوا 4.3 مليون عام 1983م، وفي الاستطلاع نفسه تبين أن 36.9 مليون أمريكي (أي 19% من حجم السكان) قد جربوا الماريجوانا أو الكوكايين أو مواد أخرى على الأقل مرة واحدة .

- الإنفاق على المخدرات في أمريكا وحدها يفوق إجمالي الإنتاج الوطني لأكثر من 80 بلداً من البلدان النامية كما تنتج شركات الخمور في أمريكا ما قيمته أكثر من 24 ملياراً من الدولارات .

- في تقرير قام بإعداده فريق بحث مقره جامعة جون هبكنز في ميريلاند : Johns Hopkins بـ Maryland بالولايات المتحدة نشرته محطة CNN الإخبارية الأمريكية عن انتشار ظاهرة تجارة الرقيق من النساء 120 ألف امرأة من أوروبا الشرقية (روسيا والدول الفقيرة التي حولها) يتم تهجيرهن إلى أوروبا الغربية و لهذا الغرض الدنيء ، 15 ألف امرأة أو أكثر يتم إرسالهن إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأغلبهن من المكسيك ، بـ 16 ألف دولار تباع المرأة القادمة من دول شرق آسيا بأمريكا ليتم استخدامها بعد ذلك في دور الفواحش والحانات.

- (5200) مدرس أمريكي يتعرض للضرب في الشهر الواحد . وهناك 21 مليون أمريكي لا يستطيع القراءة والكتابة . 270 ألف مسدس يحمله طلاب المدارس المتوسطة والثانوية في الولايات المتحدة .

- من بين كل عشرة أشخاص سبعة يعانون اضطرابات نفسية (من أمريكا). وتحولت 70% من مستشفيات أمريكا إلى مصحات عقلية ونفسية. 

- تقع في الولايات المتحدة الأمريكية 50 ألف جريمة قتل في العام الواحد ، و30 ألف حالة انتحار ، وهذا الرقم الرسمي ، ولكن الرقم الحقيقي غير المسجل أكبر بكثير.

- بلغت حالات الوفاة بمرض الإيدز في أمريكا عام 1994م 25 ألف حالة وفاة . 1 إلى 3 من المصابين لا يمانعون ، بل يقولون أنهم راغبون في نقل جرثومة الإيدز إلى أصدقائهم .

- انتقدت منظمة العفو الدولية النظام القضائي الأمريكي وقالت: إنه يتسم بالعنصرية مشيرة إلى أن احتمالات الإعدام للسود أكبر منها للبيض . 60 مليون زنجي أزيلوا من أفريقيا عن طريق تجارة الرقيق الأمريكية ، 50 مليون توفوا قبل وصولهم إلى أمريكا . وهناك 627 ألف جريمة عنف عنصري في عام واحد 1993م بسبب التفرقة العنصرية مع السود . 

- معدل الانتحار بين الشباب الأمريكي أكثر من معدلات الانتحار في أوربا بعشرين ضعفا ومن اليابان بأربعين ضعفا ، (30000) عدد حوادث الانتحار في العام الواحد . وقد تجاوزت حالات الانتحار عام 1994م 31 ألف حالة 

- في دراسة عينة من الشعب الأمريكي91% من الذين شملتهم الدراسة قالوا أن الكذب أصبح عادة وسلوكاً مألوفاً في حياتهم اليومية ، و20% اعترفوا أنهم ليس في استطاعتهم الصبر عن الكذب ولو يوماً واحداً ، 75% من الأمريكيين يعتقدون أنه لا حرج في الكذب . 

- الأمريكان يقولون: 74% منهم لن يتردد في السرقة متى ما رأى أن الفرصة سانحة ، و 56% منهم يقولون لن أتردد في قيادة السيارة وأنا في حالة سكر ، و 53% يقولون لن أتردد في غش زوجي أو زوجتي ، و 41% يقولون سأستخدم المخدرات للترفيه عن نفسي ، و 31% سأعرض حياة عشيقي أو عشيقتي لخطر الإصابة بالمرض الذي أعاني منه .

*** 

نحن لا نواجه فكر مجموعة شذت عن المجتمع.. و إنما مجتمعا شذ وسار في طريق الشيطان..

يقول محمد جابر الأنصاري:

تصر واشنطن على منح الجنود والمدنيين الأميركيين حصانة دائمة استثنائية من أي ملاحقة قضائية من جانب المحكمة الجنائية الدولية الجديدة, وعليه تتصرف الولايات المتحدة وكأنها فوق القانون والبشر. جنودها يرتكبون جرائم حرب ولا يحاسبون, وغيرهم يحاكمون, وهكذا تتمسك بسياسة ازدواجية تنطوي على إهانة لغيرها من الشعوب. وتمثل عبئاً على آلية العدالة. فمن المعروف انه في الحرب العالمية الثانية, وأمام البربرية النازية, حافظت باريس على تراثها الحضاري ولم تخسر أثرا ولم يهدم فيها متحف أو تمثال, وفي بغداد وقفت القوات الأميركية تشاهد تدمير تراث حضاري وإنساني لا مثيل له, بل الذي الجنود الأميركيين شاركوا في عمليات النهب.

نعم.. ليس فكر مجموعة شذت عن المجتمع.. و إنما مجتمع شذ وسار في طريق الشيطان..

ولقد رأينا ما يفعله هذا المجتمع بأعدائه..

ثم رأينا ما يفعله بنفسه..

ثم أن كل ذلك لم يأت اعتباطا و إنما انبنى على أساس فلسفات نظرية في كتب منشورة.

والمجموعة المجرمة الحاكمة في أمريكا الآن تعود مرجعيتها الفكرية الأساسية إلى ليو شستراوس.. وكما يقول الكاتب المغربي يحيي اليحياوي أن المشروع الفكري الذي بناه ليو شتراوس وترجمه تلامذته علي أرض الواقع، إنما هو مشروع إيديولوجي بامتياز ليس فقط باعتبار نزوعه إلي المطلق في الحكم، ولكن أيضا بحكم طبيعة السياسات المترتبة عنه في الزمن والمكان.

ينبني مشروع ليو شتراوس (المؤسس لتيار المحافظين الجدد) علي فكرتين بديهيتين لكنهما ذوات آثار وتبعات كبري:

ـ فكرة النخبة العالمة والنزيهة، المالكة لسلطان المعرفة والتواقة لبلوغ السلطة بغرض ضمان النفاذ لمعرفتها و إشاعة حكمتها لخير البشرية .

ولما كانت كذلك فهي حتما صاحبة الرؤية وصاحبة التخطيط في الآن معا.

ـ وفكرة مكافحة النسبية الأخلاقية علي اعتبار أن الحقيقة الفلسفية لا تقبل التسويات. وهذه الحقيقة عندما تبلغ مجال السياسة فإنها تلهمها مضامينها وقوامها الأخلاقي الذي تعمل النخبة العالمة علي تصريفه بعدما يكون قد تسني لها صياغته والتنظير له.

وعلي هذا الأساس، يري شتراوس، أن أمريكا بنخبتها العالمة و سيادة الحقيقة من بين ظهرانيها، إنما تملك دعوة أخلاقية كبري باسم فكرة الحرية...لا يصح التنازل عنها في الداخل ولا مع العالم الخارجي ، بل هي مطالبة بضرورة التدخل لتحقيق الفكرة المطلقة والرسالة دون تردد حتى وإن استدعي الأمر تجاوز القانون ودهسه.

يقول شتراوس بهذا الخصوص: إنه لمن السخافة أن نعيق الانسياب الحر للحكمة بالقوانين... يجب أن يكون حكم الحكماء مطلقا، كما أنه من السخافة وبالقدر ذاته أن نعيق الانسياب الحر للحكمة عبر أخذنا بعين الاعتبار رغبات غير الحكماء. لهذا يجب ألا يكون للحكماء العاقلين مسؤوليات علي رعاياهم غير العاقلين .

بالتالي، فهو يري أن الديمقراطية الحقة هي فعل يتعارض مع أحكام الطبيعة، لذا يجب منعه كائنة ما تكن التكاليف علي اعتبار أن القانون الطبيعي (وضمنه الدين) هو شيء سماوي يبرهن علي نفسه بنفسه .

لا يقتصر الأمر، عند شتراوس، عند هذا الحد، بل يتعداه إلي تدوين وصايا كبري أضحت لدي المحافظين الجدد المشعل الذي ينير لهم الطريق:

ـ الأولي وتتعلق، في نظرهم، بتلازم القوة والديمقراطية. فإذا كان شتراوس وتلامذته يقدمون مبدأ العدالة علي الحرية ومبدأ الحرية علي الديمقراطية، فإنهم بالتالي لا يؤمنون بعدالة لا تكون القوة والسلطة قوامها، بل يذهبون لحد إدانة العدالة التي لا توظف القوة في تنفيذ محتوياتها.

ـ الوصية الثانية وتكمن في تلميح شتراوس إلي التراتبية الاجتماعية وفي التقاطها من لدن تلامذته ليحولوها إلي مبدأ في الحكم ومسلك في الحكامة: الرئيس أولا ثم حراسه، ثم أصحاب المهن والحرف ثم، في آخر الترتيب، العبيد والدهماء.

لا تنحصر تداعيات هذه الوصية في معاداتها للعامة من الشعب، بل تذهب لحد عدم اكتراثها بالأغلبية التي من المفروض أن توضع تحت طائلة القانون وتعمل بتوجيه من خاصة القوم أي من نخبته العالمة.

ـ أما الوصية الثالثة فتكمن فيما أسماه ليو شتراوس بـ الكذبة النبيلة . ومفادها أن الكذبة إياها إنما هي أداة من أدوات السياسة الحكيمة...المهمة والضرورية مادامت في خدمة المصلحة الوطنية ...وهو ما لا يسري كما يعتقد شتراوس، علي الزوجة مثلا التي تكذب علي زوجها صيانة لأسرتها، لأن المرأة غير نبيلة بالتالي لا يجب مسامحتها بقدر مسامحة الحكماء المسؤولين .

إن الإدارة الأمريكية تحتقر الديمقراطية عندما تمرر لفكرة شتراوس بأن الإنسان شرير جدا، لذا يجب أن يحكم . بالتالي، وجب استباق سلوكه قبل أن يلجأ إلي اعتماده فيصيب به الآخرين . لقد احتقرت الإدارة الأمريكية الديمقراطية عندما دفعت بـ الكذبة النبيلة عن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، حتى عندما بينت لها التقارير أن لا أثر لذات الأسلحة دفعت بكذبة استجلاب الإرهاب إلي أرض العراق للقضاء عليه ، ولما تبين لها أن الذي يجري بأرض العراق هو عمل مقاومة طلعت بكذبة الزرقاوي وهكذا إلي ما لا نهاية.

بالتالي، فالإيديولوجيا الاستباقية (كما أسس لها شتراوس) إنما تتفيأ إيجاد عدو وهمي تعطي الانطباع بأنها تلاحقه في حين أنها تلاحق سرابا من المستحيل الإمساك به أو توصيفه حتى.(يحيى اليحياوي- القدس العربي-1-2-2005).

يقول جوزيف ليبيرمان (وهو عضو صهيوني بالكونغرس الأمريكي ومن غلاة المحافظين الجدد): يجب أن تكون حربنا علي الإمبراطورية الشيطانية الحديثة، الخلافة الإسلامية المتشددة التي تناهض حرية مواطنيها وتهدد أمن مواطني الدول الأخري .

*** 

ويرى الأستاذ الدكتور محمد العبيدي أن الكذب وشريعة الغاب في سياسة وقوانين الفاشية الأمريكية ، وأن هناك مبدأ يلتزم به المرتبطون بها، ألا وهو رفض فهم الآخرين، حيث يعتبر هذا المبدأ من أهم وسائلهم السياسية، بل هم ينشرون أفكارهم السياسية الهجومية المتشددة وأفعالهم وأكاذيبهم ضد الحكومات التي لا يعتبروها صديقة للولايات المتحدة. وفي نفس الوقت فإنهم يرفضون السماح للآخرين بتقرير مصيرهم وخطهم السياسي لأن ذلك برأيهم ليس خياراً قابلاً للنقاش. فمهما يكن الآخرون، فإنهم مرفوضون من هؤلاء الفاشيين إلا إذا قالوا "نحن معكم"، وهذا بالضبط ما طرحه جورج بوش بكلمته الشهيرة بعد أحداث 11/9 حين خاطب العالم بقوله "أنتم إما معنا أو ضدنا". كذلك، من قمة الإدارة الأمريكية إلى قاعها، يمثل الكذب زبدة السياسة لديهم. ومن خلال سياستهم هذه تراهم يعبرون عن طبيعة الوقائع والحقائق بعبارات السخف والاستهزاء والتهكم والسخرية، وبهذا فإن الأكاذيب بنظرهم هي حقائق والحقائق أكاذيب. وذلك ليس غريباً على أعضاء الإدارة الأمريكية الذين جلهم من اليمين المتطرف الفاشي الذين ينتمون إلى الحركة الفاشية الشتراوسية. فهؤلاء يؤمنون، وفقاً لأيديولوجية تلك الحركة، بالسيطرة مهما كان الثمن، وبسيطرتهم على البيت الأبيض والكونغرس ومؤسسات صنع القرار الأخرى فإنهم ينشرون المبادئ العامة للحركة في كل الكيانات المؤسساتية وفي جميع أنحاء العالم من خلال شبكة معقدة من الملتزمين بالفكر الفاشي الشتراوسي غرضها السيطرة على الحقائق ونشر الأكاذيب. ولكي يبقوا مسيطرين دولياً ومحافظين على تلك السيطرة فإنهم يكذبون ويستمرون بالكذب، بل ويوفرون كل ما يمكنهم من أموال لشراء ذمم من يستطيع أن يدعم كذبهم وسيطرتهم سواء كانوا أشخاص أو حكومات. والكذب هو في صلب تفكيرهم لتحقيق الأهداف وإخفاء الحقيقة عن الشعب لكي يجمعوا القوة من أجل إساءة استخدامها. ولكي تتم السيطرة لهم من خلال الكذب، الذي لا يميز الإدارة الأمريكية الحالية فقط بل هو سمة الوجود الأمريكي منذ بداية تأسيس أمريكا، خاضت أمريكا 190 حرباً منذ عام 1890 بحجة ترسيخ الديمقراطية التي هي سمة ادعاءاتهم الكاذبة. وقد استخدموا كلمة الديمقراطية كمنفذ لتعميم أفكارهم، وكما أشار إليها مؤسس الحركة الصهيوني ليو شتراوس حين قال، " يجب أن نجعل العالم بأجمعه ديمقراطياً ". إلا أن عبارة شتراوس هذه تتناقض من ناحية أخرى مع تصريحه بأن " بعض المجتمعات تستحق القيادة والبعض الآخر يجب أن تقاد، والعدالة تقتضي أن نكون بجانب القوي وأن من يستحق القيادة هم أولئك الذين يؤمنون بعدم وجود الأخلاق والذين وحدهم لهم حق واحد هو حق القوي لحكم الضعيف "، وتلك هي شريعة الغاب بأبسط تعريف لها. وأضاف شتراوس (اليهودي الصهيوني)يقول، " ولأن الجنس البشري بحد ذاته دنئ وحقير، لذا يجب حكمه من سلطة قوية، ولكي تسيطر تلك السلطة، يجب عليها أن تحكم بالقوة من قبل أشخاص متحدين حيث يتحد هؤلاء الأشخاص فقط ضد أناس آخرين ".

ويستطرد الدكتور العبيدي قائلا:

إن الخداع والكذب في السياسة الأمريكية الحالية يأتي بكامله من نظرية ليو شتراوس الفاشية اليمينية المتطرفة التي وضعت أيضاً مقولة " الإيمان بكفاءة الكذب المتعمد في السياسة "، وبهذا فإن جميع من يرتبط باليمين المتطرف هم كذابون ملتزمون بهذه النظرية.

*** 

وثمة ملف هام في هذا الصدد عرف بملف (أطفال الشيطان) أعدته حملة لاروش لانتخابات الرئاسة الأميركية الماضية• تقول الدراسات إن هؤلاء الشستراوسيون لا يهتمون للمنطق الإنساني، ولا يعنيهم أن تكون أكاذيبهم مفضوحة فهم يعتبرون القوة وحدها منطقهم، ويرون في السلام طريقاً نحو الانحطاط، ومشروعهم هو الحرب الدائمة• وقد اختاروا للمواقع القيادية أناساً حسب توصيف ليو شتراوس (لايؤمنون بأية أخلاقيات، حيث يكفي أن يكونوا متفوقين ليمتلكوا حق التسلط على الآخرين) وهم كما تصف الدراسات، يعتقدون بأهمية وجود عدو خارجي فإن لم يكن موجوداً فإنهم يصنّعونه، وهم يبشرون بأنهم دعاة ليبرالية وديمقراطية في الوقت الذي يسعون فيه إلى تعميق الجوانب العدائية والعدوانية في السياسة الخارجية الأميركية.

*** 

الشستراوسية إذن رغم أنها تدعي المطلق إلا أنها انقلاب عليه وليست إلا توزيعا آخر لنفس اللحن الشيطاني الذي بدأه نيتشة الشهير بقوله أن "الله قد مات" (تعالى الله علوا كبيرا.. أستغفرك اللهم).. والذي يعنى أن كل الجوانب الروحية والأخلاقية في حياة الإنسان أصبحت لا ضرورة لها أو أنها مجرد شأن خاص لا علاقة له بحياة الفرد في المجتمع.ومن ثم وصل شستراوس إلى أحد بنود فلسفته عن فكرة إنكار النسبية الأخلاقية، مستندا إلى أن الحقيقة الفلسفية لا تقبل التسويات، وهي عندما تصل إلي السياسة من خلال فلسفتها فإنها تهبها مضامينها وقوامها الأخلاقي الذي تحتضنه النخبة وتسعى لتطبيقه من دون تنازلات أو مفاوضات أو تسويات. ويعني ذلك أن الليبرالية التي تقول بالنسبية والتعددية، هي فلسفة غير أخلاقية لأنها تجزئ الحقيقة أو تعددها، وهي عندما تصل للسياسة تتحول إلى براغماتية منحطة. وقد كانت هذه الفلسفة المنحطة محطة في الطريق المزيف إلى مفاهيم مغلوطة مثل "نهاية الأيديولوجية" و "نهاية التاريخ" والتي تعنى، في واقع الأمر، نهاية الفكر والتنظير بل والمنهج.

*** 

هذا هو الغرب إذن..

هذا هو العدو الذي نواجهه..

هذا هو العدو الذي سيطر على حكامنا وجيوشنا وبوليسنا وصحافتنا وتلفازنا ومفكرينا.. بل وشيوخنا أيضا..

هذا هو العدو فهل نستسلم أم نجاهد؟!

أسأل نفسي و أسألكم يا ناس..

أسأل فيسقط الغطاء عن الجرح العاري..

ويتأخر الجواب وتتلعثم الألسنة فأدرك كم كان الحصار من الحكام والعسكر والأمن والمثقفين ضاريا ومؤثرا وكم نال من الأمة..

سقط الغطاء..

*** 

سقط نفس سقوطه يوم رحت قدرا – لا أقول صدفة- أستمع إلى خطاب أبي لهب، وكان يومها يلمز ياسر عرفات – ولا أملك إلا الدعاء له بالرحمة ( لياسر عرفات وليس لأبي لهب) ، فالرجل و إن بدا كثيرا على تخوم الخيانة وحتى الفسوق أفضل ممن بعده وكان أفضل ممن حوله – وكان أبو لهب يلوم ياسر عرفات، لماذا؟.. لأن ياسر عرفات لم يوافق على التنازل عن القدس لإسرائيل.. والأمر الذي جعل المشكلة غير قابلة للحل.. كما قال أبو لهب لأمريكا.. هو أنه لا يوجد زعيم عربي يجرؤ على المجاهرة أمام شعبه بموافقته على التنازل عن القدس.. وكان مفهوم هذا الكلام الخسيس الخائن.. أن أبا لهب كان يريد من ياسر عرفات أن يبادر هو بتحمل المسئولية وحده، فيتنازل عن القدس.. دون أن يورط الطواغيت العرب في المجاهرة بهذه الفاحشة .. وهي فاحشة لا أظن أحدا يرتكبها إلا من خرج من الملة.

لم يقل أبو لهب لأولياء نعمته في واشنطن وتل أبيب أنه لا يستطيع التنازل عن القدس من أجل عقيدته.. ودينه.. ولا حتى من أجل عروبته.. ولا حتى من أجل الأمن القومي لدولته ومجالها الحيوي ( تقول إسرائيل أن مجالها الحيوي يمتد من جاكرتا إلى طنجة.. لكن الأمن القومي لدولنا لا يتعدى قصر الحاكم..).. لم يقل ذلك.. وإنما قال أنه لا يستطيع مواجهة شعبه .. خوفا لا حياء..

كان التصريح فجا وخسيسا.. وذكرني بجمل هابطة في بعض أفلامنا ومسلسلاتنا التلفازية.. عندما يحاول الداعر غواية فتاة فتتمنع.. لا من أجل تقوى لله.. ولا خوفا من النار.. ولا رغبة في الجنة.. ولا حرصا على الخلق القويم.. ولا حتى لدواعي الكرامة وعزة النفس.. و إنما لأنها تخشى أن يراها الناس!!..

هذه الفتاة زانية و إن لم تزن..

أما أبو لهب فهو أشد سوءا و أكثر خسة..

*** 

لم يقل لنا أبو لهب.. ولم يقل لنا أقرانه الطواغيت إلى أي مدى ينبغي علينا الانسحاب والتراجع والتنازل.

وهل يرضي الصليبيون منا منزلة دون الكفر كله..

هل يرضى عنا اليهود والنصارى إلا أن نتبع ملتهم..

فإن كان القرآن يخبرنا ذلك .. فلماذا يدفعنا أبولهب و أبو جهل خطا وراء خط.. وخندقا خلف خندق.. وانسحابا بعد انسحاب.. 

أإلى الكفر يدفعوننا..

و أنت يا أمة تستجيبين ولا تقاومين..

*** 

ما أقوله ينطبق على الأمة انطباقه على الأفراد..

فلو أن نشالا أو قرصانا أو قاطع طريق خطف حقيبتك من يدك، فهل تسكت على ذلك وتستسلم لما حدث حتى لو كانت الحقيبة فارغة؟.. وماذا لو لم تكن فارغة، بل كانت تحتوى على كَـــــدِّ عمرك وكَـبـــَـدِ أيامك.. 

فهل تسكت؟..

ولو أنه لم يكتف بذلك، فخطف - مع الحقيبة التي تحتوي على الـــكَـــدِّ والــكَــبـَـدِ -امرأتك أيضا.. 

ثم لم يكتف بذلك فخطف أبناءك .. ثم أباك و أمك..

 فهل تسكت..

هل تستطيع أن تسكت؟..

ولو أنه بعد أن فعل ذلك استولى على بيتك وطردك منه بعد أن حول زوجتك إلى محظية و أبناءك إلى عبيد و قتل أبويك..

ولو أنه راح بعد ذلك يعتبر كل محاولة للمقاومة منك إرهابا، وكل محاولة للبحث عن أكثر الأسلحة بدائية كي تواجه بها أعتى الأسلحة تطورا، جرائم تهدد السلم العالمي..

ولو أنه راح بعد ذلك يبيع ممتلكاتك بأبخس الأسعار كي يسدد بها تكاليف عدوانه عليك وخطفه حقيبتك وانتهاك زوجتك واسترقاق أبنائك وقتل أبويك وغصب بيتك، على اعتبار أن ذلك كله كان خدمة كبرى أداها لك وله أن يتقاضى مقابلها بأعلى سعر، بل و أن يغالط في الحساب كما يشاء.

إلا أن الأمر لا يتوقف عند هذا..

فهل تسكت؟!..

هل تستطيع أن تسكت؟..

ذلك أن أي اعتراض منك سوف يفهم منه على الفور أنك تحتاج إلى مزيد من الترويض، و إلى تعليم كي تفهم أن كل ما حدث إنما كان في صالحك، فإن لم تفهم ذلك، و إذا لم تبادر بطلب الصلح فإنك إرهابي. وسيكون العالم أفضل بدونك.

فهل تسكت؟..

وهل تسكت إذا علمت أن هذا الصلح لن يعيد إليك بيتك المغتصب ولن يعوضك عن ضحاياك ولا هو سيعيد إليك بنيك أو امرأتك، ولا حتى حقيبتك، لن يعيد إليك أيا من ذلك، بل إن أول شروط هذا الصلح أن تتعهد بأنك لن تطالب أبدا بأي شئ من ذلك، و أنك تدرك أن ما حدث كان في صالحك، و أنك ممتن..

ثم .. وهذا هو الأهم.. أن تدرك أن السبيل الوحيد لكي يبقيك القرصان على قيد الحياة، هو أن تترك ملتك وتتبع ملته.

*** 

نعم..

هذا هو المطلوب يا ناس..

هذا هو المطلوب..

فهل نسكت؟..

*** 

و إذا كنتم قد استطعتم أن تعيشوا دون أمن ودون كرامة ودون حرية، إن كنتم قد استطعتم أن تبيتوا على الطوى، و أن تمسوا على العطش، وأن تسكنوا المقابر، و أن يحاصركم الفساد والعفن لكي تعيشوا بلا أمل.. فهل تستطيعون الحياة بلا دين..

هل أنتم مستعدون لدفع الثمن..

أن تتبعوا ملة اليهود والنصارى..

هل أنتم مستعدون يا ناس للحياة دون ابن تيمية وابن القيم وابن الجوزي؟..

هل تستطيعون الحياة دون البخاري ومسلم؟..

هل تستطيعون الحياة بغير أبي حنيفة والشافعي ومالك و أحمد..

هل تستطيعون المواصلة بدون أبى بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين؟؟..

هل تستطيعون الحياة دون صلاة الفجر ورواء الروح بها..

هل تستطيعون الحياة دون "آمين" تزلزل الأرض حين تجتمعون في المساجد..

هل تستطيعون؟؟..

هل تستطيعون الصبر على أكاذيبهم الخسيسة الفاجرة عن سيد البشر وخاتم الرسل.. و أنه لم تكن هناك رسالة ولا نبوة و إنما هو – غفرانك اللهم- كذاب كذب على ربه..

هل تستطيعون المضي في هذه الحياة دون الأحاديث النبوية..

هل تستطيعون الاستمرار في هذه الحياة دون القرآن؟..

إن الحيوان الأعجم قد يسلمه خوفه وجبنه إلى الفرار نشدانا للسلامة فيهلك. ولكنه عندما يدافع عمن يحب يبذل حياته راضيا وسعيدا.

*** 

هل تستطيعون يا ناس أن تعيشوا دون الإيمان بالله، إيمان الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، هل تستطيعون الاحتمال لحظة واحدة إذا تجردتم من الشعور بأنكم كأنكم ترونه، فإن لم تكونوا ترونه فإنه يراكم، هل تستطيعون المواصلة دون الأمل في مغفرته ورحمته وجنته ولقائه..

عدوكم يريد أن يجردكم من هذا كله..

عدوكم يريدكم أن تنسوا هذا كله..

عدوكم يريد منكم أن تنكروا القرآن ( لأنه نص بشري كما يقول المرتد – بحكم محكمة – نصر حامد أبو زيد..

عدوكم يريدكم أن تتركوا السنة..

و أن تكذبوا محمدا.. صلى الله على محمد..

عدوكم يريدكم أن تخرجوا من الإسلام..

فهل تستطيعون الاحتمال ثانية واحدة.

*** 

هل تستطيعون؟

هل تستطيعون؟..

هل تستطيعون؟..

فإن لم تكونوا تستطيعون فلماذا استسلمتم ولماذا تستسلمون ولماذا لا تقاتلون؟..

*** 

هل تستطيعون؟..

جيفري لانج يفضل الموت..

وجيفري لانج (أستاذ الرياضيات في جامعة كنساس الأمريكية ) هذا لم تخطف حقيبته، ولا زوجته، ولا أبناؤه ولا أبويه ولا اغتصب منزله، ولا روع ولا اضطهد، ولا هدد بالقتل، لكنه عندما طرح الاختيار على نفسه، وهو المرفه الآمن القوي، عندما طرح على نفسه الاختيار بين الحياة دون إيمان أو الموت.. اختار الموت..

يصف جيفري لانج أول محاولة له للصلاة فيقول:

.."..وانحنيت راكعاً حتى صار ظهري متعامداً مع ساقي ، واضعاً كفي على ركبتي وشعرت بالإحراج ، إذ لم أنحن لأحد في حياتي . ولذلك فقد سررت لأنني وحدي في الغرف. وبينما كنت لا أزال راكعاً ، كررت عبارة سبحان ربي العظيم عدة مرات .ثم اعتدلت واقفاً وأنا أقرأ: سمع الله لمن حمده ، ثم ربنا ولك الحمد.. أحسست بقلبي يخفق بشدة ، وتزايد انفعالي عندما كبّرتُ مرةً أخرى بخضوع ، فقد حان وقت السجود . وتجمدت في مكاني ، بينما كنت أحدق في البقعة التي أمامي ، حيث كان علي أن أهوي إليها على أطرافي الأربعة وأضع وجهي على الأرض . لم أستطع أن أفعل ذلك ! لم أستطع أن أنزل بنفسي إلى الأرض ، لم أستطع أن أذل نفسي بوضع أنفي على الأرض ، شأنَ العبد الذي يتذلل أمام سيده . لقد خيل لي أن ساقي مقيدتان لا تقدران على الانثناء . لقد أحسست بكثير من العار والخزي وتخيلت ضحكات أصدقائي ومعارفي وقهقهاتهم ، وهم يراقبونني وأنا أجعل من نفسي مغفلاً أمامهم . وتخيلتُ كم سأكون مثيراً للشفقة والسخرية بينهم . وكدت أسمعهم يقولون : مسكين جف ، فقد أصابه العرب بمسّ في سان فرانسيسكو ، أليس كذلك ؟

وأخذت أدعو: أرجوك ، أرجوك أعنّي على هذا . أخذت نفساً عميقاً ، وأرغمت نفسي على النزول . الآن صرت على أربعتي ، ثم ترددت لحظات قليلة ، وبعد ذلك ضغطت وجهي على السجادة . أفرغت ذهني من كل الأفكار وتلفظت ثلاث مرات بعبارة سبحان ربي الأعلى . الله أكبر . قلتها ، ورفعت من السجود جالساً على عقبي . وأبقيت ذهني فارغاً ، رافضاً السماح لأي شيء أن يصرف انتباهي . الله أكبر . ووضعت وجهي على الأرض مرة أخرى . وبينما كان أنفي يلامس الأرض ، رحت أكرر عبارة سبحان ربي الأعلى بصورة آلية . فقد كنت مصمماً على إنهاء هذا الأمر مهما كلفني ذلك . الله أكبر . و انتصبت واقفاً ، فيما قلت لنفسي : لا تزال هناك ثلاث جولات أمامي وصارعت عواطفي وكبريائي في ما تبقى لي من الصلاة . لكن الأمر صار أهون في كل شوط . حتى أنني كنت في سكينة شبه كاملة في آخر سجدة . ثم قرأت التشهد في الجلوس الأخير ، وأخيراً سلـَّمتُ عن يميني وشمالي .

وبينما بلغ بي الإعياء مبلغه ، بقيت جالساً على الأرض ، وأخذت أراجع المعركة التي مررت بها . لقد أحسست بالإحراج لأنني عاركت نفسي كل ذلك العراك في سبيل أداء الصلاة إلى آخرها . ودعوت برأس منخفض خجلاً: اغفر لي تكبري وغبائي ، فقد أتيت من مكان بعيد ، ولا يزال أمامي سبيل طويل لأقطعه . وفي تلك اللحظة ، شعرت بشيء لم أجربه من قبل ، ولذلك يصعب علي وصفه بالكلمات . فقد اجتاحتني موجة لا أستطيع أن أصفها إلا بأنها كالبرودة ، وبدا لي أنها تشع من نقطة ما في صدري . وكانت موجة عارمة فوجئت بها في البداية ، حتى أنني أذكر أنني كنت أرتعش . غير أنها كانت أكثر من مجرد شعور جسدي ، فقد أثـّرت في عواطفي بطريقة غريبة أيضاً . لقد بدا كأن الرحمة قد تجسدت في صورة محسوسة وأخذت تغلفني وتتغلغل فيّ . ثم بدأت بالبكاء من غير أن أعرف السبب . فقد أخَذَت الدموع تنهمر على وجهي ، ووجدت نفسي أنتحب بشدة . وكلما ازداد بكائي ، ازداد إحساسي بأن قوة خارقة من اللطف والرحمة تحتضنني . ولم أكن أبكي بدافع من الشعور بالذنب ، رغم أنه يجدر بي ذلك ، ولا بدافع من الخزي أو السرور . لقد بدا كأن سداً قد انفتح مطِلقاً عنانَ مخزونٍ عظيمٍ من الخوف والغضب بداخلي . وبينما أنا أكتب هذه السطور ، لا يسعني إلا أن أتساءل عما لو كانت مغفرة الله عز وجل لا تتضمن مجرد .العفو عن الذنوب ، بل وكذلك الشفاء والسكينة أيضاً ظللت لبعض الوقت جالساً على ركبتي ، منحنياً إلى الأرض ، منتحباً ورأسي بين كفي . وعندما توقفت عن البكاء أخيراً ، كنت قد بلغت الغاية في الإرهاق . فقد كانت تلك التجربة جارفة وغير مألوفة إلى حد لم يسمح لي حينئذ أن أبحث عن تفسيرات عقلانية لها . وقد رأيت حينها أن هذه التجربة أغرب من أن أستطيع إخبار أحد بها. أما أهم ما أدركته في ذلك الوقت : فهو أنني في حاجة ماسة إلى الله ، وإلى.الصلاة وقبل أن أقوم من مكاني ، دعوت بهذا الدعاء الأخير:

"اللهم ، إذا تجرأتُ على الكفر بك مرة أخرى ، فاقتلني قبل ذلك -- خلصني من هذه الحياة . من الصعب جداً أن أحيا بكل ما عندي من النواقص والعيوب ، لكنني لا أستطيع أن أعيش يوماً واحداً آخر وأنا أنكر وجودك "

*** 

أحسها الأجنبي الذي يصلي أول مرة فبماذا تحسون يا من تصلون منذ عشرات الأعوام..

والذي يجرب الإيمان لأول مرة دعى الله أن ينهي حياته إذا قضى عليه أن يفقد هذا الإيمان مرة أخرى..

بماذا تحسون أنتم يا ناس.. بماذا تحسون و أنتم تدركون يوما بعد يوم و ساعة بعد ساعة أن المطلوب منكم يتجاوز حريتكم و أرضكم وشرفكم و عرضكم إلى دينكم ونبيكم وقرآنكم؟..

وليس الأمر أمر هواجس أو ادعاءات فكتبهم المنشورة تعرض ذلك كله دون خفاء أو حياء. 

نعم..

لم يكفوا عن الجهر بذلك.. 

ولم يكف علمانيونا وحداثيونا في نفس الوقت عن التمويه على مخططاتهم حتى لا تدركها الأمة..حتى لا تنهض وتقاوم..

*** 

لقد بدأ العداء الغربي للإسلام منذ ظهور الإسلام وتحريره الشرق والشرقيين من هيمنة الرومان.. وفي هذا المقام يقول الكاتب والقائد الإنجليزي (جلوب باشا) (1897 - 1986) كلمته التي توقظ النيام: "إن تاريخ مشكلة الشرق الأوسط إنما يعود إلى القرن السابع للميلاد!!".

*** 

يقول مراد هوفمان في كتابه ( رحله إلى مكة ) : ( إن الغرب يتسامح مع كل المعتقدات والملل ، حتى مع عبدة الشيطان ، ولكنه لا يظهر أي تسامح مع المسلمين . فكل شيء مسموح إلا أن تكون مسلمًا )

*** 

أما محمد أسد ( ليوبولد فايس) فيسلط الضوء على سبيل النجاة من واقعنا المتردي فيكتب :"ليس لنا للنجاة من عار هذا الانحطاط الذي نحن فيه سوى مخرج واحد ؛ علينا أن نُشعر أنفسنا بهذا العار ، بجعله نصب أعيننا ليل نهار ! وأن نَطعم مرارته … ويجب علينا أن ننفض عن أنفسنا روح الاعتذار الذي هو اسم آخر للانهزام العقلي فينا ، وبدلاً من أن نُخضع الإسلام باستخذاء للمقاييس العقلية الغربية ، يجب أن ننظر إلى الإسلام على أنه المقياس الذي نحكم به على العالم ..

أما الخطوة الثانية فهي أن نعمل بسنة نبينا على وعي وعزيمة..

*** 

ثم يوصينا محمد أسد بهذه الوصية :"يجب على المسلم أن يعيش عالي الرأس ، ويجب عليه أن يتحقّق أنه متميز ، وأن يكون عظيم الفخر لأنه كذلك ، وأن يعلن هذا التميز بشجاعة بدلاً من أن يعتذر عنه !". 

 الإسلام على مفترق الطرق محمد أسد

*** 

نعم..

ذلك هو الطريق الذي رسمه القرآن لنا..

الطريق الذي رسمه الخلفاء الراشدون المهديون..

الطريق الذي وضحه لنا علماؤنا عبر التاريخ..

طريق الجهاد..

طريق " أتيتكم بالذبح" لأعداء الله الذين جاسوا في ديارنا واغتصبوا نساءنا وهتكوا أعراضنا واغتصبوا أموالنا....

طريق الجهاد..

وطريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..

يقول شهيد الإسلام عبد القادر عودة «ومن المتفق عليه بين الفقهاء أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس حقا للأفراد يأتونه إن شاءوا, ويتركونه إن شاءوا وليس مندوبا إليه يحسن بالأفراد إتيانه, وعدم تركه, وإنما هو واجب علي الأفراد, ليس لهم أن يتخلوا عن أدائه, وفرض لا محيص لهم من القيام بأعبائه».

*** 

لعل القارئ يلاحظ كثرة الاستشهادات – خاصة الأجنبية - في هذا المقال.. والحقيقة أنني بهذه الاستشهادات أهدف أمرين: أولهما أن موقفي من الغرب ليس موقفا عنصريا، ,إنما أقول لمن أحسن أنه أحسن ولمن أساء أنه أساء، كاشفا في نفس الوقت أن الحقيقة ليست عصية على من يبحث عنها.أما الهدف الثاني فهو أن أحاول كشف علمانيينا الأشرار الكذبة.. الذين لا يتوقفون عن الكذب أبدا ولا ينتقون من المستشرقين إلا من هاجم الإسلام.. أما من يناصر الإسلام فهم لا يذكرونه أبدا.. وهذا بالتمام ما يفعلونه في مصر. إن خالد محمد خالد لا يذكر إلا بكتاب كفر هو " من هنا نبدأ" أما كتب توبته وعودته إلى الإيمان والصواب فلا تذكر أبدا.. وهكذا دواليك.

إنهم يحتفلون- مثلا- بهجوم الفيلسوف (فولتير) على الإسلام لكنهم لا يذكرون عودته عن هذا الهجوم ، فالأضواء لا تسلط إلا على أقواله الأولى ، أما أقواله الأخيرة فقد طُمست! إذ يعترف فيها بأنه كان ضحية الأفكار السائدة الخاطئة : "لقد هدم محمد الضلال السائد في العالم لبلوغ الحقيقة ، ولكن يبدو أنه يوجد دائماً من يعملون على استبقاء الباطل وحماية الخطأ ! "


*** 

ولقد وجد من المستشرقين أنفسهم من ينحازون للحق والصدق ضد بني جلدتهم، يقول توماس كارليل : "إن أقوال أولئك السفهاء من المستشرقين في محمد ، إنما هي نتائج جيل كفر ، وعصر جحود وإلحاد ، وهي دليل على خبث القلوب وفساد الضمائر، وموت الأرواح"...

وتقوم بيانكا سكارسيا بتحليل عميق لهذه الفئة فتقول : "عمل الاستشراق لصالح الاستعمار بدلاً من إجراء التقارب بين الثقافتين . إن إنشاء هذا العلم لم يكن إلا من أجل تقديم أدوات للاختراق أكثر براعة ، فهناك فعلاً عملية ثقافية مستترة ماكرة ومرائية ، وهذا ما يفسر ريبة المسلمين حيال كل ما يقال عنهم في الغرب"، ويقول برناردشو متأسفاً : "مضت على الغرب القرون وهو يقرأ كتباً ملأى بالأكاذيب على الإسلام".

*** 

هذه الكتب الملأى بالأكاذيب هي ما يراد لها أن تدرس تحت راية التنوير والتطوير..!!..

وهو ما تبنته الحكومات العميلة..

ولقد أتيحت لي الفرصة للاطلاع على مناهج كلية الآداب في مصر..

وكأنهم – كلاب النار – قد اكتشفوا أن الإلحاد هو الحقيقة الوحيدة المطلقة..

ليست هناك من كلمة واحدة تدعو إلى الإيمان..

وليس هناك كلمة واحدة تشكك في إمكانية أن يكون الكفر خطأ.. ولو بالاحتمالات الفلسفية والرياضية..

*** 

لقد كانت مهمة المستشرقين باختصار كما أرادها لهم المبشّر الصهيوني صموئيل زويمر تحويل المسلم إلى لا ديني.. فيقول في محاضرة لتلاميذه المبشرين:

"مهمّتكم أن تُخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله ، وبالتالي فلا صلة تربطه بالأخلاق ، وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الاستعمار .. 

استمروا في أداء رسالتكم فقد أصبحتم بفضل جهادكم المبارك موضع بركات الرب!!".

*** 

تنطلق هذه الزمرة من المستشرقين وكلابهم المحليين من المبدأ الذي يقول : اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدّقك الناس ! وإذا كان الكذب شعاراً فكل شيء متوقع بعد ذلك ..

وهؤلاء المستشرقون وتلاميذهم يصطنعون في بحوثهم – كما يقول الدكتور إبراهيم عوض- سمت العلم والموضوعية والبراهين ، وهذا أخطر ما فيهم ومن خطورتهم التلطف في دس السموم مع التدرج ، وذلك بعد منافقة القارئ بكلمات معسولة كي يَركَن إليهم .

ومن وسائلهم اللعب بالتاريخ ، فيصححون الأخبار الكاذبة ، ويطمسون الأخبار الصحيحة ، ويضخمون الأخطاء الصغرى ، وما أسهل تغيير مجرى التاريخ على قلم المؤرخ الكذوب ! فقد جعل هؤلاء المتعصبون من التاريخ هواية يتم من خلالها التنفيس عن الأهواء والأحقاد الإيديولوجية .

ومن وسائلهم وضع الفكرة مقدَّماً ثم البحث عن أدلة تُعزّزها مهما كانت واهية على أسلوب (محاكم التفتيش) حيث كانت توضع التهمة أولاً ثم تثبت بالشهود الذين ينوب عنهم التعذيب ! وليس هذا الأسلوب غريباً عمن يكون شعاره : "اعتقد أولاً ثم افهم ما اعتقدت !".

 يـقــول محمد أسد " ليوبـولـد فايـس" : "إن أبرز المستشرقين جعلوا من أنفسهم فريسة التحزب غير العلمي في كتاباتهم عن الإسلام ! وإن طريقة الاستقراء والاستنتاج التي يتبعها أكثر المستشرقين تذكرنا بوقائع (دواوين التفتيش) " .

"لا تستطيع أمريكا إلا أن تقف في الصف المعادي للإسلام ، لأنها إن فعلت غير ذلك تنكّرت للغتها وثقافتها ومؤسساتها ! . إن هدف العالم الغربي في الشرق الأوسط هو تدمير الحضارة الإسلامية ، وإن قيام إسرائيل هو جزء من المخطط ، وليس إلا استمراراً للحروب الصليبية "

لم يصرح بالجملة الأخيرة حاخام أو قسيس و إنما يوجين روستو ، رئيس قسم التخطيط بوزارة الخارجية الأمريكية سابقاً . وتؤكد رئيسة وزراء بريطانية السابقة تاتشر هذه المخططات فتقول : "يقف الغرب اليوم مع الشرق الأرثوذكسي والكاثوليكي في خندق واحد لمجابهة العدو ، وهو الإسلام". 

وينفخ المستشرق المعاصر فرانسيس فوكوياما نار الصراع ليزيد من الرُّهاب المرضى الغربي من الإسلام فيقول : " إن هناك عدواً قادماً للحضارة الغربية هو الإسلام … وهذه الإيديولوجية ستصبح النقيض للإيديولوجية الغربية ، وبالتالي لا بد أن ينتصر أحدهما وينهزم الآخر ، لأن العالم لن يستمر في حالة صراع بين العقيدة الغربية والإسلام"! .

وأكد هذه الحقيقة د.مراد هوفمان فكتب ساخراً : "لم يتدخل العالم المتحضر عسكرياً لإنقاذ مسلمي البوسنة ، ولكن انشغل بالمساعدات الإنسانية ! وعمل بجد واجتهاد حتى يضمن للمسلمين أن يُعذَّبوا أو يُغتصبوا أو يموتوا وهم شبعانون ! لقد سمّت وسائل الإعلام الغربية ضحايا البوسنة بالمسلمين ، ولكنها أغفلت تماماً الإشارة إلى ديانة القتلة المعتدين" !. 

ويتساءل وزير الخارجية السوري الأستاذ فاروق الشرع : "لو كان مسلمو البوسنة الذين يتعرضون لعمليات التطهير العرقي والترحيل الجماعي والاغتصاب الوحشي ينتمون إلى عرقٍ ودينٍ آخر هل كانت هذه المذبحة ستستمر؟! إننا لا نستطيع أن نثق بأن الغرب يستهدف فعلاً رفع الظلم عن الإنسان ، وإحقاق حقوقه في كل مكان وزمان .. إن من يخرق الحقوق الأساسية للشعوب ، هم أولئك الذين يرفعون شعار حقوق الإنسان.

هذه الروح المتوحشة انتشرت في أوربا ، ففي فرنسا صدر أمر بابوي بطرد رئيس الكنيسة الكاثوليكية بمدينة(افروه) من أسقفيته لأنه أعلن تأييده للمسلمين في البوسنة والشيشان. 

أما عالم الاجتماع الأمريكي نيكولاس هوفمان فيقول : "لا توجد ديانة أو قومية أو ثقافة كثقافة العرب والمسلمين تتعرض في الولايات المتحدة لمثل هذا التشويه الفظيع". 

ويعترف المستشرق غوستاف لوبون بهذا العداء الكبير : "تراكمت أوهامنا الموروثة ضد الإسلام بتعاقب القرون ، وصارت جزءاً من مزاجنا ، وأضحت طبيعة متأصلة فينا تأصُّلَ حقدِ اليهود على النصارى الخفيّ أحياناً والعميق دائماً". 

وهذا المعنى أكده ليوبولد فايس ( محمد أسد) بقوله : "إن روح الحروب الصليبية ما تزال تتسكع فوق أوربا ، ولا تزال تقف من العالم الإسلامي موقفاً يحمل آثاراً واضحة لذلك الشبح المستميت في القتال". 

و يرسم د. مراد هوفمان صورة دقيقة فيقول: "إذا سبرت غور النفس الأوربية ولو بخدش سطحي صغير ، لوجدت تحت الطبقة اللامعة الرقيقة عداء للإسلام" .

وفي محاولة لرصد من يقف وراء تأجيج هذه الروح العدائية تقول المفكرة الشهيدة الإسبانية (صبورة أوريبة ) : " قد أعلن الدساسون من الغربيين المتلاعبون بالضمائر عداوتهم للإسلام ، لأنه ينزع أقنعتهم ، ويقاوم شعوذتهم الخادعة".

ويقول السيناتور الأمريكي (بول فندلي) : "هناك الكثير من رجال الدين المسيحي في أمريكا يقومون بتشويه صورة الإسلام … وإن الإسلام ليس خطراً على المسيحية أو الحضارة الغربية ، وإن كُتّاباً غير مسلمين هم الذين شوهوا صورته في الغرب".

( جملة اعتراضية: لكن الطابور الخامس من العلمانيين والحداثيين والتغريبيين هم الذين يقومون بالمهمة الآن وليس الكتاب غير المسلمين.. )

أما عالمة الاجتماع المسلمة( ديانا روتنشتو ك) فترى : " أن أهل أوربة في أمسِّ الحاجة إلى الإسلام ، ولكن الوضع السياسي حالياً يشوّه الإسلام".

ويقول كارل بروكلمان: لقد حورب الإســلام كثيراً ومــا زال يُحارب ، ولكـــن النصر دائماً للحق ، وما جاء محمد إلا بالحق والحقيقة. لقد شاع في الفكر الغربي ولدى المتأثرين بتعاليم الكنيسة النصرانية ورواسب الأفكار الشعبية المنحرفة التي روجتها أوروبا عن الإسلام ونبيه وعن المسلمين إبان وبعد الحروب الصليبية، أن الفتوحات الإسلامية قامت على السيف والقهر والتسلط والقسر، ولم تقم على الكلمة الطيبة والدعوة الرفيقة والعقيدة الواضحة، لكن فئة عادلة من مفكري الغرب لم يقتنعوا بهذه الشائعات ورحلوا يتأملون في تلك القدرة العجيبة للمسلمين على نشر دينهم بتلك السرعة المدهشة، وذلك الزحف للدخول الكبير للناس أفواجا في دين الله، فعادوا إلى رسالة النبي (ص) ليجدوا أنها تقوم على الدعوة اللينة لا على القسر الخشن.

ويقف المفكر(لورد هدلي) مندهشا عند معاملة النبي (صلى الله عليه وسلم) للأسرى من المشركين في معركة بدر الكبرى، ملاحظا فيها ذروة الأخلاق السمحة والمعاملة الطيبة الكريمة، ثم يتساءل: "أفلا يدل هذا على أن محمدا لم يكن متصفا بالقسوة ولا متعطشا للدماء؟، كما يقول خصومه، بل كان دائما يعمل على حقن الدماء جهد المستطاع، وقد خضعت له جزيرة العرب من أقصاها، وجاءه وفد نجران اليمنيون بقيادة البطريق، ولم يحاول قط أن يكرههم على اعتناق الإسلام، فلا إكراه في الدين، بل أمنهم على أموالهم وأرواحهم، وأمر بألا يتعرض لهم أحد في معتقداتهم وطقوسهم الدينية".

ويقول الفيلسوف الفرنسي(وولتر): "إن السنن التي أتي بها النبي محمد كانت كلها قاهرة للنفس ومهذبة لها، وجمالها جلب للدين المحمدي غاية الإعجاب ومنتهى الإجلال، ولهذا أسلمت شعوب عديدة من أمم الأرض، حتى زنوج أواسط إفريقيا، وسكان جزر المحيط الهندي".

أما العالم الأمريكي مايكل هارت فهو يرد نجاح النبي (صلى الله عليه وسلم) في نشر دعوته، وسرعة انتشار الإسلام في الأرض، إلى سماحة هذا الدين وعظمة أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام الذي اختاره على رأس مائة شخصية من الشخصيات التي تركت بصماتها بارزة في تاريخ البشرية، ويقول:" إن محمدا هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح مطلقا في المجالين الديني والدنيوي، وأصبح قائدا سياسيا وعسكريا".

ويقول الفيلسوف والكاتب الإنجليزي المعروف برنارد شو:" إن أوروبا الآن ابتدأت تحس بحكمة محمد، وبدأت تعيش دينه، كما أنها ستبرئ العقيدة الإسلامية مما أتهمتها بها من أراجيف رجال أوروبا في العصور الوسطى"، ويضيف قائلا: "ولذلك يمكنني أن أؤكد نبوءتي فأقول :إن بوادر العصر الإسلامي الأوروبي قريبة لا محالة، وإني أعتقد أن رجلا كمحمد لو تسلم زمام الحكم المطلق في العالم بأجمعه اليوم، لتم له النجاح في حكمه، ولقاد العالم إلى الخير، وحل مشاكله على وجه يحقق للعالم كله السلام والسعادة المنشودة".

ويقول المستشرق الفرنسي بارتيملي سانت هيلز في كتابه «خواطر شرقية»: «من العجيب حقاً أن نتطاول اليوم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى دينه والأعجب من ذلك تلك النظرة الحمقاء التي نرى من خلالها المسلمين حيث تناسينا أن العلوم التي نباهي بها العالم اليوم هي نتاج تطور العلوم التي ألفها العرب والمسلمون الذين ساروا على نهج محمد صلى الله عليه وسلم بحرفية دقيقة فأنبتوا لنا نبت الحضارة التي نقطف ثمارها الآن، ومن الشرف والوفاء الأخذ بأيديهم والشعور بالامتنان نحو نبيهم العظيم وأجدادهم المبدعين». ويؤكد هذه الحقيقة المستشرق الفرنسي ديمومبين فروا حيث يقول: «أقام العرب والمسلمون منائر العلوم في مختلف الفروع في أسبانيا وقد استقت أوروبا الأسس التي قامت عليها حضارتها من ذلك الجيل الذي تربى على يد علماء الإسلام ومن هنا انطلقت النهضة الأوروبية في مسارها حتى اليوم».

مصدر الأقوال من كتاب " ربحت محمداً ولم أخسر المسيح " 

*** 

لماذا إذن ونحن نملك هذا المجد كله نشعر بالخزي..

لماذا ولدينا هذه القوة كلها نشعر بالضعف..

لطالما سألت نفسي:

- ثمة يقين لا شك فيه أن ديننا هو الحق، والعيب لا يمكن إلا أن يكون في واحد أو أكثر من ثلاثة: الحكام والنخبة والأمة..

نعم.. الحكام والنخبة والأمة..

فساد الحكام لا شك فيه.. بل إننا نظلم كلمة فساد عندما نستعملها في هذا المجال.. فليس لخستهم حد ولا لخيانتهم حد ولا لإجرامهم حد ولا لفسادهم حد ولا لجشعهم وطمعهم حد.. بل و أكاد أقول:

- ولا لكفرهم حد..

نعم .. يحذرني الخلان دائما من الإسراف في التكفير فأصرخ في وجوههم:

- هل الإسلام إلا كفر بالطاغوت وإيمان بالله؟ ألا تعلمون أن عدم تكفير الكافر كفر بالله تعالى.

ثم أروح أحدث نفسي.. حتى متى نصمت.. إن العلمنة والحداثة والتبشير والتنصيرهي كلها أوجه لعملة واحدة.. أوجه لما أراده المنصر صمويل زويمر.. إخراج المسلمين من الإسلام.. وهم للمرة الأولي بعد محاولات القرون يحققون نجاحات واضحة.. 

نعم..

فهل نستمر على صمتنا حتى ينجحوا في تنصير المسلمين..

في تكفيرهم..

لقد وصل الأمر بهم – لعنهم الله- أن تكفير المسلمين جائز أما تكفير الكفار فدونه خرط القتاد..

وصل الأمر بهم – لعنهم الله- أن وزيرا من عبدة الشيطان قد اتهم المجاهدين الذين تسنموا ذروة سنام الإسلام بالكفر.. ولم يكتف بذلك بل صرح أنه ليس لهم عنده إلا السيف.. ولم يكن على قوله من تثريب.. بينما لو وصفنا شارون أو بوش بالكفر لانقلبت الدنيا علينا..

وصل بهم الأمر لعنهم الله – وهم الذين لا يكفون عن تقديس القضاء ما دام يحكم لصالحهم – أن لعنوا أعلى محكمة مصرية – محكمة النقض- لأنها حكمت على الكافر نصر حامد أبو زيد بالردة.. 

ووصل بهم الأمر لعنهم الله إلى استدراج شيخ من شيوخ الأزهر- عليه من الله ما يستحق - للحكم على حسن الهضيبي وعبد القادر عودة وسيد قطب بالخروج من الإسلام.. ولم يعلق أحد.. و عندما أفتى بعض العلماء بكفر الحاكم الذي يرفض الحكم بما أنزل الله انقلبت الدنيا عليه.

وصل بهم الأمر لعنهم الله إلى الحد الذي أصبح فيه وصف " مفكر إسلامي" لا يكاد يلحق إلا بكافر..

وصل بهم الأمر لعنهم الله إلى الدفاع عن حسن إيمان فرج فودة الذي كتب آخر مقالاته في رثاء كلب له دهمته سيارة.. و كانت آخر كلمة له في آخر ذلك المقال أن ذلك الكلب كان أقرب إليه من حبل الوريد ( اقرأ: من قتل الكلب: أبو إسلام أحمد عبد الله)..

حتى متى نصمت..

حتى ينجحوا في إخراج المسلمين جميعا من الإسلام؟!..

حتى متى نصمت..

إن عدم تكفير الكفار، أوالشك في كفرهم، أوتصحيح مذهبهم من نواقض الإسلام الجلية، إذ ليس بعد الحق إلا الضلال، فمن لم يكفر اليهود والنصارى مثلاً مع الأدلة الكثيرة التي وردت في ذلك فقد كذّب القرآن والسنة وأنكر ما هو معلوم من الدين ضرورة.

يقول الدكتور عبد الله قادري الأهدل إن أمر التكفير خطير، كما أن التساهل الذي يؤدي إلى عدم تكفير الكافر خطير كذلك. والواجب الوقوف عند نصوص الشريعة وقواعدها، دون إفراط أو تفريط، والحكم في ذلك لله وليس لغيره، والمرجع في تكفير الشخص المعين هم لعلماء الذين تفقهوا في دين الله، وتمكنوا من معرفة نصوص القرآن والسنة وفقهوا معانيهما، وتبينوا من واقع الأشخاص الذين يراد الحكم عليهم وظروفهم، ثم التحقق من صحة تنزيل الحكم على كل شخص بعينه. ولا يجوز أن يترك الحكم بتكفير المسلم لمن يدعي العلم وهو منه خلي، ممن لم يتفقهوا على أيدي العلماء الذين أخذوا العلم عن أهله في الكتاب والسنة، وما يخدمهما من علوم الآلة، كأصول الحديث، وعلوم التفسير، وقواعد اللغة العربية، وقواعد الضرورات... وأقوال أهل العلم وأوجه استدلالاتهم من مصادرها الأصلية.

ثم أن الذي نهينا عن تكفيره هو المسلم – بشروطه – لا الكافر.

و إلا فإنه كان على المسلمين أن يصدقوا نابليون عندما قال أنه مسلم.. وأن هتلر قد غير اسمه إلى الحاج محمد هتلر!!

لقد وصل الأمر إلى أن نخبتنا العلمانية الحداثية الكافرة أصبحت تتناول هذا الأمر على سبيل السخرية المكشوفة والتندر فتنقض عرى الإسلام كلها .. فإذا ما واجههم أحد صرخوا:

- هلا شققت عن قلبه؟!..

*** 

ثم أن الفقهاء حين تحدثوا عن الضوابط التي يضعها علماء المسلمين في دولة الإسلام للتكفير قد افترضوا وجود الدولة الإسلامية وعلماء الدين الأحرار الذين لا يرهبهم سيف المعز ولا يغويهم ذهبه.. بل و أظنهم قد افترضوا الطبيعية الرسمية لهيئة العلماء تلك.. 

ثم أنني أظن أولئك الفقهاء لم يتخيلوا أبدا أن يكون حاكم الدولة المسلمة مرتدا وخائنا وعميلا وقد باع أمته ودولته ودينه للكفار لكنه حريص طول الوقت على تسمية الأشياء بغير أسمائها حتى لا يبدو منه ما هو خروج على المعلوم من الدين بالضرورة.. فتراه يسمي الالتزام بالدين تطرفا.. والجهاد إرهابا.. والتوحيد غلوا.. والتفريط تحضرا والكفر حداثة.. ويظل ينخر كالسرطان في جسد المسلمين..

فهل عجز فقهاء الإسلام عن مواجهة مثل ذلك الحاكم..؟!..

أسأل والسؤال ليس تزيدا ولا ترفا..

بل لعله المفتاح الوحيد الباقي لنا للإفلات من مقتلة هائلة للإسلام والمسلمين..

أقول هذا و أنا أعلم أن عظمة هذا الدين قد اقتضت أن من تسمى بالإسلام ولو منافقا كاذبا, حرم دمه وماله وعرضه, وحفظت حقوقه, فكيف بمن ينتسب للإسلام صادقا.

تقتضي عظمة الدين ذلك لكن ما العمل إذا اقتضى أمنه غير ذلك والضرورات تبيح المحظورات.

*** 

لطالما أنحيت باللائمة على الحكام.. وكنت على صواب..

ولطالما اعتذرت عن الأمة وكنت على خطأ..

ثم أدنت الأمة وكنت على صواب..

لكنني أعتقد أن من يستحق الإدانة أكثر من الحكام والأمة هم العلماء.

*** 

الرئيس صدام حسين- فك الله أسره- وبغض النظر عن اختلاف الآراء فيه، ليس أقوى من أمريكا.. ومع ذلك كان قادرا على ضبط الأمن في العراق.. بينما يمرغ المجاهدون أنف أمريكا في الطين والدم كل يوم..

الفارق في القوة بين القرصان المجرم بوش والرئيس الأسير لا يحتاج إلى بيان.. ولكن النتيجة العكسية تعود إلى أنه مع صدام فقد كان هناك عند الأمة شبهة أنه حاكم مسلم و إن عصى.. وكانت هناك دائما شبهة الخروج على حاكم مسلم.. وقد عصمته هذه الشبهة من الخروج عليه.

مع أمريكا حدث ما حدث..

هذا يعني إذن أن العلماء لو اتفقوا على رأي لحرموا الحاكم المرتد من عصمة لا يستحقها.. ولحموا الأمة من ردته وخيانته وجنونه..

*** 

أستعيد الماضي.. أتذكر على سبيل المثال الكافر كمال أتاتورك .. فلو أن العلماء تنبهوا لكفره في الوقت المناسب لحموا الإسلام من جنونه وخيانته وكفره..

لكن تردد العلماء وعدم حسمهم قد مكن للطاغية الكافر من النيل من الإسلام ومن المسلمين ومن عاصمة الخلافة ما نرى وما نعلم..

ولقد وضعت اسم كمال أتاتورك.. ليس على سبيل المثال فقط.. بل إيثارا للسلامة أيضا.. و إن كان يمكن رفع اسم أتاتورك ووضع جل حكام المسلمين مكانه..

تردد العلماء إذن وضعفهم هم ثالثة الأثافي التي يرتكز عليها انهيارنا..

تردد العلماء وعدم حسمهم هو الذي يؤدي إلى تمييع الموقف من الجهاد..

وتردد العلماء وعدم حسمهم هو الذي محا الفرق بين الشيخ والحاخام.. وهو الذي يسقط الأمة بحكامها وعلمائها في الضلال المبين..

أما فقهاء السلطان الذين يدعون ألا جهاد إلا بوجود إمام وراية فليسوا إلا ضالين مضلين.. وقولهم ذلك لا أصل له بإجماع الأئمة وسلف الأمة بل هو قول ظاهر البطلان مصادم للنصوص القطعية والأصول الشرعية والقواعد الفقهية .

*** 

وا حسرتاه وحاخام شيوخنا يستفتى في الجهاد فيفتي بأن أهل العراق أدرى بشعابها طبقا لشعاب سايكس بيكو وحدودها!!- وحين يستفتي في انتخابات العراق يفتي بوجوبها طبقا لحدود بوش- شارون!..

واحسرتاه و أهل الفلوجة يذهبون إلى شيخ الحرم يستصرخونه الدعاء والقنوت من أجل أبطال الفلوجة فيأبي.. ثم يؤمر أن يدمغ المجاهدين بالإرهاب فيرضى..

وا حسرتاه..

*** 

لقد بلغ من تردد العلماء أن عجزوا عبر ما يقرب من قرن من وضع الفتاوى الرادعة التي تمنع التعذيب..

بعض علماء الشيعة أفتى بإهدار دم من يعذب..

أما علماء السنة فوا حسرتاه عليهم ..

*** 

إنني أعلم أن التعذيب مهما بلغت ضراوته، حتى و إن أدي إلى الموت ، إذا تم بجهل أو لمجرد السلوك الحيواني الوحشي الشرس الشاذ المجرم، فهو كبيرة من الكبائر لا تخرج من الملة.

أما أن يكون التعذيب مهما بلغت درجته- لصرف المسلمين عن الإسلام .. أو لمنعهم من الجهاد.. فإن لم يكن الكفر هذا فماذا يكون؟!..

لماذا لم يتصد العلماء للجلادين الكفرة الذين حاربوا الإسلام والمسلمين..

لماذا لم يتصدوا للكفرة الذين قتلوا وعذبوا المجاهدين في مصر وليبيا والسعودية والكويت والمغرب..و..و..و.. لصرفهم عن نصرة الإسلام..

لو أنهم تصدوا منذ البداية لما كانت تلك النهاية..

ولو أنهم تصدوا في مصر لما جرؤ ذلك الأمير المجرم على اتهام المجاهدين بالإرهاب ودمغهم بالكفر وقتلهم على الشبهة..

ولو أنهم تصدوا في بلد ذلك الأمير المجرم لما حدث ما حدث للشهيد الشيخ/ عامر خليف العنزي الذي استشهد تحت وطأة التعذيب أثناء احتجازه لدى الأجهزة الأمنية في الكويت.

في الكويت أيضا يسمم كلاب النار المجاهدين بعقاقير الهلوسة وعقاقير أخرى تسلب إرادتهم فيعترفون ويبوحون.. وعندما يشرفون على الموت بسبب زيادة الجرعة يذهبون بهم إلى المستشفيات ويتخرصون – لعنهم الله – بأن المجاهدين يتعاطون المخدرات.

لا تكف مباحث أمن الشيطان عن الكذب.. ولم يسأل أحدهم نفسه لماذا أخون الله ورسوله.. لماذا أرتد عن الإسلام بقتل رجل لمجرد أن يقول ربي الله.. والأفظع أن يكون من المجاهدين. 

*** 

خلافنا مع كلاب النار من حكام ونخبة و أمن وفقهاء سلطان لم يكن أبدا خلافا في الرؤى، ولا بحثا عن الحقيقة، ولا تصادما بالفكر، و إنما هو التصدي لمجموعة من الخونة والعملاء والجواسيس الذين ينخرون كالسوس في دين الأمة.. أي في وجودها كله..

خلافنا مع أوغاد قذرين في الداخل والخارج.

*** 

والتعبير ليس من عندي و إنما من هانز بليكس كبير مفتشي الأمم المتحدة عن أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة الإدارة الأمريكية الذي في تصريحات لصحيفة الجارديان البريطانية ويوم 12 يناير 2003 " أن الأمريكيين أوغاد قذرون لم يكفوا عن وضع العقبات في طريقي"

ولم يكتف بليكس باستخدام كلمة " قذرون" بل مضي يقول " هناك طغاة في واشنطن ، إنهم أوغاد يروجون للأكاذيب وبالطبع يزرعون أشياء مروعة في وسائل الأعلام " . 


*** 

نعم..

أوغاد قذرون.. 

هناك.. كما هنا.. 

ولقد كان منهم من فضحهم شارون في خطاب أخير بقوله لهم:

- لتضعوا أيديكم في يدي لمحاربة التطرف الإسلامي الذي يستهدفنا جميعا

وكان شارون صادقا.. فعداء أولئك الحكام للإسلام لا يقل عن عداء شارون نفسه له..

لكن إن كان شارون يعتبرهم حلفاء فكيف نرتضيهم ملوكا ورؤساء؟!

*** 

وفي ظل هؤلاء و أولئك فإن أخشى ما أخشاه أن ما أخشاه سيحدث!!..

أخشى ما أخشاه أن الدول الإسلامية كلها لم تدرك بعد – كيف؟ .. لا أدري- أن الحرب ليس مقصودا بها بترول العراق ولا أفيون طالبان ولا قنابل إيران ولا إرهاب السعودية ومصر.. ولا.. ولا.. ولا..

المطلوب هو القضاء على الإسلام وجميع ما يقع في أيديهم أثناء ذلك هي غنائم وجوائز الانتصار.. لكنها لو لم توجد لما نكصوا عن خطتهم للقضاء على الإسلام قيد أنملة..

إنني أسألكم يا ناس: ماذا يمكن أن تقولوا حين تشاهدون إنسانا يصلي إذا لم تكن عندكم فكرة عن الإسلام.. ستقولون أنه يؤدي بعض التمارين الرياضية وستعرضون عليه تمارين ترون أنها أفضل.

أسألكم يا ناس: ماذا يمكن أن تقولوا حين تشاهدون إنسانا يصوم إذا لم تكن عندكم فكرة عن رمضان.. ستظنونها حمية غذائية ستوصون بسواها مع التوصية بكثرة شرب السوائل أثناء الصوم؟!..

أسألكم يا ناس : ماذا يمكن أن تقولوا حين تشاهدون إنسانا يحج إلى بيت الله الحرام إذا لم تكن عندكم فكرة عن الحج.. ماذا ستقولون إلا أنها طقوس وثنية كما قالت الفاسقة المرشحة..

أسألكم يا ناس : ماذا يمكن أن تقولوا حين تشاهدون إنسانا يستشهد في سبيل الله إذا لم تكن عندكم فكرة عن جنة عرضها السماوات والأرض وعن رب يعرف و إله مألوه يؤله و أسماء وصفات تصدق وغيب وكتب ورسل يؤمن بها.. ماذا يمكن أن تقولوا عمن يفعل ذلك إلا أنه إرهابي أو مجنون..

يا ناس.. الصليبيون والصهاينة يروننا كذلك..

رغم أنني لم أفهم أبدا كيف يمكن لمن آمن بالله أن يؤمن به على شريعة موسى وعيسى ثم يكفر به على شريعة سيد المرسلين محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

يقول الكاتب المسيحي الشهير نظمي لوقا في كتابه محمد الرسالة والرسول: " أن التسليم بوجود رسل ونزول وحي يجعل من الصعب التسليم برسالة ورفض الأخرى، والإقرار بظهور رسول ونفي ذلك عن آخر" (ولأنه تحدث عن نبي الإسلام بموضوعية و إجلال في كتابه" محمد الرسالة والرسول" فطرده البابا شنودة شر طردة، وحرم الصلاة عليه في كنائسه، ودارت أرملته الكاتبة صوفي عبد الله على الكنائس دون فائدة: راجع المقال بالغ الأهمية للأستاذ جمال سلطان- مجلة المنار الجديد – شتاء 2005).

و أعجب من ذلك تحالف الصليبيين واليهود رغم ما بينهم من عداوة ضد المسلمين. وهو التحالف الذي يحمل لنا الكاتب المغربي الرصين الموسوعي حسن السرات بعضا من تفاصيله في مقال له بصحيفة التجديد المغربية نقلته لنا مجلة الوحدة الإسلامية بتاريخ 25-1-2005 إذ يقول أن الأمر يعود إلى أكثر من خمسة قرون .. في الأندلس!.. حيث انطلقت أول بعثة مسيحية لاكتشاف قارة أمريكا على يد كريستوف كولومبوس بمشاركة ومساعدة من مسيحيين ذوي أصول يهودية. فقد تعرض المسلمون وأهل ذمتهم من اليهود إلى الإكراه على التنصير، ثم ما لبث اليهود المتنصرون أن نجحوا في تهويد الفضاء الديني المسيحي بأوروبا خاصة بعد أن أصبحوا مستشارين لرجال الكنسية ومعابر لنقل التراث التوراتي وتعاليم اليهودية. ومن أهم ما تم تسريبه ترقب اليهود وانتظارهم للمسيح المنقذ الذي سوف يعود في آخر الزمان وينتهي بعده التاريخ في الألفية السعيدة، وبذلك ''تحقق الإدماج بين المسيح اليهودي العائد لتجديد دولة اليهود بالحديد والنار والمسيح العائد في آخر الزمان للدينونة الكبرى كما عبرت عن ذلك رؤيا يوحنا التي قدمت تحت عنوان ''أبوكاليبس'' أي النهاية المرعبة للعالم''. وترتب على ذلك أسطورة كاذبة تتلخص في أن المسيح لا يمكن أن يعود إلا بعد إرجاع كافة يهود العالم إلى أرض فلسطين، وفي اعتقاد المسيحيين البروتستانتيين أن اليهود الموجودين هم شركاء لا غنى عنهم في الأحداث العظمى المقبلة قبل مجيء المسيح.

من هنا جاء اتحادهم واجتماعهم على الإسلام والمسلمين..

المهم أن هذه الخراف، بل الخنازير الضالة تري في سيد الرسل دعيا على الله وترى أن القرآن من تأليفه، وترى أنه قد آن الأوان ليخرج المسلمون من الإسلام أفواجا.. إن لم يكن بالاقتناع فبالصواريخ والقصف السجادي.

نعم.. ترى تلك الفئة أن القرآن تأليف سيدنا محمد وليس كلام الله رب العالمين..( و أنه إنما أملاه عليه أناس عديدون منهم ورقة بن نوفل ومنهم سلمان الفارسي رضى الله عنه.. وتنشر هذا الكلام الساقط السافل مجلات وجرائد حكومية.. أو ما هو أشد كفرا كالصحف اليسارية) أما الردود البسيطة الساحقة الماحقة كردود الأستاذ الدكتور إبراهيم عوض : إذا كانا أملياه القرآن فقد كان عليهما أن يكونا أول من يكفر برسالته لا أول من يؤمن بها!!.. لكن هذا الكلام لا يجد من ينشره.. ولا نعثر عليه إلا بالجهد الجهيد.

أتباع اليسار والعلمانية والحداثة .. من هم أسوأ من مشركي الجاهلية من نخبتنا التي جعلتها أجهزة الأمن في الصدارة كخليل عبد الكريم- شيخ مشايخ صحيفة الأهالي- وسيد القمني حاخام روز اليوسف جاهزون لتلقي وساخات المستشرقين لكي يقدموها بأسمائهم..

كما يتصدى كاتب كجمال الغيطاني – دفاعا عن الفراعنة – في إنكار قصة خروج بني إسرائيل من مصر!! وهو بهذا لا يدافع عن الفراعنة .. و إنما يدافع عن بني إسرائيل لأنه يكذب القرآن .. والقرآن هو أشد ما أدان بني إسرائيل ويحافظ على مشاعر المسلمين ضدهم..

ولقد تعلموا من تجربة طه حسين في الشعر الجاهلي أن ينطقوا بمضمون الكفر دون لفظه لأنهم يعلمون القيد الصارم الذي يضعه القرآن على تكفير الكافر.. وأنه – على سبيل المثال – إذا ما وجد في كلام الغيطاني تسعة وتسعين بابا للكفر وبابا واحدا للإيمان فإن باب الإيمان هو الذي يعتبر.

والكلام صحيح بالقطع.. لكن في الظروف الطبيعية..

الرياضة البدنية مفيدة جدا.. لكنها لمريض القلب قد تكون قاتلة.. ونحن – أمة المسلمين – مرضى..

(ذكرني بالغيطاني أنه الآن – أثناء كتابة هذا المقال- أمامي الآن على شاشة التلفاز يتحدث عن الكتاب المؤسس الركن: أصل الأنواع لتشالز دارون ويتباكى على الفكر الظلامي الذي أخر طباعته ونشره.. ومطالبته بأن يمنع أساتذة الجامعة الذين لا يؤمنون بها وما على شاكلتها من التدريس.. ولا تعليق سوى الاشمئزاز والقرف.. وتذكيركم بمبرر منحهما الصحف والقنوات التي ينفثون فيها السموم )

- لطالما حذرتكم يا قراء من جمال الغيطاني وصلاح عيسى و المزارع التي يربون فيها العلمانيين والحداثيين كما تربى الخنازير.. ولا تنسوا أنهما حكوميان- ..

نعود إلى الكلاب الجاهزة المتلمظة إلى تحريف القرآن.. فبعد أن فشلت كل خططهم لتحريف القرآن وتصحيفه والتشكيك فيه.. بعد هذا الفشل انتقلوا إلى فشل آخر هو محاولة عزل اللغة العربية كلها – انظر مثلا محاولة حكومي آخر هو شريف الشوباشي- ومحاولة إلغاء الفصحى واستعمال العامية.. لكنهم فشلوا في كل هذا ليقدم لهم الخنازير العرب حلا آخر.. وهو أن حكم النسخ ما يزال قائما وأنه إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد فعله لتغير الظروف الاجتماعية فإن العلماء الذين هم ورثة الأنبياء-!!- من حقهم النسخ الآن.. وتتجاهل الخنازير أن الله هو الذي نسخ وهو الذي أثبت.. وهذا المعنى هو القابع خلف مصطلحات فاجرة كـ:تاريخية النص.. بمعنى أن النص القرآني مرتبط بتاريخ معين.. و أنه لا يلزم إلا من عاشوا في هذا التاريخ.. أما من يعيشون في العصور التالية فليس لهم أن يتبعوه.. وهو طريق يا قراء ملتف جدا.. لأم يدفعهم إليه إلا خوفهم من رد فعل الناس إذا ما قالوا أن سيد البشر وخاتم الرسول – غفرانك اللهم – كذاب و أن القرآن كله موضوع.

هذه الخنازير على دين المستشرقين – وجل المستشرقين جواسيس وموظفون في الهيكل الحكومي الصليبي الاستعماري- أو على الأحرى هم صبيانهم.. وهؤلاء الصبيان ينشرون بين الناس بصورة غير مباشرة أننا ما زلنا نصدق بالقرآن والحديث لمجرد تخلفنا.. و أن " التنوير " هو الذي سيخرجنا من ظلاميته..

وهذا هو التنوير وتلك هي الظلامية لكل من يردد مثل هذه الألفاظ دون أن يدري معناها..

على أن هذه الخنازير الضالة تغالط نفسها حين تصر على إخراج المسلمين من الإسلام بينما تترك الوثنيين يرتعون في وثنيتهم بل وتقدم لهم آيات التبجيل والاحترام.

إنهم يفعلون ذلك لأنهم يدركون أن الوثنية ليست خطيرة عليهم.. أما الإسلام فلو تركوه وشأنه فسوف يكتسحهم اكتساحا.. إذ لا توجد فكرة ولا نظرية ولا فلسفة تصمد له.. لسبب بسيط هو أنه حق بذاته.

إحدى خريجات مدرسة الخنازير كانت وزيرة في مصر وكانت قريبة جدا من رأس السلطة، وقفت في منتدى بدار خديجة بنت خويلد رضي الله عنها – في جدة – تسب الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم وتكفر بالإسلام..

خريجة مدارس الخنازير اسمها ميرفت التلاوي.. كانت تتحدث في ندوة تتبع الأمم المتحدة صباح يوم الأحد 22 شوال / هـ1425الموافق 5 ديسمبر/2004م حيث سخرت هذه المجرمة الآثمة من رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم ومن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه والتقليل من السنة الشريفة والسخرية من شيخ الإسلام ابن تيمية ..

شددت ميرفت التلاوي على أهمية اختراق المجتمع السعودي من الداخل ( راجع كل ما قلناه!!).... حيث ثبت نجاح الاختراق من الداخل مقارنة بالاختراق من الخارج الذي سيرفضه أكثر أي شخص (...).. فسألتها إحدى الحاضرات عن مدى تقبل المجتمع لذلك ، خاصة وأن الإسلاميين وجدوا أنهم متهمين بالعنف والإرهاب .. وكأن في ذلك مؤامرة لهذا الاتهام لأحداث التغيير ! وأجابت الدكتورة مرفت " وبصراحة لا تنقصها الوقاحة " بقولها : الله ابتلاكم في السعودية بجهلة ومتخلفين يتبعون أفكار المتخلف ابن تيمية .. حيث أن أفكاره المتخلفة والجاهلة هي التي نشرت الإرهاب في السعودية .. و مشكلتكم في السعودية تشبه مشكلة مصر عندما سادت أفكار " متخلف هندي " اسمه أبو الأعلى المودودي صاحب الفكر التكفيري ومورده .. حيث بدأ المجتمع يتأثر بهذا الفكر فحاول البعض توعية المجتمع من خلال المقالات والمسرحيات والأفلام ونجحوا بتوعيتهم . ولكن لم تستطع الدولة تجفيف منابع الفكر التي كانت تتم من خلال خطب المساجد والدروس والمحاضرات . والسعودية الآن مبتلاة بفكر المتخلف ابن تيمية ويجب أن تبادروا بتجفيف منابع هذا الفكر الذي سيرجع المجتمع للوراء .. حيث أوقف الاجتهاد والفقه الذي يجب أن يواكب التغيرات .. وعندما تتحدثين مع هؤلاء يقولوا لك : قال أبو هريرة .. وروى أبو هريرة .. 

وقالت بلهجتها : (هو من أده أبو هريرة ؟ وآيه التخلف أده لما راجل ميت من 14 قرن يحكمني وهو في قبره ؟ أده تخلف لما أعطل عقلي وأسيب الراجل الميت يحكمني بعقلية عمرها14 قرن وما أعطي المجال لأي تقدم وتطور واستمر في التخلف )!

ونكتفي بهذا الموضوع مستندا إلى الكاتب اللامع بالساحات العربية " أبولجين"..

*** 

نعم.. يصرون (الأساتذة وصبيانهم) على إخراج المسلمين من الإسلام.. لكن مبشرهم الأكبر صمويل زويمر يعزيهم عن فشل خطتهم في تنصير المسلمين بقوله أن هدفهم كان إخراج المسلمين من الإسلام فقط.. و أنهم قد حققوا نجاحا باهرا في ذلك.. أما الدخول في المسيحية فشرف لا يستحقه من كانوا ذات يوم مسلمين..

نعم..

يصرون على ذلك..

فإن عجزوا عن بلوغه بالتطوير والتنوير والإصلاح والعلمنة والحداثة – لا التحديث- فسوف يفعلونه بالصواريخ والنابالم والغزو العسكري بتهمة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل..

*** 

لم يسأل الحداثيون والعلمانيون أنفسهم عن المدى المسموح لنا به كي لا نتهم بالإرهاب..

هل مسموح لنا مثلا بتطوير قواتنا للدفاع هن أنفسنا.. لمجرد الدفاع.. ليس للدفاع المتكافئ.. بل لمجرد إشعار العدو أنه حين يقتلنا سنصيبه بجرح..

هل هذا هو المسموح لنا به في إطار الدفاع عن أنفسنا؟..

هل مسموح لنا مثلا أن نواجه 200 قنبلة نووية عند إسرائيل بقنبلة نووية واحدة؟..

فلنقلع عن ذكر السلاح النووي لأنه يثير غضب الشياطين في واشنطن وتل أبيب..

فهل مسموح لنا بقليل من السلاح الكيماوي والجرثومي.. ولو عشر معشار ما لدي إسرائيل؟..

بل هل المسموح للعرب والمسلمين أن يسلحوا جيوشهم دون عمولات هائلة لأسلحة يراعى فيها أنها لا تصلح أبدا لمواجهة إسرائيل ( دعنا من المواثيق الغليظة في عقود الشراء بألا تستعمل هذه الأسلحة ضد إسرائيل.. فهي منذ البداية لا تصلح).. و إنما تصلح لمواجهة الشعوب الغاضبة أو للحروب بين الدول الإسلامية وبعضها البعض..

أتصور.. أن الدول الإسلامية لو قررت إعلان الحياد السلبي.. وتسريح الجيوش.. لكان هذا سببا للغزو العسكري الأمريكي لإعادة تلك الجيوش..فهم من ناحية لا يستغنون عن المكاسب الاقتصادية الهائلة التي يجنونها من تسليح تلك الجيوش.. ومن الناحية الأخرى لا يستغنون عن خدماتها لمواجهة الشعوب وللحروب العنترية التي يشعلون أوارها بين الدول الإسلامية..

ولاحظوا أن جيش مصر و جيش الأردن وجيش سوريا – وليس جيش إسرائيل – هي التي تحمي حدود إسرائيل!!.. و أن الضغط الواقع على سوريا الآن بسبب اتهام جيشها أنه لا يقوم بواجبه كما يجب.. واجبه في حماية الأمريكيين!!..

دعنا من الجيوش..

هل مسموح لنا – حقا وفعلا- بإقامة حكم ديموقراطي صحيح.. 

هل المسموح لمن يحوزون ثقة الشارع أن يصلوا إلى الحكم..

ألم يكن أبو لهب هو الذي حذركم من أن الانتخابات غير المزورة ستحمل الإسلاميين إلى الحكم..‍‍..

هل المسموح لنا به أن نحترم ونطبق مواثيق حقوق الإنسان فعلا..

هل مسموح لنا بالإفراج عن المعتقلين دون أحكام قضائية ( ودعنا الآن من تساؤل آخر عما إذا كان مسموحا لنا بقضاء حقيقي وليس بمجرد قلم يتبع البوليس اسمه النيابة وقلم يتبع النيابة اسمه القضاء)..

هل مسموح لنا بالتوقف عن تعذيبهم وقتلهم وتلفيق التهم لهم؟‍!..

ألا تعرف المخابرات الغربية تفاصيل التعذيب..

بل من علم كلاب صيدنا فنون التعذيب إلا خنازيرهم ومعاهدهم وعلى رأسه معهد فورت بنينغ..

من علم الكلاب فنون الكذب والتشويه إلا الخنازير..

في سبق صحافي غير منكور تمكن المرصد الإعلامي الإسلامي من لقاء " الدوسري" المطلوب الأول في الكويت ليكشف أكاذيب مباحث أمن الشيطان ونيابة أمن الشيطان وقاضي أمن الشيطان، وليعطى المثل والنموذج لما يحدث في البلاد العربية الأخرى( تذكروا أن أجهزة أمن الشيطان تلك قد اتهمت الإسلاميين في مصر أنهم يريدون قتل المطربات.. وفي السعودية قتل الحجاج.. وفي الكويت قتل المدنيين).. وكانت كلها أكاذيب.. وما يحدث في الكويت لم يكن إرهابا و إنما كان جهادا..

ولنفهم.. أن الإرهاب ليس ممنوعا.. الجهاد هو الممنوع..

والدليل أن أمريكا وصبيانها من رؤساء و ملوك و أمراء هم الذين يمارسون الإرهاب ولا تثريب عليهم!!

ولقد كشف الدوسري أن الشهيد عامر العنزي- الذي قتله كلاب أمن الدولة الكويتيون ..رحمه الله - ورفاقه كانوا ينوون الذهاب للعراق ولكن السلطات وبأمر من أمريكا قتلتهم.. ووصف الدوسري ما نشره ضباط أمن الدولة و إعلام أمن الدولة بأنها مزاعم وادعاءات باطلة ، و أنه لا يوجد شيء اسمه خلية أسود الجزيرة في الكويت

كان الدوسري كما يقول بيان المرصد الإسلامي قد اعتقل في المغرب من قبل الأجهزة الأمنية لمدة أكثر من شهرين لوجوده أثناء تفجيرات الرباط التي استهدفت كنيسا يهوديا ومرافق سياحية، وتعرض خلالها لتعذيب جسدي ونفسي وأفرج عنه لعدم ثبوت شيء ضده . وقد ذكر أنه تعرض للتعذيب في المغرب خلال فترة اعتقاله من تاريخ 11/6/2002 إلى 19/8/2002 تمثلت الوسائل في الضرب والجلد والحرق بأعقاب السجائر والحرمان من الطعام والنوم والإضاءة العالية وتكرار الضرب على الرأس ووضع صافرة في الزنزانة وشرب سائل يؤثر على الدماغ والسب والشتم والإهانة والإجبار على تقبيل أرجل المحققين والابتزاز والمساومة والإجبار على الإدلاء بمعلومات كاذبة مثل الانتماء لأمن القاعدة واللقاء بمسؤول مخابرات عراقية ومسؤول في حماس. وأكد أنهم طلبوا منه أن يصرح بوجود علاقة بين القاعدة والنظام العراقي مقابل الإفراج عنه. الدوسري يرفض الاحتلال الأمريكي ككل عربي ومسلم غيور ويدعو إلى خروج الاحتلال من العراق لذا اتهموه بأنه يمول ويجهز كل شاب يريد الذهاب إلى العراق للمشاركة في القتال ضد قوات الاحتلال(...) و خالد عبد الله الدوسري عمره 32 سنة وهو يكشف ما حدث لعامر العنزي – رحمه الله – فيقول:

" الشيخ عامر العنزي رحمة الله عليه واسكنه فسيح جناته رجل ورع ودمث الأخلاق وطالب علم متمكن ومحبوب ، معرفتي به بدأت منذ أن تم اعتقاله في 2003 من قبل جهاز أمن الدولة حيث قاموا بتعذيبه من دون تهمة سوى انهم يبحثون عن شخص مطلوب !! إيصال وبعد خروجه من المعتقل زرته في بيته وأخبرني انه تعرض لانتهاكات صارخة في جهاز أمن الدولة ، واتفقت معه على ضرورة أن نعمل من أجل وقف هذه التجاوزات عبر توصيل الشكاوى وأصوات المظلومين إلى المسئولين ، وكان يعتقد انهم – أي السلطات - لا يعلمون شيئاً عما يحصل في دهاليز معتقل أمن الدولة . وبالفعل بدأنا الاتصال بالمسئولين في الدولة وتحدثنا عبر وسطاء عن هذه التجاوزات الخطيرة التي تحدث في داخل أقبية جهاز أمن الدولة . . وبعد فترة من الزمن ومن المحاولات . . وفي نهاية المطاف اقتنعنا بأن ما يحدث من انتهاكات بحقوق الإنسان في الكويت تحدث بعلم ومباركة الحكومة وأعني هنا صباح الأحمد حيث انه هو المسئول عن هذه التجاوزات خصوصاً انه يحتقر شريحة وقطاع كبير من الشعب وهم أبناء القبائل . . كما أنه معروف عنه كرهه لمظاهر الإسلام والتدين وكل ما هو إنسان محافظ ، وهذا الشيء يعرفه الشارع الكويتي (...) 

ويواصل الشيخ خالد الدوسري حديثه عن عامر العنزي:

" لقد خدعه وخانه عذبي الصباح فقد كان يقول لعامر دع الشباب يسلمون أنفسهم وسوف يذهبون إلى النيابة مباشرة، وهذا ما حدث أيضاً عند مداهمة المكان الذي اعتقل فيه ، ولكن المفاجأة انه قام بتصفية البدون والسعوديين لاعتقاده أنهم لقطاء وليس لهم أحد يثأر لهم ! .أضيف هنا أنه قبل حوالي خمسة أيام من مداهمة مكان عامر اتصل بي عامر وقال لي أنه رأى رؤية وجد أن كلاباً تنبح وتذهب وتعود . . (...) وقاموا باقتحامه والشباب لم يقاوموا لأن عذبي الصباح عبر مكبرات الصوت أعطاهم آمان كاذب . . وعامر وثق به لذا لم يقاوم ومن معه لأنهم وثقوا وصدقوا عذبي الصباح وأعلن عامر استسلامه والشباب فما كان من عذبي والقوة المرافقة وبمجرد أن خرج الشباب وألقوا سلاحهم انهالت عليهم اللكمات والركلات من كل حدب وصوب . . (...) عامر - رحمه الله - ورفاقه كانوا ينوون الذهاب للعراق ولكن السلطات وبأمر من أمريكا قتلتهم .(...) هم لا يريدون أي شخص يغرد خارج سربهم ، فالنظام اتخذ قراراً مصيرياً يتعلق بحياة شعوب المنطقة ولم يعر هذه الشعوب أي احترام لإرادتها، فهو قد فتح الطريق لجيوش الاحتلال لتحتل المنطقة، ومن يعارض هذا النظام يكون مصيره السجن أو القتل . . وأقول لهم إن الأيام دول، وستكنسون مع فلول الجيوش المنهزمة إلى مزبلة التاريخ .(...).. وكذلك هناك محتل عابر للمحيطات يقبع في أرضنا مدجج بشتى وأحدث أنواع الأسلحة وله حصانة في الدستور الكويتي كحصانة الأمير حيث أن الجندي الأمريكي يفعل ما يشاء في البلد ولا يحق لك الاعتراض، فأصبحت البلد ولاية أمريكية ولم تعد ذات سيادة (...) وجلاوزة التعذيب في جهاز أمن الدولة يستخدمون جميع الوسائل والأساليب الدنيئة لكسر إرادة المعتقل فهم يجبرونهم على تعاطي مواد وشرب سائل يؤثر على الدماغ من أجل سلب إراداتهم كما يحدث للمعتقلين في جوانتناموا وكما حدث لي شخصياً عندما اعتقلت في المغرب حيث أجبرت شرب سائل يؤثر على الدماغ ، فهم يسممونهم ويقتلونهم ويدعون انهم كانوا يتعاطون مؤثرات عقلية قبل اعتقالهم!!..أسلوب جديد قديم وهذا الأسلوب مرتبط باللواء عبد الله الفارس - وكيل وزارة الداخلية لشئون أمن الدولة – فهو أول من استخدمه في منتصف التسعينيات مع المعتقلين الإسلاميين . . وقد ذكر لي الأخ / مطر المطيري - رحمة الله عليه وقد كنت زرته بالسجن قبل أن تعدمه السلطات الكويتية - أن عبد الله الفارس كان يرغمه على استنشاق مادة دخانية حتى يهذي ويتكلم من غير شعور حتى يهلوس بالكلام وليحصل على اعترافات نتيجة ذلك .. فها هم يعيدون الكرة . . وحسبنا الله ونعم الوكيل . (...) لا يوجد شيء اسمه خلية أسود الجزيرة . . وهذه التسمية من فبركة جهاز أمن الدولة ، وهؤلاء الشباب قرروا الخروج للجهاد في سبيل الله في العراق وعلمت السلطات بنواياهم فأرادوا اعتقالهم والآن تقوم السلطات بتصفيتهم جسدياً لأنه لو تم تقديمهم للقضاء لا توجد أدلة ضدهم .(...).. العراق بلد مسلم جريح محتل من قبل جيوش عابرة للمحيطات لتسرق خيراته وتقتل شعبه ، وموقفي من هذا واضح وهو وجوب إخراج الغزاة وطردهم من العراق وجزيرة العرب.

*** 

مرة أخرى.. ما هو المسموح به لنا كمسلمين ..

لن أتكلم أنا.. ولن أستشهد بواحد من الإسلاميين ( أستعمل المصطلح مضطرا.. وصحته المسلمين وليس الإسلاميين.. لكنني أقصد بالإسلاميين من يطالبون بالحكم بما أنزل الله.. و أخشى أن أقول المسلمين فأضطر إلى ما يبدو أنه تكفير للآخرين).. أستشهد بكاتب قومي موضوعي متزن : تبدو الكلمات غريبة.. فكيف يكون القومي موضوعيا.. وكيف يكون موضوعيا دون أن يكتشف أن القومية كانت جزءا من المؤامرة الكبرى على المسلمين.. وقد شجعتها بريطانيا بالجامعة العربية.. و أمريكا أيضا.. وكيف يدعي البعض أنهم قوميون مسلمون.. والأمر لا يصح إلا إذا صح أن هناك مسلم كاثوليكي!!..

يقول الكاتب محمد عبد الحكيم دياب بصحيفة القدس العربي:19-2-2005 عن المطلوب أمريكيا من المنطقة:

" فبضاعتهم المراد تسويقها للمنطقة هي الديمقراطية، بمعناها الأمريكي، وتقوم علي عدة ركائز، الأولي: القبول بالدولة الصهيونية، كدولة طبيعية في المنطقة، والتخلي بالكامل عن كل طموح عربي أو إسلامي لتفكيك نظام التمييز العنصري (الأبارتايد) الصهيوني وتحرير فلسطين، وهذا المخطط يقوم علي ضرورة تحمل المنطقة مسؤولية حماية الدولة الصهيونية وضمان أمنها. والثاني: هو الحفاظ علي مصالح أمريكا، وتمكينها من مصادر الطاقة، كأحد أدواتها في معركتها المتوقعة مع القوي الدولية الكبرى الصاعدة، مثل الصين والاتحاد الأوربي، والثالث: تصفية الثقافة العربية والإسلامية، باعتبارها ثقافة مفرخة للإرهاب، وهي في حقيقتها معادية لمخطط المحافظين الجدد ، واستخدام كل الوسائل الممكنة في ذلك، مثل التطهير العرقي كما هو جار علي الساحة الفلسطينية، وضد جماعات المقاومة المسلحة، وطنية وقومية وإسلامية، والغزو والاحتلال المباشر، كما حدث في أفغانستان والعراق، وكما هو متوقع للسودان وإيران وسورية والسعودية ومصر، وبتزكية النعرات العرقية والمذهبية، وتفتيت المنطقة، وفق خريطة عرقية ومذهبية، وإفقار اقتصادي، وإضعاف عسكري، وتجهيل تاريخي وثقافي، وعودة فرق التبشير ومدارس الإرساليات، وهيمنة التعليم الأجنبي، وتغيير مناهج التعليم الديني والوطني والقومي، ونشر الانحلال والإباحية والعري في أجهزة الإعلام العامة والخاصة."..

ويواصل محمد عبد الحكيم دياب قوله:

"وجمال مبارك لا يرفض خدمة هذه التوجهات، ووالده لا يمانع من تبنيها، وإذا ما نظرنا إلي تفاقم مشكلة الحريات وزيادة مستوي الاستبداد الذي أصبح لا يحتمل.."

*** 

هذا هو المطلوب إذن على لسان كاتب قومي لا إسلامي..

ومن المؤكد أن المطلوب أكثر مما قال..

وبعد أن نحيي موضوعيته دعونا نواصل التساؤل ما هو المسموح به لنا كمسلمين..

هل مسموح لنا بالإعلام الحر..؟..

هل قلت لنا؟!..

بل هل مسموح لهم؟!.. للأمريكيين أنفسهم..؟!.. هل مسموح لهم بالإعلام الحر؟؟!!..

لقد أرغموا مدير الأخبار في شبكة CNN التلفزيونية للأنباء "إيسن جوردان" على الاستقالة بسبب اعترافه في منتدى دافوس السويسري بقيام الجيش الأميركي بقتل 12 صحفيا بالعراق كما كشف النقاب عن قيام القوات الأميركية بإيقاف مراسل لقناة الجزيرة بالعراق ثم احتجازه بسجن أبو غريب وإجباره على أكل حذائه، مشيرا إلى أن هذه القوات قامت بالتهكم على المراسل والسخرية منه أثناء اعتقاله بمناداته بـ"صبي الجزيرة ".

وذكرت المصادر الصحيفة الأمريكية أن جوردان قال أثناء مناقشة بعنوان "هل تنجو الديمقراطية من الإعلام؟" إنه ليس على علم بمقتل 12 صحفيا على يد القوات الأميركية في العراق فحسب، بل أكد أن استهدافهم كان سياسة متعمدة.

إن تدمير مكاتب الجزيرة في أفغانستان والعراق غنية عن إعادة السرد..

فهل مسموح لنا بالإعلام الحر حقا؟!..

يقول الإذاعي العربي الأشهر والأذكى الدكتور فيصل القاسم أن الغرب يفرض على إعلامنا أن يقوم بمهمة تفكيك المجتمعات العربية .. ويصرخ فيصل القاسم في صحيفة الشرق القطرية:

" إنه الإعلام وليس أي إعلام بل الإعلام الترفيهي التجهيلي الهابط المعتمد على إثارة الغرائز ومسح العقول وتغييب الوعي خاصة وأن المهمة أمامه شاقة للغاية وتحديداً في البلدان التي حملت مشعل الإسلام الأصولي. فليس من السهل تحويل اتجاه المتزمتين دينياً باتجاه العولمة إلا بفضائيات رخيصة تنتشر كالفطر البري في السموات العربية وتغزو عقولهم وقلوبهم بما لذ وطاب من أغان ومسلسلات محلية ومدبلجة وغانيات كاسيات عاريات وراقصات ومطربات ماجنات واحتكارات فنية شيطانية"..

ثم يواصل فيصل القاسم نزيفه:

"إن ما يحصل في هذه الكباريهات التي يقولون إنها محطّات فضائية يسيء إلينا للغاية حين يتمّ تفسير هذه الممارسات الساقطة على أنها أحد أشكال التحرّر؛ وهكذا، يسقط المواطن العادي في شرك الخلط بين التحرّر والتحلّل؛ بين الفجور والسفور؛ بين هيفاء وهبي وهدى شعراوي؛ وبين هذا المتمول التليفزيوني والمصلحين والمفكرين. إن أبسط قواعد التحرّر، وفق أبسط المعايير، تعني احترام الإنسان، جسداً وروحاً، رجلاً وامرأة، طفلاً وكبيراً.".. 

دعنا الآن من أنني لا أعرف هيفاء وهبي.. لكن أغلب الظن أنها كاعتماد خورشيد ونانسي عجرم( أعرف اسميهما لا رسميهما!!).. دعنا أيضا من أن فيصل القاسم لم يدرك رغم ذكائه أن هدى شعراوي هي الوجه الآخر لهيفاء وهبي.. بل كانت هي التي مهدت الطريق إليها.. ( إحدى داعيات تحرير المرأة اكتشفت الحقيقة فجأة.. حقيقة أن الأمر لم يكن تحرير المرأة بل تعهير المرأة.. أدركت المرأة ذلك فصرخت: يا إلهي.. هل ظللنا مائة عام – منذ قاسم أمين – نناضل لكي نخلع ثيابنا ونتعرى.. بضع دقائق فقط كانت تكفينا!!).. أقول دعنا من كل ذلك ولنتساءل مع الإذاعي والإعلامي الأشهر فيصل القاسم: هل مسموح لنا بإعلام لا يفكك الأمة وينشر بينها الفحشاء والتحلل والشذوذ والعهر؟!..

هل مسموح لنا بذلك؟

*** 

دعنا من الإعلام الحر..

هل مسموح لنا بتعليم حر..

تعليم نعرف فيه عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قدر ما نعرف عن نابليون أو واشنطن؟.

هل مسموح لنا أن نعلم ونتعلم التاريخ الحقيقي غير المزيف..

هل.. وهل.. وهل.. وهل..

*** 

باختصار المطلوب والمستهدف هو القضاء على الإسلام كله..

ولكن هذا لا يكفي.. فلابد إذن من تمزيق الدول وشرذمة الأمة حتى لا تعود أبدا كما كانت.. 

ولقد أغرى الخنازير سقوط القاهرة والرياض وبغداد ودمشق، وليس لدي أي قدرة على الخداع، لذلك أقر و أعترف أن ما سقط حديثا كان ساقطا منذ البداية، وأن هذه العواصم الأربعة بالذات قد سقطت منذ بدايات القرن العشرين، ويمكن للمراقب الحصيف أن يلاحظ أن حركتها طول القرن الماضي كانت تجاه العلمانية والكفر .. وكان ذلك في اتجاه إسرائيل حتى قبل أن تولد إسرائيل.

ثورة الشريف حسين كانت ولاء للطاغوت وبراء من الله وكانت اقترابا من إسرائيل..

تكوين المملكة السعودية كانت كذلك وكانت اقترابا..

حزب الوفد المصري كان كذلك وكان اقترابا..

القومية كانت اقترابا والناصرية والبعث كانت سقوطا داويا مهد لكل ما جاء بعده ( خلاصة الناصرية وبقاياها السامة تتركز الآن في القذافي ووليد جنبلاط، وخلاصة البعث وبقاياه في بشار الأسد).

[ القارئ أحمد عبد الله.. قارئ مثقف دمث يواظب على مهاتفتي طيلة سنوات لخص الأمر بعد قراءات طويلة ومعاناة هائلة بقوله: خلاصة الأمر أن عبد الناصر باع الدين، والسادات باع الدولة، ومبارك باع الشعب، وقد باع كل واحد منهم ما باع، لمجرد استمرار حكمه]..

نعم.. سقطت الرؤوس..

بعد سقوط الرؤوس أصبح الأمر أمام أمريكا سهلا..

تماما كما حدث عند تدمير الطيران المصري عام 67..

أصبح الأمر بعدها تحصيل حاصل..

و أصبحت القوات فريسة لكل ما يريدون أن يفعلوه بها..

و هكذا تظن أمريكا الآن أن الأمور قد دانت لها وأنه لم يبق إلا التمشيط!!..

ما تعمي عنه أبصار وبصائر الأمريكيين أن الإسلام أصلب من أن يكسر.. و أن المسلمين أكثر من أن يبادوا .. و أنه لو بقي على ظهر الأرض مسلم واحد فسيظل واثقا أن الله سيجدد شباب الإسلام على يديه و أنه في النهاية سيقضي على أمريكا.

ما تعمى عنه أبصار وبصائر الأمريكيين أن الحضارة الأمريكية بثقافة: منجم الذهب وقطع رأس الهندي و "السوبرمان". بينما تشبعت حضارة الإسلام بقول النبي الكريم ((الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار)) وقوله ((اِذهبوا فأنتم الطلقاء)) و ((من تواضع لله رفعه الله)).

ما تعمى عنه أبصار وبصائر الأمريكيين أن أخطر ما يواجه الولايات المتحدة هو إفلاسها الأخلاقي على المستوى الدولي في ظل وبسبب سياستها الخارجية غير الحكيمة. وهو البعد الأساسي الذي قد يساعد على سقوط الإمبراطورية الأمريكية.

*** 

في وضع كهذا لن يردع أمريكا عن محاولة القضاء على الإسلام رادع.. إلا الجهاد..

الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام.. الجهاد الذي يقتل كل معتد أينما ثقفناه..

قال لي صديق:

- ليتك تركز على الجهاد السلمي الآن وتنبذ العنف..

ورددت عليه في مرارة:

- أأنبذ ذروة سنام الإسلام..

ثم رددت ساخرا:

- ومع ذلك لا أخفيك أنني كنت أفضل عدم الجهاد كله.. لا سلما ولا حربا.. كنت أتمني أن يضل اليهود في بلادهم فلا يتجمعوا من أصقاع الأرض ليسرقوا بلادي.. وكنت أتمنى أن تظل أمريكا في بلادها فلا تحتل بلادي.. ساعتها لم أكن لأجاهدهم جهادا سلميا أو عسكريا.. لكنهم جاءوا.. فما حيلتي..

ثم واصلت:

- ثم ماذا لو لم ينجح الجهاد السلمي.. وهو بالقطع لن ينجح..هل نستسلم؟؟..

ثم قلت إزاء ذهول الصديق:

- طريق بن لادن هو الطريق.. وحله هو الحل.. ليس اختيارا بل إجبارا..

ورحت أتلو على الصديق قوله تعالى:

) كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ( (216) البقرة.

*** 

نعم..

طريق بن لادن هو الطريق.. وحله هو الحل.. ليس اختيارا بل إجبارا..

.. ولقد قالها واحد لا أكاد أعرف عنه شيئا هو عبد الستار قاسم .. مرشّح انتخابات الرئاسة الفلسطينية .. الذي اعترف أخيراً – كما اعترف محمد عبد الحكيم دياب!!- وانسحب من الترشيح قائلاً:

ابن لادن هو الحل !!!

وواصل قوله:

لسان أعمال أمريكا يقول للعرب: ابن لادن أو منهجه هو الحل. من تجربتي في الانتخابات الرئاسية الفلسطينية، ترسخت لدي قناعة سابقة بأن الولايات المتحدة لن تترك أحدا في العالم وشأنه، وهي تصر على التدخل في مختلف الأمور بهدف خدمة مصالحها ورؤيتها لما يجب أن تكون عليه أوضاع العالم. إنها تتدخل في الانتخابات الفلسطينية مباشرة وبصورة غير مباشرة بهدف الوصول بالسيد محمود عباس إلى رئاسة السلطة الفلسطينية. لقد تدخلت بداية بتقديم معونة سريعة بمقدار 20 مليون دولار للسلطة الفلسطينية عقب تسلم عباس رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، ووعدت بتقديم المزيد من المساعدات المالية إذا قرر الشعب الفلسطيني أن ينتخب شريكا لإسرائيل في المفاوضات(...).. أمريكا تريد ديمقراطية مفصلة حسب مقاييسها هي بغض النظر عن مصالح الشعوب. إنها تعتبر نفسها صاحبة الحقيقة المطلقة، ولا حقيقة سوى الحقيقة التي ترى هي أنها الحقيقة(...) بمنهجها الاستبدادي العدواني هذا، أمريكا تزرع بذور كراهيتها وتنمي الأحقاد ضدها(...) لقد داست على كبرياء الأمة ونهبت ثرواتها وأمعنت في إذلالها حتى ظهر ابن لادن لينتقم، وليكسب قلوب مئات الملايين من العرب والمسلمين الذين يريدون رؤية البيت الأبيض ملفلفا بالسواد، وبأمريكا أياما عصيبة يرتعش الحزن من آلامها. لقد أيقنت أن ابن لادن لم يتصرف إلا بعد أن أدمت أمريكا قلبه وقلوب مؤيديه بأعمالها الإجرامية الدموية البغيضة. وأمريكا ما زالت تصر على نهجها الذي لا يدع مجالا أمام العرب إلا الالتفاف حول ابن لادن أو السير على نهجه. إنها تدفع الناس دفعا نحو السير خلف ابن لادن وانتهاج نهجه في الدفاع عن الأمة والانتقام. إنها لا تترك حلا أمام الناس إلا ابن لادن.

*** 

نهج ابن لادن لا يستقطب فقط المسلمين الذين يدافعون عن الدين وإنما يستقطب كل الذين يشعرون بالظلم والسطوة الأمريكية الصهيونية على العرب والمسلمين.

*** 

نعم .. لم تترك أمريكا لنا خيارا..

إنها تتصرف كقرصان دموي مجرم.. وكانت آخر آيات إجرامها – كما تقول قناة الجزيرة ومفكرة الإسلام) أن بدأت حملة من خلال تلفزيون وإذاعة باكستان، للإعلان عن مكافآت بملايين الدولارات لمن يدلي بمعلومات تقود إلى القبض على أسامة بن لادن وزعماء آخرين في تنظيم القاعدة. وتظهر في الإعلان التلفزيوني ـ ومدته 30 ثانية ويذاع باللغات الأوردية والباشتو والبلوش والسندية ـ صور لابن لادن وساعده الأيمن أيمن الظواهري اللذين رصد مبلغ 25 مليون دولار مكافأة للقبض على أي منهما أو قتله، و12 آخرين منهم الملا محمد عمر زعيم حركة طالبان الأفغانية.

قلت لنفسي.. أنني أعرض أنا الآخر مكافأة مني.. دراهم معدودة لمن يقتل قرصانا دمويا مجرما آكلا للحوم البشر..

 أما اسمه فهو جورج بوش..

جورج بوش.. الذي يدفع الأمة كلها إلى إدراك أن بن لادن هو الحل.. ولا طريق غير طريقه..


**** 

*** 

*** 

*** 

حاشية


رفيق الحريري


عليه رحمة الله ورضوانه..

القاتل هو ذلك الذئب الأمريكي الشرس القابع في المنطقة الخضراء.. نغروبونتي.. 

ليس ثمة شك في ذلك..

أما وليد جنبلاط الذي يطالب بتدخل دولي.. فلا نملك إلا أن نقول: رحم الله أروى صالح إن جازت عليها الرحمة.. القومية التي اكتشفت أن مآل كل القوميين أنهم في النهاية سيجلسون على حجر إسرائيل .. وهالتها فظاعة الاكتشاف فانتحرت.. أما وليد جنبلاط.. فعلى حجر إسرائيل.. ونغروبونتي معا!!..

لست أدافع عن نظام سوريا بالطبع، ورأيي في القوميين غير خاف، ولكنني أحاول بكل ما أستطيع أن أمنع المزيد من التشرذم والسقوط في براثن الغرب الصليبي الصهيوني.. 

وفي محاولاتي تلك أصاب بخيبات أمل كثيرة..

أصاب بخيبة أمل في القوميين مثلا- ليس أغرب من خيبة أملي إلا أملى!!- عندما يتخلون عن الموقف الوحيد الذي أعطاهم – عند من لم يفهم الأمر- قبولا عند الناس.. وهذا الموقف هو ما ظنناه عداء لأمريكا و إسرائيل.

أصاب بخيبة أمل في المسيحيين العرب.. أو في عدد كبير منهم على الأقل.. 

و أنا واحد من الناس أعترف بأنني أعتبر أن الدين هو الهوية والجنسية والوطن.. لكنني أيضا أعرف أمرين: أن الواجب ألا يخون الناس عقد المواطنة.. خاصة عند الشدة.. أما الأمر الثاني فهو يتعلق بحقيقة أظن أن المسيحيين العرب ليسوا غافلين عنها.. وهي أن رعاة المسيحية الصهيونية في الواقع ليسوا أتباع أي دين.. وأنهم ملحدون وكفرة خرجوا حتى عن إطار الديانة المحرفة.

أصاب أيضا بخيبة أمل في الشيخ حسن نصر الله.. وفي السيستاني.. وفي إيران.. وفي سوريا..

أصاب بخيبة الأمل في نجاح كل المؤامرات..

و أدرك أن ما يجمع ما بين هذه المؤامرات.. ويوظفها جميعا.. هو سفير الشيطان القابع في بغداد.. نغروبونتي.. قاتل رفيق الحريري!!.. وهو الـ FBI والـ CIA وأجهزة الحكم الخائنة العميلة .. بمعاونة أمنها ومثقفيها.. 

*** 

في ربع القرن الماضي تقدم الشيعة – بالجهاد- كثيرا إلى الأمام.. لكنهم في العام الأخير قد تقهقروا أضعاف ما تقدموه.

كنت قد تعلقت بأمل يبدو أنه مستحيل.. وهو أن الإسلام الجهادي الذي رفعت الثورة الإيرانية راياته سوف يصهر الخلافات ويعيد توحيد المسلمين. ولكي أكون واضحا دون أن أغرق في المستنقع فإنني لا أكفر الشيعة، و إن كانت لي اعتراضات محددة وقاطعة في أمور عقدية ليس مجال ذكرها الآن، لكنني كنت أرى أن هذا الخلاف رغم أنه عميق جدا لكنه أقرب ما يكون إلى الخلاف النظري، فالواقع، أنه بعد مائتي عام من الحكومات العميلة والنخبة المثقفة المستغربة الخائنة الكافرة ، فإن الغالبية العظمى من المسلمين لا تحسن مجرد الوضوء، فما بالك بالخلافات العقدية التي تنحصر في بضع مئات من العلماء هنا وهناك، بينما مئات الملايين في الجانبين متشابهون في جهلهم بالدين، بل إن التاريخ الإسلامي يحفل بخلافات وصلت إلى سفك الدماء بين أتباع المذاهب الأربعة المشهورة للسنة.. 

بل لقد كنت أتمني ألا يكون بعض علماء الشيعة المنحرفين لا يمثلون عموم الشيعة بأكثر مما يمثل شيخ الأزهر السنة!!( ذلك لا يلغي الحكم بالكفر على من يسب سيدنا أبو بكر رضي الله عنه على وجه الخصوص وبفسوق من يسب الصحابة).

أقول كنت قد تعلقت بالأمل المستحيل، كما أن انتصارات حزب الله في جنوب لبنان كانت تلهب الحماس..

ولكن..

و ما أمرّ : "ولكن"..

انقلب الوجه الإسلامي لهذا وذاك لنفاجأ بإيران التي تفضل الأمريكيين على طالبان.. والتي تمن على الأمريكيين أنه لولا مواقفها لما نجح الأمريكيون في العراق أو أفغانستان.

وفوجئنا بأنصار إيران في العراق لا يرفعون في وجه العدو الغاصب سلاحا.. ويتركون السنة.. بل وتجرى الانتخابات التي أيدها الشيعة على أشلاء السنة.. والفلوجة..

وفوجئنا بحسن نصر الله الذي خلب ألبابنا مؤيدا لإيران..

بل وفوجئنا به في خطابه اليوم – بمناسبة العاشر من المحرم- ولأول مرة على الأقل مغالطا يلوي عنق الحقيقة حين قارن بين الانتخابات في العراق وبينها في بقية الدول الإسلامية ميتنكرا تحريمها في الأولى و إباحتها في الثانية..كما أنه لأول مرة يدين السنة بتفجيرات مساجد الشيعة.. ولقد كان هو – على ما أذكر- أول من نبه منذ عام إلى أن القائمين بها مدفوعون من الموساد..

صرخت:

" وما ربك بظلام للعبيد"..

صرخت:

سيحيق بهم غضب الله.. وسيهزمون جميعا..

لقد استقوى صدام بأمريكا على إيران.. فكان العقاب أن تسلطت عليه أمريكا..

ولقد ساقت النفعية "البراجماتية" إيران وحزب الله والسيستاني إلى مواقف أحسبها بعيدة عن الإسلام و أخشى أن الله سيعاقبهم بعكس ما قصدوا إليه وطمعوا فيه.. لكن بعد أن يجردهم من بريق نالوه ولم يكونوا يستحقونه.. بل كان فتنة..

أقول أخشى، ولا أقول أتمنى، لأن ما أتمناه فعلا أن يعودوا إلى الله، ما أتمناه أن يتوبوا ويعودوا ويئوبوا.. وما أدعو الله به أن يحمي لنا قنبلة إيران الذرية المأمولة راجيا ألا تؤول إلى ما آلت إليه قنبلة باكستان برويز مشرف.. لعن الله برويز مشرف.

أجل..

أخشى أن ما أخشاه سيحدث..

و أخشى أنني أراه..

يدمي قلبي أن ما حدث حدث و أن ما يحدث يحدث و أن ما سيحدث سيحدث..

يدمي قلبي لكنني أصرخ كل حين: " وما ربك بظلام للعبيد"..

أرى رأس سوريا الحبيبة على المقصلة فيرتجف قلبي لكنني أهمس من قلب ذبيح:

- صمتم على بطش الفاجر وتركتم ما حدث في حماة وحلب وتدمر يحدث.. فالآن ذوقوا عاقبة الأمور.. 

يدمى قلبي و أنا أتخيل حسن نصر الله (والرجل مسلم ولا شك و إن أخطأ .. بل إنني أتهم من يقول بغير ذلك باتهامات خطيرة) أسيرا أو شهيدا..

( أحسن الشيخ حسن نصر الله في خطابه اليوم بالتأكيد على إيمان الشيعة بأن القرآن الموجود بين أيدينا هو الذي أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا زيادة فيه ولا نقص ولا تحريف).. وهذه الحقيقة معروفة لمن يبحث عنها في مصادرها الموثوقة ولكن الكثيرين يدسوا أو يندسوا إشعال مزيد من اللهب.. وهؤلاء يثيرون في نفسي كثيرا من الشك.. بأن معظمهم مدفوع من مخابرات أجنبية.. ولطالما واجهت أصدقائي الذين يتورطون في تصديق هذه الأكاذيب بسؤالي:

- وحكامنا.. في أي فئة تضعونهم.. أفي السنة؟!..

وكان السؤال يفاجئهم فلا يحيرون جوابا..

*** 

يدمي قلبي و أنا أتذكر أجهزة الأمن في عالمنا العربي.. أجهزة الأمن بشقيها.. العاقل والسافل.. و أريد أن أصرخ فيهم:

- ألم تدركوا بعد أنكم منذ أكثر من خمسين عاما و أنتم لا تحمون أجهزة الحكم.. و إنما تروضون البلاد والدولة والأمة لتسليمها لقمة سائغة لأمريكا و إسرائيل.. ألم تدركوا ذلك.. ألم تفهموا أن من سحقتموهم كانوا هم الذين سيستشهدون دفاعا عن الدين والأمة.. أخزاكم الله.. أخزاكم الله.. أخزاكم الله..

يدمى قلبي فأقول للكتاب والمفكرين جميعا نفس القول:

- أخزاكم الله.. أخزاكم الله.. أخزاكم الله

*** 


100% من الشعب المصري نصارى!!


تعداد النصارى في مصر يكاد يصبح لغزا، ليس لأنه مجهول ، لكن لأن هناك طريقة طريفة في النصب والاحتيال لا يتبعها إلا نصاب محترف، ذلك أن عدد الأقباط في مصر منذ الحملة الفرنسية إلى الآن يتراوح ما بين 5-6% من عدد السكان (حوالي أربعة ملايين نصراني) ويأتي النصابون من النصارى والعلمانيين الأشرار الذين يتملقونهم نكاية في الإسلام، ليخلطوا بين الرقمين: رقم العدد ( وهو هنا أربعة ملايين) وبين النسبة ( وهي هنا 6%). ففي المرحة الأولى يتم استعمال رقم النسبة المئوية بدلا من العدد فيكون تعداد النصارى ستة ملايين نسمة ( وليس أربعة ملايين أو 6% من عدد السكان) لكننا إذا ما حسبنا النسبة المئوية التي يشكلها الرقم المغلوط وهو الستة ملايين لوجدناهم يمثلون 8% من عدد السكان، وهو الرقم الذي يستعمل مع النسبة المئوية بشطب ما نشاء من طرفي المعادلة ليكون تعدادهم في المرحلة التالية ثمانية ملايين، لكن الثمانية ملايين لا يساوون 8% من عدد السكان بل 12%، يستعمل هذا الرقم عدة أسابيع ثم يتحول إلى أن عدد النصارى 12 مليون نسمة، وبعد عدة أسابيع من الحداثة ونسيان الماضي يكتشفون أن 12مليون مسيحي يشكلون 18% من السكان.. وهكذا دواليك .. حتى وصل الرقم الآن إلى 25% من عدد السكان نصارى.

وبهذه الطريقة لا يبقى سوى عدة خطوات ليكون النصارى هم الأغلبية في مصر..

وخطوات أخرى لتصل نسبة المسيحيين إلى 100% من الشعب المصري.

وفي مصر – بالذات- يمكن للنسبة أن تزيد عن 100%!!..

*** 

نائب الرئيس


ظل الرئيس مبارك طول عمر رئاسته يرفض تعيين نائب له بحجة أنه لم يجد الشخص المناسب، وقد اتضحت الأمور أخيرا، إذ يرى البعض أنه كان يدخر المنصب لابنه، لكن.. وآه من لكن.. يقال أن أمريكا تضغط الآن لتعيين نائب رئيس مسيحي.. على أن يكون لرئيس الوزراء أيضا نائب مسيحي.. و أن ينص الدستور على أن مصر دولة علمانية و إلغاء كل ما يشير إلى الإسلام في الدستور.

والسؤال الآن:

من خلال تجربتنا فائقة الطول مع الرئيس مبارك:

هل هو من النوع الذي يقاوم الضغوط أم يستسلم لها..

وإن كان هذا هو السبيل الوحيد للتجديد والتوريث: تراه سيرفض أم سيرحب بدفع الثمن ما دام على حساب دين الأمة وليس على حسابه..

فإذا قبل..

هل يستطيع الشعب أن يرفض..

( جملة اعتراضية.. أثناء كتابة السطر السابق وقعت في خطأ إملائي.. وعندما هممت بإصلاحه.. لكنني ترددت.. وفكرت أن أتركه كما هو.. كنت قد كتبت كلمة: " "يرقص" بدلا من كلمة:"يرفض"..!!..)..

نعم..

هل بقي للشعب شئ يستطيعه أو يجيده إلا أن يرقص.. إن لم يكن سيرفض؟!


*** 

ظلم

نوبل لشيخ الأزهر


لن يدفعنا اختلافنا مع شيخ الأزهر إلى أن نغمطه حقه..

لقد حاز الرجل على كل الصفات التي تؤهله لنوبل.. 

بل إنه يستحقها أكثر من أي يهودي أو مسيحي .. أو حتى ملحد..

فلماذا لم يعطوها له إذن؟!..

إنه ظلم..!!

*** 

الـــبــشـــير


وليس بشيرا بل نذيرا.. ولت أدري هل هو الآن لواء أو فريق أم مشير.. وهو يذكرني بصلاح سالم.. ويكاد يدفعني لاستنزال اللعنة على العسكريين أينما كانوا لولا أمرين: أولهما وجود عسكريين كسوار الذهب والفريق الشاذلي، وثانيهما أنه لا يوجد من غير العسكريين من نجح .. فكلهم في الفشل والخيبة سواء.

ألم يكن أجدى و أكرم وأشرف لو أنه واجه الشعب ليقول أنه غير قادر على أن يفي للشعب بما وعده به منذ البداية و أنه لذلك يتنحى لعل هناك من الأمة من يقدر على ما لم يقدر هو عليه؟..

منذ هزيمة 67 أقنعنا المرجفون أن هدف إسرائيل لم يكن الاستيلاء على الأرض بل القضاء على النظام، و أن استمرار النظام دليل على أن إسرائيل لم تنجح في مخططها، ولم يكن ذلك صحيحا ولكنه كان التماس المعذرة له واردا لدعم معنويات متهاوية إلى أن يتم استعادة الأمة والدولة لقدرتها على المواجهة والفعل.. لكن الكذبة انتشرت.. كفيروس الإيدز.. وأصابت العدوى كل الأنظمة التي أصبح دليل نجاحها الوحيد.. مجرد الاستمرار..

المحلل السياسي طلعت رميح يرى احتمالا كبيرا في أن يتولى جارنج رئاسة الجمهورية في السودان..

التقسيم قادم لا محالة..

مصر تعارضه الآن لكنها تسلك كل الطرق المؤدية إليه منذ مجيء حكومة الإنقاذ..

وكانت مصر تستطيع دائما وما تزال منع التقسيم.. لكن ذلك سيؤدى إلى تضاؤل فرص التجديد والتوريث..

أما هيكل- أطال الله عمره حتى يطلب الموت فلا يجده- فقد تنبأ منذ عام 54 أن السودان ليس بلدا واحدا بل أربعة بلاد على الأقل.

 

*** 


أيمن نور..


لست أشك لحظة واحدة في أن كل الاتهامات الموجهة إلى ( الدكتور!!) أيمن نور صحيحة..

ولست أشك لحظة واحدة في أن الدولة كانت تعرف من البداية ما ادعت أنها اكتشفته فجأة..

ولست أشك لحظة واحدة في أن ( الدكتور!!) أيمن نور برغم كل ما يقال عنه أفضل و أنظف.. أو أقل سوءا و(...).. من الطواغيت الصغار والكبار..

ولست أشك لحظة واحدة في أن من يملك سلطة على وزير العدل والنائب العام ورئيس مجلس الشعب ووزير الداخلية لا يمكن أن يكون أقل من رئيس جمهورية..

لكنني أؤكد أنه ليس حسني مبارك.. فالرجل بعد ربع قرن في الحكم أكثر كياسة وسياسة ودهاء ..

إنه.. إنه.. إنه.. إياد علاوي..

نعم.. إياد علاوي.. وإنه سفاح.. سيذبحكم كالنعاج.. فانتبهوا أو.. موتوا..

و إنه .. رئيس جمهورية مصر القادم..

*** 

أيمن نور مرة أخرى

الإصلاح على الطريقة الأمريكية

..

قيل أن الضغوط أفلحت فتم الإفراج عن أيمن نور ، كما أفلحت الضغوط الخارجية للإصلاح فتمت الموافقة على إلغاء الاستفتاء، وجاءت الانتخابات فرشح أيمن نور نفسه أمام الرئيس مبارك.. وتمت الانتخابات وذهب وزير الداخلية إلى الرئيس صارخا:

- رحنا في داهية..

وسأله الرئيس منزعجا: 

- لماذا.. وكيف..

- لقد أجرينا الانتخابات ككل مرة وحصلتم سيادتكم على 99.999% مثل كل مرة..

- لقد نجحنا كالعادة فما المشكلة في ذلك؟..

- المشكلة أن أيمن نور حصل على 100%..!!.

*** 

*** 


حسن السرات و أمير المؤمنين

ما أقرؤه عن أمير المؤمنين(!!).. ملك المغرب مذهل.. ولا أريد الدخول فيما يغضبه ولا أفهمه.. إذ كيف أفهم ما يقال عنه إزاء حدث من أغرب الأحداث في سماوات عالمنا العربي.. فقد حدث في المغرب ما أتمنى أن يحدث في كل بلد إسلامي.. حين سمحوا لضحايا التعذيب في مقرات الكلاب الشرسة لمباحث أمن الوطن أن يحكوا بحرية وتحت تغطية الإعلام ما فعلته بهم الحيوانات الجائعة خدم الاستعمار والصليب والأفعى والشيطان نكاية في الإسلام..

التفاصيل مروعة .. وسوف أعود إليها في مقال آخرإن شاء الله..

ورغم ما يقال أن ذلك الكشف إنما تم لجذب انتباه الناس كي يبتعدوا عن إثارة مشكلات خطيرة إلا أنني وقفت احتراما لهذا النهج..( سوف يحدث قريبا جدا في كل البلاد الإسلامية.. فإذا انتصر الإسلام فلابد أن يحدث لهم ما حدث لكلاب السافاك..و إذا نجحت أمريكا فلابد أن تقدمهم كباش فداء- بل كلاب فداء- لامتصاص غضب الناس)..

المهم أن هذا الذي حدث أغراني بتوجيه رسالة إلى الملك المغربي في آخر هذه الحاشية..

رسالة تتعلق بالنخبة المثقفة المغربية.. رسالة أقول له فيها:

يا أمير المؤمنين(!!):

 الحداثة كفر والعلمانية كفر .. 

والحداثيون العرب ليسوا مفكرين بل طابور خامس خائن. 

*** 

ولقد بدأت الحكاية بمقال نشره الكاتب الكبير حسن السرات في صحيفة التجديد المغربية ينادي فيه بنبذ المعاصي فقد يكون زلزال تسونامي بسبب غضب الله على المعاصي التي كانت ترتكب في البلاد التي أصابها.. خاصة السياحة الجنسية.. واستشهد الكاتب ببعض الكتاب الأجانب الذين فضحوا أمر السياحة الجنسية....

*** 

المقال كان عاديا.. ولم يكن ليجذب الانتباه فهو يسير في السياق العام لاعتقادات الأمة من أن ظواهر الطبيعة قد تعبر عن الغضب الإلهي، متذكرين روعة هذا الدين ونبيه الكريم حين رفض أن يكون كسوف الشمس المصاحب لموت ابنه حزنا عليه، أقول كان تفسير الابتلاء بالمعاصي أمرا طبيعيا.. وكانت خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي تصب في نفس الاتجاه..

وكان يمكن للأمر أن يمر عاديا ولا يشعر به أحد.. لكن كلاب العلمانيين والحداثيين انتهزوا الفرصة استعراضا لقوتهم.. فقلبوا الدنيا على استعمال:"غضب الله" لأنهم يريدون أن تكون "غضب الطبيعة"..

لست أعرف الكثير عن المغرب..

ولست أعلم إذا ما كان وزير ثقافتهم شاذا..

كما لا أعلم إذا ما كان وزير إعلامهم قوادا سابقا..

لكن الذي علمته أن القناة الثانية في التلفاز المغربي قد شحذت أنيابها لتمزق بها الإسلام والمسلمين.. وانبرى كلب من كلاب الحداثيين ساخرا من الإسلام والمسلمين:

..".. وحتى تلك التي تؤمن بالاعتدال والوسطية، وبالجلباب والطاقية والأفكار الظلامية، الخارجة من اللجة الخرافية التي تفسر الكون والكونية، بالغيب والغيبية وترى في الإنسان مجرد كائن له فم ولسان•• ليس له حق الجدال في الأديان•• أي إنسان بلا عقل يحكمه منطق الخبل وسياسة الجهل مجبول بالفطرة على تقبل الأوامر، وإن لم ينفذ فقد انغمس في الكبائر• وهو بهذا ملحد كافر من الجنس السافر، الذي يجوز تنفيذ شرع الله في حقه••• وشرع الله كما يفهمه هؤلاء••• هو إحياء تقاليد الأيام الخلاء التي تعود بنا قرونا إلى الوراء••"..

هل تلحظون يا قراء..

نفس المعين النجس الذي نهلت منه الوزيرة المصرية السابقة..

ولم يقتصر الأمر على هذا..

فقناة الشواذ والقوادين أعلنت الاستنفار العام و أخذت تنشر بيانات الحداثيين والعلمانيين الذين استنفروا أتباعهم للخروج في مظاهرات إلى الشوارع ومهاجمة الصحيفة التي نشرت مقال حسن السرات..

كما أذاعت القناة بيانا للحداثيين والعلمانيين يطالب بإنشاء محكمة دولية لمحاكمة دعاة الإرهاب .. ليس دعاة إرهاب الأمريكي أو الصهيوني.. بل دعاة الإرهاب الذين يحذرون من غضب الله ويناشدون الأمة للرجوع عن المعاصي..وجاء في بيانهم الداعر:

"لقد أصبح الإرهاب ظاهرة دولية، وانتشرت التنظيمات الإرهابية عبر العالم كأي ورم سرطاني خبيث، ووفر «فقهاء» الحقد والكراهية السند الشرعي للأعمال الإرهابية وألبسوها غطاء دينيا فتحولت إلى جهاد ومقاومة وعمل جليل يقود إلى الجنة، فأمام تخاذل غالبية «مثقفي الأمة» و«سياسييها» وأنظمتها عن مواجهة منظري التطرف والحقد والكراهية، أصبح كل من هب ودب يفتي في أمور «الجهاد» و«المقاومة» لحث الشباب على القتل والتفجير والهدم وبث الفتنة داخل المجتمع، وتهويل الخلاف الحضاري مع الدول الغربية، واللاتسامح مع الأديان الأخرى..(...) فقناة الجزيرة في قطر مثلا والتي لا تبعد إلا بضعة أمتار عن أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة (قاعدة السيلية) أصبحت ساعي بريد ينقل رسائل قادة الإرهاب الدولي «القاعديين» كبن لادن والظواهري والملا عمر.. إلى عموم الإرهابيين كي ينفذوا مخططاتهم الإجرامية. وفي إطار «الهدنة» المعلنة بين تنظيم القاعدة الإرهابي والنظام القطري، لا تكتفي قناة الجزيرة بنشر خبر خطابات قاعدة الإرهاب الدولي، بل تحرص على بث الأشرطة كاملة كي تؤدي وظيفتها التدميرية وكي يتم فك رموزها من طرف الإرهابيين المنفذين، لأن كل تسجيل صوتي وكل شريط فيديو، يتضمن «شيفرة» لابد من فك رموزها لتنفيذ المطلوب(...) إن هذا التحريض العلني على القتل والتدمير وكراهية الآخر لا يقتصر على الإرهابيين المتطرفين، بل أصبح «العلماء المعتدلون» يبررون الأعمال الإرهابية، كالقرضاوي مثلا صاحب الأوجه المتعددة والفتاوى المتناقضة حول مدلول الجهاد وحول قتل الأبرياء في العراق، وتدمير هذا البلد. فالقرضاوي الذي يعيش حياة البذخ في البلاط القطري والقرضاوي الذي أرسل أبناءه ليجاهدوا في الدراسة لدى الشيطان الأكبر (في أمريكا وبريطانيا) يحرض الشباب الفلسطيني على «الانتحار بتفجير نفسه وسط الحافلات الإسرائيلية» ويحرض على قتل الأبرياء وقطع الرؤوس في العراق. إن هذا التحريض العلني (...) ا دفع ثلة من المثقفين المتنورين (...) إلى توجيه طلب إلى مجلس الأمن الدولي قصد إنشاء محكمة دولية تختص في محاكمة كل الذين تجرءوا على نشر الفكر الإرهابي أو تبرير «أعمال الإرهابيين» عبر فتاوى أو تغطية دينية..

*** 

أتساءل.. لو أن رامسيفيلد أو تشيني أو فريدمان أو فندي كتبوا.. فهل كان يمكن أن يكونوا أكثر سفالة من ذلك؟!

أتساءل.. لو أن الشيطان نفسه هو الذي كتب .. فهل كان يمكن أن يكون أكثر شرا من ذلك؟!

*** 

ولقد كان هذا هو الدافع الذي دفعني للكتابة لأمير المؤمنين الذي فعل ما لم يفعله حاكم عربي بفضح مشاهد التعذيب..

فقد أردت أن أقول له أن مثقفي أمن الوطن أكثر خطورة و إجراما من ضباط مباحث أمن الوطن الذين قاموا بالتعذيب..

أردت أن أقول له : ليس الأمر أمر مجلة هنا ولا صحيفة هناك، وليس أمر حوار ولا هو أمر خلاف في الرأى، إنما هو أمر مجموعة من الجواسيس والخونة تم تجنيدهم ضد الدين والأمة، مجموعة من الزنادقة و الجواسيس والخونة ترتقى كلما ازدادت خيانتها، وتفتح أمامها الأبواب كلها، والعيب ليس عيب هؤلاء الجواسيس، إنما هو عيب من وضعهم في أماكنهم وجعلهم رؤساء تحرير ومؤسسات وصحفيين و إعلاميين، ومن وضعهم قطاع من السلطة، مخترق، وزنديق وخائن وعميل. من هؤلاء تجد الزنديق يفتى في الدين، والزانى يوضح لنا شروط العفة، والشاذ يقود القافلة. وتجد الكذب بلا حدود وبلا حساب.

فالحداثة يا أمير المؤمنين كما يصفها الدكتور عوض محمد القرني – في كتابه الهام: الحداثة في ميزان الإسلام- تقديم سماحة الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى أنها : "مذهب فكري جديد يسعى لهدم كل موروث، والقضاء على كل قديم، والتمرد على الأخلاق والقيم والمعتقدات".. و يؤكد :"أن الصراع مع الحداثة ـ أولاً وأخيراً ـ صراع عقائدي بحت".. 

أما الدكتور محمد محمد حسين فيكشف في كتابه : " حصوننا مهددة من داخلها" يكشف أمر الحداثيين والعلمانيين والمستغربين ودعاة التنوير والثقافة، يكشف دسائسهم التي يلقون عليها حجبا كثيفة من الرياء. والنفاق ، حين يندسون بين صفوف الأمة، يتظاهرون بالغيرة على إسلامنا وعلى عروبتنا ، حين تنطوي ضمائرهم على فساد العقيدة وحين يعملون لحساب العدو الذي يستعبدنا ولحساب الصهيونية الهدامة التي لا تريد أن تبقى على بناء قديم . 

يصرخ الدكتور محمد حسين: هؤلاء هم أخطر الأعداء ، وهم أول ما ينبغي البدء به في تطهير الحصون وتنظيف الدار ، لأن الأعداء والمارقين ظاهر أمرهم لا يخفون، وهم خليقون أن ينفروا الناس ، فهم كالمريض الظاهر يتحاشاه الناس ولا يقتربون منه . أما هؤلاء فهم كالمريض الذي لا يظهر المرض على بدنه ، فالمخالطون لا يحتاطون لأنفسهم في مخالطته . 

ويتهم الدكتور حسين أعداء الأمة هؤلاء من المنافقين والضالين والمضللين بأنهم يزينون للأمة الباطل زاعمين لها أنه هو سبيل النهضة ، ويوهمونها أن كثيرا من عاداتها الصحيحة الأصيلة هي من أسباب تخلفها وضعفها ، ويزجون بها فيما رسمته عصابتهم من قبل وما قدرته من طرق ومسالك " .

ويستطرد الدكتور حسين في مرارة عاتية: 

وأنبه إلى ما انكشف لي من أهدافهم وأساليبهم التي خدعت بها أنا نفسي حينا من الزمان مع المخدوعين ، أسأل الله أن يغفر لي فيه ما سبق به اللسان .والقلم . وإن مد الله في عمري رجوت أن أصلح بعض ما أفسدت مما أصبح الآن في أيدي القراء (…) وقد كان مصابي هذا في نفسي وفي تفكيري مما تجعلني أقوى الناس إحساسا بالكارثة التي يتردى فيها ضحايا هؤلاء المفسدين ، وأشدهم رغبة في إنقاذهم منها ، بالكشف عما خفي من أساليب الهدامين وشراكهم (…) .. 

ويكشف الدكتور حسين أن هؤلاء المنافقين قد اشتراهم الغرب كي يكونوا حراسا على أوطاننا التي حولوها إلى سجون. فيقيموا فيها معبدا يسبح كهنته بحمد آلهتهم التي يعبدونها من دون الله . وينكل بالذين ينبهون النائمين والغافلين والمخدوعين ..

*** 

يا أمير المؤمنين : هؤلاء هم الحداثيون والعلمانيون في بلادك وهم كأقرانهم في بقية بلاد المسلمين..

ومرة أخرى.. فالعلمانية كفر والحداثة كفر فكيف ترعاهما حكومات أمير المؤمنين؟!..

يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري 

في كتابه:" العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" دار الشروق - القاهرة.. يقول الكاتب: 

العلمانية الشاملة هي رُؤية شاملة للعالم ذات بُعد معرفيّ (كُليّ ونهائيّ) تحاول بكل صرامة تحديد عَلاقة الدين والمطلقات والماورئيات (الميتافيزيقيا) بكل مَجَالات الحياة، وهي رُؤية عَقلانية مادية تدور في إطار المرجعية الكامنة والواحِدِيَّة المادية التي ترى أنَّ مركز الكَوْن كامن فيه غير مُفَارِق أو مُتَجَاوز له (فالعلمانية الشاملة وحدة وجود مادية) وأنَّ العالَم بأسره مكون أساسًا من مادة واحدة لا قَدَاسَة لها، ولا تحوي أية أسرار، وفي حالة حركة دائمة لا غاية لها، ولا هدف ولا تكترث بالخصوصيات، أو التفرد، أو المُطلقات، أو الثوابت، هذه المادة بحسب هذه الرؤية تشكل كُلا من الإنسان والطبيعة، فهي رؤية واحدية طبيعية مادية وتتفرع عن هذه الرؤية منظومات مَعرفية (الحواسّ والواقع المادي مصدر المعرفة، فالعالم المعطى لحواسنا يحوي داخله ما يكفي لتفسيره والتعامل معه) ، كما تتفرع عنها رؤية أخلاقية (المعرفة المادية المصدر الوحيد للأخلاق) وأخرى تاريخية (التاريخ يتبع مسارا واحدا وإن تبع مسارات مختلفة فإنه يؤدي في نهاية الأمر إلى النقطة النهائية نفسها) ورؤية للإنسان (الإنسان كجزء لا يتجزأ من الطبيعة ليست له حدود مستقلة تفصله عنها ومن ثَمَّ هُو ظاهرة بَسيطة أحادية البُعد، وهو كائن ليس له وَعْيّ مستقل غَير قَادِر على التَّجَاوُز والاختيار الأخلاقيّ الحُرّ).

ويستطرد الكاتب:

فإن أي نموذج فلسفي لابد أن يكون له مركز يشكل مطلقه، وركيزة نهائية للنسق. والنماذج الفكرية العلمانية قد تنكر أية نقطة مرجعية تتجاوز هذه الدنيا، إلا أنها تستند إلى رَكيزة أساسية ومَرجعية نهائية كامنة في المادة، وهذا المُطْلَق في أقصى درجات تعميمه هو المبدأ الواحد، وقد يأخذ أشكالا كثيرة، لكنه في التحليل النهائي هو الطبيعة التي نشير إليها عادة (الطبيعة / المادة)، ومن هنا يأتي الحديث عن الإنسان الطبيعي المادي الذي يعيش حسب قوانين الطبيعة / المادة، ويستمد منها وحدها المعرفة والقِيَم الأخلاقية والجَمَالِيَّة، بحيث أصبحت دَورة الإنسان ثُلاثية: الإنتاج في المصنع، والاستهلاك في السُّوق، واللذة في الملهى (أو أي معادل موضوعي).(...) حيث ترد العلمانية أصل الوجود إلى أن العالم وجد بالصدفة المحضة من مادة أولية سائلة غير مشكلة، وتتمثل نقطة النهاية أيضا في سيطرة مفاهيم المادة ومن ثم يصل إلى نقطة نهاية التاريخ وقمة التقدم والفردوس الأرضي.(...)

وفي إطار هذا الصراع تناول المؤلف النظرية الأخلاقية ، فامتدادا لهذه الأطروحة المادية ظهرت الفلسفة النفعية للتعبير عن هذه النزعة الطبيعية الحسية المادية، وقد أعطت هذه الفلسفة للإحساسات الفيزيائية الأسبقية على المفاهيم الأخلاقية، بل والمفاهيم العقلية والإنسانية، فالأخلاق لا علاقة لها بالفضيلة أو الاحتياجات الروحية، وإنما لها علاقة بالسعادة ( اللذة والمنفعة) وبالتالي عرف الخير والشر تعريفا ماديا كميا، فالخير هو ما يدخل السعادة (اللذة) على أكبر عدد ممكن من البشر، وما يحقق لهم المنفعة، والشر هو عكس ذلك ( أي ما يسبب الألم والضرر) والعواطف الإنسانية إن هي إلا تعبير عن حركة المادة، وليس هناك أسئلة أخلاقية كبرى أو نهائية فكل الأمور مادية نسبية متغيرة. 

*** 

فيا أمير المؤمنين..

هل رأيت كفرا أكبر من هذا؟..

هل رأيت شرا أكثر من هذا؟.

ويا أمير المؤمنين:

هل ترضى أن يكون هؤلاء الملحدون الشواذ هم رعاياك المهيمنون؟؟..

ويا أمير المؤمنين.. هل ترضى أن يكون المحافظون على دينهم هم ضحاياك لا رعاياك؟!.








حتى أنت يا سويسرا


الكفر – كإجرام الغرب – ملة واحدة..

سويسرا ترغم اللاجئين على التجسس على المسلمين والويل لمن يرفض..

التنكيل بالدكتور "عقيد" محمد الغنام وسجنه..

***



بقلم د محمد عباس

www.mohamadabbas.net

mohamadab@hotmail.com


سبحانك يا رب..

أتأمل هذا الغرب الغبي وهو يفضح نفسه كل يوم أكثر و أكثر.. و أكثر..

أما الغلالات البراقة التي ستر بها إجرامه  وأخفي بشاعته و غطى على أكاذيبه فهاهو بنفسه يمزقها بعد أن عجزنا نحن عن تمزيقها.. وبعد أن أغوانا فاستسلمنا للغواية – جلنا – فاستبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير. وكان من ضمن ما أصابنا من غواية أننا ظننا الغرب يحترم حقوق الإنسان و أنه متحضر بينما الحقيقة تضج وتصرخ أن البشرية لم تر ويلا أبشع من الويل الذي أراها إياه الغرب ولا همجية أقسى من همجيته ولا قتلا أنكى من قتله ولا كذبا أشد من كذبه. كما أننا حسبنا ذات يوم أن أجهزة قضائه لا ينالها باطل أرضي، و أن نياباته وبوليسه أجهزة تنتمي للفردوس المفقود حيث العدل الذي لا يشوبه ظلم والموضوعية التي لا يجرحها هوى.

لم ندرك إلا أخيرا أننا كما استوردنا منه كل شئ من الإبرة إلى الصاروخ – وهو صاروخ للأسف لا يضرب إلا مسلمين- فقد استوردنا منه كل الرذائل والموبقات، لا تلك التي يمارسها ضد مواطنيه، بل التي يمارسها ضدنا، ووصل الأمر أن نخبتنا وحكامنا أصبحوا ينظرون إلينا بنفس العين التي ينظر بها إلينا حكامهم ونخبتهم. ولكي أوضح الصورة فإن "جان دارك " على سبيل المثال بطلة بالنسبة للفرنسيين الذين قدسوها  ودجالة مشعوذة بالنسبة للبريطانيين الذين أحرقوها، فإذا وصل الغزو الفكري إلى أن يقدس البريطانيون "جان دارك" فذلك يعني الهزيمة الكاملة.

وهذا بالضبط ما حدث لنا..

ننظر لأنفسنا بأعين أعدائنا.. لا عن خطأ في الحكم و إنما عن زيغ في العقيدة وثمن للشرف وخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين.

نعم.. الأمر ليس مجرد خطأ  و إنما هو كما بينه الشهيد العظيم  سيد قطب دور مرسوم للمخابرات الأجنبية في تشكيل وجدان النخبة عبر وسائل متعددة منها  تمويل وتوجيه الصحف المصرية .. يقول الشهيد: " إن الصحف المصرية- إلا النادر القليل- مؤسسات دولية لا مصرية ولا عربية! مؤسسات تساهم فيها أقلام المخابرات البريطانية والأميركية والفرنسية والمصرية والعربية أخيرا!! مؤسسات تحرر صفحات كاملة فيها بمعرفة أقلام المخابرات هذه لتروج دعايتها في أوساط الجماهير. مؤسسات تخدم الرأسمالية العالمية أكثر مما تخدم قضايا الشعوب العربية وتخدم الاستعمار الخارجي والجهات الحاكمة قبل أن تخدم أوطانها وشعوبها الفقيرة وهذا هو السر في أن الدولة لا تفرض عليها القيود التي تفرض على الكتب. لأن وراءها أقلام المخابرات ومصالح الرأسمالية العالمية، وهي كفيلة بأن تسندها وتذلل لها العقبات وتفسح لها الطريق، لنشر دعايتها المستوردة في أطراف البلاد العربية جميعا. سيد قطب الشهيد الحي- صلاح عبد الفتاح الخالدي- مكتبة الأقصى عمان

نعم.. لم ندرك إلا أخيرا أن كل رذيلة في بوليسنا المتوحش المسعور إنما هي تعود إلى جذورها الأولى في الغرب، و أن انحياز أجهزة النيابة وسيطرة المخابرات عليها وعلى القضاء إنما هي بديهيات في الغرب شاء لفرط خبثه أن يسترها في بلاده و أن يفضحها في بلادنا، كما لم ندرك إلا أخيرا أن طواغيتنا المتوحشون السفلة ليسوا إلا صنائعه وخدمه وبدون دعمه ما كان لهم أن يستمروا يوما ولا أن يستقروا بعض يوم.

*** 

كان هذا بعض  ما قلته للعقيد الدكتور محمد الغنام قبيل لجوئه إلى سويسرا منذ حوالي خمسة أعوام.. وكنت قد لقيته مرتين كشف لي فيهما عمق الهاوية التي تردينا إليها.. وبرغم ما كشفه لي فقد رحت أناشده أن يواجه هنا.. لأن الخطر في الخارج قد يكون أشد.. و أنه بعد عدائه المعلن هنا مع أجهزة الأمن فإنه من الصعب عليهم أن ينالوه بطريقة مباشرة.. الأمر الذي سيفقده في الخارج حيث يمكن لنفس الأجهزة أن تنال منه لكن بعد أن يتفرق دمه بين القبائل. لم تكن أحداث 11 سبتمبر قد حدثت بعد، ولم يكن الغرب قد انكشف أمامنا وتعرى كما هو الآن.. لكنني كنت واثقا من وجود غرفة مركزية للأمن وأخرى للصحافة وثالثة للاقتصاد والصناعة.. ورابعة لمستوى تسليح الجيوش.. و أن هذه الغرف تقبع في دهاليز مخابرات الغرب حيث يتم التحكم في العالم عموما وفي عالمنا العربي على وجه الخصوص بطريقة مركزية ( ودعنا الآن من الحكام فهم ولاة أميرهم في واشنطن)..

قلت هذا للدكتور عقيد محمد الغنام فلم يصدقني.. لم يتخيل.. تماما كما لا يتخيل بعضكم يا قراء.

*** 

ومنذ أيام جاءني من يخبرني على الهاتف بمأساته في سويسرا، فقد لفقوا له قضية، تماما كما فعل البوليس المصري، لفقوا له قضية مشاجرة، و اعتقلوه بعدها، أما السبب الحقيقي فقد كان المطلوب منه، المطلوب الذي طلبته سيدة ديموقراطيات العالم – سويسرا – أن يتجسس على بعض الأسر الإسلامية في - سويسرا- حتى يمكن تلفيق تهم لها بالاتصال بالشيخ أسامة بن لادن رضي الله عنه وأعزه وأرضاه ونصره على أعدائه و أعدائنا، أعداء الله. وبالطبع رفض الدكتور الغنام، وما كان له إلا أن يرفض، لأنه لو شاء أن يقبل لكان أولى به أن يقبل هنا في مصر، حيث القبول بالباطل والزيف والكذب والزور هو طرق المجد والثروة والقوة والسلطة والمنصب، بل ربما – لو أتقن الفساد الفاجر والكذب الداعر – قاده القبول إلى مقعد الوزارة أو ما هو أعلى و أعلى و أعلى.. نعم .. الفساد في مصر، وفساد السلطة بالذات، أكثر أعمال الاستثمار ربحا، أكثر حتى من تجارة المخدرات،  ولقد كانت الطرق كلها مفتوحة أمام محمد الغنام في مصر، مزرعة الفساد ووكر المفسدين، لكنه أبي الكذب والظلم والسرقة فنكلوا به، فهرب منهم باللجوء إلى سويسرا فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار.

*** 

اعتقل العقيد محمد الغنام في سويسرا منذ 15 فبراير الماضي، حيث يتعرض لأقسى وسائل التعذيب النفسي لدفعه إلى القبول بالتجسس على مواطنيه. لا يسمح له بالاتصال بخارج السجن إلا مرة كل أسبوعين، ويحظر عليه في الاتصال الحديث باللغة العربية، ويتعمدون – الخنازير-  تقديم لحم الخنزير دون سواه له، ويأبون تغييره. أما عن ظروف سجنه الأخرى فمن الصعب معرفتها نظرا للرقابة الشديدة المفروضة على اتصالاته. رقابة سويسرا.. سيدة ديمقراطيات الغرب.. والني اعتذرت – عندما عاتبها بعض أصدقاء الدكتور محمد الغنام بعذر أقبح من ذنب، حيث قال المسئولون فيها أنهم يفعلون ذلك بالرغم منهم، لأن الـFBI هو الذي أمرهم به وهم لا يملكون لأمره ردا!!..  

والغريب أن الصحف التي طالما نشرت للعقيد الغنام وعنه – كالحياة والشرق الأوسط والقدس العربي-  تجاهلت أخبار اعتقاله كليا، وكأنما كانت شريكة في مصيدة اصطياده، ثم تحولت الآن بصمتها المميت إلى شريكة في الضغط عليه كي ينهار ويقبل بالتجسس.. ولتثبت هذه الصحف – كما أثبتت دائما - أن المخابرات لا تدير أجهزة الحكم والنيابة والقضاء فقط، بل و كل أجهزة الإعلام أيضا.

*** 

لست أدري لمن أتوجه بندائي للإفراج عن العقيد الغنام .. إلى سويسرا التي لا تستطيع رد أمر الـFBI .. أم إلى الـ FBI نفسه إن جاز توجيه نداء إلى إبليس.. أم إلى الحضارة الغربية الوحشية.. أم إلى منظمات حقوق الإنسان التي لا يكاد يظهر منها إلا العمالة والارتزاق.

أم أحول المأساة إلى مهزلة فأناشد مصر التي لم تحافظ على كرامة مواطن من مواطنيها.. اللهم إلا الطواغيت واللصوص والسفلة.. 

لكن القارئ يحتاج إلى أن نسترجع معا قصة العقيد الدكتور محمد الغنام كما نشرتها في صحيفة الشعب منذ خمسة أعوام.. حين كتبت أقول:

*** 



يا سيادة الرئيس:

امنع فضيحة الطيار من التكرار..

أول شرطي مصري في التاريخ يحصل على حق اللجوء السياسي إلى سويسرا!!


انفطر قلبي يا سيادة الرئيس من الألم..

كنا ثلاثة جمعت بيننا المقادير لأول مرة .. دون تخطيط منا ..( لا أقول صدفة فليس ثمت شيء صدفة).. مستشار جليل يمثل النموذج العظيم الشامخ - حقا وصدقا لا تدليسا وغشا – للقضاء في مصر.. والعقيد دكتور محمد الغنام.. وأنا.. وكان ما حدث للدكتور الغنام تنفيذا عمليا لنصيحتك يا سيادة الرئيس باللجوء إلى الصحف( كان أحد طياري شركة مصر للطيران قد لجأ إلى بريطانيا لفضح الفساد في شركة مصر للطيران والذي أدى حسب زعمه إلى سقوط الطائرة المصرية على السواحل الشرقية للولايات المتحدة).. فهل تسمح لي أن أبلغك بالنتيجة؟!..

بعد ساعة من الحديث كنت أختنق.. أحسست أن جبل المقطم يجثم فوق صدري.. رحت أتساءل في ألم مروع: ترى هل أتيح لك يا سيادة الرئيس أن تستمع لمثل ما أستمع له؟!.. هل تعلم إلى أي حد ضرب الفساد بأطنابه في ربوع بلادنا.. وهل استطاعت الحاشية الفاسدة أن تخفى عنك الأمر إلى هذه الدرجة.. كنت أيامها تمس شغاف قلبي بزيارتك للبنان.. ووجدتني – منحازا إليك – غير قابل للتصديق بأنك تعلم.. لكنني في الجانب الآخر لم أجرؤ على تكذيب من يؤكد أنك تعلم ( أعترف أنني كنت أحيانا أهش في وجه الرئيس وقلبي يلعنه ائتلافا لقلبه ولكيلا يقف العناد بيني وبينه)..

كيف يمكن أن يحدث هذا في عهدك يا سيادة الرئيس وكيف يمكن أن تنافح عن نفسك أمام الله يوم القيامة..

إن ما يحدث من فساد ليس فسادا فرعيا مما يمكن أن نتجاوز عنه قائلين أن الشر جزء أصيل في تركيبة الكون.. ما يحدث ليس تسميم حاويات ماء في مدينة بل تسميم النهر نفسه.. تسميم الجذور.. شيء كالهندسة الوراثية يغير جينات الخلق والعقل والضمير فإذا بحراس الأمن مهدديه وإذا بحماة العدل منتهكيه وإذا الكذاب يصدّق والصادق يكذّب والخائن يؤتمن والأمين يخوّن والعالم يستبعد والجاهل يتحكم  وإذا الفساد ليس الاستثناء عن القاعدة الموجودة بل هو القاعدة ودونه الاستثناء، وحتى ذلك الاستثناء لا يترك بل يحاصر ويضرب ويشوه وتحاك له المؤامرات وكأنما أقسم إبليس ألا يترك على الأرض بذرة خير.

نعم يا سيادة الرئيس.. إن قضية العقيد دكتور محمد الغنام .. مثل خمس وستين مليون قضية أخرى .. تختلف في التفاصيل وتتوحد في الدلالة .. على أن الفساد لم يعد قضية أفراد يتصدى لهم مجتمع.. بل قضية مجتمع يتصدى لها أفراد.. ويزيد الكارثة.. أن بعض المؤسسات الضابطة الحاكمة .. قد انحازت إلى الفساد الشامل ضد آحاد الأفراد الذين ما يزالون يقاومون..

إنني عزوف تماما عن تناول مظلمة الدكتور الغنام.. فلقد ألزمت نفسي ألا أتناول قضية شخصية حتى وإن كان صاحبها على حق.. لذلك سأقتصر على الجزء العام فيها.. وأرجوك يا سيادة الرئيس.. أرجوك أن تسمع صوتي.. حتى لا أضطر إلى الكتابة لك في هذه القضية مرة أخرى..لأنني والله شعرت بالخجل وأنا أتابع تصرفات بعض المؤسسات في بلادنا.. فمهما كان.. وعلى أي حال.. هي مؤسسات بلادي.. وأخجل.. بل وأشعر بالعار إن رأى فيها الآخرون من خارج البلاد ما يشين.. حتى ولو كان ما يرونه حقا وصدقا.. بل إن هذا يزيد العار.. إنه عار يشبه ذلك العار الذي يمكن أن يصيب أي واحد منا .. إذا جن أحد أفراد أسرته أو انحرف.. فخرج إلى الشارع عاريا يفضح أسرته أمام الناس ويرتكب الجرائم بلا خجل..

أجل يا سيادة الرئيس.. إن تلك الأجهزة التي انحرفت.. هي التي تبدى سوءاتنا أمام العالم.. وهى التي تسيء إلى الوطن.. وهى التي تستدعى علينا  ضغوط العالم الخارجي.. بعد أن تفتح له الثغرة التي ينتظرها..

كان العقيد الدكتور محمد الغنام واحدا من مئات الألوف من الطبقة التي يطلقون عليها " التكنوقراط " .. وهى طبقة أحمل لها موقف الانتقاد العنيف.. لأنها تحاول أن تحتفظ بطهارتها الشخصية دون اعتبار لما يحيطها.. تماما.. كالطبيب الجراح الذي يحرص الحرص كله على اتباع كل خطوات التعقيم التي أوردتها كل المراجع بكل صرامة.. لكنه يغفل أن الماء الذي يستعمله في التعقيم ملوث.. وأن كل حرصه بالتالي هباء تذروه الرياح..

كان محمد الغنام من هذه الطبقة وكان شديد التميز في عمله في وزارة الداخلية متوافقا مع الوزارة والمجتمع حتى صادفه أمران سوف أتناولهما باختصار شديد فهما ليسا مبتغاى.. وليس لي فيهما الآن من مأرب .. إلا ما يلقى الضوء على القضية العامة..

كان الأمر الأول قضية الألفي – مجدي حسين.. يقول العقيد الغنام: " كنت مستعدا لأن أتفهم  على مضض بعض التجاوزات.. أما سجن برئ فلا".. ولقد كلف كمدير للبحوث القانونية بوزارة الداخلية بإعداد الشكوى ضد الصحفيين.. كتبوا له ستة أسماء.. وكان الاسم السادس هو اسم الصحفي محمد عبد القدوس.. لكنهم جاءوا في اليوم التالي ليقولوا له : ارفع اسم محمد عبد القدوس وضع مكانه اسما آخر.. فتساءل في دهشة: لماذا؟!.. فقيل له: لأن هؤلاء الستة سيسجنون ومحمد عبد القدوس وكيل لنقابة الصحفيين وسوف يتسبب سجنه في ردود فعل خارجية.. لذلك ارفع اسمه وضع مكانه اسم الفنان عصام حنفي رسام الكاريكاتير..!!..

هنا أدرك العقيد الغنام للمرة الأولى أن الماء ملوث..

بدأ يقاوم ..

وكان القدر يدخر له الأمر الآخر.. كي تكتمل بصيرته.. برؤية الصورة البشعة على حقيقتها.. كي ينحاز إلى الخير ضد الشر.. ومع الصواب ضد الخطأ.. إذ مات أبوه – وهو لواء سابق – في مستشفى الشرطة.. وكان تصوره أن الوفاة حدثت بسبب إهمال جسيم وقصور في الإمكانيات مخل.. رغم الإمكانيات المادية الهائلة التي تتمتع بها المستشفى.. إلا أن هذه الإمكانيات تضيع جلها على المكافآت.. حتى أن واحدا فقط يحصل على مكافآت تصل إلى مليون جنيه سنويا.. ويبدو أن تعلق العقيد الغنام – غير الطبيعي في هذا الزمن - بأبيه أشعل فيه نارا و فتح عينيه على حقائق مرة فقرر أن يتصدى..

فهل تعرف ماذا حدث له يا سيادة الرئيس حين حاول أن يصلح الانحراف من داخل النظام لا من صفوف المعارضة؟!..

انتهكت حقوقه وروع أمنه وهددت حياته وتلقى تهديدات بالقتل وتعرض لحوادث غامضة وحطمت سيارته سيارة ضخمة تحمل داخلها كفن ميت كإشارة لما ينتظره، وتصاعدت الأمور ليصبح أول ضابط شرطة مصري في التاريخ  يحصل على حق اللجوء السياسي.. حيث حصل على موافقة لدخول الأراضي السويسرية  وفقا للمادة 20 من قانون اللجوء السياسي السويسري.

كان يشغل منصب مدير البحوث القانونية بوزارة الداخلية..

لم يكن مجرد ضابط شرطة عادى..لأنه حاصل على درجة الماجستير في القانون من جامعة عين شمس 1980 ثم على درجة الدكتوراه في القانون الجنائي بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف عام 1986 من جامعة روما بإيطاليا. ويعد من أبرز الخبراء المصريين في مجال مكافحة الإرهاب ( لم يدرك التكنوقراطى العتيد إلا متأخرا جدا  وبعد أن طالته النار وأباه أن الإرهاب إرهاب الدولة).. وله العديد من المؤلفات في مجال حقوق الإنسان.. منها كتابه الصادر عام 1988 بعنوان: " تعليم حقوق الإنسان لطلبة كليات الشرطة" كذلك كتابه الصادر عام 1991 عن الإرهاب وتشريعات المكافحة في الدول الديموقراطية.. ثم كتابا آخر صدر عام 1996.. نشر عشرات الأبحاث القانونية المتخصصة في مجلات السياسة الدولية والقضاة والمحاماة  والأمن العام ومجلات دولية أخرى.. كما قام بالتدريس و إلقاء المحاضرات في العديد من  الجامعات المصرية والأجنبية  . قام بإعداد مشروعات قوانين وزارة الداخلية..

كانت شعبيته واسعة داخل الوزارة فوصل عن طريق الانتخاب إلى منصب سكرتير عام مجلس إدارة صندوق ضباط الشرطة.. حصل على العديد من شهادات التقدير من وزارة الداخلية كما حصل على جائزة جورج لابيزا التي تمنحها الحكومة الإيطالية لأفضل الباحثين في مجال القانون..

حاصروه بالتهم.. والضابط المتميز أصبح فجأة عدوا للدولة بكل أجهزتها..

منع من حقه الدستوري  في التقاضي..

منعت وزارة الداخلية: الرقابة على النشر صحيفة Middle East Times  من نشر مقال له..

منع من مغادرة البلاد بناء على مذكرة من مباحث أمن الدولة..

تناولت قضيته الصحف العربية والأجنبية ومنها الشعب والوفد والفاينانشيال تايمز والرأي..

أحيل إلى التقاعد في أبريل 1999..

طلب مقابلتك يا سيادة الرئيس دون جدوى.. والتجربة التي تمنيت على الطيار حمدي حنفي أن يفعلها فعلها هو بل وفعل أكثر منها  فانظر النتيجة..

آه يا سيادة الرئيس لو اطلعت على ما لديه من أوراق ومستندات.. عن الوزارة .. والمحاكم .. والنيابة .. وقرار النائب العام بمنعه من السفر.. وهو قرار تم تنفيذه حتى قبل صدوره!!.. آه لو عرفت كم القضايا التي لفقت له – كما يقول -  ومنها على سبيل المثال اتهامه بإطلاق النار في مشاجرة.. ثم تقرير الطبيب الشرعي بعد ذلك أن السلاح الذي ضبطته الشرطة وحرزته النيابة .. غير صالح للاستعمال..!!..

كان مواطنا فردا.. وكان يواجه من يصنعون القانون أحيانا ويدوسونه معظم الأحيان..

وهو يتحدث.. ويروى ما يعز على الخيال.. كنت أتطلع إلى المستشار الجليل داعيا الله أن ينطق من واقع تجاربه وخبراته الواسعة  ليقول  أن ما يرويه العقيد الغنام لا يمكن أن يحدث.. وأنه مهما بلغت الأجهزة من سوء فهى لا يمكن أن تفعل ما يرويه عنها العقيد الغنام  .. كنت أتطلع إلى ملامحه أستنطقها إن كان يصدق ما يسمع أم يكذب(..)  وتحدث المستشار أخيرا ليقول في أسى: قضى الأمر.. وفى غضون أعوام قليلة سيتكفل الموت بالجزر القليلة المعزولة التي ما زالت تقاوم الفساد !!..(..)

يا له من ألم يا سيادة الرئيس..

لكنني أعود إلى قضية العقيد الغنام.. الذي لو كان مواطنا عاديا لقتل منذ الأسابيع الأولى من التعذيب في قسم من أقسام الشرطة.. أو اختفى مع من يختفون.. أو لصدر له قرار اعتقال.. أو.. أو.. أو.. لكن الرجل لم يكن عاديا .. ولم يكن مجرد ضابط شرطة.. بل كان خبيرا حاذقا في كل الوسائل التي يمكن أن تتبع معه.. لذلك طالت الحكاية.. وتشعبت وسائل المواجهة والمقاومة.. لكنها مقاومة يائسة.. فليست مجرد الكثرة ما تواجه الشجاعة.. أنها الكثرة وبطش الأجهزة بقوتها الأسطورية.. الأجهزة التي تستطيع أن تمهر بالأختام أي باطل لتجعله حقا وأي حق لتجعله باطلا..

ولم يجد الرجل مفرا من طلب اللجوء السياسي.. وقبل طلبه..

ولقد اهتمت العديد من منظمات حقوق الإنسان بقضيته وطالبت الحكومة المصرية بالالتزام بتعهداتها الدولية ووقف اضطهاد العقيد الغنام والسماح له بمغادرة البلاد إلى سويسرا ، وهو الأمر الذي تعتقد هذه الهيئات أن السلطات المصرية حينما منعته من السفر إنما فعلت ذلك للتكتم على أمر لجوئه السياسي الذي يمكن أن يسبب حرجا بالغا للنظام ، وكذلك لمنعه من الحديث إلى الرأي العام العالمي..

ومرة أخرى يا سيادة الرئيس.. فإنني في كل ما كتبت لم أكن أتحدث عن العقيد الغنام.. بل عن خمسة وستين مليونا هم رعاياك..

وإنني أسألك: لماذا تبذل الدولة كل هذا المجهود لسحق فرد كان يمكن لها أن تستغل علمه ومجهوده لتحسين أدائها ولتصويب أخطائها..

وأقول لك يا سيادة الرئيس.. أن ما تفعله بعض الأجهزة.. أشد سوءا مما يفعله الشيطان ذاته.. فليس للشيطان علينا من سبيل إلا أن يوسوس لنا.. دون قمع أو إرغام.. إنه لا يثيب المجرم ولا يعاقب المحسن.. بل إنه عندما يكف الواحد منا عن معصية أو يقدم على طاعة.. لا يملك إلا الصراخ الشيطاني من فساد حيله وبوار تدبيره.. أما بعض أجهزتنا.. التي فاقت الشيطان.. فهى تعاقب المحسن وتكافئ المسيء.. نعم .. تحابى المرء طالما ارتكب المنكر.. فإن أقبل مرة على المعروف أو انتهى عن المنكر.. سحقته سحقا.. وسامته سوء العذاب..

يا سيادة الرئيس.. أطلت عليك فمعذرة..

لكنني أذكرك أن داعي الموت لا يقلع، وأن من مضى لا يرجع، وأما من بقى فإليه ينزع.  فبحق الله  الذي قهر العباد بالموت.. أستحلفك أن تكون  للظالم خصما وللمظلوم عونا.. ثم لا أكتفي بذلك.. بل أناشدك.. أن تعدل الميزان فقد اختل.. وأن تصلح المعيار فقد انقلب..

***  



انتهت الرسالة.. والاستنجاد ..

كنت خائفا على سمعة بلادي..

وتوقعت.. أو على الأحرى تمنيت أن يستجيبوا..

لكن أحدا لم يستجب..

وكنت أنوي مواصلة النشر كي أفضح ما حكاه العقيد محمد الغنام من تفاصيل العلاقة بين النيابة والشرطة.. وسيطرة الشرطة على كبار الكتاب الذين يقرأ بعضهم مقالاتهم مع القراء!!.. كان ضابط الشرطة – في البداية – يكلف الكاتب الكبير بالكتابة في موضوع معين.. لكن الكاتب العميل لا يمكن أن يكون مجيدا.. لذلك فقد لجأ الضباط إلى كتابة المقالات ثم إرسالها إلى مكتب الكاتب كي يتولى الأخير إرسالها إلى المطبعة بمعرفته.. لكن ضباط الداخلية قد تجاوزوا هذه النقطة الشكلية أخيرا ودأبوا على إرسال المقال – باسم الكاتب العميل – إلى المطبعة مباشرة.. وهكذا أصبح الكاتب يقرأ مقاله مع بقية القراء!!..

كنت أريد أن أكتب أيضا عن تفاصيل الفساد والانحراف والتزوير والتعذيب التي كشفها لي العقيد الغنام.. لكن الشعب سرعان ما أغلقت بعد تفجيرها قضية الكفر والفسوق والعصيان والشذوذ والعهر والكفر من أجل التطبيع.. أعني قضية الوليمة..

نعم.. أغلقت الشعب فلم أواصل النشر أيامها.

***  

لقد لفقوا للدكتور عقيد محمد الغنام ( أحد الخبرات النادرة ) عشرات التهم.. ولأن الرجل خبير ومتمرس فقد استطاع مواجهة كل التهم و إثبات براءته.. وأن هذه التهم لفقت له بسبب تصديه لانحرافات و أخطاء الأجهزة الرسمية في الدولة.. منعوه من السفر إلى الخارج.. فرفع قضية وحكمت المحكمة له. ومنعوه من السفر بعد حكم المحكمة ولولا ضغوط خارجية لما سافر إلى سويسرا ومعه ملف هائل قدمه إلى الأجهزة المختصة هناك فمنحته حق اللجوء السياسي.

ومن هناك .. في سويسرا يتحدث العقيد محمد الغنام إلى عشرات الصحف والقنوات التليفزيونية فاضحا ما واجهه من فساد..

أذاعت له محطة الـ  CNN ونشرت له وعنه  مختلف الصحف المصرية والعربية ومنها القدس العربي والحياة، التي نشرت الخبر التالي:

(العنوان: سويسرا تمنح اللجوء لضابط شرطة مصري ) 

 (الكاتب: ) 

(ت.م: 08-08-2001 ) 

بيرن - رويترز - منحت سويسرا حق اللجوء السياسي لضابط سابق في الشرطة المصرية فر من بلاده بعدما نشر مقالات في صحف معارضة مفادها أن الفساد متفش في أجهزة الشرطة وان هناك انتهاكات لحقوق الإنسان. وقالت وكالة الأنباء السويسرية أمس أن مكتب اللاجئين الاتحادي منح الضابط السابق حق اللجوء أول من أمس. ولم يتسن علي الفور الحصول علي تعليق من المسئولين. ووصل محمد الغنام المدير السابق لإدارة الشؤون القانونية في وزارة الداخلية المصرية إلى سويسرا في آبار (مايو) بعدما فشل مرارا في الحصول علي إذن بمغادرة البلاد منذ العام 1999. واجبر الغنام علي الاستقالة من منصبه بسبب المقالات التي نشرها العام 1998. 

***  

 إلا أن أخطر ما كتبه العقيد دكتور محمد الغنام  جاء في صحيفة لواشنطن نيوز من نيته على رفع قضية أمام القضاء البلجيكي لاتهام الرئيس مبارك بارتكاب جرائم ضد حقوق الإنسان..

*** 

و أيامها كان المجرم شارون مهددا بالمحاكمة في بلجيكا كمجرم حرب، وخشيت أن تستغل إسرائيل والغرب القضية التي سيرفعها العقيد الغنام كي يغطوا على قضية شارون فكتبت له:

وأنا من هذا المكان – صحيفة الشعب المصادرة – أوجه نداء إلى العقيد محمد الغنام: أرجوك لا تفعل..

مهما كان لا تفعل..

ومهما حدث لا تفعل..

ومهما يحدث لا تفعل..

أنت تعلم أنني معارض للنظام.. وتعلم أنى أقول فيه ما قال مالك في الخمر.. 

لكنني في هذا الأمر بالذات أحترم كثيرا اجتهاد المجاهدين في مصر الذين روعهم النظام وعذبهم واعتقلهم ظلما وعدوانا .. وعندما طرح النقاش حول جواز الانتقام أو المساءلة أو رفع القضايا في الخارج كان رأى هؤلاء المجاهدين أن يحتسبوا أمرهم عند الله..ذلك أن المواجهة بهذه الطريقة سوف تضر بالأمة كلها..

افعل ما شئت داخل بلادنا.. لكن خارجها لا تفعل أبدا.. ولست أقول ذلك إلا لسببين:

الأول أنني أدرك أن معظم منظمات حقوق الإنسان في الغرب خاضعة لأجهزة المخابرات هناك، و أنها أداة في يد الحلف الصهيوني الغربي ضد الإسلام، وانظر على سبيل المثال موقفهم مما يحيق بعشرات الآلاف من المعتقلين المسلمين وصمت تلك الأجهزة عما يحدث لهم.. وقارن ذلك بما تفعله تلك الأجهزة عندما يمس واحد من الخارجين على ثوابت الأمة الدينية والوطنية..

تلك أجهزة عدوة فلا تسلم فكرك وقلمك لها.. لأنها سوف تستغل غضبك و إحساسك بالظلم البين الذي تعرضت له.. لا لتعيد إليك حقا.. ولا لتوقف داخل الوطن فسادا.. بل ستستغل ذلك ضد صالح وطنك و أمتك.

السبب الثاني.. أنني مهما كانت معارضتي لأي مسئول في بلادنا لا أرضى أبدا أن يقف أمام محكمة بلجيكية على قدم المساواة مع شارون : كمجرم..

بل إنني أخشى أيضا .. أن يرحب اللوبي الصهيوني الصليبي بمثل هذه الخطوة التي تخفف من وطأة جرائم شارون.. فبدلا من أن يكون المجرم الوحيد يكون متهما بين عشرات المتهمين.. وانظر أيضا إلى قيام ذلك اللوبي بتحريض عملائه لرفع قضايا من هذا النوع ضد مسئولين آخرين في العالم العربي ( المعلن منها الآن فلسطين :ياسر عرفات!! الذي يزمع بعض الإسرائيليين رفع دعوى عليه،  والعراق وسوريا)..

لا تفعل .. أرجوك..

الأمر ليس أمر مسئول و إنما أمر أمة..

على أنني أسترجع بغضب موقف أولئك المسئولين في بلادنا الذين اتسموا بالعناد والغباء..

ماذا لو أنهم استجابوا لمقالي و أنصفوك..

ومن الذي يسئ لمصر الآن أمام العالم.. سوى نتاج غبائهم وعنادهم وظلمهم.

*** 

في سويسرا – ومن ثم في أوروبا كلها – بدأ العقيد محمد الغنام نشاطه على الفور ليشترك في عشرات الندوات ولتتسابق الصحف على مقالاته والمنتديات على استضافته، وفي أواخر عام 2001 أدلى بالخطبة التالية أمام مؤتمر حقوق الإنسان في شمال أفريقيا والذي أقيم في لندن تحت رعاية المرصد الإعلامي الإسلامي:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السادة الحضور: تمر شعوبنا العربية ـ سواء في المغرب أو المشرق ـ بمحنة قاسية بعد أن تسلط على معظم بلداننا حكام غلاظ لا يقيمون للإنسان وزناً ولا يعترفون بأي حق ولو أبسط حقوق الإنسان.

وفي مصر بالذات بلغت الأمور مبلغاً خطيراً بعد عشرين عاماً من حكم "مبارك" التعيس أصبح خلالها القمع والقتل والتعذيب سياسة الحكم ومنهاج الحاكم ونهب المال العام شغله الشاغل، ووجدنا عتاة الفاسدين وغلاة المنحرفين وقد اعتلوا مناصب الدولة الرفيعة فعاثوا في الأرض فساداً حتى آلت أحوال بلادنا إلى ما تعرفونه جميعاً!

الجمع الجليل: - كلمتي إلى جمعكم هذا لن تكون إنشائية أو بلاغية ولكنها سوف تنصب على حالات واقعية مصرية تؤكد من خلال الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة ما نقول به من أن الاستبداد والفساد هما جناحا سياسة الدكتاتور/ مبارك، وتكشف كذب ادعاءاته من أن ما نشهده من عمليات قتل وتعذيب لأبناء شعب مصر على أيدي بعض رجال الشرطة إنما هو من عند أنفسهم ولا يعدو أن يكون انحرافاً أو أخطاءً شخصية منهم، فالغالبية العظمى من إخوانكم من ضباط ورجال الشرطة ـ الذين شرفت بالعمل بينهم لأكثر من عشرين عاماً ـ يتقون الله حق تقاته ويدركون حرمة النفس البشرية التي كرمها الخالق، وهم من ادعاءات مبارك الزائفة براء.

أما ما نشهده من عمليات قتل وتعذيب يرتكبها بعض رجال الشرطة فهي نتيجة الضغوط القوية والمكثفة التي يمارسها " مبارك" على رجال الشرطة لدفعهم دفعاَ في هذا الاتجاه بقصد إرهاب وتركيع شعب مصر، وفي مواجهة ضغوط مبارك تلك يصمد من يصمد من الضباط الأقوياء الذين يرفضون معصية الخالق وانتهاك أحكام القانون ابتغاء مرضاة الحاكم الفاسد، بينما لا يقوى على الصمود الأقل قوة ومن في نفوسهم مرض فيسقطون في فخ مبارك فيقتلون ويعذبون بني جلدتهم طمعاً في منصب أو بحثاً عن مكافأة مالية.

ويسعى الدكتاتور "مبارك" إلى السيطرة على جهاز الشرطة ودفعه لتنفيذ سياسته الشيطانية القائمة على قمع وإرهاب الشعب ضماناً لاستمراره في الحكم وبقائه في السلطة رغم أنف الجميع من خلال وسائل عديدة ، نذكر منها في هذا المقام وسيلتين: أولاهما، تتمثل في إسناد المناصب القيادية الحساسة في جهاز الشرطة للعناصر المنحرفة التي لا تتورع عن قتل أو نهب، بما يضمن له السيطرة من خلال تلك العناصر على الجهاز بأسره وتوجيهه الوجهة التي تحقق أهدافه الخبيثة، والوسيلة الثانية، تتمثل في حماية من يسقطون في حبائله فيقدمون على قتل وتعذيب إخوانهم ، وإليكم بعض الحالات الواقعية المدعمة بالأدلة القاطعة لبيان استخدام مبارك وإعماله لهاتين الوسيلتين:الوسيلة الأولى: السيطرة على جهاز الشرطة من خلال تشجيع الفساد وإسناد المناصب القيادية للعناصر المنحرفة:

1 – جرت ـ منذ عدة سنوات ـ محاكمة اللواء/ طلعت كامل نصار وإدانته في جريمتي اختلاس وتزوير، وبعدها بسنوات قليلة ـ وتحديداً في عام 1991 ـ تمت مجازاته إدارياً لاستيلائه على أموال مخصصة لجنود الشرطة، وكان الطبيعي أن يتم استبعاد مثل هذا الضابط فوراً، ولكن ما حدث في ظل حكم مبارك كان مختلفاً كل الاختلاف إذ قام المدعو / حسن الألفي (وزير الداخلية السابق) بمد خدمة هذا الضابط في رتبة اللواء بينما أحال زملاءهُ الشرفاء للتقاعد، مما حدا بهم إلى إقامة دعوى قضائية ضد وزير الداخلية أمام محكمة القضاء الإداري التي أدانت الوزير واصفة مسلكه هذا بأنه ينطوي على سوء تقدير وإساءة استعمال السلطة المخولة له (حكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 2117 لسنة 52 ق ـ الدائرة التاسعة ـ في 27 ديسمبر 1999)، ولان من البديهي بعد هذا الحكم أن يتم محاسبة وزير الداخلية واستبعاد هذا الضابط، ولكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً إذ قام المدعو " حبيب إبراهيم حبيب العادلي" وزير الداخلية الحالي في 1 أغسطس 2000 بمد خدمة اللواء المذكور لمدة عام آخر ضارباً عرض الحائط بأحكام القضاء (قرار وزير الداخلية رقم 809 لسنة 2000) .

ثم كانت الطامة الكبرى في 25 يناير 2001 حيث قام الدكتاتور/ مبارك في إطار احتفالات أعياد الشرطة بمنح هذا الضابط نوط الامتياز من الطبقة الأولى ( الخبر منشور في جريدة الأهرام الصادرة بتاريخ 26 يناير 2001 صفحة 15) ، فهل هذا معقول؟! وهل يمكن أن يصل تشجيع الفساد وحمايته إلى هذا الحد؟! وهل يمكن أن يحدث هذا من أي حاكم تتوافر فيه أدنى متطلبات "الأمانة" التي هي شرط لازم من شروط صلاحية الحاكم؟!

2 – تكرر نفس الأمر بالنسبة للواء/ محمد محمود شحاته الذي تمت محاكمته وإدانته بعد أن تم ضبطه وهو يقوم بتهريب بضائع من جمرك بورسعيد مستخدماً سيارة مسروقة قام بتغيير لوحاتها المعدنية، ومع ذلك لم يتم إنهاء خدمته وإنما على العكس قام نفس الوزير (المدعو/ حبيب إبراهيم العادلي) بمد خدمته في رتبة اللواء وإحالة زملائه الشرفاء للتقاعد، مما حدا بهم إلى إقامة دعوى قضائية ضده ، وقد أدانت محكمة القضاء الإداري مسلك "حبيب إبراهيم العادلي" واصفة إياه بأنه ينطوي على سوء تقدير وانحراف فاحش بالسلطة (حكم محكمة القضاء الإداري في القضية رقم 428 لسنة 53 ق ـ الدائرة التاسعة).

3 – امتدت خطة النظام الحاكم المصري لإحكام سيطرة قيادات منحرفة على جهاز الشرطة إلى أكاديمية الشرطة في محاولة خبيثة لبث بذور الانحراف بين طلبة كلية الشرطة، فتم تعيين اللواء/ عمر حسن عدس مديراً للأكاديمية رغم ما عرف عنه من سرقة بحث علمي وتقاضي رشاوى والحصول على وحدات سكنية من صغار الضباط لنقلهم وقضاء مصالحهم وقد نشرت جريدة "الشعب" جانباً من وقائع انحرافه، وحتى بعد أن أدانته الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة إذ قررت عدم قانونية عقد المقاولة الذي باشر إجراءاته ووقعه المذكور نيابة عن وزارة الداخلية مع إحدى شركات المقاولات بقيمة ثلاثمائة وخمسين مليون جنيه مصري لبناء أكاديمية الشرطة الجديدة (التي أسماها مبارك باسمه!!) (راجع فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع ملف رقم 54/ 1 / 344 لسنة 1998)، أقول حتى بعد أن قررت الجمعية العمومية أن اختيار تلك الشركة تم "بمنأى عن كل قواعد القانون وبخروج سافر عليها" وبالمخالفة للقواعد المقررة لحماية المال العام مما يكشف عن وجود تلاعب، فانه لم يتم استبعاد هذا الضابط بل تم الإبقاء عليه في نفس وظيفته لينفث سمومه بين طلبة الكلية، ولم يغير من ذلك ما قام به من تلاعب في الأراضي المخصصة لضباط الأكاديمية والتي قام بتوزيع مساحات واسعة منها ـ بغير حق ـ على معارفه وعلى كبار المسئولين بالدولة ، والأدهى والأعجب من ذلك انه حتى بعد أن بلغ سن التقاعد قام فتحي سرور رئيس مجلس الشعب بتعيينه مستشاراً له!!

وهناك العديد والعديد من الحالات المماثلة، كذلك فإن هناك وبالمقابل العديد من حالات أخرى لضباط شرفاء رفضوا المشاركة في الفساد ونهب المال العام فكان جزاؤهم النقل والتنكيل وإنهاء الخدمة، ولكن سأكتفي - حرصاً على وقتكم الثمين ـ بهذه الحالات الثلاث المدعمة بالأحكام القضائية التي هي عنوان الحقيقة وبفتاوى الجمعية العمومية لقسم الفتوى والتشريع وهي أعلى جهة إفتاء قضائية في مصر.

وغنيٌ عن البيان أن إسناد الوظائف القيادية لأمثال هؤلاء الضباط ممن في نفوسهم مرض وممن لا يتورعون عن فعل أي شيء في سبيل تحقيق مصالحهم يمكن مبارك من تنفيذ سياسته القمعية وإجبار الضباط الآخرين من ذوي الرتب الصغيرة والمتوسطة على التورط في عمليات قتل وتعذيب الأبرياء.الوسيلة الثانية: مبارك يكرم ويحمي من يسقطون في حبائله من الضباط فيقدمون على قتل وتعذيب أبناء الشعب:-

بالنسبة للقلة القليلة من رجال الشرطة ممن أقدموا على قتل وتعذيب أبناء الشعب خضوعاً للضغوط التي مارسها " مبارك" والقيادات المنحرفة التي مكنها من المناصب القيادية في جهاز الشرطة، أقول إن تلك القلة القليلة التي غرر بها مبارك وأعوانه تحظى برعاية وحماية نظام حكم مبارك، إذ لا يقوم النائبُ العام ـ في معظم الحالات ـ بتحريك الدعوى الجنائية ضدهم بل يقوم بحفظ التحقيق أو يكتفي بمطالبة وزير الداخلية بتوقيع جزاء إداري، ولعل مما يثير الضحك ـ وشر البلية ما يضحك ـ أن نعلم أن الجزاء الواقع على بعض رجال الشرطة لقيامهم بتعذيب مواطنين وإحداث إصابات بهم هو الإنذار أو خصم نصف يوم من المرتب، وحتى في الحالات التي يضطر فيها النائب العام إلى إحالة بعض رجال الشرطة من مرتكبي جرائم القتل والتعذيب إلى جهات القضاء نتيجة ضغوط منظمات حقوق الإنسان أو أجهزة الإعلام، فإنه تتم ممارسة ضغوط قوية على القضاة لتبرئة المتهمين أو إصدار أحكام مخففة بحقهم، ويكفينا من مقام التدليل على تدخل الدكتاتور مبارك في أعمال القضاء اعترافه الصريح بذلك في حديثه مع إحدى المجلات الأمريكية أثناء زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية في مارس 2001، حيث أقر المذكور بأنه أمر النائب العام باستبعاد تهمة التخابر التي كانت موجهة للدكتور/ سعد الدين إبراهيم لأنها "جريمة وحشة وعقوبتها كبيرة"!!! والأدهى والأنكى من كل ما تقدم انه حتى في الحالات الصارمة التي تقوم فيها المحاكم بإصدار أحكام مخففة ضد بعض رجال الشرطة المتهمين بقتل بعض المواطنين وتعذيبهم حتى الموت، فان الدكتاتور مبارك يصدر قرارات عفو لرجال الشرطة بل ويقوم بتكريمهم ومنحهم أنواطاً وأوسمة.

وأذكر في هذا المقام بعض الأمثلة:-

1. قام كل من الرائد / طارق فؤاد والرائد/ معتصم أحمد والرقيب / عبد الناصر صالح وآخرون ، بتعذيب مواطن كان محبوساً احتياطياً في سجن الفيوم بطريقة وحشية حتى لقي مصرعه من هول التعذيب، وتم تقديمهم للمحاكمة التي عاملتهم بالرأفة فقضت بسجن كل منهم لمدة خمس سنوات رغم أن العقوبة المقررة لجريمتهم هي الأشغال الشاقة المؤبدة، وانقل لكم من حيثيات حكم محكمة جنايات الفيوم نصاً للطريقة التي قتل بها هذا المواطن: " أوثقوه بحبل من القماش وأوسعوه ضرباً بعصاً وسير من الجلد وقاموا بكيه في مواضع مختلفة من جسمه بلفافات تبغ مشتعلة وأسياخ من الحديد المُحَمّى في النار، فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته، كذلك فان المتهم الأول أيضاً: هتك عرض المجني عليه بالقوة بأن أولج عصا في دبره على النحو الوارد بالتحقيق".

ورغم هذا التعذيب الوحشي وتلك الميتة البشعة، ورغم هذا الحكم المخفف، فقد أصدر الدكتاتور المدعو "محمد حسني مبارك" القرار الجمهوري رقم 32 لسنة 1994 في فبراير 1994 بالعفو عن الضابطين وضابط الصف، وهكذا لم ينفذوا العقوبة المحكوم بها عليهم وعادوا لممارسة عملهم في وزارة الداخلية وكأن شيئاً لم يكن!!.


2. قام المقدم/ حسن إبراهيم السوهاجي بتعذيب مواطن بطريقة بشعة حتى لقي حتفه بين يديه، وأثناء مثوله أمام المحكمة قام الدكتاتور/ مبارك في 25 يناير 1994 بمنحه نوط الامتياز من الطبقة الثانية تكريماً له لتعذيبه أحد أبناء الشعب حتى الموت ، وذلك في إشارة صريحة للمحكمة بان النظام يحميه وقد فهمت المحكمة الإشارة فاكتفت بمعاقبة الضابط بالحبس لمدة سنة، نفذ منها ستة أشهر فقط قضاها معززاً مكرماً في أكاديمية الشرطة ـ وليس في السجن ـ ثم أُخلي سبيله ليعود لممارسة عمله في مباحث القاهرة (تم منح الضابط نوط الامتياز بقرار رئيس الجمهورية رقم 11 الصادر في 20 يناير 1994).

وسأكتفي ـ مرة أخرى حرصاً على وقتكم الثمين ـ بهاتين الحالتين الفاضحتين الصارختين اللتين يبدو فيهما تدخل الدكتاتور مبارك بصورة شخصية وسافرة لتشجيع عمليات قتل وتعذيب أبناء الشعب الذي يفترض أن هذا الدكتاتور يرعى مصالحه ويحافظ على حقوق أبنائهِ ، وأود أن أسترعي انتباهكم إلى أن هذين القرارين المشار إليهما آنفا قد صدرا خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما (من 20 يناير 94 إلى 5 فبراير ) مما يكشف عن معدل إصدار مثل تلك القرارات وعن معدل قتل أبناء الشعب تحت وطأة التعذيب.

وأجدني أتساءل إذا كان هذا هو مسلك مبارك الشخصي فهل يبقى لدى منصف أدنى قدر من الشك في أن التعذيب والقتل هما السياسة الرسمية المعتمدة من نظام الحكم القائم في مصر وان الدكتاتور مبارك يتدخل شخصياً ومباشرة بتنفيذ تلك السياسة وانه مسئول بصفة شخصية عليها؟! وهل يبقى لدى عاقل أدنى قدر من شك في أن مبارك هو ألد أعداء مصر وشعبها، وان بلادنا قد نكبت بحكمه كل نكبة، وان تخليص شعبنا منه ومن نظامه الفاسد هو واجب على كل مصري بل وعلى كل من ينتمي لبني الإنسان ولو لم يكن مصرياً، إن أبسط قواعد العدالة تأبى أن يفلت "مبارك" بجرائمه التي عرضت عليكم جانباً بسيطاً منها ومن أدلة ثبوتها، داعياً كل المهتمين بحقوق الإنسان والمعنيين بقضايا الديمقراطية إلى التضامن معي في مسعاي لتقديم الدكتاتور مبارك للمحاكمة الجنائية أمام القضاء البلجيكي، وأود أنهي إلى علمكم إني قد بدأت بالفعل بعض الاتصالات مع نفر من كبار المحامين في بلجيكا لبحث مدى إمكانية تقديم مبارك للمحاكمة الجنائية لارتكابه جرائم خطيرة ضد شعب مصر تشكل انتهاكاً سافراً لأبسط قواعد حقوق الإنسان، وأتعشم أن يبادر من يملك منكم أدلة يمكن أن تدين المذكور إلى تقديمها إلى الأخوة بالمرصد الإسلامي خاصة ما يتعلق بحالات الاعتقال والتعذيب.

الجمع الكريم: أن مبارك يعلم علم اليقين أن شعب مصر يرفضه ويلفظ نظامه الفاسد، لذلك فهو يعتمد القمع والإرهاب والحيلة والخديعة أدوات للاستمرار في السلطة والبقاء في الحكم، لهذا فلا عجب أن فرض حالة الطوارئ منذ اليوم الأول لحكمه التعيس وعلى مدار عشرين عاماً حتى يومنا هذا، وليس غريباً أن زج بعشرات الآلاف من أبناء الشعب في السجون والمعتقلات لسنوات طويلة دون ذنب أو جريرة ، وليس بمستغرب أن عمد إلى تزوير الانتخابات والتلاعب في نتائجها حتى بلغ الأمر في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة حد التعدي بالضرب على الناخبين بل وإطلاق النار عليهم ـ في بعض الحالات ـ لمنعهم من دخول اللجان الانتخابية للإدلاء بأصواتهم ، ولا يمكن أن يقلع مبارك عن سياسته القمعية تلك لأن بقاءه في السلطة مرتبط بها لذلك فسوف تبقى انتهاكات حقوق الإنسان في مصر ما بقي مبارك حاكماً لها، فإزاحة هذا الطاغية عن السلطة هي السبيل الوحيد لإنقاذ شعبنا وضمان أمن أبنائهِ وأود أن أوجه عنايتكم في هذا المقام إلى ما يلي:-

أولاً : إن مبارك يعتمد في حكمه على سياسة "فرق تسد" ،فيسعى إلى إثارة الفرقة بين المسلمين والأقباط والإبقاء على حالة من التوتر والاحتقان في العلاقة بين الطرفين، كما يسعى إلى الإيقاع بين فصائل المعارضة المختلفة وتغذية خلافاتها، مما يوجب على فصائل المعارضة أن تجمع صفوفها وتوحد كلمتها فالقتل والتعذيب ونهب أموال الشعب هو أمر ترفضه جميع الرسالات السماوية وتأباهُ كل الفلسفات والنظم الوضعية، ثم إن ما حاق بمصر من خراب اقتصادي وما لحق أهلها من عوز وفقر في ظل حكم مبارك لم يقتصر على أتباع دين دون آخر أو فريق سياسي دون غيره، وإنما عم الضرر الجميع مسلمين وأقباط يمين ويسار.

ثانياً: أن مبارك يعمد إلى ابتزاز الغرب ودفعه إلى دعم نظامه من خلال إثارة فزع الولايات المتحدة وأوروبا من خطر إسلامي مزعوم، وتسهم بعض فصائل المعارضة المصرية في خدمة أهداف مبارك من خلال بعض دعاوى الغلو والتطرف، مما يستوجب الحرص على التأكيد دائماً على حقيقة أن الإسلام هو دين السلم والأمن، وانه يحرص على التعايش والتعاون مع كل الديانات الأخرى ويكن لها الاحترام.

ثالثاً: يسعى النظام الحاكم المصري إلى استعداء الدول التي تستضيف بعض فصائل المعارضة المصرية في الخارج على تلك الفصائل، في محاولة خبيثة لصرف انتباه المعارضة في الخارج عن قضايا الوطن الحقيقية وجرها لخلافات فرعية مع الدول الديمقراطية التي تستضيفها، مما يتطلب الانتباه لتلك المحاولات الخبيثة.

ختاماً: أتمنى لكل المشاركين في هذا المؤتمر التوفيق والسداد وان يلتئم هذا الجمع الكريم في أقرب فرصة في القاهرة بعد تحريرها.. وإن غداً لناظره قريب.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عقيد . دكتور/ محمد الغنام

مدير إدارة البحوث القانونية بوزارة الداخلية المصرية سابقاً - حالياً : لاجئ سياسي بسويسرا

*** 

ما لدي عن العقيد الدكتور الغنام كثير كثير..

كان ما يزال في مصر وكان الخطر محدقا به فوزع على كثير من الكتاب صورا لمستندات تدين أجهزة الحكم – اطلعت على بعضها – ثم تابعت البعض الآخر بعد رحيله على صفحات الصحف ومواقع الإنترنت..

ولقد دهشت عندما قرأت له أحيانا يدافع عن الإسلام.. والحقيقة أنني لم أعرف عنه عندما لقيته موقفا معينا مع الإسلام أو ضده، لكنه كان – كما بدا لي – قد ركن إلى الموقف العلماني الذي يدعي أنه يفصل الدين عن الدولة، لكنه في الواقع يقصي الدين كليا، لأن الإسلام دين ودولة، ولا دولة في الإسلام لا يحكمها الإسلام. 

أقول دهشت.. ثم توجست شرا.. فالغرب قد يغفر لك كل خطاياك.. لكن بشرط ألا تكون مسلما.

***  

أتأمل الأمر في سخرية مرة..

هل أناشد مبارك التدخل لإفراج عنه..

مبارك الذي وضع عشرين ألفا قيد الاعتقال وقتل – بالمحاكم – أكثر مما قتل في مصر في التاريخ المكتوب كله.

هل أناشد حكام الجزيرة العربية الذين أعادوا اكتشاف الطريق إلى قلب الغرب.. طريق الخيانة والعار.. طريق لورانس والشريف حسين.. طريق قتل الأبطال بعد تشويههم واتهامهم بالإرهاب..

هل أناشد بشير السودان الذي باع كارلوس بعد إسلامه ثم يروح – الآن – يبيع السودان قطعة قطعة لكي يستمر في الحكم.. وسيتمزق السودان ولن يستقر هو في الحكم.

هل أناشد حاكم تونس وملفاته لدي المخابرات الغربية معلنة وشاهدة ومشهودة..

هل..

هل..

هل..

يا إلهي..

لشد ما ضاقت بنا بما رحبت..

وليس لها من كاشفة سواك..

ليس لها من كاشفة سواك..

ليس لها من كاشفة سواك..


***  

***  

***  


حاشية


اضربوهم بالنعال!!


يستطيع الشعب الموريتاني الحبيب أن يقدم خدمة كبرى للدعوة الإسلامية بتصديه للمرتدين والمتشبهين بالكفار، والذين قرروا تحويل الأجازة الأسبوعية من الجمعة إلى الأحد. يستطيع الشعب الموريتاني أن يواجه هؤلاء العلماء السفلة بمقاطعتهم، وعدم الصلاة معهم، كذلك عدم البيع والشراء منهم و إليهم، المقاطعة الكاملة من الأسرة والأهل والعشيرة. بل يستطيع البصق عليهم أينما ثقفوا وضربهم بالنعال أينما وجدوا.. إن ردع هذه الشرذمة المتشبهة أو المرتدة ستردع كثيرين من إخوانهم – إخوان الشيطان – في العالم العربي، والذين يستعدون الآن للقيام بنفس الدور.

فهلم أيها الشعب الموريتاني الحبيب هلم..

ملاحظة للشعب الموريتاني وكل شعوب المسلمين: جهاد الحاكم المرتد جهاد دفع لا جهاد طلب.

ملاحظة أخرى: دبي: «الشرق الأوسط» :

الرئيس الموريتاني يقيل مستشاره الديني بعد اعتراضه على عطلة الأحد:

عزل الرئيس الموريتاني معاوية ولد الطايع مستشاره للشؤون الدينية، الفقيه محمد المختار ولد امبالة، من منصبه بعد رفضه المشاركة في برنامج بثه التلفزيون الحكومي لتبرير تغيير عطلة نهاية الأسبوع من الجمعة إلى الأحد بحسب ما أكدت مصادر متطابقة أمس.

وذكرت مصادر مطلعة أن الفقيه ولد امبالة أبدى تحفظات على القرار وامتنع عن التوجه إلى مبنى التلفزيون للظهور مع علماء وفقهاء آخرين، في برنامج مباشر يقدم مسوغات دينية للقرار الحكومي المثير للجدل. وأضافت المصادر أن الفقيه ولد امباله طُلب منه إخلاء الفيلا المؤجرة من طرف الدولة وإرجاع السيارة الحكومية، كما نزعت منه امتيازات أخرى كان يتمتع بها بوصفه مستشارا للرئيس.

وفيما أفتى الشيخ محمد الحسن ولد الددو، عالم الدين الشاب والزعيم الروحي للتيار الأصولي في موريتانيا، بعدم جواز تحويل العطلة من الجمعة إلى الأحد، شدد فقهاء شاركوا في حملة نظمتها وسائل الإعلام العمومية على أن العمل هو الأصل في يوم الجمعة، وأن تحويله إلى عطلة أمر مخالف لهدى الإسلام وروحه العامة.

لعنهم الله..

لعنهم الله..

لعنهم الله..

***  

حاشية


وزير الأوقاف وصلاة الجمعة:

 وزير الأوقاف الذي أزعجه صوت الأذان ولم تزعجه أجراس الكنائس ولا مكبرات صوت الكباريهات أسفر عن وجهه من خلال أحد مستشاريه الذي أيد بحماسة صلاة الفاسقة الأمريكية في كنيسة للنصارى..

أيد المستشار رأي أمينة ودود.. والأولى أن يكون اسمها خائنة لا أمينة.. وبغيضة لا ودودة..

على أننا نحمد للوزير ولمستشاره  بقايا حياء جعلته يمتنع عن المجاهرة بتأييده لباقي أفكار أمينة ودود التي لا تري أن الحجاب أو غطاء الرأس للنساء فرض في القرآن والإسلام. و لا تري حرجا أو حرمة للواط أو السحاق. و تري أن المرأة تصلي أثناء حيضها. و تري أن للمسلم أن يرفض الحدود كحد السرقة لكونه حكما غير حضاري.. 

ولقد أشار مجمع فقهاء مسلمي أمريكا الشمالية إلى أن ( إمام الكنيسة آمنة ودود  واحدة من الذين ينكرون ثوابت العقيدة، حيث ترى أنها يمكن أن تقرر عدم الأخذ بأيَّ من النصوص القرآنية إذا رأت أنها تتماشى مع السلوك الحضاري المعاصر). 


وأوضح أن إمام الكنيسة آمنة ودود تعتقد أن قطع يد السارق ليس مقبولا لشخص متحضر مثلها ولا تخفي أنها من أنصار زواج المثليين .) 

لم يجاهر مستشار وزير الأوقاف ( الذي يزعجه صوت الأذان فأفتى له مستشاروه بإلغاء الشعيرة) بتأييده لكل هذا لكنه راح يدافع بحماس ملتهب عن المرأة الفاسقة المنافقة.

ويا سيادة الوزير من أي مستنقع تأتي بمستشاريك..

لكن الأولى أن نسأل : من أي مـ..مـ..مـ..مـ..ـوقع أتوا بك أنت.

***  

حاشية


إلى صحيفة الأسبوع:


حققتم – بغض النظر عن نقاط الاختلاف والاتفاق- مصداقية وشعبية  واسعة وكنتم في أحيان كثيرة مصدرا رئيسيا لمعلومات لا ينشرها سواكم .. وجزاكم الله خيرا.. لقد سددتم ثغرة لم يتصد لسدها سواكم..

أفهم دقة وصعوبة الموازنات..

وقديما قالوا أن طعام معاوية أشهى وصلاة على – رضي الله عنهما – أتقى..

وصلاة علي الآن تحوطها المخاطر..ولا نطلب منكم أن تكونوا معه..لكن لا تجعلوا سيوفكم عليه.

***  


الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح: ليتك تصمت..! ! 

***  

الدكتور عصام العريان: أحبك في الله..و أحس إخلاصك....ولكن الإسلام دين لا ينبغي أن تضيع بالمناورة أركانه ! ! .. وهو يعلو ولا يعلى عليه.. 

يا أخي في الله: واجبنا أسلمة العالم لا علمنة الإسلام!!

***  

عليه اللعنة


عليه اللعنه: شيخ أزهري رفض سماع الشهادتين ممن شرح الله للإسلام صدره..

عليه اللعنة إلى يوم الدين: حاكم ديوث أمر بتسليم المسلمين إلى من يردونهم عن دينهم..

عليهم اللعنة..رجال أمن بل كلاب أمن قتلوا النسور فاستنسر البغاث..

عليهم اللعنة..أطاعوا أعداء الله في التنكيل بأولياء الله..حتى انقلب التوازن..وارتفعت المطالب بأن يكون حاكم مصر مسيحيا.

عليه اللعنة من أفتى بالإسلام الأمريكي حتى وإن كان جمال البنا.

عليه اللعنة : كل من يظهر في قناة الحرة  عامدا متعمدا.. فهو  إما مغفل و إما عميل.

عليه اللعنة: شيخ مشايخ نافق فادعى أن 11 مليونا يبايعون حسني مبارك

***  

حاشية


بدون عنوان..

في بلادنا وصل الشذوذ في أوقات عديدة ومختلفة  إلى مقعد الوزارة، وقيل رئاستها..وسكت الناس..فهنيئا لهم أنه يطرق الآن أبوابا أعلى.


***  

حاشية

اتحاد الكتاب


كما تكونون يول عليكم:

 لطالما تساءل الناس في دهشة ذاهلة مذهولة عن السر في تعيين وزير للثقافة لاكت الألسن سمعته وسلوكه..ثم تساءلوا عن سر الإصرار الشاذ في الإبقاء عليه ..وكانت الإدانة الدائمة نصيب صاحب القرار إلا من انتفع به  فلف لفه ونهج نهجه وسلك سلوكه ..وظل الأمر هكذا حتى انتخب كتابنا الأشاوس الأستاذ الفنان محمد سلماوي رئيسا لاتحادهم..

ومحمد سلماوي هو فاروق حسني..

هو هو ..حذو القذة بالقذة..

في فكره وسلوكه..

وقلت لنفسي: ليس العيب في صاحب القرار وحده..إنما: كما تكونون يول عليكم.

ملحوظة 1: الحمد لله الذي عافاني من عضوية اتحاد الكتاب الذي عزفت طول الوقت عن عضويته رغم إلحاح بعض الأصدقاء .

ملحوظة 2: قذف المحصنات إثم أعظم وله حده..لكن: ما هو الموقف من غير المحصنات وغير المحصنين..ماذا عن عاهرة تفاخر بعهرها وشاذ يباهي بشذوذه..هل واجبنا أن نتستر عليه ليخدع الناس أم نفضحه كي يحذروه.


***  

حاشية


يا ديول ديول اليهود


فليسمح لي القارئ – لمجرد التنفيس عن بعض كربي – أن أستعيد بعضا من نفثات نجيب سرور في ديوانه الذي لا يمكن مجرد ذكر اسمه.. بعد أن أستبعد منها ما لا يجوز نشره:

شوفوا اليهود فين يا عالم روحوا راقبوهم 

بلاش تراقبوا الغلابه حتى في المراحيض 

يا ديول ديول اليهود مهما ها تحموهم 

بكره نشوفكم نسا زى النسا بتحيض 

الغمز واللمز والاشـارات دي شغلتكم 

دا شعب ما يتغلب إلا بغدر وغش 

ومادام فهمناكوا .. يعنى كشفنا لعبتكم 

نلعب بقى إحنا والأذكى أكيد ها يقش 

أقرا في بيت الأدب أجدع كلام بنقال 

آدى " الصراحة " بصحيح يا شعب يا معلم 

مادام بيملوا الجرايد من خرا الاندال 

يبقى المراحيض جريده ليك يا متلجم 

الموت خانات والخانات من خبثهم ألوان 

جزاره .. واحنا غنم متعلقين م الكعب 

هاود وهوَّد وصهين واخطف الأولاد 

غاويين تكاثر وبس .. ومصر (.....) 

عَمَّـالَه تحبل وتولد بس للجلاد !! 

ياولاد بلدنا ياحسره ع اللى منا يطب 

يبقى عليه العوض يا مصر في الاولاد 

وياما ثرنا وبقت ثوراتنا بالدَّوره 

وف كل مره نلاقى النيل بقى إحباط 

وننام ونصحى نلاقيها ثورة ع الثورة 

ونعيده تانى وكل الركّ ع الخياط 

(......)

(......)

لو طبّوا بكره اليهود يا مصر وخدوكي 

والله ما ها يشيلوا من فوق الكراسى حد 

هايلاقوا مين يحكمك غير اللى باعوكى ؟ 

مفروشه ليهم وقدم سبت تلقى الحد ؟! 

كل الحكايه يهود في يهود .. 

لا تقولى قبطى ولا مسلم .. 

وموشى كان من قبله داوود 

وليه نموت ولا نتعلم !

(......)

(......)

وبائعو الكلامْ .. 

ومدْمنو حبوب منع الحملْ .. 

منع حمل السلاحْ ! 

والوداعَ .. الوداعْ !!

بعد أن أشـعلوا النار في البيت والمصنع والمزرعه .. 

بل وفى حرم الجامعه ! 

وغداً سوف يبيعون أهرامك الأربعه .. 

مفروشة لليهود يا مدينة الالف الف عامْ .. 

يا موطنَ الأهرامْ .. 

تصبحين مدينةً " لأى كلامْ " ! 

دقت الساعة الفاصله .. 

سقط الغدرُ عندما ظهر الجندُ بالدروعْ .. 

أسقطوا الاقنعه .. 

كلّ قناعٍ كان خلفه وجه قرد .. 

نحن لن نرقص بعد اليوم يا زمان القرودْ .. 

يا ذيول اليهودْ !! 

ستريكمْ عجينها الفلاَّحه .. 

خبزت مصر كعكها الحجرى .. 

والسياده منذ الآن " للفرن " و " الكانونْ "

***  

***  

***  


الأسبوع القادم إن شاء الله


بدائــــل مبارك


الطوفــان

قاموس الردة:

المسلم متشدد والملتزم أصولي والأصولي إرهابي ولاستشهادي انتحاري والجهاد جريمة أما الإيمان فليس بالله بل بمبارك وعبد الله وشارون وبوش والشيطان


اللهم ارحم عبدك حسن وتغمده بغفرانك ورحمتك..  







بدائــــل مبارك


الطوفــان(1/2)

قاموس الردة:

المسلم متشدد والملتزم أصولي والأصولي إرهابي والاستشهادي انتحاري والجهاد جريمة أما الإيمان فليس بالله بل بمبارك وعبد الله وشارون وبوش والشيطان


اللهم ارحم عبدك حسن وتغمده بغفرانك ورحمتك.. 



بقلم د. محمد عباس

www.mohamadabbas.net

mohamadab@gawab.com


طوفان بغير سفينة نوح، وردة لا أبا بكر لها، وفتنة بلا عمر، وصليبيون دون صلاح الدين، وتتار دون قطز، وخونة يبرئهم قضاة النار ويلبسونهم ملابس الأبطال، ودعار يضعون شروط العفة ويدعون براءة الأطفال، ومزورون يشرفون على صندوق الانتخاب، وزنادقة يحددون شروط الإيمان، وعهار يدرّسون الأخلاق، وطواغيت جعلوا من أنفسهم حراسا على الحرية، ومجالس أمة دونها مجالس الشيطان، وصحف بزت مسيلمة، وكذب ليس له في التاريخ مثيل، وخسة ليس لها في العالم نظير، وقلب مكسور، وجرح مفغور، وذنب أمة أخشى أن يكون غير مغفور، وعقل مهدر، وخطايا بلا مبرر وبلا استغفار وبلا توبة، ونار ليست سلاما، واكتشاف بئيس أن الخطأ ليس في الحكام، بل في الأمة المشلولة التي نست الله فأنساها نفسها وسلط عليها من الطواغيت مثل أولئك الذين تسلطوا عليها، فلما آن أوان وصولهم إلى مأواهم في مزابل التاريخ إذا بالمهرجين يتقدمون ليحكموا أمة تستحقهم فكما تكون يُولّ عليها.

***

نعم ..

طوفان أرى أمواجه و أسمع هدير أمواجه و أخوف ما أخافه و أخشى ما أخشاه أنه لن يقبض أرواحنا ولن يهدم بيوتنا ولن يخرب عمراننا ولن يغرق بلادنا..

لن يفعل أيا من ذلك..

لكنه سيفعل ما هو أخطر.. وسيقضي على ما هو أهم.. وسيغرق ما هو أغلى و أقيم..

 سيقضي على ديننا..

لا على الإسلام كدين -فالله خيرا حافظا- بل على المسلمين كجيل أو أجيال..

طوفان يستهدف لا إله إلا الله..

طوفان فيه المسلم متشدد والملتزم أصولي والأصولي إرهابي والاستشهادي انتحاري والجهاد جريمة أما الإيمان فليس بالله بل بمبارك وعبد الله وشارون وبوش والشيطان.

طوفان عجز طيلة الماضي أو على الأحرى هرب من تعريف الإرهاب الذي يخشاه منا أو من توصيف الإسلام الذي يريده منا.. لكنه بعد أن استيقن – في مخيلاته وهلاوسه- من فنائنا و هلاكنا أسفر عما يخفيه.. فإذا بالإرهاب الذي يقصده هو الجهاد، نعم، هو الجهاد، الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، لا كراهية في الجهاد فقط مع الموافقة على ترك باقي الإسلام دون الجهاد، إنما المقصود الجهاد كذروة وكرأس، فأنت حين تقطع رأس إنسان لا تقتل الرأس ثم تدع باقي الجسد حيا، و إنما تقتل الجسد كله، لذلك فإنهم لم يعودوا يخفون الآن أن الإسلام الذي يعنونه ليس إسلامنا الذي عرفناه عبر القرون كما ينقل لنا د. يحيى هاشم  فرغل ( .. نعم.. "د".. دكتور حقيقي وفذ أيضا.. لأن حرف الدال الذي يسبق اسمه يعنى: دكتور، أما معظم أسماء النخبة المسبوقة بذات الحرف فإنه لا يرمز فيها لكلمة: "دكتور" و إنما يرمز إلى شيء آخر و إلى كلمة أخرى قد تكون : دبا أو دابة أو داءا أو دبرا أو دُّجَّةُ – بمعنى شدة الظلمة وفي الحديث {هؤلاء الدّاجُّ وليسوا بالحاج} أو دجالا أو درنا بمعنى الوسخ أو لعل حرف الدال اختصار لكلمة داعر أو دفر – بمعنى نتن- أو دميم أو دنئ أو دنس أو داهية دهياء ودهواء أو دودة أو دون أو دائص – بمعنى اللص-أو الدبح : دّبَّحَ الرجل تَدْبِيحاً إذا بسط ظهره وطأطأ رأسه فيكون رأسه أشد انحطاطا من أليتيه وفي الحديث {أنه نهى أن يدبح الرجل في الركوع كما يدبح الحمار}‏ .. وربما يكون ذلك الحرف: حرف الدال قد تم تصحيفه ليتحول إلى ذال، فيصبح الحرف دالاً على كلمات كالذيل أو الذليل ) ..

أقول : ينقل لنا د.يحيى هاشم  فرغل – بالنص في مقالته بالشعب 8-4-2005 -  رأي البارونة كوكس وزميلها جون ماركس للحالة الإسلامية في كتابهما " الإسلام والإسلاموية: ؟ " حيث يبدأ الكتاب كما يقدمه الدكتور عزام التميمي بديباجة من التعريفات للتمييز بين المسلم المقبول والمسلم المرفوض من وجهة نظر المؤلفين . يقول المؤلفان أن الغالبية العظمي من المسلمين هم مواطنون مسالمون ومتقيدون بالقوانين، ولا مشكلة مع هؤلاء علي الإطلاق. إنما المشكلة في رأيهما مع المسلمين المؤدلجين، المتطرفين ، ممن يسمون بالإسلاميين ، وهم أولئك القلة من المسلمين الذين يعتقدون بأن القرآن وحي الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويقرون بأن الشريعة الإسلامية هي مرجعهم الأعلى في كافة شؤون حياتهم. (!!)

نعم..

واقرءوها يا قراء وعوها.. وواجهوها إن أردتم ولا أقول إن استطعتم..

الإسلام المرفوض.. الإسلام الإرهابي .. الإسلام الذي سيخلصنا المارينز منه جبرا إن لم نتخلص منه طوعا هو إسلام أولئك القلة من المسلمين الذين يعتقدون بأن القرآن وحي الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويقرون بأن الشريعة الإسلامية هي مرجعهم الأعلى في كافة شؤون حياتهم. (!!)

نعم.. هو الطوفان..

طوفان بدأ أعداؤنا يعدون له منذ ألف عام، وكان الشيطان يعد له منذ بدء الخليقة..لكن أكثر من ساهم فيه ومكّن من حدوثه ومهد له هم نحن..

نعم..

نحن..

*** 

طوفان نواجهه ببعض من كانوا السبب فيه فكأنما نواجه العدو بجواسيسه وطابوره الخامس فينا.

طوفان إن واجهناه بمبارك أو بأي من بدائله المطروحة فإننا من المغرقين..

طوفان له ألف معني كل معنى ينهمر من ألف جانب..

لقد سألت نفسي و أنا أتأمل الطوفان القادم هل يستطيع مبارك أو عبد الله – عبد الله الشقي لا الصبي – أو بشار أو عار العابدين أو الشيخ الصابئ أو أمير الغلمان أو.. أو.. أو .. مواجهته..

وعدت إلى فكرة كانت قد خامرتني بعد التغيير الوزاري الأخير عندما حل بالناس إحساس الفجيعة واليأس والفقد، كنت قد أدركت أن الحد الأقصى للتغيير الممكن لن يغير من الأمور شيئا، حتى لو تغير مبارك نفسه، وجاء رئيس جديد، وكتبت أيامها أن الأمة تحت وطأة الضغوط الهائلة والخيانات السافرة قد انشقت، و أن تغيير فرد أو وزارة أو رئيس لن يغني عنا شيئا لأننا نواجه فساد نخبة تدرك أن مكانها الحكم أو السجن أو القبر.. مكانها البورصة أو نيابة الأموال العامة.. و أن هذه النخبة لا تقل عن عدة ملايين، وهم منظمون جيدا ويعرفون ما يفعلون، وقد خططوا له، و أنهم يملكون القوة والثروة والسلطة ولا يردعهم دين ولا ضمير ولا انتماء، و أنهم سيقاتلون بشراسة منقطعة النظير، وقلت أن ذلك لم يحدث في مصر فقط بل في العالم الإسلامي كله. لقد دبر الصهاينة والصليبيون أمرهم جيدا، دبروه جيدا حتى أن التغيير أصبح يحتاج إلى حرب أهلية ضروس كي يتم.

*** 

لكن..

هل تكفي الحرب الأهلية للتغيير..

هل يمكن على سبيل المثال، وحتى لو قامت حرب أهلية في مصر ضد المستغربين وعملاء أمريكا و إسرائيل، هل يمكن أن ننتصر فيها وشارون يحكم في الشمال والجنوب والشرق والغرب..

هل يمكن أن ننتصر وعبد بوش عن يميننا وغلامه عن يسارنا وخصيانه يحيطون بنا..

هل يمكن لتغيير و إصلاح حقيقي أن يتم في بلد بمعزل عن الآخر؟!..

وهل يمكن أن يكون هذا التغيير في الاتجاه الذي يسير فيه الآن.. اتجاه الصهيونية والصليبية وانعدام الهوية والمزيد من الكفر والعهر والشذوذ التي تجتمع تحت وصف الليبرالية الجديدة؟..

بل هل يمكن أن يكون التغيير الجوهري أو الإصلاح الحقيقي إلا عكس هذا الاتجاه ونقيضه؟!

هل يمكن..؟

هل يمكن..؟

ثم من سيقودنا إلى هذا التغيير..

*** 

تساءلت – مستنكرا – إذا ما كان مبارك و أضرابه هم الذين سيقودون..

وعما إذا كان هناك بدائل تستطيع المواجهة..

لكننا قبل أن ندرس البدائل لا بد أن ندرس الأصل..

علينا أن نسأل مثلا :

- هل مبارك رئيس جمهورية حقيقي وشرعي؟!..

والسؤال لا يقتصر على مبارك بل ينسحب على كل حاكم عربي..

ولكي نتصور المسألة فلنقدم مثلا بسيطا.. فلنتصور طبيبا في مستشفى أو مهندسا معماريا.. و أننا نريد بديلا له.. الحل إذن أن نفحص شهادات وخبرة الطبيب الأول الموجود فعلا، ثم نقارن بها شهادات وخبرة من يتقدم كبديل. سيكون للعوامل الأخرى دور وتأثير ولكن الأساس سيكون في الشهادات والخبرة . لن ندعي الرفعة ولا العصمة وسنعترف بدور للوساطة والمحسوبية.. بل وسنتقبل قدرا مقدرا من الغش والتزوير ما دام ذلك غير مؤثر تأثيرا جذريا على النتيجة النهائية.. ..

لكن..

لكن..

إذا ما اكتشفنا أن شهادات الطبيب الأول مزورة، و أنه لم يحصل على بكالريوس الطب أصلا.. و أنه مارس المهنة طول عمره بدون ترخيص .. وبالتالي بدون علم ولا خبرة..

عند هذا يختلف الأمر ويكون الاستمرار في البحث عن بديل مهزلة.. بل إن أي شخص حتى عمال النظافة يستطيعون القيام بدور البديل لطبيب شهاداته مزورة.

ربما يخطر ببال قارئ أن يسأل ولماذا لا تبلغ إدارة المستشفى عن الطبيب الذي زور أوراقه.. والإجابة أن الإدارة ليست إدارة فأوراقها مزورة هي الأخرى. لا أحد في موقعه ولا أحد في عمله ولا أحد هو هو. والأمر أشبه بقراصنة استولوا على سفينة أو لص سيارات سرق سيارة وطمس كل ما يمكن أن يكشف جريمته..

نعم.. قراصنة وطمس هوية..

لكن.. فلنعد إذن إلى ما كنا فيه..

هل الرئيس مبارك ( كمجرد مثل ) رئيس شرعي؟..

هل يمكن أن يكون رئيسا بالمقاييس الأمريكية أو الأوروبية أو اليابانية مثلا؟!..

لن نعود إلى شرعية مشكوك فيها – بل لم يعد فيها شك- لثورة 23 يوليو..

ولا إلى استخلاف غير شرعي للسادات.. ( ألم يقولوا أن السادات نفسه كان عميلا للمخابرات الأمريكية..وهو بالطبع قومي.. وما ينطبق عليه ينطبق نظريا –على الأقل – على الأقران والسلف والخلف.. وتلك قضية أخرى لكنها تفسر الاستخلاف.. من .. ولماذا)..

لن نتحدث عن ذلك..لكننا نقرر أنه إذا كان هناك اتفاق كلي لا يشق إجماعه أحد على تزوير كل الانتخابات والاستفتاءات فإن ذلك يعني أن رئيس الجمهورية الذي نبحث له عن بديل ليس رئيس جمهورية أصلا..

دعنا من الأختام المزورة والمستندات المصطنعة ولنستدع شاهدا لا يمكن أن يكون ضد الرئيس مبارك.. بل إن أكثر ما يؤخذ عليه هو مديحه له.. لنستدع مصطفي بكري للشهادة كيف تزور الانتخابات.. والقارئ يدرك بالطبع أنه إذا كان هناك دافع لتزوير الانتخابات فإن هناك مائة دافع لتزوير الاستفتاءات.. و أنه إذا كان هناك دافع لتزوير الانتخابات لصالح وزير الأوقاف وضد مصطفى بكري فإن هناك ألف دافع لتزوير الانتخابات لصالح الرئيس مبارك..

لنستدع مصطفى بكري إذن لنسمع شهادته المنشورة في العدد الأخير من الأسبوع 25-4-2005 حين استدعى الأمن المجرمين للسيطرة على المعركة الانتخابية:

"منذ الصباح الباكر، كانت سيارات الميكروباص، تنقل الجيوش الزاحفة، وجوه غريبة، عيون يتطاير منها الشرر.. جاءوا بهم من كل حدب وصوب، أخرجوهم من الزنازين، ووعدوهم بالمكافأة إن استطاعوا إنجاز المهمة علي الوجه الأكمل.. دفعوا بهم أمام اللجان الانتخابية، لقد تلقوا التدريبات جيدا علي يد خبراء محترفين، امسكوا في أيديهم بالمطاوي والخناجر والسيوف ووقفوا يتربصون بالناخبين.. لم يكن المشهد عاديا، إنه إبداع جديد، صاغته عقول شيطانية، رأت فيه أن ذلك هو الأسلوب المناسب للتعامل مع الشعب المصري!! صدق الناس حديث الرئيس، ودعوته لهم بالمشاركة في الانتخابات، زحفوا إلي أقسام ومراكز الشرطة وقيدوا أسماءهم في اللجان الانتخابية، هذه المرة كان لديهم يقين بأن الإشراف القضائي علي الانتخابات سوف يضع حدا لعمليات التزوير، وينهي إلي غير رجعة بلطجة الحزب الحاكم وأجهزته المختلفة.. في دائرة حلوان والتبين لم أصدق ما رأيت، منذ الصباح الباكر قرروا حسم الانتخابات علي طريقتهم، قرءوا الخريطة جيدا كنت قد حصلت في الجولة الأولي علي 7500 صوت، وكان منافسي وزير الأوقاف السابق محمد علي محجوب قد حصل علي أربعة آلاف صوت، ولكن يا للعجب فقد انقلب الحال في انتخابات الإعادة فحصل هو بقدرة قادر علي 7500 صوت وحصلت أنا علي أربعة آلاف صوت!! كان المشهد مفزعا في انتخابات الإعادة، جحافل الأمن المركزي تزحف إلي حلوان منذ الواحدة صباحا، تحتل كافة اللجان الانتخابية ، الضباط يصطحبون معهم الكلاب البوليسية الشرسة، وبعد قليل تصل سيارات الميكروباص، حيث يجري توزيع البلطحية والمسجلات آداب علي كافة اللجان التي حققت فيها أعلي الأصوات في الجولة الأولي من الانتخابات، كانت النساء المسجلات يرتدين ملابس صارخة، يطلقن ألفاظا تخدش الحياء، ما أن تتقدم سيدة للإدلاء بصوتها حتى يبدأ فاصل الردح الفظيع الذي لا يستطيع أحد أن يجابهه. كانت المسجلات يمسكن بزجاجات القار الأسود، وكان البلطجية يمسكون بالسيوف والمطاوي ويهددون كل من يقترب من صناديق الانتخابات. تجمهر الناس في كل مكان، رحنا نستنجد بالقضاة، لم يستطع رئيس اللجنة العامة أن يفعل شيئا، لقد راح ضباط الشرطة يهددون كل قاضي يحاول أن يسأل عن السبب.. في مدينة 15 مايو كان عدد المصوتين في الجولة الأولي يزيد علي الألفين وخمسمائة حصلت علي اغلبها، وفي جولة الإعادة بلغ عدد المصوتين فقط حوالي 16 صوتا، انهم المندوبون الذين سمحوا بدخول بعضهم إلي داخل اللجان.. كانت المطاردات التي يقوم بها البلطجية والمسجلات تجري تحت حماية ورعاية أمنية كاملة، كنا نستنجد بالكبار والصغار لكن الجميع قرروا صم الآذان، فقد كان الأمر محسوما.

كانت خطة محكمة، منذ الصباح الباكر اعتقلوا اثنين من أشقائي وأكثر من أربعين من أبناء بلدتي، أطلقوا عليهم البلطجية أمام منزل الأسرة في المعادي، واقتادهم ضباط الشرطة إلي قسم البساتين، حيث أذاقوهم كافة صنوف التعذيب النفسي والبدني..

لم نكن وحدنا الذين تعرضنا للتهديد، كان القضاة أيضا يرون أنفسهم عاجزين، وكم كان مؤلما أن يذهب أحد القضاة إلي ضابط في إحدى اللجان الانتخابية بمدينة 15 مايو، يسأله لماذا تمنعون الناخبين، كان الضابط جالسا والقاضي واقفا.

نظر الضابط إلي القاضي من أسفل إلي أعلي، وقال له بلغة تحمل كثيرا من التهكم.. خليك في لجنتك وليس لك علاقة بما يجري خارجها..!!

تعجب القاضي من الأمر، وقال له بلغة لا تخلو من الألم.. هذا تجاوز للقانون، ساعتها انتفض الضابط ووقف غاضبا وقال: انت بتشتمني..!!

انسحب القاضي في هدوء، ومضي إلي لجنته، وقد شعر بجرح غائر في كرامته، فقد اتضح في نهاية الأمر أن وجوده هنا ليس اكثر من ديكور، وأن سلطته مقيدة بقرار حكومي، وانه يشارك من حيث لم يرد في هذه المهزلة التي تجري باسم 'النزاهة والإشراف القضائي'.

كان ذلك واحدا من أهم إبداعات وزارة الداخلية لضمان إجراء انتخابات نزيهة وعادلة، يمنع فيها من التصويت كل من تحوم حولهم الشبهات بأنهم سيمنحون أصواتهم لغير المرضي عنهم حكوميا."

*** 

وهنا أنبه القراء إلى أن نفس الشيء حدث في الأسبوع الماضي وهذا الأسبوع في الجامع الأزهر.. حيث دأب أعضاء في حزب العمل – جزاهم الله خيرا- منذ ثلاثة أعوام على مخاطبة الأمة بعد صلاة كل يوم جمعة، وسط حصار من السلطة، وتعتيم من الفضائيات، ومقاطعة من المعارضة التي لا تقل سوءا عن السلطة. ومنذ الأسبوع الماضي قررت السلطة مواجهة ذلك عن طريق رجال أمن متنكرين في ثياب مدنية تصرفوا داخل المسجد و أمام المنبر بمنتهى البذاءة والسوقية حتى لقد تفوهوا بسباب قذر يتناول أعراض الأمهات والآباء، حتى أن خطيب المسجد احتج هذا الأسبوع على ما حدث في الأسبوع الماضي.. لكن بعد الصلاة حدث نفس الشيء.. وهجمت قوات الأمن – بملابس مدنية ودون دروع – على أعضاء حزب العمل ومنعوهم من الحديث للناس.

*** 

فلنعد إلى مصطفى بكري حيث يواصل كشف العصابة.. نعم .. فمن يفعل ذلك عصابة لا حكومة:

"وكان الإبداع الثاني لا يقل ديمقراطية عن الإبداع الأول لقد جيء بالبلطجية والمسجلات آداب وبعض أنصار المرشحين الحكوميين.. أعدت لهم بطاقات شخصية في مكاتب السجل المدني، أنها بطاقات حقيقية عليها صورة المواطن، ولكن بأسماء ناخبين مدونين في اللجان الانتخابية المختلفة. لقد أعدوا لكل شخص ممن جيء بهم عشرين بطاقة شخصية بأسماء عشرين ناخبا في عشرين لجنة، وأمسك الضباط بهذه البطاقات في حوزتهم، وانطلقوا بباصات كبيرة إلي اللجان الانتخابية المختلفة، وقبيل الوصول إلي اللجنة بقليل يوزعون البطاقة بالاسم، يهبط ركاب الباص يدلون بأصواتهم في حراسة الضباط والمخبرين، كل شيء معد جيدا، القضاة لا يستطيعون الاعتراض، فالبطاقة سليمة واسم الناخب يتطابق مع الاسم المدون علي البطاقة، يدلون بأصواتهم ثم يعودون إلي الباص ليتجه بهم إلي لجنة أخري، تجمع منهم البطاقات، تقدم إليهم بطاقات جديدة بأسماء جديدة للتصويت في لجنة أخري مختلفة.. وهلم جرا!!

وهكذا استطاعت الحكومة أن تجد الوسيلة المناسبة لإنجاح مرشحيها بطريقة تبدو ديمقراطية للغاية، ولا يستطيع أحد أن يشكك فيها، فالأوراق سليمة، والبطاقات نزيهة، والقاضي لا يستطيع أن يعترض!!

كان هناك العديد من الضباط يشعرون بالذنب وعذاب الضمير، لكنها الأوامر والتعليمات التي صدرت من الحزب الحاكم للكبار والصغار، لكن أحدا لم يكن يستطيع أن يوقف المهزلة..!

وما حدث معي حدث مع الكثيرين، وليسوا فقط المحسوبين علي التيار الإسلامي خاصة في الجولتين الثانية والثالثة بعد أن أدركت قيادات الحزب الحاكم أن حزبهم لم يحقق أية انتصارات تذكر في الجولة الأولي".

*** 

لقد أطلت – متعمدا – في نشر شهادة الأستاذ مصطفي بكري مذكرا القارئ أنها كتبت بعد الحدث بخمسة أعوام، بعد أن انطفأت النار وخبا الأوار ولم تعد إلا الذكرى ورماد الحنظل، أما من يريد أن يقرأ الأحداث بسخونتها ولهيبها كما وقعت فليرجع إلى أعداد الأسبوع في ذلك الوقت، كانت دامية وكانت مأساة. وكانت تنطق وتصرخ أننا لا نواجه انتخابات ولا وزارات ولا دولة. إنما نحن نواجه عصابة أيا كانت المسميات فيها.

*** 

إنني لا أقصد مصر فقط، بل أقصدها كمثل، لذلك فإنني أورد الواقعة الثانية من المغرب، ليس لأن التعذيب في المغرب أكثر من مصر ولا لأن التزوير في مصر أكثر من المغرب، ذلك ليس صحيحا، لأن التزوير والتعذيب وما شابه تخضع لإدارات مركزية ليس لدي شك في أن قياداتها العليا تقبع في الموساد أو البنتاجون.

*** 

في المغرب.. أصدر ضابط المخابرات السابق أحمد بخاري كتابا عن "الأجهزة السرية في المغرب" وقد طبع الكتاب في الدار البيضاء عام 2003.يكشف المؤلف كيف أسس الموساد والـCIA جهاز الأمن المغربي.. وكيف اخترق النخبة المغربية كلها بسبب ذلك ( أظن كل أجهزة الأمن في العالم العربي كذلك).. 

ربما لذلك لم تعان أجهزة الأمن في عالمنا العربي أي انفصام بين ما تؤمن به وبين ضمائر أفرادها كمواطنين في الأمة لهم عقائدهم وقيمهم.

تربت هذه الأجهزة منذ البداية بفلسفة صهيونية صليبية ضد دين أمتها، وضد دولها و أوطانها.. ولقد تناقضت طول الوقت مع كل شيء.. إلا شيئا واحدا: مصالح الصليبيين والصهاينة..

كان الدور الملقى على عاتقها هائلا: سلب روح الأمة.. وقد فعلوا..

*** 

ومع فضائح أجهزة الأمن في المغرب والجزائر إثر مذكرات واعترافات الضباط الهاربين إلى فرنسا بالجرائم التي ارتكبوها فاجأت المغرب العالم بالتلفاز المغربي يظهر بعض المواطنين على لكي يتحدثوا في مشاهد تفاعلية حية وسط جمهور، عن التعذيب التي تعرضوا لها على أيدي أجهزة أمن الدولة.

يقول أحد المعتقلين: 

" كنا نخاف من مسألة واحدة هو أن نجرح أو نصب بعطب في جسمنا وليس هناك دواء حيث أننا كنا نتمنى أن نموت على أن نجرح أو نعطب لأنه ليس هناك دواء. العقارب كانت موجودة بكثرة وكنا في الليل قبل أن ننام كنا نقول أنه علينا أن نركز على شيء واحد في رؤوسنا هي أنه علينا أن لا نتحرك أثناء النوم إذا ما عبر فوق أجسامنا أي شيء لأن العقرب هكذا لن يلسعنا وكنا في أحلامنا كنا نحلم بأن العقارب تلدغنا. ضرب أحد الحراس أحد المختطفين بالمجرفة التي نحمل بها التراب ضربه بجزئها الحديدي ضربه على هذا الجزء من رأسه فجرح جبهته والعضمة التي تحمي العينين وجزء من وجهه ومن طبيعة الحال ليس هناك دواء ليس هناك طبيب وبالتالي تعفنت هذه المنطقة من وجهه إلى أن توفي. في الواقع الحالات التي مرت بي هي أنني أرى معتقلين يحتضرون هكذا طريحي الفراش في وضع منهك وقد بلغت بهم النحافة لدرجة لا تتصور إذ أن عظامهم البادية للعيان وكأنها عارية من أي لحم وقد قضوا نحبهم ومنهم على وجه الخصوص محمد الشيخ والذي لم يكن يتجاوز على أكثر تقدير سن 14 من العمر فقد أطلق صرخة مدوية يوم لفظ أنفاسه. من المسائل التي أخذنا نتفق عليها هي أنه يجب أن يعيش منا على الأقل واحد يجب أن نتحدى الموت ويعيش واحد حتى يخرج منا على الأقل واحد لكي يشهد ما عشناه وكانت إذن هذه هي من أصعب الفترات بحيث أنه كان هناك صراع ليس بيننا وبين الحراس كما كان من قبل ولكن صراع بيننا وبين الموت. يجب أن نحيى لكي نشهد بما عشناه لكي نقول للمغاربة نقول للملأ أن هناك أماكن حيث يدفنوا المغاربة لا لشيء ولا لسبب يذكر." 

*** 

إنني أنبه القارئ أن أي محاولة لوصف التعذيب هي إهانة لضحاياه لأن الوصف لا يمكن أن يقارب الحقيقة كما أننا لا نستطيع أن نصوغ من الكلمات بلسما يداوي الجروح ويزيل الندوب.

كما أنبه القارئ إلى إدراك هذه الأجهزة الشيطانية ودراساتها الفائقة في كيفية تحطيم شخص ( وبالتالي جماعة أو أمة) بإذلاله معنويا وجسديا.. فإن استعصى على التحطيم قتل..

فلسفة الأمن في مصر هي ذات فلسفته في سوريا والمغرب وتونس والرياض وتل أبيب – فقط للمسلمين- وأبي غريب وجوانتانامو بل وفي سجن يكون السجين فيه من المسلمين في أي بقعة في العالم..

نفس الفلسفة ونفس الفكر..

نفس الأساتذة ونفس التدريب..

نفس أدوات التعذيب ومستوردة من نفس البلاد.. ( أليس غريبا رغم تغير الحكومات في العالم كله أنه لا توجد حكومة واحدة جاءت بعد ما يزعمون أنه تصحيح وإصلاح ودمقرطة.. أقول لم تأت حكومة واحدة تكشف مصادر استيراد أدوات التعذيب)..

تغيرت النظم من النقيض إلى النقيض .. وفضح كل نقيض نقيضه إلا في أجهزة التعذيب..

ذلك أن كل أجهزة الأمن في عالمنا العربي تنتمي إلى نفس المصادر ونفس الأساتذة ونفس التدريب.. بل ونفس الشيطان الذي يعبدونه من دون الله.

نعم.. نفس الفكر.. ونفس التدريب.. ونفس الشيطان يعبدون.

*** 

والآن ..لنعد إلى المغرب..

 أخيرا يفرج عن أحد المعتقلين واسمه عبد الناصر حيث يروي قصته الدامية ليلة الإفراج عنه: 

"أفرج عني.. ولم أُخبر أن كان والدي لازالوا أحياء أو ماتوا.. وإن كانوا لازالوا قاطنين في نفس المنزل أو غيروه. وصلت إلى المدينة وكانت الساعة حوالي الثالثة أو الرابعة فجرا. لا أستطيع ضبط الوقت. وأتيت إلى المنزل. وقفت في باب المنزل. وأخذت أتردد هل أطرق هذا الباب أم لا. هل لازالت أسرتي تسكن بهذا المنزل أم لا. وقررت أن أطرق الباب وأرى ما يمكن أن أراه. وكان هناك ثقب في الباب. وفكرت أن أطل من الثقب. وكان الوقت ليلا. كان الظلام. وكانت ليلة باردة جدا. فقد كانت يوم الثلاثين من ديسمبر سنة 1984. وفعلا.. عندما فتح.. عندما أشعل الضوء من داخل المنزل.. رأيت فعلا امرأة قادمة من خلال الثقب.. أردت أن أنسحب كما فكرت.. ولكنني لم أستطع.. حيث أنني كنت أقدر أن أحرك كتفي وظهري ولكن رجلي شدت إلى الأرض كأنهما دكتا في الأرض لا أستطيع تحريكهما.. وفتحت امرأة فتحت الباب وسألتني من أنت؟.. وهو أمر غريب جدا لأن هذه المرأة كانت هي والدتي ولكنني لم أتعرف عليها خلال تلك اللحظة رغم أن صورتها لم تفارقني طيلة التسع سنوات سواء في يقظتي أو في منامي.. وسألتني من أنت؟.. وبشكل غريب لا أفهمه لحد الآن أجبتها : أنني ابنك عبد الناصر.. وكان جوابها أن ليس لها ابن بهذا الاسم.. وأخذت ألح عليها أنني ابنها وأن عليها أن تتركني أدخل.. وكما قلت كانت الفترة ليلا.. وهذه المرأة التي يدق على بابها.. يطرق على بابها شخص لا تعرفه.. دخلت إلى المنزل وتركت الباب مفتوحا.. وذهبت توقظ إخوتي لتقول لهم استيقظوا فهناك في الباب شخص يقول أنه أخوكم.. كانت لحظة رهيبة صرت فيها لا أعرف.. أنا أتحدث مع امرأة على أنها والدتي.. وأنا لا أعرفها.. وهي تتحدث معي وهي تنكر إن كان لها ابن بهذا الاسم.. بطبيعة الحال لم استطع الوقوف في باب المنزل ودخلت.. وجدت أخوتي قد استيقظوا. لم يفهموا ما يقع. في تلك اللحظة خامرني شك في أن كل هذا مجرد تمثيلية.. حتى لا يقولوا لي نحن نرفضك لا نريدك.. وشعرت كأن سكينا انغرزت في داخلي.. وفكرت في أن أنسحب باعتبار أنهم لا يريدونني.. في تلك اللحظة الأخ الأكبر كأنه استفاق.. وارتمي علىّ.. وأخذ يقبلني.. وابتدأ البكاء.." 

المصدر: قناة الجزيرة- يحكى أن -الأربعاء 22/8/1425 هـ - الموافق6/10/2004 م

*** 

أما آن الأوان أن تستفيق الأمة ويبتدأ البكاء..

أما آن أن نئوب إليك يا رب.. 

أما آن لك أن تئوبي يا أمة لم تدافع عن دينها وهويتها كما كان يجب عليها..

أما آن للأمة أن تكتشف خديعتها بالبطاقات المزورة والهويات المدمرة حيث المؤذن حاخام والإمام قسيس وقائد الجيش جاسوس للأعداء.

*** 

ثمة مثل آخر آتيكم به هذه المرة من سوريا.. 

مثل يصب في نفس الاتجاه.. لكي يقتنع الناس أننا لا نرى ما يحدث بل نرى ما يمثلون علينا أنه يحدث.. وبالطبيعة لابد أن يكون فخا لاصطيادنا وشركا للإيقاع بنا.. وما دام فخا فلابد أن نكون فئران تجارب.. ولابد أن تكون التجارب التي يجرونها علينا لها هدف ما. لها توجيه ما.. ورغبة في أن نقتنع بشيء معين يصوغ وجداننا بطريقة معينة ويدفع عقولنا للتفكير بصورة معينة فيوجه عواطفنا وسلوكنا وقراراتنا.

و إنني أنبه القارئ مرة أخرى .. أنني أقصد بتعدد الاستشهادات من دول مختلفة أن أثبت نفس المرض وليس أمراضا متعددة.. ذلك أن نفس المرض يبدو بأعراض مختلفة في الأعضاء المختلفة.. فإذا غرتنا الظواهر وعالجنا الأعراض بدلا من المرض قتلنا مريضنا..

كما أقصد أن المؤامرة واحدة.. و أؤكد أن العلاج لا يمكن أن يتم على أساس قطري..

ولكن.. لننته من المثل السوري أولا..

لقد لاحظت العار الذي يحس به الناس بسبب الانسحاب المخزي للجيش السوري من لبنان بأمر أمريكي.

ولقد شعرت على المستوى الشخصي بهذا الخزي والعار.. شعرت به رغم أنني أدرك الحقيقة ربما لأنني أعرف أن بشار الأسد ليس مأزورا بآثام أبيه وجرائمه..

وهو بالتأكيد عار وخزي.. لكن فهم التفاصيل كما حدثت قد يغير من وجهة نظرنا للأمر.. لأننا لم ننتقل من طهر إلى عهر بل كان العهر من قديم.

ولقد كنت أنا واحدا من ضحايا الخديعة ذات يوم، ليس بصورة كاملة، وكنت عندما أسمعهم ينتقدون السلوك الإجرامي لحافظ الأسد، أقول لنفسي: هو الوحيد الباقي ضد إسرائيل..هو آخر من بقي من جبهة الصمود والتصدي التي تحولت إلى جبهة الاستسلام والتردي.. فآثامه إذن كآثامهم لكن ليست لهم مزاياه.. وكنت أرفض المغالاة في الاتهام والمبالغة في الأرقام.. فهل يعقل مثلا أن يقصف الأسد الإخوان المسلمين في مدينة حماة بالطائرات ويسحق المدينة بالدبابات ليبلغ الشهداء واحد وثلاثون ألف قتيل والمفقودون خمسين ألف.. أما في تدمر .. ففي قبر واحد دفن ما يقارب من ألف عالم وداعية ..

كنت أرفض هذه المبالغات الفجة.. فكيف يحدث ذلك دون أن ينقلب العالم وتشتعل وكالات الأنباء وتنفجر منظمات حقوق الإنسان..

وكنت أعاتب الإسلاميين على تلك المبالغات قائلا: ما ضركم لو قلتم الحقيقة دون مبالغة.. لماذا لا تقولون الرقم الحقيقي.. ثلاثون مثلا.. أو حتى ثلاثمائة.. لكن.. ثلاثون ألفا..!!

لكنني اكتشفت بعد ذلك سذاجتي وفجاجتي أنا لا فجاجة المبالغات.. 

كان الصحافي البريطاني باتريك سيل – وهو بالنسبة لحافظ الأسد مثل أنتوني ناتنج بالنسبة لعبد الناصر.. واحد من أشد المعجبين به- هو الذي أكد هذه المعلومات في كتابه عن سيرة حافظ الأسد.. وذكر نفس الأرقام..

وربما كانت هذه القربة إلى الشيطان ما قدم للأسد إلى الغرب كي يظل في الحكم آمادا لم تتعودها سوريا..

كان خطئي في المنهج فادحا..

و إنني هنا أستدرك قبل أن يظن قارئ أنني كنت ضد دخول الجيش السوري إلى لبنان.. أو أنني ضد تحرير لبنان. لأنني مع تحرير سوريا ولبنان والعالم الإسلامي كله.. كما أنني أدرك أن الجيوش الوطنية قد تحولت إلى جيوش احتلال تحارب الدين والأمة.. أقولها وقلبي يقطر دما.. أقولها وقد كنت مستعدا طول عمري أن أحمل على رأسي حذاء أي جندي بشرط أن يكون مجاهدا في سبيل الله.. أقولها أن جيوشنا تحولت إلى جيوش احتلال لبلادنا.. فالجيش المصري يحتل مصر.. والجيش السوري يحتل سوريا – وليس لبنان- والجيش السعودي يحتل مهبط الرسالة ونبع النور والهداية... وهكذا وهكذا وهكذا.. بل إن جيش الاحتلال المحلي عادة ما يكون أكثر قسوة و إجراما من جيش الاحتلال الأجنبي الذي تضبطه ولو في الظاهر قوانين بلاده أو على الأقل المناورات السياسية بين أحزاب مختلفة كل منها يريد أن يلوث الآخر كي يصل إلى الحكم على حسابه.. وحتى هذه ليست في بلادنا.. فالقانون تحت نعال الحكام الذين يحميهم الجيش.

أقول أن الأصل في العالم الإسلامي دولة واحدة.. وأن الأمة تريد ذلك.. يمنعها حكام خونة تحرسهم جيوش خائنة ويبرر لهم كتاب ميامس.. وفي هذا الإطار فإنني مع الوحدة ولو بالقوة.

*** 

والآن لنعد إلى كيفية دخول الجيش السوري إلى لبنان لنحسب كمّ الخزي في خروجه المهين.

وفي أواخر سنة 1975 دخل الجيش السوري إلى لبنان وكان المتصور أنه دخل ليوقف انهيار الأمور في لبنان خوفا من تدخل إسرائيل و أمريكا. وكان واضحا حتى أيامها أنه دخل ليقف مع الموارنة ضد الفلسطينيين والدروز والسنة والشيعة.. وكان ميزان القوي يميل بشكل حاسم في صف المسلمين، حتى قيل أنه لو تأخر التدخل السوري يوما واحدا لتم القضاء على الموارنة.

وكان تدخله لصالح الموارنة ضد المسلمين غصة في القلب لكن أجهزة الإعلام زفت الأمر إلينا كما لو كانت ضريبة الدم التي تحمي الكيان اللبناني الهش من الانهيار.. وكأنك كأنما تلجأ إلى ضرب ابنك بشراسة و قسوة كي لا يندفع الآخرون إلى قتله.. ولم يخفف ذلك من مرارة القرار لكنه ساعدنا – وسط افتقاد منهج إسلامي – على تقبله..

ولنكن صرحاء.. فإن قسما كبيرا من الموارنة في لبنان لا يخفي هويته الصهيونية الأمريكية بل إن بعضهم أشد عداوة للمسلمين والعرب.. وهم يحملون من خلال المنهج الشيطاني ذات الصفات الخسيسة التي خبرناها في اليهود دائما.. وفي بعض المسيحيين.. كما حدث من بعض النصارى المصريين مؤخرا في قضية وفاء قسطنطين.. حيث لجئوا إلى الكذب .. ثم المبالغة في الكذب.. ثم الابتزاز بالكذب.. ثم مهاجمة من يكشف هذا الكذب والادعاء عليه واتهامه بالكذب.. ثم المطالبة بتكميمه وسحقه لأنه إرهابي ويضطهد الأقباط.. وهذا الكذب لم يتورط فيه الأوباش – كالكمالين : خليل وغبريال- أو الصعاليك الذين يجمعونهم للتظاهر في الكنائس بل السادة والزعماء والرؤساء.. واستقووا بالخارج بالكذب.. وحصلوا على ما يريدون بالكذب.. ثم راحوا يواصلون بالكذب ادعاء أنهم مظلومون مغبونون.. ويطالبون المسلمين بالإنصاف والاعتذار.

منهج شيطان..

منهج شيطان اسمه ليس إبليس و إنما جورج بوش اعتبر محمد الدرة و إيمان حجو إرهابيين واعتبر شارون بطل سلام.

منهج قذر خسيس وحشي همجي رخيص..

ولقد كان هذا المنهج بنفسه هو منهج إسرائيل في سرقة وطن ومحاولة اغتيال شعب.. ثم بعد هذا يكون اللص المجرم الفاجر – إسرائيل- متحضرا ويكون الشعب المقاوم إرهابيا وهمجيا ومطالبا بالتوقف عن المقاومة والاعتذار.

*** 

قيل أيامها أن السذاجة السياسية هي التي دفعت المسلمين لحصار الموارنة ووضعهم في هذا المأزق.. لأن النتيجة سوف تكون تدخلا أمريكيا أو إسرائيليا.

من الطرف الآخر كان هناك من يقول أن التركيبة الطائفية في لبنان تركيبة مزورة بناء على استفتاءات مزورة أظهرت أن الموارنة يتمتعون بالأغلبية العددية ولذلك فإن من حقهم رئاسة الجمهورية.. بينما الواقع يؤكد أن تعداد المارونيين لا يتجاوز 30% من اللبنانيين.. لذلك قر قرار التحالف الإسلامي بعد هزيمة المارون على ترشيح كمال جنبلاط رئيسا للجمهورية.

دخل الجيش السوري إلى لبنان..

ثم تم اغتيال كمال جنبلاط..

وتم تكريس الطائفية كما كانت.

وتم تبرير مذابح كمذبحة تل الزعتر ومذابح ومجازر أخرى شملت جميع المسلمين في لبنان بأنها حكمة الزعيم السوري الملهم الذي شاءت حكمته أن يكون هو منقذ المارون بدلا من أن يلتجئوا إلى أمريكا أو إسرائيل..( التجئوا بعد ذلك إلى أمريكا و إسرائيل.. وخانوا وكونوا جيشا وذبحوا الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا.. ولم يمنعهم الجيش السوري من ذلك كله)..

تم أيضا تزوير الوقائع والأحداث فبدا أن الجيش السوري دخل إلى لبنان بطلب من مؤتمر القمة العربية..

وتم أيضا تزوير الوقائع ليبدو الوجود السوري في لبنان طيلة الأعوام الماضية تحديا لأمريكا و إسرائيل وانتصارا للعروبة.. بل وبلغت عملية استغفالنا أن بدت أمريكا ضائقة عاجزة حائرة لا تدرك كيف تواجه الزعيم العربي الملهم ( نفس الشيء حدث قبل ذلك مع الأسد الأب وعبد الناصر وصدام)..

لكن..

ألا يختلف الأمر لو ثبت أن الجيش السوري عندما دخل إلى لبنان إنما دخل بطلب أمريكي!!

ألا يختلف حين ندرك أنه حين دخل كان ذلك لمصلحة موارنة لبنان وضد مصلحة المسلمين .. وأنه حينذاك أُمرَ أن يدخل فدخل.. ثم تغيرت الأمور بعد أن تم سحق جزء كبير من الأمة الإسلامية و أصبحت مصلحة الموارنة في خروج جيش سوريا فأُمر أن يخرج فخرج.. و أن سوريا لم تكن عزيزة في الدخول ذليلة في الخروج بل كانت في الحالتين ذليلة..

فلنرجع إذن إلى كتاب أحمد بهاء الدين: " محاوراتي مع السادات" ولنقرأ فيه: 

".. كان تقديري أن هذه الدول المقترحة لديها قوة ضغط كافية على الفئات المتحاربة في لبنان وقلت له (يعنى للسادات) : إن فلسطين ضاعت وأخشى أن تستفيد إسرائيل من الموقف وتضيع لبنان، وكيف يمكن للرأي العام العربي أن يصدق أن زعماءه قادرون على إعادة الأراضي المحتلة إذا كانوا غير قادرين على منع ضياع لبنان ؟ وأن الضغط على كميل شمعون أو كمال جنبلاط أصعب من الضغط على جولدا مائير.

وظل السادات يحاورني طويلا في هذا الأمر وأنا ألح عليه بمداومة الجدل بشكل غير مألوف حتى قال لي كأنه ضاق ذرعا:

- طيب .. مادام بتلح كده . . أحب أقولك إن الموضوع حسم !

- إزاى يا ريس ؟ 

- الجيش السوري سيدخل لبنان خلال 48 ساعة !

- مستحيل يا ريس ! والوضع الداخلي؟ ورد فعل إسرائيل ؟

- جيرالد فورد (الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت وكان وزير خارجيته هو كيسنجر أيضا) طلب من حافظ الأسد أن يدخل الجيش السورى لبنان لإنقاذ الموقف » لأنه لا يوجد حل آخر وحتى لا يحدث رد فعل إسرائيلى يلخبط الدنيا!!.

- وعلى أي أساس سيتم هذا الدخول ؟

- رتبت أمريكا مع سليمان فرنجية أنه كرئيس للدولة يطلب القوات السورية. . وأمريكا أبلغت إسرائيل وأبلغت الأردن بما سوف يحدث حتى لا يفهم أحد دخول الجيش السوري على غير حقيقته؟!

وعندما كررت دهشتي وارتيابي قال لي:

- أنت قاعد معانا في مصر لحد امتى؟!!.

- لآخر الأسبوع.

- طيب إذا لم يدخل الجيش السوري لبنان بعد 48 ساعة  تعالى إلى هنا في البيت بدون موعد وحاسبني على هذا الكلام!!. 

*** 

وفى السطر التالي مباشرة يردف أحمد بهاء الدين بفصل الخطاب فيقول:

وبعد 48 ساعة دخل الجيش السوري لبنان !!.

آآآآه..

تم دخول الجيش السوري إلى لبنان بأمر أمريكي.. فلا تلطموا الخدود يا ثكالى إذ ينسحب مخذولا مدحورا لأنه ينسحب بأمر أمريكي كما دخل بأمر أمريكي. وفي الحالين كان يخدم مخططا أمريكيا ضد الإسلام والمسلمين.

في عام 1980 أصدرت الحكومة السورية القانون 49 لعام 1980 القاضي بإعدام كل من ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين.

لعل أمريكا ترضى..

وقد رضيت..

أليس كثيرا أن يمتد رضاؤها ثلاثين عاما.. وأن تبلغ درجة الرضا توريث الحكم.. فلماذا نغضب إذن إذا غير الواهب وصيته واسترد صاحب الوديعة وديعته..

ألتاع فالتاعوا معي..

أصرخ فاصرخوا معي..

يا للأحلام المهدرة والشرف المسفوح والارتياع دون سبب للارتياع والمفاجأة دون سبب للمفاجأة..

أتذكر بيت شعر للعقاد -غفر الله له - عندما أحب امرأة وتعذب وجدا ورغبة في وصال لم يجرؤ على البوح به.. ليكتشف أن المرأة داعرة تبيع نفسها لمن يدفع الثمن.. وعندما يواجهها في ثورة صاخبة ترد عليه في دهشة عاتبة: لكنك لم تطلب.. ولو طلبتني لمنحتك ما تريد مني.. فإذا بالعقاد يقول بيت شعر من أعذب ما قال:

فإن كان لا بد للكاس والطلا  .. ففي غير بيت كان بالأمس مسجدي!!

*** 

أردت قط أن أضرب هذه الأمثلة قبل أن أناقش نوع الإصلاح ونوع البدائل وحجم الطوفان الذي نواجهه. 

طوفان أحد منابعه تزييف التاريخ، و أحد منابعه تجهيل الناس ونشر السطحية والجهل والفساد ومحاصرة المثل الأعلى، و أحد منابعه الجرأة على الدين، و أحد منابعه نشر مساوئ الأخلاق والترويج لها كمكارم، و أحد منابعه الفخر بالفاحشة، و أحد منابعه استمراء الكذب، و أحد منابعه طمس الهوية، و أحد منابعه تولية السفهاء وسجن العظماء، و أحد منابعه سيطرة زوجات الحكام على الحكم، و أحد منابعه استخلاف الأبناء، و أحد منابعه التزوير، وأحد منابعه التلفيق، و أحد منابعه اصطناع كلاب بشرية مهمتها التعذيب، و أحد منابعه تحول النيابة العامة إلى قطاع من الشرطة، و أحد منابعه فساد القضاء و إفساده..و أحد منابعه أن يكون الكتاب من أتباع مسيلمة.. و..و..و..

طوفان ألغى الثوابت فإذا أحد منابعه أيضا الصحف وما تنشره من أكاذيب أو من كلمات حق يراد بها باطل..

ثمة صحف كالشرق الأوسط والحياة وعشرات الصحف الأخرى تكاد تكون أبواقا للمخابرات الأمريكية والموساد..

لقد فعلها اللورد كرومر بذكاء شيطاني ذات يوم، حين ساعد بطرق مباشرة و غير مباشرة على إصدار ثلاثمائة صحيفة في مصر، تكفلت بإغراق الأمة في الدوار، فكل الآراء مطروحة، وكل الاحتمالات ممكنة، وكل الممكنات محتملة، لكن ذلك كله يحدث في وسط مرسوم جيدا و إلا أفلتت السيطرة. ذلك أن الهوية الإسلامية والوطنية كانت قد طعنت في الصميم، وكانت القيادات الفكرية قد استؤصلت، واصطنعت قيادات غيرها على منهج كرومر، ثم كان نشر الفساد والانحلال، وتسليط بعض ضعاف النفوس من النصارى ، وبعد هذا كله وبسببه كله أصبح الناس الذين تعرض عليهم كل يوم ألف فكرة غير قادرين على الإيمان بأي فكرة ، والأخطر أنهم أيضا غير قادرين على رفض أي فكرة.

ما فعله كرومر والبريطانيين فعل الأمريكيون أضعافه.. لذلك فإن حيرة الناس أكثر ودوارهم أشد.

ولنستمع إليهم بعد أن فعلوه ماذا يقولون عنا:

"اتهمت صحيفة »الواشنطن بوست« في افتتاحيتها الصحافة المصرية بأنها تعمل بالأوامر! ! وقالت إنها تستعد لخوض موجة جديدة من الحملات المضادة لأمريكا! ووصلت وقاحة الصحيفة إلي حد وصف قيادات الصحافة المصرية بأنهم أغبياء ومرتزقة! ! كما تطاولت الصحيفة علي رجال القضاء في مصر ووصفتهم بأنهم »عملاء« للنظام المصري الحاكم" القدس العربي 16-3.

هل يتطاول الأمريكيون علينا أم يعرفون من حقائق أحوالنا أكثر مما نعرف.. وهل نستطيع إن كنا نخاف الله تكذيبهم..

ولكن..

فلندعم شهادة الأمريكيين بشهادة محلية من كتاب شكل فضيحة للوسط الثقافي كله..

كتاب كتبه مدير مكتب وزير الثقافة ومستشار التحرير في صحيفة القاهرة. والكتاب بعنوان: "مثقفون تحت الطلب" وقد كتبه الرجل بعد اختلافه مع الوزير، وطرح الكتاب في السوق يوما واحدا، ثم سحب منه، و أظن أن الأمن لم يسحبه.. و إنما سحبه من فضحهم الكتاب. وربما المؤلف نفسه . خاصة أن الوزير لم يرتدع من نشر الكتاب.. بل رد على الابتزاز بنشر خطابات من محمد عبد الواحد له تظهر مزيجا من العلاقة الحميمة والعاطفة المتأججة ما بين العتاب وما بين الغضب بين الوزير ومدير مكتبه ثم الابتزاز المالي من الصحفي الوسيم للوزير الأشد وسامة، والذي كشفه الخطابات التي أظهرها الوزير.

يؤكد الكاتب أن أغلب رموز المثقفين المصريين توجد لهم علاقة بالسلطة، وأن "ما نراه من مواقف مكتوبة لا يعبر عن حقيقة ما يتشدقون به ويذكر بنظرية فاروق حسني الشهيرة التي تقول إنّ المثقف نوعان: واحد يُشترى بعشوة وسفرة، وآخر تدفع فيه 10 آلاف جنيه ليس أكثر؟ كما كشف الكتاب حقيقة أن معظم المثقفين المصريين لديهم الاستعداد للعمل كخدم في بلاط الوزير بما فيهم الذين هاجموه من قبل.. 

ويحمل غلاف الكتاب صورة لوزير الثقافة في صورة مايسترو يقود المثقفين وهم جميعا متشابهون ورؤوسهم فارغة ، أما الغلاف الخلفي فيحمل قصيدة عامية سبق نشرها في صحيفة "القاهرة" والقصيدة – مجازا – تشكل غزلا جنسيا صريحا في سيادة الوزير الهمام الذي يعتبر اختياره والإبقاء عليه من أهم إنجازات السيد الرئيس حسني مبارك: 

تقول بعض كلمات القصيدة – أستغفر الله العظيم- للسيد الوزير :

 زي لغم قابض على الرجلين..

 حبستني جوه البرواز..

 كتفتني..

 حللتني.. 

بالضبط زي الأرض ما بتملك الميتين..

طلعني يا فنان!!

*** 

آسف لن أعلق..

يخجلني أن أعلق..!!

*** 

يلخص محمد عبد الواحد رأيه في المثقفين من خلال علاقتهم بالوزير بقوله أن الثقافة المصرية في عهد الوزير لغز ومادة خصبة للكتابة والكذب والحقيقة.وأن من الأسماء التي يستخدمها الوزير أو يستخدمون أنفسهم للوزير جابر عصفور والأبنودي وعز الدين نجيب وسيد خميس وصلاح عيسي وغيرهم.. إن راتب جابر عصفور يزيد علي 12 ألف جنيه شهريا وإنه ناقد أدبي جيد في رأي الوزير, غير أن له أغراضًا سياسية ظهرت بعد دخوله المجلس القومي للمرأة وإنه استغل منصبه أفضل استغلال بما يتيح له فتح أماكن للكتابة في المجلات العربية الكويتية وغيرها مثل «مجلة العربي» والحياة اللندنية.

يتمتع صلاح عيسى بأكبر قدر من الفضح والإدانة..

ويتحدث الكاتب عن موقف عبد الله السناوي رئيس تحرير العربي و أنه أقام معه علاقة حيث كانت صحيفته تهاجم الوزير بضراوة .. وتوالت إعلانات الوزارة على العربي وموافقة الوزير على مئات من طلبات التعيين لأصدقاء السناوي الذي اشتكى الوزير منه له عشرات المرات وضاق ذرعا بكثرة طلبات السناوي الذي انتقل - كما يشير الكتاب - إلي مثقفي التبرير والتجميل, حيث كانت «العربي الناصري» التي كانت تهاجم الوزير بضراوة قد انتقلت إلي المهادنة .

ولم أفاجأ بموقف عبد الله السناوي لأنني أدرك أبعاد القوميين الآن و أنهم لا يملكون إلا حناجر صارخة للإيهام بقوتهم في الشارع، لأنهم يحصلون على ثمن هذه القوة المزعومة.

أقول أن ما فوجئت به ليس موقفه السياسي والاجتماعي ولا حتى المالي..

وإنما ما فاجأني هو أنه في مرحلة من مراحل الغضب والعتاب والبعد ثم القرب بين الوزير ومدير مكتبه.. منح عبد الله السناوي محمد عبد الواحد عمودا يكتب فيه في صحيفته، ولم يكن العمود ما أذهلني و إنما مهاتفته الوزير ليخبره أن مدير مكتبه قد لجأ إليه – السناوي – لجوءا سياسيا.. فإذا بالوزير يعلق ضاحكا:

- لجوء سياسي ماشي.. لجوء عاطفي لأ‍‍!!..

ذهلت..

يا إلهي.. لجوء سياسي ماشي.. لجوء عاطفي لأ‍‍!!.. ما معنى هذا..

*** 

تعلق صحيفة آفاق عربية - 3 مارس-على الكتاب بقولها: 

- الكتاب 400 صفحة وفيه سيرة أسماء كثيرة من المثقفين وعلاقتهم بالوزير أمثال صلاح عناني – الأبنودي- سمير سرحان –رجاء النقاش – حلمي سالم- العويضي – ساويرس - مجدي مهنا - عادل حمودة – نجم – خيري شلبي – عز الدين نجيب - سلوى بكر وآخرين واغرب ما شدني في هذا الكتاب أن معظم المثقفين المصريين لديهم الاستعداد للعمل كخدم في بلاط الوزير حتى الذين هاجموه من قبل وان الوزير استطاع بخبرته الأمنية الانتقام منهم حينما واجهوه بحملة عاتية من الرفض إبان تعيينه وزيرا منذ18 عاما وقد اسر معظمهم في حظيرته كما يحب أن يقول دائما.

*** 

لقد أعطينا مثلا على التزوير في مصر، ومثلا على التعذيب من المغرب، ومثلا على الدجل السياسي من سوريا، ثم مثلا علي المثقفين الميامس الخدم في مصر.

*** 

والآن لنستعرض نموذجا لنوع الرؤساء الذين تريدهم أمريكا.. نموذج يمثله الفاسق المجرم جلال طالباني رئيس العراق.. واستعراض هذا المثل هنا ضروري جدا.. لأنه سيكون أشبه بعلامة الطريق على الاتجاه الذي تريد منا أمريكا السير فيه.. أو أشبه بالنوذج أو الموديل الذي على الجميع احتذائه..

وليس ذلك فقط..

لأن اتجاه هذا الطريق سيدلنا على نوع التنافس والتصارع بين مبارك وبدائله.. تصارع وتنافس من يعرفون الإجابات النموذجية للامتحان فيتصارعون ويتنافسون على تطبيقها للحصول على أعلى الدرجات ثم الفوز.

سيكون عليهم أن يصلوا إلى درجة الانحطاط والسفالة التي بلغها رئيس جمهورية العراق حين قال منذ ثلاثين عاما:

«متى نعيد لمحمد أوراقه الصفراء التي أتى بها على جمل أجرب»

السبيل الأردنية بتاريخ: 06/01/2004 د. أحمد نوفل 

طالباني.. الرجل الذي لا مبادئ له ولا ثوابت عنده .. الرجل الذي كتب عنه الأستاذ طلال سلمان في (السفير) منتصف التسعينات مقالة ذائعة الصيت عنوانها (الكردي التائه) قال فيها: انه يتلون حسب الظروف والمواسم، تجده كردياً يزايد علي ملا مصطفي، وشيعياً ينافس الخميني، وناصرياً يسابق عبد الناصر، وبعثياً يتفوق علي ميشيل عفلق، وصهيونياً يجادل شيمـــون بيريز.

لعلنا نذكر ذلك الصحافي العميل الذي ملأ الدنيا حديثا عن النعوش الطائرة وعن صدام الذي ادعى الألوهية واختار لنفسه تسعة وتسعين اسما.. بل ونشرت صحيفته هذه الأسماء رامية صدام حسين بالكفر..

هذا الكلب الذي يقتني سيارة فاخرة هدية من صدام.. هذا الكلب لم يطلق نبحة واحدة على الكافر المرتد جلال طالباني الذي سب الرسول هذا السباب الفاحش حتى ليرى معظم الفقهاء أن يقتله ولي الأمر دون استتابة..

الصحافي العميل لم يطلق نبحة واحدة..

*** 

والآن ينعقد المزاد.. 

فليأت الأصل ولتعرض البدائل نفسها.. كعرض الجواري والنخاسين للعبيد..

من يزور أكثر من مصر ويعذب أكثر من المغرب ويشعوذ أكثر من سوريا ويتعهر أكثر ممن يتعهر من الكتاب.. 

من..!!

من يستطيع أن يزايد أكثر و أن يخفي حقيقته على الناس أكثر.. فيبيع مدعيا أنه يضحي.. ويخون خادعا بأنه يفدي.. ويسرق مدعيا أنه يعطي.. ويزني مدعيا أنه يصلي..

الآن ينعقد المزاد..

من يكفر أكثر من طالباني.. 

من يتسفل أكثر منه.. 

من.. من .. من.. 

رفعت السعيد أم نعمان جمعة أم أيمن نور.. أم.. أم.. أم.. وهل سيرشح مبارك نفسه على هذه المبادئ..

انعقد المزاد.. ومن المفاجآت التي تسحق القلب أن هيكل كان حاضرا فيه..

كان حاضرا.. لا كمتنافس بل كمؤرخ وصديق لطالباني .. طالباني الذي عبر عن نفسه في نفس الوقت الذي يذكره فيه هيكل بقوله: «متى نعيد لمحمد أوراقه الصفراء التي أتى بها على جمل أجرب» ..

يقول هيكل في حلقة مذاعة على قناة الجزيرة في 19-8-2004:

أنا بعرف مثلا واحد زي جلال طالباني، جلال طالباني كان صديقي وهو موجود في القاهرة وأنا كنت مسؤول عن ولاده لما اضطر يسافر.

إنه لا يعرفه فقط.. إنه صديقه.. وليس صديقا عاديا.. بل بلغت الصداقة مرحلة أن يوصيه بأبنائه إذا ما حدث له شيء.

*** 

لم تنته الحكاية..

لأننا هنا نسأل وكلنا ارتياب.. ما الذي جعل محمد حسنين هيكل يدفع جلال طالباني إلى صدارة حديثه في قناة الجزيرة..

هل كان يعرف شيئا ما؟..

هل كان الأمر صدفة؟..

هل طلب منه أن يذكر اسم جلال طالباني دون أن يقال له لماذا..

المصادفة العجيبة أن من يذكره هيكل على قناة الجزيرة منوها أنه صديقه يأتي رئيسا للجمهورية في أقل من عام..

لكن المصادفة الأكثر مدعاة للعجب أن يفعل جمال الغيطاني نفس الشيء ليصدر في أخبار الأدب ملفا خاصا عن جلال طالباني في العدد 589 ـ تاريخ 24 تشرين الثاني 2004.. رغم أن الغيطاني لم يشتهر بالتنبؤ ولا بالكهانة.. إنه يرسل لطالباني واحدا من كتاب روايات العهر السافة التي صادرتها وزارة الثقافة _ تصوروا- ليكتب عنه كلاما لا يجوز إلا على الصديقين، ثم أن جمال الغيطاني يكتب بنفسه افتتاحية العدد مقدما للملف، مشيرا إلى اللقاء الذي جرى في أوائل الستينات بين الزعيم الكوردي جلال طالباني، والرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وكيف أن هذا الأخير عامل طالباني معاملة خاصة ومتميزة، وفي أماكن أخري من الملف تتضح لنا واقعة مذهلة في ضراوتها.. لقد كان جمال عبد الناصر أول من أعطى السلاح للأكراد ليبدءوا المقاومة المسلحة ضد الحكومة العراقية.. فإذا أضفنا هذه الكارثة لكارثة أخرى ذكرتها في مقالة سابقة عن أن جمال عبد الناصر كان أول من سلح الوثنيين والنصارى في جنوب السودان ليبدءوا المقاومة المسلحة ضد الشمال المسلم الذي تعاطف مع الإخوان المسلمين في مصر ومع محمد نجيب فرفض الوحدة مع مصر تحت طغيان العسكر.. إذا أضفنا هذه لتلك برح الخفاء وسقطت أوراق التوت..

لماذا فعل جمال الغيطاني ما فعل؟؟..

وما علاقة أخبار الأدب بطالباني؟؟

أم أن الأمر يتعلق بالمخابرات؟!!

ولتقرءوا معي جملة في التحقيق .. جملة تأتي في ملف أخبار الأدب تمزق الستر على العورات القبيحة.. يقول مراسل أخبار الأدب إلى طالباني: 

... لدينا صورة لامرأة مقتولة بسكين في ظهرها، والجنود يلعبون الورق عليها" !! هل ثمة صورة أقسى من هذه؟؟ وأين كانت تلك الأصوات ـ التي تحرم، الآن، على الكورد الترحيب بالأمريكي المحرر ـ حينما كان صدام يقوم بهذه البشاعات والفظاعات؟؟؟..

الموضوع كله كان إذن كان تزيينا للباطل كما يزين القواد الزنا لبغي.. ولكي يصبح الأمريكي محررا والمقاوم إرهابيا وجلال طالباني في النهاية رئيسا.. أما كل من ذكرت فلكل منه وظيفته ودوره في دولاب المخابرات الأمريكية والإسرائيلية.

نعم..

جمال عبد الناصر.. هيكل.. الغيطاني.. طالباني..

والحلقات تكتشف والسر يخرج من مخبئه..

نعم .. هيكل يقدم لنا جلال طالباني منذ عام..

وهيكل ليس ساذجا ولا غرا.. وهو لا يلقي الكلام على عواهنه.. ولا يقوله اعتباطا..

لقد كان هيكل مع طالباني في لقائه مع عبد الناصر عام 63.. ومن المؤكد أنه اطلع – إن لم يكن قد توسط- في تسليح الأكراد للثورة على نظام الحكم في العراق.

لم يكن الأمر جديدا..

ففي عهد الرئيس جمال عبد الناصر تأسست إذاعة كردية في القاهرة في بدايات عام 1958 والتي لعبت دوراًً هاماً في توعية وتعبئة الجماهير الكردستانية.

يا إلهي..

قومية عربية ..

ويثير غير العرب على العرب..

الوثنيون والنصارى في جنوب السودان.. والأكراد في العراق.. أما المصادفة السعيدة فهي أن من ساعدهما عبد الناصر منذ نصف قرن.. أحدهما: الملحد عينته رئيسا للعراق.. والآخر.. الصليبي التبشيري أصبح – بفضل أمريكا- نائب رئيس السودان و أعلن أنه سيرشح نفسه لرئاسة الجمهورية في السودان..

ثم يأتي خنزير مصري يعيش في أمريكا يطالب بانتهاز الفرصة وترشيح رئيس قبطي لمصر منوها أنه منذ عشرة أعوام فقط كان المستحيل بعينه أن يكون طالباني رئيسا للعراق أو جارانج مرشحا للرئاسة في السودان فلماذا لا نتخيل بعد عدة أعوام مواتية أن يكون رئيس مصر قبطيا.

لا يقتصر الأمر على ذلك..

لأن على القارئ أن يؤبط بين الإشارات هنا وهناك كي تكتمل الصورة أمامه..

ولعل القارئ يذكر ما كتبته في مقال سابق حين وصلت صحيفة العربي – لا غفر الله لها – إلى ذروة نشوتها عندما استنطقت الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح – غفر الله له وهداه- لتحصل منه على اعتراف ما أنزل الله به من سلطان..

اعتراف بجواز أن يكون رئيس مصر مسيحيا..

ولعل القارئ يذكر أنني علقت أيامها أن العربي ليس لديها أي بأس أن يكون الرئيس المصري مسيحيا لكن كل الكوارث ستحدق لو كان هذا الرئيس مسلما.

ثم يأتي من ينكر أن ثورة يوليو كانت أمريكية!!..

*** 

ما أريد أن أقوله الآن.. و أعيده .. و أكرره.. و أؤكد عليه.. أن التغيير كله يسير في عكس الاتجاه الصحيح.. و أن التغيير الحقيقي يجب أن يكون عكس الاتجاه المطروح تماما.. و أن أي محاولة للمناورة مقضي عليها بالهزيمة و أنه ما من سبيل أمامنا سوى الإسلام المجاهد..

نعم..

المطروح أمامنا كله عمالة وخيانة و إن اختلفت اللافتات والستائر والحجب ووسائل الإخفاء والتمويه.

لقد سمعنا سبيل المثال ما قاله الرئيس مبارك من أن جهات أجنبية قد دفعت سبعين مليون دولار لتمويل الانتخابات القادمة..

ولست أشك مطلقا في صحة ما يقوله الرئيس مبارك..

وهو صادق بلا شك..

لكن ما أشك فيه هو صحة الرقم.. إذ ربما كان هذا الرقم سبعمائة مليون أو أكثر..

وليس هناك أيضا من أبرئه من اتهام مبارك المنقض والمحلق فوق الرؤوس والذي لم يحدد حزبا معينا كي يصب عليه اتهامه مما يجعل جميع الأحزاب متهمة فما من حزب محصن وما من قيادة فوق مستوى الشبهات. صحيح أن الرئيس كان يقصد حزب الغد ورئيسه أيمن نور الذي انقض عليه انقضاض الموت والخراب والشؤم من حيث لا يحتسب من بعد ربع قرن لم ير فيه منافسا، والأنكى والأشد أن شعبية أيمن نور تزداد و أن الغرب يؤيده، فثمة احتمالات إذن أن يحدث للرئيس ما حدث للشاة، وربما ما حدث لنورويجا، وهناك احتمال إذن أن يحدث لعائلته و أبنائه ما حدث لأهل الأسير صدام حسين – فك الله أسره. من المحتمل أيضا أن يحدث في مصر ما حدث في أوكرانيا وجورجيا وقيرغيزيا حيث تمكنت الشعوب من الإطاحة بالحكام الطغاة بوسائل مختلفة.

*** 

ولقد لمحت الرئيس مبارك– دون سابق قصد أو ترصد – فرأيت صورة العجز والخوف والانكسار على وجهه.. ولقد تحولت مشاعري تجاهه من دهر تمنيت فيه رحيله إلى دهر تمنيت فيه عدم رحيله بل محاكمته ليعترف بما سببه للأمة من كوارث وما ارتكب في حقها من موبقات آخرها جريمة لم يرتكبها من حكام المسلمين عبر التاريخ إلا واحد.. ألا وهي رد المؤمنات و إرجاعهن إِلَى الْكُفَّارِ: ) لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ..(

نعم..

رد المؤمنات آخر مخازيه التي لا يحصيها عد.

وهي جريمة لم يرتكبها قبله إلا واحد انتهي بما يستحق.. بالموت والخراب كما يخبرنا الشيخ محمد الغزالي في كتابه: قذائف الحق :

" بعد ضياع الأندلس تطلع الأسبان المسيحيون لاحتلال المغرب. وانتهز ملك قشتالة " فرديناد " الثالث أن " إدريس أبو العلا المأمون " طلب مساعدته على استعادة ملكه في المغرب، فأمده بجيش من اثني عشر ألف جندي مسيحي، وذلك مقابل الشروط الآتية التي التزم بها المأمون: 

1. أن يعطى المأمون لفرديناد قواعد يختارها ملك قشتالة. 

2. إذا فتح المأمون مدينة مراكش وجب عليه بناء كنيسة للمسيحيين. 

3. للجنود الأسبان حق المجاهرة بشعائر دينهم، وأن يضربوا النواقيس لمناداة المصلين معهم. 

4. إذا أراد بعض المسيحيين أن يسلم لا يسمح له بذلك ويتم تسليمه إلى النصارى كي يطبقوا عليه أحكامهم. 

5. وإذا أراد بعض المسلمين أن يتنصر لم يتعرض له أحد !! 

هذه الحادثة التاريخية تبين كيف أن تهافت بعض الرؤساء على السلطة جعلهم يقبلون مثل هذا الشروط.. على أن هذا " المأمون " قضى عليه آخر الأمر، وأمكن طرد الجنود النصارى الذين استجلبهم، فلم ير في المغرب بعد ذلك مسيحي.

*** 

لا يمكن إذن أن يأتي تغيير حقيقي على يد مبارك.. فالمطروح هو العكس..

إنهم يطلبون منه أكثر.. وهو لم يعد لديه ما يمكن أن يقدمه.. كما أن اتهاماته للآخرين بالعمالة والتمويل الأجنبي لا يمكن أن تخدع أحدا.. فأي اتهام من هذا النوع سوف يكون له شخصيا قصب السبق فيه.. ولكي نتجنب المحاذير دعنا من مسميات العمالة والخيانة.. وبعد ذلك – مع ملاحظة تغيير المسميات- فليس مطروحا في الساحة من هو أقرب لأمريكا من مبارك ولا من هو أشد منه وفاء لها.. إنه بتعبير الكاتب محمد عبد الحكيم دياب في صحيفة القدس العربي (26-3) مستعد، في سبيل البقاء في الحكم، لما هو أكثر من الاستسلام والتفريط..

نعم.. في الأعوام الماضية كنت أتمنى محاكمته والحصول على اعترافاته..

لكن يبدو الآن أن هذه المحاكمة ستكون أمريكية.. لذلك أتراجع ولا أملك إلا ما قاله امرؤ القيس عندما بلغه قتل أبيه (ليس ثمة أبوة أبدا لكنه سحر التعبير الباقي والمعبر) :

- ضيعتنا صغيرا وحملتنا دمك كبيرا..

نعم .. ضيعنا صغيرا وحملنا دمه كبيرا..

ونحن الذين كرهناه – في الله بكرهه للمسلمين و إيذائه لهم و إساءته للإسلام – العمر كله نجد أنفسنا نخاف الآن من نكاية الأمريكيين فينا بأن يفعلوا فيه ما فعلوه في شاه إيران وفي صدام حسين وفي قصي وعدي.. ولقد تمكنت الشعوب في أوكرانيا وجورجيا وقيرغيزيا من الإطاحة بالحكام الطغاة بوسائل سلمية، ولذلك من غير المستبعد بالمرة أن تصل هذه العدوى إلى الأقطار العربية.

نعم.. تحولت مشاعري من الرغبة في محاكمته إلى الرغبة في إنقاذه من بطش أمريكي متوقع.. لا لأنه عارضهم أو قاومهم.. على العكس.. لقد فعل لهم كل ما يريدون بل و أكثر مما يريدون لكنهم استنفدوا أغراضهم منه.. وقد آن أوان جزائه الأخير.. جزاء سنمار.

*** 

يجهل الطغاة موقف سادتهم، فأولئك السادة المجرمون كرؤساء العصابات، بل هم رؤساء عصابات فعلا على سبيل الواقع لا المجاز ولا التشبيه، وقد استأجر السادة الصليبيون والصهاينة مجرما قاتلا مأجورا هنا وهناك. 

نعم.. رؤساء عصابات دوليون استأجروا قتلة مأجورين بدرجة ملوك و أمراء ورؤساء جمهورية. وما من رئيس عصابة مهما كان إجرامه و خسته يمكن له أن يحترم أو أن يحتفظ بقاتل أجير أدى مهمته. يظل القاتل الأجير قاتلا أجيرا ولا يتحول أبدا إلى صديق أو ند.. بل هو جزء من الأجهزة القذرة التي يلقى بها إلى القمامة بعد استعمالها مرة أو مرات.

*** 

هذا هو مبارك إذن.. فهل يختلف عنه بدائله؟..

لست أنفي إذن اتهامات مبارك لبدائله كحزب الغد أو أيمن نور، وبرغم شهرة النظام الذي لا تدانيها شهرة في التزوير والتشهير والكذب، فإنني لا أرد الاتهام ولا أدحضه ولا أنفيه. لكنني أقول فقط أن أي اتهام لحزب الغد مردود على الحزب الوطني أضعافا مضاعفة. فلا يمكن على سبيل المثال أن تكون علاقة أيمن نور أو سعد الدين إبراهيم أو حتى الحيزبون الشمطاء أو ذلك الآخر المجنون بأمريكا أوثق من علاقة مبارك بها مهما سميت هذه العلاقة . تماما كما يظل الزنا زنا واللواط لواطا مهما تغيرت اللافتة التي يستتر خلفها من صداقة إلى حرية شخصية إلى حقوق إنسان إلى.. إلى.. إلى..

*** 

أخشى أن الأمر شديد الخطورة والتعقيد.. و أنه لا يوجد حزب ولا هيئة ولا مؤسسة في مصر والعالم العربي والإسلامي إلا وقد تم اختراقها حتى النخاع..

أحزاب كالوفد والغد والتجمع والناصري مفروغ من اختراقها..

لكن ما يرعبني الاختراق الذي حدث للأمل..

لحزب العمل على سبيل المثال..

وما يرعبني نوع الاختراق الذي سيحدث للإخوان المسلمين.

و إنني أنبه القارئ لنوع الاختراق الذي حدث لحزب العمل.. بعدة أشخاص كانوا قريبين جدا من الرأس.. وهم عملاء لأمن الدولة.. أحدهم بلغ من إسفافه وانحلاله أنهم يلحقون اسمه دائما بالعاهرة الأمريكية " مونيكا" فلا يقولون إلا " فلان مونيكا" أما الآخر فهو شخصية رئيسية استولت على أرشيف صحيفة الشعب وحرقته.. وقد كان مطلوبا من هذين وغيرهما في الفترة الماضية فصل مجدي حسين ورفاقه المجاهدين من الحزب مع وعد من الحكومة التي أهدرت عشرات الأحكام القضائية بعودة الحزب وصحيفته.. أقول كان هناك وعد بالعودة الفورية للحزب والصحيفة إذا ما تم عزل الشق غير المخترق في الحزب وعلى رأسه مجدي حسين.. ومن شاء الاستزادة فعليه أن يقرأ مقالات الأستاذ صلاح بديوي خلال شهر أبريل الماضي.

*** 

الاختراق حادث إذن لكل البدائل.. لكن أخطر الاختراقات هو ما أظنه حدث لكبري الحركات الإسلامية.. الإخوان المسلمين..

ومن المؤكد أن هذا الاختراق ليس حديثا.. بل ربما تم في نفس الوقت الذي تم فيه تجنيد عملاء كجارانج وطالباني لكي يتولوا الحكم بعد نصف قرن من تجنيدهم..

أنظر بقلب واجف إلى الأستاذ محمد مهدي عاكف بطيبته وذكائه والقبول الذي منحه الله له فأتساءل في أسى مرعوب عن العلاقة بين شخصيته وشخصية محمد نجيب.. و أتساءل: إذن من هو جمال عبد الناصر الذي سيستولي على الأمر كله لصالح أمريكا مرة أخرى.

*** 

طال المقال.. ولم يعد يتسع لمناقشة هذه الأمور التي أرجو أن أناقشها تفصيلا في المقالات القادمة

لكنني قبل أن أنتهي أنوه لأمرين:

أولهما أن الاختراق لا يكون فقط بتجنيد العملاء بل بغواية الأقوياء..

ولقد حدث في الآونة الأخيرة أمران كانا على قلبي كذوب رصاص منصهر.

فثمة صديق حميم كنت أغبطه و أحسده في شهر رمضان الماضي على كل شئ.. على صلاته وصيامه وقيامه وعبادته واعتكافه..

كان يسبقني في كل شئ ..

وكنت أحسده..

بعدها بشهور .. علمت قدرا.. أنه رئيس نادي الروتاري في منطقته..

وانسحق قلبي أمام دهشته من دهشتي..

وانفجرت فيه انفجارا عاتيا.. ورغم توبته فما زال سؤالي مستمرا:

- كيف جاز لمثله أن يتورط.

الأمر الآخر أشد وطأة.. فهو يتعلق بصديق أهم.. وأخ في الله أكبر من الآخر.. وأمل.. وعمل .. وتاريخ.. ومجد.. وتضحية.. وجهاد.. و.. و.. و..

فوجئت به ضيفا على قناة الكفر والعهر المسماة بالحرة..

ولولا وصية سيدي وحبيبي ومولاي:"هلا سترته" لكنت قد كشفت أمره.. 

لكنني أرأب صدعا و أرتق فتقا و أسد ثغرة و أتجاوز عن خطيئة من أحسبه مجاهدا في سبيل الله..

انسحق قلبي..

انسحق..

وبالرغم من تراجع الصديقين فإن قلبي لم يتعاف من انسحاقه.. ولم يبرأ من هواجسه عن هول الاختراق.. وعن الاحتمالات المرعبة لتداعياته..

 ويطاردني الرعب من تعس ذلك الذي يعمل عمل أهل الجنة حتى يكون قاب قوسين أو أدنى فيعمل عمل أهل النار فيدخلها..

ويطاردني الرعب من أولئك الذين استبطئوا النصر ووعد الله قال فيهم المصطفي صلى الله عليه وسلم : ولكنكم قوم تستعجلون.. 

يصيبني الرعب من أن يكون أيا من أصحابي من الأشقياء الذين قال الله فيهم:

 )سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ( (146)

*** 

يبقى انسحاق آخر للقلب حول التفجيرات الأخيرة في القاهرة..

سوف أتحدث بالتفاصيل في مقالات قادمة لكنني أدين و أحتقر تشويه من قاموا بهذه العمليات.. ( صحيفة حزبية شهيرة حقيرة كانت شامتة بأن أشلاء الشهيد – إن شاء الله - حسن بشندي قد ألقيت في المجاري) .. و كنت أهتف من قلب مكلوم: إنه ما يزال طفلا.. سحقا لقوم خانوا أماناتهم فدفعوه لما فعل..

وبرغم اعتقادي الجازم في أن هذه التفجيرات بصورة مباشرة أو غير مباشرة تخضع لتخطيط مركزي من الأمن ( وليست لدي أوهام بوجود حواجز بين أجهزة أمننا والموساد والسي آي إيه) خاصة بعد ما ثبت أن أحد المتهمين عميل للمباحث..

وليس لدي شك أن الجهاز الباطش الجبار ذو الخبرات العالمية قد استغل كل ذلك للسيطرة على طفل وعلى توجيهه ( دون أي انتقاص لنبل الشهيد مهما كان خطؤه).

وبرغم ما يمكن إثارته من تساؤلات فإن جهاز الأمن الغبي أو العميل يمكن أن يعمل ضد النظام الذي ينتمي إليه( شعراوي جمعة والسادات مثلا) أو بصورة أوضح ما فعله وزير الداخلية جمال عبد الناصر شخصيا كما يروي عبد اللطيف البغدادي في مذكراته– الجزء الأول – ص146 وهو أحد الضباط الأحرار الرئيسيين:

.....".... وفي المؤتمر المشترك من مجلس الثورة وأعضاء الوزارة المنعقد في 20/3/1954م تحدث (جمال عبد الناصر) عن وقوع ستة انفجارات نسف في مبنى السكة الحديد وفي الجامعة وفي محل جروبي في وقت واحد، وعلَّق على ذلك بأن ذلك جرى بسبب سياسة اللين في موقف الحكومة، وأن خطوة العودة إلى الحكم النيابي لا تصلح في هذا الوقت". ولكنه يعترف في اليوم التالي لكلٍّ من حسن إبراهيم وعبد اللطيف البغدادي وكمال الدين حسين بأنه هو الذي قام بهذه التفجيرات، وعزا السبب في ذلك بأنه "كان يرغب في إثارة البلبلة في نفوس الناس، ويجعلها تشعر بعدم الطمأنينة حتى يتذكروا الماضي أيام نسف السينمات ويشعروا أنهم في حاجة إلى مَن يحميهم".

الكفر ملة واحدة ولدينا من السوابق ما يؤيد ما نذهب إليه..

وعلى أي حال و أي صورة.. ومهما كانت الوسيلة والغواية أو الصواب والخطأ فإن أسوأ ما يمكن أن يقال في حسن بشندي ورفاقه أنهم اجتهدوا فأخطئوا.. و أنهم طلبوا الحق فأخطئوه.. أما ما يمكن أن يقال في مبارك وبدائله أنهم قوم طلبوا الباطل فأصابوه..

فاللهم اغفر لحسن بشندي ورفاقه وتقبلهم على نيتهم – إن شاء الله شهداء – وتغمدهم برحمتك..

اللهم آمين.








مبارك .. أعز الله به اليهود والنصارى.. و أذل المسلمين..

شعب (بل نظام) يستحق الحرق..!!

الطـوفـان(2/2)

لماذا لا يحمي المسلمون شيوخهم كما يحمي النصارى قساوستهم..


التنكيل بعلماء الأزهر جريمة لم يجرؤ عليها شارون وتستوجب عزل مبارك..


جزى الله الشيخ سيد عسكر خيرا عن الأمة.. دافع عن القرآن فسحلوه.. 


بقلم د. محمد عباس

www.mohamadabbas.net

mohamadab@gawab.com


 ماذا يحدث لإنسان إذا نزعت روحه..

ماذا يبقى منه..

أيبقي شئ سوى الجيفة؟؟!!

وحتى لو استطاعوا بالوسائل الصناعية، وبالتزوير والتدليس والكذب، لو استطاعوا الإبقاء على مظاهر الحياة دون جوهرها، فهل تتغير الجيفة؟ هل تتطور؟.. هل يمكن إصلاحها دون إعادة الروح إليها؟!..

ماذا يبقي من العين إن سلبت منها البصر..

وماذا يبقى من الأذن إن سلبت منها السمع..

وماذا يبقى من المخ إن سلبت منه العقل..

وماذا يبقى من القلب إن سلبت منه الوجدان والعقيدة..

*** 

لا أريد أن أفلت الواقع في بحر المثال أو دنيا الخيال.. فما أقصده بالإنسان الذي نزعت روحه وبالعين بلا بصر والأذن بلا سمع والمخ بلا عقل والقلب بلا عقيدة هو جمع الأمة أما الروح والسمع والبصر والفؤاد فهي الإسلام.. 

والطوفان الذي يدهمنا يغرقنا لا يكتفي بإغراقنا بل يفصل ما بين هذه المتلازمات..

بين الجسد والروح.. العين والبصر.. السمع والأذن..والمخ والعقل.. الوجدان والقلب.. والأمة والإسلام.. 

يغرقنا الطوفان ويفرقنا شذر مذر فيجعلنا نقرأ سطرا واحدا من صفحة واحدة من سفر الوجود الهائل ثم نحكم على الأمر كله و كأننا قد قرأنا السفر كله..

نعم..

كأنك قرأت صفحة واحدة من رواية ثم رحت تحكم على الرواية كلها كما لو كانت لا تحتوي إلا تلك الصفحة..

كأنك قرأت صفحة واحدة ثم لم تقرأ سواها.. أو كأنك حين قرأت سواها نسيته أو أنسيته..

وذلك جوهر الحداثة دون إخلال حقيقي مهما ادعى الحداثيون: القطيعة المعرفية.. أن تقاطع معارفك السابقة كلها و أولها الدين والإيمان.. أن تنسي الأحداث والأفكار والوجدان والأحاسيس.. فلا تذكر إلا الصفحة التي أمامك .. فإذا أضفنا أن الصفحة التي قدمت إليك إنما هي صفحة مزورة مدسوسة مغشوشة كاذبة اكتملت الكارثة..

سبحان الله..

أليس ذلك ما حذرنا منه القرآن الكريم من أن ننسى الله فينسينا أنفسنا:

)وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ( ( الحشر19)

نعم..

صدق الله العظيم..

أولئك هم الفاسقون..

هم الفاسقون..

*** 

تعاقب الأحداث ينسي بعضه بعضا..

وكلما طال الأمد قست القلوب و أعتمت العقول فعجزت عن رؤية الحقيقة وتاهت عن أصل الحكاية فأصبحت الخطوات خبط عشواء.. كالمريض الذي عجزنا عن تشخيص مرضه فرحنا نعالج الظواهر والأعراض بما قد يزيد وطأة المرض وتفاقمه من ناحية.. ومن الناحية الأخرى فهو لا يمكن أن يعالج مرضا لم يعرف أصله ولا تشخيصه..

وتحت هذا المثل تندرج كل محاولات الإصلاح في عالمنا الإسلامي.. وتندرج بالتالي ممارسات مبارك وبدائله.

يجب أن نعرف أصل الداء كي نعرف الدواء..

*** 

أصل الحكاية إما إيمان و إما كفر..

لا سبيل إلى إعادة الجيفة إنسانا إلا بإعادة الروح إليها..

ولا سبيل إلى إحياء الأمة من مواتها إلا بعودتها إلى الإسلام..

ذلك هو سبيل الإصلاح الذي نتنكبه وطريقه الذي نسير في عكس اتجاهه..

ذلك هو سبيل الإصلاح وغيره مزيد من الفساد والإفساد والخراب..

لطالما مضت الأمة في سبيل التيه وهي تنحدر على الهاوية من ضلال إلى ضلال أضل و من فساد إلى فساد أشد ومن مصائب إلى مصائب أكبر..

نعم.. 

يجب أن نفهم أن كل قضايا الوجود يلخصها أمر من أمرين:

إما إيمان و إما كفر..

هل خلق هذا الكون إله أم وُجد هذا الكون صدفة..

يجب أن نبدأ من البداية فنور البداية هو الذي يضئ لك النهاية..

وسيختلف كل شئ في هذا الوجود إذا ما آمنت أو كفرت..

إذ لو لم يكن الله موجودا – حاش لله – لأصبح كل ما نفعله بلا قيمة.. يصبح الجهاد حماقة والصلاة عبثا ومكارم الأخلاق بلا جدوى والصدق سخفا والشرف بلاهة والالتزام سفاهة.. وتصبح العلاقة بيننا وبين الفلسطينيين والعرب والمسلمين وهما وخرافة وينقسم العالم – بمفهوم الشيطان – إلى متحضرين مستنيرين لا يؤمنون بالغيب ولا بالله ومتخلفين همج ما زالوا يؤمنون بالله.. أما أشدهم تخلفا فإنهم أولئك القلة الذين يعتقدون بأن القرآن وحي الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويقرون بأن الشريعة الإسلامية هي مرجعهم الأعلى في كافة شؤون حياتهم.(!!)

نعم .. إذا لم يكن الله موجودا فكل شئ مباح..

و إذا لم يكن موجودا، فإن الإنسان الضائع في هذا الكون، الإنسان الذي لا أصل له ولا بداية ولا مآل ينتهي إليه إلا مآل الجيفة بعد طلوع الروح.. هذا الإنسان الذي خسر روحه قبل أن تطلع لا يبقي له إلا الجسد.. غواية الجسد.. هوة الجسد.. نتن الجسد.. جيفة الجسد.. حيث الحق هو القوة ولا حق إلا القوة.. وحيث متعه الجسد التي سرعان ما تُسأم.. ليتحول الشذوذ إلى مكون رئيسي في المنظومة..

سوف نتناول ذلك بمزيد من التفاصيل في مقالات قادمة.. لكننا هنا نقول أن الإنسان إما أن يؤمن بالله.. بالقدرة الكامنة خلف الأشياء والأحياء و إما أن يؤمن أنه في البدء كانت المادة ولا شيء وراءها و أنها تفسر كل شيء عبر الإحساس المباشر ، لكن المنطق العقلي المجرد في هذه الحالة يستلزم أن تكون المادة بسيطة ومتجانسة ، إذ يمكن بمنطق الشيطان أن نصدق أن الكون كله مكون من الهيدروجين على سبيل المثال ( لا يصدق ذلك إلا مجنون أو غبي خاصة عندما يكون لديه أبسط إلمام بتركيب الذرة).. ويمكن لعقل الشيطان إذن أن يقتنع بتكون استثناء أو استثناءين، أو على الأقل أن يكون وجود العناصر عشوائيا لا يسلكه نظام. أما أن تكون هذه الاستثناءات 102 استثناء : هي عدد العناصر في الأرض ( ما كان يسمى بجدول مندليف)، و أن يكون كل عنصر منها خاضعا لترتيب رياضي مذهل في دقته، للدرجة التي أمكن بها التنبؤ بوجود بعض العناصر رياضيا قبل اكتشافها في الواقع، حينئذ يكون الاستثناء هو القاعدة، وتنهدم نظرية التفسير المادي للتاريخ، ذلك أن أي محاولة لتفسير تنظيم المادة وتراتبها المعجز بأي قوة خارجها هو اعتراف بوجود الله!! خاصة إذا وضعنا في الاعتبار ملايين ملايين العوامل في نطاق الأرض وخارج نطاقها ، والتي لولاها ما كانت الأرض هي الأرض ولا السماء هي السماء. إذ لو أننا صدقنا التفسير المادي في الأرض فهل كان له أن يتم بمعزل عن سرعة دوران الأرض والمسافة بينها وبين الشمس وعلاقتها بالأفلاك. ونحن أمام احتمالين: إما أن تكون هذه البلايين من العوامل بلايين من الصدف ( و أنا والله يا قراء أشك أنه حتى المجنون يمكن أن يصدق هذا) وإما أن يكون كل ذلك مظهرا من مظاهر المشيئة وسننها وقوانينها.

الخيال المريض الذي يفسر الوجود بتوافق ملايين الصدف أشبه بمجنون يفسر وجود مكتبة هائلة تحوي ملايين الكتب في الدين والتاريخ والفلسفة والأدب الشعر والموسيقى و..و..و..و.. أن يفسر ذلك بانفجار حدث في مخزن للورق تصادف أن حدث معه انفجار في مخزن للحبر فنتج عن الانفجارين – بالصدفة- أن تناثر الحبر على الورق، وبالصدفة أدي تناثر رذاذ الحبر إلى طباعة بلايين الصفحات، دونما خطأ يذكر، ودونما خلل في توزيع الحبر وتجانسه على الصفحات، ثم تصادف أن حدث انفجار ثالث نتج عنه أن تطايرت بلايين بلايين الصفحات فرتبت نفسها دون أي خلل في ترتيب الصفحات ودون سقوط صفحة من هنا أو صفحة من هناك، ثم تصادف أن حدث انفجار رابع في مخزن للورق المقوى فتناثر الورق كي يكون أغلفة للكتب، ثم تصادف أن حدث انفجار في مخزن الأحبار الملونة ترتب عليه رسما مختلفا لغلاف كل نوع من الكتب يتشابه فقط في نسخ الكتاب الواحد ولا يتكرر في كتابين مختلفين، ثم تصادف أن حدث انفجار في غابة مجاورة فنتج عنه – بالصدفة أرفف المكتبة، ثم تصادف انفجار آخر ترتبت فيه الكتب، ثم تصادف انفجار أنشأ الفهارس ثم تصادف انفجار أنشأ المبنى..

ويمكن أن أستمر في هذا العبث بلا نهاية لكنني أتوقف عنه لأقول لكم يا قراء أن هذا المثل الذي ضربته مخجل إلى درجة الخزي إذا ما وضعنا بدلا من المكتبة الخلية أو الذرة.. أو الذبابة.. ضعف الطالب والمطلوب.

سوف نتناول ذلك في مقالات قادمة بمزيد من التفاصيل إن شاء الله، ولن أعتمد على كتب علماء الدين فقط، بل سأعتمد على كتب علماء في الفيزياء والهندسة، مثل الدكتور محمد الحسيني إسماعيل خاصة في مؤلفين جليلين له هما :" الحقيقة المطلقة : الله والدين والإنسان" و " الدين والعلم وقصور الفكر البشري" وناشر الكتابين : مكتبة وهبة: القاهرة"والذي يتناول قضية الإيمان فيهما، ليس عبر النصوص الدينية، ولكن عبر النظريات الفلسفية والقوانين العلمية.

*** 

الإصلاح إذن في حالة إذا ما كان الله موجودا يختلف عن الإصلاح إذا ما كانت شياطين الجن والإنس هي الوجود الوحيد..

لو لم يكن الله موجودا – حاش لله- لكن بوش وشارون ومبارك على حق وكنا نحن على باطل.. ولكانوا هم الذين فازوا بدنيا ليس بعدها آخرة.. فليس هناك أي مقياس ثابت أو معيار دائم فكل شئ نسبي ووقتي ومتغير ومعياره الوحيد المصلحة والقوة واللذة..

لكن ما الأمر إن كان العكس هو الصحيح؟!..

إذا كان الله موجودا.. وثمة غيب وحساب وثواب وعقاب ..

هل يجوز لنا والحال ذاك أن تكون اختياراتنا و إصلاحاتنا بمعزل عن أوامر خالقنا..؟..

هل يجوز ذلك إلا في أحد حالين:

أولاهما أن ننكر وجود الله ذاته – حاشا لله-.

وثانيهما -كما يدعي بعض العلمانيين- أن يؤمنوا بوجود الله 0 ككيان غامض بلا معنى – لكنهم يكذبون بالرسل.

أو نقول ما قاله الخنزير ليو شستراوس أن الدين كذبة نبيلة يجب أن نحافظ عليها.. لكن كما يقول جيمس وايت: علينا أن نحدد نحن مواصفات الله و أن نحدد نحن بنود الشريعة التي تتغير بتغير احتياجاتنا ومصالحنا و أهوائنا ( في التطبيق العملي أسفر هذا عن إباحة كل شئ.. حتى القتل والسرقة والشذوذ)..

دعنا الآن من المبشرين الصليبيين واليهود.. فأولئك طمس الله على قلوبهم فنكصوا عن الكامل ليؤمنوا بالناقص ورفضوا الصحيح وقبلوا المحرف..

دعنا منهم الآن..فلذلك مقال يجب أن يكون وحده.. لكنني أريد أن أؤكد هنا أن المؤمن بالله يجب أن يؤمن بضرورة تطبيق شرعه.. والعكس صحيح.. فكيف يكون مؤمنا بالله وبكتابه ويعرف أي نوع من العذاب سيتعرض له إن لم يبادر إلى تطبيق شرع الله.. ثم لا يفعل..

كيف..

كيف يرى الهاوية تحت قدميه فيقفز..

كيف..

كيف يرى الجحيم أمامه فيقتحم..

كيف يرى أمامه قطعة من الحلوى فيسارع إلى التهامها رغم علمه أن السم الزعاف مبثوث فيها..

كيف إن كان يؤمن بالأبد أن يضيعه ليشتري به الدنيا؟..

كيف..

كيف؟..

كيف؟..

إذن: اختيار الإيمان أو الكفر ليس اختيارا نظريا بل هو أهم محور ومفترق طرق في حياتنا و هو الذي يحدد لنا طريق الإصلاح وفي أي اتجاه نسير.

والأمر إذن ليس أمر خرافات و أساطير كما تحاول فئة الصعاليك والسفلة وشذاذ الآفاق من علمانيين وقوميين وشيوعيين ويساريين وبراجماتيين وحداثيين وما بعد حداثيين أن تثبت.

في الغرب كان لهذه الفئات السافلة بعض احترام لأنها لم تخدع أمتها ولا هي غشت قومها فاعترفت وأعلنت أنها لا تؤمن بالله و أنها ارتضت المادة إلها..وترتب على هذا وضع غايات – أو على الأحرى نفي الغايات – الوجود التي تتلخص في أن متعة الوجود والغاية منه هو القوة واللذة، حيث القوة هي الحق – ولا حق سواه- والسعادة هي اللذة – ولا سعادة سواها-.

و لأسباب عديدة اقتصر الخلاف هناك – في الغرب- على جوانبه الفكرية والفلسفية حتى و إن تحول المجتمع إلى ساحة مفتوحة لصراع يتم طبقا لنظام محدد لا يبيح للملحدين التنكيل بالمؤمنين بدين.

في بلادنا كان الإيمان يقوم بوظيفة جوهرية لم تعرفها الأديان الأخرى.. فلأن الإسلام دين ودولة فقد كان الإسلام يقوم بعمل النسيج الضام الذي يربط بين أجزاء الأمة وبدونه لا تتفتت الأمة فقط بل وتدول دولتها وتزول..

لذلك.. ففي بلادنا المنكوبة أضاف العلمانيون إلى رذائلهم رذيلة الخيانة، حين أخفوا كفرهم. ثم أضافوا إلى رذائلهم محاولة هدم الدين بادعاء تفسيره، ثم أضافوا سلوكا همجيا وحشيا استئصاليا للقضاء على المؤمنين.. القضاء بكل معانيه، بالقتل خارج منظومة القانون، أو بالقانون، والعزل والتشويه والتجويع والحصار والمنع من الوظائف ومن وسائل النشر وحتى من الوظائف المرموقة في المجتمع. بلا عقل ولا خلق ولا ضمير، وهم إذ يفعلون ذلك يرفعون شعارات خالية من المضمون، يرفعون شعار الديمقراطية مثلا، فإذا رأوا أن المؤمنين هم الذين سيفوزون لعنوا الديمقراطية التي جاءت بهتلر ثم تكاد تأتي بالمسلمين. أو يرفعون شعار تحرير المرأة وهم يقصدون تعهير المرأة وحرية الزنا وخلخلة أساس المجتمع الإنساني بإهدار عفة المرأة وشرفها والتزامها ببيتها و أبنائها فذلك في النهاية هو الذي سيكوّن َلـبـِـنات مجتمعهم الملحد.

في مجتمعنا الإسلامي لعب العلمانيون دور وحش خرافي.. تنين أسطوري وفك مفترس أضراسه أجهزة الأمن و أنيابه كتاب الصحف وقواطعه وسائل الإعلام. أما الذي أطلق هذا التنين علينا فقد كان الغرب.

*** 

نعم..

في الغرب كان مثل هذا الفكر رد فعل لدين حرف فانحرف..

وعندما فارقوا الفكر المحرف المنحرف فارقوا تخلفهم..

أما عندنا فكان الأمر على العكس..

دين صحيح أدى ابتعادنا عنه إلى تخلفنا..

في الغرب.. لم يدع مفكر ملحد الإيمان..

وعندنا لم يجهر ملحد بالكفر..

وعملية الإخفاء نفسها تدل على الجبن والخسة والسفالة..

وهي تدل ضمن ما تدل على أن هذه النخبة السافلة المنحطة المنحرفة الخسيسة التي تقودنا الآن لا تقودنا كما تدعي إلى التقدم والتنوير والحداثة – وإلا لجاهرت بمعتقداتها- .. و إنما تدفعنا إلى العبودية الكاملة للغرب..

*** 

كلاب اليسار لم يكفوا أبدا عن النباح على جورباتشوف لأنه فكك الاتحاد السوفيتي.. رغم أنه لم يكن يربط بلاده ببعضها سوى الاحتلال والاستغلال والقهر..

ودببة القومية لم يكفوا أبدا عن التنديد بالدولة الإسلامية لمصلحة الدولة القومية التي لم يصلوا إليها أبدا.. أبدا..

ولقد كان هؤلاء و أولئك أدوات الصليبيين واليهود في تفكيك الدولة الإسلامية والتنفير منها..

... 

أصرخ في الخنازير والأفاعي والكلاب والدببة..

أصرخ فيهم..

حتى لو كان الإسلام –حاش لله – باطلا.. حتى لو كان ذلك.. فكان يجب عليهم المحافظة عليه كما حافظ الصينيون على الكونفشيوسية واليابانيون والهنود على البوذية والهندوكية وما شابه.. كان عليهم أن يحافظوا عليه كنسيج ضام للأمة يقيها من التفتت كما حافظ الملاحدة الصهاينة على أساطيرهم لإنشاء دولة مزيفة من العدم والخرافة والأسطورة.. بينما ضيعنا نحن – بفضلهم الحقيقة..

حتى لو كان ذلك لوجب ذاك..

لكنهم أضمروا الكفر و أظهروا الإيمان..

ولم يكتفوا حتى بالموقف السلبي من الإسلام بل جعلوا من أنفسهم معاول لهدمه وتمزيقه..

ولم يكن ذلك لأنهم اكتشفوا أن الإسلام باطل..

ولا لأنهم اكتشفوا – كما اكتشف سيدهم ومولاهم – أن الدولة الإسلامية محور شر لا بد أن يزال..

لا ..

لم يكن الأمر كذلك..

بل لأنهم بلغوا درجة من السفالة والحقارة والخسة جعلتهم يدركون أن ثمن الإسلام – بالخيانة – ثمن مرتفع جدا..إنه الثروة والسلطة والحكم.. من أجل هذا باعوه.. ولم يكن في بيعهم له مجرد مروق من الإيمان ودخول في الكفر.. بل كان تهديدا لأمن أمتهم كله.. فعبر التاريخ كان الدفاع عن الأمة تحت راية الدين هو الدفاع الأقوى.. لذلك فإن كلاب الاستعمار وعبيد الصهاينة وصبيان اليهود كان عليهم ليس مجرد الخروج من الإسلام.. بل منع المسلمين من دخول المعركة كمسلمين..

فحين تكون الحركة – كما يقول أستاذنا العلامة محمد قطب- جهاداً إسلامياً فالقضية واضحة: مسلمون ثائرون، يجاهدون عدواً صليبياً يحتل بلادهم.فهل يتصور فيهم أن يلتقوا مع العدو الصليبي في منصف الطريق؟ هل يتصور فيهم أن "يتفاهموا" مع عدوهم على شئ؟ هل يتصور فيهم أن يسكتوا على حركة التغريب وحركة التقريب؟ هل يتصور فيهم أن يسكتوا على تنحية الشريعة الإسلامية عن الحكم، ويسكتوا على الغزو الفكري المتمثل في المنهج الذي وضعه دنلوب للتعليم والمنهج الذي تتبعه وسائل الإعلام بمعاونة المستعمر الصليبي؟! 

أما حين تكون حركة وطنية فكل هذا جائز! بل لقد وقع بالفعل! ففي ظل الحركة الوطنية قام التغريب والتقريب، واتسع نطاق الغزو الفكري، واستمر المنهج الدنلوبى، واستمرت وسائل الإعلام تؤدى "مهمتها" في إبعاد المسلمين عن الإسلام!

*** 

يقول العلامة محمود شاكر في مقدّمته لكتاب "المتنبي": 

"صار بيّناً عندي أننا نعيش في عالم منقسم انقساماً سافراً: عالم القوة والغنى، وعالم الضعف والفقر، أو عالم الغزاة الناهبين، وعالم المستضعفين المنهوبين.كان عالم الغزاة الممثل في الحضارة الأوروبية، يريد أن يحدث في عالم المستضعفين تحولاً اجتماعياً وثقافياً وسياسياً فهو صيد غزير يمد حضارتهم بجميع أسباب القوة والعلو والغنى والسلطان والغلبة.والطريق إلى هذا التحول عمل سياسي محض، لا غاية له إلا إخضاع هذا العالم "المتخلف" إخضاعاً تاماً لحاجات العالم "المتحضر" التي لا تنفد، ولسيطرته السياسية الكاملة أيضاً.ومع أن هذا العمل السياسي المحض المتشعب، قد بدأ تنفيذه منذ زمن في أجزاء متفرقة من عالمنا، إلا أنه بدأ عندنا في مصر، قلب العالم الإسلامي والعربي، مع الطلائع الأولى لعهد محمد علي، بسيطرة القناصل الأوروبية عليه وعلى دولته، وعلى بناء هذه الدولة كلها بالمشورة والتوجيه.ثم ارتفع إلى ذروته في عهد حفيده إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي الخديوي، حتى جاء الاحتلال الإنجليزي في سنة 1882 وبمجيء سيطر الإنجليز سيطرة مباشرة على كل شيء، وعلى التعليم خاصة، إلى أن جاء "دنلوب" (في 17مارس 1897) ليضع للأمة نظام التعليم المدمر الذي لا نزال نسير عليه، مع الأسف، إلى يومنا هذا" 

وفي كتاب"أباطيل وأسمار" يصف العلامة الغزو الأوروبي للعالم الإسلامي بأنه :

"غزو خفي الوطء، بعيد المرمى، طويل الأجل ، لم يكن غزواً بالمعنى الذي كان الناس يعهدونه يومئذ، أو الذي نعهده إلى اليوم،لم يكن جيوشاً وجحافل لها صليل يقعقع ونقع يثور، فتدك في زحفها الحصون حصناً حصناً، حتى تفرغ من الأرض كلها في شهر أو شهرين، أوعام أوعامين.كان غزواً أقل ما فيه نكاية هو"الجيوش"،وأبلغه افتراساً هو "التجارة"،وأفتكه بالإنسان هو "التبشير""أباطيل و أسمار "

ثم يعود العلامة ليصف التدمير المفزع لعالمنا الإسلامي .. والذي شارك فيه مثقفونا ومفكرونا:

 "لم ينتصب أحد لوصف هذا التدمير المفزع الذي يشترك في جريمته مثقفون كثيرون، في الأدب، وفي العلم، وفي التاريخ، وفي الفلسفة، وفي الاجتماع، وفي السياسة، وفي الفن كله من مسرح وسينما وموسيقا وغيرها (...) وقد زاد الأمر فلم يبق مقتصراً على التعليم والكتابة والتأليف والصحافة، بل دخل كل بيت دخولاً مفزعاً عن طريق الإذاعة والتلفزيون،بلا رقيب ولا حسيب "(المتنبي).

ولم يكن ذلك تنويرا للأمة بل كان تدميرا للأمة..

ولم يكن التحرير تحريرا بل تعهيرا..

ولم يكن الأمر أمانة بل خيانة.. 

ولم يكن نورا بل ظلاما..

ولم يكن طهرا بل دنسا..

*** 

نعم..

كان ذلك و أكثر ..

وكل خطوة لإبعاد المسلمين عن الإسلام لم تكن فقط جريمة كفر بل جريمة أمن دولة..

وكل خطوة إبعاد المسلمين عن الجهاد لم تكن مجرد جبن بل كفرا وجريمة أمن أمة..

*** 

طريق المؤمنين في الإصلاح إذن غير طريق العلمانيين..

وبهذا المنهج.. وبهذا المنهج وحده نحكم على مبارك وبدائله..

*** 

ليس هناك خلاف على أن مبارك يقدم مثالا نموذجيا للعلمانية والبراجماتية بمفهومها الشرقي لا الغربي.. فالرجل لم يتوان منذ جاء عن الإساءة للإسلام والتنكيل بالمسلمين وتفتيت الأمة لصالح أعدائها.. بل ووصل الأمر عندما حذره البعض من مغبة الجمود والعناد للأمة المستفزة حتى توشك أن تحترق وتحترق معه البلاد .. وصل به الأمر أن أجاب على هذا التحذير بقوله:

- ما تتحرق.. ما تولع بجاز.. شعب يستحق الحرق .

(عن د: محمد عبد الحكيم دياب - القدس العربي 19-5-2005)

*** 

نعم..

أنا أصدق محمد عبد الحكيم دياب رغم أنه قومي..فأنا أنظر إلى ما قال لا إلى من قال..

نعم:

- ما تتحرق.. ما تولع بجاز.. شعب يستحق الحرق .

ويخيل إلى أن هذا كان هو برنامج مبارك منذ جاء.. و أنه لهذا استبقته أمريكا في الحكم ربع قرن.. وقد تستبقيه أكثر..

*** 

اختيار مبارك إذن لا يناسبنا.. فهل يناسبنا أيمن نور أو سعد الدين إبراهيم..؟!..

فلنعترف أن أجهزة جوبلز قد نجحت في تشويه الرجلين نجاحا غير منكور ولا مشكور..

فلنعترف بذلك منذ البداية.. فتلك الأجهزة قد تمرست على غسل مخ الشعوب.. وليس أدل على ذلك من قدرتها على تغيير وجدان الرأي العام أربع مرات في غضون نصف قرن.

ولكن لنعترف أيضا بأمرين:

أولهما أن جل ما قالته أجهزة الإعلام من قدح فيهما صحيح..

لكن الثاني هو أن ما لم تقله أجهزة الإعلام أيضا صحيح.

وما لم تقله هو أنه إذا كان سعد الدين إبراهيم قد حصل على معونات أجنبية اختلس بعضها فإن النظام الذي يتهمه بذلك قد حصل على ألف ضعف ما حصل عليه من معونات ورشاً و أنه اختلس عشرة آلاف ما اختلسه سعد الدين إبراهيم..

ثلاثمائة مليار دولار تم تهريبها إلى الخارج.. ولم يكن أيمن نور أو سعد الدين إبراهيم من هربها..

نعم..

ما قالته أجهزة الإعلام صحيح..

لكن ما لم تقله أيضا صحيح.

و إذا كان أيمن نور قد زور ألف أو ألفي توكيل فإن النظام قد زور أكثر من عشرين مليون صوت( الأصوات الانتخابية) ..

و إذا كان أيمن نور مارس التزوير عاما أو بعض عام فإن النظام يمارس التزوير منذ نصف قرن بل يزيد.

*** 

ولقد تذكرت ما يحدث ما بين مبارك وما بين بدائله، حين كنت أضحك ذلك الضحك الأمر من البكاء، إذ أقرأ حكاية اللص الخائن العميل أحمد الجلبي مع حكومة الأردن. كان الجلبي مدير بنك في الأردن، فاختلسه، وضاعت حقوق المساهمين ومقدارها ثلاثمائة مليون دولار ( ملياري جنيه مصري).. وحكم عليه بالسجن 22 عاما مع الأشغال الشاقة وبرد المال المنهوب.. فهرب إلى أمريكا.. وكان أكبر المحرضين على بلاده والكذابين عليها بفرية أسلحة الدمار الشامل.. و أصبح من أهم حكام العراق بسبب تدعيم أمريكا له.. أمريكا التي لا تدعم من الحكام إلا اللصوص.. ووجد الأردن نفسه في حيص بيص.. إن ملك ملك الأردن نفسه هبة أمريكية .. و أمريكا هي التي جعلته ملكا.. وقررت الأردن الانحناء و إصدار عفو عن أحمد الجلبي.. لكن المفاجأة كانت أن الجلبي رفض العفو وطلب تعويضا و إلا ورط كبار المسئولين الأردنيين فهم اللصوص لا هو..!!

نعم..

ضحكت ذلك الضحك الموجع المؤلم لما صرنا إليه من هوان..

قلت لنفسي أن الطرفين كليهما صادق فيما يتعلق بصاحبه وكاذب فيما يتعلق بنفسه.

وهذا هو نفس الوضع فيما يتعلق بمبارك وبدائله..

*** 

كل ما يقوله مبارك عن بدائله صحيح.. وكل ما يقوله عنه بدائله صحيح.. لكن ما يقوله كل طرف عن نفسه غير صحيح..!!..

وبغض النظر عما قيل وعما يقال وعن رد فعل الشعب إزاء تشويه صورة سعد و أيمن فإنني أظن أنه من الأفضل لأمريكا فعلا أن يكون شخص كسعد الدين إبراهيم أو أيمن نور رجلها القادم بديلا عن مبارك.. لكن هذا الاستبدال لا يدور في إطار استبدال المنهج بمنهج.. بل هو نفس المنهج بطريقة مختلفة.. والفرق بين هذا وذاك كالفرق بين الاغتصاب والغواية.. أو بين البلطجة والإجرام من ناحية والنصب والاحتيال من ناحية أخرى..

نظام الحكم الحالي اغتصاب مستمر للأمة..

وسعد أو أيمن.. هي غواية للأمة للوصول إلى نفس الهدف!!..

نعم..

لا يتغير المنهج من منهج غير شريف إلى منهج شريف..

فقط تتغير الوسائل دون الغايات..

فبدلا من البلطجة التي أصبحت تستمطر اللعنات على أمريكا يأتي النصب والاحتيال!!..

وبغض النظر عن تصديق أو عدم تصديق ما نسب إلى سعد الدين إبراهيم أو إلى أيمن نور أو إلى حزب الغد فإنه مع افتراض صحة كل ما قيل تظل جرائم الحزب الوطني آلاف الأضعاف للدرجة التي يكون فيها حزب الغد ملاكا رحيما أمام شيطان رجيم.

كما أن سعد الدين إبراهيم مهما قيل فيه إلا أنه رجل يمكن التحدث معه.. و أنه على الأقل سوف يجهد نفسه في خداع الأمة وفي ذلك بعض احترام لعقلها.. وعلى الرغم من أن الاحتيال كله مرفوض إلا أنه أفضل من البلطجي الذي يواجهك بالكذب والسياط والرصاص والمحاكم العسكرية.

*** 

وبغض النظر عن صحة أو تزوير الاتهامات فإن النمو الجارف لحزب الغد لم يكن أبدا طبيعيا. ثم أن هذا ميلاد هذا الحزب- كأي حزب آخر- لا يرجع إلى لحظة ولادته بل إلى لحظة أخرى أبعد بكثير.

 في الطفل فإن لحظة البداية تسبق لحظة الولادة بشهور تسعة هي فترة النمو المستتر بعيدا عن العيون. وقد يكون الحمل شرعيا من أب شرعي و أم شرعية وقد يكون سفاحا..

في الأحزاب وما إلى ذلك قد تكون هذه الفترة – بغض النظر عن الحلال والسفاح- عاما أو أعواما أو عقودا أو أجيالا أو حتى قرونا.

إنني أريد أن أنبه القراء إلى فترة النمو السرية تلك.. و إلى الأب الحقيقي سواء كان شرعيا أم غير شرعي.. و إلى احتمالات خطف الجنين نفسه.. لأن كل ذلك هو الذي يحدد خواص الوليد الجديد.. 

إن حركة الضباط الأحرار – مثلا- لم تبدأ في 1952 .. لقد ولدت في هذا اليوم مكتملة الخصائص . أما فترة الحمل فيها فقد بدأت قبل ذلك بأربعة عشر عاما ربما على أيد كعزيز المصري ومحمود لبيب ومعروف الحضري.. ثم التقطتها – أو اختطفتها - أيد أخرى كمايلز كوبلاند وكيم روزفيلت..

ولد إذن حزب الغد عملاقا بعد حمل طويل وليس هناك يقين عن أبيه الحقيقي.

على العموم لقد وجدنا فجأة حزبا كبيرا.. يمثل التركيبة التي تريدها أمريكا.. فثلث أعضائه مسيحيون أما الثلثان الآخران فليس لهم من الإسلام – غالبا – إلا اسمه وسطرا في بطاقة الهوية. وهذه هي التركيبة المثالية بالنسبة للأهداف الأمريكية حيث يجرى عزل الإسلام كله ( ليس الأهداف الأمريكية فقط.. بل أهداف وزير أوقاف فاسق وعالم مارق وحاكم منافق)..

لكن.. لا داعي إذن للاتهامات بالعمالة والخيانة واللصوصية والإجرام والتزوير والتلفيق و..و..و..وكل المسميات التي قد تصدق وقد لا تصدق لكنها على أية حال و أيا كانت السميات فإن حزبا من الأحزاب لا يستطيع منافسة الحزب الحاكم عليها.

ولقد سألني صديق ساخرا وممرورا:

- إن كان لا مفر.. ولم يكن هناك من طريق ثالث غير الاغتصاب أو الغواية.. فإن الغواية أفضل.. و على هذا فإن سعد الدين إبراهيم أقل سوءا من مبارك.. و أيمن نور أقل سوءا من جمال مبارك..

ورددت عليه في وجوم:

- عليهم جميعا دائرة السوء. 

ثم رحت أرتل في همس:

- ) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً (

*** 

أما حزب الوفد فلا يصلح أبدا..

لم يعد يمثل الأمة.. وهو لا يستوفي متطلبات أمريكا.

ومهما كان رأينا في نعمان جمعة الذي يمكن أن نشك في أشياء كثيرة جدا تقال عنه لكنه ليس عميلا ولا خائنا ولا هو مستعد لبيع البلد لأمريكا.. وفي هذا الصدد فإن الحزب الوطني يتفوق عليه – كما يتفوق على الآخرين جميعا .. ما عدا بعض التحفظات على التجمع والناصريين - تفوقا ساحقا 

لا يصلح حزب الوفد أبدا..

و إذا كان وفد سعد زغلول نفسه، أو مصطفى النحاس أو فؤاد سراج الدين لا يصلح.. فكيف يصلح وفد نعمان جمعة..

لقد كان مكرم عبيد قبل ذلك مثلا نادرا للسياسي الأحمق الذي دمر نفسه وانشق على حزبه ليكون حزبا هزيلا عميلا.. ولم يكن يضاهيه في ذلك أحد حتى أتي نعمان جمعة ليسبقه.. فهو لم ينشق على حزبه بل حول حزبا كان عملاقا إلى حزب هزيل عميل.. ولقد بدد نعمان جمعة في أقل من عشرة أعوام رصيده كله – وقد كان كبيرا- ثم دمر حزبه حتى كاد أن ينافس حزب الصباحي في " المسخرة" وقلة القيمة.. ولولا بعض الشخصيات التاريخية القليلة الباقية لما أبه به أحد.

لقد مارس الدكتور نعمان جمعة طغيانا غريبا يجعل الكثيرين يفضلون مبارك – كطاغية متمرس – عليه.. تماما كما يفضل الضحية في السجن جلادا متمرسا يعذبه دون أن يكسر عظامه ويريق دماءه.. وليس هذا مجرد مثل.. فقد سمعته فعلا من بعض ضحايا التعذيب.. فالجلاد المتمرس يسبب حدا أقصى من الألم لكن أثره يزول ي بضعة أيام أو أسابيع.. أما الجلاد غير المتمرس – الغشيم- فقد يسبب قدرا أقل من الألم ساعة التعذيب لكنه قد يترك كسرا يلتئم في شهور أو جرحا يتقيح أو حتى عاهة مستديمة.

إن نعمان جمعة كما يقول عنه منافسوه الوفديون ومنهم فؤاد بدراوي وبعض المحسوبين عليه من أنصار التطبيع مع العدو الصهيوني، كما أن دفاعه عن الدكتور يوسف والي قضية جريدة الشعب، والخاصة باتهام دكتور والي بالعمل لصالح إسرائيل شكل وصمة عار لا تمحى.. خاصة بعد ما أشيع من أن السبب لم يكن الصداقة كما ادعى.

ولقد تعرض الدكتور نعمان جمعة لانتقادات عنيفة مزقت كيانه وهيبته بسبب مواقفه من أعضاء حزبه وقرارات الفصل المتعددة التي طالت الأقطاب مثل يسن سراج الدين – وهو تصرف وصفه الأخير بأنه صغير - والصحافيين كمجدي مهنا وغيره والنواب كمحمود الشاذلي و أيمن نور وفريد حسنين وعشرات وعشرات.. وكذلك موقفه اللاأخلاقي من الدكتور جمال حشمت وحتى من المرشد العام للإخوان المسلمين .

حزب الوفد لا يشكل بديلا إذن للحزب الوطني.. ليس بسبب انهياره على يد رئيسه نعمان جمعة الذي حوله من حزب قوي إلى حزب كاريكاتوري ( انظر اتهامهم المضحك لحزب الغد بعملية تفجير الأزهر الأخيرة).

فبغض النظر عن خواص وطبيعة نعمان جمعة ودوره الحاسم في إنهاء دور حزب الوفد تاريخيا فإن الحزب لا يصلح للعصر الأمريكي الجديد.

لا نتكلم عن الفساد وهو موجود.. ولا عن الاستغلال والانتهازية وهي غالبة .. ولا عن ضحالة التفكير وهي سمة..لكننا نتحدث عن حزب الوفد في صورته المثلى.. وفد فؤاد سراج الدين أو حتى مصطفى النحاس.. بل وفد سعد زغلول.

إن فكرة الوفد النبيلة – وهذه مأساة – قد فرغت منذ البداية من محتواها لتتحول إلى فكرة لغسل مخ الأمة..

لقد كان سعد زغلول صنيعة كرومر..

.يقول الدكتور فهمي الشناوي:

 "ابتداء من 1905م بدأ -الثعلب كرومر- أخطر وأخبث حيلة؛ حيث ابتدأ في اصطياده نبهاء الأمة الإسلامية في شبابهم، ليلتقطهم ويسند إليهم مناصب كبيرة تخدم خط تكوين قومي على حساب الأمة: التقط سعد زغلول وأسند إليه وزارة المعارف 1906م أهم الوزارات.والتقط الشيخ محمد عبده -وجعله مفتي للديار، وبذلك ضمن أولاً تفريغ صفوف الأمة الإسلامية من رجالها - وهم لم يكونوا رجالها - ونقلهم إلى صف التفاهم مع الغرب، والتفاوض مع الغرب، واتخاذ الغرب نموذجاً ولو جزئياً ولو ثقافياً.وأنشأ لنفسه مكاتب وصالونات تروج لفكرة اصطياد نبهاء الأمة -مثل صالون الأميرة ناظلي فاضل( تنصرت وتزوجت مسيحيا)، وتم اصطياد لطفي السيد الذي اندفع اندفاعا أعمى ضد الأمة بمقولة "مصر للمصريين" أي ليست للإسلاميين حتى لو صارت للقبط ما داموا مصريين! وأسموه فيلسوفاً دون أن تكون له أدنى علاقة بالفلسفة.واصطاد عبد العزيز فهمي حتى أصبح قاضي قضاة مصر، ولكن بالقانون النابليوني لا بالشريعة! واصطاد قاسم أمين الذي روج بدعوى مساواة المرأة إلى خلخلة تقاليد وأعراف المجتمع الإسلامي .واصطاد عبد الرحيم باشا الدمرداش ليجعل للصوفية على الوعي السياسي الإسلامي قدحا معلى.واصطاد خلفاؤه من بعد نبهاء؛ أمثال عبد الخالق ثروت وطه حسين، وعناصر قبطية؛ مثل البروتستانتي مكرم عبيد سكرتير المستشار القضائي، الذي وصل لقمة الحركة الوطنية، واليهودي رينيه قطاوي الذي وصلوا به إلى وزير مالية لسعد زغلول وزوجته وصيفة للسراي، ومئات غير هؤلاء.وهذا كله لصياغة مجتمع جديد من عجينة جديد" .

نفس الطريقة تتكرر..

ما حاوله نابليون عن طريق المعلم يعقوب يفعله الإنجليز عن طريق كرومر ويفعله الأمريكيون عن طريق روزفيلت وكوبلاند..

وما فعله محمد على و أبنائه عن طريق الطهطاوي فعله كرومر عن طريق سعد زغلول وقاسم أمين و أحمد لطفي السيد ثم صبيانهم كطه حسين وسلامة موسى .. وهو نفس ما فعله القوميون – تحت إشراف أمريكي- بعد ذلك عن طريق مئات كصلاح عيسى وجمال الغيطاني وغالي شكري ولطفي الخولي ووحيد عبد المجيد وجابر عصفور ويوسف القعيد.. و.. و.. و.. 

يقول الأستاذ أنور الجندي:

 "لقد كان الاستعمار حريصاً على صنع طبقة خاصة من المثقفين، عمل كرومر على إعدادها ووعدها بأن تتسلم قيادة الأمة بعد خروج الإنجليز لعلمه بأن المجتمع المسلم قد يتقبل من هذه الطائفة المتدثرة باللباس الإسلامي ما لا يتقبله من الاحتلال أو من العلمانية."

*** 

بدايات سعد زغلول – كشقيقه فتحي زغلول – لم تكن مبشرة أبدا بخير..

ولقد كان سعد يقول عن اللورد كرومر –في مذكراته- :

 "كان يجلس معي الساعة والساعتين، ويحدثني في مسائل شتى كي أتنور منها في حياتي السياسية"..

وكانت هذه من بدايات التنوير في مصر!! 

كان سعد زغلول انحرافا بالأمة من الطريق الإسلامي إلى التغريب..

ينبه العلامة محمد قطب في كتابه: "واقعنا المعاصر" إلى علامات سعد في طريق التغريب، إن سعد زغلول ينتهز فرصة الثورة التي تخرج فيها المظاهرات الحاشدة تطالب بالجلاء التام أو الموت الزؤام، ويطلق الإنجليز الرصاص من مدافعهم الرشاشة علي المتظاهرين فيسقط منهم كل يوم قتلي بلا حساب – وهي ثورة استغلها سعد زغلول ولم يشعلها- ليسوق مظاهرة من النسوة وعلي رأسها زوجته صفية هانم زغلول إلى ميدان الإسماعيلية ليلقين الحجاب ويدسنه بأقدامهن.. وليتحول اسم الميدان إلى ميدان التحرير.. ليس تحرير مصر من الانجليز بل تحرير المرأة من تعاليم السماء!!..

وكانت القاهرة – بطبيعة الحال – هي مركز الثورة.فكانت المظاهرات تخرج يوميا من الأزهر، 

وازدادت حدة فسحبت بريطانيا مندوبها السامي من مصر وجاءت باللورد أللنبى مندوباً سامياً في مصر على أمل أن يقضى على الثورة فقد كان أللنبى هو القائد "المظفر" الذي تغلب على جيش دولة الخلافة. 

مكث اللنبى مكث شهراً كاملاً يدرس الأحوال في مصر ثم أرسل تقريراً مطولاً إلى حكومته أبرز ما فيه جملتان ذواتا دلالة عميقة وأهمية بالغة:

"إن الثورة تنبع من الأزهر، وهذا أمر له خطورته البالغة".."أفرجوا عن سعد زغلول وأعيدوه إلى القاهرة! ".

لقد أدرك الرجل الداهية – وما كان في حاجة أن يكون داهية لكي يدرك – أن الثورة تنبع من الأزهر – أي أنها ثورة دينية إسلامية – وأن هذا الأمر له خطورته البالغة! .

إن أعداء هذا الدين يعلمون جيداً أن أخطر شئ عليهم هو روح "الجهاد" في هذا الدين.

وعاد سعد زغلول ليقدم التطبيق العملي لنظرية أللنبي و ليقول: 

الدين لله..والوطن للجميع! 

بعبارة أخرى: حول سعد الثورة من ثورة دينية إسلامية، إلى ثورة وطنية لا علاقة لها بالدين.

إن سعد زغلول كان زعيما بلا شك.. كما أنه كان أكبر من أن يكون عميلا للإنجليز.. لكنه – وهذا هو الأخطر – كان قد تغرب هو نفسه. كان قد عاصر فترة الانكسار بعد هزيمة عرابي.. وكان أمامه طريق الندامة وطريق السلامة.. وكان طريق الندامة يؤدي إلى شِعْبٍ من شعبين: شِعْب الانهيار وشِعْب الانبهار.. ولقد أنقذ سعد نفسه من الوقوع في شِعْب الانهيار باللجوء إلى شِعْب الانبهار بالغرب.. دون أن يفكر في طريق السلامة.. طريق استعلاء المسلم.. طريق أنتم الأعلون..

لو كان سعد زغلول عميلا مباشرا للفظته الأمة ولما مثل خطرا على وجدانها..

كان فعلا زعيما..

وفعلا أحبه الناس..

ليس لأنهم غفلوا عن حقيقته – كما حدث مع جمال عبد الناصر – لكنهم أحبوه برغم أنهم عرفوا حقيقته..

يقول العلامة محمد قطب: أصبح ما يقوله سعد هو الحق مهما كان مخالفاً للحق! وأصبح ما يفعله سعد هو الصواب، أو أصبح على الأقل مسكوتاً عنه ولو كان أبشع الأفاعيل! 

كان سعد يقامر – كما أقر في مذكراته – ويغرق في لعب القمار حتى يخسر أمواله، وأعداؤه السياسيون يكشفون للجماهير ذلك، فتبتلع الجماهير ذلك، وتزداد تعصباً لسعد كلما أوغل أعداؤه السياسيون في النيل منه! وكان يفطر فى رمضان، ويشرب الخمر – حتى في رمضان – ويذيع عنه أعداؤه ذلك، فيعتذر عنه المعتذرون بأنه ضعيف لا يقوى بدنه على الصيام – فهو من أهل الأعذار – وأن الطبيب قد نصحه بأخذ جرعات من الخمر بين الحين والحين لإصلاح معدته! ( ) فتبتلع الجماهير إفطاره في رمضان وشربه الخمر، وتزداد تعصباً له! ! 

وكان يوظف أقاربه وأصهاره في الوظائف الكبيرة، ويعيب عليه أعداؤه هذه ا"المحسوبية" فيرد عليهم متحدياً: "سأجلعها زغلولية لحماً ودماً" فتصفق الجماهير إعجاباً بالزعيم الكبير! ! 

وفي النهاية لم تعد القضية عند الجماهير هي قضية "الوطن" – حتى بعد تحولها من قضية إسلامية إلى قضية وطنية – بل أصبحت القضية هي قضية سعد زغلول ..

*** 

كان سعد زغلول مرحلة في تقديم نموذج جديد للزعيم الذي لا تشينه نقائص الأخلاق.. الزعيم الذي لا يعتمد في زعامته على علمه وورعه ونظافته ونقائه كالسيد عمر مكرم على سبيل المثال..

وكان هذا مقصودا في حد ذاته.. ليس من أجل سعد بل من أجل نموذج سيتم تعميمه على العالم العربي والإسلامي..

ثم أن سعد لم يكن خلوا من المزايا.. لكنه تحت وطأة الانبهار بالغرب لم يقدم للأمة ما تحتاج إليه و إن قدم بعضه..

 فبرغم تعريبه للتعليم إلا تعريبه اقتصر على الشكل دون المضمون فاستمر تشويه التاريخ والإسلام كما أنه شارك أيضا في مجلس شورى القوانين حيث كان هدفه إصدار "قوانين" تحكم البلاد بدلاً من الشريعة الإسلامية!.. وبرغم أنه استغل الثورة وتزعمها – وكان على حجم الزعامة بمعناها العلماني.. إلا أنه لم ينجح في قطف ثمار الثورة التي تخلى عنها بعد عودته من المنفى فوافق على وقف الثورة على أساس "التفاوض مع الإنجليز" .. لكن التفاوض فشل.. فلم يندم على قبوله بوقف الثورة وإنما قال كلمتين كل منهما كارثة تهدم مشروعه كله: 

 "خسرنا المعاهدة وكسبنا صداقة الإنجليز" ..!!..

و..

"الإنجليز خصوم شرفاء معقولون"! ! ! ...

 ورضيت بذلك الجماهير! ! ! 

ولم يكن منهج الإسلام ليرضى!!.. 

*** 

ثمة تساؤل هنا لا بد أن نسأله..

كانت بريطانيا في ذلك الوقت قد هزمت الخلافة الإسلامية فعليا وكانت على وشك إلغائها.. فهل يتصور أحمق أنها لم تعد عدتها في العالم الإسلامي لمن يضبط لها الأمور.. بنفس الطريقة التي ضبطت بها الأمور في 4 فبراير 1942..

هل نتصور أن بريطانيا خططت لهدم أكبر و أعظم إمبراطورية في التاريخ: الإمبراطورية العثمانية الإسلامية دون أن تمهد الأرض من جاكارتا إلى طنجة.. ومن الهند إلى الشيشان؟..

ماذا يمكن أن نقول اليوم عمن يتصور أن أمريكا لم تخطط لانهيار الاتحاد السوفيتي ولم تمهد العالم للتعايش مع انهياره..

ماذا يمكن أن نقول على من يتخيل أن انتخابات الرئاسة القادمة في مصر تتم بمعزل عن التخطيط والتدخل الأمريكي؟!..

نعود لنقول أن بريطانيا كانت قد مهدت لانهيار الخلافة كما مهدت لحادث 4 فبراير..

أقول هذا رغم أنني واحد ممن يتعاطفون إلى حد كبير مع موقف مصطفي النحاس في ذلك الوقت.. أتعاطف معه تعاطف المشفق لا الموافق فقد تصرف الرجل ببراءة وقصر نظر نادر المثال إن لم يكن منقطع النظير.. وأنا أدرك أن خطيئته التي وقع فيها كانت خطيئة منهج لم يره ولم يفهمه رغم طيبته ونزاهته..( دعنا من اتهام محمد حسنين هيكل باقتراف الفاحشة فليس هكذا تلقى التهم في الإسلام).. كان الخطأ في عدم فهم واتباع المنهج الإسلامي.. منهج الجهاد الذي لا يعرف الهزيمة فإما استشهاد و إما نصر.. ومن هذا المنطلق غير الإسلامي كان يعتبر كمال أتاتورك مثله الأعلى.. ولقد نشرت في مقال سابق رد الإمام الشهيد حسن البنا عليه.

*** 

 كان الإسلام ينحى في هدوء..

يُذبح في صمت..

كانت البداية على يد " أستاذ الجيل " فقد ظل يكرر في جريدته أن الدين شئ سام نبيل، ولكن محله القلب، ولا ينبغي خلطه بالسياسة، لأن السياسة دنسة، ولا يجوز تلويث الدين بدنس السياسة.

وجاء محمد عبده يقول: لعن الله ساس ويسوس وسياسة ! 

ثم جاء سعد زغلول يقول: الدين لله، والوطن للجميع.

وجاء مصطفى النحاس ليقول أن أتاتورك مثله الأعلى ( وهو ما قاله بعد ذلك جل الضباط الأحرار )..

وظل الدين يزحزح ويقلص حتى انتهى تماما عند " المثقفين " إلى المفهوم الغربي الكنسي للدين.علاقة بين العبد والرب، محلها القلب، ولا صلة لها بواقع الحياة..حتى أصبح يقال: ما للدين والسياسة؟ ما للدين والاقتصاد؟ وما للدين وقضايا المجتمع؟ وما للدين وملابس المرأة؟ ما للدين وعمل المرأة؟ ما للدين..وأي شئ في هذه الحياة؟.

*** 

شكل الوفد أيضا – بعلمانيته – حاضنا للقومية..

يقول جورج كيرك مؤلف كتاب موجز تاريخ الشرق الأوسط:

إن القومية العربية ولدت في دار المندوب السامي البريطاني !! 

ولقد كانت بريطانيا قد فكرت من قبل في إيجاد " الجامعة العربية " على مستوى الحكومات ، فطار " أنتوني إيدن " وزير الخارجية البريطاني إلى القاهرة عام 1946م ودعا الملوك والرؤساء العرب إلى الاجتماع به هناك ، وعرض عليهم في الاجتماع فكرة إنشاء الجامعة العربية في القاهرة لتتبنى قضايا العرب وتدافع عن مصالحهم ! ! ولكن ذلك لم يكن كافيا ، فقد كان لابد من رفع راية " القومية العربية " على مستوى الجماهير ! 

فلما ورثت أمريكا بريطانيا وفرنسا بعد الحرب وبسطت نفوذها على " الشرق الأوسط " " " أقامت – عن طريق الانقلابات العسكرية – زعامات كاملة تدافع عن " القومية العربية " في الوقت الذي تحارب فيه الإسلام والمسلمين! وقالت الدعاية – التي أقامتها أمريكا وإسرائيل – إن أمريكا وإسرائيل لا تخشيان شيئا خشيتهما للقومية العربية ، ولا تخشيان أحدا خشيتهما لزعيم القومية العربية! 

( راجع محمد قطب: واقعنا المعاصر- بتلخيص شديد وتصرف كثير-).

*** 

باختصار شديد : لقد كان الوفد دعوة إلى القطرية ضد الإسلامية ولهذا كان مقبولا في فترة طويلة لأنه يمزق نسيج الدولة الإسلامية ويقتطع منه ويقدم المثل والقدوة لدول أخرى علها تحذو حذوه، وهو ما حدث.. (سئل مصطفى النحاس ذات يوم عما تفعله حكومته لإنقاذ فلسطين فأجاب مستنكرا: لكنني رئيس وزراء مصر لا فلسطين).. وظل الوفد – بحماقة – يراهن على أن دوره ما زال مطلوبا بعد أن خدعته شعارات من نوع أنه هو الحزب الليبرالي الوحيد.. ولم يكن هذا الزعم يخدع أحدا إلا حزب الوفد نفسه.. أما على أرض الواقع.. فبعد أن اكتمل تمزيق الدولة الإسلامية.. جاء الدور على تمزيق الدولة القطرية.. ولم يكن قد بقي للوفد من أساس غير الدولة القطرية.. وانقلاب الغرب على هذه الدولة– بعد أن أدت دورها الذي انتهي بهزيمة يونيو 67- كان بمثابة حكم بالإعدام على حزب الوفد.

هذا من ناحية..

ومن الناحية الأخرى كانت الصحوة الإسلامية قد كشفت للأمة أن الوفد كان – حتى دون أن يعلم كل أتباعه- حلقة في العلمنة والتغريب.. كان حلقة في هزيمة الأمة.

الوفد لا يصلح إذن وهو غير مرشح كبديل لمبارك..

لكنني قبل أن أنتهي أقول أنه كما في الشرار خيار فإن الوفد رغم انتمائه إلى قطاع مرفوض كله فقد كان أفضل من سواه .. خاصة قبل نعمان جمعة..

*** 

أما الحزب الناصري فإن أي حديث عنه هو حديث موصول بالحديث عن الحزب الوطني.. الفرق الوحيد أنه يشكل الفصيل الذي جاء الدور عليه ليهمش كما همش هو نفسه قطاعات أخرى عندما امتلك القوة والسلطة..

إن حسني مبارك هو الامتداد الطبيعي لجمال عبد الناصر و أنور السادات.. رغم أنهما كانا أفضل منه.. إلا أنه يسير في السياق الطبيعي.

في حوار مع محمد حسنين هيكل كنت أسأله عن دوره في انقلاب 15 مايو فأقر أنه وقف إلى جانب السادات.. وكان تبريره أنه ظن السادات جاهلا.. و أن الجاهل بالخبرة يتعلم.. كما أنه كان يرى الطرف الآخر مجرما.. و أن المجرم بالخبرة يزداد إجراما..

الذي لم يقله هيكل أن التوفيق قد خانه في حساباته و أن من ظنه جاهلا فقط كان جاهلا ومجرما أيضا..

فهل تدرك الآن أيها القارئ من يحكمنا؟.

*** 

يصيبني الذهول عندما أرى الناصريين لا يخجلون من ناصريتهم رغم أن كل ما يسعون إليه الآن هو تحرير الدولة من آثار طغيان عبد الناصر و إزالة آثاره..

فالاستفتاء بدعة ناصرية لعن الله من ابتدعها..

وتزوير الانتخابات سنة ناصرية لعد الله من بدأها..

والتشبث بالحكم حتى الموت سبيل بدأه الزعيم الذي كان الشيطان يلهمه – كذلك روزفيلت وكوبلاند-..

والجرأة على العلماء سياسة ناصرية..

والتنكيل بالشرفاء سبيل ناصرية..

وامتهان الجامعة والقضاء كلها آليات ناصرية..

والكذب على الأمة مشروع ناصري..

وغسيل مخ الشعب فن برع الناصريون فيه..

أما أبشع ما فعلوه فهو الفخر بالمنكر والخجل من المعروف.

وبرغم كل هذا فما زال هناك من يدافع عن الناصرية ويراها طريق السلامة!!

*** 

أذكر القارئ، أنني بعد أحداث 11 سبتمبر حذرت القارئ من أن أمريكا ستروج لاتجاهين في العالم العربي:

الصوفية ( المدربة على المبايعة وموالاة الحاكم أيا كان ) كي تقاوم بها الأصولية التي تتضمن بالضرورة الجهاد..

والناصرية كي تقاوم بها الإسلام..

و أظن أن الأيام تثبت صدق ظني..

*** 

 أشهد أن صحيفة العربي قد مارست الحرية حتى حدها الأقصى..

لكن الأمر لا يخدع خبيرا..

فكلما كان صوت الصحيفة يعلو كانت الإعلانات الحكومية تزداد.. وفي مقالي الماضي فهمنا أن العلاقة الخاصة بين عبد الله السناوي وفاروق حسني وتأييد سياسة الوزارة كان الطريق إلى المزيد من الإعلانات..

أذكر.. في صحيفة الشعب .. أن الحكومة خنقتها بمنع الإعلانات.. ليس الإعلانات الحكومية فقط.. و إنما إعلانات القطاع الخاص أيضا.. حين كانت التهديدات تنهال على من يعلن في الشعب.

لم يحدث ذلك للعربي..

كانت الصحيفة وكان الحزب عضوا رئيسيا في اللعبة..وكان على الدولة تمويله والتغاضي عن ديونه (أكثر من مليون جنيه للأهرام) بل وتقديم الرشا له ( مليون أخري مقابل تأييد وزير الثقافة في قضية الوليمة)

*** 

لقد تكلمت عن عبد الله السناوي في المقالة الماضية..

وتكلمت عن رئيس التحرير السابق – عبد الله إمام- قبل ذلك منوها أنه لم يكن يفيق من أمرين: الخمر والكذب.

ولست أحب أن أتكلم عن ضياء الدين داوود.. فالضرب فيه حرام..!!

لكننا نتناول في عجالة عبد الحليم قنديل.. ولقد حسبته في وقت من الأوقات جديرا بالاحترام حتى موقفه المخزي في قضية الوليمة لكنني حاولت أن ألتمس له المعاذير بعدم الفهم والعجز عن المواجهة..

لكنه فقد احترامي كله حين راح يروج لفكر الكفر و أدب الكفر وفن الكفر والاستهزاء بآيات الله..

ولكم كانت صدمتي في صحيفته حين راحت تفخر بأنها الصحيفة الوحيدة التي تتحدى وتنشر مقاطع طويلة من الروايات الفاسقة التي صادرها وزير الثقافة ثم نشرها حوارا مع نصر حامد أبو زيد.. 

تتحدى من؟.. 

تتحدى الله؟!.. 

ليس هناك سوى الله من تتحداه لأن الآخرين جميعا من أول الــ CIA وحتى الموساد وجميع ما بينهم من كفار و أشرار وخونة وحثالة وسفلة و مأجورين ومخدوعين يرحبون بنصر حامد أبو زيد.. الكافر المرتد بحكم محكمة النقض التي تستمد قوانينها من قانون نابليون!!.. وبرغم أن الحكم قد صدر من أعلى محكمة مصرية فقد رفضت السلطة تنفيذه.. 

ليس هناك سوى الله من تتحداه تلك الصحيفة .. أما الآخرون جميعا فسوف يجزلون لها العطاء وكوبونات النفط الذي تسرقه أمريكا من العراق.. 

بدأت الصحيفة أخزاها الله فضيحتها في موضوع نصر حامد أبو زيد بالقول: 

" قد يقول قائل إن الفكر الحر والنقدي محكوم عليه أن يبقي نخبوياً،. لكن المصيبة الكبرى أن عناصر التخلف والتقليد الأعمى واللاعقلانية صارت اليوم ثقافة تليفزيونية جامعة يروج لها في أوساط الملايين أشخاص من أمثال الداعية عمرو خالد، ومن قبله الشيخ محمد متولي الشعراوي؛ هذا في الوقت الذي تغلق فيه أبواب المؤسسات الأكاديمية العربية، وعلي رأسها الجامعة المصرية، في وجه آخر ممثلي تيار النهضة العربية .الذي بدأ بالشيخ محمد عبده وطه حسين، ولا يجب أن ينتهي مع نصر حامد أبو زيد. لكن هذا الأخير لم يحرم فقط من بلده وأهله ومنصبه الأكاديمي، لكنه حرم أيضا من طلابه ومنع، زوراً وبهتاناً، من أن يزرع في عقول الأجيال الجديدة الفكر النقدي العقلاني الذي أخذه عمن سبقوه وطوره، والذي بدونه لا قيامة للعرب وللمسلمين من سباتهم الطويل.".. 

لعنهم الله جميعا.. 

لعنهم الله..

لم تتطرق هذه الصحيفة.. ولا أي كلب من كلاب النار تطرق إلى الأسباب الحقيقية الكاملة لقضية الكافر المرتد نصر حامد أبو زيد .. 

وموجز ما يقوله أبو زيد هو أن القرآن الكريم ليس وحيا من عند الله ولا هو في اللوح المحفوظ ولا هو في علم الله الأزلي و أنه من إفرازات الثقافة العربية لبيئة الرسول صلى الله عليه وسلم فلا وحي ولا قداسة.. إنه يريد التخلص من سلطان الله – سبحانه وتعالى- ويدعو إلى التمرد على هذه السلطة. إن الشرع الشريف – كتابا وسنة - غير صالح لوضع الحلول لكل القضايا. ثم أن الإسلام دين عربي وليس عالميا ولا شاملا. 

*** 

أضف إلى ذلك المحاولات الدائبة لتشويه الاتجاه الإسلامي والحصول من قياداته على تصريحات مسيئة أو غير موفقة كتصريحات الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح التي قال فيها أنه لا يمانع أن يحكم مصر مسيحي أو حزب ملحد.

كان الخلل عميقا في المنهج..

ثم رأيت بعضا من تجلياته في شهادة واحد من أهلهم حين نشر الناصري العتيق الأستاذ أحمد الجمال في صحيفة العربي 27 مارس مهاجما بعض الناصريين – و أحسبه يقصد قنديل بالذات- :

"كفاية وصاية على شعب مصر!" 

"كفاية وصاية من الذين ادعوا القوامة عليه، بحكم وجودهم في السلطة، وأيضا من الذين يدعون القوامة عليه بحكم أشكال يخترعونها، وشعارات يرددونها، وهتافات يطلقونها، ومناورات يديرونها، وتلفيقات يحبكونها، وخلط للأوراق والأهداف يرتكبونه عن عمد وسبق إصرار.

إن جريمة الوصاية النضالية لا تقل بشاعة عن جريمة الوصاية السلطوية، بل إن الأولى تتجاوز الجريمة إلى الخطيئة."

وقد علق ناصري آخر هو الأستاذ حسنين كروم على ذلك قائلا في القدس العربي 29-3:

"وكان الملفت في العربي قيام صديقنا وزميلنا وعضو المكتب السياسي لحزبنا العربي الديمقراطي الناصري الذي لم أعد عضواً في لجنته المركزية بمهاجمة النظام وحركة كفاية في نفس الوقت رغم أن كثيراً من الناصريين أعضاء فيها والمتحدث الرسمي باسمها هو رئيس التحرير التنفيذي لـ العربي عبد الحليم قنديل، أحمد الجمال قال في عموده قضايا :

كفاية وصاية علي شعب مصر! كفاية وصاية عن الذين ادعوا القوامة عليه بحكم وجودهم في السلطة وأيضا من الذين يدعون القوامة عليه بحكم أشكال يخترعونها شعارات يرددونها وتلفيقات يحبكونها وخلط للأوراق والأهداف يرتكبونه عن عمد وسبق إصرار.إن جريمة الوصاية النضالية لا تقل بشاعة عن جريمة الوصاية السلطوية بل إن الأولي تتجاوز الجريمة إلي الخطيئة . والمعاني التي يقصدها خطيرة خاصة حكاية التلفيقات ولكن طالما لم يفصح هو عنها فما شأني أنا؟! "

ومن الواضح أن الجمال وكروم يقصدان بالتلفيقات حكاية عبد الحليم قنديل في صحراء الإسماعيلية واتهامه للسلطة بذلك.

*** 

لست أدري كيف يواجه الناصريون أنفسهم وهم يرون أن قصارى جهد الأمة بعد أكثر من نصف قرن هو إزالة بعض آثار عبد الناصر.. أما الآثار كلها فقد تستلزم لإزالتها أكثر من قرن من الزمان ( هزيمة 67 الساحقة_ هزيمة مشروع الوحدة_ هزيمة فكرة القومية وتراجعها إلى فكرة القطرية ثم تحلل الفكر القطري ذاته إلى ما يحدث الآن في عهد الطبعة الثالثة المشوهة من جمال عبد الناصر.. أقصد حسني مبارك.)

يكاد يقتلني الخزي أحيانا لأنني كنت واحدا ممن خدعوا في المشروع الناصري ذات يوم.. لا انخداع الانبهار والموافقة..لم أنبهر ولم أوافق.. بل انخدعت حين لم أدرك حجم الكوارث التي مثلها المشروع الناصري للأمة.

إلا أن هذا الوضع يجعلني أكثر تفهما لمن ما يزالون مضللين بالفكر القومي.. وفي أي هجوم على الناصرية وانتقاد لها فإنني لا أقصد المضلَّلين بل المضلِّلين ( الأولى بفتح اللام والثانية بكسرها).

ولقد كان خزيي من الخديعة كفيلا بإفقادي الثقة في عقلي لولا أن الشهيد العظيم ذو العقل الجبار سيد قطب قد خُدع شهورا.. و أن العقل الموسوعي الفذ للشيخ محمد الغزالي قد خُدع سنين.

يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه: " قذائف الحق": 

"والحق إنى حائر في فهم جمال عبد الناصر، لقد كنت كما يعلم الناس من جماعة الإخوان المسلمين، وأقرر أن جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين بايعا في ليلة واحدة على نصرة الإسلام ورفع لوائه، وقد كنت قريباً من مشهد مثير وقف فيه جمال عبد الناصر أمام قبر حسن البنا يقول: 

"نحن على العهد وسنستأنف المسيرة "... 

كان ذلك عقب قيام الثورة بأشهر قلائل... 

وقد وضع كتاب مسلمون كبار مقدمات للرسائل التي كانت تصدر تحت عنوان " اخترنا لك " أمضاها جمال عبد الناصر وفيها أشرف ما يؤكده زعيم مسلم نحو أمته ودينه ..

لا أدرى ما حدث بعد ذلك.. 

إنه تغير رهيب في فكر الرجل وسيرته جعله في كل نزاع بين الإسلام وطرف آخر ينضم إلى الطرف الآخر: 

ـ انضم إلى الهند في خصومتها المرة ضد باكستان المسلمة. 

ـ انضم إلى الحبشة في عدوانها الصارخ على أرتريا. 

ـ انضم إلى تنجانيقا وأغضى عن المذبحة الشنعاء التي أوقعتها بشعب زنجبار المسلم، ورحب آخر ترحيب بنيريري الذي يتظاهر بالاشتراكية وهو قسيس كاثوليكي .!! 

ـ انضم إلى القبارصة اليونان في نزاعهم مع القبارصة المسلمين، وجعل الأزهر يستقبل مكاريوس عدو الكيان الإسلامي للأتراك. 

ـ كان أسداً هصوراً في قتال اليمن، وحملاً وديعاً في قتال اليهود، حتى جعل اليهود ـ وهم أحقر مقاتلين في العالم ـ يزعمون أنهم لا يقهرون في حرب !! 

سريع إلى ابن العم يلطم خده 

وليس إلى داعي الندى بسريع !

ـ ولقد ساند " البعث العربي " الحاقد على الإسلام، ورفض مساندة أي تجمع إسلامي، واخترع حكاية القومية العربية لتكون بديلاً عن العقيدة الإسلامية.. !! 

ومن الإنصاف أن نقول إن عدداً من رجال الثورة لم يكونوا راضين عن هذا الاتجاه الخاطئ."

ولقد بني عبد الناصر مشروعه كله على التهويش وابتزاز أمريكا بالاتحاد السوفيتي والاتحاد السوفيتي بأمريكا. حاول اللعب على الحبال كالبهلوان .. وسقط.. وكانت سقطته مميتة. بل إننا نستطيع أن نقول أن بطشه الجبار بالأمة.. وانتصار المدفع والدبابة على القلم.. وتراجع الصحيفة أمام مدرعة والمفكر أمام الجلاد والأمة أمام الإذاعة الكاذبة.. سهولة النصر في معاركه الوحشية ضد الأمة.. والبساطة التي سحق فيها أعداءه في الداخل بمباركة الشرق والغرب خيلت له أنه هو الذي انتصر .. وليس الشرق والغرب.. وتخيل أنه يمكن أن يحسم معركته مع إسرائيل بنفس السهولة التي حسم بها معاركه مع الإخوان المسلمين والوفد.. و أنه يمكن أن ينكل بحونسون وجولدا مائير كما نكل بالشهيد سيد قطب والمرحوم أحمد أبو الفتح..

ظن ذلك ..

وسقط في تجربته..

والحبال التي لفها حول أعدائه ارتدت لتلتف حول عنقه..

والأكاذيب التي أطلقها ارتدت إليه..

كان قد صدق نفسه..

وواجه إسرائيل دون استعداد.. وبانت حقيقة قدراته.. كارثة..

وهنا يجب أن ننوه أن قضاءه على الإخوان المسلمين بالذات كان مخططا أمريكيا منذ بدايته حتى نهايته.. و أن هذا التخطيط كان موصولا بطلب سفراء الدول الكبرى حل جماعة الإخوان المسلمين في مصر.. أما السبب فقد كان أداؤهم البطولي ضد اليهود في فلسطين عام 48.

كان تقدير الغرب – وما يزال – أن وجود إسرائيل سيظل مهددا طالما وجدت جماعة الإخوان المسلمين فاعلة.

وصدرت الأوامر للنقراشي.. ونفذه أثناء المعارك في فلسطين.. أثناء وجود المجاهدين في الميدان.

ولم يكن عبد الناصر في حاجة إلى أوامر كالنقراشي..

كان الإخوان هم الكتلة الوحيدة التي تستطيع تهديد حكمه..

الوفد برغم شعبيته كان هشا..

الشيوعيون بسبب كفرهم وخسة طباعهم وصفاتهم الشخصية المنحطة – من انتهازية ولصوصية ودعارة- لم يستطيعوا أبدا أن يكون عنصر تهديد.. كانوا عناصر تأييد أو تنديد .. أما غير ذلك فكلا.

واجتمعت الرغبتان وتوافقت الخطتان..

رغبة أمريكا في القضاء على الإخوان من أجل إسرائيل.. ورغبة عبد الناصر في القضاء عليهم من أجل حكمه.

و أطلق عبد الناصر عليهم أجهزة دعايته الجبارة.. وكان كل ما قيل كذبا..

وما يزال..

كان هو السائر في فلك أمريكا وهو يتهم الإخوان المسلمين بذلك..

يقول عبد العظيم رمضان عن تلك الفترة:" كان عبد الناصر يعمل وهو جالس على حجر أمريكا(..) وكانت أمريكا تؤيده" : ملفات ثورة يوليو- طارق حبيب- الأهرام.

و أذكر القارئ بما أقر به مصطفى خليل عن أمرين تابعين لمعركة 56: موافقة مصر على مرور البضائع الإسرائيلية في سفن غير إسرائيلية وكذلك على فتح خليج العقبة أمام إسرائيل.

كما أذكر القارئ باعترافات صلاح دسوقي عما أسر به عبد الناصر له من رغبته في التفاهم مع إسرائيل.وكان هذا قبل تمثيلية المنشية، كما يقول طارق حبيب، وكما يؤكده أحمد حمروش- قصة ثورة 23 يوليو ص 433 مؤكدا أن إسرائيل هي التي رفضت! ! ..

يكشف أحمد حمروش أيضا جزءا من الخدعة التي تعرضنا لها في إخراج وعرض صفقة الأسلحة التشيكية..حيث صور لنا الإعلام الكذوب انهيار الغرب عندما فوجئ بهذه الصفقة، حمروش يكشف لنا أن هذا هو الفيلم المزيف الذي أُخرج للجماهير كي يزداد انبهارها بالقائد الأسطوري.. أما الحقيقة فإن أحمد حمروش يخبرنا بها.. فقد كانت أمريكا على علم بالصفقة قبل إبرامها بزمان طويل، وكان من أبلغهم: جمال عبد الناصر شخصيا! ! ص 437. .

ويكشف حمروش أيضا في ثنايا كتابه زيف دعاوى الإرهاب التي يتهمون بها الإخوان.. ويكاد – لولا الشيطان – أن يعترف بالحقيقة و أن يقر أنه جهاد لا إرهاب.

ولقد حاول اليسار الاستيلاء على جزء من إعجاب الأمة بجهاد الإخوان - إعجاب الأمة لا رضا الله – فقاد كمال رفعت وحسن التهامي عملية نسف سفارة البرازيل، كما قادهما جمال عبد الناصر في محاولة اغتيال حسين سري عامر.أما مجدي حسنين فقد قام بالهجوم على حارة اليهود.وحرق مكتبا في شارع الجيش.وفي عام 54 عرض أحد أعضاء مجلس القيادة اغتيال محمد نجيب. . 

ولاحظوا يا قراء أن أحدا لم يصف كل ذلك بأنه إرهاب.. حتى يكاد وصف الإرهاب يقتصر على الجهاد.

ولاحظوا يا قراء أن اتهامات الإرهاب التي تكال للإخوان المسلمين لا تلحق أعضاء أساسيين في تنظيم الإخوان وبالذات في التنظيم الخاص.. أشخاص كجمال عبد الناصر.. رغم أنه هو الذي كان يحضر لهم السلاح ويدربهم على استعماله.

كل ذلك لم يكن إرهابا.. الإرهاب فقط ما فعله الإخوان!!..

يعترف أحمد حمروش بأن اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار عام 49 كانت مكونة من خمسة أشخاص فقط..كلهم كانوا أعضاء في الإخوان المسلمين! ! ..وهم: جمال عبد الناصر وحسن إبراهيم وخالد محيي الدين وكمال الدين حسين وعبد المنعم عبد الرؤوف..وكلهم كانوا أعضاء في التنظيم الخاص الذي عرف بعد ذلك بالسري كما يقول أحمد حمروش (ص 116 و 145) في كتابه عن ثورة 23 يوليو.وكانوا قد تجاوزوا مرحلة الخضوع المطلق للإخوان المسلمين( نفسه ص 150) وكان ذلك بعد انتهاء حرب فلسطين بالهزيمة الساحقة وبعد استشهاد حسن البنا. وبعد ذلك بقليل بدأت اتصالات الضباط الأحرار بالمخابرات المركزية الأمريكية التي كان من ضمن من تعتمد عليهم في ذلك الوقت محمد حسنين هيكل وضابط مخابرات مصري (نفسه ص 182).يتلو ذلك اعتراف شبه صريح من حمروش بالرعاية الأمريكية للثورة في ص 183 وما بعدها..وهي بالمناسبة صفحات أرجو من القوميين قراءتها! ..ففي بعضها، وبالتحديد في ص 287 يذكر حمروش ما قاله عبد الناصر لآل سراج الدين في أبريل 54 من ضرورة الحكم على فؤاد سراج الدين بالسجن و أنه يستعد للقضاء على الإخوان المسلمين! ! .

لم يكن الأمر أيامها – ولا هو الآن – أمر إرهاب ..

لم يكن كذلك.. فقد كان الذي يمارس الإرهاب أيامها جمال عبد الناصر وليس المسلمين.. كما أن الذي يمارس الإرهاب الآن هم الأمريكيون والصهاينة وحسني مبارك والعادلي وليس المسلمون..

لم يكن الأمر أمر إرهاب كما يدعي القوميون اليوم في كبرياء صليبي وازدراء صهيوني.. وإلا فليفسروا لنا ما ذكره حمروش في ص 310 من خطبة عبد الناصر أمام ضريح الإمام الشهيد حسن البنا في 12 فبراير 1954: "أشهد الله أني أعمل وكنت أعمل لتنفيذ هذه المبادئ و أفنى فيها و أجاهد في سبيلها.."

وليفسر لنا أحد ما ذكره حمروش ص 303 حين تحدث عن ذهاب عبد الناصر وكمال الدين حسين إلى حسن عشماوي وصالح أبو رقيق عضوي مجلس الإرشاد لإبلاغهما بموعد الحركة ليقوم الإخوان بدورهم في حماية المنشآت وطريق السويس ليلة قيام الثورة..

كانوا أبطالا مجاهدين ولم يكونوا إرهابيين..

وليجبنا أحد:

إذا كانوا إرهابيين من أجل قضية الخازندار فمن الذي أصدر عفوا خاصا عن قتلة الخازندار في 11 أكتوبر 1952

لن أدافع..

لن أذكر الملابسات..

لكنني فقط أسأل:

من الذي أصدر عفوا خاصا عن ( الإرهابيين ) قتلة الخازندار؟

ألم يكن هو جمال عبد الناصر بشحمه وبلحمه..

فإن كانوا إرهابيين.. و إذا لم يكن للحادث ظروفه ومبرراته وملابساته التي استوجبت العفو فلماذا عفا عنهم عبد الناصر؟..

أما في ص 310 فيذكر حمروش جملة من خطبة عبد الناصر أمام ضريح الإمام الشهيد حسن البنا في 12 فبراير 1954: أشهد الله أني أعمل وكنت أعمل لتنفيذ هذه المبادئ و أفنى فيها و أجاهد في سبيلها..

وفي صفحات متعددة منها ص 303 يعترف حمروش –بعد طول إنكار- بذهاب عبد الناصر وكمال الدين حسين إلى حسن عشماوي وصالح أبو رقيق عضوي مجلس الإرشاد لإبلاغهما بموعد الحركة لتقوم بدورها في حماية المنشآت وطريق السويس..

ثم يتهمون الإخوان بالإرهاب..

ولو جاز ذلك منذ خمسين عاما وسط غسيل المخ المروع فإنه لا يجوز الآن بعد انكشاف الفضائح والحقائق.. وكل من يتهم الإخوان بالإرهاب الآن إما عميل ينفذ تعاليم سادته من الأمريكان والصهاينة أو غبي ومغفل.. وفي الحالين هو كذاب لأنه يعرف الحقيقة.

إن كانوا إرهابيين فمن الذي حاكم قتلة الإمام الشهيد حسن البنا بعد حفظ القضية ..

ثم من الذي أفرج عن الجناة بعد الصدام مع الإخوان.. وبعد أن تم تحويل القضاء إلى دمية في يد الثوار الأحرار الذين كانوا بدورهم دمى في يد الماسون الأحرار والصليبيين الأحرار.

كانت حرب كذب ضروس وكان وقودها السري يصنع في أوكار مخابرات الغرب لتشويه الإسلام والمسلمين لا الإخوان المسلمين..

وكان المقصود منع الجهاد لا الإرهاب.

وكما اتهموا الإخوان زورا بالإرهاب اتهموهم بالتخلف والرجعية والإيمان بالغيب وتحضير العفاريت.. ولاحظ الخلط الشيطاني بين الصواب والخطأ..

سوف يتهم هيكل بعد ذلك – أيام شهر عسله مع السادات – مراكز القوى وهم ناصريون مثله بتحضير الأرواح والعفاريت..لكنه سيتجاهل تماما ودائما شهادات الضباط الأحرار وعلى رأسهم ثروت عكاشة و أحمد حمروش ومجدي حسنين، وكانت كلها شهادات تبرئ الإخوان المسلمين وتكشف التي رمتهم بدائها وانسلت.. كانت الاعترافات كلها تقول أن مجموعة تحضير الأرواح تضم: جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وثروت عكاشة وخالد محيي الدين ومجدي حسنين. 

*** 

الناصرية بؤرة سرطان في قلب الوطن وتسونامي عصف به فدمره و حقق آمال أمريكا لمدة خمسين عاما بعد عبد الناصر .. لا ينافسه في ذلك إلا مبارك الذي يريد تأمين سيطرة أمريكا وضياع الأمة مائة عام أخرى.. أما والحال ذلك فإن هذا لا يصلح بديلا لذاك..

نعم بؤرة سرطان ما كان علينا أن ننخدع بها.. لأنها مارست نفس ما فعله كرومر من محو ما يتعلق بوجدان الأمة ودينها وهويتها وخلقت تذكرات أخرى لا علاقة لها بالدين ولا بالأمة..

وإذا كان كرومر قد ترك لنا قاسم أمين ولطفي السيد وفتحي زغلول ونازلي فاضل و.. و.. و.. فإن ثورة 23 يوليو خلقت نفس النماذج ومنحتها المجد وما ظنته الخلود..

من نجوم ثورة يوليو على سبيل المثال : عبد الرحمن الأبنودي..

وما يزال نجما ..

و إنني أريد أن أسأل سؤالا واحدا – أعرف للأسف – إجابته:

هل يصلي؟.. هل صلى في حياته ركعة؟.. هل يمثل وجدان الأمة فعلا..

ثمة أسماء أخرى لا تعد ولا تحصى لكنني أقصد فقط أن أقول أن معظم النجوم على الساحة من صناعة أجهزة أمن الدولة والمخابرات.. إما بتزوير قناع نجم أو باقتناص نجم حقيقي وتوظيفه.

عادل إمام على سبيل المثال..

هل كان يمكن له الحصول على كل هذه الشهرة لولا رعاية الداخلية له كي يطعن الإسلام والأمة.. وكي يخرج وقت الأزمات عميلا يخدع الأمة..

يحيى الفخراني.. ما الذي حدث حتى تزداد الأضواء عليه فجأة لأنه منذ عامين مثل دورا يبرهن به أنه لا يأبه بالإسلام ولا يهتم به عندما مثل في مسلسل يدافع فيه عن القتل المجرم الذي يسمونه زورا الموت الرحيم.. والأمر لا يقصد به الحياة ولا الموت ولا الرحمة.. و إنما الجرأة على حدود الله.. وقد نجح الفخراني في امتحانه أمام الشيطان فاستحق الجائزة.

لقد كان هؤلاء وسواهم الوجه الآخر للفنانات (!!) الذين جعل منهم صفوت الشريف داعرات لصالح المخابرات ( و أغلب الظن أن العكس صحيح.. و أنهم جعلوا الداعرات فنانات كي يساعدنهم على غسيل مخ الأمة..)..

هل هي صدفة أن كل سفراء النوايا الحسنة إما دعار و إما داعرات؟!!..

ربما نستطيع أن نقرأ الحاضر في الماضي.. والعكس صحيح.. فلو أننا نظرنا إلى العراق اليوم وكيف يختار اللصوص والسفلة والخونة كي يكونوا حكاما.. وفي نفس الوقت تتم مطاردة الأبطال والشرفاء والعلماء ووصمهم بالخيانة والإجرام والإرهاب. لو أننا قرأنا ذلك جيدا لعرفنا كيف تكونت كل الأسر الحاكمة في العالم العربي خلال قرن أو يزيد..

بالتوازي.. بالتوازي الكامل كان نفس الأمر يتم بالنسبة للفنانين..

إن مجلة النيوزويك الأمريكية – في طبعتها العربية- هي التي تتصدى الآن لصناعة وصياغة النجوم في العالم العربي..

هي التي تحدد المقياس والقالب والمثل الأعلى الذي يجب أن يحتذى..

ولقد اختارت المجلة في عددها الصادر بتاريخ 26 نيسان (أبريل)، وبمناسبة مرور خمس سنوات على صدورها أكثر الشخصيات تأثيرا في العالم العربي، فكانت القوادة لا المخرجة إيناس الدغيدي هي شخصية عام 2005!!.. وكان من الشخصيات أيضا نانسي عجرم!! و أسامة أنور عكاشة لسبب محدد هو تطاوله الحقير البذيء السافل على الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه. كذلك كان ضمن المختارين نجيب ساويرس..ويحيى الفخراني.. ومخرجي المسلسل الهزلي الكافر طاش ما طاش والذي حرم العلماء مشاهدته

ولقد رعى الحفل رئيس مجلس الوزراء الكويتي خيب الله سموه!!..

إنني أضرب الأمثلة فقط.. لكنني أقرر أن جل النخبة في جل المجالات صنائع صنعت لا مواهب برزت.. و أن هذه النماذج صنعت لأنه سيتم الاحتياج إليها واستخدامها ذات يوم.. مثل اليوم الأغبر الذي يتحول فيه مهرجون من أمثال عادل إمام ونبيلة عبيد واعتماد خورشد إلى مفكرين يهاجمون الإسلام ويحكمون عليه.. 

نفس الأمر.. 

فقط .. ازداد الابتذال وازدادت السفالة..

وهذا الفارق طبيعي..

فهو الفرق بين حكم الطغاة وحكم المهرجين.

*** 

يجب ألا ننخدع مرة أخري.. مهما كانت أشواقنا الملتاعة إلى خلاص فلا ينبغي أن نخدع أنفسنا بخلاص مزيف..

فهل تمثل حركة " كفاية " خلاصا..؟..

لمصطفى بكري شهادة يقلل من قيمتها انحيازه لمبارك.. إلا أنها جديرة بالذكر.. يقول بكري:

" سورس رجل الاقتصاد اليهود الهنجاري الأصل الأمريكي الجنسية كان هو المسئول الأساسي الذي أشرف علي تدبير عملية الانقلاب السلمي في ورُيا فأطاح بشيفرنادزه وجاء بساكشفيلي، بعد أن أسس حركة شبابية قدم إليها ملايين الدولارات حملت شعار 'يكفي'، أنها شبيهة بحركة 'ابتور' الصربية التي أسقطت ميلوسيفتش في بلجراد سنة 2000، وهكذا تمكنت المئات من منظمات المجتمع المدني من أحداث الانقلاب في ورُيا".

إذن..

إن شعار كفاية نفسه شعار مشبوه.. وصناعة أمريكية..

أعتذر لمن سيصيبهم كلامي بالصدمة.. ولكن ذلك لا يعني بالنسبة لهذه الحركة أو سواها أن الحركة كلها أو حتى معظمها مخترق..

لقد كان الضباط الأحرار على سبيل المثال عدة مئات.. كان يكفي اختراق اثنين أو ثلاثة منهم لجرف الثورة كلها عن مسارها من خلف ظهر الباقين الذين لم يتصوروا ولم يتخيلوا ولم يصدقوا حتى وقعت الكارثة.

وربما تحتاج شهادة مصطفى بكري إلى مزيد من التدعيم بما نشرته الوفد تحت عناوين ضخمة في 7 أبريل:

"أعرب خبراء الأمن والقانون ورجال السياسة عن دهشتهم البالغة من وجود أوكار للجاسوسية في قلب القاهرة والكائنة في السفارتين الأمريكية والإسرائيلية.وطالبوا بضرورة التخلص من هذه الأوكار فوراً وطرد جميع أجهزة التجسس واصطياد العملاء من مصر.أشار الخبراء في الملف المنشور »بالوفد« علي الصفحتين الثامنة والتاسعة إلي أن السفارة الأمريكية في قلب القاهرة، تحولت إلي أكبر وكر للتجسس علي جميع مؤسسات الدولة في مصر. ويتم ذلك عن طريق عملاء أمريكان، يقومون بالتنصت وتجنيد العملاء ويدفعون ملايين الدولارات (...).. وأعرب الخبراء عن أسفهم الشديد لقيام واشنطن بافتتاح مكتب تابع للمباحث الفيدرالية F.B.I داخل السفارة الأمريكية ليعمل مع جهاز مخابراتها. وأشار الخبراء إلى أن المباحث الفيدرالية جهاز يشبه مباحث أمن الدولة في مصر ولا يمتد نشاطه خارج أمريكا، ورغم ذلك له فرع في القاهرة مما يثير العديد من الشبهات. وأكد خبراء الأمن والقانون ورجال السياسة أن الأمن القومي في خطر.."..

*** 

كل هذا صحيح..

ولقد قلنا من قبل في السياق أن كل ما يقال عن الآخرين صحيح.. وكل ما يقال عن الذات غير صحيح.. مع استثناء وحيد هو الهيئات والمؤسسات والأحزاب التي تعتمد الإسلام مرجعية لها.. ففي هذه لا يعتبر الصدق والكذب عملية مناورة يحدد موقفنا منها مصالحنا فيها.. لأن الفيصل هنا هو الحلال والحرام .. وغير مسموح بتجاوز الصدق مهما كان ضرره ولا استباحة الكذب مهما كان نفعه. وذلك خلاف في أصل المنهج.

*** 

إنني لا أتحدث عن الاختراق المكشوف المباشر.. ولا على أحزاب صغيرة – وحقيرة – صنعتها مباحث أمن الدولة، كذلك الحزب الذي اتهم رئيسه فيما مضى بسرقة أموال بعثة الحج لحزبه.. حينما ادعى فقد مئات الألوف من الجنيهات فراح يبكي ويعول حتى سدد له بعض الأمراء السعوديين ما ادعى أنه سرق. هذا الشخص جعلت منه المباحث عضوا سياسيا يقابله صفوت الشريف الذي لا يقابل إبراهيم شكري ومحفوظ عزام ومجدي حسين.. وعندما منحته المباحث صحيفة قبضت الرقابة الإدارية في الأسبوع الثالث لصدورها على شقيقه في قضية رشوة مسجلة بالصوت وبالصورة في تهمة بالابتزاز باسم الصحيفة التي يرأسها شقيقه والتي يعمل هو فيها في وظيفة رئيسية.

مثل هذه الأحزاب الكاريكاتيرية ليست هي ما أقصده.. وما ذكرتها إلا على سبيل التفكه.. و أيضا على سبيل التدليل على مدى السقوط الذي انحطت إليه السلطة و أجهزتها.

*** 

عفوا..

لقد نسيت حزب التجمع ..

لكنه – ككل أحزاب اليسار – لا يصلح بديلا لمبارك.. إنه كالصيارفة النصارى أو المرابين اليهود.. وصمة عار على جبين الوطن وبثرة قيح في تاريخه.. ويكفي أن رأسا من رؤوسه كان عميلا للروس بالأمر وهو عميل أمريكا اليوم أما أبوه غير الشرعي فهو هنري كوريل وكل انتمائه صهيوني و أمله الوحيد في الحصول على نصيب من كعكة السلطة لن يتم إلا من خلال إسرائيل.. وبرغم حسن تنظيمه ( بالتخطيط اليهودي الشيطاني) وارتفاع صوته إلا أنه لا يمثل أي رصيد في الأمة.

*** 

ليس ثمة بديل رغم أن النظام يترنح بصورة أجاد حسنين كروم وصفها في تكثيف أقرب للشعر:

".. لنعد تجميع أجزاء الصورة وشظاياها التي تتناثر، وأستطيع أن أقول، إن النظام بدأ يفقد تدريجياً ثقته بنفسه وفي قدرته، وبدأت تلوح أمامه احتمالات بدائله، تتراقص أمامه وتشكل كابوساً لا يعرف كيف يتخلص منها وأصبح عليه الآن أن يسدد ما عليه من متأخرات ويتلقى الوخزات أو الضربات ويتراجع أمامها، بعد أن يضرب بارتياح في كل اتجاه متي شاء وبالأسلوب الذي يعجبه، واكتشف الآن أنها ضربات ترتد إليه، جمد حزب العمل، ويرفض تنفيذ أربعة عشر حكماً قضائياً لصالح عودته وعودة جريدته الشعب ، واعتدي في الشارع علي أمينه العام مجدي أحمد حسين، وكانت النتيجة أن الشعب تصدر علي الإنترنت وتهاجم النظام وشخوصه بعنف لم تكن لتستخدمه لو سمح بعودتها، وأصبح مجدي أحمد حسين وصلاح بديوي وآخرون يذهبون لأداء الصلاة في الأزهر كل جمعة ليهتفوا ضد النظام وانتقلوا للمؤتمرات يهتفون بسقوط الرئيس، ثم اتجهوا أول أمس لمجلس الشعب وهتفوا نفس الهتافات، دون أن تجرؤ الشرطة علي التعرض لهم.

فما الذي استفاده النظام من تعنته وعناده معهم وضربهم! ؟

وقضية الدكتور سعد الدين إبراهيم كثيرون نصحوا النظام في بدايتها بسرعة غلقها لأنها لا تستحق، بالإضافة إلي أنها ستؤدي إلي صدام مع أمريكا ولن تتهاون فيه، والآن عاد الدكتور لا لنشاطه في مركز ابن خلدون وإنما إلي تحدي رئيس الجمهورية وشنه الحملات ضده وضد نظامه ويتوعد بمراقبة الانتخابات، دون أن يجرؤ أحد علي اعتراضه، فما الذي استفاده النظام من فعلته معه؟

وتم اختطاف عبد الحليم قنديل رئيس التحرير التنفيذي لـ العربي وضربه وتجريده من ملابسه، فماذا كانت النتيجة؟ أصبح المتحدث الرسمي باسم الحركة المصرية للتغيير وعاود الكتابة مهاجماً النظام والرئيس وجمال مبارك بعبارات أعنف وأشد، وبشكل متواصل ونقل معاركه للفضائيات العربية، ولم يعد يتجرأ علي المساس به أو الاقتراب منه.

وبعد الاعتداء الإرهابي في طابا تم اعتقال الآلاف من أبناء سيناء ولم يستمع النظام إلي كل الاحتجاجات التي طالبته بالإفراج عنهم، إلي أن بدأت النساء تقوم لأول مرة بالتظاهر في العريش، وجاءت منظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية وعقدت مؤتمراً بالقاهرة وأصدرت بياناً ضد النظام من أيام، دون أن يجرؤ علي منعها فما الذي استفاده بعناده وتعنته؟

ثم جاءت قضية أيمن نور ونحن لا دخل لنا بالجانب القضائي فيها إذا أحالها النظام للقضاء، إنما يعنينا الجانب السياسي والعملي فقد أفرج عن أيمن قبل انتهاء مدة الخمسة وأربعين يوماً وأقيمت له مهرجانات في باب الشعرية وأعلن نفسه مرشحاً لمنافسة الرئيس مبارك، وصدرت جريدة الحزب، وبدأ يدلي بالأحاديث ويهاجم النظام، ولم يستطع أحد الاقتراب منه الآن.فما الذي استفاده النظام بعناده وتعنته؟ ولماذا أدخل نفسه في معركة كان معروفاً من بدايتها أن نتائجها ستكون ضربة له؟

النظام يسمي إجراءاته ضربات إجهاض، وأنا أسميها الضربات المرتدة ضده، لقد بدأ التحول ولن يستطيع أحد وقفه، ورغم أن الجميع يهاجمون التدخل الأمريكي والأوروبي فإنهم يضحكون بينهم وبين أنفسهم مرحبين به سراً ويلعنونه علناً.فهو الذي اجبر النظام علي أن يتعلم المرض قبل أن يضرب، ويبدأ في التخلي عن عجرفته المعتادة، وهو الذي وضعنا ووضع نفسه في هذا الموقف المهين، أن يمنح الشعب حريته خوفاً من الأمريكيين، فأي نهاية تلك التي انتهينا إليها؟! 

*** 

أجاد حسنين كروم الوصف.. أما محمد عبد الحكيم دياب فهو يجيد التحذير والإنذار . والدكتور دياب كاتب بالغ التميز في القدس العربي.. ومن هذا المكان – صحيفة الشعب المجاهدة – أوجه له التحية والتقدير.. رغم دهشتي أنه برغم ذكائه ما يزال قوميا.. يحذر الدكتور محمد عبد الحكيم دياب الرئيس مبارك.. بل ويهدده..:

" ومن يتابع تسارع الأحداث والتطورات، يوقن بأن حكم الرئيس حسني مبارك قد انتهي، وما ينقصه ليس سوي مشهد الختام(...) ويري بعض الخبراء أن ما جري (...) يعرض مصر لمخاطر جمة، ويعرض عائلة الرئيس مبارك نفسها لمصير عائلة شاوشسكو في رومانيا، (...) ورغم ضعف هذا الاحتمال علينا أخذه علي محمل الجد، خاصة أنه يتداول في أوساط غربية، وهذا يقتضي بذل الجهد لتجنب وقوعه، ويتأتى ذلك بقناعة مشتركة بين عائلة الرئيس وأطراف المعادلة السياسية الداخلية، فعلي العائلة التسليم بانتهاء الدور، وعلي الأطراف الأخرى الإقرار بأن إخراج مشهد النهاية يحتاج حكمة كل العقلاء، (...) وعلي الرئيس مبارك وعائلته أن يعوا أن تأجيل مشهد الختام يفتح الأبواب أمام سيناريوهات ، قد تضاعف من مأزقهم، ولا تساعد علي حله. (...) والاحتمال الأكبر وراء تشبث عائلة الرئيس بالحكم مصدره الخوف في مواجهة مشهد الختام وتداعياته، خاصة إذا لم تتمكن من استثمار اللحظة المناسبة، وكي يتم تجنب السيناريو الروماني( شاوشيسكو) أو غيره، فعلي القوي الراغبة في التغيير الديمقراطي أن تحول دون وقوع عائلة الرئيس في قبضة جمهور غاضب، تسيطر عليه روح الانتقام، (...) يجب أن ينتهي مشهد الختام بأقل قدر الخسائر. وتتشكل من أجل ذلك هيئة وطنية، تمثل طوائف الشعب، ترتب عمليات التسليم والتسلم، وتحصر ثروة الرئيس وعائلته.. تُبْقي علي ما هو مشروع، وتسترد ما هو غير ذلك، وتودعه في خزانة الدولة، هذا مع العلم بأن أحاديث بدأت تتردد في الأوساط الصحافية البريطانية، في الأيام الأخيرة، عن ثروة الرئيس حسني مبارك، وتدعي بأنه مصنف بين العشرة الأكثر ثراء في العالم. القدس العربي 21 مايو 2005

*** 

في خضم هذا الطوفان الذي نواجهه لا توجد جماعة قادرة على تولي الأمر إلا جماعة الإخوان المسلمين.. فهي الأشد إخلاصا والأكثر أتباعا و الأحرص على الأمة..

لكن..

هل أمنّا على الإخوان من الاختراق..

إن الإخوان يؤكدون ذلك..

وليس لدينا دليل على العكس..

لكن الصورة العقلية تسبق حتى الواقع.. ومن المستحيل أن تترك أمريكا الإخوان دون اختراق.. قد يكون قديما قديما..

ورغم أنني واحد ممن يرون تصعيد المواجهة مع السلطة حتى النهاية إلا أنني لا أكف عن التفكير..

هل هي مؤامرة يستدرج إليها الإخوان مرة أخري لتصفيتهم.. ولست أستبعد أبدا أن يكون المستفيدون والمتواطئون هم الحزب الحاكم والتجمع والناصري..

لقد فعلوها من قبل..

وبالرغم من ذلك فإن أنصاف الحلول لم تعد تفيد..

والمواجهة التي نكص الإخوان عنها عام 54 خوفا من نشوب حرب أهلية هي ما تواجهه الآن مرة أخري بعد أن تضاعفت التحديات مئات المرات.

بل يخيل إلىّ أن على الأمة الآن أن تدفع كل الديون التي كان عليها أن تدفعها فلم تدفعها منذ قرنين..

الديون كلها .. بأرباحها – أو على الأحرى خسائرها – وغراماتها واجبة السداد الآن...أضعاف مضاعفة.

وكل المعارك التي لم تخضها الأمة عليها أن تخوضها الآن.. في ظروف أقل ملاءمة..

لم يسقط من الالتزامات التزام.. وكل ما لم يُدفع لابد أن يُدفع.. وكل ما لم يُسدد لابد أن يُسدد.. وكل ما لم يؤد لابد أن يؤدى..

إن المعركة توشك على الوصول إلى منعطف خطير..

مواجهة حياة أو موت للأمة وللطغاة معا..

المواجهة حتمية لأن خسائر التراجع هائلة..و إذا ما كرر الإخوان خطأهم بعدم المواجهة مثلما فعلوا عام 1954 فلن يستطيعوا تعويض الخسارة أبدا.. هذا إذا ما بقوا..

أما السلطة فإن ما طرحه محمد عبد الحكيم دياب هو المطروح أمامها..

العنصر الوحيد الفاعل في السلطة الآن هو جهاز الأمن..

والعنصر الوحيد الفاعل في الأمة الآن هم الإخوان المسلمون..

بالنسبة للسلطة ليس هناك سقف للجرائم التي يمكنها ارتكابها.. ولن يكون لديهم مانع أبدا من قتل مائة ألف أو مائتي ألف من الشعب كي يستقر الحكم للطاغوت .. كما فعل المجرمون الذين كانوا يسمون حكاما في الجزائر.

لكن من الناحية الأخرى فإنني أظن الجيش المصري أنظف و أشرف من قرينه في الجزائر.. جيش جنرالات فرنسا.. بل إنني أتصور أنه لو أولغ الأمن الغبي المجرم في دماء الإخوان كثيرا لتصدى الجيش للأمن و أوقفه عند حده.. لكن لكي يحدث هذا لابد من كثير من الشهداء والنزيف .. و أن يكون كل هذا في صف الإخوان..

العملية بالغة التعقيد.. ولا أملك إلا الدعاء.

إلا أنني في الوقت نفسه أناشد الأمة ألا تتخلى عن طلائعها..

ولقد نزف قلبي دما و أنا أطالع على شاشات الفضائيات وصفحات الصحف ما فعله الأمن الغبي المجرم في طائفة من علماء الأزهر خرجت في صمت لتصطف في صمت مطبق أمام أحد المساجد في مدينة طنطا احتجاجا على تدنيس المصحف في جوانتانامو وتأييدا لمطالب الإصلاح في مصر..

لم يقطعوا شارعا ولم يسدوا حارة.. وقفوا في وقار العلماء أمام المسجد..

كانوا جميعا من علماء الأزهر..

وكان معظمهم من كبار موظفي الدولة..

ولم يراع الأمن الغبي المجرم حرمة الدين ولا العلم ولا السن..

فهل تعرفون ماذا فعل بهم..

سحلهم..

نعم ..

سحلهم في الشارع ثم ألقى القبض عليهم..

( إن غدا لناظره قريب.. وخلال شهور إن شاء الله سيتم معاقبة المجرمين الذين فعلوا ذلك ابتداء من أصغر خفير إلى رئيسهم الأعلى بوش المجرم)..

كان على رأس العلماء الذين سُحلوا فضيلة الشيخ سيد عسكر الأمين العام المساعد السابق لمجمع البحوث الإسلامية.. وهو واحد – لا أزكيه على الله – من أرق و أعلم من شاهدت من العلماء و أغزرهم علما ..

صرخ الإسلام داخل قلبي يستمطر اللعنات على من آذى الشيخ ورفاقه..

صرخ الإسلام في قلبي و أنا أقارن الموقف الخسيس الجبان للأمن تجاه القسس والصعاليك الذين جمعوهم على باطل فراحوا يرجمون رجال الأمن بالأحجار فلا يجرؤ منهم أحد على الرد بحجر..

صرخ الإسلام ي قلبي: لم يحم البابا شنودة نفسه.. ولا القساوسة حموا أنفسهم .. وإنما حماهم شباب النصارى فأين أنتم يا شباب المسلمين..

أين المؤسسات الإسلامية داخل مصر وخارجها كي تطالب بعزل مبارك ردا على إهانة العلماء والتنكيل بهم..

مبارك..

مبارك الذي أعز الله به اليهود والنصارى.. و أذلنا به..

إنني أناشد الداخل والخارج أن يضغط على نظم مجرمة لم يعد يحركها إلا الخوف للإفراج عن العلماء الدعاة وعزل كل من اشترك في جريمة التنكيل بهم..

لقد تحول اعتقال الدعاة والتنكيل بهم و إهانتهم مقابل تكريم القسس إلى سياسة ثابتة لنظام ملعون.. وما اعتقال الشيخ نشأت والشيخ فوزي عبد المقصود إلا مثلا.. كذلك اعتقال الداعية الكبير الشيخ رفاعي سرور الذي لا يزال ابنه المهندس عمر معتقلاً في سجن أبي زعبل والذي كتب عنه الدكتور هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية في موقعه المتميز حيث ذكر أن الشيخ رفاعي سرور من الرعيل الأول للحركات السلفية ذات التوجه الجهادي، ويعد من العلماء القلائل الذين صدعوا بالحق في وجه الطغاة. كان الدكتور أيمن الظواهري يبجله ويكن له خالص الإحترام؛ إذ أنه قد تعرف عليه في سنة 1975م وكان يقول لقد تعلمت واستفدت منه كثيراً. وقد كان ضمن الإسلاميين المتهمين في القضية رقم 462 لسنة 1981م حصر أمن دولة عليا المعروفة باسم قضية تنظيم الجهاد وكان مثالاً للأسد الهصور والشيخ الصبور وخرج الشيخ نقياً صافياً حيث كان من قبل قدر قرر أن يعتزل العمل التنظيمي فعكف على تأليف بعض الكتب النافعة والتحقيقات الجادة ومنها كتاب عندما ترعى الذئاب الغنم: وهو من جزئين وهو في غاية الروعة ومترجم إلى عدة لغات أجنبية ألفه في بداية حقبة السبعينات. ,كتاب أصحاب الأخدود: رغم صغر حجمه إلا أن الله وضع البركة في هذا الكتاب الذي طبع في السبعينات وحتى وقتنا الحاضر وترجم إلى عدة لغات. وكتاب قدر الدعوة: من الكتب القيمة التي ينبغي على أي داعية إسلامي أن يقرأه وله كتابان في نفس السياق اسمه (حكمة الدعوة) وكتاب (بيت الدعوة).. وكتاب علامات الساعة: وهو دراسة تحليلية لعلامات الساعة: وهذا الكتاب لا يوجد له نظير في العصور القديمة ولا الحديثة إذ لم يؤلفه على طريقة القدماء، بل غاص في مسائل تحليلية وأجاب ببراعة عن إشكاليات وملابسات في غاية الأهمية. هذا الكتاب منشور من جزأين وترجم إلى اللغة الإنجليزية. 

*** 

وفي النهاية لا أملك إلا أن أضم صوتي لصوت الحق القوي الدكتور هاني السباعي وهو يطالب بمحاكمة ضباط أمن الدولة بصفة خاصة شرعياً وقانونياً وملاحقتهم قضائياً في أي مكان في العالم.

و أضم صوتي إلى صوته فيما بح فيه صوتي منذ أعوام عديدة و أزمان مديدة من المطالبة بإدرار فتوى من الهيئات الشرعية سواء في الأزهر أو في غيره تفتي بفسخ عقود زواج كل من يمارس التعذيب أو يزيف صوت الأمة ومن يشهد الزور ومن على شاكلتهم، وأن تفتي بعدم جواز دفنهم في حالة وفاتهم في مقابر المسلمين ليكونوا عبرة، فكالا للذين ينصرون السلطات الظالمة الوالغة في دماء شعوبها.

اللهم فاشهد

*** 

*** 

*** 

حاشية


اللهم اقتل الكافر المجنون السكير المتخلف المتوحش جورج بوش قتلة يتحدث بها العجم والعرب..

اللهم اقتله..

اللهم اقتله..

اللهم اقتله..







القراصنة..

هل يفتح باب الحرية أم لامناص من أن يكسر؟‍‍‍!

أخطاء المعارضة الفادحة وصفاقة الأحزاب الرسمية و أباطيل هيكل!!

الغيطاني يتهمني بالتحريض على قتله!!..

ماذا يفعلون بالمجاهد إبراهيم شكري

عتاب للحبيبين: مجدي حسين وعمرو خالد..



بقلم د. محمد عباس

www.mohamadabbas.net

mohamadab@gawab.com



الخطأ القاتل الذي وقعت فيه المعارضة، والذي سيجعل محصلة نضالها  هباء منثورا، هو أنها جعلت أهدافها منع التمديد أو التوريث، فقضت على نفسها بالدخول في مناورة مع نظام طاغوت مجرم باطش جبار لا يعرف دينا ولا قانونا ولا عرفا، وهو قادر بأدواته و أجهزته، وبكم الخسة والتدني والوحشية والضراوة التي لا يمكن أن ينافسه فيها منافس، على أن يحقق – بالخداع والغش والتزوير – الفوز في أي مناورة، ذلك أنه ليس مستعدا فقط لاقتراف كل الجرائم والموبقات كي يستقر ويستمر ويمدد ويورث إلى الأبناء والأحفاد، ليس مستعدا لاقتراف ذلك فقط، بل إنه يرتكب تلك الموبقات بالفعل.. يرتكبها منذ أتى.. وسيظل يرتكبها إلى أن يموت بعد أن يورثها لأبنائه و أحفاده.. ذلك أن لديه خبرة في الممارسة المستمرة المتواصلة منذ خمسين عاما.. بل إن خبرة بعض أجهزته يعود إلى ما قبل ذلك بكثير، فمباحث أمن الدولة، ليست إلا الامتداد الطبيعي للبوليس السياسي والقلم المخصوص، الذي أنشأه الإنجليز للقضاء على الحركة الوطنية، ومنع المجاهدين من التشكل لمقاومة الاستعمار، وما زال هذا الهدف، رغم الزمن، هو الهدف الرئيسي لمباحث أمن الدولة، بل إن إجرام الإنجليز، وخسة الاستعمار، الصليبي المجرم اللص الكافر لا تجرمننا من أن نقول أنها كانت أقل خسة وهمجية ووحشية وضراوة من أجهزة أمننا الحالية.. بل و أكاد أقول .. أنها كانت – أيضا – أقل عداء للإسلام..!!.

*** 

لطالما كتبت، ولطالما كررت أن المنهج الذي يستعمله الصليبيون الصهاينة ضد دولنا هو نفس المنهج الذي تستعمله حكوماتنا ضدنا، فليست حكوماتنا سوى أجهزة حكم محلي تخضع لرئاسة الأعداء، وكل ولائها له، لا لمجتمعها ولا لله،  و أن قدر الذين يريدون أن تكون  كلمة الله هي العليا هو  أن كتب عليهم القتال وهو كره لهم، و أن يكون جهادهم مزدوجا، فهو ضد العدو القريب والبعيد، ضد الطاغوت العربي والأعجمي، ضد أجهزة الأمن المحلية والعالمية، ضد صحافتنا وصحافتهم في نفس الوقت، وضد الميديا المحلية التي تحركها الصليبية الصهيونية حيث تحالف الجميع علينا،  إلا أن الأخطر من هذا وذاك، أن جبهة هائلة مخيفة قد فغرت أفواهها تحت أقدام الجميع، فلأول مرة في التاريخ توجد هذه الجبهة كدوامة أو كطوفان أو كبحر من الرمال المتحركة، تحاول أن تبتلع الجيش الذي نعتمد عليه، الجيش الذي هو الأمة، التي بدأت تحت معاول الغواية وغسيل المخ والتزوير وخيانة المثقفين  تستلب شيئا فشيئا، على أمل من أولياء الشيطان أن تتوه وتضيع وتشرد، أو أن تنضم إلى الأعداء تحت معاول الغزو الفكري وتزييف الوعي ونزيف الذاكرة.

ومن هنا لزم التنبيه..

*** 

نعم.. كان الخطأ القاتل الذي وقعت فيه المعارضة هي أنها فعلت كمحمد حسنين هيكل  فكانت كصاروخ انطلق من المكان الخطأ فكان حتما أن يضل ويضيع منه الهدف. لقد ذابت الاستراتيجية في التكتيك وبهذا خسرنا المعركة قبل أن تبدأ، كما أن التكتيك نفسه كان خطأ. كان أرض قتل، وهو تعبير عسكري يعني استدراج العدو إلى كمين يسهل قتله فيه. وهو – للأسى – ما يحدث الآن للمعارضة المصرية. ومع اختلاف المواقع والرؤى فقد استدرجت ثورة 23 يوليو إلى أرض قتل كتلك ثم قضي عليها فيها بعد أن أدت المطلوب منها. ومن يطالع تصريحات رايس، بأن السياسة الأمريكية في المنطقة خطأ منذ ستين عاما، و أن هذا الخطأ كان في تأييد نظم الحكم الدكتاتورية في المنطقة لصالح الأمن الأمريكي ( والإسرائيلي بالطبع ).. من يقرأ تلك التصريحات يفهم على الفور إن لم يكن قد فهم بعد أن الأمريكيين كانوا داعمين معضدين لنظام الحكم الدكتاتوري في مصر.. لثورة 23 يوليو.. التي كانت جزءا هاما في المخطط الأمريكي.. بل كانت الجزء الأهم.. كما أنه لابد أن يفهم على الفور إن لم يكن قد فهم أن من وضع الخط الأحمر أمام وجود الإخوان المسلمين في الحكم لم يكن حادث المنشية ولا تهم الإرهاب.. وإنما كان الخط الأحمر – وما يزال أمريكيا ( و إسرائيليا بالطبع)..

إن ندم أمريكا على ستين عاما من الخطأ يحدد هذا الخطأ بجانبين: جانب فعلوه يندمون عليه.. وجانب أمروا بعدم فعله، وهم الآن يتصورون أن عواقبه قد تكون أقل من عواقب ما فعلوه..

كان الذي فعلوه هو تعضيد بل إنشاء النظم القمعية خاصة نظم العسكر.. وعلى رأسها 23 يوليو.. أو ثورة يوليو الأمريكية كما يقول الأستاذ جلال كشك رحمه الله .. وكان ما أمروا بمنعه هو وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم.

لست أدري كيف لا يفهم الناصريون وجل قواعدهم طيبة هذا.. لست أدري كيف لا يفهمون إلا إذا كان عدم الفهم قرارا مسبقا.. أو أنهم كاليساريين يفهمون ويقبلون ويفضلون وجود إسرائيل عن وجود نظام حكم إسلامي.

( يا إلهي.. إنني أسأل نفسي فعلا.. حسني مبارك وفتحي سرور وكمال الشاذلي والحزب الوطني جله.. ورفعت السعيد.. والتجمع جله.. وبعض قيادات الناصريين.. وكل رؤساء الصحف القومية.. وجابر عصفور وسمير سرحان وصلاح عيسى وجمال الغيطاني.. و.. و... و... أولئك جميعا.. لو خيروا بين أن تحكم حماس فلسطين أو أن تبقى إسرائيل.. فأيهما يفضلون؟!!.. هل هناك أي شك؟.. هل هناك أي شك؟.. هل هناك أي شك؟...)..

عدم إدراك القوى الفاعلة لهذه الحقائق  ولتلك الألغام قد يدفع بالحركة إلى السقوط في حجر عميل سابق للمخابرات السوفيتية، وعميل حالي لأمريكا.. وعميل دائم لإسرائيل والصهيونية العالمية.. منذ هنري كوريل وحتى اليوم.. ذلك أن بقاءه وظهوره وبروزه  كلها ضمن المخطط الأمريكي الصليبي الصهيوني فيالضيعة مع من يتحالف مع مثل هذا أو ذاك

*** 

لا أريد أن أقع في الخطيئة التي اعتاد محمد حسنين هيكل على ممارستها حين يلوي – ببراعة منقطعة النظير – أعناق الحقائق ليرسم صورة سابقة التجهيز في وجدانه، حيث توجد الصورة أولا ثم يجري البحث والتنقيب عن المبررات والتبريرات والمسوغات والخلفيات. فيكون بهذه الطريقة كطبيب غير حاذق يبدأ بتشخيص المرض ثم يبحث عما يؤيد تشخيصه فإن لم يجد من الأعراض والعلامات ما يؤيده  لجأ إلى تلفيق الأدلة. غير أن ما يغطي على القصور المنهجي لهيكل، وعلى إخفائه ما يشاء من الحقائق و إبراز ما يريد، هو بلاغته و أسلوبه الأدبي الرفيع، حتى أنني سميته ذات يوم نجيب محفوظ السياسة كما سميت نجيب محفوظ هيكل الأدب، بيد أنني أكتشف الآن أن ذلك التشبيه كان رمية من غير رام، لأنني أكتشف فعلا أن هيكل لا يكتب تاريخا ولا سياسة، و إنما يكتب روايات عظيمة فعلا ينطبق عليها ما ينطبق على الشعر الذي أعذبه أكذبه، و أن أكذبه أعلاه في الصدق الفني،  لكنني أنبه القارئ هنا أن الكذب هنا لا يتعلق بسرد الوقائع بل في اختيار نقطة البداية والنهاية واختلاف التفسير والتبرير والتقديم والتأجيل والإهمال والاهتمام، وبهذه الآلية ، يمكن لعبقري كمحمد حسنين هيكل أن يصوغ – من نفس الأحداث – ألف رواية عظيمة.

وعلى سبيل المثال، فإن حديثه عن الشأن الراهن على شاشة قناة الجزيرة يوم الخميس  16 يونيو 2005، يصلح كنموذج مثالي لكشف عوار منهجه. يصحبنا هيكل – كما تصحبنا كل فصائل المعارضة الرسمية- إلى أرض التيه، فإذا قبلنا الدخول معه منذ البداية فلا مهرب منه حتى النهاية.. لأننا إن قبلت افتراضاته الأولي فليس ثمة مناص أمامنا من أن تسلم بالوسائل والنتائج ، وسبيل النجاة الوحيد أن ندرك منذ البداية أن نقطة البداية خطأ و أن الافتراضات باطلة.

إن هيكل، الذي لم أكف رغم اكتشافي لخطاياه عن الإعجاب به، يشبه المرافق الرسمي الذي يصحب الضيف فيريه ما يريد ويخفي عنه ما يريد, ويصل الأمر أحيانا إلى حد المهزلة، كذلك اللواء الذي اصطحب لجنة تقصى الحقائق في مجلس الشعب إلى السجون، ليثبت لهم أن سجوننا من أفضل سجون العالم. لقد دخلوا مع المرافق من الباب الخطأ، ورأوا المشهد الخطأ، لكن أحكامهم في ضوء ما رأوه -لا ما أخفي عنهم- لابد أن تتسق مع رؤية المرافق. ويكفي تدليلا على تحيزات هيكل أنه تناول باستعراض شامل فصائل وتوجهات المعارضة، لكنه لم يتطرق قط إلى الإخوان المسلمين، فكان أشبه بالمشبوه الذي يتلافى ذكر الجريمة القديمة خوفا من اكتشاف دوره فيها( دعنا الآن من تجنبه ذكر محمد نجيب وهو يحصر الرؤساء.. جريمة أخرى يتجنب ذكراها).. وكان عوار منطقه في هذا الصدد وذاك فادحا. فالوحيد الذي يتصدى الآن لهيمنة الغرب علينا وسحق هويتنا هو الإسلام وهم المسلمون، لكن هيكل يريد أمرين متناقضين: استرجاع الهوية ( أي هوية .. لم يحدد!!) واستبعاد الإسلام والمسلمين. كان العوار فادحا، كان يريد بمنهجه الغربي أن يعالج أمة مسلمة، كان يريد من الإنسان أن يعيش في بيئة غير بيئته،  وأن ينمو بعد ذلك ويزدهر، كان يريد من إنسانه أن يعيش تحت الماء، ولم يردعه أنه جرب و أن إنسانه غرق. وكان يريد من إنسانه أن يطير في الهواء، ولم يرتدع حتى بعد أن سقط إنسانه وهلك، ولم يفكر أبدا أن يبحث عن أرض الواقع الصلبة، والمرتكز الوحيد للمقاومة والتقدم. أرض الإسلام.

لقد كنت أتابع طوفان المعلومات الخصب عند هيكل وهو يتحدث عن تاريخ الفلسفة وحكمة التاريخ محوّما حول ثقافات الرومان والإغريق وحول أحدث النظريات في الغرب وحول أشهر الفلاسفة والمؤرخين. وكنت أنتظر اللحظة التي يحط فيها على مرفأ إسلامي يبلور فيه رؤاه و أفكاره كي تتناسب مع مجتمع إسلامي. لكنه لم يفعل. لذلك كانت كل رؤاه هباء ضائعا في التيه. فالطبيب البيطري مهما بلغت مهارته واتساع معارفه وعمق خبراته لا يصلح أبدا لعلاج إنسان. أو قل أن هيكل كالطبيب الشرعي، قد يجيد تشريح الموتى ومعرفة أسباب موتهم – أو التعتيم عليها – لكنه ضعيف جدا عندما يتصدى لعلاج الأحياء، ومن هنا كان ضعفه وهو يتحدث عن أسوأ عهود مصر، عهد مبارك.

نعم.. عند هيكل التاريخ موجود بقوة، كذلك الفن والفلسفة والأدب، وحتى الشيطان أيضا موجود، وفاعل، لكن الغائب دائما عن عالمه هو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عمن يتجاهلون وجوده عُلُوّاً كَبِيراً. وانظر على سبيل المثال إلى عبارته وهو يتحدث عن قصة صورة دوريان جراي مع رسول الشيطان، ولعل التعبير يتسق مع الفكر الغربي وفكرته المشوهة عن الرسل ، الزناة الخطاة، بل والشواذ، الذين صارع بعضهم الله وانتصر عليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً، أما الوجدان المسلم فلا يعرف للشيطان رسلا، فالرسل يبعثهم الله، لكنها طريقة الحداثيين المستغربين في امتهان المقدس وتلويثه والجرأة عليه ( نفس المنهج والغاية من تدنيس المصحف)..

إن الأديب هيكل، نجيب محفوظ السياسة، يملك من الثروة اللغوية ما كان يغنيه عن استعمال عبارة رسول الشيطان، التي لا توجد بكثرة نسبية إلا في الأدبيات التلمودية، وفي هجوم المستشرقين الصليبيين على الإسلام، فبعضهم، لعنهم الله، يقولون أن سيدنا جبريل ليس هو الملاك جبرائيل، و أن الثاني ملاك نزل على أنبياء بني إسرائيل، أما الأول حاشا الله فقد كان رسول الشيطان إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم!!..

كان في وسع هيكل أيضا أن يستعمل مرادفا آخر كترجمة لكلمة :" MESSENGER" " التي ترجمها بكلمة "رسول".. كان يستطيع أن يقول مندوب الشيطان أو وكيل الشيطان أو مبعوث الشيطان أو ساعي بريد الشيطان.. لكنه اختار كلمة رسول.. لأن الإنسان المسلم بالتداعي عندما يسمع كلمة رسول.. يكملها على الفور : رسول الله.. وعندما يكملها فإن من يخطر بذهنه على الفور ليس أي رسول لله بل سيد الخلق أجمعين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. يا هيكل!!..

هل غفل نجيب محفوظ السياسة عن مثل هذا؟!..

أم أن استعمال هذه التعبيرات يقوم بدور الشفرة في ربط علاقات معينة وانحيازات محددة. تماما كما يحدث في بعض التنظيمات السرية، عندما يلبسون رباط عنق به نقش معين لا يلبسها إلا الأعضاء، أو خاتما ذا نقش مميز، فيتعرف الأعضاء على بعضهم البعض، ويبذل كل منهم ما يستطيع من عون لرفيقه.. دون أي تبادل للحوار قد يكشفهما معا.. لكنهما بهذه الإشارات والطقوس .. يستطيعان أن يفعلا ما يشاءان دون أن يكتشف أحد ما وراءهما من أسرار.. و أنا أضرب المثل بالأفراد.. لكنني أقصد الجماعات.. و أقصد أن استعمال مثل هذه العبارات قد يؤدي – على سبيل المثال إلى فتح الأبواب المغلقة بل إلى الفوز بجائزة نوبل!!.

ثمة ملاحظة أخرى، حاولت إغفالها، إكراما لهيكل، لكنني لم أستطع، وكما كشفت في مقالات سابقة أن هيكل غربي المنهج والنزعة والهوى، و أن حديثه عن السودان يتماشى تماما مع الأهداف الأمريكية ( راجع قوله أنه لا يوجد سودان واحد بل أربعة، و أنها لا يمكن أن تستمر، و أن لطفي السيد وافقه على ذلك).. أقول أن هيكل عاد إلى نفس المربع.. ذلك أن اقتراحه بالتمديد لمبارك لمدة عامين – أقولها بأدب – يتماشى مع المخططات الأمريكية.. قلتها بأدب.. لأن الحديث المباشر قد يكون ذابحا. 

إن فترة العامين ستكون كافية لابتزاز مبارك حتى آخر قطرة، وللقضاء على زخم ومد الحركة الوطنية.

ولقد تمنيت – بعد اليأس - أن ينطلق هيكل  ولو من خلفية ثقافة مسيحية ليسعى إلى خلاص روحه بالاعتراف بدوره في الانهيار العظيم الذي نعيشه، تمنيت أن يقول : لا تصدقوني فقد قدتكم قبل ذلك إلى هاوية 67، ولو أنكم أطعتموني اليوم لقدتكم إلى نفس الهزيمة مرة أخرى.. لأن منهجي هو نفسه لم يتغير. وددت ذلك من هيكل،  لكنه كعادته اصطحبنا إلى نقطة الانطلاق الخطأ – تماما كما تفعل المعارضة الرسمية الآن- اصطحبنا إلى لحظة من يوم 7 أكتوبر 1973 ليؤرخ لبداية الانهيار العظيم. ولو أنك وافقته لكان كل حديثه منطقيا وشديد التماسك بعدها، لكن بناءه كله سوف ينهار إذا ما فاجأته بالسؤال: ولماذا تكون نقطة البداية هي 7 أكتوبر 1973؟! لماذا لا تكون 5 يونيو 1967؟؟!! كما أن بناءه سوف ينهار إذا ما سألته لماذا لم تجعل نقطة البداية عام 53، عندما انقلبت الثورة على مبادئها وبدأت في التهام بنيها، حيث أصبح أهم الدوافع لاستمرار الضباط الأحرار في الحكم بعد ذلك هو خوفهم من أن يستلم الحكم غيرهم فيحاكمهم على الجرائم التي ارتكبوها وعلى الأموال التي اختلسوها. ينهار البناء أيضا إذا ما سألته لماذا لا تكون نقطة البداية 27 فبراير 1954 أو 25 مارس من نفس العام ، أو تنفيذ القرار الأمريكي بسحق القوة الوحيدة القادرة على التصدي للغرب، ألا وهم الإخوان المسلمون، وعبر تمثيلية المنشية. ولماذا لا تكون نقطة البداية هو الاعتداء المجرم على السنهوري؟ وقد كان مقررا ليلتها عقد اجتماع لنقابة الصحافيين للمطالبة بالديموقراطية لكنهم بعد أن رأوا كرامة السنهوري تباح وجسده يستباح،  لم يذهب إلى الاجتماع منهم واحد، ليبدأ عصر طويل، عصر الموتى وهم أحياء، وهو عصر استمر نصف قرن، بدأ الموتى بعده يتململون، ويعلم الله إن كانوا يستيقظون أم يعودون إلى موتهم.

بقيت نقطتان حول هيكل:

الأولى حول استشهاده بأوسكار وايلد، الذي و إن أقررنا بقيمته الأدبية الكبرى إلا أننا يجب أن نتذكر أنه  شاذ جنسيا بحكم محكمة سجن به لمدة عامين، بل ويقال أن الرواية تمثل قصته هو شخصيا مع  نبيل انجليزي كان عشيقا له.( في لقاء سابق في قناة الجزيرة أبدى هيكل إعجابه الشديد بالشاذ فكريا أحمد لطفي السيد). ومرة أخرى فإن هيكل أكبر و أعمق من أن يختار استشهاداته اعتباطا، و أظن أن الخاتم المميز النقش هنا يخاطب من لا نعرف قائلا:

- أنا لا يهمني الشذوذ، لا يهمني الأخلاق، أنا حداثي، وكل تلك  الصفات حريات شخصية لا تمنعني من احترام الشواذ وتبجيلهم..

وبهذا المفهوم يكون الأمر خطيرا جدا، ويكون هيكل آخر من يصلح لوضع علامات على الطريق.

النقطة الثانية - أذكرها لإحساسي أنني تكلمت كثيرا عن عيوبه فأحاول البحث له عن ميزة- هي عبارة قالها في حلقة 23-6 على قناة الجزيرة – حيث كان في أفضل حالاته المعنوية والفكرية منذ بداية الحلقات بل والصحية أيضا- .. قال هيكل أنه رأي قطيعا من الأغنام يقودها راع، فخطر بباله أن حكامنا – رعاتنا – يحاولون أن يجعلوا من الشعب قطيعا كهذا القطيع، و أن راعي القطيع يريد أن يبيع قطيعه، و أن من سيشتريه يريد أن يذبحه!!..

ألم أقل لكم أنه نجيب محفوظ السياسة!!

ملحوظة: لي انتقاداتي الجوهرية لفكر نجيب محفوظ، لكننا لا يمكننا عدم التسليم بأنه روائي عملاق على مستوى العالم.. لكن ذلك ليس موضوعنا الآن.

*** 

أقول أن الخطأ القاتل لأحزابنا الرسمية ليس مجرد أنها وقعت في مستنقع التفاصيل، بل إنها منذ البداية خطأ، تحمل بذور الانهيار والفناء، إن الخلل لا يقتصر على الأحزاب والهيئات والمؤسسات.. ولكنه تجاوز ذلك ليشمل الأفراد أيضا.. لقد أصاب العطب أفراد الأمة.. ولقد تميعت أمامهم – تحت وطأة ضراوة التضليل- قضاياهم وانحيازاتهم.

ورغم أن القيم الخلقية للهيئات ينبغي أن تكون أعلى من القيم الخلقية للأفراد، إلا أن ضراوة الاجتياح أدت لانهيار الجميع أفرادا وجماعات، فلا الفرد مؤهل ولا الهيئات والأحزاب تصلح، أما الأحزاب الرسمية فقد كانت أشد سوءا من ذلك كله، كانت عاجزة، معوقة، مليئة بالعاهات، أسيرة الماضي مشلولة الحاضر عمياء عن المستقبل،  ولقد كان مضحكا على سبيل المثال موقفها من الإخوان المسلمين ومن حزب العمل، واعتبارهما غير شرعيين، على أساس أن السلطة الحاكمة شرعية وتمنح الشرعية من تشاء وتمنعها عمن تشاء، وتجاهلت الأحزاب الرسمية التناقض الصارخ الذي تقع فيه، فإن كان نظام الحكم شرعيا فلماذا كل هذه المعارضة الصاخبة إلا إذا كانت هذه المعارضة الصاخبة تعنى الخروج عن الشرعية، وهل يعني إقرار أحزاب المعارضة بشرعية نظام الحكم اعترافها بعدم تزوير الانتخابات على سبيل المثال؟..فإذا كانت الانتخابات والاستفتاءات لا تزور فلماذا إذن دعاوى التغيير ؟ و إن كانت تزور فإن هذه الأحزاب نفسها جزء من الواقع المزور وبهذا يكون الإخوان المسلمين وحزب العمل أكثر شرعية من أن حزب آخر.. لأن منح الشرعية من سلطة تفتقدها هو انتقاص للشرعية.

ولقد نالت الأحزاب الشرعية من الحزب الحاكم ما تستحق من امتهان و تجاهل  ومهانة.. لقد هانوا وسهل الهوان عليهم..

والحقيقة أنني ألاحظ أن موقف هذه الأحزاب من جماعة الإخوان المسلمين  ومن حزب العمل ومن القضية الوطنية ككل ليس موقفا مبدئيا و إنما هي مناورات لتحصيل بعض المكاسب التافهة الهزيلة، لتسمح لهم الدولة في النهاية بتزوير بعض المقاعد النيابية لأحزابهم. بل ألاحظ تطابق موقف هذه الأحزاب مع موقف الدول العربية تجاه فلسطين والعراق، حيث تسير هذه الدول على المنهج الأمريكي بحذافيره، وتتبنى المواقف الأمريكية كما تملى عليها، وهكذا تم حصار فلسطين والعراق وتجويعهما ومنع المدد عن مجاهديهم، نفس الأمر وبنفس الخسة مارسته أحزاب المعارضة الرسمية تجاه القوى الحقيقية الفاعلة في الأمة.

إلا أن الخطأ في التقدير لم يقتصر على الأحزاب الرسمية فقط، ربما مع الأحزاب الرسمية كان الخطأ مع سبق الخسة والإصرار والترصد، أما مع باقي القوى الفاعلة في المجتمع فقد كان الخطأ خطأ تقدير.

*** 

على مستوى الواقع، وعلى أرضية الممارسة العملية كان الخطأ في ظن سقيم أن الطاغوت يمكن أن يفتح أبواب الحرية والصدق بمظاهرة هنا ومناشدة هناك.. كان ذلك خطأ فادحا.. لأن باب الحرية لن يفتح.. بل سيكسر.. ولقد أدى عدم فهم ذلك إلى أساليب خاطئة  كجعل التمديد والتوريث هدفا، وكان الأولى أن يكون الهدف هو العزل والمحاكمة على ما اقترف الطاغوت و أعوانه و أجهزته في حق الوطن والأمة من جرائم، لا ينبغي أن تسقط أبدا بالتقادم، إذ كيف يمكن أن تسقط بالتقادم جرائم كجرائم شمس بدران وفؤاد علام ، أو حتى العادلى، أو جرائم الطواغيت التي لا يقترب منها أحد، ومنها على سبيل المثال التقصير الجسيم الذي أدي إلى كشف الجبهة في حرب 73 حيث أصبحت سماواتنا مفتوحة أمام طائرات العدو ابتداء من 19 أكتوبر 73 حتى تمكنت من تدمير قواعد الدفاع الجوي مما أدى إلى اكتمال حصار الجيش الثالث، ومرورا بتدمير مقدرات الأمة وسلب روحها وسرقتها وخيانتها وموالاة الأعداء وتفتيت كل إرادة عربية أو إسلامية أو حتى وطنية تحاول أن تلم أشتات الأمة . ولقد كنا في أكتوبر 73 ندا قادرا على مواجهة إسرائيل، بل وقادرا على هزيمتها لولا خيانة السياسة وخيبة الساسة، وكان هذا الجيش العظيم هو الذي بدأ به الرئيس مبارك، والذي لا نستطيع الآن ، بسبب الجرح الذي لا يندمل في القلب، أن نواصل مقارنة القوة بينه وبين الجيش الإسرائيلي، و أنا لا أتهم الطاغوت بأنه أضعف الجيش بسبب سياسات الخاطئة، بل أشك أنه أضعفه عامدا متعمدا، وكان هذا هو سبيله للاستقرار في الحكم ربع قرن أغلب ظني أنها ستزيد. كان سبيلا، لا السبيل الوحيد.  نعم . كان يجب أن نحاسب النظام على الجرائم لا تعد ولا تحصى، وبعضها لا يمكن الآن تقدير عواقبه، لكننا فقط نذكر – على سبيل المثال – عمولات السلاح التي أثرت وتؤثر على القوات المسلحة، فضلا عن تدمير معنوياتها، وليس أدل على ذلك مما  نشرته  الصحف منذ أعوام من مضابط التحقيق  في قضية " منظمة ثورة مصر " في أقوال البطل  المتهم: المقدم أحمد على في التحقيقات  من أن الولايات المتحدة باعت لمصر أسلحة فاسدة ومستهلكة وأن كافة أجهزة الرادار المشتراة من أمريكا ثبت عدم فاعليتها.. وأن هذه الأسلحة قد تم شراؤها رغم رفض لجنة مشتريات السلاح، وكشف أيضا أن أمريكا ظلت  سنوات ترفض إمداد مصر بقطع غيار الطائرات فانتوم 4أ مما أدى إلى إصابة 21 طائرة – هي كل ما لدى مصر من هذا النوع آنذاك – بالشلل التام وتوقفها تماما عن الطيران في مطار بنى سويف الحربي .

هذا بعض ما فعله الطاغوت بالجيش، وما فعله في الشرطة لا يقل خطورة و إثما، لقد دمر مفهوم الأمن كله، و أصبح الأمن جله مجرد خدم لشخص وغواياته و أخطائه وانحرافاته ومصالحه بل وشذوذه، وفي سبيل ذلك فقد قام هذا الأمن الغبي بتحطيم كل من حاول التصدي للطاغوت سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو أحزابا أو هيئات أو صحافة أو أي تجمع بشري يمكن أن يرتفع صوته ليقول للص أنت لص وللطاغوت أنت طاغوت. استطاع الطاغوت أن يدفع جهاز الأمن للقيام بعكس عمله، فبدلا من تأمين المواطنين إذا به يروعهم ويرهبهم، وبدلا من حماية الأعراض إذا به ينتهكها، وبدلا من القبض على اللصوص إذا به يحميهم ويقتل وينكل بمن يحاول التصدي لهم. و إذا به يزور الانتخابات ويلفق الاتهامات ويقتل خارج إطار القانون بل ويسحق القانون بأحذية ثقيلة وهو يختطف الناس كأعتى العصابات إجراما فيقتلهم أو يحبسهم رغم أحكام القضاء.. أقول كأعتى العصابات.. و إن كان هناك فرق.. فأعتى العصابات شذوذ  تطارده الدولة.. أما في حالتنا فإن هذه العصابات هي الدولة.

إننا لا نواجه حاكما ظالما كنابليون لكنه يحول بلاده إلى قوة عظمى.. ولا حتى سفاحا كموسيليني أو جبارا كهتلر.. أو خسيسا كشارون أو غبيا معتوها مجرما كبوش، فكل أولئك مهما كان رأينا فيهم كانت لهم سمتان: السمة الأولى أنهم كانوا يقصدون – صوابا أو خطأ – رفعة بلادهم وسيادتها.. والسمة الثانية أن جل بأسهم كان ضد أعداء بلادهم - ,أيضا: صوابا أو خطأ- .. أما سمة طواغيتنا فهو أن كل بأسهم موجه تجاه مواطنيهم، و أنهم يقصدون مع سبق الإصرار والترصد إذلال مواطنيهم وبيع أوطانهم مقابل استمرارهم واستقرارهم على عروشهم.. مقابل التمديد والتوريث. ولقد بلغت الخسة بأحدهم.. بعد أن حكم ثلاثين عاما أنه يرفض تحديد مدة الرئاسة على أمل أن تصل إلى ابنه، لذلك فقد رفض التحديد بدورتين!!.

نحن إذن لا نواجه حاكما ظالما أمرنا الإسلام –في ظروف خاصة وبشروط محددة- بالصبر عليه.. ولا خلافات سياسية يجب أن نحلها بالحوار.. لكننا نواجه قرصانا استولي على السفينة وهو مستعد لحرقها إن لم يتمكن من التمديد والتوريث!!.. ومثل هذا القرصان لا يفيد معه – بل ولا يجوز – حوار. و إنما ضغط شعبي لا ينتهي حتى يستسلم..

قد يبدو الأمر للوهلة الأولي غريبا، لكن القارئ يستطيع أن يدرك الحقيقة عندما يسأل نفسه : كم من هذه النخبة الفاسدة العفنة يفضل أن يظل اليهود في غزة عن أن تحكمها حماس.. وقس على ذلك في العراق و أفغانستان والشيشان والفليبين وكافة بلاد المسلمين. بل إنني أطرح سؤالا أسهل: كم من النخب في بلادنا تفضل حكم العسكر الباطش الجبار الفاجر عن حكم إسلامي؟!!.. 

لا أريد أن أوغل في تعداد هذه الجرائم ولا في الحديث عن مدى سفالتها وبشاعتها فهناك عشرات ومئات يقولون الآن ذلك.. أما نحن.. فقد كنا نقولها في "الشعب" و"الأحرار" و " الأسبوع"  وبأعلى صوت قبل أن يجرؤ على البوح بها أحد.. لكنني أتناول هذا الخطأ الجسيم القاتل المدمر الذي وقعت فيه المعارضة، والذي أخشى أن يفيد الطاغوت ويفيد أمريكا ويكون هو السبيل لنكسة جديدة للحركة الوطنية.

ولمزيد من التفصيل فإن الموقف المجرم السافل للسياسة الأمريكية والتي تطلق إشارات متعددة ومتناقضة يمكن لكل طرف أن يفهمها إما كما يشاء و يهوى , وإما كما يخاف ويخشى.. وفي هذا الجو، فإن الطاغوت المرعوب مما بعد ترك السلطة سيحاول أن يحقق لأمريكا كل ما تريد و أكثر.. سينافس حتى نفسه في التفريط والتسليم والخيانة.. سيفعل حتى ما لا يطلب منه.. بل ما يتخيل أنه إن فعله فإنه سوف يرضى سيده ومولاه .. والذي بكلمة منه سيجعله إما يستمر حاكما.. أو سجينا يحاسب على جرائمه.

لقد أعدت أمريكا ميدان المعركة الكونية  بعبقرية الشيطان.. حتى أننا نرى المتناقضين يلجئون إليها ويعلقون آمالهم عليها.. أعدت ميدان المعركة بحيث تبذل جميع الأطراف جهدها الأقصى لتحقيق غاياتها: نظم الحكم والمعارضة العميلة  كهدف.. وبعض المعارضة كمناورة .. متجاهلة حتى المثل الغربي الذي ينصحك بألا تجلد جوادك المجهد وهو يتسلق جبلا لأنه ببساطة سيموت – وهو تكرار فج للمثل العربي الرصين: إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى- .. ولكن أمريكا لا يهمها أن يموت الجواد – كالشاة والسادات – ما دام يغذ السير في طريقها الذي تريده.. لأنه إن مات فثمة ألف حمار يمكنها إكمال المسيرة.

الخطأ القاتل الذي وقعت فيه المعارضة أنها تصرفت كما لو كانت الحكومة حكومة فعلا .. والرئيس رئيس حقيقة.. والمؤسسات مؤسسات.. 

ولم يكن أي من ذلك صحيحا..

*** 

   تنفك المعضلة وتنحل المشكلة عندما نتوقف عن أوهامنا و خداع أنفسنا بالنظر إلى حكوماتنا كحكومات – مهما  كانت باطشة وظالمة- ..  لننتقل إلى تشخيص صحيح للواقع بأننا لا نواجه حكومات بل نواجه عصابات .. ولا نواجه حكاما بل نواجه قراصنة..

في هذا التصور يختلف كل شيء..

تختلف أحكام الشرع التي تفرق ما بين حاكم ظالم قد تجوز – أقول قد – طاعته درءا لمفسدة أكبر وما بين لص استولى على الحكم كما يستولي القرصان على سفينة.. فمع القرصان يجب القتال ومن يموت يموت شهيدا.

ويواكب القانون الدولي الشرع ويتفق معه.. فهو يجيز الخروج المسلح على الحاكم الذي يعطل أحكام القضاء.. والقرصان أخطر من ذلك بكثير. إنه لا يعطل أحكام القضاء فقط، بل هو يزورها تزويرا، ويختلقها اختلاقا، ويصطنع حوله فقهاء سوء فلا يتولى القضاء إلا قضاة النار إلا فيما ندر..

*** 

نعم قرصان وقراصنة.. أهدروا القانون فليس يجدي مواجهتهم به..

قرصان أفسد كل شئ وخرب كل شئ..

تناول ما شئت أيها القارئ لتكتشف أن التدمير والتخريب في كل مكان.

وسوف نكتفي بتناول نماذج قليلة توضح إلى أي مدى بلغ التخريب والانهيار.. الذي  وصلنا إليه، لا بسبب خطأ في الحسابات، بل بتعمد وقصد. و إنني أرجو أن يتنبه القارئ أن هذا الشذوذ والإجرام والقسوة لا تأتي صدفة ولا اعتباطا، و إنما هي منهج وتخطيط، حتى لو غفل المجرمون عن ذلك.

*** 

منذ فترة كنت أزور صديقا، وهو أستاذ جامعي في كلية الطب، كان نافد الصبر ضيق الصدر متوترا، وكان يرد على الهاتف مهتاجا ويدعو على الظالمين، والتفت إلىّ قائلا:

- يستعجلون نتائج الامتحانات، لقد انتهيت منها منذ أسبوع، لكنها تُـراجع في الأمن..!!..

وصكت الكلمة أذني فادحة وغريبة فهتفت به:

- تُـراجع في الأمن.. وما علاقة الأمن بذلك؟!..

فأجاب الصديق في دهشة:

- ألا تعلم ما يحدث منذ سنوات..؟.. كل النتائج في كل الكليات لابد أن تراجع قبل إعلانها من قبل الأمن.. إنها إحدى وسائلهم لتجفيف منابع الإسلام.. إذ تعدل النتائج وتغير الدرجات كي لا تكون المراكز الأولى للإسلاميين، كي يتسنى منعهم من الالتحاق بالسلك الجامعي..

وتساءلت في ذهول:

- لكنهم يفعلون ذلك دون الحاجة لتزوير النتائج.. فموافقة الأمن على التعيين أهم من شهادات الليسانس والبكالريوس والماجستير والدكتوراه!!.. إنهم يفعلون ما يريدون دون معقب.. فلماذا يلجئون إلى هذه الطريقة البشعة في تغطية هم من الأصل غير محتاجين إليها..

وفجأة التمعت الفكرة في رأسي فرحت أتمتم والكرب يجثم على قلبي فيكاد يزهق روحي:

- ليس الهدف مجرد تجفيف المنابع أو منع الإسلاميين من الالتحاق بهيئة التدريس في الجامعة.. الهدف أبعد من ذلك بكثير.. الهدف أن تصل الإهانة والخزي والإحساس بالعار إلى كل أستاذ بالجامعة.. لأن كل أستاذ يرغم على قبول ذلك سوف يفقد كل الجلال والهيبة المقترنة بالقيمة المعنوية لأستاذ الجامعة.. إن إرغام أساتذة الجامعة على القبول بهذا الهوان أشبه  باغتصابه.. إنه يدمره تدميرا..

ثم واصلت التساؤل:

- هل سيظل مقياس العدالة سليما عند هذا الأستاذ.. و إذا كان قد طأطأ وانحنى للأمن إذ يفعل فعلته الشنعاء.. إن كان قد طأطأ وانحني تجنبا لشر الأمن فلماذا لا يطأطئ وينحني بالتزوير في النتائج استجلابا لمنفعة خاصة أو وصولا إلى مصلحة. لماذا لا يزور مقابل مال أو منصب، أو مقابل أن يورث لابنه منصبه في الجامعة.

لقد بدأ الأمن الدائرة الشيطانية..دائرة الفساد والإفساد الذي لا يكف عن التوالد .. وليس الفساد هدفا في حد ذاته.. ولكن الأستاذ الجامعي الذي يفسد لن يكون قادرا بأي شكل من الأشكال على تربية جيل قد يكون منه من يعارض..  إن الأستاذ الذي يتحطم ، الذي يبيع نفسه لأجهزة الأمن، لن يستنكف من بيع جامعته وتقاليدها ولا من بيع تلامذته، سوف يبيع، ويتدنى، ويتسفل، وسوف يستدرجهم الأمن، سوف  يغمض عينه عن كل الفاسدين من أساتذة الجامعة إلا في حالتين: الحالة الأولى أن يظن بعض الأساتذة أنهم بقدرتهم على الغش والتزوير قد ربطوا أنفسهم بأجهزة أقوى من جهاز الأمن، والحالة الثانية لمجرد الترويع للترويض، حين يكشف الأمن  أمر أستاذ أو أستاذين فيحولهما إلى محكمة الجنايات بتهمة الغش والتزوير، ليكون لهذا وطأته الإضافية، إذ أن كل أساتذة الجامعة يعلمون أن زميلهم ذلك لم يسجن ويشهر به وينكل لأنه غش أو زور، بل لأن جهاز الأمن تخلى عن حمايته، لينتشر الرعب بين الجميع، وليعرف الجميع أن ثمة طريق واحد إلى الشهرة والثروة والمنصب والحماية، هو طريق الأمن، الذي يزعم أنه يحرس التعليم، بينما هو يدمره تدميرا، والأنكى أنه يدمره وهو يعرف أنه يدمره.  وهكذا يواصل الأمن تدمير الأساتذة وطلابهم.. وهو الأمر الذي يؤدي على المدى الطويل إلى تفريغ التعليم الجامعي من كل جوهره، و إلى أن يكون الجهل والخيانة والغش والخسة  أصناما معبودة فكلما ازدادت تلك ازدادت رفعة المنصب.

*** 

لم يكن الأمن وحده هو المجرم، بل كانت أجهزة الدولة كلها تتضافر للأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.

نعم .. لم يكن الأمن وحده.. لأن الأمر لم يقتصر على الطلاب بل تعداه إلى كل وظائف الجامعة، و إن كان الأمن هو الذي يرشح رئيس الجامعة ، ليبصم الوزير المختص على هذا الترشيح فإن رئيس الجمهورية هو الذي يصدر قرار التعيين، فإذا علمنا أن مرتبات رئيس الجامعة تتجاوز الأربعة ملايين من الجنيهات سنويا أدركنا أن رئيس الجامعة ليس أستاذا يتقاضى مقابل عمله، بل نخاسا يبيع الطلبة والأساتذة والعملية التعليمية برمتها ، و أن الملايين الأربعة كل عام هي الثمن. نخاس يتعهد أن يخرج عبيدا للنخاس الأكبر الذي تعهد لسادته في البيت الأسود أن يكون شعبه شعبا من العبيد لا يرهب ولا يخيف ولا يتمرد.. ولا حتى يفكر.

ما ينطبق على رئيس الجامعة ينطبق على الوظائف الأقل، بل لقد تدخلت الدولة كي تمنع أي آلية يمكن أن تحد من التدمير المنظم للعملية التعليمية، وعندما أدركت أن انتخاب العمداء تؤدي إلى تسرب ولو بسيط لبقايا ما يزال لديها مبادئ ومثل، فقد أقدمت على إلغاء الانتخابات ليكون الأمر بالتعيين لا بالانتخاب.

قد يندهش بعض القراء لأرقام المرتبات، ولكن القارئ سيقرأ في كتاب مدينة الذئاب عن ضابط شرطة يبلغ مرتبه مائتا ألف جنيه شهريا ( طبقا لبعض المصادر.. وطبقا لمصادر أخري فإن هذا الراتب قد يصل إلى مليون جنيه) .. وهذه المرتبات لم تعد أمرا شاذا و إنما يتقاضاها الكثيرون  من نادي الإدارة العليا، وحجم هذه المرتبات لا يترك أي فرجة للدين أو العقل أو الضمير إلا من رحم الله وعصم. وعلى سبيل المثال فإن  ممدوح الليثى يحصل بشكل شرعي على راتب يشمل عمولة الإنتاج والإشراف والبدلات إلى نصف مليون جنيه شهريا، بينما يحصل فرج أبو الفرج أيضا بشكل شرعي على مبلغ 290 ألف جنيه شهريا، بينما تحصل آمال مراد على مبلغ 180 ألف جنيه شهريا بالإضافة للمبالغ الطائلة التي كان يحصل عليها مستشارو القطاعات المختلفة فيكفى أن تعرف أن مقابل الجلسة الواحدة لا يقل عن خمسمائة جنيه ويحصل رؤساء القنوات المتخصصة على مبالغ تتراوح ما بين خمسة وعشرين إلى ثلاثين ألف جنيه.( العربي 8-8-2004- العدد 921)

***  

الكارثة هائلة.. والرشاوى الشرعية هائلة.. وحركات المعارضة المصرية تواجهها بعزم واه واهن ضعيف.. إننا كقوم أعدوا عدتهم لمواجهة ذئب غادر.. بينما عليهم في الواقع أن يواجهوا قطيعا من  ألف ذئب..

الكارثة هائلة.. والمجتمع غير مؤهل لمواجهتها.. والأحزاب الشرعية تخدع الأمة.. أما الحركات الفاعلة فحساباتها معقدة..

كنت أحاور صديقا ذات مرة فقلت له:

- لو استطاعت المعارضة المصرية تقديم ألف شهيد لسقط النظام وتغير وجه المنطقة..

فإذا به يجيب في اكتئاب:

- في الجزائر سقط مائتا ألف شهيد ولم يسقط العسكر اللصوص سارقي الثروات والبترول وناهبي عمولات السلاح..

ولم يسعني سوي التسليم برجاحة رأيه.

الكارثة هائلة وكل الأحزاب الشرعية وغير الشرعية  لا تدرك حجمها الحقيقي.. لذلك كانت المطالب قاصرة والأهداف متواضعة..

ولقد كانت بعض مواقع الإنترنت ( رغم أنها في رأيي متهمة حتى تثبت براءتها) أقرب إلى التقدير الكلي – ولا أقول الصحيح-  والتصور الشامل للمواجهة( و أنبه القارئ مرة أخرى أن هذه المواقع الإليكترونية هي في الأصل لعبة أمريكية، وقد تكون وسيلة للاختراق أو لسوق الجماهير في اتجاهات معينة، ويستطيع القارئ الفطن أن يدرك ذلك، وعلى سبيل المثال فإن أي موقع يتحدث عن اضطهاد الأقباط في مصر، لا بد أن يكون تابعا للمسيحية الصهيونية، لأن اضطهاد الأقباط فرية نجسة يروجها أنجاس مناكيد، في الوقت الذي لا تبلغ فيه أقصى طموحات المسلمين أن تتم مساواتهم بالأقباط، و أن يعامل الطاغوت المجرم المساجد بنفس الاحترام الذي يعامل به الكنائس )..

أحد هذه المواقع  وعنوانه : 

http://egypt.shadow.government.8m.net/matloobeen.html

نشر على صفحته الأولى:

بيان من حكومة الظل المصرية:

بيان بالمطلوب الحجز على أموالهم و القبض عليهم

الأشخاص الآتية أسمائهم و أقاربهم و تابعين لهم قاموا بنهب المال العام و أموال البنوك و بإهدارها و سهلوا العدوان عليها كما أن بعض منهم أثرى بطرق غير مشروعة أخرى مثل غسيل الأموال و تهريب السلاح و المخدرات و التلاعب بالبورصة و غيرها. و بعضهم الأخر ارتكب بالإضافة إلى نهب المال العام الجرائم الآتية أو سهلوا على أو شاركوا في ارتكابها:

1. جرائم ضد الإنسانية: بناء نظام سياسي فردى يحتكر السلطة بالقمع المسلح و بإرهاب و ترويع المواطنين و تزوير إرادة الأمة. القبض العشوائي على المواطنين و اعتقالهم دون اتهام لفترات طويلة. تعذيب المعتقلين و المحتجزين و الاعتداء الجنسي عليهم. احتجاز أقارب المطلوبين كرهائن بأقسام الشرطة و مباحث أمن الدولة و تعذيبهم و الاعتداء الجنسي عليهم. تقديم المتهمين إلى محاكم استثنائية أو عسكرية لا توفر الحد الأدنى من العدالة. خطف و اغتيال أو قتل خصوم النظام السياسيين. و غيرها.

2. فرض الأحكام العرفية بدون مقتضى صحيح لمدة 23 عام بالمخالفة للدستور و القانون و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و كافة المواثيق و المعاهدات الدولية.

3. تزوير الانتخابات و الاستفتاءات.

4. التمييز ضد و اضطهاد الأقباط و الأقليات الأخرى.

5. العمل على تقويض و عرقلة الجهود الرامية إلى إحلال السلام و تحقيق الاستقرار و ترسيخ مبادئ الحرية و الديموقراطية و كل الإصلاحات السياسية و الاقتصادية في مصر و الشرق الأوسط بحجج و ذرائع واهية مؤداها أنه لا إصلاح إلا بعد تحرير العراق و فلسطين.

6. نشر المبادئ الوهابية السعودية الهدامة و غيرها من أفكار و تيارات متطرفة في مصر و دول أخرى.

7. شن حملات كراهية شعواء في وسائل الإعلام المملوكة للدولة و بالمدارس و الجوامع و غيرها ضد الدول و الديانات الأخرى بغرض توجيه انتباه الشعب لعدو خارجي يشغل به النظام الحاكم الشعب و يشتت انتباهه عن التركيز على العدو الحقيقي للشعب و هو النظام الحاكم و ذلك حتى يتمكن النظام من الاستمرار في استعباد الشعب و نهب ثرواته بينما الشعب غافل يناطح و يجاهد ضد عدو وهمي لم يستعبده أو ينهب أمواله مثلما يفعل مبارك و أسرته و نظام حكمة.

و البيان الأول للمتهمين هو كالآتي:

أولا: المسؤولين

1. محمد حسنى مبارك رئيس مصر الغير شرعي.

2. جمال مبارك الحاكم الفعلي لمصر و نجل الرئيس الغير شرعي لها.

3. سوزان ثابت زوجة الرئيس الغير شرعي لمصر و المشاركة مع نجلها المذكور في حكم مصر.

4. علاء مبارك النجل الأخر للرئيس الغير شرعي لمصر.

5. أحمد نظيف رئيس الوزراء.

6. عاطف عبيد رئيس الوزراء السابق.

7. يوسف والى نائب رئيس الوزراء السابق.

8. صفوت الشريف وزير الإعلام السابق.

9. الحبيب العادلي وزير الداخلية.

10. فتحي سرور الرئيس الغير شرعي لمجلس الشعب.

11. زكريا عزمي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية.

12. أسامة الباز مستشار رئيس الجمهورية.

13. محمد حسين طنطاوى وزير الدفاع.

14. ابراهيم سليمان وزير الاسكان.

15. كمال الشاذلي وزير شؤون مجلس الشعب.

16. عمر سليمان رئيس المخابرات العامة.

17. صلاح سلامة مدير مباحث أمن الدولة. 

18. محمد التهامي المدير السابق للمخابرات الحربية.

19. صبري العدوى قائد الحرس الجمهوري.

20. محمد عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع الأسبق.

21. النبوي إسماعيل وزير الداخلية الأسبق.

22. حسن أبو باشا وزير الدفاع الأسبق.

23. حسن الألفي وزير الدفاع السابق.

24. ماهر عبد الواحد المدعى العام.

25. جابر ريحان المدعى العام الاشتراكي.

26. طلعت حماد وزير شؤون مجلس الوزراء السابق.

27. عاطف صدقي رئيس الوزراء الأسبق.

28. كمال الجنزورى رئيس الوزراء الأسبق.

29. رجاء العربي المدعى العام السابق.

30. يوسف بطرس غالى وزير المالية.

31. سليمان متولي وزير المواصلات الأسبق.

32. محمد عبد الوهاب وزير الصناعة الأسبق.

33. أمين مبارك عضو مجلس شعب.

34. ماهر أباظة وزير الكهرباء الأسبق.

35. إبراهيم نافع رئيس تحرير الأهرام.

36. إبراهيم سعدة رئيس تحرير الأخبار.

37. سمير رجب رئيس تحرير الجمهورية.

38. مدحت حسانين وزير المالية السابق.

39. حسن خضر وزير التموين.

40. عبد الرحيم شحاتة وزير الحكم المحلى.

41. حسين بهاء الدين وزير التعليم السابق.

42. فاروق سيف النصر وزير العدل السابق.

43. سامح فهمي وزير البترول.

44. مختار خطاب وزير قطاع الأعمال السابق.

45. إسماعيل سلام وزير الصحة السابق.

46. هتلر طنطاوى رئيس الرقابة الإدارية السابق.

47. حمدي وهيبة رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق.

48. فؤاد علام مدير مباحث أمن الدولة الأسبق.

49. جمال عبد العزيز مدير مكتب رئيس الجمهورية.

50. محمود عبد العزيز رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي الأسبق.

51. رشيد محمد رشيد وزير الصناعة و التجارة.

52. أحمد المغربي وزير السياحة.

53. محمود محيي الدين وزير الاستثمار.

و غيرهم.


ثانيا: رجال الأعمال

1. أحمد عز عضو مجلس شعب

2. محمد منصور و اخوتة (ياسين و يوسف)

3. أحمد بهجت.

4. محمد أبو العنين عضو مجلس شعب.

5. إبراهيم كامل.

6. حمزة الحولي.

7. حسين سالم.

8. عفت السادات و شقيقيه(أنور و طلعت).

9. آل غبور (رؤوف و منير و طلعت و باهر).

10. منير ثابت و ولدية(طارق و خالد).

11. محمد فريد خميس عضو مجلس شورة.

12. أنسي ساويرس و أنجالة(نجيب و سميح و ناصف).

13. محمد شتا و نجلية(هشام و خالد).

14. محمد نصير و نجله(خالد).

15. تيسير الهوارى و نجلة(حاتم).

16. رامى لكح.

17. عبد الوهاب قوطة وولده (محمد).

18. يعقوب نصيف و نجلية(هانى و مجدى).

19. علية العيوطى.

20. حسام أبو الفتوح.

21. محمد جنيدى.

22. مصطفى البليدى.

23. عادل مارك.

24. شفيق جبر.

25. عبد المنعم سعودى.

26. ثروت باسيلى.

27. جلال الزربة.

28. حسام بدراوى.

29. خالد أبو اسماعيل.

30. شفيق بغدادى.

31. طاهر حلمى.

32. طلعت مصطفى و ولده(هشام)

33. ياسر الملوانى.

34. رشيد محمد رشيد.

35. محمود محى الدين.

36. شريف الجبالى.

و غيرهم.


ثالثا: أقارب رؤساء سابقين.

الأشخاص                                                                                                              

1. جيهان عبد الرؤوف زوجة رئيس الجمهورية السابق.

2. نهى السادات كريمة الرئيس السابق.

3. لبنى السادات كريمة الرئيس السابق.

4. جيهان السادات  كريمة الرئيس السابق.

5. حسن مرعى صهر الرئيس السابق.

6. محمد عبد الغفار صهر الرئيس السابق.

7. محمود عثمان صهر الرئيس السابق.

8. خالد عبد الناصر نجل الرئيس الأسبق.

9. عبد الحميد عبد الناصر نجل الرئيس الأسبق.

10. عبد الحكيم عبد الناصر نجل الرئيس الأسبق.

11. هدى عبد الناصر كريمة الرئيس الأسبق.

12. منى عبد الناصر كريمة الرئيس الأسبق.

13. أشرف مروان صهر الرئيس الأسبق.

14. حاتم صادق صهر الرئيس الأسبق.

و غيرهم.


ملحوظات:

1. المجموع الكلى للمبالغ المودعة بأسماء الأشخاص سالفي الذكر و أقارب و ممثلين لهم في بنوك سويسرا و الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة و جزر القنال الإنجليزي و الباهاما 250 مليار دولار بخلاف الممتلكات و الموجودات الأخرى.

2. هناك قائمة أخرى لفاسدين و مفسدين و مرتكبي جرائم ضد الإنسانية جارى إعدادها.


المطلوب: 

1. الحجز على الأموال المذكورة لردها إلى أصحابها الحقيقيين و هم أبناء الشعب و ذلك باتباع الطرق المتعارف عليها و المنصوص عليها بالقانون و الأعراف الدولية.

2. القبض على الأشخاص المذكورين لتقديمهم للمحاكمة لنهبهم المال العام أو لحيازته أو لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية.

***  

إلا أن ثمة موقع آخر خطير خطير.. و أخطر ما فيه أنني أحس فيه برائحة الخنزير رامسيفيلد.. إنه مخطط لإشعال حرب أهلية.. وهو يحتوي على نفس المبالغات الصهيونية الصليبية التي ووجه بها عراقنا الجريح.. نفس المبالغات ونفس الكذب.. ولقد فكرت في تجاهله لكنني أحسست أنها أمانة فقد يكون فيمن يقرأ عنه في مقالي ذاك من يستطيع كشفه أو فضحه أو إبطال مراميه .. لكنني أؤكد أن طاغوتنا الغبي هو الذي يفتح الباب لمثل هذه الفتن بغبائه وجموده.. وعنوان الموقع هو:

http://butcher.jiffyseek.com/ta3zeeb.htm

يقول أصحاب الموقع:

أرسل لنا بيانات ضابط شرطة عذبك أو عذب قريب أو صديق لك و سنقوم بضمة لقوائم الموت

أخي المواطن: 

هل سمعت عن المسطرة؟

إن من جرب أو حتى سمع عن المسطرة لم يكتب له أن يعيش لكي يحكى عنها! 

كل من جرب المسطرة و عددهم يناهز العشرين ألف دفنوا جميعا سرا بمقابر جماعية أو تم إحراقهم في أفران خاصة مثل أفران الأوشفيتس التي أحرق فيها النازيون 6 ملايين يهودي أوروبي.

المسطرة هي أكثر طريقة تعذيب و حشية في التاريخ و التي ابتكرها كلاب أمن الدولة لانتزاع معلومات مطلوبة بسرعة بواسطة القيادات من بعض ضحاياهم. المسطرة لم تبتكر لانتزاع اعترافات لأنها تنتهي حتما بموت الضحية. و طبقا للمسطرة يقوم ضباط مباحث أمن الدولة بإطلاق الرصاص من مسدس عيار 22 مم رصاصة رصاصة على كل سنتيمتر من ساق الضحية بدءا من قدمه و حتى أعلى فخذه إذا كان لا يزال على قيد الحياة. و بعد أن تقتل الضحية تحرق أو تدفن بمقابر جماعية سرية.

أخي المواطن:

هل سمعت عن الدخلة؟

للأسف إن من جرب الدخلة كتب له أن يعيش بعذابها. فالأفضل لكل من عذب بالدخلة أن يموت لأن آلامها النفسية و العقلية التي لا تحتمل ستطارده  مدى حياته و ستؤثر سلبا على علاقته بكل من حوله.

و الدخلة مثل أي دخلة عادية تبدأ عادة بالمداعبة حيث يقوم مجرمون أمن الدولة بنزع ملابس الضحية عنة و جعله يقف عاريا تماما أمامهم ثم يقومون بتحسس الأجزاء الحساسة بجسمه و بمداعبة أعضائه التناسلية بالأيدي أولا ثم باستخدام أدوات تتراوح من أسلاك و عصى كهربائية و غيرها. و تنتهي المداعبة بكهربة الأعضاء التناسلية و بجذبها بقوة بواسطة السلك الكهربائي. و هنا تبدأ الدخلة بإدخال عصى غليظة في فتحة شرج المتهم إذا كان رجل و في المهبل إذا كانت المتهمة امرأة. و بعد ذلك يقوم ضابط أو من ينيب باغتصاب المتهم و لا يهم إذا كان رجل أو امرأة. و إذا انتهت الدخلة  دون انتزاع معلومات أو اعترافات ترضى البهوات الضباط يتم استدعاء أو خطف أقارب المتهم مثل زوجته و شقيقته و أمة و أبوة الذين يتم معهم ممارسة الدخلة بكل مراحلها أمام المتهم بدءا من المداعبة و انتهاء بالاغتصاب.

آخي المواطن:

لقد عممت الدخلة في كافة أقسام الشرطة بعد أن كانت حكرا على مباحث أمن الدولة و أصبحت تمارس جهارا نهارا دون خوف من أي رد فعل أو انتقام شعبي.

لقد أصبح نظام الحكم كالكلب المسعور ليقينه بأن أيامه أصبحت معدودة فراح يمعن في التنكيل بأبناء الشعب عل ذلك يخيفهم و يمنعهم عن النهوض ضده لافتراسه و الفتك به عندما تحين الساعة.

و بالرغم أن الساعة آتية لا ريب و لا تأخير فيها، إلا أننا في هذا الأثناء لن نتفرج على هذه المجازر و نسكت. و لذا، فقد ابتدعنا نظام قوائم الموت لردع ضباط الشرطة الذين أصيبوا بجنون القتل و التعذيب و الاغتصاب. بموجب هذا النظام الجديد سيتم تقديم هؤلاء الضباط غيابيا إلى محاكمة خاصة سريعة و في حالة الحكم بإعدامهم و الذي سيكون تنفيذه سريعا أيضا فإنه سيتم إتاحة الفرصة أولا لضحية التعذيب أو أقاربه تنفيذ حكم الإعدام بأنفسهم في الضابط المدان بالتعذيب. نرجو  إرسال بيانات الضابط الذي عذبك إلى العنوان التالي:

ta3zeeb@mail2egypt.com

و بدءا من أول نوفمبر المقبل ستكون أقسام الشرطة التي يتم فيها ممارسة الدخلة أو أي تعذيب أخر و هي في الواقع جميعها بما فيها أقسام الشرطة بالمناطق الراقية مثل قسم شرطة قصر النيل و مدينة نصر و مصر الجديدة ستكون عرضة لعمليات تأديبية و انتقامية و لذا فإننا ننصح المواطنين بعدم التواجد في أي قسم شرطة في أي مكان بمصر بعد الساعة الثانية عشر ظهرا مهما كانت الأسباب حماية لأرواحهم. كما ننصح الموظفين المدنيين بأقسام الشرطة بعدم التواجد بها بعد هذا الوقت بأي حال.

و من ناحية أخرى سيكون أي ضابط أمن دولة أو أي ضابط أخر يمارس أو مارس التعذيب في أي وقت مضى سواء كان لا يزال بالخدمة أو أحيل للتقاعد عرضة للعمليات في أي مكان. و على كل ضابط أمن دولة أو أي ضابط أخر لم يمارس التعذيب قط أن يكتب لنا على العنوان التالي لكي نضاهي اسمه مع قوائم الموت:

free@mail2egypt.com

لقد أقر لنا بعض ضباط أمن الدولة أن منظر التعذيب و قتل المتهمين كالذبائح أصاب ضباط و صف ضباط أمن الدولة بلوثة القتلة و التي تجعلهم متعطشين بصفة دائمة للقتل و لسفك الدماء. و قد أفاد هؤلاء الضباط أن القتل يجلب لهم شعورا خاصا بالسعادة و الرضاء.

فاتورة التعذيب و القتل و الاغتصاب منذ عام 1988

 عدد الذين اعتقلوا دون محاكمة: 500000 - 800000

 العدد الراهن للمعتقلين دون محاكمة: 120000

 عدد الذين قتلوا بالمسطرة: 20000

 عدد الذين قتلوا بوسائل تعذيب أخرى في أمن الدولة و عموم أقسام شرطة مصر: 100000 - 150000  

 عدد الذين تم اغتيالهم أو تصفيتهم: 15000 - 20000

 عدد الذين اختطفوا بلا أثر: 10000 - 20000

 عدد الذين ماتوا أثناء الاعتقال: 150000

 عدد الذين جربوا الدخلة في أمن الدولة و عموم أقسام شرطة مصر: 150000- 300000

 عدد أقارب المتهمين الذين جربوا الدخلة:  400000 - 600000    

 عدد الذين أعدموا بموجب أحكام صادرة من محاكم خاصة و عسكرية: 10000- 20000

فاتورة قتل أخرى سيدفعها مبارك و زبانيته                  

أولا: ثورة جنود الأمن المركزي عام 1985

بعد إخماد الثورة تم تجميع عدد 10000 جندي في ثلاثة معسكرات بصعيد مصر و تم قتلهم بالرشاشات و دفنهم كالذبائح في مقابر جماعية سرية. و كانت بعض الجهات الأجنبية في ذلك الوقت قد قدرت عدد القتلى في هذه المجزرة السرية ب 4000 فقط بخلاف المفقودين الذين لا يعرف عددهم حتى الآن.

ثانيا: التلوث

كان مبارك اعتبارا من عام 1984 قد أمر بإلغاء تعاقدات لاستيراد محطات عدة لمعالجة المجارى و القمامة في مدن مختلفة بالجمهورية منها الإسكندرية و القاهرة و ذلك بهدف توفير العملة الصعبة لشراء أسلحة يحصل هو منها على أرباح و عمولات كبيرة إذ كان يبيعها للعراق أثناء حربها مع إيران. و عندما استفسر منة المسؤولون عما يجب عملة بالمجارى و القمامة، أمرهم حسنى مبارك بأن تلقى المجارى في البحر المتوسط و بالبحيرات المختلفة بالبلاد و بنهر النيل. و عن القمامة أمر مبارك المسؤولين بأن يحرقوها بالهواء الطلق. حتى محطات كبس و معالجة قش الأرز فقد أوقف مبارك التعاقد عليها و أمر بأن يحرق قش الأرز في الهواء الطلق. و مبارك الذي ينتقل للإقامة بشرم الشيخ و الإسكندرية في فترة حرق الأرز في أكتوبر و نوفمبر خوفا على صحته لا يرى أن الشعب المصري من حقه أن يعيش في بيئة نظيفة. و فيما يلي فاتورة مبارك لتلوث الهواء و البحر و مياه الشرب في الخمسة عشرة عام الماضية و ذلك حسب إحدى الدراسات:

 قتلى : 2600000 منهم 1600000 طفل.

 مصابون (سرطان و امفيسيما و فشل كلوى و غيرها): 11000000 .

ثالثا: طائرة مصر للطيران بالارناكا عام 86 و مديرية الأمن بأسيوط عام 81 و غيرهما.

سنعرض تفصيلا لهذه المجازر المسؤول عنها مبارك شخصيا في حينه.

***  

لقد تعمدت أن أورد البيانات كاملة كي يطلع القارئ على حجم المبالغة وكم الأكاذيب التي لا يجرؤ عليها إلا خنازير من فصيلة رامسيفيلد وتشينى ومايلز و أبي زيد وشارون..

و أظن الأمر خطير .. و هو أخطر عندما تواجهه أمة مفككة فقدت كل قدرتها على المقاومة بسبب الطاغوت قبل أن يكون بسبب الأعداء.

***  

نعود إلى ما كنا فيه.. 

إلى البوار الذي أصاب أجهزة الأمة وهيئاتها ومؤسساتها جميعا فكأنه السرطان لم يترك عضوا إلا وانتشر فيه.. وكأنه التسمم لم يترك خلية إلا بعد أن تسرب إليها وتخللها وغزاها..

كل الهيئات وكل الأجهزة وكل الخلايا..

لم يسلم منها أحد..

ولقد تناولنا الجامعة في عجالة وظهر لنا الانهيار الكارثي فيها.. فإذا تناولنا الصحافة وجدنا الأمر لا يقل خطورة ولا فداحة عما يحدث في الجامعة..

ولقد نكأ الجرح في قلبي  صحافي متميز في إحدى الصحف المستقلة.. كان قد قرأ في صحيفة صوت الأمة في 23 مايو الماضي  خبرا يقول:

اتهم الروائي جمال الغيطاني رئيس تحرير أخبار الأدب الدكتور محمد عباس صاحب أزمة وليمة لأعشاب البحر أنه يقف وراء حملة شرسة شنت  ضده بسبب مقال له عن النقاب نشرته أخبار الأدب .

المقال «الأزمة تسبب في تشديد الحراسة الأمنية على الغيطاني بعد أن أبلغته جهات أمنية بوجود اسمه ضمن قائمة للاغتيالات تضم 20 اسما تم اكتشافهما خلال التحقيقات مع المتهمين في أحداث الأزهر وعبد المنعم رياض .

الغيطاني لم ينف كلية التهديدات مؤكدا أن المقال أحدث أزمة بالفعل لكنه رفض بشدة الخوض في تفاصيل وأسباب تشديد الإجراءات الأمنية عليه منذ شهر تقريبا ونفى رئيس تحرير أخبار الأدب ما تردد عن طلبه الحصول على ترخيص سلاح مؤكدا أنه يملك بطرق رسمية سلاحا منذ أن كان مراسلا حربيا .

وشن الغيطاني هجوما عنيفا على الدكتور محمد عباس واتهمه بالوقوف وراء الحملة الشرسة التي تعرض لها بسبب مقال النقاب ، مؤكدا أنه – أي عباس -  من خلال كتاباته في موقع الشعب الإليكتروني يحرض عليه منذ فترة طويلة.

*** 

لو كان الأمر قضية خاصة لما كتبت فيه حرفا واحدا.. لكنني أذكره و أستفيض فيه كتطبيق عملي بعد الكثير من الكلام النظري. تطبيق عملي سوف يشمل نماذج تطبيقية للأفكار حين تحتك أو تصطدم بالواقع.

لقد طلب الصحافي أن يجري حوارا معي حول هذا الأمر و أمور أخرى، واعتذرت له، قلت له أن الوسط الصحافي لا يشجع على عمل جاد، وأنه رغم احترامي للصحافة الحقيقية وللصحافيين الحقيقيين فإن جل النموذج المطروح الآن خارج نطاق ثقتي، و أن تجربتي أيام قضية الوليمة كشفت لي كما من الكذب لم أكن أتصوره، ورحت أتذكر في خطرات سريعة كيف قلب أسامة سرايا ومحمد عبد العال ومحمد حسن الألفي الوقائع تماما، وغيرهم وغيرهم وغيرهم، لا أذكر أي صحيفة التزمت الحد الأدنى من معايير الصدق والأمانة وميثاق الشرف الصحافي مع استثناء وحيد هو صحيفة الأسبوع، وهو استثناء لم يكن كاملا، لقد التزمت الصحيفة الحياد في أمر لم يكن يصلح فيه حياد، وعلى الرغم من ذلك فقد عانت  الكثير بسبب رفضها الاشتراك في الكذب والتشهير، و استقال منها أسامة أنور عكاشة (وهو مستنسخ آخر من على سالم) بسبب حيادها.. كان يريد منها موقفا حاسما ضد الدين!!..

*** 

لأسباب كثيرة عزفت عن الصحافة منذ  ذلك الوقت..   وقلت لنفسي أن الصحافة المسموح بها الآن – فيما عدا استثناءات نادرة-  هي صحافة  بمنهج عادل إمام ومحمد هنيدي وسمير رجب حيث السطحية والإثارة والتفاهة والكذب، فثمة جهاز ما، أغلب الظن أنه أمني، حيث يقبع مثقف أمن دولة، وهو أخطر من ضابط أمن دولة،  ليطلق كومبارس هؤلاء أو أولئك بتعليمات محددة، ويشير مثقف أمن الدولة إلى غلمانه ليسلطهم على  شخص ما مع أمر يقول: مزقوا ثيابه، أو مزقوا لحمه. لكن الخطأ الذي وقعوا فيه دون أن يدركوا،  أنهم كانوا قد فقدوا مصداقيتهم عند الناس فلم يعد لهم مخالب ولا أنياب ولم يعودوا يملكون سوى النباح.

راح الصحافيّ يلح علىّ أن أتحدث، محاولا رشوة الغرور الكامن في النفس البشرية بأن من حق القراء وهم كثيرون جدا أن يسمعوا مني، لكنني كنت عزوفا، حتى تخيلت أنه يأس مني، لكنه بادرني بما أربكني، إذ أنه قال أنه يستسلم لإصراري على الرفض، لكنه يرجوني رجاء خاصا أن أسمح له بزيارتي.

ولم يكن بمقدوري أن أرفض. لكنني قلت له أنني سأستقبله كضيف وليس كصحافي.. و أنني لن أدلى له بأي حديث..

*** 

عندما جاء راح يلح علىّ مرة أخرى  أن يسجل الحديث فرفضت.. وحكيت له عن تجربتي مع عشرات من الصحافيين إبان قضية الكفر والعهر والتطبيع المعروفة خطأ بقضية الوليمة.. حكيت له كيف بدل رؤساء التحرير حديثي كله.. وكيف كان أسامة سرايا بالذات بارعا في الاختلاق.. وكيف أنهم جميعا رفضوا التصويب والتكذيب الذي أرسلته إليهم.. وحكيت لضيفي كيف أنني لا أنسى أربعة نماذج من الصحافيين الذين أجروا معي حوارا أيامها.. أحدهم كانت له علامة صلاة كبيرة.. قلت له أنني أثق فيه بسبب علامة الصلاة تلك.. و لا يخدعنك ضجيج العلمانيين فالأمر ليس حرية فكر و إنما مؤامرة كبرى على العالم الإسلامي لطمس هويته.. إنها قضية دينية نعم.. لكنها قضية أمن قومي أيضا.. و بذل الصحافي من المواثيق المغلظة ما بذل.. لكنه كان أجرأهم في الكذب و أمهرهم في الاختلاق. النموذج الثاني اتصل بي بعد النشر باكيا وهو يقول أنه خجل من نفسه لأن رئيس التحرير غير الحوار كله.. أما النموذج الثالث فكان أكثر انفعالا.. كان يقول لي أنهم بعد أن غيروا كل ما كتبه انهارت أمامه كل الرموز وكل القيم.. و أنه يفكر في الانتحار بالقفز من مكتبه في الدور السابع.. أما النموذج الرابع فقد واصل الإلحاح علىّ أياما متوالية و أنا أرفض بعدما رأيت من حجم الكذب والاختلاق.. لكنني استقبلته أخيرا.. كان صحافيا في مجلة آخر ساعة.. وقرب نهاية الحديث أذن الظهر فدعوته إلى الصلاة لأفاجأ به يقول لي:

- لكنني مسيحي.. فهل يؤثر هذا على نظرتك لي؟..

وقلت له:

- على الإطلاق .. لكنني فقط أسألك و أحيل الأمر إلى ضميرك المهني والوطني.. قضية هم الذين يقولون أنها تتعلق بالإرهاب والتطرف.. أليس من الكياسة أن يتصدى لها صحفي مسلم كي يستطيع مهاجمتي دون هاجس أنه يهاجمني كمسلم لأنه مسيحي.. أسألك.. لماذا أرسلوك أنت بالذات.. لماذا لم يرسلوا صحافيا مسلما فذلك يخدم أغراضهم أكثر ولا يثير من الحساسيات ما أثاره الهجوم الغبي من مفيد فوزي على الأزهر وعلىّ.. لا .. ليس عندي حساسية منك.. بل إن المسيحي المؤمن أقرب إلىّ من المسلم المنافق .. فالمنافقون – وليس المسيحيون ولا حتى المشركون – هم الذين في الدرك الأسفل من النار.. وقلت له أنني لا أريد من دينه شيئا.. لكنني أريده فقط أن يحتكم إلى ضميره المهني.. أن يتصرف كصحافي حقيقي.. و أن يمنع تزوير أقوالي وتلفيقها ونسبة ما لم أقل إلىّ لتشويه صورتي..

ووعدني الصحافي المسيحي بذلك.. بل ووعدني بأنه سيقاتل من أجل ذلك حتى لو اقتضى الأمر أن يهجر مهنة الصحافة كلها..

بعد أيام وجدته يتصل بي قائلا:

- لقد قاتلت كما وعدتك.. ولقد حدث ما توقعته أنت .. 

 وصمت قليلا ثم أردف :

- الحوار لن ينشر.. أصروا على تزويره فغافلتهم واستعدته.. ولن أعطيه لهم أبدا..

*** 

  سألني ضيفي الصحافي:

أمن أجل هذا تهاجم  الصحافة والصحافيين؟..

 وقلت له أنني لم أهاجمهم، بل إنني أدافع عنهم.. لا أهاجمهم إلا إذا اعتبرت تشخيص المرض هجوما على المريض.. لا أهاجمهم .. إلا إذا اعتبرت المجاهدين في العراق وفلسطين هم البغاة.. أما الصليبيون واليهود فحمائم سلام.. ثم أنني لا ألقي الحديث على عواهنه .. إنني أذكر ما يكتبه  صحافيون عن الصحافيين. و أنني بموقفي ذلك أدافع عن الصحافيين الحقيقيين وعن الصحافة الحقيقية.

قلت له : أنت صحافي، وتعرف مدي الامتهان والإذلال الذي يتعرض له كل صحافي من شباب الصحافيين، وأن دونه ودون القيد في النقابة خرط القتاد، وأنه بنفس المنهج الذي ذكرته في الجامعة، فإنه لا يسمح للصحافيين الشرفاء بالمرور من عنق الزجاجة دون موافقة الأمن الذي لا يسمح بالمرور إلا للأشرار المستعدون لبيع كل شئ و أي شئ، لا يسمح الأمن للشرفاء والمجاهدين والأبطال بالمرور، ذلك أن الأمر مع الصحافيين أشد خطرا من الجامعة، لأن صحافيا شريفا متميزا يمكن أن يقلب الدنيا على رأس نظام فاسد، كما أن السماح للشرفاء بدخول النقابة سيقلب موازين القوى ضد عملاء السلطة التي انتقت بعضهم من الحضيض، فرئيس تحرير صحيفة كبرى كان ساعي بريد، و أخر كان موظفا صغيرا في قسم السيدة زينب، وثالث كان "عامل فني سجاد" ورابع كان كواء وخامس كان تومرجيا.. و.. و.. 

قال الصحافي:

- لكن الصحافي لا يقيم بشهاداته..

وقلت له:

- أنا معك تماما في هذا.. ولعلك تعرف من مقالاتي أنني واحد من أشد الناس إعجابا بالعلامة محمود شاكر.. ولم يكن يحمل شهادة جامعية.. كذلك تعلم عن عميق إجلالي لأديب العربية مصطفى صادق الرافعي.. وقد كان كذلك.. ثم أن أشهر وربما أكفأ صحافي عربي هو محمد حسنين هيكل الذي لا يحمل إلا شهادة متوسطة دون أن يشينه ذلك.. كذلك لا يمكن أن أغمط قدر العقاد رغم انتقادي له إلا أنه أفضل ألف مرة من عميد الأدب العربي سارق مرجليوت . لقد كان هذا صحيحا في الماضي، وهو الآن أكثر صحة بعد أن أصبحت أجهزة الأمن تمنح درجات البكالريوس والماجستير وحتى الدكتوراه في الداخل والخارج لمن تشاء من عملائها، وقد كنت مستعدا أن أفهم أن 25% من القيادات الصحافية على سبيل المثال يحملون شهادات متوسطة أو أقل، لكن أن يكون أكثر من 80% من القيادات الصحافية غير مؤهلة، بل ينتقيها أمن الشيطان وحزب الشيطان من الحثالة، الحالة التي ستنفذ للطاغوت كل أهدافه فتجعل الباطل حقا والحق باطلا، وتمارس الكذب بلا حياء، وتنال من الشرفاء وتقدس اللصوص والخونة.

سألت الصحافي:

- أستحلفك بالله أن تحيل سؤالي التالي إلى ضميرك.. أنا و أنت نعرف أن آلاف الصحافيين الشرفاء ينتظرون الانضمام إلى النقابة دون جدوى، و أنهم يخضعون لإذلال وقهر لا يتصور، و إلى اختبارات مروعة على قدرة الصحافي على التدني والتسفل دون حدود ، و أن من يفعل ذلك يسمح له بدخول النقابة، أما من يرفض فإن الأمر بالنسبة له أصعب ما يكون، لا أقول أنه مستحيل لكنه صعب جدا، ومقابل كل شريف يضم إلى النقابة ستجد خمسة على الأقل من الفاسدين.

- عدت إلى مهاجمة الصحافة..

- يا بني.. أنا لا أهاجمها بل أدافع عنها.. لأن المطروحين في الصدارة على الساحة الآن ليسوا صحافيين بل قراصنة استولوا على مقاليد الصحافة التي لن يستقيم أمرها إلا بطردهم..أما الشرفاء فهم مقموعون مطحونون لا يسمح لهم بالكتابة ولا بالظهور.. يا بني لست أنا الذي يقول.. ألم تقرأ فهمي هويدي حين كتب يقول أن هناك  صحفيين مصريين يتلقون مرتبات بشكل منتظم من رجال أعمال وجهات حكومية لنشر موضوعات بعينها. وقد أكد هويدي  أن الفساد نابع من بعض القيادات الصحفية، كما كشف  عن أن هناك "مؤسسة صحفية واحدة تضم 120 شخصا، تجاوز رصيد كل واحد منهم خمسة ملايين جنيه مصري وحرص هويدي على أن يؤكد أن عبارة "الصحفي المليونير" لم تكن واردة في مصر على مدار تاريخها، إلا أن هذه العبارة أضيفت للقاموس خلال السنوات الأخيرة، رغم أن انضمام أي صحفي – كما يقول هويدي – إلى نادي المليونيرات في الظروف العادية لا يمكن أن يتحقق له من أي باب من أبواب الحرفة إذا كان شريفًا بطبيعة الحال. وواصل هويدي قوله أن بعض هذه القيادات حولت الصحف لـ"عزب" خاصة بأسرها، وأن بعض القيادات تحصل على إتاوات عن كل شيء يدخل المؤسسة الصحفية من إعلانات إلى صفحات الوفيات. وأضاف هويدي يقول: إن هناك اختراقا من قبل بعض المؤسسات الأجنبية لبعض المؤسسات الصحفية لتمويل أنشطة مهمة فيها. كما أن بعض المجلات الأسبوعية تنشر حملات صحفية عن مسألة معينة مثل مشكلات الدواء أو فساد الصناديق الاجتماعية، ثم تنشر بعدها إعلانات لهذه الجهات الرسمية تدافع عنها،  وختم هويدي  بالقول: إنه لا يمكن تحميل رجال الأعمال أو الوزارات التي تشتري المحررين كل المسؤولية؛ فهناك محاولة للإفساد، وهناك القابلية للإفساد. وقال من يحاول الإفساد ما كان له أن ينجح في ما يسعى إليه، إلا لأنه وجد أمامه طرفا قابلا للغواية.

سألت الصحافي:

- هل كان فهمي هويدي يدافع عن الصحافة الحقيقية أم يهاجمها؟

ثم واصلت:

- ألم تندهش لاتفاق وزير ثقافة ووزير داخلية في تقييم الصحافيين، فالأول قال أن الصحافيين عنده صنفان: صنف يشتريه بدعوته على العشاء.. وصنف آخر يدفع ثمنه الذي لا يزيد عن عشرة آلاف جنيه.. أما وزير الداخلية الأسبق  فقد قال أن 75% من الصحافيين يحصلون على مرتبات منه.

- إنك تنتقي ما يدين الصحافيين..

- لكنها بأقلام صحافيين.. هل قرأت الكتاب الدامي للصحافي النابه المتميز أحمد عبد الهادي.. كتاب عنوانه "انقلاب في بلاط صاحبة الجلالة".. ولقد تمزق قلبي و أنا أقرأ إهداء الكتاب فهو إهداء يحرق كالنار.. يهديه إلى:  جيل الغضب لعله لا يغفر أبدا أو يسامح.. 

وواصلت قائلا بعد أن أمسكت بكتاب"انقلاب في بلاط صاحبة الجلالة"..  :

- لست أنسى أبدا نزيف المرارة الذي سفحته و أنا أقرأ هذا الكتاب .. وما زلت أذكر  وصف الصحافي القدير طريق البداية:

"  حاربنا في سبيل العثور على فرصة في بلاط صاحبة الجلالة..(...)  وعندما عثرنا على  هذه الفرصة، كانت صدمتنا كبيرة.. التجارة.. والبيزنس.. والجنس..  والابتزاز.. بجوار المقالات التي  تذوب عشقا في الوطن.. صحفيين تحولوا إلى تجار عبيد،  ورقيق أبيض  وآخرين قفزوا على  الساحة بالابتزاز والنصب.. اكتشفنا أننا تحولنا إلى سلعة يتاجر فيها البعض.. اكتشفنا عشرات الأبواب الخلفية،  التي  لابد من المرور بها أولا،  في سبيل الاستمرار.. صحفيين صغار تحولوا إلى طعام في سبيل استمرار الكبار.. صحف احترفت تجارة كل شيء،  بدءا من التهليل والتطبيل والتصفيق لمن يدفع،  وانتهاء بالهجوم المخطط على  كل من تسول له نفسه ورفض مطالبها.. وصحف أخرى تفوح منها رائحة البترول،  والدولارات،  وصحف من عينة مصاصي الدماء..كل شئ أصبح يباع ويشترى.. اختلطت الأقلام الفاسدة بالشريفة،  فكان من الطبيعي أن يتوه كل شئ.. ونتوه  نحن أيضا وسط مدينة نجح كل سكانها في إخفاء وجوههم الحقيقية، خلف أقنعة مزيفة وملابس أنيقة أخفت كل حقيقتهم.. فكان لابد من هذا الكتاب،  الذي يكشف الستار عن بعض أسرار الصحافة المصرية،  وما يدور في الكواليس،  بعيدا عن أعين القراء،  ويكشف بعض من معاناتنا نحن الجيل الجديد في بلاط صاحبة الجلالة..ويكشف أيضا أبعاد الانقلاب الذي قام به البعض للسيطرة على  عرش صاحبة الجلالة. والثورة المضادة التي  حاول بعض الصحفيين الجدد تزعمها،  لتخليص صاحبة الجلالة من بين براثن بعض السماسرة..

قلت للصحافي:

- لست أنا الذي يقول ذلك.. بل يقوله صحافي شريف يدافع عن الصحافة الحقيقية والصحافيين الحقيقيين ويؤكد أن الموجود الآن في الساحة ليست الصحافة بل الانقلاب على الصحافة..

ثم واصلت القراءة:

" كانت صدمتي بحق قوية.. صحفي شاب في مقتبل العمر لا يزال في بداية الطريق،  احترف البغاء الصحفي.. احترف النصب وتزوير الحقائق وقلبها رأسا على  عقب،  من أجل حفنة جنيهات.. لا يمانع في الرقص مع الشيطان طالما أن ذلك سينتهي به إلى ما ينشدة.. (...) .. في عش الدبابير،  تصطدم بوقائع وحسابات أخرى،  تختلف عن كل الحسابات المعتادة.. التجارة السياسية الممنوعة.. تصفية الحسابات بين الأشخاص والدول.. وبين البعض والدولة،  من خلال استغلال صغار الصحفيين.. ولا يهم النتيجة أو الثمن،  المهم ماذا تحقق وما هي النتيجة؟" ..

ثم وجهت حديثي إلى الصحافي في مرارة:

- أنت انضممت إلى النقابة وحققت جزءا من أمنك الاقتصادي لكن تذكر زملائك الذين لم ينضموا بعد.. زملائك الذين يصفهم زميلك أحمد عبد الهادي في مرارة ذابحة صارخة: وافقنا على  الاستمرار في العمل ( دون مرتب ..م ع )  على  مضض،  لحين العثور على  فرصة أخرى.. وهمس زميل في أذني : "اعمل زيي وأنت لا تحتاج لأي مكافأة" .. " مش فاهم" .. " استغل الجريدة في نشر قضايا الناس بالفلوس".." وحياتك برضه مش فاهم".." اللي عايز ينشر قضيته أو أي شكوى تخصه يدفع خمسين جنية.. . فيك من يكتم السر.. أنا أتقاضى من هذه الطريقة،  أكثر من ألف جنية شهريا".. "..لكن ده اسمه استغلال ونصب "..


كان الصحافي قد تخلي عن تحفزه وهجومه.. وبدا أنه يري أبعاد الكارثة.. كان يدركها ولكنه يتجاهلها.. لكنني أضعها الآن أمامه و أواصل القراءة من كتاب الصحافي أحمد عبد الهادي:


عفوا ستبدو  صاحبة الجلالة هذه المرة عارية تماما،  لا يستر جسدها ثمة ملبس.. إنها قصص ومآس وحكايات شباب الصحفيين،  اختلطت بالعرق والدموع والدماء.. اعترفوا بها فوق أوراقهم التي  لا يملكون زادا من الحياة سواها.. وبعضهم كشف جزءا آخر من ملابس صاحبة الجلالة،  لتبقى في النهاية مجردة من كل ملابسها.. إنها مواقف عاشها البعض أثناء رحلتهم.. أبطالها أحياء يرزقون.. الشخوص حقيقية.. الأحداث كذلك.. والأسماء واقعية لم أقترب منها بقلمي.. وكل شيء كما هو بلا زيف أو رتوش.. مثلما هو في كل صفحات هذا الكتاب..فقط بعد قراءتها سوف نكتشف جميعنا،  أننا أصبحنا في مواجهة أنفسنا..  وأن هناك أيضا سوق جديد للعبيد والنخاسة صنعة البعض،  وساهمنا فيه جميعا بقصد أو بدون قصد

نعم لقد رأيت بعيني رأسي صحفيين كل مهمتهم في جرائدهم هو لعق حذاء رئيس التحرير،  حتى يتم تعيينهم ودخولهم نقابة الصحفيين،  لنفاجأ بهم بعد ذلك رؤساء تحرير علينا في جرائد أخرى،  أما من يتعفف ويحفظ كرامته ويقوم بالعمل على  خير وجه وبكل ضمير،  يتم لفظة خارج ( الشلة ).. فالجرائد الآن تسير بنظام ( الشللية)، كأن يأتي رئيس التحرير ( أحيانا ) بأخوته ومعارفه وأصدقائه،  وهم لا يفقهون ما هو الفرق بين الجريدة وورقة اللحمة.. هكذا سقطت القيم،  وأصبح الصحفي الكبير هو من يستطيع أن "يسلك " مصالحة بجميع الطرق الملتوية.

 

ثم يعرض أحمد عبد الهادي بعض نماذج من صحافيي السلطة والنظام:


" ..أحمد جنيدى بدأ حياته ساعي في صحيفة معارضة.. ونجح في التودد إلى رئيس التحرير،  وتملقه ونافقة.. وبدأ الكل يخافه ويخشاه خاصة،  عندما أقنع الجميع أن هناك صلة قرابة تربطه برئيس التحرير.. وأخذ يفرض سطوته على  الصحفيين،  الذين كان يجبرهم على  إعداد الموضوعات الصحفية  والأخبار الهامة له.. وخلال سنوات عملة بالجريدة،  نجح في الحصول على  الشهادة الجامعية،  ونجح في الاقتراب أكثر من رئيس التحرير.. وصدر قرار بتعيينه وحصل على  عضوية نقابة الصحفيين.. وحصل على  إجازة بدون مرتب وبخدعة محبوكة الأطراف،  وتوسيط بعض المعارف،  تولى رئاسة تحرير صحيفة حزبية لسان حال أحد أحزاب المعارضة.. ولأن رئيس الحزب تجاوز الخطوط الحمراء المقررة،  فقد تم دعم جنيدى ومساعدته،  حتى أطاح برئيس الحزب وجلس هو مكانه  وجنيدى الذي لا يعرف حتى الآن أبجديات العمل الصحفي،  وأصول الإملاء،  وألف باء السياسة،  يقوم برسم مستقبل مصر السياسي والإعلامي،  ويكتب المقالات التي  تتصدر صحيفته.. ويشارك في اجتماعات الأحزاب والقوى السياسية.. والاجتماعات التي  يعقدها رئيس الجمهورية مع القيادات السياسية.." 


ثم يتحدث أحمد عبد الهادي عن مهزلة الانضمام إلى النقابة:  


 و كان رئيس لجنة القيد بنقابة الصحفيين آنذاك يرفض قبولنا هو والكثير من أعضاء مجلس النقابة كأعضاء في النقابة،  رغم استيفائنا كافة الشروط،  ورغم وجود أوراق تعييننا في النقابة منذ سنوات طويلة.. فيما كان يتم قبول عضوية المئات من الصحف القومية.. قال البعض،  أنها تعليمات عليا حتى لا تتزايد أعداد صحفيي المعارضة بشكل قد يخل بالتوازنات داخل النقابة،  وبالتالي لا تستطيع الحكومة التحكم في الأمور داخلها.. واندهشنا فقد كان مبلغ علمنا أن هذه النقابة هي الوحيدة التي  لا يمكنها أن تخضع لسلطان أي توجه،  حتى لو كان هذا التوجه حكوميا.. ثم مالنا نحن وهذه التوازنات؟.. وزعم أعضاء مجلس النقابة أن لدينا مشاكل مالية وإدارية بالجريدة،  ولابد من حلها أولا.. وتم حل كل ما يزعمون من مشاكل.. ورفضوا عضويتنا رغم ذلك،  في حين كانوا يقبلون مئات الصحفيات ذوات الوجوه الجديدة اللاتي لا عهد لهن بالصحافة من الأصل،  حتى أننا حصلنا على  قائمة كاملة بأسماء فتيات يعملن سكرتيرات في مكاتب رؤساء بعض المؤسسات القومية،  ورغم ذلك تم قبولهن أعضاء في نقابة الصحفيين فيما تم طردنا شر طردة.. واعتصمنا بالنقابة.. وأضربنا عن الطعام.. ولم يستجب إلينا أحد.. نحن الذين ندافع عن المقهورين فشلنا في الحصول على  أبسط حقوقنا..


كان الصحافي – ضيفي-  قد استسلم لحالة من الإحباط والصمت، ورحت أواصل الأجزاء التي وضعت تحتها الخطوط أثناء قراءتي للكتاب أول مرة.. رحت أقرأ له تفاصيل عن إغلاق صحيفة الشعب وكيف تم.. كما رحت أقرأ له كيف يمكن إصدار صحيفة لا تصادر: 

يقول الصحافي أحمد عبد الهادي:


- تم اختيار حمدي غنام بعناية فائقة،  لمتابعة وتغطية أخبار وزارة الكهرباء والمعروف في الوسط الصحفي كله،  ولا يعرفه القراء،  أن المهندس ماهر أباظة وزير الكهرباء كان ينفق حوالي 3. % من ميزانية وزارته،  على  الإعلانات التي  تستفيد منها كل الصحف القومية والمعارضة والمستقلة،  مقابل عدم الكتابة ضده أو ضد وزارته أو أحد من رجاله.. ونجح أباظة في استقطاب كل الصحف والصحفيين من حوله،  ولم يكتب ضده صحفي واحد طيلة وجودة في الوزارة..(..)..

وكان الأمر فاتحة خير لحمدي غنام،  الذي كان يعود بالإعلانات من وزارته أسبوعيا والتي  يحصل على  ربع قيمتها عمولة،  رغم أن قانون نقابة الصحفيين يحظر تعامل الصحفي في الإعلانات،  حتى لا يتم إجبار الصحفيين على  جلب الإعلانات.. لكن غنام كان يضرب بالأمر عرض الحائط،  فقد كان يقف خلفه رئيس التحرير.. وكان الكل على  علم بأن هناك رؤساء مؤسسات قومية،  يتقاضون عمولات بالملايين من الإعلانات التي  تأتى عن طريقهم.. والتزم الجميع الصمت إزاء ما يحدث  لم يكتف حمدي بما يتقاضاه من عمولة،  بل راح يقوم بتزوير توقيعات وزير الكهرباء على  أوامر نشر الإعلانات لصحف عديدة،  طمعا في المزيد من العمولة.. وتم اكتشاف الأمر.. وصدر قرار بطرده من الجريدة.. فسخر من القرار قائلا :

- طظ 

- يعنى مش زعلان ؟

- أزعل ليه إذا كنت فهمت أصول اللعبة ؟

ولم أفهم لحظتها ما يرنو إليه بكلماته إلا عندما اشترى حمدي ترخيص جريدة من قبرص بألف جنيه.. وقرر إصدارها في مصر.. وقلت له: 

- الأمر ليس بهذه السهولة التي  تظنها

- ليه ؟

- يابني..  سيتم التعامل مع جريدتك باعتبارها صحيفة أجنبية..وستظل تحت سيف الرقابة في كل عدد.. ومن السهل مصادرتها في أي لحظة

- هه.. ! مع أمثالك يحصل الكلام ده.. أما واحد فهم اللعبة،  مش ممكن..

- يعنى هتعمل إيه ؟

- أبدا.. صورة لوزير الإعلام ووزير الداخلية في الصفحة الأولى،  وأسفلها خبرين حلوين عنهما.. وفي أعلى  الصفحة الأولى خبر بارز عن الرئيس.. بكده تنتهي الحد وته،  وتمر الجريدة من الرقابة في كل عدد . و....جريدة حمدي غنام تصدر منذ عدة سنوات في انتظام ومليئة بالإعلانات.. ولم يتم مصادرة عدد واحد منها حتى الآن (...)   وكان يشن الحملات الصحفية الضارية ضد بعض رجال الأعمال،  ثم يرسل لهم بعض الصحفيين للتفاوض معهم،  ومساومتهم،  لوقف حملاته مقابل دفع مبالغ مالية باهظة.. ولا مانع من تسخير الصحفيين لإعداد حملات صحفية تسبح بحمدهم إذا لزم الأمر(...)  ونائب رئيس التحرير قام بتحويل مبالغ مالية طائلة،  أرسلتها إحدى دول الخليج للصحفيين بجريدته تقديرا منها لدورهم في دعم بعض القضايا العربية،  إلى جيبه الخاص (...)  وأخيرا أصبح صاحب جريدة مستقلة.. وسيارة فارهة.. وشقة فاخرة..  وموبايل.. و..و.. وكلما بزغ نجم صحفي في الجريدة قصم ظهره.. وكلما جاءت صحفية جديدة إلى الجريدة،  يضمها إلى حريمه الخاص،  وإلا فالشارع مصيرها.. وفي مكتبه تجد الجنس.. بجوار الحشيش.. بجوار مقالاته التي  تذوب عشقا في الوطن (...)

*** 

قلت لضيفي الصحافي:

هل تريد المزيد.. بل هل تحتمل المزيد.. وهل ما زلت على اتهامك لي بأنني أهاجم الصحافة.. أم أنك أدركت معي أن الصحافة – ككل مؤسسات الدولة – سفن استولى عليها قراصنة علينا أن نطردهم منها.. وبطردهم نحمي الصحافة والصحافيين. نعم.. علينا أن نستعيد سفننا ففيها أبناؤنا و إخوتنا.. أما من تزعم أنت أنهم صحافيين .. وأنني أهاجمهم فليسوا صحافيين و إن حملوا بطاقة النقابة إنما هم قراصنة لو طبق عليهم القانون العادي لحكم عليهم بالسجن.. ليس بسبب قضايا سياسية بل بسبب الرشوة أو التربح أو الاختلاس أو الابتزاز..

 هل تريد المزيد.. بل هل تحتمل المزيد .. هل تريد مني أن أحكي لك عن (...).. الذي كان سائقا فعين صحافيا..  أو عن الصول (...) الذي عين أيضا صحافيا..أم رجل الأمن وبطل المصارعة (...) الذي عين صحافيا لأنه كان بلطجيا يهدد أعداء رئيس التحرير.. أم عن (...) الذي عينه رئيس التحرير ( بل أقرب رؤساء التحرير إلى قلب الرئيس ) عينه صحافيا بعد الحكم النهائي عليه بالسجن ثلاثة أعوام.. أما الاتهام فكان تسهيل دعارة.. وما زال ذلك الصحافي يعيش في كنف الصحافي الكبير لا يجرؤ أحد على المساس به لتنفيذ الحكم.. هل أحدثك عن (...) أقرب رؤساء التحرير إلى رئيس سابق .. وكيف فتح شقته دار بغاء لأصدقائه الإسرائيليين.. هل أحدثك عن خطف الزوجات والاغتصاب والإرغام على التطليق....

وقاطعني الصحافي بعد أن بلغ به الإحباط كل مبلغ:

- كل ما تقوله صحيح.. بل إنك أثرت مواجعي .. ولقد ذكرتني بالصحافي (...) الذي كان مثلي الأعلى فإذا به ينقلب على فكره كله وعلى ماضيه كله مقابل وظيفة مرموقة في الحكومة.. 12 ألف جنيه شهريا كافية للقضاء على كل المبادئ والمثل.. 

 وبدت نظرة حائرة بائسة في عيني الصحافي وهو يقول :

- الحقيقة أنني اكتشفت انعدام المثل.. ولكن هذه العيوب عيوب المجتمع كله.. فلماذا تركز على الصحافيين..

- لكنني لم أركز على الصحافيين.. رغم أنهم يستحقون  التركيز عليهم لثلاثة أسباب: السبب الأول خطورة تأثيرهم ودورهم في التأثير على الأمة.. ذلك أن خطأ الفرد لا يصيب إلا الفرد أما زلة العالِم فيضل بها عالـَم.. والثاني هي قلة عدد الصحافيين.. فلو أن عشرة آلاف انحرفوا في نقابة الأطباء أو المهندسين أو المعلمين أو التجاريين أو المحامين  على سبيل المثال لما شكل هذا العدد أكثر من 2-10% من تعدادهم.. أما في نقابة الصحافيين فإن انحراف ألفي صحافي يعنى انحراف 50% من الصحافيين.. أما السبب الثالث فهو سبب يقتصر على الصحافيين.. ذلك أن كل المهن الأخرى لها جذور عميقة في الواقع والتاريخ.. فلو أن الجيل الحالي من الأطباء فقد أخلاقياته فلدي الأجيال القادمة أجيال خلف أجيال تستطيع أن تعود إليها لتستعيد أخلاقيات المهنة وتقاليدها.. أما في نقابة الصحافيين فإننا لا نملك إلا عددا محدودا جدا من الأجيال.. ولا تنسي أن بعض الأحياء الآن قد عاشوا تلك الفترة التي لم تكن فيها شهادة الصحافي أو مصاهرته تقبل.. بعد ذلك جاءت أجيال كان فيها من الصحافيين  العظماء من كان.. لكن أغلب الموجودين لم يكونوا عظماء..  كانوا عملاء للقصر أو السراي.. ثم جاءت الثورة كتسونامي  دمر الأمة.. حيث تم تنحية جيل كامل من الشرفاء كآل أبو الفتح وتم في نفس الوقت تقريب المخبرين والخدم.. وبعض ذوي الموهبة كمحمد حسنين هيكل والأخوين أمين.. كان جمال سالم يطارد الصحافيين ويضربهم بالحذاء.. لكن ذلك لم يكفي فتكفل السجن والتعذيب الحيواني البشع المجنون بعملية الترويض.. استبعد الإسلاميون تماما فقد كان استبعاد الإسلاميين من الساحات جميعا مطلبا أمريكيا مقابل استمرار الثورة.. وتم التركيز على الشيوعيين الذين حلوا حزبهم بعد أن فقدوا الثقة في كل شئ.. كانوا قبل دخولهم السجن قد فقدوا الإيمان بالله.. وبعد دخولهم فقدوا الإيمان بالإنسان أيضا.. أحدهم.. وكان رئيس تحرير كبير كان يسب نفسه سبابا مقذعا أثناء التعذيب مقسما بأغلظ الأيمان أنه مستعد للقيام بدور الخادم بل القواد للسادة الحكام .. وفعلا أفرج عنه مع باقي الشيوعيين وأوكل إليهم أمر الصحافة كلها.. وقام كمعظم زملائه بالدور الذي وعدوا به.. دور القواد والخادم.. وارتفعت أسهمهم كثيرا.. إلا أن ذلك لا يعني أن كل الشيوعيين كانوا كذلك.. هناك القليلون منهم صمدوا واحتفظوا بنقائهم وقيمتهم.. لكن من هذا الصنف الشاذ المروض نبتت أعراف شديدة الشذوذ تنتشر الآن في الوسط الصحافي.. يقاومها بعض الشرفاء .. لكن الدولة تشجع كل شذوذ وانحراف كأب سافل يحرض بناته على البغاء.. إن نموذج الصحافي الذي تشجعه الدولة لا يبحث عن حقيقة أو قيمة أو خبر صادق.. إنه يسعى لإحداث فرقعة أو تدبير فضيحة قد تقربه من ذوي السلطان.. ومن هنا انتشر ما أسميه بصحافة عادل إمام ومحمد هنيدي.. منتهى السطحية والجهل.. الاعتماد على " القفشات والمفارقات" .. تحويل الحوار مع الطرف الآخر إلى استجواب من ضابط جلاد إلى ضحية معتقل.. محاولة تحطيم صورة الرموز.. والنيل من هيبتهم.. والسخرية منهم..  و إهدار قيمة الشرف.. وذلك كله لا يحدث إلا لتحقيق ما تراه الآن.. ألا تري على القمة إلا الطاغوت.. أما الآخرون جميعا فقد تم النيل منهم إن لم يكن بتحطيمهم فبتلويث سمعتهم..على أن الطريق الأمثل والأقصر والأقرب إلى قلوب الحكام هو الجرأة على الدين..

- الحقيقة أنني لا أستطيع أن أرد عليك.. فكل ما تقوله صحيح .. لكنني ما زلت أسأل: لماذا الصحافيون فقط..

- لا.. لم يقتصر الأمر على الصحافيين.. لقد كتبت الكثير جدا عن ضباط الشرطة.. عن القضاء وعن النيابة وتواطؤها مع الشرطة حتى أدى الأمر إلى صدام علني عنيف على صفحات الصحف بيني وبين النائب العام الأسبق.. ولقد كتبت عن القضاء كثيرا.. وفي مقالات متعددة أذكر منها صرخاتي مع المستشار الجليل يحيى الرفاعي.. حين نقلت صرخاته في مقال لي كانت عناوينه : " المستشار يحيى الرفاعي شيخ القضاة في مصر والعالم العربي ينعى استقلال القضاء والوطن ويعلن: " نظام الحكم  تجرد من مشروعيته في نظر العالم أجمع" .." المؤسسات القضائية تبدو كمجرد مرافق إدارية تابعة للسلطة التنفيذية"...." التبعية الإدارية التدريجية في النيابة العامة تسحق إرادة المرؤوسين فيها".." ضاعت سمعة القضاء المصري في نظر العالم أجمع حتى صرنا مضغة في الأفواه" .."وزير العدل يعبث عبثا ليس له أي أصل من شيم قضاء مصر"..

ولقد كتبت عن  قاضي الجنح الذي  ينظر أكثر من مائتي قضية في ثلاث ساعات.. أقل من دقيقة لكل قضية.. فإذا احتسبنا وقت النداء على المتهمين والشهود والمحامين لتقلص الوقت لأقل من نصف دقيقة لكل قضية‍‍ !!.. نصف دقيقة قد تدمر مستقبل الفريسة التي وقعت في البراثن..  وكنت أدرك أن النظام الفاسد يضع القضاء في ظروف مستحيلة كي ينشغل بنفسه من ناحية، ومن ناحية أخري فهم يطعنون جوهر العدالة نفسه بإثبات أن تطبيقها مستحيل. وكتبت أيضا عن النيابة ما جعلني أسترجع ما جاء في حيثيات حكم قضائي أنها أصبحت كالشرطة سواء بسواء.. بل وأزعم أنني فسرت الحديث النبوي الشريف: قاض في الجنة وقاضيان في النار تفسيرا جديدا حين قلت أن ذلك لا يعني أن ثلث القضاة في الجنة وثلثيهم في النار.. فالتمييز هنا بين القضاة تمييز نوع لا تمييز عدد.. كقولك أن للتفاح في هذه المزرعة ثلاثة ألوان: لون أحمر ولون أصفر ولون أخضر.. فإن ذلك لا يعني أن ثلث التفاح أصفر وثلثه أحمر وثلثه أخضر.. بل قد يكون الكل أحمر إلا تفاحتين واحدة صفراء والأخرى خضراء.. فالحديث إذن لا ينبغي أن يطمئننا أن ثلث القضاة قضاة عدل.. وقد يكون الرقم أقل بكثير..

قال الصحافي:

- لكنك لم تهاجم الأطباء.. ربما لأنهم زملاؤك.. رغم أنني أعددت تحقيقات كثيرة عن جرائم الأطباء ومنها سرقات الكلى المنتشرة في المستشفيات الخاصة..

- لقد تابعت بعض تلك التحقيقات.. ومن المحزن أنكم فضلتم فيها الإثارة والتسطيح عن البحث عن الحقيقة.. مرة أخرى صحافة عادل إمام ومحمد هنيدي.. صحافة القفشات والفضائح.. ألم يكن حمدي السيد ضيفا في أحد تلك التحقيقات.. ألم يدل الرجل برأيه كعالم وخبير وطبيب باستحالة حدوث ذلك.. وأن الأمر لا يخرج عن محاولة من باع كليته للحصول على مزيد من المال ممن اشتراها منه.. أما عن دخول المريض إلى المستشفى ليكتشف سرقة كليته فهو افتراء أسوأ ما فيه الكذب و إغفال الكوارث الحقيقية مقابل كوارث متخيلة..

- ها أنت تدافع عن الأطباء..

- لا .. أصبر قليلا.. إن الكوارث الحقيقية التي يشملها عالم الطب في بلادنا أخطر ألف مرة مما تقول و إن كان صحيحا.. فما بالك إذا كان ما تقوله عن سرقات الكلى خطأ.. اصبر .. فالكارثة أكبر مما تظن.. قبل عام 65 كانت شهادات الطب المصرية معترفا بها في العالم كله كشهادات انجلترا و أمريكا.. الآن .. حتى الدول العربية لا تعترف بالشهادات المصرية في الطب.. لقد كانت السياحة الطبية قادرة على جذب استثمارات و أرباح تفوق دخل قناة السويس.. لكن سيادة الجهل والسرقة حولت الاستثمار إلى استحمار..ولقد عشت ورأيت أصغر المستشفيات في مصر لديها من الإمكانيات أكثر من المستشفيات الكبرى في السعودية على سبيل المثال.. ثم عشت ورأيت مدى تخلف أكبر مستشفياتنا أمام المستشفيات السعودية.. ولقد عشت ورأيت المرضى العرب من كل مكان يأتون للعلاج في مصر ..ثُم عشت ورأيت المرضى المصريين يذهبون إلى جدة وعمان والرياض للعلاج.. إن الوضع الطبي في مصر كارثة لا يمكن أن تتخيلها.. إن الجامعة بما فيها من كوارث معظمها بسبب سيطرة الأمن هي التربة التي تنبت فيها النبتة المشوهة للطبيب، حيث انعدمت تقريبا العملية التعليمية، وتحول أعضاء هيئة التدريس إلى مدرسين يقدمون الملخصات لطلبتهم مقابل آلاف الجنيهات ( في الستينات كان منهجنا الدراسي وكتبنا هو نفس المنهج والكتب التي تدرس في كلية طب  لندن).. الآن يدرسون من ملخصات ملخصات الملخصات لتكون أرواح الناس أمانة في أيديهم بعد ذلك..وحيث تخضع النتيجة لرأي الأمن، ليس لاستبعاد الإسلاميين فقط، بل لمنح ابن ضابط أو ابنة محافظ الدرجات الأولى.. وبديهي جدا، أن الأستاذ الذي يرضخ لطلبات كهذه لرجال الأمن، الأستاذ الذي يمنح الدرجات العليا لأبناء الضباط والمسئولين، سيجد أنه بصورة أولى أن يمنح هذه الدرجات لأبنائه و أبناء زملائه. كل هذه العيوب تتكرر في شهادات التخصص، ليكون التزوير والغش هو القاعدة وما دونها استثناء، كل هؤلاء سوف يجدون رئيس جامعة لص اختاره وزير لص، و عمداء بلا ضمير و أساتذة بلا علم.. ثم نأتي بعد ذلك للممارسة.. إن آلاف المرضي يموتون سنويا بسبب جهل الأطباء وبسبب عدم توفر فرص التدريب.. وآلاف من المرضى يموتون بسبب عدم وجود العلاج.. و آلاف من المرضى يموتون ليس بسبب عدم التعقيم بل بسبب أن المياه التي يتم التعقيم بها مختلطة بماء المجاري.. كما أن عددا لا يعلمه إلا الله يموتون بسبب استيراد أدوية مغشوشة بعد دفع عمولات هائلة، أو بسبب استعمال المريض المصري كحيوانات تجارب لأدوية لم يصرح باستعمالها في بلادها. ثم يأتي بعد هذا كله دور الفساد المباشر.. دور شراء أجهزة طبية معطلة أو ناقصة.. ولقد كتبت قبل ذلك عن معلومات يقينية من هنا وهناك.. أحدها كان يتعلق بمستشفى اشترى أجهزة تنفس صناعي دون جهاز الإنذار الخاص بها ( مقابل عمولة ضخمة للتغاضي عن عدم وجوده).. وفائدة جهاز إنذار أنه يطلق صفيرا عاليا عند توقف الجهاز لأي سبب خاصة أن هذا الجهاز يستعمل للحالات الحرجة عندما يكون المريض مخدرا أو في غيبوبة.. والذي حدث أن مريضين ماتا في ليلتين متتاليتين لأن الجهاز توقف مرة وانفصلت أنابيبه عن المريض مرة أخرى.. وفي الحالتين مات المريضان.. وقامت المستشفي بتكهين الجهازين.. إنني لا أتحدث عن وقائع منفصلة و إنما عن قواعد عامة ودونها استثناء.. أتكلم عن إهدار ملايين الجنيهات في تزيين المستشفيات للسيد الوزير اللواء المحافظ بينما الأساسيات كمطهر أو ضمادة أو حقنة بنسلين غير موجودة.. ولقد تحدثت في مقالات سابقة كيف أن "التهريج " الصحي بإعطاء حقن الطرطير لعلاج البلهارسيا دون تعقيم قد أدي إلى إصابة ملايين المصريين بالالتهاب الكبدي الوبائي ومن ثمة بسرطان الكبد.. كتبت عن السرقات التي تقوم بها المستشفيات الخاصة للمرضى.. تحدثت عن انهيار القيم بين الأطباء.. فالذي باع ضميره في الجامعة.. ماذا يمنعه من بيعه خارجها.. تحدثت عن العمولات والرشى.. تحدثت عن جهات حكومية كبري ترغم المراكز الطبية على أسعار لا يمكن أن تكون معقولة.. و لأنها غير معقولة فلا بد أن تخفي خلفها سرقات من نوع ما.. وفي مثال لذلك.. فإن حقنة معينة سعرها الرسمي 285 جنيها .. لكن الجهة الحكومية الكبرى اشترطت على المراكز الطبية تقديمها بسعر خمسين جنيها..!!.. وكان الأمر فادحا وواضحا وبينا..إما أن الخمسين جنيها تصرف دون إعطاء الحقنة أو أن هناك سرقات تعوضها وتزيد.. سرقات يرغم عليها الضحايا ليهلل لها صحافيو الإثارة الرخيصة.. سرقات يقع فيها الصغار.. أما الكبار فيظلون بمأمن.. هل تتصور كم الرشاوى التي تدفع للتصريح لدواء جديد.. هل تعرف السر الخفي وراء عدم التصريح للفياجرا لمدة أربعة أعوام  بعد أن صرح بها العالم كله بحجة الحرص على صحة المصريين- المصريين الذين تشبعت دماؤهم بالكيماويات والمسرطنات-  هل تعرف كم كسب المهربون من منعها.. وهل تعلم من هم هؤلاء المهربون.. هل تعلم سر التصريح بالحبة الصفراء لعلاج الالتهاب الكبدي الوبائي والتي لم يصرح بها في معظم بلاد العالم ويذهب العديد من خبراء الكبد أنها نصب واحتيال .. هل تعرف سر اهتمام صحيفة الأهرام بها.. وهل تعرف شيئا عن عشرات الملايين التي حصل عليها وكيل استيرادها.. وهل تعلم من هو هذا الوكيل؟ هل تعلم كم العمولات التي تدفعها شركات الأجهزة الطبية لكي يصدر في مصر قانون فريد في العالم بمنع استيراد الأجهزة الطبية المستعملة حرصا على صحة المصريين !! بينما هذه الأجهزة المستعملة تباع في العالم كله وعلى رأسه أمريكا كلها وكندا و أوروبا كلها واليابان و آسيا.. لا أعلم دولة في العالم منعت استيرادها سوي مصر رغم أن استيرادها كان يوفر مئات الملايين ويرفع من مستوى الخدمة الطبية .. لكنه لم يكن يقدم رشوة إلى مسئول هنا أو موظف هناك.. وعلى الرغم من ذلك .. فإن استيراد هذه الأجهزة لم ينقطع.. لكن بعد دفع الرشاوى الهائلة.. 

هتف الصحافي الضيف مروعا:

- يا إلهي..

وواصلت:

- يسعد صحفيو عادل إمام ومحمد هنيدي بالتنكيل بطبيب ضبط متلبسا بالرشوة هنا.. أو بالسرقة هناك.. أو بتزوير درجات ابنه..أو بعملية جراحية يخطئ فيها..  يسعدون بالإثارة والفضيحة..يسعدون ببعض الماء الذي أدي إلى انزلاق فرد  ويغفلون عن الطوفان..  فتلك كلها جرائم موجودة في أي مكان في الدنيا.. ولكنها استثناء.. في بلادنا تكاد تصبح قاعدة.. الخطر ليس ذلك.. الخطر في عمومية التهريج وانعدام الخبرة وموت المرضى بسبب القصور والجهل والإهمال..

- يا إلهي.. يا إلهي.. ألا يوجد في مصر طب إذن؟!..

- يوجد القابضون على الجمر.. وعددهم – والحمد لله-  ليس قليلا لكنهم ليسوا أغلبية بأي حال..  والأسوأ أنك لا تستطيع أن تميزهم من سواهم خاصة أن شبكات الفساد تجعل التلفاز والصحف تروج دائما للطبيب الفاسد الذي يدفع لها.. نعم..  بالرغم من ذلك كله يوجد القابضون على الجمر.. يوجد من أظن أن لهم أجر المجاهدين إذ يقاومون هذا الفساد كله وهذا الدنس كله.. إلا أنني أحذرك من أن صحافة الإثارة تخدم هذا الفساد.. لأنها تركز على جرائم خيالية ( كسرقة الكلى) فتجذب الانتباه عن الجرائم الحقيقية.. وتقدم الجرائم المتوهمة إلى المحاكم فتحكم بالبراءة فيغرق الناس في الإحباط.. لأن هذه الجرائم المرعبة التي ظلت الصحافة تتحدث فيها شهورا قد انتهت في المحكمة إلى البراءة.. لا جدوى إذن .. والفساد أقوى من أن يقاوم حتى بالمحاكم.. وكل ذلك باطل.. بدأه صحافي لم يتحر الحقيقة لأنه لم يتعلم ذلك ولم يتعود عليه .. صحافي  من صحفيي عادل إمام ومحمد هنيدي..

*** 

قلت لضيفي:

- هل تريد المزيد؟!!

- نعم.. لكنني أرجوك و ألح في رجائي أن تسمح لي بتسجيل باقي الحديث..

- لا .. و أرجوك لا تقطع حبل أفكاري.. إنني إذ أتحدث عن الفساد لا أقصد جهة معينة أو هيئة محددة.. لا أقصد الجامعة أو الصحافة أو القضاء أو الطب أو الصناعة أو الزراعة أو الأمن أو الجيش أو السياسة أو الاقتصاد.. لا أقصد أيا من ذلك وحده.. بل أقصدها جميعا..في سيمفونية مرعبة للفساد لا يمكن أم تتم اعتباطا..  و أصرخ في الناس أن هذا الفساد الكلي الشامل أمر ضد طبيعة الأشياء وضد طبيعة المجتمعات.. هذا الفساد لا يمكن أن ينتشر بهذه الطريقة إلا بوجود مؤامرة كبري تستفيد منها نخبة خائنة يرأسها طاغوت باع  كل شئ.. بل إنني أقول لك أن وجود هيئة واحدة صالحة في المجتمع   كفيلة بإصلاح المسار.. لو أن الصحافة سلمت لكشفت كل ذلك.. ولو أن القضاء سلم لعاقب عليه.. ولو أن الشرطة سلمت لتحرت عنه.. ولو أن النيابة سلمت لأحقت الحق وبرأت البريء و أدانت المتهم.. ولو أن الجامعة سلمت لأصلحت كل ذلك.. الأمر أخطر بكثير جدا مما تظن.. وفكرة القرصان الذي استولى على سفينة لا تقتصر على النخبة.. بل كل صحيفة سفينة استولى عليها قرصان.. وكل مستشفي وكل معهد وكل جامعة وكل قسم شرطة..و..و... كل ذلك سفن استولى عليها قراصنة.. نحن لا نواجه النخبة الحاكمة بل نواجه الهكسوس.. نواجه احتلالا أشد قسوة من الاحتلال الإنجليزي والإسرائيلي.. ومثل هذا الاحتلال لم تخرجه المفاوضات ولا المظاهرات المحدودة الحريصة على أمن أعضائها.. ولكن بمن ستخرج مثل هذا الاحتلال؟.. بتلك النماذج المريضة التي حدثتك عنها.. هل يستطيعون؟.. وهل لدينا الأعداد الكافية من القابضين على الجمر؟!..

وواصلت قولي لضيفي:

- أنت صحافي،  لذلك لا داعي أن أقص عليك ما نشرته صحيفة العربي عن كتاب ضابط الشرطة العميد محمود قطري  الذي قضى في الخدمة 24 عاما يجيب ربما للمرة الأولى – كما تقول صحيفة العربي- عن السؤال الذي أظن أنه يحير كل مواطن في هذا البلد، وهو: لماذا يتحول ضابط الشرطة من بنى آدم لحم ودم إلى وحش ينتهك أعراض المصريات في الشوارع وفى أقسام الشرطة وفى سلخانات أمن الدولة والسجون وفى كل شبر يتحكم فيه أباطرة الداخلية .. فما الذي يجعله يمارس التعذيب والقتل لمواطني بلده الذين يدفعون مرتبه من عرقهم وكأنه يشرب قهوة الصباح ..  والكتاب بعنوان اعترافات ضابط شرطة في مدينة الذئاب - وطبعا صادرته وزارة الداخلية- لا يقف عند حدود الوقائع التي سردها ولكنه يحاول دائما التركيز على الآليات التي يستخدمها قادة الداخلية ووزيرها لإنتاج وحوش على خلق الله وعبيد تحت أقدامهم .. كتاب يكشف الآليات التي جعلت الضابط مظلوما إلى حد لا يتصوره عقل وظالم إلى حد لا يخطر على بال .. إنه العالم الخفي للداخلية والذي وصفه المؤلف بجملة بليغة: مستنقع للظلم، الكبير فيه يظلم الصغير والقوى يفترس الضعيف وهؤلاء يفترسون المواطنين. 

- لقد قرأت ما نشر عن الكتاب..

- لا داعي إذن للخوض في تفاصيله.. لكنني أذكرك بما كتبته أنا من أعوام عن ضابط آخر هو العميد حمدي البطران وكتابه يوميات ضابط في الأرياف والذي كشف فيه كيف يقوم رجال الشرطة بالتزوير والتعذيب والقتل بدم بارد والاستيلاء على ممتلكات ضحاياهم كغنائم.. وتحدثت أيضا عن مطالب بعض لواءات الشرطة بتصفية جهاز مباحث أمن الدولة لأنه يحمل وزر فساد الوزارة كما تحمل الوزارة وزر فساد الدولة..  ولقد صودرت كتب كثيرة مماثلة وهُدد مؤلفوها بقتلهم أو بقتل أبنائهم إذا ما أصروا على نشرها، و إزاء هذه المصادرات لم تهتز شعرة لكائنات  التنوير والتحرير والتعهير والشذوذ والكفر.. لقد انتفضوا فقط عندما اعترضنا على كتب تهين الإسلام والمسلمين.. وذلك في عرف أصحاب التنوير حرام.. أما مصادرة الكتب التي تخدش شعور أصغر ضابط أمن فحلال.. ولعله التآلف بين مثقف أمن الدولة وضابط أمن الدولة. 

*** 

عند هذا الحد راح ضيفي يلح علىّ إلحاحا أحرجني بأن أسمح له بتسجيل باقي الحديث  .. كان إلحاحه قويا بدرجة لم أستطع رده.. قلت له أنني لا يهمني أن يكذب عليّ فقد فعلها زملاء له من قبل .. لكنني إن فعلها سأشكوه إلى الله وأنعم به من وكيل.. ثم قلت له مداعبا: ما يقلقني فعلا هو رد فعل أصحابي عندما تشوه حديثي.. فقد يشكّون في إيماني.. فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين و أنا لدغت من الصحافيين عشرات المرات.. ثم أردفت جادا: ومع ذلك فإن قبولي بالتسجيل معك الآن دليل حب لا كراهية.. وثقة لا شك.. ودفاع لا اتهام!!..

*** 

أدار المسجل.. وفاجأني سؤاله الأول:

- ماذا بينك وبين جمال الغيطاني..

كنت خالي الذهن فعلا فأجبته:

- لا شئ.. كشخص.. لكنني على المستوى العام أعتبره واحدا من أخطر الحداثيين .. وقد قلت قبل ذلك أن الحداثة هي القطيعة المعرفية.. وخطورة جمال الغيطاني أن به بعض موهبة.. وبعض قبول.. فالناس ينظرون إليه دون سبر أغواره، ينظرون إلى ذلك الرجل الضعيف جسما.. الخفيض صوتا والمتلعثم أحيانا .. وقد اختلط عندهم ارتياده للمساجد كآثار معمارية بالموقف من الدين.. كل ذلك يجعله مقبولا عند الناس.. إنه لا يستفزهم ليرفضوه من اللحظة الأولى .. كيوسف القعيد مثلا.. 

- لكن لماذا لا يكف عن اتهامك بالتحريض على قتله بل وقد نشرت بعض الصحف ذلك..

- فعلا تذكرت.. لقد حدثني أحد الصحافيين في هذا الموضوع.. وقال كلاما غريبا عن أنه كتب مقالا  يهاجم فيه  النقاب  مما دفعني إلى التحريض على قتله.. ومن ناحيتي فقد توقفت عن أخذ الغيطاني على محمل الجد منذ زمان طويل.. لكنني رأيت من واجبي أن أقرأ هذه المقالة التي يزعم أنني حرضت على قتله بسببها.... دخلت على الشبكة العنكبوتية أبحث عن مقاله ذاك .. بحثت بمختلف ماكينات البحث فلم أجد له أثرا.. وهذا يدل على أن المقال لم يكن له أي تأثير في الأوساط الدينية والثقافية والفكرية.. و إلا لحفلت المنتديات والمواقع به.. لم يذكره أي موقع.. على الإطلاق..  لكنني تذكرت أيضا أن الفترة التي يتحدث عنها الغيطاني قد امتلأت فجأة بالحديث والكتابة والندوات التي تهاجم النقاب.. كان منهم وزير الأوقاف و إقبال بركة  وعكاشة والرخاوي ومجلات وصحف داخل مصر وخارجها وقنوات فضائية انطلقت فجأة تتحدث عن النقاب.. وفي نفس الوقت... وكنت قد تعلمت بالخبرة أنه في بعض هذه الأحوال يوجد مايسترو خفي يوجه العازفين ويدفع أجرهم .. وقد كشفته الكاتبة البريطانية فرانسيس ستونز في كتابها من يدفع أجر العازف.. وفيه أن المخابرات الأمريكية كانت تنفق كثيرا على كثير من الكتاب لكي يثيروا قضايا معينة في أوقات معينة لتجد طوفانا من المقالات والكتاب يتحدثون عن موضوع واحد و كأنهم كلاب صيد أطلقهم الصياد ..( راجع أيضا ما قاله هويدي عن شئ من ذلك).. وقد حدث ذلك ويحدث وسيحدث.. وما زلت أذكر هياج عش الزنابير على الدكتورة نعمات أحمد فؤاد عندما طالبت بعودة الكتاتيب للمحافظة على القرآن واللغة العربية .

- لكن ذلك لا يكفي لحدة الغيطاني وشراسته  في الهجوم عليك..

- إنني أعتقد أن واقعة التحريض  كاذبة.. وليس هناك أي تحريض على الغيطاني.. وربما  بدأ يحس بانطفاء الأضواء حوله فاخترع هذه الحكاية كي يعيد الأضواء.

قلت لنفسي أن ضيفي الصحافي  قد بدأ نوعا من الإثارة .. وأنه بدأ يمارس صحافة عادل إمام ومحمد هنيدي.. لكنني أخذت أستجمع الخيوط في ذاكرتي فقلت باسما:

- نعم تذكرت الآن.. لقد نلت منه نيلا عظيما في مقال أخير لي عندما اكتشفت علاقة يبدو أنها حميمة بين أخبار الأدب وبين مسخ الرئيس العراقي جلال طالباني.. وكيف كتبت أخبار الأدب شعرا فيه.. وكيف أشاد الغيطاني به.. في وقت لم يكن فيه أي واحد يعيره أي اهتمام.. ولا أي واحد كان يتخيل أن يصبح هذا الإمعة رئيسا .. في هذا العدد كانت أخبار الأدب تتحدث عن قوات الاحتلال الأمريكية كقوات تحرير للعراق.. وكل ما فعلته أنني كتبت عن أخبار الأدب ..وكانت الفضيحة توحي بأنهم في أخبار الأدب لم يفكروا فذهبوا.. بل أُمِروا فذهبوا.. ويبدو أن هذه الضربة جاءت في الصميم.. حتى أن الغيطاني لم يرد عليها.. لم يواجهها ليفندها.. بل واختار أن يهرب منها تماما ليواجه اتهامي باتهام.. المشكلة أنه لا يرد ردا مباشرا أبدا.. رغم أنه حتى الشيطان عندما سأله الله لماذا لم يسجد لآدم فإن الشيطان أجاب عن السؤال إجابة مباشرة: خلقتني من نار وخلقته من طين.. لم يتجاهل الشيطان السؤال ليجيب عن سؤال آخر أو ليوجه اتهاما.. ولقد اختار الغيطاني أن يجيب على واقعة كشفي لعلاقته بطالباني باتهامي بأنني أحرض علي قتله من أجل مقال – لم أقرأه له - عن النقاب. 

حسنا.. لنفترض أنني حرضت على قتله.. فما علاقة ذلك بصمته عن واقعة علاقته بطالباني وتأييد الغزو الأمريكي واعتباره تحريرا لا غزوا.. 

كان الغيطاني يستطيع مواجهتي بطريقة من ثلاثة: إما أن يقول : أنت كذاب وما كتبته لم يحدث، و إما أن يقول أنت صادق و أنا أعتذر عن خطيئتي و أستغفر، و إما أن يقول أنا كتبت فعلا ما ذكرته أنت لكنك فهمته خطأ أما الصواب فكذا وكذا.. لكن الغيطاني ترك كل هذا ليتهمني بالتحريض عليه بسبب موضوع النقاب.. وهي آلية تكررت من الغيطاني في مواقف عديدة.. فعندما يخاف من كشف موضوع ما فإنه يثير موضوعا آخر للتغطية عليه.. وهو نفس ما فعله عندما كشف صديق عمره و أستاذه صلاح عيسى عن قيامه بكتابة "رواية زبيبة والملك"  لتنشر بعد ذلك باسم صدام حسين بعد أن حصل على مكافأة كبيرة. المقال الذي اعتمد عليه صلاح عيسى  كتبه سليم عبد القادر بعمان (الأردن) تحت عنوان «زبيبة والملك - لصدام الغيطاني»، ساردا فيه مجموعة من المعلومات المثيرة عن تفاصيل كتابة رواية «زبيبة والملك» ، مؤكدا أنه استقاها من رعد بندر شاعر البلاط الملقب بـ «شاعر أم المعارك»  وسيصبح هذا المقال - كما يقول محمد أسليم:  دكتوراه في الاجتماع السياسي .. من أصل سوري ويقيم في مسقط-  الذي نعتمد على نصه مدعما بنصوص أخرى في هذه الواقعة - نصا مرجعيا لكل الذين سيكتبون عن المسألة فيما بعد، سواء الذين سيقفون ضد الغيطاني أو معه؛ ولقد أعادت صحيفة القاهرة نشر «زبيبة والملك - لصدام الغيطاني» بتصرفات بسيطة، ومضت صحيفة «صوت الأمة» أبعد، فنشرت الفضيحة تحت عنوان «امسك عميل صدام»... (...) لا يسعنا في الوقت نفسه إلا الاعتراف بأنه يصعب فهم المقاربة التي تبناها الغيطاني لمعالجة المشكل ( ...)  لقد قام الغيطاني، على التوالي بـ: أ - تكذيب أن يكون هو «كاتب زبيبة والملك»، مرجحا أن يكون كاتبها هو صدام نفسه.. ب – مواجهة الاتهام باتهام مضاد، حيث وصف المعلومات المنشورة بأنها: «افتراءات تمثل مرحلة جديدة في تشويه المثقفين المصريين والعرب».. ج – السعي لتحديد سياق عام، وطني وقومي، تذوب فيه القضية، بحيث يصير المستهدف ليس الغيطاني وإنما فئة كاملة من الأشخاص تتمثل في «المثقفين المصريين والعرب الذين رفضوا الحرب على العراق» و«الذين يدينون الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.. د – أبلغ الغيطاني أيضا أجهزة الأمن المختصة في مصر للتصدي للافتراءات التي تستهدفه، وأكد أنه سيرفع دعوى قضائية..( لاحظوا أنه لم يرفعها.. وكان قد هدد أيضا برفع قضية ضدي أيام الوليمة لكنه لم يرفعها أيضا.. م ع ).. ج – السعي إلى «تدويل» الأزمة – إن جاز التعبير - بإصدار بيان يعبر عن استياء نخبة من المثقفين والكتاب اللبنانيين والسوريين والمصريين (والبقية آتية لا محالة)، نشرته مجلة الآداب اللبنانية(...) يستنكر "حملة التشهير والذم والاتهامات البذيئة" ضد الغيطاني، بل ويذهب إلى حد مماهاة الثقافة العربية معه، بحيث صار «المسُّ» به «مسًّا» بها، و«الإساءة» إليه «إساءة» إليها.  والملاحظة البارزة في هذا البيان هي هذا التعارض الوجداني بين وضع القضية في إطار عام واعتبارها مسألة شخصية تهم الغيطاني وحده (...) أمر غريب لا تضاهيه إلا غرابة التفسير المقدم: لقد هوجم الغيطاني لأنه «اختار أن يدافع عن الهوية العربية وأن يلتزم أخلاقية الكتابة»، ولأنه «يرفض التبشير الكاذب وتشويه الحقائق». وهو تفسير لا يمكن أن يجيب عن أسئلة من نوع: إذا كانت الحملة تستهدف الصفتين السابقتين، فهل الغيطاني هو المثقف الوحيد الذي يتحلى بهما في الوطن العربي؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك فلماذا الغيطاني دون غيره؟ (...)

ثم يختم محمد أسليم بقوله: 

- مسكين جمال الغيطاني ألقوا القبض عليه يمارس البغاء .. بينما الجميع من حوله وصلوا مراحل القوادة وأدمنوا الفسق والمجون ..  

***

قلت لضيفي الصحافي: إنني أشعر بإشفاق حقيقي تجاه الغيطاني.. إنه ليس جيدا بالدرجة  الكافية ليكون من الصالحين.. كما أنه ليس سيئا بالدرجة التي تدخله زمرة الشياطين.. إنه ليس كغالي شكري مثلا أو يوسف القعيد أو محمد البدري أو نوال السعداوي.. إنه هش.. وقد طحنته أنياب التنين بالتعذيب في السجن الحربي في الستينيات ويبدو أن ذلك ولد داخله رعبا لا يوصف.. رعب جعله  غير قادر على الدفاع عن نفسه ، كالطفل، الذي كلما شعر بالخطر، هرع إلى أمه يطلب منها العون والحماية والانتقام، وفي حالة صاحبنا فإن الأم هي جهاز الدولة بشقيه الثقافي والأمني.

- اسمح لي أنني لم أفهم طرحك!!..

- سأقول لك عن تصوري الآن ، واضعا في الاعتبار أنه مجرد تصور، وأنه لا يلغي التصورات الأخرى بل يكملها، وبصورة ما دون تطرق إلى أمور إن تبد لكم تسؤكم، كان على جمال الغيطاني أن يكتب موضوعا عن النقاب ( لا تسألني لماذا .. أرجوك!!)، وبعد أن كتبه نهشه الخوف، فالوضع السياسي ملتبس، وتوازنات الحكم اليوم قد لا تستقر حتى الغد، ولقد أغضب المحتمل قدومه، وسينكشف عنه المحتمل ذهابه، وكان عليه أن يختار اختيارا من اثنين.. إما أن يعتذر عما كتب، وهذا ليس في طاقته، و إما أن يتهمني بالتحريض على قتله، فذلك ينقل القضية من إطارها المحلي إلى إطار عامي قد يحتاج إلى اللجوء إليه بعد ذلك.. كما ينقلها من خانة الدين التي لن يجد من ينصره فيها إلى خانة الإرهاب الذي سيمتد نصره فيها من الرياض إلى القاهرة إلى واشنطن.. إلا أن التوفيق خان الغيطاني.. ربما بسبب عدم إلمامه بالفقه.. فقضية النقاب حتى لو أنكره كلية لا تستوجب التحريض على قتله!! كما أننا – فيما أظن متهمون بالتطرف في تطبيق مفهوم الدين وليس في الخروج عنه.. ونعلم أن الدم أعظم الحرمات و أن القتل – دون حق - من أعظم الكبائر ..فإذا كان ما ارتكبه الغيطاني لا يستحق القتل ولا التحريض ولا الحد ولا حتى التعزير فإن اتهامه كله يسقط.. وتبقى فقط الضوضاء التي أثارها.. وهي مطلوبة على أي حال وله فيها منافع شتى!!..

*** 

قلت لضيفي:

- أنا واحد من المعجبين بأعمال الغيطاني الأولى، حتى عندما هاجمه الناقد اليساري فاروق عبد القادر و أفرد له صفحات طوال في كتابه:"أوراق من الرماد والجمر" يمسك فيها سرقات الغيطاني الأدبية، لم يؤثر ذلك كثيرا على موقفي منه،  لكن صدمتي فيه في قضية الوليمة كانت كبيرة وقد كنت أظنه مشبعا بالثقافة العربية الإسلامية فإذا بي أكتشف شططه وشذوذه.. وتذكرت ما قاله محمود شاكر في حين تصدى لوصف الغزو الفكري  و تدميره  المفزع لعالمنا الإسلامي .. والذي شارك فيه مثقفونا ومفكرونا: .. يقول العلامة: " لم ينتصب أحد لوصف هذا التدمير المفزع الذي يشترك في جريمته مثقفون كثيرون، في الأدب، وفي العلم، وفي التاريخ، وفي الفلسفة، وفي الاجتماع، وفي السياسة، وفي الفن كله من مسرح وسينما وموسيقا وغيرها (...) وقد زاد الأمر فلم يبق مقتصراً على التعليم والكتابة والتأليف والصحافة، بل دخل كل بيت دخولاً مفزعاً عن طريق الإذاعة والتلفزيون،بلا رقيب ولا حسيب "(في الطريق إلى ثقافتنا) .. 

قلت لضيفي ضاحكا ومستدركا:

- في أزمة الوليمة هاجمني الغيطاني بضراوة غير متوقعة وغير صادقة فحصلت منه على تعويض مقداره عشرون ألف جنيه أنفقته حيث يكره..

ثم واصلت:

- على أنني لا أنكر حتى الآن شعوري بنوع من الشفقة والرثاء له.. لم يكن قويا بالقدر الكافي ليواجه ولا ضعيفا للحد الذي يدفعه للاستسلام فعاش حائرا وقلقا .. لقد انتقل من مجرد حاصل على دبلوم تجارة قسم صناعة السجاد إلى أديب شهير ورئيس تحرير أشهر .. ونقلة مثل هذه تفقد حتى العاقل توازنه. ثم أنه  تولى أخبار الأدب .. وهي محدودة التوزيع إلى درجة مخجلة إلا أنه جعل منها قاعدة – حكومية – لإطلاق صواريخه، كان في رعاية الدولة التي تستطيع أن تجعل أقل الصحف أهمية وتوزيعا أعلاها صوتا، ولقد انتقل من اقتناع إلى اقتناع ومن مذهب إلى مذهب وكأنما كان يبدل السطح دون الأعماق بعد أن علمه سوط الجلاد ألا يخرج ما في أعماقه.. وهو وضع يدفعني لأشد درجات التعاطف معه.. بل والعطف عليه .. وهو وضع أيضا يذكرني بوضع الدكتور شوقي في رائعة يوسف إدريس : " العسكري الأسود".. لقد كان الغيطاني على سبيل المثال ناصريا ويعشق إبراهيم سعدة في نفس الوقت.. وكان يستدعي مسخة ناقد ( ضابط مفصول من الجيش بتهمة أخلاقية ) ليهاجم واحدا من أعمق المثقفين العرب ( الأستاذ الدكتور عبد العزيز حمودة) وليتهمه بالسطحية. ولقد كتب كتابه :حراس البوابة الشرقية في صف صدام ثم انقلب عليه حين أُمر أن ينقلب.. ولقد استغل – كما يصفه زملاؤه -  صحيفته أخبار الأدب للسباب والمهاترات ضد أعدائه ومن يسلط عليهم  و تزلفا ونفاقا لمن له عندهم مأرب. جعل الصحيفة مرتعا للأهواء الذاتية والمهاترات والتحيزات اللاموضوعية النفعية المباشرة لقد مجد إدوارد الخراط ورفعه إلى عنان السماء فلما رفض الخراط أن يبادله التزلف هوى به إلى أسفل سافلين. إنه يتعامل بسيف الدولة وذهبها من أجل مصالحه.. وعند فوز الإسلاميين بمقاعد مجلس نقابة المحامين طلب منه – في إطار عملية تشويههم- أن يعرض كتاب الملحق الإعلامي لسفارة تونس في القاهرة"عبد الله عمامي" وهو كتاب ينظر إلى الإسلام والمسلمين بازدراء واستهانة. يعشق ويمتدح ويمجد في موسى صبري و أنيس منصور  وكمال عبد الرؤوف ومفيد فوزي ورشاد كامل وطارق حجي كما يمجد أيضا الشاعر الصنديد العقيد  على النعماني رئيس شرطة مرافق الجيزة !! والعقيد محمد فرج نائب مدير مصلحة السجون!! وعلى الباز ضابط بوليس!! وعبد الرحيم الماسخ !!.. بل وحتى عبد العظيم رمضان بعد معاركه معه.. لكنه اكتشف  أنه يمثل المرحلة فعاد يعبر عن عظيم تقديره لشخصه وسمعته العلمية ولمكانته كمؤرخ محايد موضوعي".. و.. و.. و..

وواصلت القول:

- لقد كانت نهشة التنين الوحشي  في السجن الحربي نهشة قاتلة.. ولقد انعكست على علاقاته بالآخرين انعكاسا قويا.. تماما ما حدث مع الدكتور شوقي في العسكري الأسود.. لقد شارك الغيطاني - على سبيل المثال - عام 1980 في مؤتمر روما الذي حضره إسرائيليون فلم ينسحب فتعرض لهجوم عنيف فبادر خالد محيي الدين بالدفاع عنه راجيا السهام المصوبة أن لا تذبحه.. لكن الغيطاني سرعان ما رد الجميل لخالد محيي الدين بالانسحاب من مجلة أدب ونقد لأسباب لا تخفى. ولقد شارك في مجلة مأمون حمزة بل كان مستشارا لها رغم علمه بأنها مدعومة أمريكيا.. ولقد روج لها في أخبار الأدب. ولقد انتحل لنفسه آراء نقدية للأستاذ عطية حسن. كما أيد أعمالا أدبية وروايات وقصائد بها إساءات مباشرة للدين.. كان بعثيا حتى النخاع وكانت علاقته وثيقة بطه يسن رمضان. وكانت السفارة العراقية تشتري آلاف النسخ من كتبه. ولقد جعله عمله كمراسل حربي على علاقة بأجهزة الأمن والمخابرات. وهو ما يزيد بالتأكيد من قلقه الدائم.لكن الأخطر من كل هذا أن قلقه ذلك دفعه لالتماس الأمن خارج وطنه وخارج ثقافته. أيام قضية الوليمة صرح أنه و أصدقاءه سيفكرون في الهجرة من مصر إذا انتصرت وجهة نظر المتطرفين أمثالي!!.. لم يبح إلى أي مكان سوف يهاجرون.. لكنهم لم يقصدوا بالتأكيد مكة أو المدينة.. فهل كانوا يقصدون القدس كعلي سالم؟!لن أندهش لذلك إن حدث.. ولعل الطريق إلى نوبل يمر بالقدس.. أو على الأحرى بإسرائيل. إن كثيرين من المستلبين الآن يجاهرون بأنهم يفضلون حكما إسرائيليا لغزة عن أن تحكمها حماس، ولست أدري هل وصل الغيطاني إلى هذه الدرجة أم لا.. لكنني أقول أنه اندفع في طريق وعر لا أظنه يريح ضميره منذ جعل من صحيفته ثغرة لهدم ثوابت الأمة وثقافتها، ومنذ جعل منها منبرا لشواذ الفكر والجسد ( وارجع في ذلك إلى بحث الأستاذ فاروق عبد القادر عن الغيطاني كملحق لهذا المقال.. وتذكر أيضا ما أوردناه حول علاقة أوسكار وايلد ببطل روايته) .. وليس أدل على ذلك من استضافته الدائمة لمسلوبي العقل من دعاة مصر الفرعونية، بل وقيامه هو نفسه بتقديم برامج طويلة في إذاعة لندن لإحياء الحضارة الفرعونية..

وفاجأني ضيفي:

- وماذا في ذلك.. أليست حرية رأي.. هل تصادر عليه فكره؟!..

- لا .. لا أصادر عليه فكره.. لكنني أذكرك بموقف علماني عاقل هو محمد حسنين هيكل في الحضارة الفرعونية.. من أنها وجدت ثم ماتت .. وليس من سبيل لبعثها.. كما أنبهك أن محاولة بعث الحضارة الفرعونية في مصر والبابلية والآشورية  في العراق  والعربية في الشام والطورانية في تركيا.. كل ذلك كانت خطوات محددة لهدم الدولة الإسلامية.. و أن المخطط ما يزال قائما..

- أنا لا أفهم.. هل الخلاف بينك وبينه خلاف ديني أم خلاف ثقافي..

- من ناحيتي هو خلاف ديني بالكامل.. ومن ناحيته هو خلاف ثقافي بالكامل..

- لا أفهم..

- من ناحيتي فإن الإسلام الشامل يتحكم في كل رؤاي.. ومنها موقفي من الجهاد والثقافة والولاء والبراء.. ومن ناحيته فإن الخلاف سياسي.. فأنا لا أعارضه في آرائه في الفقه والشريعة ولا حتى في نظام الحكم.. إنما أعارضه لأنه رأس حربة مستوردة تطعن في قلب الأمة.. أعارضه في موقفه الممالئ للتغريب والصهينة والنيل من الإسلام والمسلمين مقابل الوله والوجد الصوفي بالديانات الأخرى في موقف شديد الغرابة والشذوذ.. أعارضه في ممالأته  للطواغيت ضد الأمة – مهما أوحت المظاهر بغير ذلك-. وباختصار شديد فإن موقفي منه هو موقف العلامة محمود شاكر من لويس عوض.. لكنني مندهش من تركيزك على موضوع جمال الغيطاني.. على العموم سأعطيك بحثا للأستاذ فاروق عبد القادر يكشف لك الكثير عن المشروع الفكري والأخلاقي لجمال الغيطاني.. وضع في الاعتبار أن فاروق عبد القادر ناقد يساري.. ويحمل عداوة للفكر الإسلامي.. لذلك لا يمكن أن يتهم بالتحيز ضد الغيطاني. 

ملحوظة: الدراسة النقدية تأتي في آخر المقال، وقد تكون خارج إطار القارئ غير المهتم بأدب الحداثيين، لكنها من وجهة نظري لا تتعلق بأبطال روايات الغيطاني قدر تعلقها بجيل كامل فقد هويته، جيل شاذ بلا عقل ولا قلب ولا أخلاق.

*** 

قال ضيفي الصحافي:

- لقد تابعت مقالاتك الأخيرة على الشبكة العنكبوتية.. ولقد قلت أنك واثق أن جميع الحركات في مصر مخترقة من الخارج.. فهل تقصد ذلك فعلا..

- نعم..

- هل تقصد أن جميع الحركات في مصر عميلة..

- لا .. على الإطلاق..

- أليس هذا تناقضا.. كيف تكون مخترقة وغير عميلة؟..

- إنني أتحدث عن اللون البرتقالي لحزب وعن شموع حركة.. وعن شعار كفاية نفسه فهو مستورد من جمهوريات الاتحاد السوفيتي المنفصلة.. ثم أن مصر أهم بكثير جدا من أن يتركها الصليبيون والصهاينة دون محاولات مستمرة للسيطرة والتوجيه.. لكن ذلك لا يستدعي أن يكون كل فرد في حزب الغد أو حركة كفاية مخترقا.. يكفي فرد أو فردان يغرسان داخل الحركة للتوجيه عند اللزوم أو لقطف الثمار عند الحصاد.. كما أن هذا الاختراق لا يؤثر على وطنية الباقين الذين لا يعلمون.. إنه يؤثر فقط على مشاعر خيبة أملهم حين تنحرف الحركة عما تصوروه لها من أهداف..

- وهل تعني أن حركة الإخوان أيضا مخترقه..

- حركة الإخوان المسلمين أكبر و أهم وأخطر من أن تترك دون اختراق.. إنها الحركة الوحيدة القادرة على توحيد أمة الإسلام وبالتالي على مواجهة الغزوة الصليبية الصهيونية.. ولو أنك رجعت إلى الإمام الشهيد حسن البنا لوجدت أنه – هو أو مندوبيه- كان يعامل كرئيس دولة في العديد من الدول العربية والإسلامية.. ولولا المؤامرة التي اشترك فيها النظام الملكي ثم عبد الناصر بإيعاز أمريكي لكان لإخوان شأنهم ولتغير مجرى التاريخ في المنطقة..

- لكنك تقول أنهم مخترقون..

- بالتأكيد.. و أتمنى أن يكون لدي قياداتهم الوسائل المطلوبة لعلاج هذا الاختراق..

- لكن الاختراق يعني العمالة..

- ذلك صحيح.. لكن بمفهوم صحافة الإثارة والابتذال الرخيص.. صحافة عادل إمام ومحمد هنيدي وسمير رجب ..

- لا أقصد الإساءة..

- ولا أنا..  لكنني فقط أقول لك أن على عشماوي كان نقطة الاختراق في تنظيم 65 فهل ينال هذا من عظمة البطل الشهيد سيد قطب ورفاقه؟.. 

- لماذا أسلوبك حاد هكذا..

- عندما أحس أن حرمة الدين  أو كرامة الأمة تستباح..

- يقولون أن كتاباتك في الأدب وفي بعض المقالات قلة أدب..

- لم أخسر قضية رفعتها عليهم ولم يكسبوا قضية رفعوها ضدي..

- وقصة المؤتمر؟..

- لقد نشرتها الشعب كاملة أيام الأستاذ عادل حسين رحمه الله.. فهل كنت تظنه ينشرها وفيها أي نوع من أنواع الخروج..

- وقصر العيني..؟

- لقد أكد العديدون – و أظن أن منهم الغيطاني وكذلك فاروق حسني- من أنهم سيتقدمون بطلب إلى الأزهر لإدانتها.. لكنهم لم يجرءوا.. فالرواية انتصار حاسم للإسلام.. ومع ذلك .. إنني أستغفر الله عما أعلم وعما لا أعلم من ذنوبي.. وإن كان في رواية قصر العيني أي مساس أو شبهة مساس بالدين فإنني أبرأ إلى الله منها( لكن أرجوك.. لا تفعل مثل أسامة سرايا.. ولا تجعل المانشيت في هذا التحقيق: محمد عباس يتبرأ من رواياته!!).. ثم أنني منذ أعوام طويلة أعلنت أنني أنتظر رأيا واحدا من عالم دين واحد يعترض على الرواية لكي أعلن ذلك.. 

- ألم يعترض عليها كثير من الأدباء كجمال الغيطاني وصلاح عيسى وآخرون..

- لكنني طلبت أن يعترض عليها عالم..لا جاهل!!..

- آخر سؤال..

- تفضل..

- كيف طاوعك ضميرك أن تدعوا بالرحمة والمغفرة للمجرم الإرهابي حسن بشندي.. هل تؤيد الإرهاب؟..

- يا رجل..!! أما من حياء!!.. أما من ضمير؟.. أما من دين ؟ لنفترض أن الشهيد حسن بشندي – إن شاء الله– خرج كما يقول إعلام الشيطان لضرب السياحة والسياح  في مصر.. ولنفترض أنه اجتهد فأخطأ فهل له ثواب أم ذنب.. هل كان يسعى إلى متعة من متع الدنيا أم قدم روحه فداء لما اعتقده وفي هذا ببعثه الله على نيته و أحسبها الاستشهاد.. لكنني أقول لك واثقا أنه أفضل ملايين المرات من السفهاء الذين يهاجمونه.. إنه – في أسوأ الاحتمالات-  رجل طلب الحق فأخطأ.. وهم – في كل الحالات – رجال طلبوا الباطل فأصابوه.. نعم حسن بشندي غفر الله له ورضي الله عنه.. إنه أفضل من المفتي وشيخ الأزهر ومني ومنك.. شاب في مقتبل عمره يضحي بروحه في سبيل الله فأي جلال  .. أما من حياء!!.. أما من ضمير؟.. أما من دين..لقد تآمر أهل قريش.. وكانوا مشركين لا مسلمين.. تآمروا على قتل سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.. تآمروا على قتله فلم يقل اللهم لا تغفر لهم.. بل قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.. فهل تجوز المغفرة على مشرك حاول قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تجوز على مسلم حاول خطأ كان أم صوابا أن ينتصر أو ينتقم أو يثأر لدينه.. قاتلهم الله أني يؤفكون..

*** 

بعد أيام اتصل بي الصحافي مبديا اعتذاره.. فالحوار أكثر جرأة مما يمكن نشره!!

ملحوظة : دواعي الأمانة تقتضيني أنني استعدت الحوار من الذاكرة.. وقد يكون هناك اختلاف في الألفاظ أو الترتيب.. لكن الأفكار واحدة بطبيعة الحال..


*** 

*** 

***  

حاشية

الدكتور مصطفى الفقي.. أنعم و أكرم!!

الدكتور مصطفي الفقي.. البطل القومي اللامع..  ذهب بنفسه ليقدم بلاغا في قسم الشرطة  ضد سائقه الخاص.. أما موضوع البلاغ فهو أن السائق – غير الأمين!!- قد سرق الخمور التي أعدها الوجه القومي اللامع لضيوفه!!..

هل تذكرون السكير سامي شرف..

و أيضا على صبري..

و أيضا عبدالله إمام..

و أولئك هم أبطال القوميين حيث النضال في الحانات .. والبطولة في السكر..

أخزاك الله يا مصطفى الفقي..

وأخزى معك رفيقك وصديقك أسامة الباز الذي يزمع مع شيخ الأزهر قيادة حملة لمبايعة مبارك عبر المساجد..

*** 

حاشية

ملعون

المجرم .. الجلاد.. رفعت الأسد.. قاتل عشرات الآلاف.. اللص الذي أصر على الاستيلاء على ملايين الدولارات مقابل نزوحه من سوريا.. حتى اضطرت سوريا إلى استدانتها من ليبيا مما أدى إلى انهيار الليرة السورية.. هذا المجرم الجلاد اللص – الذي آوته أوروبا دون قضية واحدة على تشجيع الإرهاب أو تمويله-  يزمع العودة إلى سوريا من أجل الإصلاح والديموقراطية..

ولم يقل لنا الجلاد المجرم أي جهاز مخابرات يدربه ويطلقه ككلاب الصيد.

*** 

حاشية

الـ ANN

قناة الـ ANN  الفضائية التي يملكها السفاح رفعت الأسد ابتكرت تعريف جديدا للقومية لا تقدر على مثله أشد القنوات كذبا وفجورا..

كان التعريف الجديد للقومية هو: الإيمان بالله!!!!!!!!!!!!.


*** 

حاشية

عتاب على فاروق حسني


نعم.. رغم افتقاد أي ود – وهذا شرف – فلابد أن نعاتبه..

إذ كيف – وهو الوزير الفنان الجميل الحساس – يحتفل بغزو نابليون الذي ابتدأ به تنويرنا وتحديثنا وتعليمنا ونشر الشذوذ والحرية الجنسية بيننا .. ثم يمر 5 يونيو دون أن يحتفل الوزير الفنان بانتصار مماثل – في نفس المخطط الصليبي الصهيوني- حققته إسرائيل على الإرهابيين الظلاميين المتخلفين  من عرب ومسلمين...

*** 

حاشية

الشيخ خالد الجندي

بعد فتواك بحرمة مقاطعة الاستفتاء – دون أي تعليق على التزوير والقتل وانتهاك الأعراض- .. بعد ذلك.. الله بين الأمة وبينك.. 

لكنك خسرت الكثير جدا..

وثمة سؤال أو اقتراح قد يفيدك..

لماذا لا تلقي دروسك في قناة الحرة.. أو في تلفاز إسرائيل.. فجمهورهما سيوافقك ويعجب بك؟!

*** 

حاشية

المهندس إبراهيم شكري


ينفطر القلب من الألم إزاء الوضع الذي يحاصر فيه مجاهد كالمهندس إبراهيم شكري، الذي مهما بلغ اختلافنا معه فإن ذلك لا يدفعنا إلى هضم حقه كمجاهد، يجاهد فيصيب ويخطئ.. وليس سرا أن الخلافات تصاعدت بشدة مع الأستاذ إبراهيم شكري وبين قواعد حزب العمل خاصة بعد اختفاء العملاقين الدكتور حلمي مراد والأستاذ عادل حسين.. ثم انفجار أزمة الوليمة.. حيث أدى تصاعد الأحداث إلى عزل المهندس إبراهيم شكري عن قواعد حزبه – العمل-  لينفرد به مجموعة من أعضاء الحزب الذين زرعهم الأمن مسبقا لنقل أخبار الحزب وعرقلة مشروعاته، حاصره أبناء السوء هؤلاء منفذين خططا كانت تحاك لهم في أوكار الأمن.. وورطوا الرجل في أكثر من قرار خاطئ منها المصالحة مع محجوب عبد الدايم – الشهير بحمدي أحمد- وفصل الإسلاميين من الحزب وعلى رأسهم الأستاذ مجدي حسين والأستاذ الدكتور مجدي قرقر والأستاذ عامر عبد المنعم والدكتورة نجلاء القليوبي ( لم يفصلني والحمد لله.. لأنني فضلت دائما الاستقلال  والاكتفاء بصداقة الحزب عوضا عن عضويته!).. لكن الرجل كان يفعل ذلك تحت الضغط.. وكان بعض هذا الضغط يستثمر كبر سنه ( 90 عاما) بل وعدم تركيزه في بعض الأحيان.. وكان الأستاذ إبراهيم شكري يئوب إلى الحق فور تنبيهه له.. إلا أنه في الفترة الأخيرة.. ومع ازدياد وهن الشيخوخة أصبح محاصرا في بيته – بحجة المرض – فلا يسمح له بمقابلة من كانوا ينبهونه للمعروف والخير.. وبطريقة ما أصبحوا يحصلون على توقيعه لأمور في غاية الخطأ..  فمنذ أسابيع كانت نقابة الصحافيين تعقد اجتماعا احتجاجيا  في الذكرى الخامسة لإغلاق صحيفة الشعب.. فإذا بهم يفاجئون بخطاب من المهندس إبراهيم شكري ينفي فيه موافقته على عقد هذا الاجتماع.. وقبلها كان قد قدم طلبا إلى مجلس الشورى بإيقاف صحيفة الشعب الإليكترونية.. كما أن الوسط السياسي فوجي به يوم الاستفتاء الماضي يخرج على إجماع المعارضة فيذهب ليدلي بصوته..

من ناحيتي .. أشك تماما أن هذه التصرفات تصدر من المجاهد – و أعنيها – إبراهيم شكري وهو في تركيز يسمح له بإدراكها..

على أنني لا أريد احتكار الحديث عن هذه النقطة الشائكة – والتي توجع القلب-  لذلك أعيد نشر ما نشرته صحيفة " المصريون" الإليكترونية:

منع إبراهيم شكري من الحديث في غير وجود نجله

كتب أسامة الهتيمي : بتاريخ 13 - 6 - 2005 

في إطار اللغط الذي أثير مؤخرا حول اعتزام المهندس إبراهيم شكري رئيس حزب العمل التنازل عن كل القضايا المرفوعة من الحزب ضد الدولة للطعن في عدم قانونية لجنة شئون الأحزاب بتجميد نشاط الحزب مقابل عودته ، حاولت " المصريون " الاتصال بشكري لاستطلاع رأيه حول ما نشرته إحدى الصحف المسائية حول ما تم تسميته بصفقة التخلص من الإسلاميين .

وأجرت " المصريون " اتصالا هاتفيا برئيس حزب العمل في منزله غير أن سكرتيره الخاص أحالنا على سائقه الذي يتردد أنه يمارس لونا من الوصاية على تحركات شكري .

وكررت "المصريون " المحاولة عدة مرات إلى أن تم تحديد موعد لمقابلة مندوب " المصريون " برئيس الحزب صباح اليوم التالي بمكتبه بشارع بورسعيد .

وفي اتصال هاتفي أجرته " المصريون " بمكتب رئيس حزب العمل قبل الموعد المحدد للتأكيد عليه أفاد سكرتير شكري بمكتبه أنه صدرت أوامر لم يحدد مصدرها بعدم السماح لأي صحفي بلقاء شكري في غير حضور نجله المهندس أحمد شكري أحد الرافضين لقيادات الحزب المنتخبة في المؤتمر العام عام 1999 وهو ما يعني رفض انعقاد اللقاء .

كما أصبح حامد زيدان رئيس تحرير الشعب الأسبق المتحدث الإعلامي والرسمي باسم شكري على الرغم من أن زيدان ترك الحزب وانضم إلى حزب الجيل الذي احتل به موقع نائب رئيس الحزب .

(!!!)..

وعلامات التعجب من عندي..

ولننتقل إلى خبر آخر:


بديوي: إبراهيم شكري ليس مخولا بفصل قادة الحزب

المصريون : بتاريخ 13 - 6 - 2005 

 تعقيبا على ما نشرته "المصريون" بعنوان "الحكومة توافق على عودة حزب العمل نظير استبعاد الإسلاميين و ترشيح شكري للرئاسة " تلقت الجريدة من الصحافي صلاح بديوى ، الصحفي بجريدة الشعب ، و عضو اللجنة التنفيذية بحزب العمل ردا ، أشار فيه إلى أن حامد زيدان الذي يقول إنه يتحدث باسم إبراهيم شكري رئيس حزب العمل هو حاليا نائب لرئيس حزب الجيل الديمقراطي ومن المتحدثين الإعلاميين باسمه والمشرف العام علي تحرير صحيفته المسماه بـ الجيل لا يصلح ـ بحسب بديوي ـ ولا يجوز له أن يتحدث باسم حزب العمل بعد أن سقطت عضويته في الحزب منذ 3 أعوام لانضمامه لحزب الجيل.

و اتهم بديوي حامد زيدان بالمشاركة فيما اسماه "مؤامرة" تستهدف مواصلة "العدوان" علي شرعية الحزب ومنحها لغير أصحابها من عناصر موالية لأجهزة الأمن بحسب تعبيره .

و لفت بديوي إلى أنه هو زملاؤه بحزب العمل أحرص الناس على سمعة إبراهيم شكري و تاريخه و لا يرضيهم أن يخوض انتخابات للتغطية فيها على الرئيس مبارك - 78 عام - إلي جانب أن وضعه العام لا يساعده علي الترشيح وأن السلطة حالياً تستغل معاناة تجميد حزب العمل للضغط على شكري و حمله على تقديم تنازلات إليها علي حساب تاريخه وعلي حساب مبادئ الحزب وهو "ما لا يمكن لنا في حزب العمل أن نسمح به حفاظا ً علي الأستاذ إبراهيم شكري" على حد قوله. 

و ألمح بديوي في رده على "المصريون" إلى أن حزب العمل يوجد فيه تيار واحد فقط وهو التيار الإسلامي بعد أن ذهب ما سماهم " المنشقون" عنه في الماضي إلى حزبي الجيل والحزب الدستوري و قال :" إن الحديث عن وجود تيار اشتراكي بالحزب حاليا هو بمثابة أوهام يختلقها الأمن فقط مستغلاً عنصرين أحدهما يحمل جنسية سودانية وهو أحمد شكري والذي له مصالح بزنس مع النظام ما كان له أن يخلط بينها وبين العمل العام في حزب مجاهد كحزب العمل والآخر يتمتع بصلات أمنية قوية ويقوم بإبلاغ الأمن عن كل عضو يحاول دخول المقر الرئيسي للحزب بالسيدة " بحسب قوله و تابع "إن اللجنة التنفيذية لحزب العمل وهي أعلي سلطاته هي المخول لها فصل أي عضو بالحزب ورئيس الحزب لا يملك تلك الصلاحيات وبالتالي يكون ما أثير علي لسان نائب رئيس حزب الجيل الديمقراطي يعد نوعا من التهريج "


ولننتقل إلى مقال آخر يلم بأطراف الموضوع كله.. والمقال منشور بالعدد الأخير من الشعب.. لكنني أعيد نشره كله لأنه يحيط بالمشكلة من أطرافها..


مؤامرة مفضوحة ضد حزب العمل

حامد زيدان ليس عضوًا بحزب العمل حتى يتحدث باسمه

بقلم : عبد الحميد بركات

الأمين العام المفوض لحزب العمل


نشرت صحيفة "نهضة مصر" في عددها الصادر في 17 من شهر يونيو الجاري حوارًا مع حامد زيدان نائب رئيس حزب الجيل؛ يؤكد في بدايته أنه المتحدث باسم حزب العمل ورئيسه وأنه واحد من ثلاثة يديرون حزب العمل الآن، ونقول له من أين جاء بهذا التأكيد وهو ليس عضوًا بالحزب؛ حيث إنه عضو بحزب آخر هو حزب الجيل الديمقراطي ويشغل فيه موقع نائب رئيس الحزب، وبموجب اللائحة وقانون الأحزاب فقد سقطت عضوية حامد زيدان في حزب العمل إذ لا يجوز له أن يجمع بين عضويتي حزبين في آن واحد؛ اللهم إلا إذا نصب حزب الجيل- هذا الحزب الوليد والمحسوب من الأحزاب الصغيرة- نصب نفسه وصيًّا على حزب العمل الحزب العريق والمحسوب من الأحزاب الكبيرة، وهذا ما لا يقبله أعضاء وقيادات حزب العمل.

أما أنه أحد ثلاثة يديرون حزب العمل الآن فهذا إجراء غير لائحي وغير قانوني، فعندما يستغل هؤلاء الثلاثة الظروف التي يمر بها المهندس إبراهيم شكري رئيس الحزب، حيث لم يعد قادرًا على إدارة الحزب نظرًا لشيخوخته وما يصاحبها من أعراض؛ فإن الأستاذ إبراهيم شكري – أطال الله في عمره ووهبه الصحة والعافية- سيبدأ العام التسعين من عمره المديد في 22 من سبتمبر القادم. أقول: إذا استغل هؤلاء الثلاثة هذه الظروف ليعملوا ما يشاؤن أوينفذوا طلبات الجهات الأمنية أو لحاجة في نفس كل منهم غير عابئين بلائحة ولا قانون فهذا محل سخرية ممن يسمعون بهم أو يعلمون بما يقومون به من كل ذي عقل ومنطق، حيث إنهم لا يديرون إلا مقر الحزب الرئيسي في حماية الأمن  دون اللجان المنتشرة بالمحافظات. فاللائحة والقانون هما الفيصل في الاختلاف، ونحن لم نختلف أبدًا مع المهندس إبراهيم شكري على احترام اللائحة والقانون؛ وهما تؤكدان على إدارة الحزب بطرق ديمقراطية، وأبسط قواعد الديمقراطية هي التمسك بالمؤسسات المنتخبة من المؤتمر السابع والمنعقد في أبريل 1999، ولقد حاول هؤلاء منذ انعقاد هذا المؤتمر إقصاء المؤسسات لكن قواعد ولجان الحزب في كل مكان ومعهم المهندس إبراهيم شكري كانوا يفشلون لهم مخططاتهم دائمًا. ونذكر للأستاذ إبراهيم شكري أنه عندما وقع اتفاقًا مع حمدي أحمد بشهادة مصطفى بكري وآخرين يعود بمقتضاه حمدي أحمد ورفاقه إلى عضوية الحزب، اعترضت اللجنة التنفيذية على هذا الاتفاق، ونزل المهندس إبراهيم شكري على قرار اللجنة التنفيذية وألغى اتفاقه معهم.كما نذكر له أنه وقع مع الأستاذ مجدي حسين- بصفته الأمين العام للحزب- بيانًا أصدرته اللجنة التنفيذية في اجتماعها بمنزل الأستاذ إبراهيم جميل أبو علي في 14 من نوفمبر 2001 يؤكد على وحدة الحزب والأهمية المبدئية للاحتكام إلى المؤسسات الشرعية المنتخبة للحزب في اتخاذ جميع القرارت والتمسك بثوابت الخط السياسي والفكري للحزب الذي أقرته مؤتمرات الحزب، ويشهد على ذلك السيد حامد زيدان الذي كان حاضرًا في الاجتماع المذكور، وذلك قبل انتقاله إلى حزب الجيل الديمقراطي.

ولماذا نذهب بعيدًا، ألم يتم انتخاب الأستاذ مجدي حسين أمينًا عامًّا في منزل إبراهيم شكري بوجود 41 عضوًا وتفويض 9 آخرين وبالإجماع بما فيهم حامد زيدان نفسه في مارس 2001م؟!

وبناءًا على هذا الاحتكام إلى المؤسسات والثوابت السياسية والفكرية واللائحة فإن فصل أي عضو طبقًا للائحة هو من حق اللجنة التنفيذية فقط وبعد تحقيق، وليس من حق أحد في الحزب- حتى ولو كان رئيسه- أن يفصل أحدًا من الحزب.

أما ما يدعيه السيد حامد زيدان بأنه لا شرعية لأحد إلا للمهندس إبراهيم شكري بعد حكم المحكمة الإدارية العليا لسيادته بذلك، فأوضح أن حكم المحكمة كان في مواجهة حمدي أحمد وآخرين كانوا قد نازعوا المهندس إبراهيم شكري على رئاسة الحزب وأيدتهم لجنة شئون الأحزاب وسحبت اعترافها بالمهندس إبراهيم شكري رئيسًا للحزب. لكن هؤلاء ولجنة شئون الأحزاب لم ينازعوا المؤسسات المنتخبة حتى لا تكون لهم شرعية، فشرعية هذه المؤسسات قائمة إلى أن يعقد المؤتمر العام القادم في أي وقت تسمح به الظروف التي تمر بالحزب.

أما ما يذكره السيد حامد زيدان عن إساءة الأستاذ مجدي أحمد حسين للمهندس إبراهيم شكري فقد رد عليه الأستاذ مجدي حسين في نفس الصحيفة، لكن أُذكّر الأستاذ حامد زيدان بأنه انضم إلى المرحوم أحمد مجاهد في خلافه مع الأستاذ إبراهيم شكري وانشقاقه بعد المؤتمر العام الخامس للحزب سنة 1989، وقد أعلن يومها الأستاذ أحمد مجاهد نفسه رئيسًا للحزب في مواجهة الأستاذ إبراهيم شكري، وفي هذه اللحظات كان الأستاذ حامد زيدان في صف المرحوم أحمد مجاهد ضد الأستاذ إبراهيم شكري، فمن الذي أساء إلى المهندس إبراهيم شكري إذن؟!

هناك فرية اخترعها هؤلاء الثلاثة بأن المؤسسات المنتخبة لم يعد لها صلاحية، حيث انتهت مدة عضويتها بمرور أربع سنوات على انعقاد المؤتمر العام السابع في 1999. وما يدعونه هذا وإن كان غير لائحي ولا صحيح قانونًا أو عرفًا ينطبق على كل المنتخبين من المؤتمر العام وفي مقدمتهم رئيس الحزب، فإذا طبقنا هذا سيكون في الحزب فراغ تنظيمي، وهذا غير قانوني وغير منطقي، وقد جرت العادة أن تتولى الوزارة المنتهية صلاحيتها تسيير الأمور لحين تشكيل وزارة جديدة، كما أنها ليست المرة الأولى التي يتأخر فيها موعد انعقاد المؤتمر العام، فقد انعقد المؤتمر العام السابع سنة1999؛ أي بعد ست سنوات من المؤتمر السادس 1993، واستمرت المؤسسات المنتخبة وهي التي أعدت للمؤتمر الأخير. ويحدث هذا في كثير من الأحزاب والجمعيات الأهلية والنقابات وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني التي تدار بطريقة ديمقراطية، فما بالنا بالظروف التي يمر بها حزبنا أخيرًا.

 أنبه أن الحزب كانت قياداته ولجانه في المحافظات والمراكز مجتمعين على قلب رجل واحد مع المؤسسات الحزبية، وهؤلاء الثلاثة معزولون تمامًا عن هذه القواعد، وخير دليل على هذا هو المؤتمر العام الطارئ الذي عقدناه في فندق أمان بالجيزة في 29 من ديسمبر الماضي وحضره أكثر من 300 من ممثلي المحافظات والذي قرر تمسكه برئاسة المهندس إبراهيم شكري وتمسكه بالمؤسسات الحزبية المنتخبة من المؤتمر العام السابع وبخط الحزب الفكري والسياسي.

وأخيرًا.. أؤكد لكل من يقرأ هذا المقال أن المهندس إبراهيم شكري بريء مما يعمل هؤلاء الثلاثة براءة الذئب من دم ابن يعقوب؛ لأنه لو سئل شخصيًّا فسينفي ما يقال على لسانه أو ما يكتب باسمه، لأنه يعتبر نفسه أبًا للجميع، وهو لن يفرط في أحد خاصةً الأستاذ مجدي حسين ابن زعيمه وحبيبه وقدوته المرحوم أحمد حسين زعيم مصر الفتاة التي ينتمي إليها المهندس إبراهيم شكري، ] وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[ (الأنفال:30) 

      ]يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ[ (الصف:8) صدق الله العظيم.


والآن لنترك كل هذا ولنركز على أمر إنساني واحد هو الذي ينفطر قلبي من أجله..

هذا الأمر.. هو أن جهاز الأمن الباطش الجبار، قد تواطأ بلا قلب وبلا ضمير، مع ابن عاق، لامتهان مجاهد وطني مستغلين كونه في أرذل العمر، ومستعينين بمجموعة من العملاء الذين زرعهم الأمن في الحزب منذ البداية لتدميره عند اللزوم..

إلى من يلجأ الإنسان في وضع مأساوي مثل هذا.. 

يا رب..

ليس لها من دونك كاشفة..

*** 

حاشية

مجدي حسين وعمرو خالد


حبيبان ، قريبان إلى قلبي وعقلي، وكلاهما – أحسبه - يجاهد في سبيل الله لا يبغي إلا وجهه الكريم الذي أشرقت لنوره السماوات والأرض.

لكن مقال الأستاذ  مجدي حسين الأخير أزعجني..

وليس عيبا أن نختلف.. بل لقد كنت أفخر دائما بأن حزب العمل هو الحزب الوحيد الذي يستطيع أصدقاؤه الاختلاف معه دون انقطاع أواصر الود..

ولطالما حفلت العلاقة بالاختلاف بيني وبين المرحوم الأستاذ الدكتور حلمي مراد ( حيث أورد ذلك في تقديمه لكتابي اغتيال أمة منذ ما يقرب منذ عشرين عاما).. وبيني وبين المفكر الفذ العملاق عادل حسين.. ثم بيني وبين أخي وصديقي المناضل الأستاذ مجدي حسين..

كذلك اختلفت مع الأستاذ إبراهيم شكري في منتصف التسعينات، ونشرت ذلك في الشعب وفي كتابي : " إني أرى الملك عاريا"..

ولقد نوهت لبعض هذه الاختلافات في مقالات متعددة..

ولقد أشرت إشارة عابرة إلى اختلاف جذري يختلف عما سبقه بيني وبين الأستاذ مجدي حسين دون أن أذكر الأسماء وذلك في عتابي على ظهوره في قناة الحرة.. وقد كان هو أحد الزعماء الأفذاذ لحركة المقاطعة..

ثم ازداد قلقي بعد مقاله الأخير في صحيفة الشعب.. حيث يدور مفهومه أن أمريكا تحت وطأة فشلها وهزيمتها في العراق بدأت تغير سياستها و أسلوبها..

وكان هذا أكثر من أن أستطيع احتماله أو الموافقة عليه.. أو احتمال مسئولية الصمت عنه أمام القراء أو تحمل وزره أمام الله..

فأمريكا لم تغير سياستها ولن تغيرها أبدا بل لم يغير الغرب سياسته إزاءنا منذ هرقل..

أمريكا تستهدف الإسلام وتهينه وتزدريه وتستهدف محوه.. فإن أمكن الوصول إلى ذلك بالغواية فلا بأس بإيقاف القتل..( وعلى أي حال هي لم توقف القتل.. و إنما زادت من جرعة الخداع)..

و أمريكا لن يردعها إلا أن تدرك قدرتنا على إيذائها بأية طريقة.. ( أعترف في رضا بأن الأستاذ مجدي حسين شديد الوعي بهذه النقطة بل إنه يعزي التغيير الذي تصوره في السياسة الأمريكية إلى المقاومة المسلحة العراقية)..

قد أعترف أن أمريكا قد تغير وسائلها لكن تغيير الوسائل لا يعني تغيير الأهداف. 

كما أنني أدرك أن أشكال المقاومة لا تنحصر في التشكيلات القتالية، لكنها لو تخلت عنها فقدت كل شيء.

وبرغم أنني واحد من الذين يظنون أن إيران قد بددت في الأعوام الخمسة الأخيرة رصيدها الذي كونته طيلة ربع قرن، إلا أنني أنظر مقدِّرا ممارساتها كدولة، تستطيع أن تناور و أن تفاوض و أن تقبل و أن ترفض، و أن تعوض خسارتها في ميدان بمكسب في ميدان آخر، و مهما قيل عن اتفاقيات سرية وعن عمالة فلن يبلغ هذا ولا ذاك قدره في صفوف حكامنا. أنظر إلى ذلك و أقدره أيا كانت دوافعه لأننا إزاء دولة وحكومة ورئيس وليس مجموعة من العبيد والخصيان والغلمان – يلبسون كالمهرجين ملابس ملوك ورؤساء و أمراء. أقول أنني أقدر – لا أؤيد-  نجاحات السياسة الإيرانية إزاء أمريكا رغم أنها لم تطلق طلقة رصاص، لكن اليد على الزناد.

هذه هي الحقيقة .. و أي فهم للأمور غير ذلك مرعب خاصة لمن كان في مكان ومكانة مجدي حسين.. رغم أنني أعترف أن مقاله الأخير يلمح ولا يصرح، ويشير ولا يمسك.. لكنني تعودت في مقالاته النارية وكتاباته الفقهية العميقة أن تكون الكلمة رصاصة لا تلتوي ولا تنحرف فأعرف من أين انطلقت و إلى أين صوبت.. 

في المقال الأخير تهت..

كان هناك " بما أن " كثيرة جدا .. لكنني لم أجد: "إذن"..

وهذا ما أرعبني..

ولم يخفني ما قيل بقدر ما أخافني ما تصورت أنه لم يقل..

ولكن:

بعض الظن إثم!..


كنت قد تحاورت في الأمر مع الأستاذ مجدي ولم يحل الحوار الاختلاف..

كنت قد كتبت هذا الجزء منذ أسبوعين.. لكنني ترددت في نشره.. فالوقت ليس مناسبا إثارة الخلافات أو الاختلافات ومعاول الشيطان تنهال على الحزب وسكين الجلاد يوشك أن يعمل فيه عمله..

وقلت لنفسي أن الخلاف لا يفسد للود قضية..

لكنني سرعان ما رددت على ذلك بأن هذه الحكمة تنطبق على وجهات نظر تحتمل الصواب والخطأ .. لكنها لا تصلح أبدا فيما هو باطل كله..

فهل يجوز ألا يفسد الخلاف قضية الود مع من يقترف الكبائر – معاذ الله -.. أو يزعم أنها حلال..

كان قلبي ينفطر..

قلت لنفسي أننا طالما أدنا القيادات التي لم تجاهر بمعارضتها في الوقت المناسب.. ولطالما قلنا أنه لو حدث هذا لما حدثت هزيمة 67 ولا مصيبة كامب ديفيد  ولا الكوارث التي غطت حكم مبارك جله.. 

وفكرت في الانقطاع علن الكتابة في " الشعب " احتجاجا لكنني تذكرت عهدا قطعته على نفسي ألا أتوقف عن الكتابة إلا إذا حطموا قلمي أو قطعوا يدي..

لكن أمرا قد حدث حسم ترددي..

فقد ظهر الأستاذ مجدي حسين في قناة الحرة مرة أخرى..

ويا أخي الحبيب مجدي حسين..

هل استبطأت نصر الله..

يا أخي الحبيب مجدي حسين.. نحن لا نجاهد من أجل حزب ولا صحيفة ولا وصول إلى الناس نستنصرهم.. نحن نجاهد في سبيل الله يملؤنا الرعب من أن نكون نجاهد كي يقال أننا نجاهد.. وقد قيل فيذهبون بنا إلى النار..

نحن نجاهد داعين أن يخلص الله نيتنا له و أن يختم لنا على خير..

نحن نجاهد لا نبالي إن لم يسمع بنا الناس.. أو حتى أهل بيتنا.. لأننا نعلم أنه سبحانه وتعالى: يسمع ويرى..

ونحن لا نبالي إذا كان ما بيننا وبينه عامر وكان ما بيننا وبين العالمين خراب..

أيها المجاهد الذي جاهدت أكثر مما جاهدنا.. و أبليت أكثر مما أبلينا.. ودفعت من حريتك وراحتك أضعاف أضعاف ما دفعنا.. أحسبت ألا تُفتن؟!!.. أم ظننت أنك معصوم من وسوسة الشيطان.. وكيف نواجه الناس ونحن نطلب منهم أن يقاطعوا الشبسي و الإيريال والبيبسي كولا ونحن لا نقاطع الحرة؟!.. أو على الأحرى: العاهرة الحرة..

 إنني أرجوك أن تقول لنا جميعا وللقراء أمرا من ثلاثة:

إما أن تقول أنك على صواب وحجتك كذا وكذا ( والله الذي لا إله إلا هو أنني لو خيرت لاخترت أن تكون أنت المصيب.. لكنني في هذا الأمر لا أجد للصواب لك بابا)..

وإما أن تقول أنك أخطأت و أنك تستغفر وتتوب..

و إما أن تكشف لنا بالدليل الساطع والبرهان الدامغ على أن للأمر وجها آخر تماما لم نحط به خيرا .. وأن تخبرنا به..

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

***

 مع عمرو خالد الأمر أشد و أقسى و أنكي.. 

الأمر تصريح لا تلميح.. وتلبس لا إشارة..

لذلك فللكلمات طعم البكاء وملح الدموع..

ولقد عرفت عمرو خالد قبل أن يشيع أمره وينتشر ذكره.. كان يلقي دروسه ومواعظه في بيت صديق لابني في جمع محدود من الأصدقاء.. ولقد لمست بعد ذلك أن تأثيره على أبنائي كان أكثر من تأثيري أنا عليهم.. ولم يكن ذلك غريبا على الكثيرين من  أصحابي الذين فوجئوا بنفس الأمر..

وقفت دائما منافحا عنه، منوها بأن الرجل داعية فذ أثبت نجاحا منقطع النظير عند فئة لم يكن للدعاة إليها سبيل. وكنت أرد الاتهام عنه.. فإذا اتهموه في علمه الفقهي قلت لهم أن الرجل داعية وليس فقيها.. وإذا عابوا عليه بعض الخلل العقدي اعتذرت لهم بأن الرجل ليس عالما.. وحتى حين لوحظ عليه عدم تحري الدقة في إسناد الحديث قلت لهم أن جهابذة شيوخ الأزهر يقعون فيما هو أشد و أنكى.. ثم أنه لم يتورط فيما يتورط فيه علماء شيطان وسلطان سفلة استبدلوا دنياهم بدينهم فتجد منهم عالما خسيسا يقول أن عدم الذهاب إلى الاستفتاء كتمان للشهادة التي أمر الله بها، ولا يذكر الخسيس أن هذه الشهادة تزور، ولا هو فعل كذلك الخسيس المجرم الآخر الذي يحارب مكبرات الصوت في المساجد ولا يحاربها في الكباريهات، ولا كذلك الزنديق الذي ينفي – بفقه أمريكي – العمليات الاستشهادية فكلها عنده انتحار وكفر – كأنه يخشى الكفر حقا!!- ، ولا هو فعل ككبيرهم  عبد الشيطان الذي يفتي في الصباح بأنها استشهادية وفي المساء بأنها انتحارية – وبين الصباح والمساء ستجد زيارة حاخام أو مكالمة سفير.

لم يفعل عمرو خالد ذلك..

لذلك تجنبت ذكر اسمه عندما كتبت في مقالي الماضي عن مسابقة مجلة النيوزويك التي اختارت داعرة كشخصية للعام.. واختارت  : أسامة أنور عكاشة منوهة بموقفه من الصحابي الجليل  سيدنا عمرو بن العاص (وصفه الحقير بأنه – أستغفر الله العظيم – أحقر شخصية في التاريخ الإسلامي) ويحيى الفخراني.

تجنبت ذكر اسمه رغم أن المجلة ذكرت اسمه فيمن سيكرمون..

قلت لنفسي أن الأمر بذاءة و إسفاف ومحاولة لتلويث اسمه..

ولم يخطر ببالي ولو كهاجس أن يقبل عمرو خالد ترشيح..

لكنه قبل – و إن كان لم يذهب- ..

فواحسرتاه..

واحسرتاه أيها القلب المتصدع الذي لم يعد يدري من أين تأتيه الطعنة القادمة ولا لماذا ولا كيف .. أمن أعدى الأعداء أم من أقرب الأصدقاء.

أم من أب أ و أم؟!..

لقد جاءتني ابنتي الصغرى (ليسانس الآداب) مذهولة مصعوقة كما لو كانت أركان الكون قد تصدعت.. وكأنها تخشى أن تنقض عليها السماء. 

كانت هي أكثر أبنائي تحمسا لعمرو خالد..

وكانت تقف في صفه دائما عندما يعن لي أن أصوب جزءا أو أصحح فكرة أو أنتقد خطأ..

جاءتني بنظرة لن أنسى ما حييت ما كان فيها من مرارة وانكسار وصدمة وذهول.. و.. و ... و .. وشيء لم أستطع حينها التعبير عنه.. وكعادتي .. فإن عجز الألفاظ عن التعبير عن معنى يضنيني ويشقيني  ويزعجني.. كشوكة في الحلق .. لا يخف وجعها إلا بنزعها كما لا يخف  وجعي إلا بالعثور على اللفظ الذي يعبر عن  المعنى..

سألت نفسي : ماذا تشبه نظرة المرارة والانكسار والصدمة والذهول في عيني ابنتي..

هل تشبه نظرة صديق خانه صديقه؟..

أم حبيب خانه حبيبه..

أم قيمة هانت أم  فكرة خانت أم أملا خاب أم هدفا لم يتحقق أو رجاء لم يجب.. أم دعوة لم تستجب..

رحت أمحص الأمر و أقلبه على وجوهه.. لأكتشف أن أيا من ذلك لا يفسر نظرة المرارة والانكسار والصدمة والذهول في عيني ابنتي .. فما أكثر الصديق الذي يخون صديقه والحبيب الذي يخونه حبيبه وما أكثر ما تخون الفكرة وما يخيب الأمل ولا يتحقق الرجاء ولا تستجاب الدعوة..

ما أكثر ما يحدث ذلك.. للدرجة التي لا يصلح معها أي مما ذكرت  لتفسير نظرة المرارة والانكسار والصدمة والذهول التي كانت تشي في عذاب لا يوصف أنها قد تعرضت لخيانة لم يسبق أن تعرض لها أحد.. خيانة ضد قوانين المنطق وسنن الكون.. وضد الفطرة التي وضعها الله فينا..

وبينما تضنيني حيرتي قفز إلى وجداني شطر بيت شعر أظنه لأحمد شوقي:

فيا لك هرة أكلت بنيها..

فانتُزعت الشوكة من حلقي!!..

نعم هذا ما يفسر نظرة المرارة والانكسار والصدمة والذهول.. لقد كانت رد فعل لتصرف ناب خارق مروع مذهل، خارج عن المألوف يوازي أنها – ابنتي – قد رأت عمرو خالد يأكل واحدا أو واحدة من جمهوره.. بل ويتلذذ بمضغ لحمه وسحق عظامه..

ومن هنا كانت نظرة المرارة والانكسار والصدمة والذهول.. وربما الاشمئزاز والقرف.

تخيلتها تستعيد دراستها لتصرخ:

- حتى أنت يا عمرو خالد!!..

***

ترى.. هل يشمت بي أصدقائي الذين شاجرتهم من أجلك؟!..

يا عمرو: طريقك إحياء الدين لا علمنة الدين..

يا عمرو: سبيلك ما يقربك من المؤمنين لا من النيوزويك..

قد يعتذر لك البعض بأنك وقد طردت من وطنك..- طردك أولياء الشيطان – لم تجد من سبيل إلى العودة إلا عن طريق تأشيرة دخول من النيوزويك.. لكن أرض الله واسعة .. فهاجر.. تعد  و أمعن في البعد  تقترب!!..

يا عمرو.. لأن يهدي بك الله واحدا خير لك من الدنيا وما فيها.. 

يا عمرو.. حتى البغيض أسامة أنور عكاشة الذي أشك إذا ما كان الإسلام يمثل أي مرجعية له.. أسامة أنور عكاشة الذي يدافع دفاعا مستميتا عن الغزو الأمريكي للعراق.. أسامة أنور عكاشة احتج غاضبا على اقتصار أسباب تكريمه على سباب الصحابي الجليل فخشي على سمعته وشرفه ومصداقيته بين جمهوره – وهي صفات أشك في وجودها – فرفض الذهاب للتكريم..

فكيف قبلت أنت يا عمرو خالد.. أيها الأمل الواعد الذي أدعو الله ألا يكون قد خبا.. والجذوة المشتعلة التي تضيء الطريق للمسلمين..

يا عمرو: إن كنت قد كسبت واحدا من العلمانيين فقد خسرت من المسلمين مائة.. و إن كنت قد كسبت ألفا فقد خسرت مليونا.. و إن كنت قد كسبت مجد الدنيا فأخشى أن تكون كسبت خزي الآخرة..

يا عمرو: غفر الله لك..

أخشى ما أخشاه أن يندفع علماؤنا ومفكرونا إلى نوع من التصالح والتطبيع مع الشيطان فإذا الحرة قناة كالقنوات الأخرى لا تثريب على من يتحدث فيها و إذا النيوزويك مجلة كبقية المجلات لا مانع من التعامل معها.

لن أتحدث عن الولاء والبراء ولا " وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً" ولا عن ضرورة المقاطعة ولا عن حرمة التعامل مع عدو استباح الدم والأرض والعرض.. ولا أن وسائل الإعلام أصبحت لا تقل خطرا عن كتائب الجيوش.. لن أتحدث عن ذلك.. بل أتحدث عن ماوتسي تونج الذي حرم على الصينيين أثناء الثورة الاستماع إلى سيمفونيات بيتهوفن وموزارت.. وعندما سئل عن السبب قال: لكي لا تحبوا أعداءكم..

كان بيتهوفن وموزارت.. لم يكونا الحرة والنيوزويك.. اللتان لم توجدا أصلا إلا لغسيل المخ والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف مما يجعل التعامل معهما لا يقل عن التعامل مع إسرائيل..

بالمناسبة: أحيي الأستاذ جورج إسحاق الذي اتخذ قرارا  بمقاطعة تلك وذلك.. 

أيها الحبيب عمرو خالد..

لا تظن أبدا أنك بتوددك إليهم يرضون عنك..

لأنهم لن يرضوا عنك إلا إذا اتبعت ملتهم..

ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

*** 

هامش: يعلم الله أنني أسعى إلى رأب الصدع لا إلى توسيع شقة الخلاف.. ولو أن أي واحد منكم ضمن لي ألا أموت اليوم لأجلت المواجهة إلى الغد.. لذلك و لأسباب لا بد أن القارئ سيتفهمها فإن الحاشيتين السابقتين غير منشورتين في نسخة هذا المقال المنشورة في صحيفة " الشعب".. 

وبرغم ما أعانيه من ألم فإنني فخور بقدرتنا على انتقاد أنفسنا وتصويب أخطائنا.. إن شاء الله..

***

***


***


حاشية

دراسة نقدية

هامش: الجزء التالي للمتخصصين في الأدب والمهتمين بنقد الفلسفة الغربية، أما غيرهم فإنني أنصحهم بعدم قراءته، إذ قد يجرح الشعور والحياء، وأنبه القارئ أنني أورده لكي يدرك كم البذاءة التي يتمتع بها هؤلاء الناس دون أي مقتضيات فنية أو أدبية بل وأيضا ركاكة الأسلوب وسقم المعنى، إن كلمة أديب في العربية مشتقة من المآدب والكرم، وتعني رقي المشاعر ومكارم الأخلاق، ولقد لاحظت أن عصابات النقد الأدبي في تواطؤ صريح مع الكتاب الحداثيين نادرا ما تكشف أساليبهم الوقحة. ولقد اخترت نشر هذا الفصل ليدافع عن مثل هذا الأدب من يدافع عنه عن بينة وليرفضه من يرفضه عن بينة. و إنني واثق أن من يعرفون الغيطاني عن طريق التلفاز أو الندوات سيصدمون صدمة عنيفة عندما يطلعون علي كم الفظاظة والبذاءة في أدبه.. خاصة رواياته الأخيرة.. حتى فاروق عبد القادر.. اليساري العتيق دهش.. واشمأز.. واشمأنط .. وتقزز.. وإلى الدراسة:

م ع 


في عمل جديد لجمال الغيطاني:

رجال ونساء في المؤسسة والخبيئة


فاروق عبد القادر

في الرواية العربية المعاصرة- كتاب الهلال-العدد 633


بين جمال الغيطاني وبيني قصة قصيرة أراها مقدمة ضرورية لهذا الحديث، وأسوقها بإيجاز: عرفت أعماله منذ بدأ النشر في النصف الثاني من الستينيات (صدرت مجموعته الأولى في 1969، ولعل أول دراسة طويلة نشرت عن أعماله كانت لي «الوجه والقناع » مجلة الطليعة يونيو 1972: - ص 188- 195. 

 لم يكن قد أصدر سوى مجموعته تلك وعددا من القصص القصيرة شكلت مادة الدراسة. وفى عام 1976كتبت عن روايته وقائع حارة الزعفراني في ذات المجلة (سبتمبر 1976)، ولم أعد للكتابة عن أي من أعماله حتى 1987حين تناولت روايته "رسالة في الصبابة والوجد " وبعدها بخمس سنوات، في 1992- وفى روز اليوسف هذه المرة - نشرت مقالا عن رواية هاتف المغيب. (15/6/1992)، ولم أفاجأ بقدر الصخب الذي أعقب نشر هذا المقال الأخير، وكان ما لفت نظري فيه أمران مرتبطان: الأول أن أحدا ممن تصدوا للرد على ما كتبت - وهم كثيرون - لم يقف ليناقش الرواية ذاتها، ثم يختلف معي أو يتفق. الثاني أن الروائي نفسه - وكان يحرر صفحة أدبية أسبوعية في صحيفة الأخبار قبل أن تصدر أخبار الأدب ويتولى رياسة تحريرها في يوليو 1993- لم يتصد للرد أو المناقشة على نحو واضح أو مباشر، بل آثر الغمز واللمز والتلسين، فكتب عن بلطجية النقد الأدبي، الذين يشهرون جنازير الابتزاز ومطاوي مسممة تستهدف عملية اغتيال أدبي، وعن ظاهرة البلطجة التي تنتقل من المجتمع إلى مجال النقد الأدبي.. فنقرأ مقالات مكتوبة بقرن الغزال ... الخ ( الأخبار 24 و 26 و 1/7). 

وتمضى بنا الأيام بعد "هاتف المغيب"، أصدر الغيطاني "متون الأهرام" 1993، "من دفتر العشق والغربة"، ه 199، "خلسات الكرى"، 1996، "دنا فتدلى"1997، و "سفر البنيان"، 1997. وأخيرا أصدر عملا في جزأين .. هو موضوع هذا الحديث: "حكايات المؤسسة" و"حكايات الخبيئة" (طبع الأول منهما ثلاث طبعات: واحدة في بيروت، واثنتان في القاهرة، أما الثاني فصدرت طبعته الأولى قبل أسابيع ).

وقبل أن ندخل هذا العالم أود أن أثبت ملاحظتين: الأولى أن طنينا قد أحاط بهذا العمل، خاصة حكايات الخبيئة، فمن قائل إنه تصفية حسابات معلقة بين الكاتب والمؤسسة التي يعمل بها، من حيث الطريقة التي تدار بها هذه المؤسسة، وأشخاص القائمين على هذه الإدارة، ومن قائل أن المسألة تتجاوز هذه المؤسسة إلى المؤسسة الأشمل والأعم وأن شخوصا في هذا العمل تقف مكافئة لبعض المسئولين، يشتركون معا في سمات محددة، توقف عندها الكاتب، وأبرزها عمدا، ليحددهم ويعينهم بحيث لا يدع مجالا لخلط أو التباس. ويقول هؤلاء وأولئك - بالتالي - إن الرواية قد دخلت أرضا كانت مقتصرة على جلسات النميمة وثرثرات المقاهي (وسنرجئ مناقشة هذه الدعوى حتى نعرض للعمل نفسه. الملاحظة الثانية أن حكايات المؤسسة و حكايات الخبيئة مرتبطان معا بأكثر من رباط. هي ذات المؤسسة وهم ذوات الأشخاص وهو ذات المناخ العام (خل جانبا طريقة السرد واللغة وبقية أدوات العمل الروائي، ومن ثم يحق لنا اعتبارهما عملا واحدا رغم الفارق الزمني بينهما في تاريخي الكتابة والنشر. خمس سنوات، وهذا أمر ليس غريبا بوجه عام، كما أنه مسبوق عند الكاتب نفسه. (الجزء الأول في 318 صفحة .الثاني في 339 .

ولعلني لا أستبق الحكم حين أقول إن المشكلة الأولى، والرئيسة، في هذا العمل هي تعثره بين المكاشفة والتخفي، التصريح والتلويح، بين ما يريد الراوي أن يقول وما يستطيع أن يقول. وحين أراد أن يجعل مؤسسته بشخوصها وأحداثها واقفة تتأرجح على هذا الحد الزلق بين الواقع وما وراءه أو ما فوقه، لم يجد بين يديه سوى أدوات ووسائط فقيرة: المبالغة التي تتجاوز كل الحدود، والإلحاح بالتكرار في الألفاظ والمعاني - لدرجة الإضجار، في ظنه أن هذه المبالغات تحيط الشخصيات بأطر غرائبية أو واقعية سحرية يستخدمها الروائيون الكبار في أمريكا اللاتينية بوجه خاص. لكن هذه، عندهم، ليست أطرا، بل تفاصيل من صميم حياتهم وممارساتهم وتراثهم وموروثهم الثقافي، أما نقلها إلى أعمال صادرة عن ثقافة مختلفة ومتوجهة لجمهور مختلف فيشبه تماما أن تلصق قطعا من الصدف على لوح خشبي، إن تساقطت هذه القطع، تكشف عرى الخشب وقبحه ! .

العمل كله يأتينا عن طريق راوية كلى القدرة والمعرفة، يعرف كل التفاصيل في الماضي والحاضر، عن الأفكار والمشاعر، هو الذي يقدم الأحداث والشخصيات، إنه لا يقدم للحدث ثم يخليه أمام قارئه كي يراه بعينيه هو ولا يقدم الشخصية ثم يفك قبضته الخانقة عنها كي تقول وتفعل وتحيا حياتها أمام القارئ لكنه يقدم الأحداث والشخصيات جميعا بطريقة التقارير التي تأتى جاهزة، ناجزة، واقفة بعيدا ومكتملة. ومن ثم فلا اختلاف في اللغة أو طريقة السرد أو الوصف. هي ذات اللغة عند جميع الشخصيات ولسرد جميع الأحداث، بما يسودها من كليشيهات وبلاغة قديمة وأخطاء في المعنى والمبنى! .

ومن شأن هذه الطريقة أن تفقد العمل أي بناء. مهما جهدت نفسك لن تجد معالم بناء ما، وإذا كان أحد تعريفات الرواية إنها حركة تتقدم في الزمان، فلن تجد هنا تقدما يطرد في أي اتجاه، وفى الصفحات الأخيرة من الجزء الثاني قد تفاجئك ذكريات أو معلومات عن المؤسس الذي يبدأ به العمل كله، وهذا شأن بقية الشخصيات، ولدى الراوي صيغ جاهزة يصل بها أو يفصل. خذ بعضها :

" لكننا نقصر الآن ونعود إلى ما جرى"، " ولهذا تفصيل"، " لكن الحديث عن ذلك سابق لأوانه"، "وأموره في ذلك معروفة يطول تفصلها"، "سيرد ذكره في موضعه"، و "هذا مما يطول شرحه فلنرجئه"..... ومثل هذا كثير.

 إن هذه الطريقة في السرد تفك أوصال العمل، وتؤدي لألوان من التكرار لا يمكن تفاديها وبطبيعة الحال، ثمة حتم أخر، له طبيعة سيكولوجية في الغالب، هو ما يحدد البنى أو التيمات المتكررة وربما رأينا شيئا منها فيما يلي.

ويمكننا - على وجه العموم - أن نجد نوعين من الشخصيات: شخصيات في البؤرة وأخرى في الهامش. الأولى تحظى من الراوي بأوفى اهتمام، فيسرد كل التفاصيل التي يعرفها عنها، في ماضيها وحاضرها، أما الثانية فقد يكتفي بذكر أسمائها (واختيار الأسماء لا يخلو من غرابة) وما يلتصق بكل منها من وقائع أو سمات خاصة (لا تخلو من غرابة كذلك)، لكن هذه وتلك من الشخصيات تقدم إلينا بطريقة التقارير الجاهزة، كما سبق القول.

من الطبيعي، في المؤسسة أن تبدأ بالمؤسس. ونحن لا نراه، بطبيعة الطريقة التي يستخدمها الراوي، وكل ما يتعلق به يأتي إلينا عن طريق الاسترجاع من اثنين من قدامى العاملين، ويجب أن نضع في الاعتبار أن له معارضين ومناصرين، لكننا نستطيع استخلاص بعض المعلومات التي تبدو مؤكدة: إنه يبدو بلا تاريخ محدد، وأقام مؤسسته في تاريخ غير محدد كذلك (إذا كان الروائي يحدد زمن الكتابة: الآن، فإن كل الشواهد تؤكد أنها أنشئت في أربعينيات القرن الماضي)، لكنه اشترى الأرض التي أقيمت عليها حين كانت حقولا أو بورا على أطراف القاهرة ثم أصبحت في قلبها. لعل أهم الملامح الخاصة به أنه درس الاقتصاد في جامعة أمريكية. وأنه أولع  بالآثار، ويقال :إنه عثر على خبيئة (من المعروف أن هذه الكلمة تعنى كنوز المقابر الفرعونية أو الخارطة التي تحدد أماكنها، وهى ترد هنا لأول مرة ص 21 مرتبطة بخبيئة وادى الملوك، وأنها مدفونة خلف أبواب وسراديب في الطوابق السفلي من المؤسسة، وسوف نعرف - في القسم الثاني أن لها أمينا ستدور عنه وعنها الحكايات. ومما يبدو مؤكدا كذلك أن المؤسسة تعرضت للتأميم أول الستينيات، وأن المؤسس تعرض لمحنة كبرى وسط الستينيات، ثم رد إليه اعتباره بعد مايو 1971، وينسب الراوي إلى المؤسس علاقة خاصة بجمال عبد الناصر، وأحد قدامى العاملين يصف زيارة عبد الناصر للمؤسسة ويربط بين الرجلين: لم ير مثيلا لمشيته، لمهابته، لقوة حضوره، لا يضاهيه إلا المؤسس، ولا يفسر الراوي هذه المحنة الكبرى التي أصابت المؤسس، ولا بكلمة واحدة !.

أرجو أن يتضح لك ما أعنيه من التعثر بين المكاشفة والتخفي، بين أن تقول ولا تقول، وأن تغمز بعينك للقارئ في إغراء بالتواطؤ: أنت تعرف وأنا أعرف لكنني لا أجرؤ على مزيد من الإفصاح، أرجو أن يتضح لك ما أعنى إذا وضعت في اعتبارك الحقائق التالية: إن مؤسسة أخبار اليوم أنشئت في أربعينيات القرن الماضي، وخضعت للتأميم مع بقية المؤسسات الصحفية في 1960 ويقول الراوي عن المؤسس: في ليلة التأميم صدر قرار سيادي أن يستمر المؤسس في موقعه بكامل مسئولياته وهذا تماما ما حدث مع مصطفى أمين، الذي تعرض لمحنة كبرى هي قضية التخابر الشهيرة منتصف الستينيات، وأن الذي رد إليه اعتباره هو الرجل الذي قام بأحداث مايو 1971! .

أضف لذلك المعلومات التي تبدو مؤكدة - من فرط تكرارها - عن المؤسس، معلومات أخرى من قبيل أن له حكايات تتردد مع أميرات من أسرة محمد على، وأنه كان يمارس الجنس خلال ساعات العمل في المؤسسة، وثمة حكاية مترددة (تتردد ثلاث مرات في جزئي العمل، بنفس كلماتها تقريبا) عن موظف منضبط، ما أن فتح باب مكتب المؤسس - الذي لم يكن يغلق قط - حتى فوجئ بمؤخرة شاهقة التكوين والبياض منفلقة بروعة، تضوي أمامه، وكان المؤسس يستند إلى المقعد التاريخي، وصاحبته تعلوه، وثمة حكاية أخرى عن الطريقة التي انتقم بها المؤسس من الشاب الممتاز خالد الذي كان أول دفعته في الرياضيات، وعمل بالمؤسسة، حتى أيقن المؤسس بوسائله الخاصة، إلى جانب تقارير الأمن أن خالدا عضو قيادي مهم في تنظيم سرى يساري متطرف، يؤمن بالحتمية التاريخية ! (علامة التعجب من عندي) . استوثق أيضا أنه وراء العديد من الشائعات التي استهدفته شخصيا، فكيف كان انتقامه؟  لقد رتب الأمور بحيث تنتهي إلى هذا المشهد الذي لم يعاينه أحد: "عندما دخل رئيس البعثة إلى الخيمة فوجئ بالطباخ النوبي فوقه".

تلك الحكايات، وأمثالها، لها سياق أخر. من الشخصيات التي في البؤرة أيضا اثنان من قدامى العاملين، صحبا المؤسس وبقيا معه حتى أطيح بهما: "الجواهري" و "عطية بك". لاحظ - مرة أخرى - أن الطريقة الوحيدة للتعرف إليهما هي التقارير ذوات الطابع التجريدي الجاف التي تحوى تفاصيل كثيرة لكنها لا تكاد تضيف شيئا. على سبيل المثال: ما أهمية أن نعرف أن ذرية الجوهري كلها من الإناث: بنات وحفيدات؟  أو أن نعرف أنه شديد التمسك بقرارات المجمع اللغوي، يتابعها ويحفظها عن ظهر قلب، يأبى نطق كلمة الساندويتش ويقول: شاطر ومشطور وبينهما طازج؟  وهو يأبى الاعتراف بأنه كاتب خطب المؤسس التي عدت قطعا رفيعة، رصينة من الأدب البليغ والنثر الجميل، ويمضى في المبالغة المعتادة فينسب إليه بعض الكلمات الشهيرة خلال ذلك القرن، ثم يورد أولى هذه الكلمات على نحو خاطئ، استنادا لمعرفة سماعية وذاكرة خئون، لعل إنجازه الوحيد هو أنه عمل على إرسال آلاف البرقيات إلى القيادات السياسية والتنفيذية والأمنية .. تستنكر وترفض أن يتولى البروفيسور المزعوم أمر المؤسسة .

أما عطية، أو "عطية بك" فيتقدم إلينا بهذه الأوصاف: حاد النظرة مختصر اللفظ، لهجته توحي بالثقة، لا يتكلم إلا متمهلا.. لديه مهابة مؤثرة، وهو أحد الذين اختارهم المؤسس بنفسه لسببين: قدرته على الإقناع، وموهبته في إطلاق الشائعات (ولا بأس بأن يسوق إلينا الراوي بعض هذه الشائعات 0 ومنها واحدة أدت برجل أعمال رصين إلى أن يقتل امرأته ويقطع جسدها ويعبئه في علب الأناناس الفارغة). على أن إنجازه الحقيقي هو هذه "القفلة المرورية" التي أحدثها في العاصمة فشل الحركة فيها، بسبع خطوات فقط أحدث التكدس في المدينة وضواحيها، وبسبع خطوات معاكسة بدأت العجلات تدور والمررو يتدفق، كان يعترض – بطريقته- على أن يصبح البروفيسور رئيسا للمؤسسة، بعدها صدر قرار علوي باعتقاله ! .

هذا شأن بقية الشخصيات: "البروفيسور قلقاسة" (لا نعرف له سوى هذا الاسم) مسئول الجراج وأول من أنشأ أجهزة الأمن في المؤسسة، كاد يصبح رئيس المؤسسة الرابع لولا أنه أزيح في اللحظة الأخيرة، وعين بدله رئيس قطاع الحواسب الآلية هو الذي سيبقى على رأسها - ورؤوسنا - حتى نهاية العمل كله. "الأشموني": عاشق الترام وأقدم موظفي الاستعلامات، أعزب، في حياته قصة حب خائبة وصديق وحيد يعمل مفتشا للصحة يترددان معا على المطاعم ليتناولا الطعام دون مقابل (ستتكرر هذه الشخصية بذات الملامح في الجزء الثاني ويأخذ لقبه المشروع: الدكتور)، و "عم صديق": كليشيه جامد للخادم والتابع النوبي الأمين: "عزب الميدومى" الذي تسلل إلى مكتب سيادته عن طريق إصلاح الأجهزة المعطلة في بيته، وبوساطة من الزوجة الأجنبية الثكلى صعد إلى مكتبه وتولى مسئوليات عديدة. .. الخ .

كل هذه شخصيات ورقية لو صح التعبير، جثث هامدة فارقتها كل أمارات الحياة، كل واحدة منها كولاج مهترىء، تتنافر مكوناته ولا تتآلف، وهى مكونات بائسة لا تعطى الكثير: المبالغة التي تتجاوز كل الحدود، والتزيد والثرثرة والتكرار واستخدام المترادفات والصيغ الجاهزة الوصف والسرد والتعبير.

نبقى على شخصيتين لابد من التعرض لهما، ولا حيلة لنا، فالصراع بينهما يستعر على امتداد صفحات العمل خاصة جزءه الثاني، أولهما قواد و ثانيهما شاذ: "عبده النمرسى" و"فيروز بحري" أنعم بهما وأكرم !. وكلاهما كما سنرى - لا يخفى حقيقته أو يتستر بها، أولهما يشيد أكثر من مرة - بفضائل القوادة، هذه كلمات قليلة له من مواضع متفرقة: 

في الجمالية يقولون إنه قادر على غواية أي مصونة، إخراجها من خدرها، ترويضها وتطويعها ثم اللعب بها كالخاتم في الإصبع. (ص 141 )..

 لكم تمكن من جميلات منيعات استعصين على رجال أشداء أثرياء يملأون هدومهم تماما، لكنه لم يضاجعهن إرضاء لرغبة، إنما لتطويعهن وتليين للعصيات منهن، متعته التامة في جمع طرفين متباعدين ثم الوقوف على ما يجرى إذا أتيح ذلك سرا أو بالإصغاء، وبالذات إلى رواية الأنثى... 

إنه ملم بما يقال عنه لكنه لا يعبأ، ليس لأن وجهه مكشوف، إنما لإشفاقه على من لا يدرك متعته التي يلقاها .. (ص 222، 223 ).


 ومن المعروف في أدبيات التحليل النفسي أن القواد يتماهى مع الطرف الذي يقاد، أي المرأة وهو، من ثم، يصدر عن شذوذ جنسي سالب، كامن أو سافر. 


ولا يخفى النمرسى سعادته لأن ما ظل يمارسه سرا أصبح اليوم على مستوى الكوكب كله، لنستمع إلى حديث القواد:

 طائرات خاصة تقلع الآن من مطارات روسيا محملة بجميلات تتراوح أعمارهن بين الثانية عشرة والعشرين، اطلع على صور التقطت لحفل أقامه ثرى جديد في مدينة دمياط، اتفق مع مكتب استيراد وتصدير على قيام ثلاثين فتاة روسية من عمر واحد - ستة عشر - ملامحهن متقاربة، أطوالهن متساوية، بالخدمة عاريات الصدور، تفرس في صورهن كعادته، يوقن أن معظمهن عذراوات، للفض سعر خاص يعرف أن البعض على استعداد ليدفع ما يطلب منه مقابل توفير واحدة منهن، أن يكون الوالج الأول، أن يرى قطيرات الدم القليلة. . الخ (الخبيئة، 211 - 212. ولعل أهم إنجازات هذا القواد أنه جمع بين سيادته و صفية الأبنوبي قبل أن يستولي على سيادته حلف مقدس بين "الجلاديوس" و "فيروز بحري".

بقي هذا الأخير ولعل هذه الشخصية أهم أسباب الطنين الذي أحاط العمل كله، فمنذ ظهورها المفاجئ على مسرح العمل في الفصل المعنون باسمها (الخبيئة، ص 148) وهى مركز الاهتمام حتى النهاية. ولنلاحظ، أولا، غرابة الاسم، وإذا وضعنا في الاعتبار ما أشرنا إليه من التعثر بين التصريح والتلويح، ولعبة التواطؤ بين الكاتب والقارئ، ربما أدركنا أن اسم الحي المعروف في الإسكندرية أصبح الاسم الثاني لفيروز، وثمة شخصية كاملة "زهران الحسيني" لا هدف لها سوى تأكيد أن فيروز كان يعمل في خدمته بالإسكندرية، وإيراد صفحات مليئة بالثرثرة عن شوارع الإسكندرية ومطاعمها، يعرفها العابر لا المقيم، وعلاقات فيروز بنفر من أهل المدينة. ولنلاحظ ثانيا، أن موقف الراوي - وشخوصه الناطقة والصامتة جميعا- تجاه المؤسس يناقض تماما مواقفهم تجاه فيروز، ثمة حالة من التقدير والإعجاب حول المؤسس، وحنين دائم لأيامه في المؤسسة، وثمة مواقف عدائية سافرة تجاه فيروز منهم جميعا (الاستثناء هو القواد، فرغم أنه يخوض ضده صراعا رهيبا إلا أنه لا يخفى إعجابه به، لا عجب ولا غرابة، فبين القواد والشاذ أكثر من صلة ونسب ).

فمن هو فيروز؟

أول كل شئ أن تعيينه مسئولا عن قطاع الفيوضات جاء مفاجئا للجميع بسبب عمله سنوات طويلة حامل حقيبة المراسلات مع مجموعة الدول الناطقة بالأسبانية فيما يبدو لم يكن هذا إلا ستارا لمهام أخرى قام بها (..) يتقن عدة لغات، وسيم، أعزب رغم اقترابه من الخمسين، رقيق الطلة، عيوق .(هل لكلمة الفيوضات هذه أي معنى؟ أقرب معنى لها من قاموس المتصوفة، حيث يعنى الفيض دفق الإلهام أو الإبداع)، وسرعان ما ذاعت حقيقته وتحدث بها الجميع: إنه لوطي، بل من مشاهيرهم المسجلين، له ملف في الأمن الجنائي، ولا يترك الراوي، صاحب المعرفة الكلية بالماضي والحاضر والأفكار والمشاعر سبيلا للتشكيك في هذه الحقيقة، بل يظل يراكم الأدلة والشواهد على ثباتها ومجاهرة صاحبها بها حتى يبلغ به الأمر أن يرسل صورة له إلى القواد المتربص:

 الآن، لديه ما يقطع الشك باليقين، صورة، صوره حقيقية أبيض وأسود ملتقطة له في الفراش، وجهه واضح رغم أنه بلا نظارة طبية، بين ذراعي شاب نحيل، طويل الذراعين والعنق، ثم لا يكتفي، بها يزوده أيضا بشريط كامل من الصور الحية .. مضاجعه، تبدو ملامحه واضحة، ينحني الآخر فوقه، ما أدهش النمرسي وضعهما!. (..) فيروز يستلقي على ظهره، مفسحا ساقيه للآخر، الوضع الطبيعي للذكر مع الأنثى، أيضا .. تلك القبلات المحمومة .. (..) قبلات التهامية. كأن شفتا فيروز (كذا، وصحتها: شفتي) مستخفيتان في فم الآخر الذي لم يتعرف على شخصه .

هل كان أحد بحاجة إلى كل هذا القدر من البذاءة والفجاجة والغلظة للتدليل؟  لكن هذا ليس كل شئ،.. سواء بالنسبة لفيروز أو لرفيقه الذي عينه مستشارا فنيا، ومنحه الراوي اسما لا يقل غرابة. "فريح قته". جاء في التقرير الذي يقدمه عنه الراوي إنه لقيط، وشاذ منذ اغتصبه خادم المسجد في مدخل المئذنة، بعد ذلك .. شاع أمره، حتى ليزعم بعضهم أن تلاميذ الفصل أتوه متتابعين في الخرابة المطلة على الحقول، لكن بين الرفيقين فروقا سيتفصل الراوي بلفت النظر إليها: فيروز يؤتى ولا يأتي، أما فريح فيجيد الأمرين معا.. (.. قادر على المضاجعة مع تصريفات خاصة ومعاملات محددة لمواضع قرب منتصف ظهره وأسفل مؤخرته، لا يتردد في طلبها !.

مرة ثانية: هل كان أحد بحاجة لهذه البذاءات كلها كي يصدق أن الشواذ أصبحوا مطلقي الأيدي في المؤسسة، حتى إنهم يقيمون حفلات مجون شاذة "HOMOSEXUAL ORGIES " في قدس أقداسها: غرفة الخبيئة؟  أو لكي نصدق الصيحة التي يطلقها أحدهم: "بدأ زمن المؤخرات يا مؤسسة" أو ما يهتف به الآخر أمام الجميع: "كله إلا هذا اللوطي"..

إذا كان هذا حال الرجال - مع التحفظ الضروري على الوصف – فما حال النساء في هذه الحكايات؟ ..


لعل الملاحظة الأولى التي تفرض نفسها حول شخصيات النساء في هذا العمل هي تشابه أوصافهن، كلهن مصنوعات من ورق، والصفات التي تتصف بها إحداهن يمكن أن تسرى على الأخريات، فلا تمايز بين هذه وتلك. يتجسد هذا النموذج، أولا، في رشيدة النمساوية، أسميت بهذا الاسم بعد خروجها إلى أوروبا مع صاحب لصاحبها الأول، كانت في الثالثة عشرة حين ظهرت لأول مرة في المقهى المجاور لمبنى المؤسسة، يصفها الراوي، مغدقا عليها أفضل الصفات للنموذج: أثنى انفجارية!، ملكة الفراش، والعالمة بالطرق الخفية إلى مسام الرجال .. ( مع بدء المعاشرة تقيم مهرجانا من المتعة، تعطى ما يطلب منها دون تلميح أو تصريح، ثم تبادر بما يناسب ويوافق)  والجواهري نادم لأنه حاش بصره عن التشبث بنصف جسدها الأسفل، وما يحتويه من تكوين نادر فريد، يؤكد أنه السبب في انطلاقها، ولا يضن الراوي، العليم بكل شئ، النافذ لكل الأسرار، دون مبالاة بأن يكون لما يعرفه منطق أو لا يكون، لا يضن على قرائه بصورة لها أثناء الممارسة. هكذا ترد في خواطر الجوهري: كانت تدرك بالنظر طبيعة من يواجهها وماذا يرضيه فتلبي وتغدق .. (.. إذا ما بدأت الاحتواء تقبض فلا تفلت، يداعب داخلها الآتي، القادم يمس برهافة ولين أو يلف الخناق ... الخ) .

"رشيدة" كانت زمن المؤسس، أما الرئيس الحالي ففي عهده صعدت "صفية الأبنوبي" حتى أصبحت كل شئ، وعرف عنها الراوي - وهو هنا "النمرسي" القواد - كل شئ: عرف أن زوجها مغترب في صحارى بعيدة كي يوفر لها المال، رغم ذلك فهي تقول لصاحبتها إنها لا تسمح له بالعبث في نهديها، لم تمكنه من مس حلمتيها، تحرص على صلابتهما وتخشى ترهلهما، ثم إنها نفرت من رضاعته لهما كأنه مازال صبيا لم يفطم بعد، وماذا بوسع المسكين أن يفعل إذا كانت لم تتجاوب معه .. لم يستطيع فض بريدها أو قراءة شفراتها السرية، لم يقلب كوامنها، ما أن يبدأ حتى تتمنى فراغه بأقصى سرعة، مع أنه حرص دائما على إرضائها، مع متانة تتمناها أي أنثى مجربة .. ولكن .. ماذا تقول؟ 

أنا لا أقول شيئا، أفضل إرجاء أي تعليق حتى نرى البقية.

 صفية هذه تقيم ثلاث علاقات بثلاثة عشاق في ذات الوقت، يكفينا أولهم: فنان تشكيلي يكن لردفيها هياما فريا،يمرغ وجنتيه بتكوينها الربراب، وفى إحدى العصارى (كذا..) قام بتلوينها مستخدما درجات نادرة تحكى ألوان الغسق .. (ابحث عن أصل الصورة في مائة عام من العزلة وستجده هناك)، يقول عنها الراوي بالنص: موهبتها في ردفيها .. (ص 234)  ثم يصف قوامها بالتفصيل: قوام صاعد، واثق، مؤخرة مستنفرة محرضة، ذات وضع خاص، فخذان منبسطان مستديران، وصدر مشرع يفز من القميص، لم تمر بمكان أو في مواجهة عينين إلا وتعرضت للرشق البصري .!

تعال ننظر لنموذج نسائي أخر، واضح أنه يحظى من الراوي بالإعجاب والاحترام معا، سأسوق لك قدرا بسيطا من أوصافها: هانم ! يا سلام على رسوخ الحسن، على زمزمة الطراوة (يعنى إيه؟ ) لا هي بالطويلة ولا بالقصيرة، حضورها طلى، مثالية القد، متسقة التداوير، تتعاقب مويجاتها كتوالي الليالي والنهارات. .. الخ. هل نقلت إليك هذه الكلمات المرصوفة شيئا؟ هل صورت لك امرأة ما؟ لننتظر: هذا وصفه للجلاديوس (أطلق عليها هذا الاسم لأنها كانت تورد هذا النوع من الزهور للمؤسسة التي فاقت سابقاتها، وتحالفت - ولا تزال - مع فيروز للسيطرة على سيادته، ومن ثم على المؤسسة بمشروعات دعائية براقة وزائفة: لا سابقة لها ولا مثيل حاضر، من تحادثه مرة لا ينساها، نسيجها ناعم، هواها طرى، لا يدخل رجل في محيط بصرها إلا وتدركه مويجاتها، وأخيرا هذا وصفه لصاحبة الحب الخائب في حياة "فيروز" التي تركته لأنها أيقنت من عطبه ولا جدواه بالنسبة لها، هذا "النمرسي" القواد يتأمل صورتها: "يا سلام ".. فارهة متناسقة طالعة، صريحة الملامح كسماء الصعيد، الأنف أنف والفم فم ..(..) يتراجع قليلا ليراها من مسافة، يتذكر عمدة في جنوب الصعيد، بعد انصراف امرأة أجنبية متينة، موثقة، قال بترو: والله عايزة خيال شاطر ! .

هاته هن النساء في بؤرة العمل، ثمة أخريات في الهامش، منهن من استجابت لرغبات سيادته وأقامت معه علاقة دامت فترة قصيرة ثم انتهت لفاجعة .. من ذلك واقعة "منتزه الزياتي"  كانت بنية مستطيلة الحضور والملامح، مفرطة السموق، كل ما عندها طولي.. (يعنى إيه؟ ). وسط الثرثرات المتصلة عنها وحولها نعرف أنها ابنة شيخ جليل، عانس فاتها قطار الزواج، لهذا أكدت سيدة في قسم الوثائق أنه افتضها بيده، إذ عانى كثيرا لسمك غشائها نظرا لتقدم عمرها، هل تسأل: وما الذي أعجب سيادته فيها؟ إن الراوي هو الذي يطرح السؤال، وهو الذي يجيب: بالعكس، إنها مخزون مركز من الرغبة المقموعة، المنسية، وبقليل من العزف الماهر على بواباتها تتفجر منها حمم، وبعد أن نبذها وأهانها جاءت الأخبار بوفاتها في ظروف غامضة، عثروا على جثمانها داخل كابينة آلت إليها بالميراث .. قرب جليم، وترددت الهمسات بأنها ليست الأولى، وسأل سائل: ألا تذكرون نفيسة الحولاء؟  عانس أخرى تجاوزت الخامسة والأربعين .. «ترهب العاقبة إذا أفضت بما جرى لها في الطابق الثاني عشر، منذ انفرادها به، همسه ونجواه ولطفه ورقته، استسلامها المدهش له، المحير "انهار في لحظة ما ظلت عمرها كله تدفع عنه كل ما يبعث على الأذى"  أما بعد أن نبذت، بدورها، وأبعدت، اكتفت بالجنون حتى لاحظ القوم ما يطرأ عليها فجأة من تبدلات وتغيرات.

ليست هناك امرأة واحدة ناجية قادرة على الرفض؟  بلى. هذه "امتثال القوصي"  وتلك أوصافها (وأرجو أن تتجاوز الركاكة والأخطاء في النص التالي): 

"تعرف بالممشوقة السمهرية .. لفتت الأنظار بحضورها المؤصل، المنطلق، المتين (..) هكذا تبدو.. لو ظهرت في زمن تمكن صفية لجرى صراع وانتهى الأمر لصالح امتثال بلا ريب، لكن كل (كذا) منهما جاءتا (كذا أيضا)  في وقت"  رفضت امتثال الخضوع لسيادته، ولم تستجب لإغراء قواديه (حتى حين تصوغ هذا الرفض لا تجد سوى أكثر الكلمات غلظة وبذاءة وخشونة: هذا ما لن تسمح به أبدا، أن يمتطيها ذو سلطة أن يسكب ماءه داخلها بنفوذه). وحققت امتثال رفضها، وخرجت – يقول الراوي: ممشوقة القد، رفرافة، صارية المسعى (يعنى إيه)  وما أسرع ما جاء انتقام المؤسسة: أشاعوا في المقر الرئيسي وفى كل الفروع أن الفحوص التي أجريت لها في الإدارة الطبية أثبتت أنها مصابة بالإيدز. (هل تذكر كيف كان انتقام المؤسس؟  ولماذا يتركز كل شيء في النصف الأسفل).


عادة ما تكون صورة المرأة في الأعمال الأدبية منظارا مقربا لموقف الكاتب من قضاياه، أو رؤيته للعالم لو أحببت هذا التعبير، والحقيقة أنني أجدها، في هذا العمل، باعثة على الدهشة أكثر من أي شئ أخز، والحقيقة أيضا أن هذا الموقف ليس جديدا عند صاحبه. قبل أكثر من عشر سنوات كتبت عن أحد أعماله: إلى جانب تلك الغرائب، ثمة ولع مدهش بحكايات الجنس وممارساته، فلنقل إن ثمة شبقا كظيما مكبوتا يتخلل العمل كله ..(.. وإذا كانت لحظات التواصل الجنسي- بما فيها من حميمية ونفاذ إلى الأعماق من مناطق الحق الإبداع عند الروائيين، فإنها، عند صاحبنا، ترد في نفس الصيغ الجاهزة والبلاغة الرثة، خارج التجربة تماما .

وفي هذه الحكايات (المؤسسة الخبيئة) يتفجر الشبق الكظيم المكبوت 0 مثل حمم ملتهبة صادرة عن الأعماق، بكل ما تحويه من مواد منصهرة وسخام ونفايات وأوشاب، وكأن الكاتب لا يستطيع له دفعا أو مراجعة، ولا يتعلق الأمر هنا بموضوع الكتابة قدر ما يتعلق بالمبالغة والإسراف والتزيد. .. بعبارة ثانية: إنني أعرف أن الجنس شأن أي نشاط إنساني آخر، وربما قبل أي نشاط إنساني آخر، لأسباب لا تخفى - يمكن أن يكفى موضوعا وحيدا للعمل الأدبي، وقد أولعت زمنا بقراءة هنري ميللر ولورانس وجان جينيه وكولن ويلسون وتنيسى وليامز وسواهم، من كتاب الغرب، وعرفت عددا لا بأس به من أعمال مؤرخين وفقهاء لا ينكر قدرهم أحد  في تراثنا العربي: ابن حزم وابن الجوزي والسيوطي والنفزاوي وسواهم، وكلها أعمال عن العشق والجنس تستخدم الكلمات ذوات الحروف الأربعة كما يقول الانجليز دون تحرج، ولم أجد في هذا كله إثما ولا حرجا، لكن المسألة أننا إزاء عمل أدبي، ومن ثم لابد أن الأسئلة المتعلقة بالمادة ذات الطابع الجنسي في هذه الأعمال حول ضروراتها وتوظيفها من ناحية، ونجاح أو إخفاق صوغها أو تفنينها من الناحية الأخرى. وما يزعجني أنني أجد معظم المادة الجنسية وهى كثيرة بالقياس لأعمال روائية أخرى تكاد تكون بلا ضرورة أو وظيفة، ثم إنها تأتي - في معظمها - فجة غليظة نابية تظللها مسحة بذاءة فظة.

وإذا كانت النصوص التي أوردت لك سطورا منها فيما سبق غير كافية، يمكن أن أسوق لك سطورا من حكاية "أم العامود" (الخبيئة، ص 288وما بعدها) إن الراوي يتحدث عن العابرين حول المؤسسة، وهم عدد من الناس لم يكونوا يوما بين العاملين فيها، لكنهم واقفون خارج أسوارها، والراوي نفسه يصفهم بأنهم جاءوا كأنهم لم يفدوا، عبروا وكأنهم لم يظهروا00 هذا يعنى أنهم هامشيون تماما، ولا أهمية لهم، ولم يلعبوا أي دور في المؤسسة وما يدور فيها، وهو يحكى عن كل منهم حكاية هي ما بقيت منه. فماذا بقى من "حمدون الصعيدي"؟  وإنني - صادقا - أرجو قارئي أن يحتمل كل هذه البذاءات وفجاجة التعبير: ما بقى من حمدون ذكر عضوه، يؤكد "الديروطي" حارس الجراج القديم أنه رآه بعينيه. . طويل إلى درجة أنه يلتف كثعبان إذا قعد(. .) حمدون طريح الأرض نحيل، ما يقوم منه يماثل طوله، وتد منتصب، نافر، إلى درجة تجاوزه الجلباب وطرحه إلى الوراء، بدا استثنائيا، فريدا، غريبا، داعيا، متشوقا، المرأة أقبلت. وبلعت ريقها، تلفتت حولها، شلحت جلبابها وأمسكت هذه البركة، أولجت ما يمكنها احتماله، قضت حاجتها، تلقت منه، رأت تقلصه وبربشة عينيه في ضوء القمر كأنه يحتلم، عندما بلغ ارتواؤها الكمال. وتسربت إلى خلاياها سخونة مائه. ظل متصلبا، وعندما أدركها الإنهاك أكملت طريقها، في اليوم التالي عرفت طريقها إليه (..) ويبدو أن نوبة في كرم انتابتها تجاه صديقاتها(..) يبالغ البعض فيقول إنها تقاضت هبات وأجورا أبدلت أحوالها. وصار لقبها المعروف "أم العامود".

هل تري فارقأ بين مضاجعة القيام، ومضاجعة الموتى ..(NECROPHILIA )..

إنني أحاول ألا أتجاوز حدود ما يمكن اعتباره نقدا أدبيا ولو أنني أحد المشتغلين بالتحليل النفسي. لوجدت في النص السابق - وسواه كثير- .. مادة ثمينة !.

لكن لعل الراوي - بإيراده هذه الحالة- يستوفى كل أشكال السلوك الجنسي، فلنقل: غير العادي. وقد فات علينا من هذه الأشكال الشذوذ والقوادة، ولكن بقى المزيد: هذا هو الراوي يثرثر عن الخيل، فيتحدث عن حصان  جميل، فلا ينسى أن يقول: ولم تخف عن العيون رعشة النشوة التي تسرى في النساء اللواتي تطلعن إليه، حتى إن خدرا كان يصيب بعضهن، والحديث عن تلك الأميرة الهولندية التي حاولت مضاجعته ليلا معروف .. (المؤسسة، ص 1ه)  صحيح، لماذا لا يكون الاتصال الجنسي بالحيوان موجودا في هذا المعرض؟ ، وقد فات عليك وصف الراوي لأكثر من نموذج من نماذجه النسائية بأن موهبتهما في ردفيها أو أنها شقت طريقها بنصفها الأسفل، وقد لا نكون بحاجة للقول أننا لم نر امرأة تفكر، أو تشعر، قدر ما نرى أوصافا مكرورة للقوام والأرداف، مع اهتمام خاص بالنموذج الذي يجمع الأنوثة والذكورة معا، أو بكلماته أنوثة فياضة ملفتة شذاها ذكوري .. (المؤسسة، ص 222)  بل إن ثمة ما هو أشد خفاء، وما يقف الراوي دون التصريح به على كثرة ما صرح. هذا هو البروفيسور في لقاء جنسي مع امرأته: لانت قليلا في« الفراش حتى كادت تتخذ الوضع الذي رغبه، ولم يستطع التصريح به إحدى عشرة سنة كاملة، كان يتحايل دائما، وعندما يصبح على وشك تستدير ناحيته وفى عينيها حذر عظيم ».. (ص 96)، وهاهي صفية تتحدث بصراحة أكثر عن زوجها: قالت إنها لم تسمح له إلا بوضع تؤثره أثناء المضاجعة .. وعندما رغب في الوضع الخلفي أبدت فزعا، قالت إنها لا تتصور ذلك، وأنه لا يمكن إلا من حيث أمر الله، قبل يديها وأقسم أنه لم يقصد، ولم يفعل ذلك في حياته، وأن هذا الوضع طبيعي... الخ (ص 218- 219) .

ولو أنني مضيت في تعداد مظاهر السلوك الجنسي السوي في هذه الحكايات ما انتهيت (ثمة علاقة وممارسة سوية واحدة تقدمها عدسة الراوي بين هانم وزوجها). يكفى أن أقول إن ثمة المولع بالتسمع والمولع بالنظر وممارسة العادة السرية وممارس الجنس عبر التليفون أو التليفزيون. 

غير أن ما أدهشني أكثر من سواه هو السؤال الذي يلح على سيادته بحيث يوجهه إلى سائقه الخاص في أكثر من صياغة: الأمر بدأ بعد ما نطق مستفسرا عن الرجل: هل يمكن أن يصبح شاذا في عمر متقدم؟  ثمة صيغة ثانية: هل يمكن لرجل لم يعرف الشذوذ طوال عمره أن تقوى الرغبة المعاكسة فيسعى إلى من يضاجعه؟ . هناك صيغة ثالثة: ممكن أن يتحول الرجل إلى شاذ بعد الخمسين؟ . طبعا تعددت الصيغ والمضمون واحد (الخبيئة، ص 76 ). ويصمت الراوي صمتا غير حكيم، فلا يقول لنا بماذا أجاب السائق ! .


ولئن بدا أنني أسرفت في الوقوف عند الجانب الجنسي من العمل، لو صح الوصف، فما ذلك - مرة ثانية – إلا نتيجة التعثر بين التلويح والتصريح، بعبارة أخرى: إننا نجد في العمل شواهد وقرائن تشير لأن الراوي إنما يتحدث عن مؤسسة بعينها، هو يعرفها عن قرب، وتبقى الأصول الواقعية للشخوص والأحداث معروفة له، وللقلة التي تشاركه هذه المعرفة، بحيث تحيل شخصيات مثل المؤسس و الجوهري و عطية بك و البروفيسور و عم شرف، إلى أصولها تلك، لكنها تفتتت بين أيدي الراوي ولم تصبح شخصيات روائية اكتملت لها أسباب الحياة بعيدا عن قبضته الخانقة (لإنعاش الذاكرة فقط، وليس بهدف المقارنة، نشير لأن عددا من أعمال فتحي غانم المهمة تدور داخل المؤسسات الصحفية، قبل تأميمها وبعده كذلك، لكن شخصيات مثل محمد ناجى ويوسف السويفي وأحمد دياب ويوسف منصور وسواهم هي شخصيات روائية نابضة بالحياة، ومن ثم تأتى ردود أفعالها تجاه الأحداث معبرة عن تفاعلها مع هذا الواقع كأفراد ونماذج في ذات الوقت)  وكلما حاول الراوي أن يغوص داخل شخوصه الورقية تلك لم نجد سوى الخيالات والممارسات ذوات الطابع الجنسي! .

فلو أنك سألت، مثلا، عن الجوانب الفكرية لتلك الشخصيات، أو الأبنية الفكرية القائمة وراء مختلف الصراعات داخل المؤسسة ما وجدت شيئا. والسبب واضح: أن الراوي لا تدعمه سوى ثقافة سطحية ودهشة، تقوم - في معظمها على الرغبة في الإدهاش، فتمضى إلى المبالغة اللفظية والتكرار، مستعينة بحكايات هي أقرب إلى ثرثرات العجائز في قهاوي المعاشات.

سأضرب لك أمثلة قليلة: كل تلك الثرثرة حول الباشا الذي حصل على الباشوية نتيجة هفوة من الملك السابق، أو سيارته الكاديلاك السوداء التي آلت إلى ابنته هانم. كذلك أيضا هذا الملف الخاص » الذي يقدمه لنا الراوي عن "النبراوي بك". ولعل في هذه الشخصية - إضافة إلى المؤسس و" فيروز بحري"   يكمن جوهر ما أسميه "أدب التلسين" أو أدب "إياك أعنى فاسمعي يا جارة" بمعنى التقاط بذور من وقائع وأحداث ذوات طابع أكثر عمومية وشمولا، وقائع وأحداث وقعت وحدثت بالفعل، ودخلت سطور التاريخ المعاصر، ولا يزال شهودها أحياء، ثم إغراقها في مستنقع من التفاصيل غير الدالة والحكايات الصغيرة يباعد بينها وبين أصولها، وهذا خط دفاع الراوي ليبقى آمنا في جميع الأحوال، فهو قد قال ولم يقل في ذات الوقت، ولست أظن هذا الهدف الصغير الرخيص من أهداف العمل الإبداعي، أيا كان هذا العمل .

إن الملف الخاص" بالنبراوي" (ص 4ه أو ما بعدها من الخبيئة يمكن عزله عن العمل تماما، أعنى أنه لا يتصل بما يحدث داخل المؤسسة أو متعلقا بالخبيئة. والملف يبدأ بهذه السطور: اليوم الثالث لصدور القرار (يعنى قرار تعيين فيروز بحري) ظهر مقال لكاتب ينتمي إلى جيل ما بعد الرواي، تجاوز الثمانين بأربعة أعوام. ارتبط بعلاقة وثيقة بالمؤسس ..(.. كتب مقالا في الأهرام يشير فيه صراحة إلى خطورة تولي المنحرفين والشواذ المواقع المؤثرة بسبب سهولة التأثير واختراقهم من نقاط ضعفهم، وتعاضدهم مع أمثالهم بغض النظر عن الجنسية والدين، والذي حدث أن النبراوي تراجع عن موقفه هذا، وأعلن تراجعه أمام الجميع، مبررا ذلك بأنه تسرع في الحكم على إنسان لم يحط بكل ما يتعلق به علما، ولكن بعد توافر ما جلى الموقف وأوضح الصورة يمكنه القول أن الأخ العزيز فيروز بحري جدير بقطاع الفيوضات، و أن القطاع جدير به، وأنه يتوقع ازدهارا حقيقيا سينعكس على الجميع ... الخ .

الواقعة تستند إلى أساس صحيح. حدث هذا في 87 اندفع كاتب كان شهيرا إلى مهاجمة وزير عين حديثا لأسباب شبيهة بما أشار إليه الراوي، ونشر مقاله - بالفعل - في الأهرام، ودارت اتصالات بين الطرفين يعرف تفاصيلها من كانوا على صلة بها، انتهت بتراجع الكاتب الشهير، ونشر مقاله في الأهرام أيضا، بعدها بقليل رحل الكاتب الشهير.

هذه الواقعة أحاطها الراوي برواية أجيال عن "النبراوي" وعائلته وسر "التحويجة" الخطيرة التي توصل إليها جده الكبير في العصر العثماني لإعداد طبق الجمبري بالملوخية الخضراء، وكيف أن السلطان كافأه بإعطائه أرضا في الإسكندرية هي اليوم قلب المدينة الحديثة، وبسبب هذه القضية تراجع "النبراوي" عن موقفه ! .

لعل هشاشة ثقافة الراوي وفقر خياله يتبديان - أكثر ما يتبديان - في حكاية هذا الطبق الشهير الذي سيظل يصحبنا حتى الصفحات الأخيرة من العمل (بعد أن تحول إلى جمبري البحر الكاريبي)  ومن أجله، لا من أجل أية قضايا أخرى، جاء إلى مصر بيل كلينتون وكوفي عنان. مرة ثانية: لإنعاش الذاكرة، لا للمقارنة، كتبت ايزابيل الليندي نصا رائعا عن الأطعمة والأشربة ذات الطابع الايروسي أو الشهوي، لا حد لغناه وتنوعه.

هشاشة الثقافة وبؤس الخيال هما أيضا ما يحولان دون أن نرى في هذه المؤسسة شيئا أبعد أو أشمل من هذا الإطار، فليس يكفى أن توزع أسماء شخصيات على مدن دلتا مصر وصعيدها: من "النمرسي" إلى "الأبنوبي" إلى "الدمياطي" إلى "الأشموني" إلى "القفطي" إلى "الدير مواسى"  الخ... كي نكتسب هذه الدلالة الشاملة، وليس يكفى كذلك أن تذر بعض المعلومات الجزئية هنا وهناك، أو أن تنعى استقرار، التدهور أو أن تبدى التحسر والحنين إلى "أيام المؤسس" . أو أن تقول على لسان هذا أو ذاك من الشخوص أن الزلازل لا تزال مستمرة تهدد مبنى المؤسسة، أقول: إن هذا، ومثله، لا يكفى كي نرى في المؤسسة دلالة عامة أو شاملة .

ثم: تعال حاسبني: كيف يمكن افتراض الصدق في راوية .. يهجو المؤسسة وهو جزء من صميم نسيجها، مرتبط - ارتباطا عضويا وثيقا - بأجهزتها ورموزها، غارق في عطاياها وامتيازاتها: منظورة وغير ومنظورة؟  كان القدامى يقولون عن حق إنما يشكر السوق - من ربح .. أما أن يهجو السوق من ربح فهو أمر يثير الريب في عدم التصديق، على أقل تقدير!.

أضف لذلك كله أن كثيرين يرفضون أن يكون مصير بلادهم على التحليل الأخير مرهونا بصراع دائر بين قوا د و شاذ تؤازره عاهرة. (هذا أخر المشاهد الذي يبدو فيه سيادته معها: كانت أصابع سيادته تستقر تحت سرتها بثلاثة قراريط (.. يداعب أوتارها بلمسات وندية ! (علامة تعجب من عندي، وكانت تحرك أوضاعها بحيث يبلغ منها قصده ومستراحه .. (الخبيئة، ص 312.).

 لسنا - بطبيعة الإبداع ذاته ضد أن يقدم الكتاب هجائيات للمؤسسات، بل لعل الأمر أن يكون على العكس تماما، وقد فعلها، ويفعلها، كثيرون، لكن ثمة شرطا فنيا ضروريا: أن يفلح الكاتب في إقامة كيان بديل للمؤسسة موضوع هجائه بعلاقات القوى المتداخلة والمتشابكة فيها، بالمصالح الصلبة التي يعبر عنها أطراف الصراع للسيطرة عليها، بالفرز الصحيح للقوى المشاركة في هذا الصراع، وموقف الكاتب منها. لا نكاد نجد شيئا من هذا كله هنا: ثرثرات متصلة من الحكايات، يحاول راويها أن يجعلها قادرة على إثارة الدهشة فيسرف في المبالغات اللفظية واستخدام الكليشيهات والصيغ البالية في التعبير.

والحقيقة أنني لا أستطيع أن أخفى دهشتي - مرة أخيرة إزاء اللغة المستخدمة في العمل كله. هذا كاتب سود آلاف الصفحات، حرفيا دون مبالغة، ورغم ذلك لم تخلص لغته بعد. ورغم افتراض وجود المصححين والمراجعين فلم تسلم من الأخطاء بعد! .. إنه لا يزال يستخدم بلاغة بالية وكليشيهات رثة. ولا أود أن أثقل عليك، لكنني أذكر لك أمكنة قليلة: 

"كانت بداية طلوع أمره"، و" أبدى العطوفة"، " بعد جهد وكد كديد"، "كم يبلغ حجم ملابسها؟ "، "إلا أن صفية شالت منها"،" شاب فندقي الحضور"،" خاطر سيادته تغير عليها"،" صارت لافتة للقاصي والداني"،" بعد أن عمت وطمت"،" شدة معزوليته"،" بدونها يلقى المسئول عكوسات وعثرات"، "هذا الاندماج الإداري القسري القادم من ألباب الذوات لكنه مقبوض معكوم من الداخل"، "ألا يدع سبيلا لدقات قلبه المتهارعة وما انفجر داخله" (من المؤسسة). استمر ذلك رغم كل الهنات والوعورات".

 ثم خذ كل هذه الركاكة والأخطاء في جملة واحدة: " نعم .. الأمور مقضة، مقلقة، باعثة على الخشية والتوجس خيفة من أي الأسباب لا أحد يمكنه التحديد أو التعيين أو القطع، لكن ثمة إدراك عام"، "الأفكار المشروعايتة"، "إذا وقف تعاوده الزعبوبة" (من الخبيئة)، ومثل هذا كثير.

ورغم افتراض وجود المصححين والمراجعين مازالت أخطاء اللغة تفقأ عين القارئ. مرة أخيرة خذ أمثلة قليلة: 

"لم تهتز شفتيه"، "لكن ثمة جانب آخر"، "سنة سبعا وخمسين"، "بعضها مثار علنا. الآخر خفيا مكتوما"، "لم يخلف سيادته غريبا"، "تطالها يديه" (من المؤسسة)، "إذا طلبوا منه شئ"، "لكن كثيرون"، "من يروه صامت"، "يبسط يداه"، "مع أنهم ملمين"، "انتهى أمره إلى ذلك الحال الذي جعل كثيرون يتقبلوه"، "كأن ركبتيه لم تدميان ساعات طوال" .. (من الخبيئة) .

 ومثل هذا كثير كذلك .

وإذا كان هذا هو ما أصبح عليه الحال في وجود المصححين والمراجعين فكيف كان قبلهم؟  ليست المسألة افتقادا كاملا للإحساس باللغة كأداة للتعبير الفني فقط. بل إن فيه قدرا من الخفة والعجلة والاستخفاف بالقارئ يجعل الكاتب لا يعيد قراءة ما.كتب، ولا مرة واحدة .

 وما قولك بكاتب روائي يخطئ أسماء أبطاله؟  هذا "راضى"، في صفحة 60. يصبح "رياض" في 64، و" صفية" تصبح "صفا"، في 123، و "منتزه الزياتي" في صفحة 108 سوف تصبح "نزهة" في 111، و، "عزب الميدومي" سوف يصبح "عزب الدمنهوري" و "النادي المخملي" في صفحة 159 سوف يصبح "النادي اللازوردي"  في 178، وهكذا.


قال صاحبي: في نهاية ما كتبت في عام 1992 قلت إنك كتبت لأنك تكره أن تكون شيطانا أخرس ..

 قلت: أود أن أضيف كلمة تعلمناها من شيوخنا كذلك:

-  من أفتى في مسألة، وتحرج من مسألة، بطلت فتواه.

وأنا لا أريد لفتواي أن تبطل!



ساد العلماء فَسُدْنَا.. وفَسَدُوا فَفَسَدْنا..

أنا مع الإرهاب

بكم تبيعون آية " ترهبون.."؟!..

شرم الشيطان والمسوخ لا شرم الفقهاء والشيوخ..

إن قتلتمونا فسوف نقتلكم بالمثل


بقلم د محمد عباس


www.mohamadabbas.net

mohamadab@gawab.com


طوال عمري، كلما حزبني أمر، يجعلني أوقن أن بطن الأرض أصبح أفضل من ظهرها، يُختزل التاريخ أمامي، ويتقلص الزمان إلى لحظة، فأتمنى أن أدفع عمري كله مقابل تلك اللحظة التي قد تنقلني من مدار الابتلاء إلى مدار الاصطفاء. 

أتوق إلى تلك اللحظة، حيث يلتمع النور في قلبي معشار ثانية ثم أموت. تكفيني من الدنيا هذه اللحظة فلا أريد سواها. فكأنما هي المادة الفعالة في دواء ينقذ من الهلاك وسواها غثاء قد يعطي لونا وقد يعطي رائحة لكن ليست فيه أي فائدة..

 مثل هذه اللحظة هي التي اقتنصها الحر بن يزيد في كربلاء، فقد كان واحدا من قادة جند الشيطان اللواء ابن زياد، بل وشارك في حصار سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين رضي الله عنه، لكنه- الحر- حينما حمي الوطيس، و أدرك أن سبط الرسول صلوات الله وسلامه عليه مقتول، ثاب إلى رشده، و آب إلى روحه، وعاد إلى ربه محدثا نفسه:

- لا عذر لنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قتل الحسين وبقينا وفينا عين تطرف.

ويواصل:

- اُخيّر نفسي بين الجنة و النار، فوالله لا أختار على الجنة شيئاً و لو قُطّعت و اُحرقت ... 

ثم يتوجه إلى زملائه من قادة جيش الشيطان مستنكرا:

- ألا تقبلون من هؤلاء ما يعرضون عليكم ؟والله لو سألكم هذا الترك والديلم ما حلَّ لكم أن تردوه.

 فأبى أتباع الشيطان ابن زياد.

فصرف الحر وجه فرسه، وانطلق إلى الحسين وأصحابه، فظنوا أنه إنما جاء ليقاتلهم، فلما دنا منهم قلب ترسه وسلّم عليهم.

ويتوجه الحر إلى الحسين رضي الله عنهما قائلا :

- ما ظننت أن القوم يبلغون بك ما أرى و أنا تائبٌ إلى الله فهل ترى لي من توبة؟"

وينشرح قلبه لإيماءة ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهتف قائلا:

- .. واللهِ لو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلّدين إلا أن فراقها في نصرك ومواساتك لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها.

 ثم كرّ على أصحاب ابن زياد فقاتلهم، فقتل منهم رجلين ثم قتل رحمة الله عليه (البداية والنهاية- ابن جرير).

***

تلك هي اللحظة الناطقة الفارقة التي تنقل الإنسان من مدارات يكون فيها كالأنعام بل أضل إلى مدارات أخرى يبز فيها الملائكة.

كنت أفكر في تلك اللحظة فأتمناها لنفسي، و أتمناها لمن أحب من شيوخي .

أخاف مكر ربي و أطمع في وعده فأطلب مثل تلك اللحظة التي لا تدوم سوى سويعة أو بعض سويعة طامعا أن تضيق تلك السويعة وتختزل علها لا تتسع لوسوسة الشيطان فيحرمنا ثمرتها.

نعم.. فمن يقيس العمر على شهوات الدنيا  يجده أقصر ما يكون.. ومن يقيسه بالذنوب يجده أطول مايكون.. والكارثة أن في كل طول فتنة..

***

تلك اللحظة التي تقتصر على لحيظات كما حدث مع الحر بن يزيد.. أريدها كذلك.. و أخاف أن تتمدد لتشمل عمرا بكامله كما حدث مع المجاهدة البطلة – أحسبها كذلك- زينب الغزالي.. والتي كان يجب أن يكون هذا المقال عنها.. لكن ما جد من أمور أنقضت ظهري، وجعلتني أؤجل الكتابة عنها محاولا المسارعة لإطفاء نار شبت في قلوب قوم مسلمين.. والمؤلم حتى الموت.. أن من أشعلها هذه المرة .. كانوا هم بالذات من نهرع إليهم كي يطفئوا النيران حين تشب.. كانوا عمالقة من نوع الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ البوطي .. و أيضا.. وتلك كارثة أخرى: الدكتور الشيخ محمد إسماعيل المقدم.

***

كنت قد حاولت الاحتشاد للكتابة عن المجاهدة زينب الغزالي التي من الله عليها بعمر كان بطوله – إن شاء الله – في الطاعة والنجاة من الابتلاءات بالنجاح لا بالهروب ( و أرجو أن أكتب في مرة قادمة) .. ولم يكن السبب وفاة هذه المجاهدة الصابرة، فقد كان في تخطيطي منذ البداية أن الجزء الباقي من مقالاتي عن الإخوان المسلمين، أو بصورة أحرى عن المسلمين، يشتمل على ثلاثة فصول: فصل عن المجاهدة زينب الغزالي، وفصل عن جريمة كرداسة، والفصل الأخير عن درة المسلمين الشهيد سيد قطب. كنت أقول لنفسي: فليكن الولوج إلى هذا الجزء خلال باب شد ما يعذبني ولوجه، وشد ما يعذبني ما حدث للشهيدة على فراشها –إن شاء الله- زينب الغزالي. و أعددت المادة كلها.. فلما جد ما جد.. فصرفني عما انتويت قلت لنفسي : لعلي أقل من أن يكرمني الله بشرف الكتابة عنها.. أو لعل الله نزهها عن كلمة إنصاف تصدر في الحياة الدنيا التي هي أقل عند الله من جيفة أو جناح بعوضة.. ليدخر لها جزاءها كله في الآخرة..

***

كانت المصائب تتهاطل حولي.. ولم يعد في القلب سوى مزق أعجب كيف تستطيع الاستمرار وتنبض.. وكنت قد أدركت منذ أمد طويل أن الكارثة التي انقضت على رؤوسنا ليس منبعها فساد الحكام – لا نفيا لفسادهم الذي يبزون فيه الشيطان نفسه- بل فساد الأمة التي لو لم تكن هكذا لما وُلــِّــى عليها مثل هؤلاء الطواغيت المجرمين. إلا أنني ما لبثت حتى أدركت أن فساد الأمة لم يكتمل إلا بفساد العلماء.. وانحراف الفقهاء .. وجلد الفاجر ووهن الثقة..

كانت المصائب تتهاطل حولي.. وكنت أرى عجز الأمة فينفطر قلبي ويكاد عقلي ينفجر.. وكانت تجربة العراق ماثلة أمامي.. فصدام حسين ليس أقوي من جورج بوش.. والجيش العراقي ليس أقوى من الجيش الأمريكي.. ولا المخابرات العراقية أكثر وحشية وفظاظة وقسوة من المخابرات الأمريكية.. وبالرغم من ذلك فإن أمتنا في العراق لم تواجه صدام حسين.. وحين واجهه البعض كانت المواجهة ضعيفة ومحدودة.. وهذه الأمة التي نكصت عن مواجهة الأضعف نهضت لتواجه الأقوى والأعنف والأشرس إلى ما غير حد.. والأمة التي سيطر عليها صدام حسين عقودا لم يستطع المجرم المجنون جورج بوش أن يسيطر عليها أسابيع قليلة، فخرجت عليه، ومرغت في الطين والدم أنفه..

كان التناقض بينا ..

في حالة صدام حسين كان ما منع الناس هو الحلال والحرام.. وشبهة الخروج على حاكم قد يكون مسلما.. وعندما انتفى هذا الحاجز الشرعي  مع الوحش المفترس بوش.. كان ما كان. .. و أذل الشعب الأعزل إلا من إيمانه أقوى الإمبراطوريات و أكثرها تسليحا عبر التاريخ..

في حالة المجرم بوش لم يستطع فقهاء الشيطان أن يسوغوا للأمة نبذ الجهاد و إلا كشفتهم الأمة.. لم يستطيعوا ذلك إلا على سبيل الاستثناء من مسوخ كالعبيكان والعبيكانيين كانت فتاواهم الشيطانية داعمة للجهاد لا مثبطة له.. لأنهم كانوا قد بلغوا شأوا مسشتفزا من امتهان العقل لا يمكن أن يقبله أي عقل.كانت فتاواهم مثيرة للاشمئزاز والغضب. وفي الجانب الآخر لم يكن أمام باقي العلماء من سبيل لكبح جماح الأمة عن الجهاد والاستشهاد.. فالقضية واضحة والفتوى فيها يعلمها العالم والجاهل..

***

إذن.. فالمسئولية الكبرى تقع على عاتق العلماء.. فلو أنهم وحدوا أمرهم.. وعبدوا ربهم.. وبينوا للناس – قبل حدود الحلال والحرام – حدود الإيمان وحدود الكفر.. حدود من لم يحكم بما أنزل الله.. لما كان ما كان..

هالني الأمر..

قلت لنفسي أن الحكام قد نجحوا في توظيف العلماء كي يقوموا بعكس دورهم تماما.. ولكي يكونوا كمسمار يغرسونه بين التروس التي تشكل محركات الأمة.. فيمنع هذا المسمار تلك التروس والمحركات من الحركة.. أو يحطمها تحطيما إذا ما أصرت وتحركت..

هالني الأمر عندما تكشف لي أن السر في استمرار البلاء هم العلماء والفقهاء..

وهالني الأمر عندما اكتشفت أن الإسلام – مجازا - قد تم الاستيلاء عليه لكي يوظف في مصلحة السلطان والشيطان.. تماما كما كان الإنجليز يجندون المسلمين لحرب المسلمين..

الآن ليس الإنجليز بل شيوخ يرتعون تحت ظلال المسجد الحرام والجامع الأزهر..

يوظفون الإسلام ضد الإسلام ويحاربون الإسلام بالإسلام ( لا تنسوا أن الأزهر يصفي الآن تحت سمع وبصر رجاله، و أن وزير الأوقاف في مصر يتقرب إلى الله بالمعاصي، ويكاد لا يجد في الدين شعيرة قائمة إلا حاول هدمها، ولا تنسوا أن مستشاره عليهما من الله ما يستحقان، شديد التحمس للمرتدة الشاذة أمينة ودود.. والطيور على شكلها تقع.. والخنازير أيضا!)..

هالني الأمر حين اكتشفت أن فقهاء الشيطان يدعون لإسلام ليس هو الإسلام.. ولاستسلام ليس من الإسلام في شيء.. وأنهم يكرسون المظالم ويتسترون على الظالم.. ويصدقون الكاذب ويكذبون الصادق ويرفعون أسهم الكافر ويكفرون المجاهدين.

كنت أصرخ : هل أصاب العلماء وباء؟! أم أصاب الفقهاء عماء؟!.. 

كنت أصرخ فيهم بعد أن جرفهم الطوفان ليسموا الجهاد إرهابا فيدعون إلى مقاومته:

- بكم بعتم آية: ".. ترهبون .."..؟!..

- بكم بعتم آية : " .. ترهبون .."..؟!..

***

هالني الأمر.. وقلت لنفسي: من المستحيل أن يقف فقهاؤنا عاجزين عن مواجهة الكارثة.. واقترح علىّ بعض الأصدقاء أن أقوم بزيارة واحد من أكبر علماء الحركة السلفية في مصر – وبالتالي في العالم- وهرعت إلى العالم الجليل.. و أنا جاد في وصفه بالجليل.. بل إنني مدين بضبط إيماني والولاء والبراء وتصحيح توحيدي لله إلى الفكر السلفي عامة فلا أنسى له هذا الفضل أبدا.. ذهبت إلى الشيخ الجليل.. ورحت أحاوره ساعات وساعات .. وكنت أستصرخه أن الأرض عطشى إلى دماء الشهداء.. لكن ليس أي شهداء.. بل الشهداء من العلماء.. دمهم المبذول الآن هو الذي يستطيع أن يوقف الطوفان.. فليستشهدوا إذن.. إن دماء عشرة أو عشرين أو مائة أو حتى ألف عالم شهيد ليست بغالية في سبيل وقف انهيار المسلمين.. ودماء هؤلاء هي التي قد تردع الطواغيت الذين باعوا الدين كله وباعوا الأوطان وباعوا الأمة ولا يمنعهم من الجهر بالكفر إلا خوفهم من شعوبهم.. فليكشف العلماء نفاق الطواغيت وخيانتهم.. قلت للشيخ الجليل أن ما لا أطيق البوح به هو شعوري أن علماء السلف في مصر والجزيرة العربية قد خذلونا.. لقد قادونا إلى الصواب.. و إلى تنقية عقائدنا من البدع.. وظننا أنهم لن يتخلوا عن الصدارة والقيادة أبدا ولن ينكصوا عن دفع ثمن الجنة والرضوان أبدا حتى ولو استشهدوا عن بكرة أبيهم. وكنت واثقا أن سلطان الطاغوت في مصر والجزيرة لن يجرؤ على مزيد من انتهاك حرمات الدين خوفا منهم ومن أتباعهم.. لكن استسلام عدد كبير من علماء السلف كان مذهلا قبل أن يكون فاجعا.

كيف تسلل الوباء إليهم؟..

وكيف يسيطر العماء عليهم؟..

كنت أحاور الشيخ الجليل وكان يحاورني..

وكنت أقاوم البكاء..

فالشيخ الذي هرعت إليه ليحث العلماء على الاستشهاد.. كان مهزوما من داخله.. وبدا أنه مرعوب من مباحث أمن الدولة.. و أن أقصى ما يطمح إليه أن يتركوه في حاله و أن يسكتوا عنه.. كان مختلفا تماما عما كان عندما قابلته منذ سنوات حيث خلب فؤادي بقوة إيمانه وجرأته بالحق لا على الحق حتى قلت لنفسي أنه لا توجد قوة في الدنيا قادرة على تخويفه هو أو تلاميذه أو النيل منهم.. كان واثقا أننا الأعلون.. وكان واثقا من النصر.. في هذا اللقاء انعكس هذا كله.. بدا لي الشيخ يتصرف كما لو كانت جلستي معه مسجلة بالصوت وبالصورة و أنه سيواجه بالحساب العسير بعد انصرافي مباشرة.. وتصورت أنه لا يرد على تساؤلاتي بل يدفع عن نفسه اتهامات ضابط بمباحث أمن الشيطان التي سيوجهها له بعد ساعة أو بعض ساعة.. بل لقد عبث بي الخيال فقلت لنفسي أنه يتصرف كما لو كان خلف تلك الستارة التي يحركها الهواء ضابط أمن دولة شاهرا سلاحه.. و أن ضابط أمن الشيطان هذا سيطلق النار عليه على الفور إن أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو نطق كلمة حق أو حاول أن يغير منكرا بيده أو حتى بلسانه.. ولم يستطع الشيخ الجليل أن يقول أنه يخالف الشرع بموقفه ذاك.. ولا حتى أن يقول أنه يتخذ الرخصة سبيلا إلى الأمن الشخصي.. حيث لا تجوز الرخصة لعالِم يزلّ بزلّته عالَم.. بل راح يبرر موقفه بغطاء شرعي بحجة أن الأمر ملتبس و أنه لا يجوز الخروج على الحاكم إلا إذا بدا منه كفر بواح.. وكنت أصرخ فيه: هذا أمر فيه خلاف.ثم أن الرأي الذي تتبعه ليس الوحيد فهناك آراء فقهية أخرى.. ثم .. ماذا إن أخفي الحاكم كفره كجزء من المؤامرة على الدين وعلى الأمة.. أيعجز الإسلام أمامه؟ أيعجز الإسلام عن أن يسحب حصانته عمن يسخرون منه ويستهزئون به ويشنون أعتى الحملات للقضاء عليه.. هل بلغنا هذا الحد من السذاجة والبله الذي يجعلنا نمنح حصانة الإسلام لكل من لم يعترف بصريح الكلمات أنه كافر.. رغم أن كل أفعاله تنطق بذلك.. كما أن كل كلماته تقولها بالتلميح الصريح و إن تجنبوا النطق بكلمة الكفر بعد أن فهموا من أين نؤتى..

وحتى من نطق .. ومنهم مئات من الكتاب وحاكمين عربيين على الأقل.. عجز الفقهاء عن دمغهم بالكفر.. وحتى كلاب من كلاب جهنم كأدونيس والعظمة وخليل عبد الكريم وسيد القمني عجز الفقهاء عن مواجهتهم.

كنت أصرخ في الشيخ الجليل:

- لا تصمتوا.. لا تنتظروا حتى يتسرب من بين أصابعكم الدين كله.. لا تصمتوا.. فإن عجزتم فواجهوا الناس إذن بأن الفقهاء عجزوا عن مواكبة التحديات.. واجهوا الناس وقولوا أنكم عاجزون عن الفتيا.. قولوا ذلك وتوقفوا عن الفتيا كلها لأن ما تفتون به الآن يصب في صالح بوش والشيطان.. وضد المجاهدين..

وواصلت الهتاف بطعم النحيب:

- لا تصمتوا.. أو فاعترفوا للناس قائلين: لا تعتمدوا علينا في قيادتكم كعلماء ولا في الفتوى لكم كفقهاء..

وارتفع صوتي مشتعلا بالغضب كشواظ من نار و أنا أقول له:

- قولوا للناس دعكم من الإسلام، فالإسلام ذخيرة لم تعد وسائل إطلاقها موجودة.. الإسلام قنبلة نووية لا يوجد لدينا من يحملها وما يحملها.. والإسلام صاروخ هائل نجح الأعداء في التشويش على أجهزة توجيهه فما عاد – حين يطلق – يصيب أحدا غير المسلمين.. قولوا للناس: الإسلام لا يدعمكم في معركتهم هذه.. الإسلام – بتفسيرنا -  سيقف على الحياد بينكم وبين الشيطان وبينكم وبين السلطان وبينكم وبين شارون وبوش وبريمر وطالباني وكل أسرة الشيطان.. أما نحن العلماء والفقهاء فإننا نعترف أننا رضينا ولاية الكافر على المؤمن فلا تصدقوا فتاوانا ولا تعملوا بها..

ثم واصلت وقد بلغ الغضب مني غايته:

- قولوا للناس أنكم عجزتم عن حماية الإسلام.. فإن أردتم إلقاء اللائمة على الإسلام فقولوا لهم أن الإسلام – حاش الله- عاجز عن الدفاع عن نفسه.. قولوا للناس دعكم من موقف الإسلام وانسوا أنكم مسلمون.. نعم إنسوا أنكم مسلمون واذهبوا ودافعوا عن أوطانكم وشعوبكم وشرفكم وكرامتكم واستقلالكم، نعم.. اذهبوا ودافعوا.. ليس دفاع الجهاد في سبيل الله بل كما دافع الهندوس والبوذيون والملاحدة عن إلحادهم و أوطانهم وشعوبهم وشرفهم و أموالهم.. دافعوا بالعصبية عصبية الجاهلية الأولى.. دافعوا بالقبلية النتنة.. أما الإسلام فلا تنتظروا منه عونا ولا دعما لأنه – بتفسيرنا وفتاوانا -  على الحياد.. ولأننا توقفنا عن تكفير الكافر لأننا نخشى أن يظلم أحدا في هذا الوضع الملتبس.

***

أعترف أن الشيخ الجليل قابل ثورتي بصبر جميل لكنه لم يتعد الشكوى مما يفعله الأمن بهم..

واجهني الشيخ بالصبر الجميل.. أما تلامذته فقد انقسموا قسمين، قسم أدانني بحجة أنني تجاوزت حدود اللياقة  فما هكذا ينبغي الحديث إلى العلماء.. وقسم قال: ليتك قابلت الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم..

***

حزبني الأمر وصرفني عن السعي للقائه هموم و أمور..

والدكتور محمد إسماعيل المقدم قيمة فكرية وعقدية شامخة جدا كما أنه كاتب موسوعي لا يشق له غبار.. و أعترف أنني كنت أوافقه في جل ما يكتبه عدا خلاف معه في تقدير الأولويات و هو أمر ناقشته معه منذ أعوام. أقول نا قشته.. لا مناقشة الند بل مناقشة الطالب الباحث عن الحقيقة في مناجمها.

ولكي نعرف قيمة الحركة السلفية وفي القلب منها الدكتور محمد إسماعيل المقدم فإنني أجرؤ على القول أنني اعتبرتها الحركة التي تعود بالإسلام إلى صورته الأولى وإلى صفائه حين أنزل. بل و إنني أجرؤ على القول أنني كنت أعزي نفسي بثبات الحركة السلفية حين تثمر الضغوط والحسابات السياسية على رموز شامخة كالشيخ يوسف القرضاوي، فيصدر منه ما لا نتصوره منه من مواقف أو تصريحات.. وكنت أقول لنفسي: الحمد لله الذي ثبت هؤلاء على دينه.

***

لشد ما يصعب علىّ أن أضيف لهؤلاء قيمة شامخة مثل الدكتور محمد إسماعيل المقدم لكن فتاواه الأخيرة تصب في مجرى الهزيمة.. ولست ندا للرجل في علمه ولا مساويا له في فضله لكنني أظن – وبعض الظن فقط وليس كله إثم- أن الأمر لا يتعلق بعلم وإنما بتنزيل على الواقع يخضع لضغوط سياسية، أخشي أن تكون استجابات علماء السلف – وهم أساتذتنا وقدوتنا بلا شك - تجاه الواقع القاسي الرهيب كاستجابات الصوفية ذات يوم عندما دهمتهم الابتلاءات فتخلوا عن الجهاد.. وغرقوا في بحر لجي أقله صحيح و أكثره باطل.. بل وشرك.. ولم يكن الأمر تطبيق شرع.. ولا حتى تقية .. و إنما كان نكوصا عن الجهاد و إيثارا للسلامة..

*** 

بعد التفجيرات الأخيرة في لندن تحدث الدكتور المقدم في خطبة عنوانها "تفجيرات لندن والبعد الغائب " ليدين بعنف وبشدة المسلمين المتشددين الذين اقترفوها .

وبادي ذي بدء فإنني أطرح رأيي صريحا دون مواربة، فأنا مع الإرهاب الذي "ترهبون به عدو الله وعدوكم" كما أنني ضد الانسياق خلف الغرب – وهو كافر- في تسمية العنف أو الحرابة أو الترويع إرهابا كي يرغمنا على التنصل من مقتضيات آية في القرآن.. ولست أدري كيف وافق علماؤنا على ذلك وبكم باعوا آية "ترهبون".

نعم.. أنا مع الإرهاب الذي لا يخلو كتاب من كتب الاستراتيجية منه.. والذي بمقتضاه يتم إرهاب العدو – بل والصديق أيضا- لردعه عن العدوان تحسبا ووجاء من رد الفعل المحتوم.. بل إنني أؤكد أنه لا يوجد نظام حقيقي أو دولة محترمة في التاريخ إلا وهي تملك وسائل الإرهاب ( الردع ) هذه.. 

أنا مع إرهاب من ذلك الذي منع أمريكا من إفناء روسيا والصين بقصفهم بمئات القنابل النووية قبل أن يصلا هما إليها.. وظلت الخطة في انتظار التنفيذ حتى وصل الاتحاد السوفيتي – لا رحمه الله – إلى سر القنبلة النووية فأرهب أمريكا فتوقفت عن محاولات سحقه..

السحق الذي تفعله فينا الآن.. لأننا لم نرهبها..!!..

السحق الذي لابد أن يدفعنا – ضمن ما يدفعنا – إلى صناعة القنبلة النووية نرهب بها عدو الله وعدونا.. ورغم أنني أدرك أن الإسلام في جوهره يحرم استعمال كل أنواع أسلحة الدمار الشامل.. لكن .. و أيضا وفي نفس الوقت.. الإسلام يحرم القتل لكنه جعل من القتل في القصاص حياة.

ما أريد إثباته أيضا أن قتل المدنيين في عمومه مرفوض..لا بالرأي والهوى بل بأحكام الشريعة الصارمة، والتي تجعل من قتل نفس بغير نفس كقتل الناس جميعا. وما أريده و أطالب به، ألا نقتل من الأمريكيين نفسا بنفس.. يكفيني نفسا أمريكية واحدة مقابل نفوس عشرة من المسلمين!!..بل مائة.. بل ألفا..  فهل يفتي فقهاؤنا بذلك.. أم يظل الدم المسلم يسفك بلا ثمن؟!..

نعم.. قتل المدنيين حرام شرعا.. ولكنني بفقه الأولويات أقول أن ذلك الرفض ينصب على المدنيين المسلمين قبل سواهم.. فإن أصاب الأمر المسلمين فليكن الأمر سجالا وعقابا بمثل ما عوقبنا به.. ليأمن المدنيون جميعا أو ليتهدد الخطر الجميع. 

إن أمريكا التي تقتل مئات الآلاف تكتفي بمبرر وحيد لا تعقيب عليه، هو أنهم مشتبهون، فإذا تأكد أنهم مدنيون لا تجشم نفسها عناء الاعتذار.. فالاشتباه مبرر كاف للقتل. ثم أن حكاية المدنيين والعسكريين التي لاكها كثير من شيوخنا حتى مججناها تفسر على هوى الصليبيين واليهود. فكل مشتبه من المسلمين مباح دمه، أما الأمريكيين فلم يبق إلا أن يفتي شيوخنا بضرورة موافقة الجيش الأمريكي والمخابرات الأمريكية على قتل الأمريكي قبل قتله و إلا جاز اتهامنا بالإرهاب!.. ولم يقدم شيوخنا أي تعريف للعسكري، وهل ضابط المخابرات عسكري أم مدني؟! وهل المرتزق عسكري أم مدني؟! وهل عالم الصواريخ عسكري أم مدني، وهل لص البترول عسكري أم مدني ( تذكروا تهديد أمريكا بقصف  المفاعل النووي الإيراني بمن فيه من مدنيين.. وتذكروا كيف قامت هذه الخنازير البشرية بقصف محطات الكهرباء والمياه والمجاري كأهداف استراتيجية استشهد أثناء قصفها آلاف العراقيين دون احتجاج على قتل المدنيين).. هل تمويل العمليات العسكرية عمل عسكري أم غير عسكري( أغلقت أمريكا حتى مؤسسات الزكاة ونكلت بالمشرفين عليها).. ولنتذكر على سبيل المثال المحكمة الأمريكية الفاجرة التي حكمت على  الشيخ محمد علي حسن المؤيد – الفقيه اليمني-  بالسجن 75 عاما. كانت أمريكا قد استدرجته بطريقة خسيسة إلى ألمانيا.. ثم ألقت القبض عليه.. حتى المحكمة الفاجرة للبلد الفاجر ذي الحضارة الفاجرة  كانت قد برأت الشيخ الجليل  من الاتهام بتمويل فعلي لشبكة القاعدة، لكنه أدين في بند آخر يتعلق بتوفير دعم مادي وموارد أخرى لحركة حماس. رغم أن تمويل حماس ليس مجرما في أي بلد عربي أو إسلامي.. ظاهريا على الأقل. فهل المؤيد مدني أم عسكري. هل الشيخ عمر عبد الرحمن مدني أم عسكري. ولماذا لا يتذكر جل شيوخنا حكاية حرمة قتل المدنيين إلا إذا كان المجرم المقتول أمريكيا.

*** 

نعم.. أكرر أنني ضد قتل المدنيين جميعا.. وفي الصف الأول منهم المسلمون.. والمحزن بل المخجل أن أصوات جل فقهائنا لا ترتفع إلا إذا كان القتلى من غير المسلمين.. فإن كان القتلى مسلمين خيم عليهم صمت القبور.. بل إنهم عليهم من الله ما يستحقون.. يبلغ شجبهم لقتل كلب أمريكي غاصب عنان السماء.. فإن كان منا مائة ألف قتيل اكتفوا بالرفض الهامس الوجل.. ودون عقد أي مقارنة أو سببية بين هذا وذاك.

النقطة الأخرى التي أود التركيز عليها أننا لسنا مدانين ولا جناة بل نحن الضحايا.. و أن أي استسلام منا لتوصيفاتهم الظالمة تشبه إقرارا بجرائم لم نرتكبها.. فإذا ما أقررنا بها كان ذلك اعترافا باستحقاقنا للازدراء والعقاب.

النقطة التالية هي أننا برغم كل شئ ما زلنا خير أمة أخرجت للناس وسنظل كذلك حتى أبد الآبدين، إنني أعرف أن الأمر مرتبط بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنني أعرف في نفس الوقت، أننا مهما بلغنا من سوء وذنوب ومعاصي، فإننا أفضل بكثير من الأمم الأخرى، فقيمنا أفضل، و أخلاقنا أفضل، وبقايا عقيدتنا أفضل و أصح.

النقطة التالية هي أننا لم نكن إرهابيين أبدا.. أما الصليبيون واليهود فلم يكفوا عن الإجرام والتوحش والسرقة أبدا..

لسنا إرهابيين..

لسنا بحاجة للدفاع عن أنفسنا بل نحن في حاجة للهجوم على أعداء الله والإنسان..

لسنا في حاجة إلى دفع اتهام بل نحن في حاجة إلى توجيه ألف اتهام.

في كتاب خطير بعنوان " الغارة على العالم الإسلامي" يصرخ الدكتور ربيع بن محمد بن علي

الأستاذ بالجامعة الإسلامية منددا بالإرهاب الذي يمارس ضد الإسلام والمسلمين.. ضد الهجمات التترية التي يشنها مغول هذا العصر على المدنيين العزل وانتهاك حرماتهم وحرمات مساجدهم وإمطارهم بالقنابل المحرمة .. ويفضح الكاتب كيف قامت ممالكهم على الاستعمار والأكاذيب والأضاليل وقلب الحقائق بعد أن جعلوا من المقاومين لكل احتلال متمردين، ومن المدافعين عن كل عرض ووطن إرهابيين والذابّين عن شريعة ربهم متطرفين، وبعد أن جعلوا من كل غاز يريد فرض عقيدته وزائف ديمقراطيته على المسلمين بطلاً، ومن كل أثيم يسلب أرضاً أمّنها الله أو يعذب نفساً عصمها الله أو ينتهك عرضاً حرمها الله مغواراً. 

يفضح الكاتب عوار حضارة الغرب باحتلال بلاد المسلمين إثر اختلاق أسباب واهية.. وتهاوت مدنيتها ورقيها في أبشع صورة باستخدامها هي- في إهلاك الحرث والنسل- ما جاءت لحماية الشعوب منه من قنابل عنقودية وفوسفورية وسامة وحارقة وبيلوجية وكيماوية إلخ وبكميات تقدر بآلاف الأطنان، وبتوفير غطاء لغطرسة ربيبتها إسرائيل، وبمحاولاتها اليائسة في القضاء على الوجود الإسلامي، وبنشرها العري والفساد والزنا والمسكرات والبلطجة والخنا، وبممارستها لكل أساليب البطش والأعمال السادية، وبفرضها حكومات صورية تخدم مصالحها وسياسات قمعية تكشف عن أطماعها ومناهج وضعية تبين عن نواياها في بسط سيطرتها وعقيدتها في بلاد المسلمين ... انكشف عوار حضارة الغرب بإذلال العجائز والمستضعفين من المسلمين في العراق وغيرها وبقتل الأطفال وباغتصاب المحصنات الغافلات .. وتهاوت مدنيتها ورقيها في سجن أبو غريب ومستشفيات  ... انكشف عوار حضارة الغرب بقتل الجرحى العزل داخل دور العبادة وبهدم المساجد وإكراه الناس على اعتناق المسيحية التي المسيح منها براء .. وتهاوت مدنيتها ورقيها بترك الجرحى عمدا ينزفون وبدك المستشفيات على من فيها وبمنع جهود الإغاثة من أن تصل إلى مستحقيها قبل أن يقضوا نحبهم .. انكشف عوار حضارة الغرب بالمروق من الاتفاقيات الدولية وقوانين الأمم المتحدة ولوائحها.. وكلها تقضي بحظر قصف المناطق السكنية وانتهاك دور العبادة والأماكن التاريخية والثقافية والانتقام تحت أي ظرف من الظروف من المدنيين العزل .. وتهاوت مدنيتها ورقيها بسكوت أصحابها بل وبإقرارهم هدم البيوت على الفلسطينيين وإخراجهم في كثير من الأحيان من ديارهم بعد سحلهم ورميهم كالكلاب في الميادين العامة يجترون الآلام والأحزان ليكونوا عبرة لغيرهم ممن يأبون الظلم ويتمسكون بالكرامة .. انكشف عوار حضارة الغرب برضائها عما ارتكبه شارون في صبرا وشاتيلا من مذبحة راح ضحيتها ألفي مدني أصدر أوامره ببتر أعضائهم وسحق رؤوس أطفالهم وإعدام رجالهم في الشوارع واغتصاب نسائهم، وعما ارتكبه في دير ياسين من قتل ما يقرب من 360 فلسطينياً في أبشع مجزرة شهدتها الإنسانية، وعما قام به من نسف أكثر من 400 طفل وسيدة وشيخ في (رام الله) أدار ظهورهم للحائط وراح يفرغ الرصاصات في أجسادهم، وعما ارتكبه في كفر قاسم من قتل وجرح 57 بينهم أطفال ونساء وعندما اضطرت الحكومة الإسرائيلية أمام سخط الرأي العام للتحقيق معه قال بكل فخر إنه "سعيد بارتكاب مذابح ضد العرب"، وعما فعله بنفس المنطق بعد تعيينه قائداً للقوات الإسرائيلية أثناء العدوان الثلاثي حين قام بأسر 300جندي مصري وأمر بدهسهم بالمدرعات وهم أحياء، وعما فعله عندما هاجم في نفس العام غزة وخان يونس وقام بتجميع 25 جندياً من الحرس الوطني الفلسطيني وأطلق عليهم النيران، ولم يهدأ له بال حتى توجه إلى مستشفى البلدة وقام بقتل المرضى والأطباء ثم قام بتجميع80 شاباً من الشوارع ليطلق النيران عليهم واحداً تلو الآخر حتى أجهز عليهم وترك جثثهم لمدة ثلاثة أيام لمزيد من الإرهاب للأهالي .. وتهاوت مدنيتها بتصديقها بعد كل ما ذكرنا بما يشيعونه من أن هؤلاء هم شعب الله المختار وأنهم يفعلون ذلك استعجالاً لمجيء وعودة المسيح الذي سيحكم القدس بعد أن تطهر من نجس المسلمين. 

يصرخ الكاتب من انقلاب الصورة واتهامنا نحن بالإرهاب، وأصرخ معه عندما أسمع بعض شيوخنا يكررون حديث إفك الغرب.. وكأن ما ذكرنا نتفاً منه وما يجري على الساحة العراقية والأفغانية يحدث على كوكب آخر، أو كأننا معاشر أتباع محمد الذين نسعى للصدام .. وكأننا نحن الذين ذهبنا لنغزو بلادهم وندمر أوطانهم ونستولي على ثرواتهم.. ونقتل رجالهم وأبناءهم ونغتصب نساءهم.... 

*** 

نعم.. ليس لدي أي استعداد للاعتراف بأن المسلمين إرهابيون.. وليتهم كانوا.. وليتهم يكونون!!

لست مستعدا لتلقي قائمة اتهامات بل لتدبيج قائمة اتهامات بعض  شهودي فيها ضباط إسرائيليون ألفوا كتابا خطيرا بعنوان: " التمرد" وهو أحدث واخطر كتاب صدر في إسرائيل يضم شهادات حية لثمانية من ضباط جيش الدفاع أعلنوا العصيان ورفضوا الخدمة في جيش الاحتلال في الأراضي الفلسطينية وهو تجسيد حي لأبشع أنواع العنصرية والإرهاب وجرائم الحرب بالتواطؤ مع النظام السياسي والهيئة الدينية والنظام التعليمي وجميع أجهزة الدولة . وبعض شهودي أيضا كتابات الأمريكيين أنفسهم. وبعض شهودي نعوم تشومسكي.. و رامزي كلارك.. وجيف سيمونز.. وجوانتانامو و أبي غريب..

*** 

لم أكن إذن أتوقع هجوما من عملاق جليل كالشيخ محمد إسماعيل المقدم على شباب المسلمين في لندن.. ولا كنت مستعدا لسماع إدانته وازدرائه للمجاهدين.

منه نتوقع أن يوقر الأكبر ويعلم الأصغر.. لا أن يزدريه ويهاجمه.. ولأنكي أن يتواكب هذا الهجوم والازدراء مع الهجوم الصليبي الصهيوني عليه.

لقد تحدث الدكتور محمد إسماعيل في خطبة بعنوان : "تفجيرات لندن والبعد الغائب " مسجلة ومفرغة عن المعاهَد، وعن بلاد المسلمين وعن عقد أمان..

تحدث الشيخ كما لو كنا في بلاد إسلامية و كما لو كان هناك ولي أمر.. و أنزهه أن يكون كالعبيكان يرضى أن تكون المسوخ الشائهة التي تحكمنا ولاة أمر. وكيف يكونون ولاة أمر لشعوبهم وهم لا يستطيعون أن يكونوا ولاة أمر لأنفسهم.. وليهم الشيطان.. وبوش.. وشارون..

ولقد تحدث الشيخ  عن واجب احترام الشرع وآدابه وأحكامه، وعن العواقب التي تحصل نتيجة هذا الفعل غير الناضج وغير المنضبط بالشرع الشريف. وعن وتأثير مثل هذه الحادثة على الجالية الإسلامية في مثل هذه البلاد.. 

ثم واصل الدكتور محمد إسماعيل :أنا لما سمعت بالخبر الخاص السفير لم أجزع على الإطلاق، كنت مطمئن للغاية أن هذه عملية (تهويش)، فما توقعت أبداً يحصل القتل بهذه الطريقة، مع استبعاد البُعد، يعني بغضِّ النظر عن أبعاد أخرى. لكن أقول ما وُضع في اعتباركم الثِّقَل السياسي لمصر في الأوضاع الحالية، وأنكم تجيّشون كما هائلا من المسلمين وتصدمون مشاعرهم بمثل هذا التصرف، لم يوضع هذا في الاعتبار على الإطلاق.

ما نلحظه في مثل هذه الأحداث أن هناك استئثاراً بالرأي، وأجاب كل ذي رأي برأيه، والفتاوى تَصدر وتُنفذ من أناس لا يدرى مقدار علمهم ولا تحصيلهم ولا مؤهلات الفتوى عندهم، فهم يقتحمون الفتوى، ويستبدون بها، ويُلزمون كل الأمة بتحمل عواقبها مهما كانت نظرتهم.

أيضاً موضوع الإنترنت والمصائب التي تجيء من الإنترنت، فكل واحد يريد أن يقول شيئاً يقوله، وطبعاً هذه إساءة أخرى للإسلام، لأنه أحياناً تصدر بعض التصريحات من الشباب عجيبة جداً، وهذه مرصودة بلا شك من أعداء الإسلام، ويبنى عليها المواقف، فموضوع الفوضى العارمة في الإنترنت، وما يحصل حتى من ممارسة بعض الشباب إرهاب على العلماء، إرهاب على الشيوخ، إن لم توافقني فأنت كذا وكذا، ويحصل ما يحصل في هذه الأحداث.

هذا الكلام كنت كتبته أيام المشاكل التي كانت تحدث في الجزائر، وهذا نموذج، ونحن لا نعتبر للأسف، الجزائر كان يحدث فيها مذابح رهيبة، لدرجة أن الواحد من شناعتها ما كان يصدق أن هناك إنسان أصلاً ينتمي للإنسانية أو لآدم عليه السلام ويَقوى على فعل هذا: يبقر بطون الحوامل، ويذبح الأجنة، وهم مسلمون، لماذا؟، لأنه يكفر هؤلاء الناس، فيستحلُّون دماءهم، و يفعلون هذه الجرائم الوحشية.. ينزلون على القبيلة يذبحوها كلها، وهذا جهاد!! ما السبب؟ السبب انحراف الفكر الذي يؤدي إلى انتهاك حرمات الله سبحانه وتعالى وانتهاك حرمات المسلمين، لأن من لم يوافقوهم في مشربهم يكفرونهم، وبالتالي عواقب التكفير مثل هذه التصرفات، لعلكم تابعتم ذلك في الجزائر.

***

يعلم الله كم يصعب علىّ انتقاد الشيخ الجليل..

ولكن ما هو أصعب من الصعب و أمر من العلقم و أصعب من السير على خرط القتاد، أن ألمح في حديثه انحرافا فكريا – لا أجرؤ على أن أقول عقديا- لا شك فيه. إن الإدانة جلها إن لم يكن كلها موجهة للمسلمين أينما كانوا.. و ألفاظ كالمعاهد وعقد الأمان ودار الإسلام تستعمل في غير محلها، كما أن الشيخ الجليل تحدث – مشفقا – على الجالية الإسلامية في الغرب وما تعانيه بسبب طيش إخوانهم من الإرهابيين. متجاهلا أمورا في الشرع ما كان يجب له أن يتجاهلها، ومنها إن الجالية الإسلامية في الغرب إن لم يكن مباحا لها الدعوة لدينها فليس الغرب لهم بدار مقام. كما تجاهل إحصائيات مرعبة أورد بعضها جيفري لانج في كتابه" حتى الملائكة تسأل" ومن هذه الإحصائيات أن 90% من أبناء و أحفاد الجاليات الإسلامية في أمريكا يمرقون من الإسلام. فهل هذا هو الوجود المريح الذي يدافع شيخنا الجليل عنه؟!.

ويتحدث الشيخ الجليل عمن قام بعمليات الإرهاب بازدراء شديد و إدانة بلا حد ليقع في أخطاء فادحة. إن الإسلام لا يعرف الازدراء ولا السخرية فلا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم.. وكفي بالمرء شرا أن يحقر أخاه المسلم، ومن ظن أنه علم فقد جهل. ثم أن شيخنا الجليل قد افترض أن من اشتبهت فيهم السلطات البريطانية هم الذين قاموا فعلا بهذه العمليات متجاهلا احتمالات لا أول لها ولا آخر.. منها أن يكون ما تم قد تم بالاختراق.. وتاريخ المخابرات – خاصة الأمريكية والروسية والسوفيتية – حافلة بمثل ما نقول، وقد تمرست فيه إلى الحد الذي لا يدرك فيه القائم بالعمل أنه مدفوع .. ومنها على سبيل المثال أن يكون الأمر تدبيرا للموساد فيه ضلع وما فضيحة لافون عنا ببعيدة ( قام الموساد منذ نصف قرن بتفجيرات في القاهرة والإسكندرية ضد المصالح الغربية ليثير الغرب على مصر.. واكتشفت المؤامرة بالصدفة عندما اشتعلت إحدى القنابل في جيب أحد الجواسيس قبل موعدها)..

 ودعنا الآن من أنه بعد خمسين عاما قام الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف بتسليم رسائل شكر إلى ثلاثة من عناصر الشبكة الذين ما زالوا على قيد الحياة وجميعهم في العقد السابع من العمر وهم مارسيل نينيو وروبرت داسا ومئير زافران. هكذا عاملت إسرائيل إرهابييها المجرمين كأبطال مجاهدين لكن شيخنا الجليل اعتمد مقولات الإعلام الغربي دون أي اعتبار آخر فعامل الأبطال المجاهدين كإرهابيين مجرمين بغض النظر عن الصواب والخطأ في الاجتهاد... وهو حين فعل ذلك.. وحتى على فرض صحته قد وقع في خطأ آخر.. لقد تعامل فكريا مع هؤلاء الأفراد كما لو كانوا دولة لديها مؤسساتها و أجهزتها التي تستطيع التدبير والتخطيط والاختيار ودراسة الاحتمالات والعواقب.. وكل ذلك – للأسف – غير صحيح. لنفترض أن كلام الشيخ الجليل صحيح.. و أن الذين يهاجمهم غلمان وجهلة من نتاج عصر الإنترنت الذي دفعهم للتطاول على العلماء، لنفترض هذا ولنضعه في إطاره الصحيح بأن نضرب مثلا، فلنفترض أن الشيخ الجليل نكص عن إمامة المصلين في مسجده، ولنفترض أنه انسحب من المسجد، وتلاه تلاميذه تلميذا بعد تلميذ وصفا بعد صف، ولم يبق في المسجد سوى بعض الصبية من الجاهلين، فهل تسقط فريضة الصلاة عنهم؟!.. أم أن على أحدهم أن يتقدم للإمامة حتى لو أخطأ في قراءة القرآن راجيا من الله أجرا.

 يا شيخنا الجليل نحن أمام وضع استثنائي شاذ لم يحدث في التاريخ، وضع كان على الحكام أن يقودوا جيوشهم وبلادهم و أمتهم للمقاومة الوطنية إن لم يكن للجهاد العقدي، لكنهم خانوا بعد أن هانوا، و ما أحسبهم هانوا إلا بعد أن نافقوا، وفسدوا فأغووا علماءهم و أغووهم، فاستسلموا، وسلموا الأمة، والجيوش التي كان عليها أن تحارب العدو أصبحت هي الداعم الوحيد لاستقرار النظم العميلة التي استسلمت للعدو. أصبحت الجيوش دعما غير مباشر لليهود والصليبيين، أما أجهزة الأمن فهي دعم مباشر. كان الوضع الأساسي أو الـ "Default" بلغة الكمبيوتر أن تحارب الجيوش و أن تدعمها الأمة وأن تحافظ على خطوطها الخلفية أجهزة الأمن، و أن يتوافر بعد هذا كله أفراد للعمليات الاستشهادية طبقا لخطة شاملة، لكن التحول الشيطاني المجنون عصف بكل شئ، ولم يبق من المنظومة التي دمرها الكفر والجنون سوي استشهاديين بلا خطة شاملة، وحتى بلا قيادة. ومن الطبيعي أن يرى كلا منهم جزءا محدودا من الصورة، ومن الطبيعي أن يخطئوا، ويكفيهم شرفا أن لم يقتلهم اليأس، فاستمروا في الجهاد تحت ظل اليأس من كل شئ إلا من روح الله. فعاشوا أو استشهدوا بين الأجر والأجرين. هؤلاء هم الذين يستهزئ بهم شيوخنا ويلعنهم العلمانيون والمنافقون.

نعم .. الأمر أشبه بعمارة ضخمة انهارت، وبانهيارها يصبح الانهيار هو الطبيعي، و أما السقف، أو الجزء من السقف، الذي يظل معلقا في الطابق العاشر أو العشرين فهو الشاذ، رغم أنه هو الذي بقي في مكانه ولم يتغير، والأولي بنا أن نعيب ما انهار لا أن نعيب ما ثبت.. حتى إن كان قد تقلقل باهتزاز ما حوله. نحن إذن أمام ردود فعل، لا نستطيع تناولها دون تناول الفعل نفسه، مدركين أن الأمر كله، الفعل ورد الفعل، مستحدث، و أننا لن نجد له في الفقه القديم مرجعا يفصل لنا بين الحلال والحرام، لن نجد تجربة سابقة ولا وضعا مماثلا ولا فتوى جاهزة، الرأي فيما يحدث سيعتمد إذن على القياس، ومع القياس ستختلف الآراء والفتاوى، وفي هذا الاختلاف رحمة، وليس فيه ما يستوجب الازدراء أبدا، خاصة عندما يكون هذا الازدراء موجها لإخوانهم في الدين. ويجب أن أشدد هنا، أن هذا الازدراء والتعالي والغلظة التي يتعامل بها فقهاؤنا مع الاستشهاديين، ليس لها أية مرجعية إسلامية، ولا حتى جاهلية عربية، و إنما مرجعيتها كلها صليبية يهودية شيطانية، ومن هنا دهشتي وذهولي لتسللها إلى كبار فقهائنا، وسنتناول هذا بمزيد من التفصيل بعد قليل. إلا أنني هنا أعاتب شيخنا وشيوخنا الآخرين، لقد أفتوا، وفي نفس الوقت أفتى علماء آخرون لا يقلون عنهم علما ولا ورعا بعكس ما أفتوا، واختلفت الرؤى بنوع الجهاد وشروطه. وكان على هؤلاء وهؤلاء أن يحترم كل منهم فتوى الآخر، إلا إذا كانت دواعي هذه الفتوى ليست دينية، ولا في سبيل الله، إنما في سبيل الأمن.

***

لقد تناول شيخنا الجليل أيضا واقعة قتل السفير المصري، وكان تناوله لها فاجعا وموجعا. كان موقفه موقف من لم يتبين، من أطاع الفاسق وصدق الكذاب، واستأمن الكافر وخون المسلم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) الحجرات ..

لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم..

لقد اعتمد الشيخ رواية الصليبيين واليهود والكفار والمنافقين و أهمل رواية المجاهدين.

ولست أدري كيف يقف شيخنا الجليل أمام الله يوم القيامة وهذا الوزر في عنقه.

لقد أصدرت المقاومة العراقية بمختلف فصائلها بيانًا وزع على عدد من مساجد العاصمة بغداد تعلن فيه براءتها من عملية خطف السفير المصري وقتله ومن العمليات التي تستهدف المدنيين العراقيين وتتهم قوات الاحتلال بعمليات القصف بالهاون على المنازل والسيارات المفخخة التي تستهدف العراقيين المدنيين.ولقد تمزق قلبي و أنا أقرأ هذا البيان.. ومما جاء فيه - وقد نشرته 'مفكرة الإسلام' ووكالات الأنباء والصحف- : '...من الملاحظ على اليهود والصليبيين إنهم في كل مرة تشتد فيها الهجمات عليهم يلجئون إلى ممارسة أساليب وطرق خبيثة لإيذاء المجاهدين وإيقاف السيل الجارف للهجمات المتلاحقة'.

وتوجه البيان بالخطاب إلى عموم الأمة بالقول: 'كيف يمكن أن تنطلي حيل الكفر وخداعهم والله تعالى ربنا قد أخبرنا عنهم أنهم [ لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمة ]... وأنهم كما خاطبهم ربنا ذاما لهم بقوله: [يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون.

يا إلهي..

هل نحن بلا قلب..

من المؤكد أن لدينا خلل في العقيدة و أن هذا الخلل هو الذي يصدنا عن الجهاد في سبيل الله، لكن هل لدينا خلل في العقل والقلب أيضا؟..

يواجه المجاهدون أعتى قوة في التاريخ و أكثرها وحشية وهمجية، يقومون وهم الأضعف بفرض الجهاد الذي نكص عنه الحكام والنخبة والعسكر.. والأمة أيضا.. يقومون بالجهاد نيابة عن أمة بأسرها.. يقومون بالجهاد محاصرين مطاردين لا يجدون طعاما ولا شرابا ولا كساء ولا ملاذا.. ولا حتى تفهما ممن قعدوا عن الجهاد أو ولوا الدبر.. مثلنا ومثل طواغيتنا وعلماءنا.. مثلنا نحن نغرق في دهن التخمة ونردد عنهم أحاديث الإفك.. ليضاف إلى مسئولياتهم – فلذات الكبد وسويداء القلب – أن يقنعونا بسلامة مواقفهم وبتحريهم الحلال والحرام و أن يشرحوا لنا كل هذا..

إنني أوجه نفس التساؤل الذي تساءلوه إلى شيخنا الجليل – وإلى كل شيوخنا معه-.. أكرر نفس التساؤل: 

'كيف يمكن أن تنطلي حيل الكفر وخداعهم والله تعالى ربنا قد أخبرنا عنهم أنهم [ لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمة ]... وأنهم كما خاطبهم ربنا ذاما لهم بقوله: [يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون] .

أوجه نفس التساؤل إلى شيخنا الجليل – وإلى كل شيوخنا معه- فأواصل تلاوة بيان المجاهدين: 

'ولكي لا يلتبس الحق بالباطل نقول إن دماء المسلمين ليست رخيصة عندنا – كما هي عند الصليبيين – لنهدرها بهذه الطريقة خاصة وإن من بين هذه الأسباب المهمة لإعلان جهادنا حقن دماء المسلمين ونحن حفاظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل [أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء] وقوله صلى الله عليه وسلم [لا يزال الرجل في سعة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا].

أوجه نفس التساؤل إلى شيخنا الجليل – وإلى كل شيوخنا معه- صارخا فيهم أين يذهبون من الله أمام هذا البيان للمجاهدين: 

بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على نبينا محمد بن عبد الله و بعد.. 

يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ..... الحجرات 

فهذا بيان من قائدنا أمير المؤمنين أبو مصعب الزرقاوي عجل الله شفاءه إلى المسلمين كافة حول الأحداث الأخيرة و المتعلقة بسفك دماء الدبلوماسيين الثلاث المصري و الجزائريين يقول فيه..

أولا..... إن إخوانكم المجاهدين في عاصمة الرشيد يتبرؤون كليا مما نسبه إليهم أعداء الله من سفك دماء المسلمين الثلاث و يعزون أهاليهم في مصر و الجزائر و يسألون الله أن يغفر لهم و يسكنهم فسيح جناته إنه غفور رحيم.

ثانيا ..... إن كل تصريح أو شريط فيديو يخص هؤلاء الثلاثة نسب إلينا فهو محض افتراء و كذب و نبرأ من كل قول أو شخص ينسبه زورا إلينا فحربنا هذه جهاد و الجهاد لا يكون إلا ضد الكفار و من يتولاهم و أعداؤنا هم المحتلون كافة و الحكومة العراقية بجيشها و شرطتها و عملائها .

ثالثا ..... إن كل رصاصة أو قذيفة تطلق على كل مواطن عراقي غير أعدائنا فقد أطلقتها يد مجرمة غير أيدينا الطاهرة المجاهدة و ليعلم العالم بأسره أن الشعب العراقي الأبي الحر هو عون لنا على أعداء الله و هو أعلم بمن يسفك دماء أبريائه.

رابعا ..... إن كلا من المخابرات المصرية و الجزائرية تعلم أن لا دخل لمجاهدينا لا من قريب و لا من بعيد في هذه القضية و لقد جمعنا بأشقائنا الجزائريين لقاء سري في أحد مخابئنا ببغداد و أقسمنا لهم أننا برآء من التهم المنسوبة إلينا بل و عاهدناهم على تقديم يد المساعدة و الجلسة موثقة بالصوت و الصورة ولكن و مع اقترابنا من كشف خيوط الجريمتين حيث قام مجاهدونا باختطاف أحد عناصر الجيش العراقي العميل الذي اعترف أن فريقا مكلفا بمراقبة شخصيات سياسية محددة هو من قام باختطاف الضحايا و تسليمهم للقوات الأمريكية مباشرة بعد نقلهم إلى منطقة قرب مطار بغداد, فوجئنا بنبإ اغتيالهم و الادعاء بأن جماعة أبو مصعب الزرقاوي هي المسئولة عن ذلك.

خامسا..... نتحدى أي شخص كان أن يأتينا بدليل واحد بل بشبه دليل يربطنا بالقضيتين و نقول أننا نتهم الأمريكان بقتلهم و أشرطة الفدية دليل على ما نقول فكلا الشريطين لا يظهر فيهما أي من رجال الجماعة الخاطفة و هو ما يخالف سلوكنا المعتاد حيث نظهر في كل شريط لنا المجاهد المسئول مباشرة عن العملية و هو يقرأ بيانه ملثما ثم إننا لا نعصب أبدا عيون المخطوفين أمام الكاميرا إذ ما جدوى ذلك و هم بين أيدينا رهائن ثالثا فنحن نأذن للمخطوفين دائما بمخاطبة شعوبهم و رؤسائهم و هذا ما لم نره في الشريطين المزعومين و رابعا أين صور قتلهم فنحن نصور عملية القتل دائما أما هؤلاء فقد قتلوهم رميا بالرصاص كما أخبر أسيرنا العميل ثم إن البيان الصادر عنهم يفضحهم أيما فضح فنحن لا نملك قاضيا شرعيا ناهيك عن محكمة شرعية ثم إن طريقة إخراج و تصوير الضحايا تختلف كليا عما نفعله نحن و أشرطتنا متوفرة لمن يريد التحقيق في الأمر.

سادسا..... إن الهدف من هاتين العمليتين واضح لكل ذي بصيرة و نظر فأعداء الله يريدون تشويه صورة المجاهدين و الجهاد على أرض الرافدين في العالم الإسلامي و لكن هيهات هيهات فالمصريون أدرى بالفرق بين الجهاد و الاستعمار و الجزائريون أعلم الناس بدسائس الكفر و هم الذين قدموا مليونا من الشهداء و ما استهداف دولتين عربيتين كبيرتين لدليل على ذلك و لو كنا نحن الفاعلين لبدأنا بسفراء الكفر و الإرهاب و والله سنفعل بإذن الله تعالى

سابعا..... إننا نعلن من هذا المنبر أننا نستهدف جنود الاحتلال و الحكومة المزعومة و جيشها و كل شخص تربطه علاقة بهم فقط و كل عملية تستهدف مراكز الشرطة و الجيش فنحن من نفذها حتى و لم نتبناها أما استهداف الأبرياء من النساء و الأطفال و العزل في المساجد و الأسواق فنشهد الله و رسوله أننا براء منها و كل مدع و منسب لها إلينا فهو كاذب.

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا الكريم

كنت أقرأ و أتابع و أسمع و أهتف:

يا شيخنا الجليل ما غرك بربك الكريم..

يا شيوخنا.. ما غركم بربكم الكريم..

*** 

قلت لنفسي لعل ما أوقع الشيخ الجليل في هذه الأخطاء هو عدم المتابعة خاصة في ظل التعتيم الإعلامي، ورغم أنني قلت لنفسي أن من لا يتابع لا يفتي فقد التمست له المعاذير. لذلك اشتدت دهشتي وذهولي عندما كرر نفس المنهج ليقع في خطأ فادح آخر.. خطأ ليس له فيه أي عذر بعد أن انتشرت الفضيحة كالنار في وسائل الإعلام جميعا واكتشفنا بعد عقد كامل من الكذب الفاجر من الذي يقوم بعمليات القتل في الجزائر .. 

لقد اتهم شيخنا المسلمين مرة أخرى..

ولم يكن ذلك ما حدث..

ما حدث انكشف أمره منذ زمان طويل – جزى الله الأستاذ فهمي هويدي خيرا فقد كان من أول من كشفوه – ويلخصه  مقال للأستاذ خالد الشريف يقول فيه: أصدر ضابط سابق في الجيش الجزائري يدعي حبيب سويدية كتابا تحت عنوان الحرب القذرة فضح فيه جنرالات الجيش الجزائري الذين نفذوا مذابح ضخمة ضد المواطنين العزل بهدف استمرار دوامة العنف في البلاد وتفجير بحور الدم في الجزائر وقد أثار الكتاب صدمة كبيرة وموجة غضب عارمة داخل الجزائر والوطن العربي هذا الكتاب الذي كشف فيه حبيب سويدية عمليات نفذتها مجموعات من الجيش للتخلص من الإسلاميين، ويروي فيه ما شاهده من جرائم ضد المدنيين من قتل وحرق دبرت بحيث يبدو أن متشددين إسلاميين هم الذين ارتكبوها. وقد أعطى الكتاب وما أثير حوله من ضجة إعلامية في فرنسا ثقلا لمطالبات جماعات الدفاع عن حقوق الإنسان في الجزائر للتحقيق في عمليات قتل. وفي طيات كتابه المثير يروي سويدية في شهادته جزءا من هذه المأساة فيقول رأيت زملاء لي في الجيش الجزائري يحرقون صبيا عمره 15 سنة، ورأيت جنودا يتنكرون في زي إرهابيين ويذبحون المدنيين. رأيت ضباطا يقتلون ببرودة أعصاب متهمين بسطاء. رأيت ضباطا يعذبون حتى الموت المعتقلين الإسلاميين. رأيت الكثير من الأشياء، ورأيت ما يكفي لإقناعي بتحطيم جدار الصمت. وإن ما أورده سويدية في كتابه من المشاهد الرهيبة قامت بها مجموعات الأمن والجيش، من بينها مذبحة الزعترية كفيلة بتمزيق نياط قلوبنا إن كان في القلوب إسلام أو إيمان لقد كان سويدية شاهد عيان على ارتكاب العناصر العسكرية لهذه المجازر الفظيعة فسويدية ضابط شاب ومظلي سابق في الجيش الوطني الشعبي الجزائري تخرج من الكلية الحربية وعمل في صفوف القوات النظامية ابتداء من 1989، شارك على نطاق واسع في ملاحقة الأفغانيين الجزائريين وكاد يقتل ورأى رفاقا له يسقطون ومدنيين يذبحون ومعتقلين يعذبون حتى الموت وأبدي سويدية اعتراضا على هذه الحرب القذرة وتهرب من تنفيذ عمليات قتل المدنيين فأحاطت به الشبهات، ولفقت له الأجهزة تهمة السرقة فقضى أربع سنوات في السجون ثم عبر البحر إلى فرنسا حيث طلب اللجوء السياسي وكتب خلال عام العام الماضي كتابه هذا عن الحرب القذرة الدائرة منذ تسع سنوات بين الجنرالات والإسلاميين والتي تسببت في تقديره في سقوط 150 ألف قتيل ودمرت البنية الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية معا للمجتمع الجزائري. وخطورة الاتهامات التي يوجهها مؤلف الحرب القذرة إلى جنرالات الجيش الجزائري تعود إلى أنه يسميهم بأسمائهم، ويقدم وصفا دقيقا للعمليات القذرة التي سمع بوقوعها أو تولى هو تنفيذها بناء على الأوامر الصادرة من الأعلى. 

"وكان من أبرز العمليات القذرة التي زرعت الشك في قلب (سويدية) أثناء عمله في بلدة الأخضرية ذات الميول الإسلامية لغالبية سكانها ما حصل في إحدى ليالي آيار من ذلك عام 1994م حين تلقى أمرًا بأن يواكب رجاله في مهمة عسكرية، وقد فوجئ بأولئك الضباط يرتدون جلابيب، وقد أرسلوا لحاهم كما لو أنهم إسلاميون، وفي الحال أدرك أن مهمة قذرة ستنفذ، لا سيما وأنهم كانوا يحملون معهم قوائم أسماء، وبالفعل اتَّجه الضباط الأربعة بحراسة الدورية التي يترأسها إلى قرية مجاورة، وقرعوا أبواب بعض الأكواخ ثم عادوا ومعهم خمسة من الرجال وقد أوثقت أيديهم خلف ظهورهم، وألبسوا أقنعة حتى لا يروا شيئًا، وعند الرجوع إلى موقع القيادة في بلدة الأخضرية تبين (لسويدية) أن زملاء آخرين له قاموا بمهمة مماثلة، وعادوا أيضًا ببعض الأسرى من القرى المجاورة . 

وتم اقتياد الأسرى إلى سجن الثكنة حيث بدأت عمليات تعذيب دامت بضعة أيام، ثم انتهت بقتل الأسرى رميًا بالرصاص أو ذبحًا أو حتى حرقًا، ورميت جثثهم في ضواحي بلدة الأخضرية، وقد حضر (سويدية) عملية تعذيب وحرق لاثنين من الأسرى، رجل في الخامسة والثلاثين، وفتى في الخامسة عشرة . وهو وقد سمى في كتابه الضابط الذي سكب عليهما صفيحة النفط وأضرم فيهما النار، وكذلك الضباط الذين كانوا يتفرجون على العملية. وبلغ الاشمئزاز ذروته عندما أذاعت القيادة العسكرية على أهالي الأخضرية بيانًا يفيد أن الإرهابيين داهموا بعض القرى المجاورة وقتلوا العشرات من رجالها وألقوا بجثثهم في الطرق . وقد دعت القيادة الأهالي إلى التعرف على جثث القتلى في مشرحة مستشفى الأخضرية وإلى استردادها لدفنها، أما الجثث التي أُحرِق أصحابها فقد تعذَّر التعرف على هوياتهم، فقد وعُدَّ أصحابها من المفقودين الذين لا يزال أهاليهم يبحثون عنهم إلى اليوم . 

*** 

هذا هو ما حدث في الجزائر يا شيخنا الجليل..

قاله لنا المجاهدون فلم نصدقهم.. 

صدقنا الخونة عملاء الصليبيين والصهاينة.. وصدقنا الصليبيين والصهاينة.. ولم نصدق إخوتنا.. بل سادتنا وقرة أعيننا.. لم نصدق المجاهدين.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.. 

صدقت يا سيدي ويا حبيبي.. ولقد جاءنا الزمن الذي يكذب فيه الصادق ويصدق الكذاب.

ولا يجمل بي أن أنتهي من هذا المعني دون أن أتناول خطبة أخيرة لعبد العزيز بوتفليقة.. الرئيس الجزائري.. يعترف فيها بأن بعض عمليات الإرهاب كان يقوم بها الجيش الجزائري.. فهل وصل ذلك إلى مسامعك يا شيخنا الجليل؟!.

أليس ذلك غريبا..

لم يكن من حق فضيلة الشيخ الجليل الدكتور محمد إسماعيل المقدم بعد ذلك كله أن يتحدث بازدراء شديد عن : " ما كان يصدق أن هناك إنسان أصلاً ينتمي للإنسانية أو لآدم عليه السلام ويَقوى على فعل هذا: يبقر بطون الحوامل، ويذبح الأجنة، وهم مسلمون، لماذا؟، لأنه يكفر هؤلاء الناس، فيستحلُّون دماءهم، و يفعلون هذه الجرائم الوحشية.. ينزلون على القبيلة يذبحوها كلها، وهذا جهاد!! "..

لم يكن من حقه..

وثمة معنى آخر جاهدت نفسي كي لا أفصح عنه.. لكن نفسي أبت علىّ..

هذا المعنى – بالإدانة والاستهجان- أحس به كثيرا مع العلمانيين ورجال السلطة.. أحس به مثلا مع واحد كالجلاد القاتل المجرم فؤاد علام عندما ينفي حدوث التعذيب وتزوير الانتخابات بينما هو أول من يدرك أنه كذاب وأنه هو نفسه الذي كان يقوم بها.

لأول مرة أحس بمعنى قريب من هذا مع واحد ممن أحبهم و أجلهم..

الشيخ الجليل يعرف.. لكنه يقول غير ما يعرف.. فهل هي التقية.. أم ابتعد... ولا أكمل!!..

*** 

لم يكن من حق شيخنا أن يفعل ذلك ليثير في نفسي شعورا مريرا أحسسته ذات يوم تجاه شيخ جليل آخر طالما أحببته وهو الشيخ يوسف القرضاوي.. و أقصد فتواه المسمومة عن جواز قيام الجندي الأمريكي المسلم بقتل آخيه المسلم في أفغانستان. 

*** 

لكن الشيخ الجليل الدكتور يوسف القرضاوي لا يتركني أغرق في ذكرياتي كي أواصل عتاب شخنا الجليل الدكتور محمد إسماعيل المقدم..

لم يتركني في الماضي.. لأنه كان حاضرا في الحاضر.. كان حاضرا في بلد يعبد فيها الشيطان اسمها محافظة شرم الشيخ!!

 كان هو الآخر يشارك في إدانة الإرهابيين في شرم الشيخ .. حيث يعبد الشيطان .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم....

كان يدين الإرهابيين ( المجرمين) الذين ينطلقون من فهم خاطئ للإسلام ..

كان الشيخ الجليل يدين ويؤكد الشبهات ببيانات الأمن.. وفي نفس الوقت كان رئيس الوزراء العلماني يستبعد تورط الإسلاميين والقاعدة في انفجارات شرم الشيخ ويرجح الثأر بسبب قسوة الأمن الباطش الجبار مع أهل سيناء..

آه يا ألمي..

آه يا شيخي..

مالكم كيف تحكمون؟!

أجعلتم المسلمين مجرمين..

مالكم كيف تحكمون؟!

أشاركتم الغرب في رأيه في الإسلام والمسلمين..

وهل تعرفون ما هي نهاية الشوط..

أليست: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم؟!..

أم تغير القرآن وسيرضى منا اليهود والنصارى بأقل من الكفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.. 

*** 

كان الدكتور يوسف القرضاوي يتحدث في افتتاح "ملتقى اقرأ الفقهي الأول" عن الإرهاب، وهو الملتقى الذي تنظمه مؤسسة "اقرأ" السعودية بمدينة شرم الشيخ المصرية تدعيما لمدينة شرم الشيخ بما ترمز له وتحديا للإرهابيين!!. ولقد حضر المؤتمر شيوخ أجلاء كثيرون – كالبوطي مثلا- عجبت كيف حضروا.. كما حضره شيخ الأزهر فلم أعجب لحضوره..

كان فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي يتحدث في شرم الشيخ، ولست أدري لماذا ذهب؟ وهل استشعر حرجا بين أن يدين الإرهاب وبين أن يدين عبادة الشيطان في شرم الشيخ، ويشرح لأهلها أن ما حدث لها إنما هو قصاص إلهي، وربما جعله الحرج يهرب من هذا وذاك ليهاجم ركنا آخر، ليس عند الصليبيين واليهود، و إنما في جامعة سعودية، عن أحد الباحثين، انتقده الشيخ الجليل بقسوة، وازدراه وحقر رأيه، وكان الباحث قد قدم رسالة في إحدى الجامعات السعودية تقول: إن اشتراك الدول الإسلامية في هيئة الأمم المتحدة إثم كبير. وحرام على كل بلد إسلامي أن يدخل في الأمم المتحدة.. ووضع أسانيده الفقهية..

 وكان الشيخ يهاجمه بشدة و يقول: "أنا لا أيأس من مخاطبة هؤلاء، وخاطبتهم في مصر، وبعد أن حاورهم العلماء انتهوا إلى التراجع عن هذا الفكر، وكتبوا 6 كتب لتخطيء أنفسهم، وكانوا ينقلون عن كتبي، وكانت كتبي من المحرمات عليهم". 

هل كان أمر هذه الرسالة الجامعية التي تطالب بالانسحاب من الأمم المتحدة يستحق وقفة شيخنا الجليل؟..

وهل الكفر بالأمم المتحدة – بغض النظر عن مواقفنا الشخصية- من نواقض الإسلام؟..

ولماذا لم يدن الشيخ الجليل القذافي وبوش وقد تحدث كلاهما عن الانسحاب من الأمم المتحدة أو مقاطعتها، بل إن الولايات المتحدة قد انسحبت بالفعل من العديد من المنظمات التابعة للأمم المتحدة. كما أن أحد منظري اليمين المتطرف في أمريكا وهو "ديفيد فروم" يدعو إلى انسحاب أمريكا من الأمم المتحدة.. والى معاداة فرنسا، والى اعتصار الصين والى خنق كوريا الشمالية، والى اعتبار قيام دولة فلسطينية وهما من الأوهام ينبغي تبديده. كما يكشف "فروم" أن أمريكا كانت تنوي الانسحاب من الأمم المتحدة إذا ما أدينت بسبب غزوها للعراق. وفي هذا الصدد يقول بوش: إن الأمم المتحدة ستلحق بالمرحومة عصبة الأمم.

فكرة الانسحاب من الأمم المتحدة إذن ليست شذوذا ولا جنونا .. وحتى لو كانت كذلك فإنها لا تقتصر على المسلمين!!..

الفكرة ليست شاذة.. و إنما هي مطروحة.. وبقوة.. وممن تناولوها بعض المفكرين الإسلاميين المرموقين..

يقول المفكر الإسلامي محمد مورو:

وهكذا فإن أقل قدر من الحكمة يقتضي الانسحاب من الأمم المتحدة، حتى لا يتحول العرب والمسلمون إلى شهود زور على أنفسهم في تلك المنظمة الضارة جدًا علينا، وعند انسحاب الدول العربية والإسلامية فإن المسألة ستكون أقل ضررًا وأكثر وضوحًا وهو من باب أنه لو وقع العدوان فلن يكون باسم الشرعية الدولية، أو على الأقل إذا وقع عدوان على دولة عربية أو إسلامية -العراق،سوريا، السودان مثلا؛ فإنه لن يكون باسم باقي الدول العربية والإسلامية المشاركة في تلك الهيئة المسؤولية المسماة بالأم المتحدة. 

من ناحية الشكل إذن فإن الأمر اجتهاد يجوز الاختلاف فيه، ولقد علمنا الشيخ الجليل أن ما فيه خلاف لا يجوز عليه اختلاف. أما من ناحية الموضوع فإن الأمر مطروح ومطروق، لكنه ليس في سلم الأولويات التي علمناها الشيخ، ولم يكن يستحق منه مجرد ذكره بله إدانته وازدرائه. فالكفر بالأمم المتحدة ليس إنكارا لما هو معلوم من الدين بالضرورة، وبالتالي ليس من نواقض الإيمان!!..

*** 

ولقد جاء في حديث الشيخ الجليل بأن مقترفي فكر المراجعات، أو على الأحرى التراجعات، كانوا يهاجمونه ثم عادوا إلى كتبه. وما كان للشيخ أن يفخر بتراجعات تمت في السجن تحت هيمنة مباحث أمن الشيطان..

ما كان له أن يفخر، بل كان عليه أن يدين جهاز الأمن الفاجر الباطش الجبار الذي دفع هؤلاء إلى تراجعات لا يصدقها الكثيرون، وأنا منهم، فهي تراجعات قضت على مرجعيتهم ودمرت مستقبلهم السياسي كما جعلت منهم مجرمين يرجون التوبة.. وجعلت من أعدائهم شهداء.. ومن شيوخهم في الإخوان – بتعبير المتراجعين أنفسهم- خطاة لا يجوز التحالف معهم.. ولقد مدحوا مبارك أو على الأحرى نافقوه وجرموا الإخوان الذين يعتبر شيخنا الكبير واسطة العقد فيهم، وهذا أمر لم يتطرق إليه شيخنا الجليل أبدا رغم كثرة تناوله وفخره برجوع التائبين لدي أجهزة الأمن عن فكر الجماعات إلى كتبه...

إن الشيخ الجليل يسير نفس المسار فيدين المجاهدين ويزدريهم. والمجاهدون قد يكونون قوما طلبوا الحق فأخطئوه، وما من أجل هذا الخطأ أدانهم شيخنا، ولكم يحزنني أنه أدانهم حين طلبوا الحق ومدحهم حين رجعوا عنه.

قال شيخنا القرضاوي: "المسألة في رأيي فكرية قبل كل شيء، هناك من يردون أحداث العنف إلى أزمات بطالة وأزمات نفسية، لكن المؤثر الأكبر هو الجانب الفكري". وأوضح: "هناك فئة فسادها ليس في ضمائرها وليس في نياتها... الآفة في المنهج، في الرؤوس لا في الضمائر... كثير منهم مخلصون لكنهم أخطئوا الطريق، ولا بد من استقامة الطريق مع استقامة النية". 

ورأى القرضاوي أن "هناك قضايا أساسية ينبغي أن تعالج مثل فرض الكفاية". وقال: "هؤلاء الشباب يقولون: إنه فرض على الأمة الإسلامية أن تغزو ديار الكفار ولو كانت مسالمة". وأضاف متسائلا: "هل هذا الحكم متفق عليه؟".

 *** 

لكن..

يا شيخنا الجليل..

المشكلة بهذا العرض مقلوبة..

لسنا نحن الذين نهدد بغزوهم – حتى و إن قال بذلك فئة لا تكاد تذكر أو تسمع-..

لسنا نحن الذين نهدد بغزوهم بل هم الذين يغز وننا بالفعل.. ولقد بلغ الأمر أنه في مطلع القرن العشرين لم تكن توجد في العالم كله أي دولة إسلامية مستقلة.. ولقد اكتشفنا بعد حقب، أن الجلاء عنما تم كان صوريا.. فالاستعمار الذي رحل ترك وكلاءه يحكموننا..

يا شيخنا الجليل: ماذا  إذن عن فتوى الحاخامات – لا اجتهاد الأفراد-  حاخامات جيش إسرائيل أثناء غزو لبنان (لصحيفة هاآرتس), في 5/7/1982، بما يلي ((علينا ألا ننسى أجزاء التوراة التي تبرر هذه الحرب، فنحن نؤدي واجبنا الديني هنا (في أرض لبنان) فالنص المكتوب يفرض علينا واجباً دينياً، هو أن نغزو أرض العدو.

يا شيخنا الجليل: وماذا عن  تحريض نشر رسميا، في كتيب صادر عن قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، والتي تشمل ولايتها منطقة الضفة الغربية. ويكتب الكاهن الأول في القيادة هذا الكتيب: ((عندما تلتقي قواتنا بمدنيين خلال الحرب أو خلال ملاحقة ساخنة أو غزو, ولم يكن مؤكد أن أولئك المدنيين غير قادرين على إيذاء قواتنا, فوفق أحكام الهالاخاه, يمكن، لا بل يجب قتلهم.... عندما تهاجم قواتنا العدو، فهي مصرح لها, لا بل مأمورة وفق أحكام الهالاخاه, بأن تقتل حتى المدنيين الطيبين))..

يا شيخنا الجليل: وماذا عن  الفقرات التالية المأخوذة من كتاب "الأصولية اليهودية في إسرائيل"، تأليف إسرائيل شاحاك ونورتون مزنفسكي، دار نشر بلوتو، 1999:

ورداً على سؤال "ماذا نفعل إذا هدد طفل عربي حياة يهودية؟" يقول الحاخام افينير إذا ما حاول طفل غير يهودي أن يقتل يهود بإلقاء حجارة على سيارة على سبيل المثال يجب أن يعتبر هذا الطفل "مضطهد لليهود" وأن يقتل.

ورداً علي سؤال إذا ما كانت الهالاخاه تسمح بإعدام العرب الذين يلقون الحجارة قال افينير أن هذه العقوبة مسموح بها بل إلزامية. وهي ليست مقتصرة على إلقاء الحجارة فقط فهناك أسباب أخرى تستدعي الإعدام. وقد أشار افينير أن المحكمة الحاخامية وملوك إسرائيل يتمتعون بحق معاقبة أي شخص بالإعدام  إذا ما أدى ذلك إلى عالم أفضل.

يا شيخنا الجليل: وماذا عن  القس الإنجيلي الأميركي بات روبرتسون صاحب اللائحة «الشيطانية» التي يطالب بالقضاء عليها والتي تضم القرآن الكريم وقيادات سياسية شرق أوسطية، داعياً الإدارة الأميركية إلى اغتيال الرئيس الفنزويلي المنتخب هوغو شافيز، تفادياً لتحول فنزويلا «معقلاً للشيوعيين والتطرف الإسلامي».

يا شيخنا الجليل: القضية المطروحة الآن أن فقههم ودينهم المزيف يدعوهم صراحة وعلى لسان فقهائهم إلى قتلنا وغزو ديارنا.. ونحن نترك حالة العجز العربي الفاجعة لنتحدث عن مقولات أفراد قطعت عن سياقها و أوصلها لنا في الأغلب الأعم ضباط مباحث أمن الشيطان لندين قائليها.. ولندين فيها الإسلام والمسلمين..

فهل هذه هي القضية المطروحة الآن..يا شيخنا الجليل.. 

يا شيخنا الجليل.. هل المطروح الآن غزو ديار الكفار أم جهاد الدفع عن بلاد المسلمين التي غزاها الكفار؟!..

يا شيخنا الجليل: هل يوجد الآن في أربعة أركان المعمورة بلد، بل مدينة بل قرية بل شبر من الأرض يحتلها المسلمون أو يفكرون في غزوها؟..

يا شيخنا الجليل : كيف تعزو ما يحدث إلى شباب يقولون: إنه فرض على الأمة الإسلامية أن تغزو ديار الكفار ولو كانت مسالمة.. فأين هؤلاء الشباب؟.. وعلى فرض وجودهم فإنهم هم أنفسهم لا مكان لهم في أوطانهم.. ولو وجدوا لحرروا أوطانهم قبل أن يغزو ديار غيرهم..

يا شيخنا الجليل أبيت اللعن: الأمر ليس كما تقول..إلا إذا كنا نقيس على الشاذ ونجعل الاستثناء هو القاعدة.. وفي هذه الحالة فإن الآفة تكون فعلا في المنهج، لكن في منهجنا نحن لا في منهجهم هم.. وتكون في الرؤوس والضمائر.. لكن في رؤوسنا نحن وفي ضمائرنا نحن لا في رؤوسهم وضمائرهم..

يا شيخنا الجليل: نحن خذلنا المجاهدين.. ولم يكن لدينا من الإنصاف ما يدفعنا للاعتراف بأنهم على صواب و أننا على خطأ ولا الشجاعة لنعترف أننا من القاعدين فرحنا نرميهم بدائنا وننسل.. بل وتحول الأمر إلى آلية نفسية.. فنحن كلما هاجمناهم أكثر خيل إلينا أننا ندفع عن أنفسنا الاتهام أكثر... وقد يكون هذا صحيحا في الدنيا .. فوسائل الإعلام كلها تنشر ما نقول وتقاطع ما يقولون.. وقد نكون ألحن منهم.. فإنما نأخذ قطعة من النار.. 

يا شيخنا الجليل : لقد جاء في الفتاوى الكبرى ما نصه "العدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه" وهذا النوع من القتال لا يشترط له شرط. وذكر الإمام العز بن عبدا لسلام أن جهاد الدفع من الفروض، والفرض لا يستأذن فيه أحد. أما ابن عابدين - وهو من فقهاء الحنفية - فيقول: إذا هجم العدو على ديار المسلمين أصبح قتالهم فرض عين كالصلاة والصوم. ومثل هذا القول ردده الدسوقي من علماء المالكية وكذا الرملي من علماء الشافعية وابن قدامة من علماء الحنابلة وغيرهم كثير وأمام هذه الفتوى من جميع علماء المذاهب.

*** 

إنني أدرك أن الشيخ يوسف القرضاوي جزاه الله خيرا وغفر له وبدل سيئاته حسنات هو من أكثر من أفتي بالجهاد في العراق وفلسطين.. ولقد كتبت كثيرا أنني أحبه و أقدره و أحترمه و أنظر إلى جهده الهائل من خطابة وندوات وكتب ومؤتمرات وتدريس ونصح و آلاف الأشياء التي لا أعرفها.. أرقب ذلك كله بإعجاب لا حد له و أنا أدعو أن يجعله الله في ميزان حسناته، كنت كذلك وما زلت، لكن مشاعري تلك أصابها كدر بعد فتوى أفغانستان المشئومة، ثم أن أهل السنة والجماعة، جزاهم الله خيرا، قد استقروا على أنه، هو ومثله، مهما بلغت مراتبهم،  يؤخذ منهم ويرد عليهم، و أنه يخطئ ويصيب، وليس الخطأ ما يقلقني.. ولكن ما يزعجني ويرعبني أنني أراه في شموخه العالي وقد خالطت فتاواه – كشيخنا الجليل محمد إسماعيل المقدم – بعض ملامح الهزيمة الداخلية..

نعم ألمح ملامح هزيمة من لم يعد حرصه على الموت كحرص الآخرين على الحياة..

إنني أدعو الله أن أكون على خطأ.. فأنا أذوب من الألم عندما أرى في بعض شيوخنا الأجلاء بعض ملامح هذه الهزيمة.. خاصة شيخينا الجليلين، اللذين لم يعد لنا من أمثالهما كثير، خاصة بعد أن خذلنا جل علمائنا وشيوخنا في الجزيرة العربية..

نعم ..

خذلونا..

دفعونا إلى الصواب ثم تخلوا عنا..

فكانوا كالأعراب الذين صاحبوا الحسين رضي الله عنه ثم تسللوا تحت جنح الظلام عندما عرفوا أنه ميت.

خدعونا..

أخذنا أنفسنا بمنتهى الشدة كي نطابق المقياس الذي وضعوه للمسلم ( وهو مقياس صحيح .. لكنهم هم الذين تراجعوا عنه)..

تناقضت فتلواهم واختلفت مواقفهم وبلغ التطابق بين الفتوى والسياسة حدا ضاع معه الدين..

ولقد بلغ الأمر حد المهزلة.. عندما أصبح من يوزع فتاوى الإيمان والكفر.. والإرهاب والاعتدال.. ليس عالم دين و إن كان منافقا أو جاهلا.. بل وزير داخلية.. 

وفي هذا الصدد فإن هناك أمرين لا أجرؤ أبدا على تصديقهما حول الفتاوى التي يصدرها بعض شيوخ الجزيرة..

الأمر الأول أن هناك فتاوى مخالفة للشرع يطلبها ولي الأمر.. وولي الأمر يعلم.. والشيخ يعلم .. لكن الفتوى تصدر في النهاية..

لا أستطيع أن أصدق ذلك – مستريحا-.. لا أستطيع أن أصدقه على الرغم من الفتاوى الشاذة بالاستعانة بكافر على مسلم أو بالصلح مع إسرائيل أو بعدم جواز الجهاد في العراق وفلسطين..

أما الأمر الثاني فهو أن ثمن هذه الفتاوى يصل إلى عشرات الملايين.. و أن تسلم الشيك يسبق إصدار الفتوى..

لا أصدق.. أو على الأحرى لا أريد أن أصدق.. 

رغم ظاهر الحال لا أصدق..

فالأفضل لي، ليس على مستوى العقيدة فقط، أن أكذبه، و أن أؤكد أن أمر اختلاف الفتاوى، واختلالها، اجتهاد يتسع للمخطئ كما يتسع للمصيب..

لا أصدقه.. لأنني لو صدقته فقدت نصف قلبي ونصف عقلي..

ولكم وددت أن يتصدى من يكذب هذا.. ولو بصورة غير مباشرة.. بإصدار فتوى تخالف رأي الملك مثلا.. لأن تطابق كل الفتاوى مع رأي الملك وتصريحاته لا تعني إلا شيئا واحدا، وهي أن مطلق هذه الفتاوى يعبد الملك من دون الله.

وعندما أقول لبعض أصدقائي في الجزيرة أنني لا أصدق أن ذلك يحدث يؤكدون لي حدوثه، ويعزون عدم تصديقي إلى الخلط بين قداسة الدين وبين بشر ليست لهم قداسة..

و كنت أتمتم كل مرة مخاطبا نفسي بحروف لا تبين:

- لا ترفض التصديق بشدة.. فلطالما شككت أن بعض  من أسند الطاغوت إليهم  الفتيا في بلادك غير مسلمين!!

*** 

يبقى الشيخ يوسف القرضاوي طودا شامخا يخطئ ويصيب لكنني – ولا أزكيه على الله – أحسبه فوق مستوى الشبهات.. لكنني مع كثرة انحرافات أقرانه أصبحت حساسا جدا لما أتصوره خطأ منه.. إنه كجرعة ماء قد لا يحزبنا كثيرا أن تنسكب منا في الوادي فلدينا سواها الكثير.. لكن.. ماذا نفعل إن انسكبت منا في الصحراء وليس لدينا سواها..

يا شيخنا : إني والله أحبك.. أحبك ذلك الحب الذي يجعلني أدعو لك بالشهادة خاتمة لحياة حافلة بالطاعات وعمل الخير وصواب كثير وسيئات أدعو الله أن يبدلها حسنات..

يا شيخنا الذي أحبه: لماذا ذهبت إلى شرم الشيخ غفر الله لك؟!

يا شيخنا الذي أحبه: لماذا أفتيت فتوى أفغانستان المسمومة غفر الله لك؟!.. 

يا شيخنا الذي أحبه: لماذا تراجعت جزئيا عن فتواك بقتل الأمريكيين جميعا في العراق غفر الله لك؟!.. فكما أنه في فلسطين ليس هناك مدني إسرائيلي فكذلك الأمر في العراق.. وربما تكون هناك شبهة في المدنيين الأمريكيين في باقي بلاد المسلمين.. أما في العراق فألف كلا..


*** 

أذوب من الألم و أخشى أن يلجأ شيوخنا الأجلاء، قدوتنا، إلى التقية فأبادر لأذكرهم بشيخنا و إمامنا أحمد بن حنبل رضي الله عنه، حين جاءه من تلامذته من يقول:

- أيها الإمام ما عليك أن تجيب؟.

 فيقول له :

- انظر من خـلال الشرفة وأخبرني ماذا ترى؟.

 فينظر فيقول :

- إني أرى أهل بغداد قد اجتمعوا كل معه القرطاس والقلم ينتظرون ما تقول به..

 قال: 

- أف ...أنجو بنفسي وأضل جميع هؤلاء..

يا شيوخنا الأجلاء تنجون بأنفسكم وتضلون جميع هؤلاء..؟؟

*** 

في شرم الشيخ أيضا تهاطلت الإدانات ..

وكانت الإدانات في الظاهر تنصب على المجاهدين.. لكنها في الواقع كانت تواجه الجهاد نفسه وعينه وذاته..

لم تكن الإدانة موجهة إلى صلاة كنقر الغراب لا تصح.. بل كانت الإدانة للصلاة كلها..

نعم .. 

الأمر كذلك.. 

فمن أدان الجهاد لم يدنه لعدم انضباطه بضوابط الشرع، فقد كان عليه في هذه الحالة أن يتحدث جادا لا هازلا عن ضوابط الشرع وكان عليه أن يعلم الناس كيف يكون الجهاد بل كان عليه أن يقودهم فيه.. لكن ما يحدث الآن أمامنا إدانة مطلق الجهاد..

إنني أعلم أن المجاهدين ليسوا معصومين من الخطأ .. بل و أعلم أن أول من يدخل النار يوم القيامة منفق وعالم وشهيد.. المجاهدون ليسوا معصومين إذن .. ولو تناول شيوخنا الأمر من هذه الزاوية لما كان لنا من تثريب عليهم.. كان شيوخنا يستطيعون اتهامهم في العراق مثلا بأنهم – حاش الله- لا يجاهدون في سبيل الله.. بل في سبيل عصبية أو حزب أو مال أو مجد.. أو ثأر من عدو غاصب باطش جبار مجرم ولم يقصدوا بجهادهم وجه الله.. وكان يمكن لهم أن يتهموا إخواننا في سيناء أنهم لم يقصدوا بتفجيراتهم وجه الله و إنما هم يثأرون من جهاز أمن باطش جبار مجرم ولم يقصدوا بما فعلوه وجه الله.. كان شيوخنا يستطيعون قول ذلك أو الادعاء به.. وكان عليهم في الخطوة التالية أن يعلموا هؤلاء و أولئك كيف يكون الجهاد حقا.. وكيف يستطيعون تصفية قلوبهم من الشوائب والأدران كي تكون قلوبهم خالصة لله الواحد الواحد القهار.. لكن شيوخنا لم يفعلوا ذلك.. شيوخنا هاجموهم بنفس منطق مباحث أمن الدولة والموساد والسي آي إيه.. شيوخنا هاجموهم بنفس المنطق الذي هاجم به ابن زياد وعمرو ابن سعد وشمر بن ذي الجوشن الإمام الحسين رضي الله عنه..

*** 

يشتعل القلب بالغضب المحموم والأسى الفاجع.. عندما أقرأ كيف تسلل الأعراب من جيش الحسين رضي الله عنه..

كان حبيبي رضي الله عنه ابن بنت حبيبي صلى الله عليه وسلم قد أدرك أنه شهيد، و أن شيعته خذلوه فقال :

- من أحب منكم الانصراف فلينصرف من غير حرج عليه وليس عليه منا ذمام..

 فتفرق الناس عنه حتى بقى في أصحابه الذين جاءوا معه من مكة، وإنما فعل ذلك لأنه ظن أن من اتبعه من الأعراب إنما اتبعوه لأنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهلها فكره أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون علام يقدمون وقد علم أنه إذا بين لهم الأمر لم يصحبه إلا من يريد مواساته في الموت معه..

يشتعل القلب بالغضب المحموم والأسى الفاجع.. عندما أرى كيف يتسلل العلماء هاربين من المواجهة..

أعتذر إليك يا سيدي وحبيبي الشيخ أسامة بن لادن ويا أيمن الظواهري و يا أبو مصعب الزرقاوي رضي الله عنكم ورضيتم عنه.. أعتذر.. لم نكتف بخذلانكم.. بل راح بعضنا يردد عنكم ما يختلقه أعداء الله من محاولة لتشويهكم.. وما تشويهكم يبغون ولكن تشويه الجهاد كله.. الجهاد كذروة سنام الإسلام..

أعتذر لكم..

إن يكونوا قد انسلوا عنكم فقد انسل أجدادهم من حول الحسين رضي الله عنه..

تري.. 

لو تأخر سيد شباب شهداء أهل الجنة إلى زماننا.. أو لو أننا تقدمنا إلى زمانه.. في أي معسكر كان يكون و في أي معسكر كنا نكون..

أقولها وقلبي ينزف.. أقولها ومخالب تنين الألم الوحشي تنهش قلبي فلا تعود المخالب إلا وقد تعلقت بها مزق لحم القلب ويقطر منها دمه.. أقولها .. أو على الأحرى أسأل: 

- هل كان الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ محمد إسماعيل يكونان في معسكر الحسين أم في معسكر ابن زياد..

أسألهما ليس لأنهما الأذل أو الأقل بل لأنهما الأجلّ.. هما القامة العالية التي لا ينبغي لها أن تنحني حتى إذا انحنى الباقون.. هما الهامة العالية التي ينبغي أن تلتزم بالعزيمة حين يلجأ الآخرون إلى الرخصة.. بل أقول أنهما هما بالذات عليهما أن يتوجا حياتهما بالاستشهاد.

أسألهما و أسأل سواهما والسؤال قرار يجب أن يتخذ في سرعة ومضة الضوء المنعكس على صفحة سيف:

- عندما يكون الموت هو الشرف الوحيد الباقي.. أننكص عنه؟.. أنهرب من قدر الله؟؟.. أمن الاستشهاد نفر؟!..

أسأل والأسئلة طوفان من المرارة العاتية:

- في أي صف كانت تكون مباحث أمن الدولة والحرس الوطني والجيش المصري والجيش السعودي والجيش السوري وجيش الخليج .. مع الحسين أم مع ابن زياد؟!....

أتساءل و الأسئلة كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ:

- أي معسكر كانت ستقصف طائراتنا وأي قلاع كانت ستدمر بوارجنا و أي لحم طاهر كانت ستسحق دباباتنا..

أتساءل والتساؤل نيران مشبوبة في القلب:

- مع من كانت صحفنا ستكون؟!.. ومانشيتات الأهرام والحياة والشرق الأوسط : كيف كانت ستصف الإرهابي الحسين ؟! كيف كانوا سيسبّونه؟.. وهل كان سبابهم سيطال جده؟!.. صلى الله عليه وسلم.. هل كان السباب يطاله؟.. لا يتجاهلن أحدكم السؤال ولا ينكرنه.. فالسباب يطال جده رغم مسافة ألف وخمسمائة عام.. وعلى الرغم من ذلك فإن صحفنا الكبرى تعتبر سباب جده رقيا وتقدما وحضارة، وبعض مفكرينا، هم الذين يفعلون ذلك. مع من كان الكتاب والمفكرون سيكونون.. ؟!.. و أنتم يا ناس.. أنت يا أمة.. مع من كنت تكونين.. وهل كان الحسين رضي الله عنه سينجو من تهمة الإرهاب؟!..

أسألكم يا ناس.. و أستحلفكم بالواحد القهار ألا تكذبوا:

- لو أن الحسين يوجد الآن.. في أي بلدة من بلاد عالمنا العربي.. فهل يوجد بلد واحد سينصره ويحميه؟!

أسألكم يا ناس.. و أستحلفكم بالواحد القهار ألا تكذبوا:

- لو أن الحسين وجد الآن.. فهل كانت توجد حكومة عربية واحدة ترفض أن تسلمه ليؤسر في جوانتانامو؟!!

أسألكم يا ناس.. فهل عرفتم قدركم.. وقدر دينكم في قلوبكم؟!

*** 

الكارثة أن حملة الازدراء والاحتقار التي يواجه بها شيوخنا جموع المجاهدين ليس لها في الإسلام مرجعية ولا أصل.. ولو عرف شيوخنا مغبة هذا الازدراء لعرفوا أنه باب من أبواب الشيطان وما فتحوه أبدا.. ثم أنه علامة ضعف.. لأن الأمر لو كان صحيحا عقليا لما استوجب إلا بعضا من الحوار.. أو حتى القتال.. لكنه لا يستدعي الازدراء.. الرأسماليون لم يزدروا الشيوعيين.. والنازيون لم يزدروا الرأسماليين.. لكنهم كانوا أعداء وتقاتلوا حتى الموت فمن أين أتانا وباء الازدراء وما أصاب علماءنا به رغم أن تناول القرآن للمستهزئين والساخرين مرعب. و إنني لأعجب كيف لم يدرك علماؤنا وشيوخنا كل ذلك وقد أدركه العلمانيون والأجانب..

نعم..

آلية الازدراء آلية شيطانية خبيثة شريرة عنصرية لا يمكن أن يأتي من ورائها خير..

إن الفطرة التي خلقها الله فينا رادار يجعلنا ندرك بالغريزة وبالروح قبل العقل أين الصواب و أين الخطأ.. والإنسان .. مهما بلغ شره يحتاج إلى مبرر للشر.. إنه لا يقول أنا شرير لذلك سأقتل وأسرق و أدمر.. بل هو يقول أن الآخر شرير.. بل هو محور الشر.. لذلك سأقتله و أدمره و أستولي على ثروته كي لا يستعملها في تدمير العالم..نعم..

حتى الشيطان يحتاج إلى مبرر لجرائمه.."خلقتني من نار وخلقته من طين"..!!.. والمجرم مهما بلغ إجرامه يحتاج دائما إلى مبرر لقتل إنسان آخر، وعلى مستوى الجماعات والدول فقد كان استغفال الناس وتزييف الواقع كليا وطمس آثار الحقائق نهائيا يمكن أن يتحقق قبل تطور وسائل الإعلام التي جعلت من إخفاء مثل هذه الجرائم الآن أمرا مستحيلا.. كما أن هذا المبرر الشيطاني الذي يبدأ بالازدراء وينتهي بالقتل أو بتبريره لا يمكن إيجاده في حالة الرغبة في قتل إنسان ..أي إنسان.. لأن كل إنسان يتمتع بحق المساواة الكاملة مع القاتل و على رأسها حق الحياة، لهذا فان القاتل يلجأ إلى الحيلة.. إلى الخداع والتزوير والكذب.. إلى تجريد الضحية من خصائصها الإنسانية كما يقول الفيلسوف الفرنسي سارتر و النزول بها إلى منزلة القرود لتبرير جريمته. إنه بمنطوق حضارته المنافقة لا يستطيع أن يقتل إنسانا، لكنه لا يتوقف عن القتل، بل يتوقف عن تسمية من ينوي قتله إنسانا!!.. ولكن مجمل هذه التبريرات – وكل من يصدقها أو يرددها أو يقتنع بها حتى لو كان عالما أو شيخا - ساعدت على إبادة الكثير من الشعوب للاستيلاء على أراضيها و ثرواتها كما يقول د.كمال سيد قادر ـ فيينا في مقال قيم له على الشبكة العنكبوتية( في موقع صليبي صهيوني دنس اسمه إيلاف.. أظن أن أصوله سعودية .. و أنه يمثل الليبراليين الجدد بكل نجاستهم.. ومن الغريب أن هذا الموقع الشيطاني  نشر مثل هذا المقال القيم.. ربما لمجرد ذر الرماد في العيون.. وربما للتستر)..

إذن..

فالهجوم والازدراء والاحتقار والإدانة هي الخطوات الأولي نحو احتلال بلادنا وقتل أبنائنا ونهب ثرواتنا..

فإن شاركنا أعداءنا في الهجوم والازدراء والاحتقار فإننا كالطابور الخامس الذي يمهد الأرض للعدو قبل وصوله. إلا أن تأثيرنا يتجاوز مجرد الشهادة.. فنحن إنما نشهد ضد أبنائنا و إخوتنا..

فهل أدركتم ذلك يا شيوخنا..

إن كنتم أدركتموه فتلك مصيبة و إن كنتم لم تدركوه فالمصيبة أعظم.

نعم.. من يمارس الازدراء يشارك في القتل.. قتل أهله واحتلال وطنه وسرقة ثروته وتضييع هويته..

الأمر لا يقتصر على الولاء والبراء – وهما ضروريان ضرورة الحياة نفسها – لكن الأمر لا يقتصر عليهما.. لأن الحكم ينطبق حتى على الملحدين.. لأن الملحد ( ومنهم كل الشيوعيين وجل القوميين) الذي يمارس هذا الازدراء والتشهير إنما يعطي أعداء وطنه المبرر للاستيلاء عليه.. 

هل رأيتم ملحدا إسرائيليا يحب العرب أكثر من حبه لإسرائيل؟!.. بل ويفضل حكم العرب عن حكم اليهود؟!..

طرح السؤال على قومي مصري: هل تفضل أن يحكم الإسرائيليون غزة أو أن يحكمها الإسرائيليون؟.. وكانت إجابة الخائن واضحة.. ( وهو خائن.. بغض النظر عن كفره الذي يحتاج إثباته إلى خطوات محددة)..

*** 

في نفس هذا الصدد فإن صحيفة علمانية، هي القدس العربي كتبت في 15-8 تقول أن أي حملة استعمارية في التاريخ سبقتها حملة عنصرية ضد الشعوب و البلدان المستهدفة. و الحملات العنصرية كانت تشن بطريقة تتناسب مع الزمن و الثقافة السائدة في هذه الحقبة الزمنية. فمثلا الحملات العنصرية ضد شعوب آسيا و أفريقيا و أمريكا منذ القرن السادس عشر و إلى الحرب العالمية الثانية كانت تستند إلى ادعاءات حول همجية و تأخر هذه الشعوب لتبرير استعمارها و كأنه حملة تنويرية لجلب التمدن و الرفاهية لهذه الشعوب من قبل الشعوب الأوربية المتحضرة. و لكن كما يبدو فان الأمر تغير الآن لان الشعوب و البلدان الإسلامية من الصعب اتهامها بالتأخر لتبرير استعمارها و لذلك وجدت وسيلة أخرى لتوفير هذا التبرير أي عن طريق تشويه صورتهم من خلال حملات عنصرية تتخذ من الدين أساسا لها و خاصة في إطار اتهامات تنوى الربط بين الدين الإسلامي والإرهاب.

وتواصل الصحيفة قائلة: يجب علينا أن ندرك أن مثل هذا النوع من الهجوم ليس سوى تمهيد للاستعمار. ولما كان الاستعمار يعني ارتكاب جرائم وحشية ضد شعوب و أمم تتمتع نظريا على الأقل بالمساواة مع المستعمر نفسه فلذلك على الأخير أن يقوم بإطلاق مواصفات غير لائقة اجتماعيا و دينيا و سياسيا على الشعوب التي ينوى المستعمر استعمارها و إذلالها بهدف التقليص من كرامتها و قيمتها الإنسانية و حرمانها من حق المساواة الكاملة مع الآخرين كأعضاء في المجتمع البشرى تبريرا لجرائمه الاستعمارية ضد هذه الشعوب.

*** 

ليس الأمر أمر عنف ولا إرهاب.. فالعنف دينهم والإرهاب عملهم.. الأمر كله محاولة وأد الصحوة الإسلامية .

يقول المغفور له أحمد ديدات في كتابه :"هذه حياتي":

هذه الصحوة الإسلامية التي بدأت تنتظم العالم الإسلامي قد أرهبت الغرب، ولكي يقلل من شأنها بدأ يطلق عليها أسماء تخيف الناس : كالتطرف والتعصب وغير ذلك من الأسماء، وهذه دعاية غربية تساندها مؤسسات التبشير لتقلل من شأن الحركات الإسلامية، وهذه هي استراتيجيتهم الجديدة التي يتبعونها لمحاربة الإسلام شأنهم ذاته كما كان في الماضي، إذ كانوا يقولون : إن الإسلام دين خاطئ، ومحمد صلى الله عليه وسلم رجل شهواني – حاشاه وحاشاه – تزوج عدة نساء، وعندها لم تجد تلك الادعاءات تقبلاً واسعاً استبدلوها بهذه الاستراتيجية الجديدة لتشويه الإسلام، وعلى ضوء هذه الحرب النفسية فإن العالم الغربي النصراني مصمم على تنصير العالم الإسلامي، ويعدّ لذلك خططاً مركزة لتنصير المسلمين في العالم، والدلائل على ذلك أكثر من أن يحصيها العد، فالآن يتفرغ لنا المنصرون بالملايين حيت يتوزعون حول العالم لتنصير المسلمين، وهم يقرعون أبوابنا في بلادنا فلم تسلم من هذا القرع دولة من الدول، فقد تنصر 15 مليون أندونيسي، وهم يفتخرون بأنهم استطاعوا تنصير المسلمين الباكستانيين، والبنغاليين الآن أكثر من أيام الاستعمار البريطاني، وهناك الآن مئات الألوف متفرغون للتنصير في إفريقيا .

*** 

نعم..

لم يكف الغرب المجرم أبدا عن اختلاق الذرائع.. فمرة هو متقدم لأنه أبيض ونحن متخلفون لأننا ملونون.. ولكن الأمر انقلب عليه حين طبق النازيون نفس النظرية عليه.. ثم لجأ الغرب بعد ذلك إلى العنصرية الاجتماعية باتهام الشعوب التي يريد استعمارها بأنهم متخلفون ووحوش لذلك يجب استعمارهم لغرس الحضارة فيهم ( ولكن.. لنتذكر أن فرنسا عندما احتلت الجزائر كانت نسبة الأمية في فرنسا أكثر منها في الجزائر.. وعندما جلت عنها بعد مائة وثلاثين عاما كانت نسبة الأمية في الجزائر تقارب 100%).. فإذا فشلت الذرائع السابقة كان المبرر صدام الحضارات واتهام الإسلام بالإرهاب. المعركة الدائرة حول رسم صورة المسلم (أو بالاحرى العربي) في وعي الآخرين، لم تعد تنفصل عن المعركة الدائرة حول الهيمنة علي العالم العربي وداخله ومعه. رسم صورة العربي والشرقي والمسلم، كما بين ادوارد سعيد، كانت ولا تزال جزءا من معركة الاستحواذ والتبرير للقمع والهيمنة. وصف الآخر بالبربرية والهمجية يمهد الطريق لشن الحرب لترويض هذه البربرية. وبالمثل فان الحديث عن الثقافة التي تولد الإرهاب هو بمثابة تبرير لمخططات ستوصف إنها ضرورية لاجتثاث ثقافة الإرهاب وفرض الحضارة والتحضر علي هذه المجتمعات المارقة.

*** 

يذهلني، بل يذبحني أن كتابا علمانيين غير مسلمين ولا عرب كانوا أكثر إنصافا للمسلمين من بعض شيوخنا..

يقول باتريك سيل تحت عنوان " لندن تدفع ضريبة غزوها للعراق " : 

.... كانت تلفزيونات العالم وشبكاته الإخبارية، قد بثت في السابع من يوليو الجاري، صوراً بشعة مثيرة للصدمة والأسى، لأشلاء جثث تبعثرت وتناثرت في الشارع العام، ولركاب حافلات ومترو أنفاق، ملطخين بدمائهم وهم يهرعون إلى المحطات هرباً من جحيم الانفجار، قبل أن تختطفهم النقالات وسيارات الإسعاف حيث أخذوا للإنقاذ والعلاج. فهل كان ما رأيناه مشهداً من مشاهد المذابح اليومية، التي تشهدها المدن والعاصمة العراقية بغداد؟ كلا، فنحن في قلب العاصمة البريطانية لندن حسبما تقول تلك الصور! (...) وتشير كافة البيانات الظرفية، إلى أن تنظيم القاعدة أو إحدى الجهات ذات الصلة به، هو المدبر والمنفذ لهذه الهجمات. ولما كان الأمر كذلك، فلمَ فعل تنظيم القاعدة ما فعل بلندن؟ هل هي رغبة من التنظيم، في مهاجمة "القيم البريطانية" كما جاء في تصريحات رئيس الوزراء توني بلير؟ أم أن لهذه الهجمات صلة باستجابة مضادة للسياسات البريطانية؟ والإجابة البديهية على هذا السؤال، هي أن القنابل الأربع التي هزت لندن وفجرتها، إنما هي بمثابة استجابة محسوبة ومخططة ومدروسة، للقرار الذي اتخذه توني بلير بالانضمام إلى حليفه الرئيس الأميركي جورج بوش، في حربهما الثنائية ضد العراق. وبعبارة أخرى، فإن أولئك القتلى والجرحى والمصابين، والشلل التام الذي أصاب تلك المدينة الكبيرة كلها يوم الهجمات، وعودة مئات الآلاف من مواطنيها مشياً على الأقدام في ذلك اليوم، إلى جانب ما أحدثته الهجمات والتفجيرات من خسائر مادية واقتصادية فادحة، كل ذلك قد قصد منه أن يكون ثمناً تعين على بريطانيا دفعه، رداً على الحرب العراقية التي شنها بلير. 

*** 

يا إلهي..

لكم كنت أود أن يقول شيوخنا ما قاله باتريك سيل الذي لم يكتف بإدانة بلاده بأشد الأساليب قسوة.. بل إنه يتجاوز ذلك ليدين الدول العربية ( بالعين لا بالغين!) التي عجزت عن تحريك إصبع واحد لحماية العراق، أو وقف المطامح الاستعمارية الأميركية- البريطانية الجديدة عند حدها، قبل شن الحرب. بل إن الذي حدث من بعض الدول العربية، هو أنها وفرت القواعد العسكرية التي شنت منها الحرب على العراق.

ويواصل باتريك سيل فاهما متفهما، وليس مزدريا مهاجما: .. وفي ظل هذا الفراغ الناشئ عن العجز أو الشراكة العربية في غزو العراق، فقد علا دور اللاعبين الجدد -غير الحكوميين- من أمثال تنظيم القاعدة، وطفح كيلهم ورغبتهم في الثأر من ذلك التدخل الأجنبي السافر في تقرير مصير بلدانهم وشعوبهم. وفيما يبدو فإن الهدف الرئيسي لهذه التنظيمات، هو ابتكار رادع عسكري ما. أما الرسالة الموجهة إلى الغرب عموماً، فهي في غاية البساطة والمباشرة: "إن قتلتمونا فسوف نقتلكم بالمثل". 

ويصرخ سمير جبور في القدس العربي في 22-7-2005  في مقالة ممتازة مؤكدا أن العوار عند الغرب وليس عندنا:

وقد تصدي بعض الكتاب والخبراء الغربيين لهذه التحريضات والمقولات المغرضة مشيرين بأصابعهم إلي ما يعتقدون بأنه الدوافع الحقيقية. فعلي سبيل المثال يقول باتريك بوكانين أن الذين ينفذون هذه العمليات لا يريدون تحويلنا عن ديننا... إنهم يقتلوننا من أجل طردنا من بلادهم . ويقتبس بوكانين من كتاب روبرت بيب المنطق الاستراتيجي من وراء الإرهاب الانتحاري أن الدافع من وراء الهجمات الانتحارية ـ الإرهابية ليس دينيا وإنما استراتيجيا الغاية منه إجبار الدول الديموقراطية المعاصرة علي سحب قواتها العسكرية من... أوطانهم .

وأما مايكل شوير الذي كان رئيس وحدة بن لادن في مركز محاربة الإرهاب في وكالة المخابرات المركزية يعرض ستة أسباب لمهاجمة الولايات المتحدة يوم 11 /9 وستبقي عرضة للهجوم وهي:

1. الولايات المتحدة تدعم إسرائيل وهي لا تبالي بالفلسطينيين.

2. الولايات المتحدة والقوات العسكرية الأخرى ضاربة في شبه الجزرة العربية.

3. الولايات المتحدة تحتل العراق وأفغانستان.

4. الولايات المتحدة تدعم البلدان التي تضطهد المسلمين ـ روسيا والهند والصين.

5. الولايات المتحدة تضغط علي العرب للمحافظة علي تدني أسعار النفط.

6. الولايــــات المتحدة تدعم الحكومات الدكتاتورية.

وقد أعلن رأي ماكفرن وهو محلل استخباراتي سابق أن الولايات المتحدة شنت الحرب علي العراق من اجل النفط ومن أجل إسرائيل والقواعد العسكرية التي نشرتها أوساط المحافظين الجدد لكي تتمكن إسرائيل من السيطرة علي هذا الجزء من العالم . وقال ماكفرن انه لا ينبغي اعتبار إسرائيل حليفة لأميركا بعد الآن.

إريك مرغوليس الكاتب الكندي المرموق يقول معلقا علي أحداث لندن أن الدافع من ورائها ليس دينيا وإنما سياسيا... ليس لأنهم يكرهون الحياة الغربية... هاجموننا لأننا هاجمناهم . ويتابع مرغوليس: صحيح ما يقوله طوني بلير أن قتل المدنيين وهم في طريقهم إلي أعمالهم إنما هو عمل بربري ، ولكن ماذا تطلق علي إلقاء القنابل علي أفغانستان والقرى العراقية، واستخدام الدبابات لسحق المتظاهرين الفلسطينيين أو ذبح 100 ألف مدني من الشيشان علي يد حليفتنا روسيا ؟.

و يواصل سمير جبور: 

العقل البشري بصورة عامة، سواء الذي يذوق طعم العذاب يوميا أو تلك الملايين التي تتضامن معه وتتظاهر في عواصم العالم، لم يعد يحتمل مظالمكم وانتهاككم لكل القوانين والشرائع؛ العقل البشري سئم حروبكم ومذابحكم واحتلالاتكم؛ الإنسان الفلسطيني ومعه أنصار الحرية وأصحاب المباديء الإنسانية لم يعد يحتمل شارون وممارساته؛ لم يعد يحتمل بوش وتعبيرات وجهه ويده التي أشار بها إلي شارون بأنه رجل سلام وهو المطلوب للعدالة الدولية؛ لم يعد يحتمل ارتكاب المذابح واغتيال القيادات والإذلال علي الحواجز وهدم المنازل وزج الآلاف في المعتقلات وهتك الأعراض؛ الإنسان الفلسطيني لم يعد يحتمل عنصرية مستوطنيكم ولا جداركم العنصري؛ العقل البشري ناقم عليكم في العراق وفلسطين: في جنين والفلوجة في أبو غريب في صبرا وشاتيلا في كل بقعة من جنوب لبنان؛

العقل البشري ثائر علي حصاركم للعراق الذي تسبب في وفاة 500 ألف إنسان نسبة كبيرة منهم من الأطفال؛ العقل البشري لا يفهم لماذا تهبون إسرائيل 1،6 تريليون دولار (منذ سنة 1973 فقط) والفلسطينيون يعانون من الفاقة والجوع في ظل احتلال بغيض؛ وهم لا يحتــاحون إلي أموالكم بل يريدون استرجاع وطنهم؛ العقل البشري لم يعد يحتمل أكاذيبكم وذرائعكم لتدمير العراق خدمة لإسرائيل فقط لا غير لتسيطر هي علي البترول مباشرة وتدمر القوة العربية القائمة والمحتملة. (...) لقد آن الأوان لمراجعة المواقف والتوقف عند الأسباب الحقيقية لغليان الشعوب قبل إن يمتد الحريق ليلتهم الأخضر واليابس...! 

هكذا يتحدث بعض العلمانيين وحتى النصارى واليهود ( وليس نموذج تشومسكي ببعيد) .. ويالها من مذلة حين نتمنى أن يرقي إنصاف شيوخنا لنا إلى مستوي بعض العلمانيين والنصارى واليهود، الذين يتحدثون عن المسلمين دون إدانة ودون ازدراء.

*** 

ولقد تناولت ظاهرة الازدراء تلك في مقالات سابقة. وهي قديمة، بدأت بالمشركين، ثم المستشرقين، ثم الخونة من شيوعيين وقوميين، وقد اشتد أوارها، حتى أصبح الازدراء هو القاعدة وما دونه استثناء، بداية من تمثيلية المنشية عام 54، وعلى يد عبد الناصر و أعوانه، عليهم من الله ما يستحقون، وفي ذلك الوقت، انضم إلى حملة الشيطان بعض العلماء أو أشباه العلماء، واستمر الأمر، حتى تسللت الظاهرة إلى كتاب مرموقين، كالأستاذ فهمي هويدي. خاصة في كتاباته عن طالبان، حيث كتب أسوأ كتبه على الإطلاق : "طالبان جند الله في المعركة الغلط".. وبرغم أنه في ثنايا الكتاب برأها من كثير مما اتهمت به ظلما وزورا، إلا أنه تناول الحركة كلها بازدراء وتعال غير مبرر، ازدراء وتعال انتقل إلينا من رأى الصليبيين واليهود فينا، تناولها ليس – حتى – كخطأ يمكن أن يُصوّب، بل كتخلف يجب أن يزدري ويجب أن يستأصل. وبدا لي قلمه الرشيق، سيفا سُلّ على الحسين، ممن كان ينبغي عليه أن يستشهد دونه. أو على الأقل كان واحدا من آل البيت – لا الأعراب- لكنه انسل هاربا تاركا الحسين رضي الله عنه.

سوف يدرك فهمي هويدي خطأه بعد ذلك.. سوف يدرك أن طالبان ليست مستهدفة لأنها كما يقول – بالباطل – متخلفة.. بل لأنها مسلمة.. و أنه هو نفسه سيستهدف ذات يوم.. رغم أنه غير متخلف!!.. ولست أدري هل أدرك الخطأ حين أدركه في الوقت المناسب أم سبق السيف العذل.. المؤكد أنه أدرك.. والمؤكد أنه لم يعتذر.. ويتجسد إدراكه في مقال منشور بمجلة راديو الإسلام ( العنكبوتية) يبدأه بصرخة:

"أخشى ما أخشاه أن نكون بصدد تشكيل فلسفة قمعية جديدة دون أن ندري، تسوغ التخلص من الاتجاهات الإسلامية، بزعم أن أصحابها يمثلون "فئات ضارة" بالمجتمع." 

ثم يتناول  كتاب الدكتور عبد الوهاب المسيري «الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ»، الذي يشرح نشوء فكرة  ضمان العافية والنقاء العرقي للألمان وما يترتب عليه من إبادة الفائض البشري، ويلاحظ فهمي هويدي تشابها  مع الحجج التي تساق للتخلص من التوجهات الإسلامية في زماننا. لقد جرى تبرير الإبادة في المرحلة النازية باعتبار أن ثمة فئات غير نافعة للمجتمع، في حين أن ما ينسب للحالة الإسلامية يتجاوز عدم النفع، ويروج لفكرة الإضرار بالمجتمع.  وفي ألمانيا النازية كان الحديث عن تفوق «العرق السيد»، وفي حالتنا يروج البعض لفكر ونموذج سيد، يتمثل في الليبرالية والنظام الرأسمالي الغربي. ولقد تحدث  المنظرون الألمان عن «أجناس عليا» ممثلة في الآريين، وأخرى «سفلى» تمثلت في العرب والزنوج واليهود. والعلمانيون عندما يتحدثون عن أفكار عليا «مشروعهم العلماني الليبرالي»، وأخرى سفلى ممثلة في أطروحات الإسلاميين بمختلف اتجاهاتهم. 

ثم يصل هويدي إلى الاستنتاج الفاجع:

إذا كان التشابه إلى ذلك الحد، وفي ظل إشاعة المخاوف من الإسلاميين والإلحاح على ما يمثله حضورهم المتنامي من خطر وضرر، ما الذي يمنع من أن يقتنع البعض في النهاية بأنه لا سبيل إلى تجنب الضرر والخطر إلا بالخلاص من تلك الشرائح، اهتداء بالخبرة الألمانية؟ - وهل نستبعد أو نستغرب أن يثور يوماً ما جدل بين العلمانيين المخاصمين حول أفضل السبل لتحقيق ذلك «الخلاص» المنشود، وهل يكون بالإبادة أو التعقيم أو النفي، ويكون الخياران الأخيران مطلباً ينحاز إليه «المعتدلون» من دعاة احترام حقوق الإنسان؟

*** 

فهمي هويدي كاتب كبير بلا شك.. ولست في مجال مدح أو قدح،  ولقد كنت شديد الإعجاب به حتى لاحظت أمرين: الأمر الأول هو حديثه عن فئات كثيرة من الإسلاميين بازدراء واستعلاء والأمر الثاني هو فتنة أدعو الله أن ينقذه منها ألا وهي فتنة علمنة الإسلام، ذلك أن بعضا ممن نحسن الظن بهم، يبدون و كأنهم في عطش شديد إلى الاقتراب من العلمانيين والقوميين والشيوعيين للحصول على شهادات صلاحية ( أو حسن سير وسلوك ) منهم، وكأنما تحول كل واحد من الأوغاد السفلة من الشيوعيين إلى كفيل يحتاج المسلم إلى كفالته كي يستطيع الكتابة والحياة دون اشتباه، نعم يلجأ بعض الإسلاميين إلى العلمانيين للحصول على شهادات بالتفتح والاستنارة وعدم الإرهاب، وهي شهادات لا يمكن أن يحصلوا عليها من عملاء مجرمين منافقين. نعم.. العلاقة بين بعض الإسلاميين وبعض العلمانيين كالعلاقة المريضة المنافقة التي يحاول المعتقل السياسي إقامتها مع رجل أمن في السجن – أو خارجه- ليأمن شره.. علاقة بين مجاهد متهم بالإجرام وليس بمجرم، وضابط مجرم يدعي حماية الوطن، وما يحمي إلا وطن الصليبيين واليهود.

نعم.. علاقات مريضة..

من ذلك على سبيل المثال تصريحات شاذة من بعض قيادات الإخوان لبعض الصحف القومية، حيث يتحول الإسلام في تصريحاتهم إلى مسخ شائه يمكن أن يكون أي شئ إلا الإسلام.. وظهور بعض المناضلين القدامى بعد أن أجهدهم الإعياء واستبطئوا النصر ففكروا في التحالف المؤقت  مع الشيطان والظهور في قناة الحرة أو في مجلة النيوزويك بعد أن سوغ لهم الشيطان هذه الفعلة، وهم يظنون أنهم يخدعون الشيطان وينشرون أفكارهم.. وما يخدعون إلا أنفسهم، ثم، وهذه ثالثة الأثافي قيام مجاهد سابق، ومفكر بارز، هو الأستاذ كمال حبيب ، بالحديث عن صلاح عيسي.. ووصفه بأنه صادق ومخلص.. والحمد لله أنه لم يقل الصادق الأمين!!..

صلاح عيسى..

صادق ومخلص!!..

إذن فليمت قيصر..!!

وليمت الإسلاميون جميعا إذن..

في نفس الشهر كان الفاسق سيد القمني ( هو بشخصه فاسق على الأقل.. أما كتاباته فهي كفر بواح) يعلن توبة مزيفة، وكان جمال الغيطاني يصرخ مستنجدا بأجهزة الأمن لأنني ( محمد عباس!!) أحرض على قتله، وكان صلاح عيسى يتصل بكمال حبيب للمرة الأولي ( أوجعني أن كمال ذكر ذلك بحبور وبفخر.. بينما مقالة واحدة يكتبها كمال تعدل تاريخ عيسى كله) راجيا إياه- نيابة عن الإسلاميين-  عدم اللجوء إلى التكفير أو الألفاظ الحادة.. 

كان تواكب الأحداث الثلاثة بما تحمله من توتر دليلا على رعب العلمانيين المرتدين – عن يساريتهم- وتوجسهم من احتمال انتصار الصحوة الإسلامية وتصديها للغزو الكافر..

ودعنا يا شيخ كمال من أن صلاح عيسى ليس هو الذي يضع لنا ضوابط التكفير فالذي يضعها لنا عملاق كالشيخ القرضاوي ( رغم انتقادنا الشديد له في بعض المواقف إلا أننا لا نغمط الرجل حقه) .

يقول الدكتور يوسف القرضاوي:

من الكفرة الذين يجب أن يُدفعوا بالكفر دون مواربة ولا استخفاء الأصناف التالية: 

-  الشيوعيون المصرون على الشيوعية، الذين يؤمنون بها فلسفة ونظام حياة، رغم مناقضتها الصريحة لعقيدة الإسلام وشريعته وقيمه، والذين يؤمنون بأن الدين -كل الدين- أفيون الشعوب، ويعادون الأديان عامة، ويخصون الإسلام بمزيد من العداوة والنقمة، لأنه عقيدة ونظام وحضارة كاملة. 

-  الحكام العلمانيون، ورجال الأحزاب العلمانية، الذين يرفضون جهرة شرع الله. وينادون بأن الدولة يجب أن تنفصل عن الدين، وإذا دعوا إلى حكم الله ورسوله أبوا وامتنعوا، وأكثر من ذلك أنهم يحاربون أشد الحرب من يدعون إلى تحكيم شريعة الله، والعودة إلى الإسلام

كما يذكر الدكتور القرضاوي من نواقض الإسلام: 

- أن الإنسان بعد أن يدخل في الإسلام بالإقرار بالشهادتين، يصبح -بمقتضى إسلامه- ملتزما بجميع أحكام الإسلام، والالتزام يعني الإيمان بعدالتها وقدسيتها، ووجوب الخضوع والتسليم لها، والعمل بموجبها. أعني الأحكام النصية الصريحة الثابتة بالكتاب والسنة. فليس لها خيار تجاهها بحيث يقبل أو يرفض، ويأخذ أو يدع، بل لابد أن ينقاد لها مسلما راضيا، محلا حلالها، محرما حرامها، معتقدا بوجوب ما أوجبت، واستحباب ما أحبت. وغيرها من أركان الإسلام وحرمة القتل والزنا وأكل الربا وشرب الخمر ونحوها من الكبائر، ومثل الأحكام القطعية في الزواج والطلاق والميراث والحدود والقصاص وما شابهها. 

فمن أنكر شيئا من هذه الأحكام "المعلومة من الدين بالضرورة" أو استخف بها واستهزأ فقد كفر كفرا صريحا، وحكم عليه بالردة عن الإسلام. وذلك أن هذه الأحكام نطقت بها الآيات الصريحة، وتواترت بها الأحاديث الصحيحة، وأجمعت عليها الأمة جيلا بعد جيل، فمن كذب بها فقد كذب نص القرآن والسنة. وهذا كفر. ( مجلة الوحدة الإسلامية – يناير 2005)

*** 

صلاح عيسي بوق البغاة على الإسلام وصوت الردة ضد المسلمين الناكئ لكل جرح والمثير لكل شبهة  وآخرها أن المسجد الأقصى في المدينة المنورة وليس في القدس الشريف ( وبتفسير صبيه فإن الهدف هو ترك الأقصى لليهود لأن نبينا صلوات الله وسلامه عليه لم يسر به إليه!!).. 

صلاح عيسى هذا أمين وصادق.. 

ولقد ذكرني مقال متميز بعنوان :"الاحتلال والاستقلال والمرتدون الجدد" القدس العربي- 2-9-2005 بصلاح عيسى ومن سار على دربه. في هذا المقال كتب باقر إبراهيم عن المرتدين الجدد، وخاصة من مرتدّي اليسار، الذين هيأوا لمنظومة من الأفكار، أخذت تتكامل، هادفة لنشر اليأس من جدوى النضال الشعبي لتحرير الأوطان.(...)لابد أن نلاحظ، أن المرتدين الجدد، وفي العراق، نموذج صارخ لهم، يتميزون بقدر كبير من التفنن بالخداع والمكر السياسي، والتلاعب بعاطفة الجمهور. وذلك ما يميزهم عن العملاء المكشوفين، ويجعلهم أكثر خطرا عي قضايانا الوطنية، ويتطلب جهدا اكبر لكشف البراقع الزائفة التي يتسترون بها.

ويفضح باقر إبراهيم وسائل المرتدين الجدد في استثمار قتل المدنيين الأبرياء في العراق لتشويه الجهاد كله وليس زعماء الجهاد فقط.. بينما الحقيقة واضحة لمن يريد الحقيقة.. فالأمريكيون والبريطانيون هم الذين  يدبرون التفجيرات المدروسة، أو العشوائية، وسط التجمعات المدنية والأسواق والمدارس أو دور العبادة. المحتل يخطط فقط، أما المنفذون فهم الموساد وعملاء الاحتلال وميليشياتهم، وحروبهم الطائفية المعد لها سلفا. لقد بات من المعروف أنهم هم الذين قاموا بالتفجيرات في الأماكن المقدسة والجوامع والكنائس والمدارس والأسواق الشعبية، معروفة الغرض ومعروف من يستفيد منها. ويكفي أن يعرف الناس أيضا، ما كشف بعد الاحتلال، من أن خمسة آلاف شخص قد تم تدريبهم في هنغاريا، وكان تلك وجبة واحدة من الوجبات التي أعدت لاحتلال العراق. وقد أعدت تلك الألوف ودربت للقيام بحرق وتدمير ما لم تدمره طائرات الاحتلال وقصف مدافعه أثناء الحرب. وان مهمة هذه الشبكات لم تنته بعد الحرب، بل هي مستمرة حتى اليوم وستستمر.

ويصرخ باقر إبراهيم:

ما أن تحصل عملية تدميرية كبيرة، تمس الناس الآمنين، أو المنشآت ذات النفع العام، حتى يسارع أبواق الاحتلال، وفي مقدمتهم المرتدون، ليوجهوا الإدانات الجاهزة والقاطعة التي تحمل مسؤوليتها للمقاومة الوطنية، أو القوي الرافضة للاحتلال.

للرد علي هؤلاء تفضل، كالعادة، الاستعانة والاستشهاد بما يقوله الأمريكان أنفسهم عن تلك العمليات. وفيما يلي أسوق للقاريء الكريم نموذجا واحدا مما قالوه.

تذكر الكاتبة الأمريكية (نعومي كلاين) في مقالة لها بعنوان (السنة الصفر ـ نهب العراق سعيا إلي يوتوبيا للمحافظين الجدد)، نشرتها مجلة المستقبل العربي في عددها 308 الصادر في تشرين الأول (أكتوبر) 2004 ما يلي:

في 2 آذار (مارس) 2004، مع رفض الأعضاء الشيعة في مجلس الحكم التوقيع علي الدستور الانتقالي، انفجرت خمس قنابل أمام مساجد في كربلاء وبغداد، فقتلت قرابة 200 من المصلين.

وحذر (جون أبو زيد)، القائد العام للقوات الأمريكية في العراق من أن البلد علي حافة حرب أهلية.

وخشية هذا الاحتمال، تراجع السيستاني ووقع السياسيون الشيعة علي الدستور الانتقالي. كانت حكاية مألوفة: صدمة ـ هجوم عنيف ـ مهد الطريق لمزيد من العلاج بالصدمات!

من المعلوم أن ذلك الدستور المؤقت، ونعني به (قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية) اقره مجلس الحكم يوم 8 آذار (مارس). أي بعد ستة أيام فقط من تلك التفجيرات المروعة. ذلك ما شهدت به الكاتبة الأمريكية (نعومي كلاين). ولكن لن تنتهي تهريجات أبواق الاحتلال، وخاصة المرتدين منهم.

كما أن ادوار الموساد الإسرائيلي، التي يتجاهلها المرتدون الجدد ليست في شمال العراق فقط، بل في كل مناطقه، لم تعد خفية علي احد. (...) كان دور الشبكات والعناصر الصهيونية، مساندة قوات الاحتلال في إشاعة الفوضى والحرائق والتفجيرات في التجمعات السكنية والأسواق الشعبية، وحيثما يمكن نشر الرعب وكسر الإرادة الشعبية الرافضة للاحتلال.(...) نحن رأينا، في جميع الفعاليات التدميرية والاغتيالات والسرقة وتشويش الأفكار، وفي الدجل السياسي، أثناء احتلال العراق وبعده، إن المتواطئين مع الاحتلال، هم أنفسهم، دعاة التطبيع مع دولة العدوان الصهيوني، ومعهم المرتدون وأحزاب الردة.(...) لعروبة العراق حصة مرموقة من العداوة (...) من اليسير أن نلاحظ أن كثرة من المرتدين، هم الذين يقودون حملة فك ارتباط العراق بانتمائه العربي، بعد احتلاله. (...) والقليلون من الناس البسطاء يعرفون أو يتذكرون أن أغلب هؤلاء كانوا تحت الرعاية الأخوية الفائقة للقيادات العربية، ومنها الفلسطينية والمصرية والسورية والليبية والجزائرية واليمنية وغيرها.

وهناك من كانوا تحت الرعايات الخاصة لأجهزة مخابرات تلك الدول. وكون بعض أولئك المرتدين، بفضل تلك الرعايات، تجارات رابحة، أو ممالك إعلامية، أو منشآت عقارية وأرصدة.

وهذا ما يشير إلي الجوانب غير السياسية، وغير النزيهة، في ذلك الجحود الذي نشهده اليوم، بحق الواجب العربي، بعد حصول المرتدين علي سادة جدد من الغرب، يقدمون عطاء اكبر!

هؤلاء هم من يدينون اليوم، أي مجاهد عربي، يتطوع لطرد المحتل من العراق، أو يرفع صوته مطالبا بتحريره، رغم أن الجميع يعرفون أن مهمة تحرير العراق، كانت بالأمس، وستظل اليوم، مهمة العراقيين بالدرجة الأولي، وأنهم الأقدر علي النهوض بها أولا وأخيرا..(...)بعض هؤلاء المرتدين، خاصة من حمل منهم لقب الكاتب الصحافي أو المحلل السياسي، أو أكثر من ذلك في ميادين الثقافة والأدب، كان قد ادخل في دورات للإعداد السياسي والثقافي في بلدان المتروبول، تمهيدا لاحتلال وطنهم، بعد أن اغرقوا بالامتيازات وبالمال الحرام.(...)  قال هؤلاء المرتدون في حملة الثقافة كل شيء في وصف عقد الإرهابيين . لكنهم لم يذكروا عقدة واحدة هي أن هؤلاء الإرهابيين المعقدين نفسيا ، قد رفضوا احتلال بلادهم وقرروا التصدي له.(...) كان الأجدر بالمرتدين الجدد، أن يحللوا نفسيا وعاطفيا، سياسيا واقتصاديا، العقد التي تكونت عند من ارتدوا عن النضال، وهجروا معسكره ليصبحوا مأجورين، أو متطوعين يؤمرون فيكافئون من أميرهم الجديد.

وكأن باقر إبراهيم يصف الشيوعيين المصريين إذ يقول:

أن بعض الذين افنوا زهرة شبابهم في نضال ايجابي سابق، وجدت في أسوار نضالهم الثغرات الجدية التي لم تكن ظاهرة تماما حينها. دلل علي ذلك أنهم تلقفوا بسرعة طروحات الردة الجديدة في أحزاب الردة، فاستهوتهم واجتذبتهم.

بعضهم راح يعلن عن قناعات جديدة تكونت لديه بعد الاحتلال، وبعد أن أعاد قراءة الماركسية واللينينية، خاصة ما قالته عن الإمبريالية!

تقول بعض تلك الطروحات والقناعات، أن أمريكا رغم مقاصدها المعروفة، لكن مصلحتها هي إقامة نظام ديمقراطي في العراق، وهي جاءت من اجل ذلك! ولهذا السبب يلزم أن ندرس الظواهر بعين جديدة! وهكذا كانت العين الجديدة قد رأت تلك الرؤية الجديدة. فيا لبؤس الجديد ويا لبؤس القراءة الجديدة للماركسية.! ( بعض من بدءوا مد الجسور مع الأمريكيين  يرددون هذه الحجة)..

ولا ينسى الكاتب في مقاله الطويل الشامل أن يحذر من أن الغواية لم تفلت بعض الإسلاميين لاصطيادهم هم الآخرين وضمهم إلى صفوف المرتدين الجدد!!..

غفر الله لك يا دكتور كمال حبيب.. أثرت مواجعي..!!..

*** 

نعود إلى مؤتمر شرم الشيخ لإدانة الإرهاب.. حيث قال الشيخ الجليل البوطي: لا يجوز قتل من قال: لا إله إلا الله..

جزاك الله خيرا يا شيخنا..

ولكن القضية المطروحة ليست كذلك.. إنها عكس ما تقول.. إنها – بمفهوم العولمة والحداثة:

- لا يجوز قتل إلا من قال: لا إله إلا الله..

*** 

أما المفكر الإسلامي الدكتور صالح المرزوقي فقد قال: "لا يجوز لجماعة من المسلمين أن تعلن الحرب على العدو دون موافقة ولي الأمر. فقد أجمع الفقهاء على أن إعلان الحرب من أحكام الإمامة والسياسة العامة لا من التصرفات الفردية التي تشتط فتدفع إلى ضلالات، وتوجد مثل هذه البؤر التي تسيء للأمة. فإعلان الجهاد مقصور على إذن الإمام وموافقته". 

يا شيخ: عاملك الله  حسب نيتك..

يا شيخ: فإن كان الإمام الأكبر كافرا!!..

يا شيخ: فإن كانت الإمامة الكبرى معقودة لحيوان متوحش مسعور هو جورج بوش..

يا شيخ: إن كانت الإمامة الصغرى معقودة لخنزير اسمه شارون..

يا شيخ: و إن كان الخفراء والخدم هم جل حكامنا وبعض شيوخنا فممن نحصل على الإذن وممن نأخذ الموافقة..

يا شيخ: أيها المدافع عن شرم الشيخ.. هل تدرك ما شرم الشيخ؟!

يا شيخ: لماذا لم يفكر أحد من العلماء في إدانة ما يحدث في شرم الشيطان لا شرم الشيخ أو المشايخ.

في شرم الشيخ التي اجتمع عيون العلماء فيها لتأييدها و إدانة الإرهاب فيها لم تصدر من الشيوخ كلمة إدانة للعهر والفجور الذي يحدث فيها والذي يتجاوز إهدار كل قيم الدين إلى إهدار الأمن القومي.. شرم الشيخ التي يعبد فيها الشيطان فيتقاطر إليها شيوخنا لا لكي يدينوا عبادة الشيطان أو ليمنعوها بل ليدينوا المجاهدين ويزدروهم.

*** 

إنني أرجو من القارئ أن يقرأ السطور التالية بتركيز ففي آخرها مفاجأة، ولقد ميزتها باللون وبالبنط المائل كما أن تحتها خط:

*** 

جاءني شاب في مقتبل العمر اسمه سامح درويش‏..‏ قال لي‏:‏ 

- في البداية هناك سؤال أريد أن أطرحه عليك يا سيدي أو إنه يطرح نفسه وهو‏:‏ ماذا يحدث في محافظة شرم الشيخ؟ وعفوا إن كنت سميتها محافظة ولكن يجب تسميتها دولة شرم الشيخ‏..‏ الدولة التي يسيطر علي عاداتها وتقاليدها اليهود والسياح الأجانب‏!‏

الموضوع يبدأ بالمصادفة عندما ذهب قريب لي لكي يقضي شهر العسل وبالأدق أسبوع العسل في الغردقة وشرم الشيخ‏..‏ وقد أخذ معه كاميرا فيديو للذكريات الجميلة وقد تباطأ في عمل الشريط ولكني قدر رأيته منذ بضعة أيام فقط‏..‏

وأنا أشاهد الشريط رأيت كارثة بكل المعايير،  فقد رأيت دولة شرم الشيخ تحتفل بميلاد شخص عزيز عليها تحبه وتقدره وإلا ما كانت تحتفل بميلاده‏..‏

أتعرف من هو يا سيدي؟‏..‏ انه لعنة الله عليه في السماء والأرض: الشيطان‏!‏

جميع الفنادق والمطاعم والكافتيريات يحتفلون بمولد هذا الملعون بالصور والديكورات الكبيرة والمخيفة المقززة للنفس لصقوها ووضعوها في كل شبر في هذه المحافظة‏..‏ الحفلات الصاخبة التي يتنافس عليها كل فندق ومطعم لتقديم الأفضل أو الأقذر‏!‏

نعم هذا ما حدث وأعتذر أن كنت تأخرت ولكني لم أشاهد هذا الكفر إلا من بضعة أيام فقط‏,‏ أليس هذا الذي كنا نطلق عليه هنا عبدة الشيطان؟

لماذا نحاربهم هنا ولا نحاربهم هناك؟

أهناك شئ يمنع؟‏..‏

أين المسئول عن الأمن هناك؟

لماذا لم يمنع هذا الكفر؟‏..‏

ستقول لي أنهم ليسوا بمصريين أو عرب أو حتى مسلمين‏..‏ ولكنهم في بلد مسلم وعلي أرض مسلمة وديننا أولا وعاداتنا وتقاليدنا كعرب لا تسمح بذلك‏..‏ لا أعلم أن كانت هذه أول مرة أم لا‏..‏ ولكني أتمني أن تكون هذه آخر مرة يحدث فيها هذا الكفر‏!‏

ولا حول ولا قوة إلا بالله‏..‏

إذا كان الشيطان قد خرج من القاهرة في رحلة إلي شرم الشيخ‏..‏ لكي تحتفل به الفنادق والمطاعم والسياح بعيد ميلاده السعيد‏..‏ ونحن لا ندري بما يجري داخل بلدنا شيئا‏..‏ فتلك مصيبة‏..‏ وإذا كنا ندري ولم نحرك ساكنا فالمصيبة أعظم‏..‏

فليس من أجل خاطر السياحة وإكراما لعيون السياح‏..‏ أن نخسر ديننا وننصب الشيطان أميرا علي شرم الشيخ ونحتفل بعيد ميلاده الميمون‏..‏ ونقيم له الأفراح والليالي الملاح ونعلق شارته ونرفع أعلامه ونحرك المواكب بالأعلام والموسيقي‏..‏ وكأنه موكب الخليفة في احتفال الطرق الصوفية في الحسين‏!‏

(...)

فهي كما قالت لي أستاذة في علم الاجتماع اسمها جاكلين أونوريه وهي فرنسية جاءت إلي القاهرة تدرس عادات أبنائها والتطور الفكري والثقافي والحضاري لشبابها‏:‏ مصنع للجريمة‏..‏ يتعلم فيه الجميع مبادئ الانحراف الصريح‏..‏ حسب المفهوم المصري والتقاليد المصرية‏..‏ الذي يسمي من يشرب الكحوليات ومن يدخن الماريجوانا والحشيش بلغة أهل البلد‏,‏ انحرافا وفسادا وخروجا علي التقاليد والدين‏..‏

ولأننا لا نعرف ماذا يجري داخل صالات الديسكو التي انتشرت في كل مكان‏..‏ لأنه مكان لا يدخله الكبار أمثالنا‏..‏ وإذا حاولنا أن ندخله قالوا لنا‏:‏ أين رفيقتك؟‏!‏

والشباب الصغير لا يريد أن يحكي لنا ماذا يجري في الداخل ابتداء من منتصف الليل وحتى شروق الشمس‏..‏ ولكن فتاة واحدة أصابها ما أصابها عندما غامرت ودخلت جهنم الحمراء هذه لأول مرة‏..‏ وخرجت منها بمأساة‏..‏ تعالوا نقرأ ماذا شاهدت وماذا حدث لها في جهنم الحمراء التي يطلقون عليها خطأ اسم صالات الديسكو‏ (...)

(...)

 قالت لي أم فاضلة تشغل منصبا مرموقا وكلماتها تغلي وتفور غضبا وانفعالا‏:‏

(...) بكل أسف لقد شاهدت هذه المحطة وفوجئت وأنا أشاهدها بأن الفيلم الذي تذيعه في بدايته بريئا كل البراءة وأحداثه تجري داخل معسكر للطلبة والطالبات الذين جاءت عائلاتهم لتحتفل بتخرجهم‏..‏ ثم تظهر قصة الفيلم علي حقيقتها عندما يتبادل الأولاد والبنات كل واحد يأخذ بنت علي خيمة أو غرفة أو ظل شجرة بعيدة أو زورقا علي شاطئ البحيرة‏..‏ ليمارسوا الحب تحت عيناي الكاميرا التي لا تفارقهم لحظة حتى الأمهات والآباء الذين جاءوا يحتفلون بأولادهم في حفلة التخرج كان لهم نصيب من هذا القرف الجنسي ومع من؟‏..‏ مع الأولاد والبنات الصغار‏..‏ لقد شاهدت هذا الفيلم حتى نهايته وقد أغلقت الباب حتى لا يشاهده من في البيت لكي أعرف ماذا تقدم لنا هذه المحطات من فسق وفجور وعظائم الأمور‏!‏

(...)

لقد تسلل الشيطان في غفلة منا إلي صدور شبابنا‏..‏ يعبث في عقولهم‏..‏ ويدمر ما بقي في حياتهم من خير وحق وعدل وفضيلة‏..‏

***

والآن أطلع القراء على المفاجأة .. فكل الكلام المميز السابق ليس كلامي.. و إنما هو تحقيق صحافي منشور في الأهرام وبقلم عزت السعدني وهو كاتب ليبرالي حكومي على علاقة وثيقة بالأمريكيين ،  أما عنوان التحقيق فهو:  " مقعد في قطار بلا سائق".. العدد 41830.

هذه هي شرم الشيخ التي ذهب شيوخنا ليدعموها ضد الإرهابيين وغلاة التكفير.

***

لا..

لا..

لم يكن صلاح عيسى وخليل عبد الكريم وسيد القمني وجابر عصفور ويحيى الرخاوي وفؤاد علام وخيري منصور وجمال الغيطاني وحيدر حيدر والعفيف الأخضر ومحمد أركون و أدونيس وصبحي حديدي وعلاء حامد وفؤاد زكريا و أسامة أنور عكاشة و .. و.. و.. .. لم يكونوا من الأعراب الذين تخلوا عن الحسين تاركينه في الصحراء يواجه الموت وحده..

لا..

لا..

لم يكونوا من الأعراب..

بل كانوا جميعا يرتزقون في جيش بن زياد..

أنا رأيتهم يمتطون جيادهم ليرضوا في الأرض الجسد الشريف لسيد الشهداء بعد أن ذبحوه..

أما العلماء الأجلاء والشيوخ الفضلاء.. فقد تركوا ميدان المعركة وذهبوا إلى شرم الشيخ ليدينوا الإرهاب.

*** 

لم يتخل عن الحسين من آل البيت أحد.. بل انضمت كوكبة من فرسان جيش ابن زياد لجيش المسلمين..

وأوصى الحسين في هذه الليلة إلى أهله وخطب أصحابه في أول الليل فحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على رسوله بعبارة فصيحة بليغة وقال لأصحابه من أحب أن ينصرف إلى أهله في ليلته هذه فقد أذنت له فان القوم إنما يريدونني فلو قد أصابوني تلهوا عن طلب غيري فاذهبوا حتى يفرج الله عز وجل فقالوا له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه لا بقاء لنا بعدك ولا أرانا الله فيك ما نكره لا والله لا نفعل ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتى نرد موردك.. 

أما سعيد بن عبد الله الحنفي فقد قال: والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك، والله لو علمت أنى أقتل دونك ألف قتلة وأن الله يرفع بذلك القتل عنك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك لأحببت ذلك وإنما هي قتلة واحدة.

*** 

لله درك..

لله درك..

لله درك..

والله لو علمت أنى أقتل دونك ألف قتلة وأن الله يرفع بذلك القتل عنك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك لأحببت ذلك وإنما هي قتلة واحدة.

*** 

جملة اعتراضية- الحمد لله الذي أذاقني قبسا – ولو ضئيلا - من حلاوة هذا الإحساس عندما تصديت للكفر والفسوق والعصيان والشذوذ دفاعا عن كتاب الله وعن نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم فيما عرف بأزمة الوليمة.. و أظني .. ولو على المستوى النظري كنت مستعدا فيها أن أستشهد دفاعا عن القرآن ألف مرة..

*** 

أشعر أن بعض شيوخنا يقومون بالدور الكئيب الذي رواه لنا التاريخ عن الأعراب.. يتخلون عن الحسين رضي الله عنه.. يتخلون عن الشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري والمجاهد أبو مصعب الزرقاوي.. وعشرات ومئات و ألوف..

نعم..

أبو مصعب الزرقاوي مجاهد و إن كره المرتدون..

*** 

وهنا أنبه القراء لمكر الصليبية الصهيونية الحاقدة وطريقتها التدريجية في هدم الدين..

ولعل القراء تنبهوا إلى خفوت الحملة على الشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري، وقد يعود ذلك لأن دوائر شياطين الإنس قد أدركت أنهما خلبا لب أمتهم، و أن الهجوم عليهما لا ينال منهما بقدر ما ينال من المهاجم.. لهذا تركوا هذه المهمة لنوع شرس من الكلاب البشرية ليس لهم قيمة حقيقية.. تركوا هذه ووجهوا كل سلاح أكاذيبهم الباطش الجبار ضد أبي مصعب الزرقاوي..

نفس الآلية الكافرة التي استعملوها مع الإسلام كله..

سياسة الخطوة خطوة.. فعندما يكون الخصم قويا وضخما يجب عدم مواجهته و إنما تفتيته وخداعه..

في البداية يقولون: نحن لسنا ضد الإسلام بل نحن ضد الانحراف عنه..

ثم: نحن لسنا ضد الإسلام بل نحن ضد فقهاء الحيض والنفاس و أدعياء الدين ورجاله وكهنوت العلماء ( ليس في الإسلام أي من ذلك)..

ثم.. لنعد إلى السنة الصحيحة الصادقة كالبخاري ومسلم..

ثم.. البخاري ومسلم ليسا قرآنا .. لنعتمد على القرآن فقط..

ثم – أستغفر الله العظيم- القرآن نص بشري سرقه – خرست أفواههم – محمد ( صلى الله عليه وسلم) من التوراة والإنجيل ومن أشعار أمية ابن الصلت..

فهل فهمتم الآن يا قراء لماذا يركزون الهجوم على المجاهد أبي مصعب الزرقاوي رضي الله عنه..

هل أدركتم..

هم يجعلون من اللصوص والمجرمين قديسين ونحن ندمغ المجاهدين في سبيل الله بأقبح الصفات ونسميهم مجرمين..

هل تذكرون باروخ جولدشتاين؟..

المجرم باروخ جولدشتاين.. الذي ارتكب مذبحة ضد المصلين المسلمين في الحرم الإبراهيمي في فبراير 1994 قتل خلالها 29 مصليا.

كرمه اليهود وجعلوا منه بطلا بل وقدسوه وسموه شهيدا..

أما نخن فنسمي أبي مصعب الزرقاوي إرهابيا ومجرما!!..

  وفي كتاب "باروخ البطل" الذي يجمع مقالات لذكرى جولدشتاين، امتنع مارزل عن التطرق إلى "الأعمال" التي قام بها صديقه. وقد كتب مارزل في مقال تحت عنوان "البوصلة": " كنت كلما قابلت الشهيد باروخ جولدشتاين ذي الذكرى العطرة، انتقم الرب لدمه– أشعر أنني أستطيع أن أصل إلى الحقيقة عن طريقه لأنه رجل صادق لا يتهاون وليس لديه اعتبارات خارجية". (...)  كلمات "القتل" و"المذبحة" وفي المقابل استخدم كلمات "الفعل", أو "الحدث". و ذلك لأن قتل اليهودي لغير اليهودي تحت أية ظروف لا يعتبر جريمة في نظر الهالاخاه. وفي كثير من الأحيان تتطابق المشاعر العامة تجاه قتل اليهودي لغير اليهودي و التي يعبر عنها الإسرائيليين بوقاحة مع الهالاخاه. وقد قال ليفينجر لبارنيا أن قرار البلدية عبر سريعاً عن الأسف من أجل العرب الذين قتلوا و لكنه يؤكد علي مسؤولية الحكومة. و حين سأل بارنيا ليفينجر إذا ما كان يشعر بالأسف قال ليفينجر: "أنا آسف من أجل الموتى العرب كما أأسف من أجل الذباب الميت." 

جعلوا من المجرم بطلا.. ونحن نجعل الأبطال مجرمين.. قبل أن تجف دماء المصلين المسلمين و أثناء دفن جولدشتاين كانت جدران الأحياء الدينية في القدس الغربية قد غطيت بملصقات تُعدد فضائل جولدشتاين وتأسف لعدم تمكنه من قتل مزيد من العرب. أطفال المستوطنين المتدينين أتوا إلى القدس للتظاهر وهم يعلقون لافتات تقول "د. جولدشتاين عالج أمراض إسرائيل". و تحولت العديد من الحفلات الموسيقية الدينية إلى مظاهرات لإحياء ذكرى جولدشتاين. (100)

أما نحن فنلعن أبي مصعب الزرقاوي.. رضي الله عنه..

على من يلعنه اللعنة..

***  

فقرة اعتراضية:

في حلقة على قناة الجزيرة، ظهر المستشار الجليل محفوظ عزام، خال الدكتور أيمن الظواهري، متلفعا بإباء المسلم وشموخه، ليحكي لنا – بدموعنا – عظمة أيمن الظواهري ورقته وحساسيته وتدينه ونبوغه واهتمامه بأمر المسلمين. كان مجاهدا بين خونة ولذلك كان لابد لهم أن يمسكوه، وعندما أمسكته الكلاب المسعورة عذب عذابا شديدا  في قضية الجهاد الكبري عام 1982 والتي ضمت 302 متهم والتي حكمت المحكمة فيها بالافراج عن ايمن الظواهري. واعلنت في حيثيات حكمها انه تعرض لابشع انواع التعذيب وان ما لاقاه لم تشهده العصور الوسطي من التعذيب وعندما رفعت قضية تعويض لايمن الظواهري بناء علي التوكيل حكمت المحكمة ب 3 آلاف جنيه فقط?! واشترطت وزارة الداخلية في سابقة الاولي من نوعها ان المبلغ مودع لدي مباحث امن الدولة وانه اذا رغب ايمن الظواهري الحصول عليه يجب حضوره بصفة شخصية لتسلم المبلغ?!.

وثمة عتاب على المستشار محفوظ عزام..

لقد كان جليلا ومؤثرا ونبيلا..

ولكن كيف رضي أن يظهر معه على الشاشة نفس الكلب المسعور الذي عذب أيمن الظواهري رضي الله عنه.. صحيح أنه عامله كحشرة فرفض تبادل أي حديث مباشر معه، بل ولم يصافحه أو ينظر إليه، ولكن .. كان الأولى رفض الظهور مع الكلب المسعور قاتل كمال السنانيري.

***  

هل كان شمر بن ذي الجوشن هو الذي جز رأس الحسين رضي الله عنه؟.. أم كان فؤاد علام؟ أم كان صلاح عيسى؟!..

و أي من علماء شرم الشيخ أفتوا بجواز قتله؟!..

***  

..وخرج من أصحاب الحسين زهير بن القين على فرس له شاك في السلاح فقال يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله نذار إن حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم ونحن حتى الآن أخوة وعلى دين واحد وملة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف فإذا وقع السيف انقطعت العصمة وكنا أمة وأنتم أمة إن الله قد ابتلانا وإياكم بذرية نبيه لينظر ما نحن وأنتم عاملون إنا ندعوكم إلى نصره وخذلان الطاغية ابن الطاغية عبيد الله بن زياد..

*** 

هو نفس الدم الذي أصبح بيننا وبين القوميين والشيوعيين والمتغربين والحداثيين والليبراليين..

لقد ولغوا في دمنا..

وتحالفوا مع الأعداء علينا..

و أعطوهم المسوغ والمبرر لسحقنا..

انقطعت العصمة..

ليسوا منا ولا نحن منهم..

نحن أمة وهم أمة..

*** 

 وحمل رجل يقال له عبد الله بن حوزة حتى وقف بين يدي الحسين فقال له يا حسين أبشر بالنار فقال له الحسين كلا ويحك إني أقدم على رب رحيم وشفيع مطاع بل أنت أولى بالنار قالوا فانصرف فوقصته فرسه فسقط وتعلقت قدمه بالركاب وكان الحسين قد سأل عنه فقال أنا ابن حوزة فرفع الحسين يده وقال اللهم حزه إلى النار فغضب ابن حوزة وأراد أن يقحم عليه الفرس وبينه وبينه نهر فحالت به الفرس فانقطعت قدمه وساقه وفخذه وبقى جانبه الآخر متعلقا بالركاب وشد عليه مسلم بن عوسجة فضربه فأطار رجله اليمنى وغارت به فرسه فلم يبقى حجر يمر به إلا ضربه في رأسه حتى مات ..

اللهم حزهم إلى النار يا رب..

اللهم حزهم إلى النار يا رب..

اللهم حزهم إلى النار يا رب..

*** 

هل كان الحسين في كربلاء أم كان في تورا بورا وكان أسامة بن لادن و أبو مصعب الزرقاوي في كربلاء..

هل أنا من السكارى وما هم بسكارى؟!

هل أخرف..

أم أنني أصبت كبد الحقيقة فلولا هذا ما كان ذاك.. و الأمر كالمعادلات الرياضية التي يمكن التعويض فيها بحدود مختلفة كأن تقول إذا كان خمسة في خمسة تساوي خمسة وعشرين وكانت عشرين زائد خمسة تساوي خمسة وعشرين فإن خمسة في خمسة تساوي عشرين زائد خمسة..

أنا لا أخرف إذن وليس المكان هو المهم و إنما من شغل المكان.. (وما حب الديار شغلن قلبي ولكن حب من سكن الديارا).. ليس المكان هو المهم.. المهم هو نحن.. مع من.. وفي أي جيش أبحث عن شيوخنا .. مع الحسين و أسامة بن لادن والزرقاوي أم ابن زياد وشمر وعلاوي وطالباني وبوش.

*** 

شيوخنا الأجلاء لم يجرءوا على قول ما قاله شاعر قضى جل عمره فاسقا هو نزار قباني الذي صرخ في قصيدة عنوانها: أنا مع الإرهاب:


متهمون نحن بالإرهاب../ إذا رفضنا محونا../ على يد المغول واليهود والبرابرة..

متهمون نحن بالإرهاب../ إذا رفضنا أن نفاوض الذئب../ وأن نمد كفنا لعاهرة..

متهمون نحن بالإرهاب../ إذا حملنا الخبز والماء../ إلى طروادة المحاصرة..

متهمون نحن بالإرهاب../ إذا رفعنا صوتنا../ ضد الشعوبيين من قادتنا..

وكل من غيروا سروجهم../ وانتقلوا من وحدويين إلى سماسرة.. 

متهمون نحن بالإرهاب../ إذا اقترفنا مهنة الثقافة../ 

إذا قرأنا كتابا في الفقه والسياسة..

إذا ذكرنا ربنا تعالى../ إذا تلونا سورة الفتح../ وأصغينا إلى خطبة يوم الجمعة..

فنحن ضالعون في الإرهاب../ متهمون نحن بالإرهاب..

إن نحن دافعنا عن الأرض../ وعن كرامة التراب..

إذا تمردنا على اغتصاب الشعب../ إن كان هذا ذنبنا../ ما أروع الإرهاب.. 

لم يبق في حياتنا قصيدة../ ما فقدت عفافها../ في مضجع السلطان..

أنا مع الإرهاب.. / إن كان يستطيع أن يحرر الشعب..

من الطغاة والطغيان.. / وينقذ الإنسان من وحشية الإنسان..

أنا مع الإرهاب.. / إن كان يستطيع أن ينقذني..

من قيصر اليهود.. / أو قيصر الرومان..

أنا مع الإرهاب.. / بكل ما أملك من شعر.. ومن نثر.. ومن أنياب..

مادام هذا العالم الجديد.. / بين يدي قصاب..

أنا مع الإرهاب.. / إن كان مجلس الشيوخ في أمريكا..

هو الذي في يده الحساب.. / وهو الذي يقرر الثواب والعقاب..

أنا مع الإرهاب.. / مادام هذا العالم الجديد..

يكره في أعماقه.. / رائحة الأعراب..

أنا مع الإرهاب.. / مادام هذا العالم الجديد..

يريد أن يذبح أطفالي.. / ويرميهم إلى الكلاب..

من أجل هذا كله.. / أرفع صوتي عالياً..

أنا مع الإرهاب.. 

أنا مع الإرهاب.. 

أنا مع الإرهاب.. 


*** 

كان خبراء الموساد والسي آي إيه وضباط المخابرات المصرية والسعودية والسورية والأردنية والتونسية يقفون على رابية يرقبون المعركة..

 أقبل مدير مباحث أمن الشيطان ورئيس الحرس الوطني  فحملا على أصحاب الحسين وتكاثر معهما الجند حتى كادوا أن يصلوا إلى سبط الرسول صلى الله عليه وسلم فلما رأى أصحابه أنهم قد كثروا عليهم وأنهم لا يقدرون على أن يمنعوا الحسين ولا أنفسهم تنافسوا أن يقتلوا بين يديه ..

جاء عبد الرحمن وعبد الله ابنا عزرة الغفاري فقالا:

-  أبا عبد الله عليك السلام حازنا العدو إليك فأحببنا أن نقتل بين يديك وندفع عنك ..

ثم أتاه أصحابه مثنى وفرادى يقاتلون بين يديه وهو يدعو لهم ويقول جزاكم الله أحسن جزاء المتقين فجعلوا يسلمون على الحسين ويقاتلون حتى يقتلوا ..

ثم جاء عابس بن أبى شبيب فقال:

- يا أبا عبد الله أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعز على منك ولو قدرت أن أدفع عنك الضيم أو القتل بشيء أعز على من نفسي ودمى لفعلته السلام عليك يا أبا عبد الله أشهد لي أنى على هديك..

 ثم مشى بسيفه صلتا وبه ضربة على جبينه وكان أشجع الناس فنادى ألا رجل لرجل ألا ابرزوا إلى فعرفوه فنكلوا عنه ثم قال عمر بن سعد ارضخوه بالحجارة فرمى بالحجارة من كل جانب .. 

*** 

أوصيكم يا قراء، أو يا أبناء القراء أو أحفادهم، عندما تحتل القاهرة كما احتلت بغداد، وعندما يحدث للإسكندرية ما حدث للفالوجا ولأسيوط ما حدث لجنين ولطنطا ما حدث لجروزني، أوصيكم ألا تقولوا هزمتنا الفرنجة أو غلبنا الصليبيون أو اكتسحنا اليهود. لا تقولوا ذلك بل قولوا هزمتنا جيوشنا، تلك الجيوش التي دفنت كرامتها عندما اقتصرت مهمتها على حماية الحاكم الطاغوت اللص المجرم وعلى حماية حدود إسرائيل. 

لا تقولوا هزمنا بوش وبلير وشارون وباراك..

 بل قولوا هزمنا الأسد وعبد الله ومباراك..

 لا تقولوا هزمنا الأعداء بل قولوا هزمنا الأشقاء والأبناء..

 لا تقولوا هزمتنا السي آي إيه والموساد .. 

لا تقولوا ذلك بل قولوا هزمتنا مباحث أمن الدولة والحرس الوطني والمخابرات والقلم السياسي.. 

اصرخوا أن هذه الأجهزة مزقت الوطن وشرذمت الأمة وجعلت أبناءها يفضلون الاحتلال الإسرائيلي أو الأمريكي عن احتلال الجيش الوطني..

 يــــــا لـَـصَخَبَ صوتِ تمزّق القلب ونحن نقرأ أن شيوخ القبائل في سيناء يفكرون في طلب الانفصال عن مصر.. 

يــا لــرنين أنــين القلب وهو ينتحب إذ يحدثني من العريش أحمد فيقول لي جربت اعتقال الموساد واعتقال مباحث أمن الدولة.. وشتان .. ووالله لولا الإسلام لفضلت الأولى.. 

 لذلك.. ولما هو أكثر من ذلك أكرر: لا تقولوا هزمنا بن جوريون أو جولدا مائير أو ديان أو رابين أو شارون.. بل قولوا هزمنا جمال عبد الناصر وحسني مبارك وجمال مبارك والملك عبدالله والملك حسين و..و..و.. 

لا تقولوا هزم مفكروهم مفكرينا بل قولوا انتصر أغواتهم وعبيدهم ومأجوروهم.. انتصر صلاح فضل وجابر عصفور وفاروق حسني وسمير رجب وصلاح عيسى وخيري منصور و أدونيس ومحمود درويش وعصابة الأربعة.. لا تقولوا هزمتنا الواشنطن بوست والديلي نيوز ويديعوت أحرونوت والنيوزويك بل قولوا هزمتنا الأخبار والأهرام والأهالي والحياة والشر الأوسط وروز اليوسف.. لا تقولوا هزمنا تشدد ابن تيمية وابن عبد الوهاب وعبد الله عزام وعمر عبد الرحمن بل قولوا هزمنا تفريط طنطاوي وبيومي وفقهاء التراجعات..

ثم يا قراء، أو يا أبناء القراء أو أحفاد القراء .. عندما يحدث هذا كله.. وعندما تدينون هؤلاء جميعا لا تقللوا أبدا من إدانتكم لأمة مشلولة سلط الله عليها من تستحقهم.. أمة لم يستنفرها للدفاع عن نفسها دين ولا وطن ولا شرف ولا عرض ولا حتى طعام وشراب..

أمة زورت إرادتها فلم تتقدم لتسحق المزورين..

أمة انتهكت نخبتها فلم تتحرك لتدهس المنتهكين..

ثم اسألوا.. لو حدث ما يحدث في بلادنا في بلاد أخرى فتحرك الشعب ليذبح الطاغوت ويسحقه.. هل يعتبر هذا التحرك إرهابا؟..

دعنا من الإسلام الآن لمجرد الجدل..

دعنا منه..

دعنا منه بعد أن أوردت لكم في مقالات سابقة أنهم في الغرب يعتبرون المسلم المتشدد هو كل من ما يزال يصر على أن القرآن كلام الله..

دعنا منه ونحن نقرأ أن بلير – معبرا عن الغرب كله- يعرف الإرهابي بأنه كل من يدعو إلى تحكيم الشريعة.. وهو رأي أظن أن مبارك وعبد الله وزين العابدين والأسد بل وكل حكامنا ونخبتنا النجسة يوافقونه عليه..

دعنا من الإسلام..

هبنا ملحدين كالروس.. أو بوذيين نعبد البقر.. وجاء الغرب – بقيادة أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا أو أي طاغوت آخر ليمزق أوطاننا ويشرذم شعوبنا ويمتهن مقدساتنا ويستولي على ثرواتنا بل ويحل محل بعض شعوبنا.. لو حدث ذلك مع عبدة البقر فتصدوا للعدوان وقاتلوا من تطاله أيديهم من الغزاة أو من يساعدهم.. فهل يعد ذلك إرهابا؟..

لو أننا ثأرنا لكل ألف قتيل من قتلانا بقتيل أمريكي واحد فهل يعد ذلك إرهابا..

لو أننا فجرنا شارعا لهم مقابل كل مدينة ينسفونها لنا فهل يعد ذلك إرهابا.

لو أن الأمريكيين استولوا على أرض روسية أو هندية أو صينية وجعلوا منها حاملة طائرات ضخمة وثابتة وقاعدة تكرس استمرار التمزق والتشرذم فهل كان الروس أو الهنود أو الصينيون سيسكتون قبل أن يسحقوا العدوان سحقا ويبدوا الغزاة عن بكرة أبيهم؟!.. هل تعد المقاومة إرهابا في مثل هذه الظروف..

*** 

من معسكر آل البيت خرج  غلام كأن وجهه فلقة قمر في يده السيف وعليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ما أنسى أنها اليسرى فقال لنا عمر بن سعد بن نفيل الأزدي والله لأشدن عليه فقلت له سبحان الله وما تريد إلى ذلك يكفيك قتل هؤلاء الذين تراهم قد اعتزلوهم فقال والله لأشدن عليه فشد عليه عمر بن سعد أمير الجيش فضربه وصاح الغلام يا عماه قال فشد الحسين على عمر بن سعد شدة ليث أعضب فضرب عمر بالسيف فاتقاه بالساعد فأطنها من لدن المرفق فصاح ثم تنحى عنه وحملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوا عمر من الحسين فاستقبلت عمر بصدورها وحركت حوافرها وجالت بفرسانها عليه ثم انجلت الغبرة فإذا بالحسين قائم على رأس الغلام والغلام يفحص برجله والحسين يقول:

- بعدا لقوم قتلوك ..  خصمهم يوم القيامة فيك جدك..

 ثم قال:

- عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك ثم لا ينفعك صوت والله كثير عدوه وقل ناصره..

 ثم احتمله وقد وضع صدره على صدره ثم جاء به حتى ألقاه مع ابنه على الأكبر ومع من قتل من أهل بيته ..

كان  الغلام هو القاسم بن الحسن بن على بن أبى طالب ..

*** 

يا أسامة بن لادن..

يا أيمن الظواهري..

يا أبو مصعب الزرقاوي..

خصمهم فيكم يوم القيامة رسول الله صلى الله عليه وسلم..

*** 

أعيا الحسين رضي الله عنه  فقعد على باب فسطاطه وأتى بصبي صغير من أولاده اسمه عبد الله فأجلسه في حجره ثم جعل يقبله ويشمه ويودعه ويوصى أهله فرماه رجل من بنى أسد يقال له ابن موقد النار بسهم فذبح ذلك الغلام فتلقى حسين دمه في يده وألقاه نحو السماء وقال:

- يا  رب.. إن تك قد حبست عنا النصر من السماء فاجعله لما هو خير وانتقم لنا من الظالمين..

 ورمى عبد الله ابن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسين بسهم فقتله أيضا ثم قتل عبد الله والعباس وعثمان وجعفر ومحمد بنوا على بن أبى طالب إخوة الحسين وقد اشتد عطش الحسين فحاول أن يصل إلى أن يشرب من ماء الفرات فما قدر بل مانعوه عنه فخلص إلى شربه منه فرماه رجل يقال له حصين بن تميم بسهم في حنكة فأثبته فانتزعه الحسين من حنكه ففار الدم فتلقاه بيديه ثم رفعهما إلى السماء وهما مملوءتان دما ثم رمى به إلى السماء وقال:

-  اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا . 

*** 

كنت هناك.. 

رأيت كتيبة شمر.. 

تحت لوائها كان يقاتل مبارك وعبد الله والأسد.. وكل حكامنا..

هتفت: اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا .

*** 

كنت هناك..

بحثت عن الشيخ حسن نصر الله والسيستاني  وأحمدي نجاد  فلم أجدهم في جيش الحسين فبرى الألم القلم.. ورحت أتمتم والتمتمة قطرات دم:

- كيف يصلون خلف الحسين ويقاتلون خلف ابن زياد؟..

*** 

كنت هناك ..

كنت أنتظر المعجزة..

ولم يكن عقلي القاصر قد أدرك بعد أن المعجزة كانت ألا تحدث معجزة..

وكنت أنتظر الفارس يوسف بن القرضاوي والفارس محمد ابن إسماعيل ابن المقدم يقودان كتيبة الشيوخ لاختراق الحصار المضروب حول أسامة بن لادن والظواهري والزرقاوي.. عفوا أقصد الحسين وآل بيته.. كنت أنتظرهما لكنهما لم يأتيا أبدا..

*** 

وكنت أري ضابطا بمباحث أمن الدولة يطلق رصاصة على فم الحسين الشريف قبل أن يروي عطشه.. فار الدم فتلقاه الحسين بيديه ثم رفعهما إلى السماء وهما مملوءتان دما ثم رمى به إلى السماء وقال:

- اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا .

ورحت داميا أقول ولا أكف:

- اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا .

- اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا .

- اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا .



**** 

***** 

******* 

حاشية يتيمة

مسخرة!!

أظن أن القارئ الكريم ينزهني عن أن أدلي بدلوي في الانتخابات.. أظنني أعز عليه من ذلك و أكرم.. وعلى العموم.. في كل الانتخابات السابقة واللحقة – شاملة التغييرات والتعيينات في الصحافة – لم ينجح هذا ولا ذاك..- المحزن أن القضاء أيضا لم ينجح.. وذلك متوقع-  لم ينجح هذا ولا ذاك..  لكن .. نجحت السفارة الأمريكية.. والموساد.. والسي آي إيه!!.










الحقيقة كما حدثت لا كما قيلت

النصارى يحكمون مصر!

والبابا يتبختر كقيصر!! 

الأقباط يعترفون والمفتي والنائب العام ينكران !!

و قسيس يطلب من النائب العام أن يكون صادقا!!

بلاغ إلى النائب العام: أسماء المجرمين 

إني أتهم.. والبابا آخر المتهمين..

أبناء الأفاعي جعلوا بيت العبادة  مغارة لصوص

*** 

السيد النائب العام: نطالبك بالصدق!!( مسيحي!)

عاصفة الشيطان على العالم يحملها بوش 

العار لمن نكل بالمسلمين فأخل بالتوازن فطغى النصارى..


www.mohamadabbas.net

mohamadab@gawab.com


كلما ازدادت الخطوب، وتهاطلت المصائب، وتكاثرت الفتن، تدهمني الحيرة، وينقض السؤال ظهري، سؤال يقول: في أي الشئون أكتب، ولأي الفتن أتصدى، وعن أي الخطوب أدافع، أتقلب على الجمر و أقبض عليه إذ أتساءل: أي الكوارث أولى بالمواجهة، و أي المصائب لا يجوز التواني عن الحديث عنها، كلما حدث ذلك تتغير أولوياتي، فأنصرف عما نويت التصدي له، وأتحول عما أردت الخوض فيه، ليس انصرافا عن المهم، بل اتجاها للأهم، فأكون كالأب الذي ينصرف عن ابنه الذي تصرعه الحمى، إلى ابنه الآخر الذي يكاد النزيف أن يقتله، وما أكثر ما انتويت أن أكتب حاشية في أمر ما، حاشية من بضعة سطور، فإذا بالحاشية تتحول إلى مقال، وكم من مرة انتويت أن أكتب مقالا واحدا أعود بعده إلى ما كنت فيه، لكن المقال يستدعي أجزاء و أجزاء و أنا أدرك أنني لم أكمله، و أن هناك نقاطا في غاية الأهمية لم أذكرها، أقول كلما حدث ذلك ينساب إلىّ خيال حزين، ربما كان رؤيا، وربما كان من خلال أستار الزمن رؤية، عن فارس، ربما كان في الأندلس أو في العراق أو في فلسطين أو في سيناء أو في البوسنة والهرسك أو الفلبين أو كوسوفا أو في بخارى أو في سمرقند، أو الشيشان أو كشمير أو في دمشق وبيروت والرياض والقاهرة،  فارس يحاول الدفاع عن قلعة تهدمت حصونها ونقبت ثغورها، وانشغل ولاتها الخونة، و أمراؤها اللصوص، انشغلوا عن الدفاع عنها بجمع ما سرقوه منها والهرب، ويقف الفارس حيرانا، هذا الثقب أولى بالدفاع أم تلك الثغرة، تلك الثلة من فرسان العدو أم تلك القلة، هل يندفع إلى اليسار أم اليمين أولى، إلى الأمام أم الخلف أخطر، كلما اتجه إلى مكان اكتشف أن الخطر في المكان الآخر أشد، وكلما عزم على أمر وجد أن فرصة تنفيذه قد ولت، تجيئه النداءات من كل صوب، والاستغاثات من كل جهة، اختلطت الأصوات فما عاد يعلم إن كان الصوت صوت أخيه أم صوت عدوه، وما إذا كانت الاستغاثة صادرة لتحذيره أم لتضليله كي يندفع إلى المكان الخطأ في الزمان الخطأ، اشتبكت الأصوات واختلطت الملامح، الأعداء يلبسون زى قومه وقومه يلبسون زى الأعداء، لم يعد يعرف، لم يعد يفهم، عيناه تكذبان وأذناه تكذبان وفكره يختل، إلى من يستجيب؟ من يُنجد وبمن يستنجد؟؟ تدور عيناه، تنسعر عيناه، يجرى لكن في نفس النقطة من المكان، يلهث، يدور حول نفسه، يظل يدور، ويدور ويدور..

***

يستبد بي هذا الخيال الكابوسي، ثم ما يلبث حتى يستسلم لواقع لا يكاد يختلف عنه، فمنذ شهور، مرت كدهور، و أنا أنوي العودة للكتابة عن شهيد الإسلام سيد قطب، لعن الله قاتليه، و نصر متبعيه وتابعيه، ورحت أؤجل و أؤجل، ملتمسا الأعذار لنفسي، فالشهيد – إن شاء الله- يستطيع أن ينتظر، وهو – إن شاء الله- في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

 وعندما انتقلت المجاهدة زينب الغزالي – وهي الشهيدة في فراشها إن شاء الله – إلى رحاب الله، قلت لنفسي قد آن الأوان إذن، لأن مدخل الكتابة عن الفصل الأخير من حياة الشهيد سيد قطب، لابد أن يمر من خلال أيام من حياة المجاهدة العظيمة، و عزمت، وتوكلت، وقدرت، ونويت..

نعم.. عزمت، وتوكلت، وقدرت، ونويت.. لكن الله قدر أمرا آخر، عندما اشتعلت النار في مكان آخر، من الشلو المليء بالحروق، والجسد المليء بالجراح، و أقصد بهذه النار تلك المسرحية المجرمة، التي تسئ إلى الإسلام أبلغ إساءة، والتي مثلت في إحدى الكنائس في مدينة الإسكندرية، ربما كان المسيح عليه السلام يقصد مثلها عندما تحدث عمن يحولون دور العبادة إلى مغارات لصوص.

و أنبه القارئ الكريم إلى ملابسات لابد يدرك أسبابها حيث أنني سأحاول قد ما أستطيع، أن أستعيض بالتلميح عن التصريح، وبالإشارة عن العبارة، ليس لمجرد الحفاظ على الوطن من تداعيات الفتنة، بل رعبا من تحذيرات سيدي وحبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، رعبا من أن أخطئ في حق ذمّيّ أو معاهد ولو بغير قصد فلا أشم رائحة الجنة، رعبا من أن أخالف الرسول الخاتم الذي اجترأ عليه عباد الشيطان رغم أنه يقول في قبط مصر:

- "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما" 

الراوي: عبد الله بن عمرو بن العاص  -  خلاصة الدرجة: صحيح  -  المحدث: البخاري  -  المصدر: الجامع الصحيح  -  الصفحة أو الرقم: 3166

- " إنكم ستفتحون مصر. وهي أرض يسمى فيها القيراط. فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها. فإن لهم ذمة ورحما ".الراوي: أبو ذر الغفاري - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 2543

- الله الله في قبط مصر؛ فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله 

الراوي: أم سلمة هند بنت أبي أمية- خلاصة الدرجة: إسناده صحيح رجاله ثقات- المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 3113 

- إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة و رحما 

الراوي: كعب بن مالك - خلاصة الدرجة: صحيح على شرط الشيخين - المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 1374

***

إن القارئ الذي يتابعني، يعلم أنني عزفت منذ عشرين عاما عن الدخول في هذا الأمر إلا في لمحات سريعة، ولعله يدرك السبب، ذلك أنني – كما تعود القارئ مني- لا أسمي الأشياء بغير أسمائها، ولا أري التأول والتقية حقا لي، و أنني عندما لا أستطيع قول ما أعتقد أنه الحق فإنني أصمت، ليس جبنا، و إنما فطنة المؤمن.

تجنبت الحديث عن الفتنة الطائفية لأنني أرى أن هذه الفتنة وما سبقها ليست فتنة طائفية بالمعنى الصحيح، فهي ليست بين أتباع محمد و أتباع عيسى عليهما السلام، و إنما هي بين أنصار الله و أنصار بوش، بين أتباع محمد وعيسى وموسى عليهم السلام جميعا و أتباع المخابرات المركزية الأمريكية و الموساد. بين أبناء مصر و أعداء مصر. بين الشرفاء والخونة، بين العملاء والوطنيين، بين الأصلاء والدخلاء، إنها قضية ينبغي أن تحكم فيها المخابرات لا الشريعة، وألا يحدد الفقهاء الجرائم الكامنة فيها.. بل  محاكم أمن الدولة.. وأن يتحرى عن مخازيها ومؤامراتها جهاز مباحث أمن الدولة لو كان بالفعل جهاز مباحث أمن دولة وليس فرعا للموساد والسي آي إي. 

وعندما نبهني البعض إلى موقع عبد الشيطان زكريا بطرس شعرت بالاشمئزاز والعزوف فالرجل كلب من كلاب النار يمزق الحقيقة وخنزير يدنسها. تجنبت الرد عليه والانشغال به، فمن ناحية ليس فيما يطرحه أي جديد، ومن ناحية أخرى هو عميل لجهاز مخابرات ما، ومهمته أن يشغلنا بسفاسفه وحديث إفكه عما هو أهم من مواجهة أكاذيبه. بل إن مجهود هؤلاء الناس غالبا ما يصب في صف الإسلام، لأن من يستمع إلى مثله ويصدقه، تكون صدمته هائلة عندما يكتشف الحقيقة، ويترتب على هذه الصدمة  إما الإلحاد بمعنى الكفر بالدين كله  و إما الدخول في الإسلام. وبغض النظر عن الصواب والخطأ فإن الكفر بالدين كله قد يتسق اتساقا شيطانيا، أما الإيمان باليهودية دون المسيحية والإسلام، أو الإيمان باليهودية والمسيحية والكفر بالإسلام فعبث لا يمكن للعقل البشري أن يتورط فيه، ذلك أن نقطة العبور أو التحول، أو الحد الفاصل بين بشر كالأنعام أو أضل، وبشر كالملائكة أو أفضل، هي نقطة الإيمان بالغيب كمطلق، وبعد هذا الإيمان يأتي الإيمان بالرسل، جميعا، كنتيجة طبيعية بل وحتمية للإيمان بالغيب.

ولقد ذكرت في مقال سابق  ما قاله المفكر المسيحي الشهير نظمي لوقا في كتابه محمد الرسالة والرسول: " أن التسليم بوجود رسل ونزول وحي يجعل من الصعب التسليم برسالة ورفض الأخرى، والإقرار بظهور رسول ونفي ذلك عن آخر" (ولأنه تحدث عن نبي الإسلام بموضوعية و إجلال في كتابه" محمد الرسالة والرسول" فطرده البابا شنودة شر طردة، وحرم الصلاة عليه في كنائسه، ودارت أرملته الكاتبة صوفي عبد الله على الكنائس دون فائدة: راجع المقال بالغ الأهمية للأستاذ جمال سلطان- مجلة المنار الجديد – شتاء 2005).

نعم.. لم يكن الأمر صراعا بين المسلمين والمسيحيين بل صراعا بين الأمناء والخونة، بين الشرفاء والعملاء، بين الطيبين البسطاء والجواسيس، وليس عندي في ذلك شك.

بيد أننا يجب أن نعترف أن أولئك وهؤلاء يوجدون على الجانبين.. ولست أظن – على سبيل المثال – أن البابا شنودة، أشد خطرا على الأمة – وبالتالي الوطن والدولة – من وزير الأوقاف أو بعض كبار الشيوخ في الأزهر. كما لا أظن أن أقباط المهجر رغم خيانتهم وعمالتهم أشد خطرا من كتائب المثقفين المجندين كعملاء في الداخل. والعملاء لا تستعمل هنا ككناية أو تشبيه أو مجاز، بل كصفة، فهؤلاء تسميهم الصحف الفرنسية والألمانية بكتاب المارينز وبصحف المارينز، والمقصود بالنسبة لهؤلاء، الصحف والأقلام التي سخرت وتسخر للترويج لأفكار أمريكا الساعية إلي تعميم الحرية والديمقراطية عبر العالم والتي تعتم علي كل الأخبار حول جرائم أمريكا وإسرائيل، والتي خصصت لها الحكومة الأمريكية بمختلف فروعها حوالي 628 مليون دولار في السنة المالية 2004. الصدمة التي أحدثها إدراك المحافظين الجدد في واشنطن بأن مخططهم لغسل عقول المسلمين لم يحقق نجاحا يذكر زادهم شراسة في حرب التضليل. إلا أن العقول والقلوب المدربة على توقي الخطر الخارجي قد تغفل عن الخطر الداخلي.. رغم أن الخطر الداخلي لا يقل خطورة عن الآخر وقد يزيد.

نعم.. انحرافات المنافقين أشد خطرا.. وكذلك انحرافات المنحرفين عن طريق الإسلام ولو دون ردة ظاهرة أو باطنة.

هل هناك فرق حقيقي بين مجلة روز اليوسف ومواقع الأقباط؟ بين عبد الله كمال و أوغسطينوس؟ بين رفعت السعيد وزكريا بطرس. 

هل هناك أي فرق؟!.

***

ليس من حقي التأول ولا التقية، فإما أن أصمت و إما أن أقول الحقيقة بملء فمي..

مهما كانت جارحة أو محرجة أو دامية..

وليس أمامنا سوى أن نسمي الأشياء بأسمائها.. لا بعكس أسمائها كما يفعل سوانا فيسمي الاستسلام سلاما والخيانة تحررا والكفر فكرا والزنا حبا والسرقة مهارة والاختلاس شطارة، والتجهيل تنويرا، والكذب تطويرا، والانحلال حرية، والاستغلال حقوقا، وينسب الخمر إلى الروح فيقول المشروبات الروحية..و..و... 

الحقيقة التي أواجهها اليوم هي أن المسرحية التي مثلت في مغارة اللصوص السكندرية، هي بالفعل مسرحية سافلة مجرمة، ولقد كنت حريصا على ألا أكتب حرفا واحدا قبل أن أشاهدها أكثر من مرة، ولقد دهشت لكم الإجرام والبذاءة والكذب فيها، ولكن دهشتي وذهولي الأكبر، كانت عندما تصدى البعض لينكر ذلك، وليدعي أن المسرحية لا تمس الإسلام بل تحارب الإرهاب. وكان هذا القول كذبا فاجرا كالمسرحية نفسها، كذب يزداد فجوره كلما ازداد منصب قائله ومدعيه. كان ممن قاله صحافيون علمانيون، وكان منهم أقباط غير شرفاء، لكن المذهل حقا أن يتورط في هذا الكذب الفاجر قيادات كنسية.

كان كذبا فاجرا، لأن من يقول أن المسرحية لم تتطرق للإسلام بل للإرهاب يعلم ما في المسرحية، ويعلم أنها كلها تسفه الإسلام وتحقره وتزدريه، وأن الكاهن الذي وقف يحيي الممثلين في نهاية المسرحية قد مرغ قداسته المدعاة في الوحل، وهبط إلى مرتبة كمراتب عادل إمام، أو أي ممثل أو ممثلة ساقطة في مسرحية هابطة في ملهي ليلي.

نعم..

أعترف..

آذت المسرحية مشاعري، لكن ما آذاها أكثر كذب كبارٍ غير محتاجين إلى الكذب.

إن الكذب كله مرفوض، وهو رذيلة، بل كبيرة من الكبائر، يدل على خسة في النفس، وفساد في الطبع، ولعلنا نذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سئل: "أيزني المؤمن؟ قال: نعم. أيسرق المؤمن؟ قال: نعم. أيكذب المؤمن؟ قال: لا".

إذن فصفة الإيمان – كلها – منفية عن كل من يكذب في أي ملة و أي دين..

و أولئك الذين كذبوا ليسوا عبادا لله سواء حرف دينهم أم لم يحرف.. 

ليسوا عبادا لله بل عبيدا للشيطان. لا فرق بين كبير وصغير.. بل إن الشيطان يتسلط على الكبار أكثر.. ملوكا كانوا أو رؤساء أو بابوات وشيوخ.

***

لعل القارئ يدرك أن المسرحيات لا تُحكى، لأن ما يتم قوله فيها بالصمت والإشارة والموسيقى والديكور و الإيماءات والإيحاءات لا تقل أهمية عما يقال بالكلمات، لذلك أقول للقارئ أن ما ورد في هذه المسرحية الساقطة إساءة للإسلام نفسه، إساءة فاجرة، للإسلام وليس للإرهاب، الإسلام المتمثل في القرآن الكريم و النبي محمد صلى الله عليه وسلم بشخصه والسنة الشريفة مباشرة وليس في أقوال الفقهاء أو سيرة العلماء أو فقه التابعين وتابعيهم.

نعم.. الإهانة موجهة للإسلام: للقرآن الكريم و للرسول العظيم صلى الله عليه وسلم..

ولقد قال بعضهم أن المسرحية تشبه أفلام عادل إمام..

ولقد كذب وكذب عادل إمام..

عادل إمام، الشيوعي، عميل الداخلية،  المستهزئ بدين الله وبعباده الصالحين، والذي يدعي البعض علاقته الوثيقة برئيسنا القادم، جمال مبارك، عادل إمام هذا – رغم تفاهته وفسوقه- لم يبلغ هذا القدر المنحط من المجاهرة بالعداء للإسلام والسخرية من القرآن.. إلا أنني أحسب أن عادل إمام لم ينكص عن ذلك بسبب بقايا إيمان أو إخلاص أو حتى احتراما لعشيرته وقومه.. لكن عادل إمام أكثر حصافة و أقل وقاحة لذلك فهو يعرف الحدود التي يجب أن يقف عندها.

الفارق إذن هو الفارق بين مهارة قرد يتسلق ويتسلل ويهرب.. وغباء ثور يقتحم ويحطم حتى لو تهاوى السقف على أم رأسه.. وحتى لو تسبب بحماقته وطيشه في أن يرجمه الناس كالزناة والخطاة.

هل يدرك الثور الغبي  أنه غبي؟!

ملحوظة: في نهاية المسرحية يقف شخص يلبس ملابس قسيس ليحيي الممثلين، وكلما حيا ممثلا انطلق الممثل ليقبل يده!!.. والملحوظة مهداة لخنازير التنوير الذين لو رأوا مشهدا مماثلا مع مسلم لا يمثل الإسلام في شيء لما كفوا عن العواء والنباح والفحيح.

*** 

لا أكتب في صحيفة يومية، والصحيفة الأسبوعية التي كنت أكتب فيها أغلقت لأنها دافعت عن الإسلام، لذلك لن يكون مجديا أن أتصدى لتفاصيل المسرحية التي أفاضت الصحف اليومية والأسبوعية في عرضها، لكنني أشهد أمامكم يا أمة لا إله إلا الله محمد رسول الله شهادة يسألني الله عنها يوم القيامة أنه لا توجد صحيفة واحدة تزيدت أو أضافت إلى ما ورد بالمسرحية فعلا، ومن الناحية الأخرى، فلا يوجد أي صحيفة، ولا حتى الصحف كلها، قد استطاعت أن تعرض كل ما ورد في العمل الفاجر.

تقول المسرحية الفاجرة أن الإسلام دين لا يفهمه أحد وأن القرآن لا معنى له وأن المسلمين مخادعون وإرهابيون و أن القرآن يدعو للعنف والفواحش و أن المسلم متوحش متخلف مجرم لا يستمع لمنطق العقل ويقتل لأتفه الأسباب و أن الشرع يتم تفصيله حسب المقاس و أن هدف المسلمين تدمير المسيحيين وتخريب الكنائس وقتل القساوسة. 

 دعنا الآن من أن هذا كله ليس قول الإنجيل ولا المسيح ولا حوارييه.. و إنما قول بوش وشارون والموساد والسي آي إيه وعملائهم أينما كانوا.. وكما ذكرت في المقالة الماضية فإن هذه هي الآلية التي يتبعها أي مجرم خسيس لكي يوجد لنفسه المبررات والدوافع للجرائم التي ارتكبها أو تلك التي يوشك على ارتكابها، دعنا من ذلك، ودعنا أيضا من مزيد من التفاصيل عن المسرحية الفاجرة.

دعنا من ذلك لنطرح بعض التساؤلات:

إن كان هناك منحرف مجرم ألف هذه المسرحية المجرمة الساقطة، فماذا عن العشرات والمئات الذين من المحتّم أنهم علموا بالجريمة فصمتوا..

يدّعي المجرمون أن المسرحية لم يشاهدها أي مسلم.. فمن الذي سرب تسجيلها إلى المسلمين.. 

لماذا هذا التوقيت بالذات يتم توزيع 200000 اسطوانة والمسرحية على شباب الجامعات في مظروف مكتوب عليه:  كل عام وانتم بخير وبمناسبة شهر رمضان الكريم.. لاحظوا عدد الاسطوانات الموزعة .. وبالتالي التكلفة التي تناهز نصف مليون جنيه.. من السهل تعقب مصدرها لمن يريد..

لقد أعلن "عدلي أبادير " في أحد قنوات القمر الصناعي أنه يجهز لفيلم تسجيلي عن اختطاف فتاة مسيحية وإرغامها على الإسلام؟؟ وأنه سيفضح المسلمين ومصر على مستوى العالم. وعدلي أبادير هذا مكانه مستشفى للأمراض العقلية، لكن الكونجرس يستضيفه والمخابرات الأمريكية والإسرائيلية تحركه، لكن ما العجب في ذلك؟ بوش المجنون نفسه: مجنون ويحكم.. وكذلك شارون المجرم.. وبلير الشاذ وبيرلسكوني اللص.. فما كل أولئك سوى دمى تحركها أجهزة المخابرات في لعبة سيدها الشيطان.

- هذه المسرحية السافلة ليست سوى قمة جبل الثلج العائم الذي يختفي معظمه.. هي المفضوح والمكشوف فما هو المخبوء والمستور؟ .. إنها متصلة بسياق يتصل فيه الداخل بالخارج والماضي بالحاضر في منظومة شيطانية واحدة منذ يوحنا الدمشقي حتى الآن، سياق المؤامرة، سياق الغارة على العالم الإسلامي، سياق التبرير للجرائم التي يوشكون على ارتكابها فيبادرون بالتمهيد والتبرير لها. وفي هذا السياق المتصل يقول خنزير من خنازيرهم في مجلة صوت مصر الحر: 

"أنا القبطي الفرعوني صاحب الأرض، أنا القبطي الشامخ صاحب هذا الوطن الذي سُلِبَ مني منذ الغزو الإسلامي وإلى الآن، وسيرحل قريباً كما رحل من أسبانيا، فلم تعد النعرة الإسلامية لها جاذبيتها الآن في جو أصبح الغرب المتحضر يفهم أن العرب جرب"...

هذا الفاجر يجيب لنا عن سؤال يقول: ماذا يريد خنازير المهجر عملاء المخابرات الأمريكية والإسرائيلية.

في نفس السياق أيضا يقول خنزير آخر لا أدري لماذا تستضيفه الجزيرة ولماذا تسمح له القدس العربي بالكتابة فيها.. يقول هذا الخنزير ( واسمه مجدي خليل):

"لقد دفع الأقباط المسالمون حوالي 4000 قتيل وجريح خلال العقود الثلاثة الماضية بدون سبب سوى لكونهم مسيحيين، هذا بالإضافة إلى تخريب ونهب ممتلكات بعشرات الملايين وممارسة التهجير القسري لخلخلة الصعيد من الكثافة القبطية، بالإضافة إلى تطفيش مئات الألوف للهجرة للغرب حيث الحريات والفرص المتكافئة "..

4000 أيها الكذاب..

4000!!

والأمر الطبيعي بعد الكذبة الفاجرة أن يتدخل العالم لإنقاذ الأقباط من المذابح، لذلك فإن هذا الخائن طالب بالتدخل الأجنبي في شئون مصر، بدعوى حماية الأقباط!!.. فكتب يقول: "إن المطالبة بممارسة ضغوط دولية على الدول من أجل المحافظة على حقوق مواطنيها واحترام المواثيق الدولية هو أمر مشروع تماما، داخليا وخارجيا.. ولا عجب في هذا، فنحن نعيش في عصر الدولة ناقصة السيادة، وهذا أحد أهم أوجه ظاهرة الكونية"

فهل رأى الناس كذبا أكثر وقاحة وفجرا.. كذب الماضي وكذب الحاضر..  كذب  يبارزون فيه الشيطان فيبزونه .. كذب يستمر فيتحدث الفاجر عن واقعة لم تحدث أبدا ولا في خيال الشيطان ذاته حيث يقول الجاسوس العميل:  "بكي البابا شنودة على العنف الموجه ضد الأقباط والذي كان هو شاهد عيان عليه منذ حادثة السويس في 4 يناير 1952، والذي قامت به جماعة الأخوان المسلمين حيث تم حرق عدد من الأقباط بشكل بربري والطواف بهم في الشوارع وإلقائهم في إحدى كنائس السويس وإشعال النار فيها"..

هل سمع أحدكم بمثل هذا الكذب الفاجر..

بل هل تتخيلون يا قراء أن تصل الخسة والانحطاط إلى هذا الحد؟!..

المسلمون هم الذين يقتلون ويحرقون.. لكننا لا نقول المسيحية ولا حتى الصليبية بل نقول الأمريكيين أو البريطانيين أو الروس أو الهنود أو الصرب أو التايلانديين ..

لا نتهم المسيحية – رغم ما يفعله بنا أتباعها- سموا ونبلا وترفعا عن الألم و إدراكا أن وازرة لا تزر وزر أخرى..

لا نتهمها رغم أن كل بلايانا من أتباعها.. وكل كوارثنا من أبنائها .. وليسوا أتباعها ولا أبناءها  بل أتباع الشيطان وعبيده.

لا نتهمها رغم اعترافات اللورد كرومر بخيانات بعضهم كما خان البعض الآخر إبان الحملة الفرنسية.. إذ يكشف اللورد كرومر في مؤلفه (مصر الحديثة) الروح المتعصبة لبعض الأقباط المتطرفين (مجلد 2 فصل 36 الطبعة الإنجليزية) بقوله:

" إن مباديء الحيدة الدقيقة التي طبقها البريطاني كانت غريبة عن طبيعة القبطي وعندما بدأ الاحتلال البريطاني أخذت تساور عقله آمال معينة فكان القبطي يقول لنفسه: إنني مسيحي والإنجليز مسيحيون فلو كان الأمر بيدي لكنت تعصبت للمسيحيين على حساب المسلمين... وكان يقول لنفسه ولما كان للإنجليز السلطة فإنه من المؤكد أنهم سوف يحابون المسيحيين على حساب المسلمين.. هذا هو الخطأ المحزن الذي يلام هؤلاء الأقباط عليه ولما اكتشف القبطي أن هذا الأسلوب في التفكير عقيم وأن سلوك الإنجليزي مرجعه مبادئ لم يضعها القبطي في اعتباره ويعجز عن فهمها تملكه إحساس بالفشل عمق ضغينته.. لقد كان يرى أن تطبيق العدالة بالنسبة للمسلمين يعنى الظلم له وكان يعتقد ولو بطريقة غير شعورية بأن الظلم وعدم محاباة الأقباط ألفاظ مترادفة".

نعم فكر خسيس.. نعم .. لكننا لم نحمله على الأقباط جميعا بل حملناه على من قاله..

***

هناك حكاية فرعية أريد أن يكون القارئ على علم بها كي يعيش معي الأحداث كما حدثت، ففي منتصف رمضان فوجئت بمكالمة هاتفية ذكرتني بالمسرحية الشهيرة: "القصة المزدوجة للدكتور بالمي" تأليف الكاتب الأسباني الكاتب "أنطونيو بويرو باييخو"(1916-2000م) ، ترجمة الأستاذ الدكتور الحداثي  صلاح فضل ( ينطق اسمه  زملاؤه وتلاميذه بطريقة أخرى: إذ يقولون: بل كان صلاحـــاً فـضــلّ!..)   وقد مثلت المسرحية على المسرح في الثمانينيات، ثم عارضها الكاتب المسرحي السوري سعد الله ونوس في مسرحية  (الاغتصاب)  حاول في إعداده لهذه المسرحية مقاربة الهم الفلسطيني، على خلفية نفس الأحداث.

لحظة التنوير في المسرحية تبدأ بكتاب، تحمله زوجة معتقل مات من التعذيب، إلى زوجة الضابط الجلاد الذي قتله، ولم يكن لدي المسكينة أي فكرة عن طبيعة عمل زوجها، الجلاد، الحيوان الوحش المسعور ( وليأخذها مني ضباط الأمن في كل أرجاء عالمنا العربي والإسلامي: كل من يمارس التعذيب جلاد، حيوان وحش مسعور، أما من يمارسها لصد الناس عن دين الله وهو يعلم، فليس في كفره شك، ولتعلم زوجته و أبناؤه و أهله أن حكمه حكم الكافر).. أقول أن لحظة التنوير تبدأ بهذا الكتاب، والأرملة المعذبة تتحدث إلى زوجة الجلاد بألم لا يوصف  وبازدراء، لأنها زوجة جلاد لم تحاول أن تعرف عن طبيعة عمله شيئا. وتدور أحداث المسرحية بعد ذلك لتنتهي بالجلاد قتيلا.

في تلك الليلة الرمضانية هاتفني شخص ما:

هناك قرص مدمج ( CD) أريد أن أوصله إليك..

حاولت أن أؤجل مجيئه حتى ينتهي رمضان، كان سيقطع أكثر من مائتي كيلومتر، وكان سيضيع علىّ برنامجي في تلك الليلة، حاولت، لكنني فهمت منه أن الأمر يثقل ضميره، و أنه يريد أن يلقي الحمل علىّ بعد أن فعل ما بوسعه.

كان حييا مهذبا.. تكتسي ملامحه بتلك النظرة النبيلة الحزينة التي يتسم بها من يحملون هم نصرة لا إله إلا الله محمد رسول الله،  أعطاني القرص المدمج وسألني إن كنت قد سمعت شيئا عن قصة المسرحية التي مثلت في كنيسة مار جرجس في الإسكندرية، وعن المظاهرات التي تمت في الأسبوع الأول من رمضان بسببها، كانت معلوماتي محدودة، وكنت حريصا على ألا أحكم قبل أن أرى، بدا لي الشاب الجميل كما لو كان جنديا، ظل يجري ويسابق الزمن مائتي كيلومتر، كي يبلغني، أنا الجندي الأقدم منه، بالكارثة الجديدة التي حلت، وبدالي، أنه في اللحظة التي أبلغني فيها، قد أبرأ ذمته أمام الله، وارتاح ضميره، بعد أن نقل إلىّ همه وغمه وعذابه، وبدا كما لو أنه  قد تخلص من حمل ثقيل أبهظ ظهره، لينقض ظهري أنا، وتحدثت ملامحه: "لا أطلب منك شيئا.. أتركك لضميرك"..

هالني ما سمعت.. هاهي ذي قصة الوليمة تتكرر مرة أخري.. قصة الفسوق والمجون والكفر.. قصة الإجرام والإسفاف والاعتداء على قدس أقداسنا وكرامة رسولنا صلى الله عليه وسلم.. هاهو جيش الشيطان يتجمع من جديد.. وهاهي ذي الشراذم الساقطة الباقية من جسد سلطة تعفنت وتحللت ولم يعد لها من الأمر إلا أن تقايض بكل شيء كي تستمر عاما آخر..

ترددت في جنبات نفسي أصدا ندائي يومذاك : " من يبايعني على الموت" .. أنت تعلم يا علام الغيوب أنني كنت أعنيها وكنت قد أعددت نفسي لها.. و أنني أتشبث بها.. دثارا يغطي نار القلق المستعرة داخلي خوفا من الحساب.. من النار.. وقبل الحساب وقبل النار خوفا من خزي الوقوف أمامه وأنا من أمة مهزومة، وما كان لها أن تُهزم، فليس أمامها من سبيل إلا الشهادة أو النصر..

نكأ الشاب النبيل الجرح.. طلبت منه أن يشرح لي الأمر..

وها أنذا أنقلها بنفس حروفه تقريبا كما سمعتها منه يومها ثم كما استزدت منه بعد ذلك هاتفيا أو بالشبكة العنكبوتية. لقد فكرت أن ألحق كل جزء مما قاله الشاب أو كتبه بما يوافقه ويواكبه في مقالي.. فألحق حديثه عن المفتي بما كتبته أنا عنه، وتعليقه على البابا بتعليقي عليه لكنني فضلت أن أترك حديثه كما قاله.. يحمل مشاعره كما أحسها وبألفاظه كما قالها، شهادة أمام الله والأجيال القادمة يعرفون منها كيف حدث ما حدث.. يعرفونه يقطر صدقا لا كذبا.. شرفا لا خسة.. أمانة لا عمالة.. ولكي تكتمل شهادتي فإنني لم أجر إلا بعض تصويبات نحوية و إملائية وقليلا جدا من التصويبات الأسلوبية( جملتين أو ثلاث) .. كما أنني لاحظت ربما مرة أو مرتين أنه ذكر اسم البابا دون لقبه، فأضفت اللقب.. ثم أنني قدمت الفقرة الثانية وجعلت الأولي – وهي التي تتحدث عن المفتي- جعلتها الأخيرة.. وهذه شهادة منى أمام الله قبل أن تكون أمام الناس. و أرجو أن يلاحظ القارئ أنني ميزت كلام الشاب بأمرين: أن الخط مائل و أن الخلفية خضراء، ولكي لا يلتبس الأمر على القراء في المنتديات العديدة التي تعرض مقالي كنص دون تنسيق فإن كلام الشاب يبدأ من الفقرة التالية إلى فقرة تقول: ويجول في خاطري سؤال :  إذا كان المفتى لم يفعل هذا أو ذاك فلماذا لم يصمت مثلما عهدناه دائماً في قضايا المسلمين الكبرى والهامة ؟؟؟.  كما يجب أن أضيف هنا، أن شهادة الشاب تتفق تماما مع المكالمات الهاتفية العديدة التي جاءتني من الإسكندرية مسلمة ومحيية بمناسبة العيد.. نعم.. تتفق تماما.. والآن إلى الشاب النبيل..

منذ أكثر من ثمانية شهور والجمر يشتعل تحت الرماد، وذهب بعض الشباب إلى جهاز مباحث أمن الدولة في الإسكندرية و أبلغوه بالأمر و أعطوهم نسخة من الرص المدمج بالمسرحية.

بعجرفة وصلف رد المسئول بأنهم سينظرون في الأمر، ثم لا شئ..

ظلت النار تشتعل، وقلوب الشباب الغض  تحترق وكل آن و آخر يستغيثون بمسئول  هنا أو هناك بلا جدوى..

ثم بدأت القضية تطفو على السطح بتحقيق  نشرته جريدة الميدان الأسبوعية بتاريخ (6/10)  عرضت فيه نصوصا من المسرحية وتحدثت عن توزيعها على نطاق واسع في الجامعات ، وتابعتها جريدة الأسبوع في الأسبوع التالي بتحقيق للصحفية زينب عبد اللاه نبهت فيه على خطورة المسرحية وما تحتويه من سب وتهكم على أقدس المقدسات الإسلامية، وعادت الميدان فنشرت تحقيقاً موسعاً عن المسرحية ومحتوياتها واستطلعت آراء عدد من المسلمين والمسيحيين  الكتاب والمفكرين، وذهبت أيضا إلى كنيسة مار جرجس بمحرم بيك لسماع رأيهم ولكن لم يسمح للصحفيين بالدخول واكتفي القساوسة بقولهم أن البابا أمرهم ألا يتحدثوا في المسرحية لأنه شخصياً بتابع الحدث، وذهبت الجريدة أيضاً إلى مقر البطريركية في العباسية فلم يتحدث لها أحد ورفضوا لقاء الصحفيين،  ومع هذا التفاعل وانتشار الخبر  وتكبر الكنيسة عن الحديث إلى المسلمين  وسكوت القيادات الأمنية والدينية والقانونية على هذه الجريمة , قامت أول مظاهرة للشباب المسلم أمام الكنيسة الآثمة في الإسكندرية , بعد صلاة التراويح يوم الجمعة (14/10) 

خرج الشباب تملئ حلوقهم المرارة القاسية، مرارة الشعور بالخديعة ونكران الجميل من الكنيسة التي ما عاشت الأمان  إلا في ظل الإسلام وأهله، وبينما تظهر لهم التسامح ظاهرياً فهي من أعماق قلبها تزرع الكراهية والحقد والكذب تجاه المسلمين في نفوس أتباعها، وفي الوقت الذي تظهر فيه احترامها للإسلام ظاهرياً فهي في أعماقها تجعل من أقدس مقدساته مادة للضحك والسخرة والتندر، خرج الشباب تملئ حلوقهم المرارة، مرارة الشعور بالغدر والخيانة من قيادات الدولة ومؤسساته , الذين يملئون الدنيا ضجيجاً ويشحنون الأمة كلها لوفاة ممثل أو مرض رئيس أو هزيمة رياضية، وعندما يُسب ربّ المسلمين ويستهزئ بكتابهم ويطعن نبيهم يصمت الجميع وكأن شيئاً لم يحدث،  لقد غدروا بالشباب المسلم عندما استنفدوه في مناسباتهم التافهة  وتركوه وهو جريح والكلاب تنهش في دينه وعقيدته بلا رأي ولا عون، خرج الشباب يملؤهم الغضب لله ورسوله تجاه الكنيسة ...ولكن 

لم يدفعهم الغضب إلى التحطيم والتخريب ، وإنما وقف الشباب يتظاهرون معبرين عن غضبهم  وقد أقاموا بأجسادهم سوراً حول الكنيسة حتى لا ينفلت الزمام من أيديهم ويثور العامة على الكنيسة ومن فيها، كانت تلك الوقفة النبيلة تحرص على ألا يصيب الكنيسة أو من فيها أذى، لم تكن تريد ذلك، كانت تريد فقط أن تلقي الضوء على الحدث وتعبر عن غضب الشباب تجاهه وتعلن مطالبها للجميع. وانصرف الشباب بعد وعود من الأجهزة الأمنية والإدارية في الإسكندرية  بالتحقيق ومعاقبة الجاني والمسئول عن هذه الجريمة،  ولكن ثورة جمرة الغضب لم تهدأ في نفوس المسلمين في الإسكندرية فقامت في الأيام التالية عدة مظاهرات خرج فيها أهالي الإسكندرية رجالا ونساء ليعبروا عن غضبهم ويعرضوا مطالبهم حتى أنه خرجت مظاهرة نسائية يوم السبت (15/10)  تعبر عن الغليان في صدور أبناء هذا الدين..

مرت الأيام والمظاهرات والكنيسة صامته صمت القبور وكلما خاطبت احد رجالها يقول لك البابا بنفسه يتولى هذا الموضوع , وفعلا بعد المظاهرة الأولي توجه البابا شنودة إلى الإسكندرية ونزل بها لعدة أيام, وانتظر المسلمون ما تتمخض عنه الاجتماعات بين قيادات الدولة ورجال الكنيسة.

وتمخض الجبل فولد بياناً  مستفزاً للمجلس الملي يتحدث عن مؤامرة تحاك ضد الأقباط وعن قلقه تجاه ذلك ويتهم الصحافة بإثارة الفتنة , أحدث البيان صدمة للمسلمين جميعاً بل ولبعض العقلاء من المسيحيين،  وانتظر الناس حركة رجال الدولة ولكن لم يتحرك أحد، بل على العكس، قامت الأجهزة الأمنية باستدعاء بعض الدعاة وهددتهم باعتقال كل من يحاول أن يثأر لدينه، وراحت الصحف العميلة تطرح القضية من زاوية أخري تماما وتتحدث عن الشباب الذين قادوا المظاهرات وعن خطرهم وعمالتهم وأغراضهم الدنيئة في إشعال الفتنة, وهنا بدأت تدوي على ساحة الحدث أصوات أجهزة الإعلام وهي تعلن أن هناك أيد خفية تحرك الحدث وتهدف إلى زرع الفتنة وتعلن تمسكها بالوحدة الوطنية وعلى اثر ذلك تحركت أجهزة امن الدولة للقبض على من شارك في المظاهرة الأولى.

وهنا اسقط في الشباب المسلم.

وبدا للجميع أن الدولة اختارت أن تداري ضعفها وعجزها أمام الكنيسة عن طريق التنكيل بالمسلمين وبدا للجميع أن الأمر قد مر بسلام لرجال الدولة والكنيسة أما المسلمين الغاضبين فأجهزة الإعلام والأمن كفيلة بإسكاتهم.

حتى كان يوم الجمعة( 21/10) والذي افتتحه الأمن بمنع الصلاة في مسجد أولاد الشيخ المجاور للكنيسة ظناً منه أن هذا يعجز المسلمين الغاضبين ويعيق حركتهم و ولكنه فوجئ أن أهالي الإسكندرية تواعدوا بالخروج من المساجد بعد الصلاة للاحتشاد أمام الكنيسة , ووقف الأمن أما م الجموع عاجزاً بالكلية , عاجزا عن تلبية مطالبهم العادلة والمشروعة وعاجز عن مواجهة غضبهم النبيل على دينهم فلجأ إلى القوة لتفريق المتظاهرين وارتفعت يده العاجزة عن القصاص من الظالم إلى البطش بالمظلوم وهنا كانت أحداث الإسكندرية الدامية التي استشهد فيها ثلاثة من المسلمين.

3-

المظاهرات كانت عفوية وليس لها علاقة بأي تنظيمات سياسية كالإخوان أو غير سياسية كالدعوة السلفية 

بل دعني أقول أن هذه التنظيمات كانت تنأى  بنفسها عن تحمل مسؤولية هذه المظاهرات!!

 غريبة هي التنظيرات التي سمعت عن من قام بالمظاهرات فالكل ممكن يصدق أن الإخوان فعلوها من اجل الانتخابات 

والبعض ممكن يصدق أنها من ترتيب الحكومة لتكريس قانون الطوارىء وانتهاك الحريات

والبعض أنها من ترتيب صهيوني لضرب عنصري الأمة 

الغريبة انه لا احد من العلمانيين ومن تابعهم ممكن يصدق أن هناك من المسلمين من غار على دينه ورسوله فتظاهر غريبة جدا ألا يكون هذا في خلدهم !!!!

4- البابا لا يبكى إلا يوم الأربعاء !!!

بكى البابا بعد أن مات من مات من متظاهري العزة في محرم بك من مات..

بكى البابا بعد أن أصيب من أصيب من المسلمين..

بكى البابا بعد أن اعتقل من اعتقل من المسلمين..

بكى البابا بعد كل هذا دمعتين دمعتين.. 

بكى لكي يتحول من جان إلى مجني عليه..

بكى والكاميرات تنقل له إلى العالم مدى محنة الأقباط وهم يتهجمون على دين الأغلبية والأغلبية الهوجاء تتظاهر يا للعجب!!!..

بكى دموع التماسيح وكان بكلمة يقولها أو يشرح فيها ما حدث من كنيسة تتبعه وقساوسة منتمين للكنيسة  كان ممكن أن يوقف تلك الفتنه..

لكن يعلم الله كم سعدت لعدم اعتذاره حتى ينضح للعامة والخاصة وجهه القبيح ولله الحمد من قبل ومن بعد.

5- نشرت صحيفة الأسبوع عدد 31اكتوبر 2005 تحت عنوان " مجمع البحوث الإسلامية يناقش أحداث الإسكندرية" :   سيطرت أحداث محرم بك بالإسكندرية على مناقشات الجلسة التي عقدها مجمع البحوث الإسلامية والتي عقدت الخميس الماضي حيث تم عرض تقرير من السي دي الخاص بالمسرحية التي تم عرضها بكنيسة مار جرجس وأثارت الأزمة أشار التقرير إلى أن المسرحية تحمل إساءات للدين الإسلامي حيث تضمنت قراءات محرفة لآيات من القران بجانب إساءات للرسول صلى الله عليه وسلم وطالب التقرير بضرورة التحري عن مصدر السي دي وتحديد المسئول عن ذلك .

ولنا تعليق هذه الحقيقة أدركها الشباب المسلم المتظاهر قبل أن يدركها المفتى ومجمع البحوث ولذلك تظاهروا فهل نحولهم إلى جناة أم إلى شرفاء لم يطأطئوا رؤوسهم كما طأطأها....

 (1) حوار عزت السعدني في الأهرام ,تحقيق السبت (29/10/20005)

 يقول الأستاذ عزت السعدني في مقدمة العمود الرابع ما نصه :"وذهبت إلى الدكتور على جمعة مفتي الديار المصرية أسأله لعلى أجد عنده ملاذاً...

قلت له : هل رأيت مسرحية كنت أعمى وأصبحت مبصرا"والتي عرضت في كنيسة محرم بيك وتتداول الآن على أقراص CD.

يقول فصلية المفتي : نعم شاهدتها 

أسأله :  وما رأيكم دام فضلكم ؟؟

يقول فضيلة المفتي : عمل سيئ يسيء  للإسلام والمسلمين .... ويجب محاكمة كل من قام به وشجعه وصوره ووزعه على الناس. 

أسأله: هل صدمك هذا السي دي.

فضيلة المفتي :لم اصدم ...لان الناس تسرق وتقتل وترتكب الجرائم ..وهي جريمة مثل كل الجرائم ولابد من معاقبة مرتكبيها . وجاءت في وقت تشمر فيه عصابة الإفك في نيويورك عن ساعديها لكي تهاجم مصر، والغريب أنهم من أبناء هذا الوطن ومن أقباطه الذين طردتهم الكنيسة لسوء تصرفاتهم وخبث نواياهم.

أسأله :هل هناك مخطط لإظهار هذه المسرحية الآن في وقت الانتخابات البرلمانية لصالح مرشح دون أخر؟.

فضيلة المفتي : ممكن برضه ولم لا.

قلت : وما العمل؟.

فضيلة المفتي: العمل عمل الله .. والقانون ... والغريب أن الذين ارتكبوا هذا الإثم نسوا تماماً قول المسيح   بن مريم عليه السلام :باركوا لاعنيكم"أهـ

هذا ما قاله المفتي بالنص في جريدة الأهرام ..ولكن ....

يظل ما قاله المفتي في برنامج البيت بيتك(21/10/2005) مع المذيع الكارثة تامر أمين من أنه لا توجد مسرحية أصلا والكنيسة ليس لها علاقة بالموضوع  ودعوته للغاضبين لربهم ودينهم أن يتمسكوا بالوحدة الوطنية.

يظل قوله هذا هو الأشهر والأقوى والأكثر شيوعاً بين الناس وهنا حق للعقلاء أن يتساءلوا:

- لماذا يتحدث المفتي بلسانين ويتكلم بلغتين ؟؟؟.

- هل لم يكن يعلم بأمر المسرحية ولما رآها تغير رأيه؟؟؟.

لكنه لم يقل لا اعلم بل قال لا توجد ولا داعي ولا.....

- هل يتحدث المفتي مثل الساسة في بلادنا حديثين: فحديث للخاصة وحديث للعامة؟؟

- هل تحرج المفتي عندما نفي وجود المسرحية بينما اعترفت بها الكنيسة ؟؟.

- هل وهل وهل ...

 تختلف الآراء والتحاليل لكلام المفتي ...

ولكن الشيء الوحيد المتيقن  أن المفتي سقط سقطة كبيرة وعظيمة لا ولن ينساها تاريخ الأمة..

وان المفتي ولى الأدبار في معركة من اشرف المعارك لتي يخوضها الإنسان في حياته .. معركة الدفاع عن الدين , الله والرسول والقران.

وأن المفتي خسر فرصة لا تعوض يصلح بها صورته المشوهة عند جماهير المسلمين ويبني له في قلوبهم مكانة عظيمة.

ويجول في خاطري سؤال :  إذا كان المفتى لم يفعل هذا أو ذاك فلماذا لم يصمت مثلما عهدناه دائماً في قضايا المسلمين الكبرى والهامة ؟؟؟

***

   نكأ الشاب النبيل الجرح.. بعد أن شرح لي الأمر..

   نكأ الشاب النبيل الجرح وهو يؤكد أن المظاهرات كانت عفوية وليس لها علاقة بأي تنظيمات سياسية كالإخوان أو غير سياسية كالدعوة السلفية..   نكأ الجرح.. فالحقيقة كما أعلمها علم المتصل لا المنفصل أن هذه التنظيمات كما قال كانت تنأى  بنفسها عن تحمل مسؤولية هذه المظاهرات!!

   نكأ الشاب النبيل الجرح و أوجع قلبي وهو يلاحظ أن الكل يضع كل الاحتمالات لهذه المظاهرات إلا الاحتمال الوحيد الصحيح..  فالكل يمكن يصدق أن الإخوان فعلوها من أجل الانتخابات والبعض يؤكد أنها من ترتيب الحكومة لتكريس قانون الطوارىء وانتهاك الحريات والبعض يقول أنها من ترتيب صهيوني لضرب عنصري الأمة .. أما الغريب فهو أنه لا أحد من هؤلاء وعلى رأسهم العلمانيين يمكن يصدق أن هناك من المسلمين من غار على دينه ورسوله فتظاهر..

   نكأ الشاب النبيل الجرح و أنا أحس بكلماته على الورق تصرخ: 

 غريبة جدا ألا يكون هذا في خلدهم !!!! 

غريب يا بنيّ.. وقد أوجعتني والله..

هل أحسستم بوجعي يا قراء..

وهل أوجعكم وجعي..

وهل أوجعكم ما أوجعني..

أوجعني أيضا وصف الشاب للشباب المسلم الذي وقف في المظاهرة الأولى، ورغم غضبهم فقد أقاموا بأجسادهم سوراً حول الكنيسة حتى لا ينفلت الزمام من أيديهم ويثور العامة عليها..

أوجعني عندما تذكرت ما يفعله العمانيون الأشرار من تشويه للشباب المسلم، وهم بهذا يقومون بأكبر خدمة للموساد والسي آي إيه.. إنهم صحفيو المارينز.. وهم الطابور الخامس الذي يفت في عضد الأمة ومهمته كسر قلب الأمة المتمثل في هذا الشباب الذي لا يوجد غيره ليدافع عن الدين والهوية والأمة والوطن عندما تقتحم الدبابات الأمريكية والإسرائيلية باقي عواصمنا.

  ***

عندما اندلعت أعمال العنف في المظاهرة الأخيرة في الإسكندرية كنت حريصا على معرفة من الذي مارسه، كنت أدرك أن الضوابط الشرعية التقليدية وعجز الفقهاء عن التجديد تكبل الشباب المسلم و أنه يصعب أن يمارس العنف ضد كنيسة حتى لو اعتدت هذه الكنيسة، هذا الشباب النقي الطاهر الذي يعبد الله كأنما كل يوم آخر يوم في حياته لا يقدم على فعل إلا بفتوى خاصة بعد الصحوة الإسلامية وتجارب ممارسات العنف غير الكافي والتي جاءت بمردود عكسي، تصوري النظري إذن كان يؤكد لي أن العنف مارسه آخرون، وهو ما أكده لي عالم من علماء الإسكندرية والذي كان شاهد عيان.. فلقد صدق حدس الشباب المسلم.. استطاعوا هم ضبط أنفسهم.. لكن العامة لم يستطيعوا.. قال لي الرجل أنه سمع العشرات يؤكدون أنهم لا يصلون.. ولكن عندما يسب النصارى الرسول صلى الله عليه وسلم أو يهينوا القرآن فإنهم سوف : " يجيبوا عاليها واطيها".. و أكد لي الرجل أن هذا لم يحدث إلا بعد تلكؤ الأمن وطناش أهل السياسة والحكم.

  ***

الأمن الباطش الجبار صمت..

واللواء الوغد الخسيس الذي أمر بهدم مدرسة الجزيرة الإسلامية صمت..

أعوان الشيطان وكلاب النار الذين نكلوا بالشباب المسلم أيام الوليمة أيما تنكيل كانوا أمام النصارى كالجرذان و أمام المسلمين كالضباع الضارية التي لا تقتات إلا لحم البشر.

أعوان الشيطان وكلاب النار من كتاب وصحافيين وسياسيين ومفكرين فعلوا نفس ما فعلوه أيام الوليمة..

نفس الحجج النجسة التي تنطلق من أرواح نجسة وصف القديس أوغسطينوس مثلها بقوله:  إنهم يرغبون في تدمير الحق الذي لا يمكن تدميره. أمّا الخنازير فتختلف عن الكلاب فهي لا تهاجم لتمزّق بأسنانها، لكنها تدنّس الشيء إذ تدوسه بأقدامها في طياشة... إذن لنفهم أن "الكلاب" تُشير إلى مقاومي الحق، "والخنازير" إلى محتقريه.

نعم..

كنا وما زلنا نواجه الكلاب والخنازير..

نفس الكلاب والخنازير..

  *** 

 إنني أذكر القراء فقط بما فعله اليهود عند عرض مسلسل يتعرض لبروتوكولات حكماء صهيون، البروتوكولات، وليس للتوراة أو سيدنا موسى،  كما أذكرهم بما فعلته مكتبة الإسكندرية من إلغاء عرض البروتوكولات في أجنحتها أصلا. كما أذكرهم أيضا بمظاهرات المسيحيين أثناء فضيحة الراهب المشلوح، وكان مشلوحا لم يعد ينتمي إلى الكنيسة، ولم يعد ما يهينه ينسحب عليها، وكان من فضح الأمر ونشره  صحافي علماني لا يمثل الإسلام ولا المسلمين، ومع ذلك هاجت الدنيا وماجت، واعتذر كل مسلم عن عمل لم يكن مسئولا عنه بداية ونهاية، وبالرغم من ذلك تظاهر شباب الأقباط وخربوا , وأصابوا رجال الأمن ولم يكد يصب منهم أحد. وبعدها ادعوا بالكذب الخسيس المنكر أن رجال الأمن هم الذين اعتدوا عليهم، رغم أنهم يعلمون أنهم لو قتلوا رجال الشرطة الموجودين جميعا لما امتدت يد إليهم بسوء، حيث تكرس جبن من عبد الطاغوت ونسي الله فأنساه نفسه. ولو حدث الأمر مع مسلمين لما اكتفت الشرطة بإبادتهم عن بكرة أبيهم، بل كانوا سيشنون حملات عسكرية بالمصفحات والطائرات والصواريخ على بيوتهم ومدنهم وقراهم ليدمروها تدميرا.

 أذكر القراء كذلك بمظاهرات الأقباط أثناء العمل السينمائي " بحب السيما "رغم أن معظم طاقم العمل كان مسيحيا..وبرغم أنها كانت إيحاءات فنية ( إبداع كما يقول خنازير التنوير).. وليس التعرض لمقدسات وكتب. كان تمثيلا وممثلين وممثلات في قصة خيالية وليس قساوسة يتحدثون عن القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم.

  *** 

ذلك الفاجر الذي ترحب به أجهزة الإعلام لأنه كلب أمريكي وخنزير من خنازير المهجر، ترحب به و كأنه بشر سوي لا كمجرم ينبغي محاكمته يروج زورا حكاية حرق الأقباط في السويس. وهو نفس المنهج الخسيس المجرم الذي اكتشفت أنهم جميعا يتبعونه في أبسط القضايا و أعقدها.. يمارسونه في قضية وفاء قسطنطين، وفي قضية أسلحة الدمار الشامل، بنفس الطريقة التي يمارسونه بها في محاولة اصطياد سوريا.

لم يحرق المسلمون أحدا..

كانوا هم الذين حُرِقوا لا حَرَقوا.. 

وبالرغم من ذلك لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين.. 

لم نتهم المسيحية ولم نقل أنهم قاموا بحرق (100) شاب مسلم بالبنزين، بل قلنا فعلت الشرطة في تايلاند ذلك، بل وصرح رئيس البوليس في المنطقة بأن حياة المسلم لا تساوي (26) سنتاً فقط (ثمن الرصاصة).

لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين بتسليط الكلاب المدربة على التهام للأعضاء الذكرية لـ 300معتقل في سجن أبو غريب بعد فتح أرجلهم عنوة عبر قيود حديدية في أيديهم وأرجلهم مثبتة في الحائط ووفاتهم على الفور..

لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين بالمسئولية عن مصرع مصرع 60 طفلاً في سجن أبي غريب بعد تقطيع أطرافهم أمام أمهاتهم، ومن ربط الأعضاء الذكرية والألسنة أحيانا للعديد من أبناء العراق الصامد بالأسلاك الكهربائية..

لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين بإجبار المعتقلين على اللواط والإتيان بحركات جنسية مهينة وهم عراة ليتم تصويرهم على أنهم همج، ومن دهسهم أحياناً بالأحذية العسكرية على الرأس والرقبة والأماكن المجروحة، ومن تقييد بعضهم وربطهم بالأسرة وهم عراة وحرمانهم من الطعام الشراب لساعات طويلة، ومن تعليق البعض منهم لعدة ساعات لإجبارهم على الإدلاء باعترافات كاذبة، ومن تبول على أجساد بعضهم العارية وجراحاتهم، ومن وضع حبال حول رقاب بعضهم وجرهم بها كالكلاب، ومن حلق رؤوس عراقيات وضربهن وإجبارهم على المبيت في الماء وعلى عدم النوم والوقوف لمدد طويلة أحياناً ووفاة العديد منهن بعد اغتصابها أو اغتصابه..

لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين بذلك أو بغير ذلك مما تواترت أخباره ويعف اللسان عن ذكره وكان ضمن 100 ألف حالة تعذيب أكدتها المنظمة العربية لحقوق الإنسان وأظهرتها عدسات الكاميرات وتناقلتها جميع وكالات الأنباء ووقف عليه العالم كله..

لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين بما أوقعته إدارة بوش ( لم نقل إدارة المسيحيين أو الصليبيين رغم أنه هو قالها )  على العراقيين في سجون الموصل وأم قصر وبوكا وغيرها، وعلى مجاهدي طالبان في سجون أفغانستان  وفي (جوانتانامو) بـ (كوبا)  ..

 لم نتهم المسيحية ولا اليهود بما نشرته صحيفة (ديلي ستار) الملحقة بـ (الهيرالد تريبيون) فقد أمدت إسرائيل الأمريكيين بآليات ونظم تعذيب لانتزاع الاعترافات من أسرى ومعتقلي السجون العراقية حتى بات العسكريون الأمريكيون يستمعون بعناية فائقة إلى خبراء إسرائيليين للتزود بخبراتهم في التعامل مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية.. وعملاً بمبدأ أن الفعالية في انتزاع الاعترافات ينبغي أن تكون لها الأسبقية على احترام مقتضيات الديمقراطية وحقوق الإنسان فقد أقيمت تدريبات مشتركة أمريكية إسرائيلية في صحراء النقب.

لم نتهم المسيحية ولا اليهود بما حدث عندما ثار الجزائريون أثناء الحرب العالمية الثانية مطالبين بحريتهم، فما كان من البوليس الفرنسي إلا أن قصف المتظاهرين بمدافع الميدان التي تستخدم في تحطيم الحصون، كان القصف وحشيا، وكان ذلك في الثامن من مايو سنة 1945، فأعلنت الأحكام العرفية على أثر ذلك، وأقبل الطراد ديجواى – تراون" ليواصل المذبحة فأمطر مدينة خزاطة" وابلاً من قنابله الثقيلة، وقامت قوات الجيش بالحملات التأديبية، وشنق الوطنيون من غير محاكمة، كان عدد القتلى من العرب كما قيل أولاً بصفة رسمية إنه 1500، غير أن الجيش أعلن أنه يتراوح بين 6000 و 8000.  ثم جاءت إحصاءات أخرى تقول إن العدد الصحيح هو: عشرون ألفا، وبعد إعادة النظر في حقائق الأمور تبين أن العدد الصحيح هو 000 40 قتيل، وقد أيده القنصل الأمريكي ببيانات من عنده. 

أربعون ألف قتيل يحصدون هكذا بين عشية وضحاها!!! 

أربعون ألفا......

ولم نتحدث عن وحشية المسيحية أو المسيحيين..

بعد المذبحة.. ذهب المبشرون كي ينصروا اليتامى من أبناء الشهداء.. تماماً كما حدث لأبناء وبنات مسلمي البوسنة والهرسك – وليقولوا لهم وهم يحشرونهم في إحدى الملاجىء المسيحية: الله محبة!!!" و على الأرض السلام!!!" و للناس المسرة!!!".

*** 

ولم يكن الأمر عابرا ولا جديدا.. 

كانوا دائما كذلك.. منذ مذبحة معرة النعمان وبيت المقدس مرورا عبر القرون حتى مذابح الفلوجة وبغداد وتلعفر..

ولم نتهم المسيحية بالهمجية والوحشية والتخلف..

في نهاية القرن التاسع عشر كانت القوات الأميركية تكتسح كل أرض ظهرت عليها حركة مقاومة في الفيليبين، وكما هو الأمر الآن في العالم، لم يعد يقاوم إلا المسلمون. كانوا منذ مائتي عام يحاربون الاستيلاء على بلادهم وتنصيرها حتى جاءت القوات الأمريكية ولم تترك هناك فلبينيا واحدا إلا قتلته. وكذلك لم يعد في هذا البلد رافضون للوجود الأميركي لأنه لم يتبق منهم أحد"!!! ويضيف صحفي رافق الحملة ما نصه: "إن الجنود الأميركيين قتلوا كل رجل وكل امرأة وكل طفل وكل سجين أو أسير وكل مشتبه فيه ابتداءً من سن العاشرة، واعتقادهم أن الفلبيني ليس أفضل كثيرا من كلبه وخصوصا أن الأوامر الصادرة إليهم من قائدهم الجنرال "فرانكلين" كانت :"لا أريد أسرى ولا أريد سجلات مكتوبة!!. 

كانوا مسيحيين جميعا ومع ذلك لم نتهم المسيحية ولم نقل عليهم بالحق ما ادعوه بالباطل علينا.

لم نقل ذلك.. رغم أن نفس هذا الإجرام موجود أيضاً بين فرق النصارى أنفسهم: فقد اشتركت الكنيسة الكاثوليكية في صربيا مع قساوستها ورجال الإكليرك والرهبان وكذلك أعضاء منظمات الشباب الكاثوليك في المذابح التي لاقاها الأرثوذكس من أهل الصرب في معسكرات الاعتقال التي كان يشرف عليها القساوسة الكاثوليك وأسفرت عن مقتل 700000 من الصرب الأرثوذكس و 90000 من اليهود والزيجويتر، على الرغم من علم البابا بما يحدث هناك تبعاً للتقرير المفصل الذي قدمه إليه (بوكون) في الثامن من أكتوبر لسنة 194. ( باختصار وتصرف عن: الغارة على العالم الإسلامي د/ ربيع بن محمد بن علي).

يقول أحد ضباط الأمم المتحدة الذين خدموا في البوسنة والهرسك: "إنه قضى شهوراً طويلة لا يستمع إلا لطلقات الرصاص والبنادق ولا يرى سوى قذائف الصرب التي كانت تتوالى تباعاً فوق أشباح الموتى وهي عطشى لمزيد من الجثث من الرجال والنساء والأطفال المسلمين في مذبحة (سربرنيتشا) المروعة".

ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..

 ولقد اعترف قائد القوات الصربية (فوشتيك) لمجلة (ديرشبيجل) الألمانية وقال بالحرف الواحد: "لقد قتلت وحدي مئات المسلمين، وقمت شخصياً بإطلاق الرصاص على الأسرى المسلمين للقضاء عليهم"، وعندما نبهته المجلة إلى المعاهدات الدولية التي تحرم قتل الأسرى قال: بأنه "لما لم يجد سيارات لنقلهم، وجد أن أرخص طريقة هو قتلهم بالجملة، مثلما أجهز رفاقه الصرب على 640 مسلماً كانوا يختبئون في مخبأ"، كما ذكر: "أن من لم يقتله كان يقوم أحياناً بخرق عينيه وتعذيبه، وانه كان يلجأ إلى تهشيم أيدي الأسرى ببطء حتى يعترفوا بما يريد"، وحين سؤل عن هدف الحرب التي تخوضها القوات الصربية في البوسنة صرح بقوله: "المسلمون في أوربا يجب أن يختفوا كأمة، وأن على المسلمين في البوسنة إعلان تحولهم عن الإسلام وأن يصبحوا صربيين أو كروات أما الخيار الثالث فهو الموت، وإن بيننا وبين المسلمين الألبان في كوسوفو ثأر وسنقوم بطردهم ومن يرد البقاء سنقتله، لا نريد مسلمين بيننا أو حتى في أوربا كلها"، كما يؤكد حقيقة العداء بين الغرب والإسلام ما صرح به جزار الصرب الأرثوذكس الأصوليين (سلوبودان ميلو سوفيتش)، وذلك حين سئل عما يفعله في مسلمي البوسنة فقال: "إنني أطهر أوربا من أتباع محمد".

حدث هذا كله ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..

***

نعم..

حدث هذا كله ولم نقل أن المسيحيين إرهابيون.. حتى عندما تفجرت الحقائق بالفضائح وثبت – على سبيل المثال- أن طائرات حلف الناتو التي كانت تحلق فوق سماء البوسنة لم تكن تضرب المعتدي، بل تضرب مواقع خلفية لا توقف الزحف الصربي على الجيب الذي وعدت الأمم المتحدة بحمايته.

وما (سربرنيتشا) التي نحكي أحد فصولها، وما (بيهاتش) التي نقصُ بعض ما حدث فيها، إلا اثنتان من عشرات المدن البوسنوية التي تم فيها طبقاً لبعض الإحصائيات قتل وتعذيب وحرق ما يزيد عن300 ألف مسلم أغلبهم من النساء والأطفال، منهم 70 ألف قضوا نحبهم في مجازر جماعية و50 ألف معاق وما يزيد عن 120 ألف مفقود، كما تم تدمير أكثر من 800 مسجداً من أصل 1500 مسجد، وطرد جماعي قسري لما يزيد عن مليوني مواطن- هم تقريباً جملة من بقي حياً من سكان هذه الدولة المسلمة- بلا مأوى ولا طعام ولا خيام، واغتصاب ما يزيد عن 75 ألف جندي داخل ما يقرب من عشرين معسكراً لأكثر من 700 ألف طفلة وسيدة، زرعت أرحام المئات منهن بأجنة ذئاب وكلاب بشرية تنتسب إلى تلك الحضارة الزائفة الفاجرة التي لا تعرف الرحمة ولا تمت للإنسانية ولا للقيم والمبادئ النبيلة بأدنى صلة، والغريب في الأمر أن عمليات الاغتصاب غالباً ما كانت تتم علانية وعلى مرأى ومسمع من الجميع بل وأمام الآباء والأزواج في كثير من الأحياء، وكان جزاء من يتحرك لإنقاذ أي منهن وابلاً من الرصاص يخترق رأسه ويسقط بعدها صريعاً مضرجاً في دمه، ووسط هذا الجحيم تروي بعض التقارير الرسمية الأوربية مأساة أكثر من 60 أسرة تعرضت لاعتداءات تفوق الخيال وكلها من قبيل ما ذكرنا. ( باختصار وتصرف عن: الغارة على العالم الإسلامي د/ ربيع بن محمد بن علي).

ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..

وإزاء هذه الأعمال البربرية والأوضاع الهمجية أجمع المراقبون الدوليون من كل جنس أن الذي جري في هذه الآونة شيء يصعب إيجاد وصف مناسب له، وربما لو اطلعوا على ما فعله الأمريكان وتحالفه البغيض بقيادة مجرميّ الحرب (بوش) و(بلير) فيما بعد في مسلمي الفلوجة وأبو غريب وجوانتانامو فيما أسمياه بالحرب الصليبية الثالثة لتغير رأيهم، لكن نستأنس على أي حال لبيان ما جرى في البوسنة بتقرير (شفارتز) عضو الحزب الديمقراطي المسيحي وعضو البرلمان الألماني الذي ورد في إحدى نشرات منظمة البر الدولية بتاريخ 16/ 7/ 1413 تحت عنوان (رأيت بعيني) وفيه يقول: "رأيت طفلاً لا يتجاوز عمره الثلاثة أشهر مقطوع الأذنين مجدوع الأنف، رأيت صور الحبالى وقد بقرت بطونهن ومُثل بأجنتهن، رأيت صور الشيوخ والرجال وقد ذبحوا من الوريد إلى الوريد، رأيت الكثيرات ممن هتكت أعراضهن ومنهم من تحمل العار ولم يبق لولادته سوى أسابيع، رأيت صوراً لم أرها على أية شاشات تليفزيونية غربية أو شرقية، وأتحدى إن كانت عند هؤلاء الجرأة والشجاعة لبثها"، وما أشبه الليلة بالبارحة فما يعاود الغرب فعله ومعه الشيطان الأكبر في مسلمي أفغانستان والعراق وجوانتانامو لا يقل بشاعة عما فعله الصرب. 

ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..

والذي لا شك فيه، أن ما رآه (شفارتز) وسبق أن تعجب له (كاميرون) لا يساوي شيئاً بالنسبة لما حجب عنها، فهما معذوران في عدم دقة ما وصفاه لأنهما لم يريا وحوش الصرب يقطعون- حين قتلهم المسلم البوسنوي- إصبعين فقط من أصابع يده ويتركون الثلاثة الباقية علامة التثليث .. ولا وهم يدهمون القرى فيبدؤون أول ما يبدؤون بتدمير ودك المساجد بالمدافع والدبابات وأحياناً عن طريق القذائف والمتفجرات التي يضعونها بداخلها، كما كانوا يبالغون في تعذيب حفظة القرآن وأئمة تلك المساجد ويذبحونهم في أغلب الأحيان على مرأى ومسمع ويمثلون بجثثهم .. ولا وهم يأخذون أطفال البوسنة إلى كندا وأمريكا والغرب ليتم تنصيرهم داخل الأديرة ولا يسمح بزيارتهم إلا للقساوسة .. ولا وهم يقومون بنحر المجموعات التي كانت تحاول الهرب بعد الإمساك بهم .. ولا وهم يلقون بمئات الجثث في الأنهار وأحياناً يتركونها في الشوارع والطرقات فما يكون مصير من يحاول أخذها ليدفنها إلا نفس المصير.. ولا هم يقومون بإجبار امرأة مسلمة على شرب دم ابنها الصغير بعد قتله أمامها.. ولا وهم يضعون الأطفال المسلمين في فرّامات اللحم وخلاطات الأسمنت ومطاحن الأعلاف.. ولا وهم يقومون بدفنهم أحياء وأحياناً بسحب دمائهم حتى الموت لنقلها - حسب ما جاء في جريدة (المسلمون) بتاريخ 24/ 7/ 92 – لجنود الصرب.. ولا وهم يطلبون من المسلمين من خلال دار الإذاعة الخروج من منازلهم وإلا تعرضوا للقتل فما يكون مصير من خرجوا ممن زاد عددهم عن الألف إلا القتل.. ولا وهم يسمحون لهم لبضع ساعات لشراء الخبز كيما يسدوا رمق أطفالهم الذين عضهم الجوع حتى إذا ما خرجوا لشرائه حصدتهم قذائف الهاون من فوق رؤوسهم.. ولا وهم يقومون بتجنيد الشباب المسلم واقتياده إلى الخطوط الأمامية بعد إلباسهم نفس لبسهم ليكونوا دروعاً بشرية في مرمى نيران الحرس الدفاعي المسلم.. ولا وهم يقومون في يوم واحد هو 17/6/ 1992 بقتل ألف مسلم ثم يتبعون ذلك بفقء أعينهم وبرسم الصلبان على جثثهم بالخناجر ثم بتقطيع آذانهم وأنوفهم ويتركونهم بعد ذلك نهباً للحيوانات تلغ في دمائهم.. ولا هم يقومون بحصد 20 ألف مسلم في 31/ 10/ 92 خارج (يابيتش) والاستمتاع بقتلهم بعد حصارهم- حسب إذاعة لندن الذي وصفت هذا العمل بأنه انتهاك خطير لحقوق الإنسان.. ولاهم يقومون بشوي طفل رضيع على النار أمام أبيه تماماً كما يشوى اللحم، ويأمرون الأب تحت تهديد الرصاص أن يأكل من لحم فلذة كبده ليطلقوا عليه الرصاص بعد ذلك. 

ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..

لم ير (شفارتز) ولا (كاميرون) من بقرت بطونهن من النساء المسلمات بعد أن خطت ورسمت على أجسادهن الصلبان.. ولا من قتلن منهن بعد عملية الاغتصاب ويقدر عددهن بأكثر من 30 ألف فتاة شوهد بعضهن عراة قد قطعت صدورهن ومثل بهن.. ولا من لقين مصرعهن بعد أن استؤصلت أرحامهن لا لشيء إلا لأنهن كن في الدورة الشهرية إبان فترة الغزو.. ولا الأسرى من الذكور وهم يجبرون على خلع ملابسهم الداخلية والكشف عن أعضاء الذكورة لديهم، فإذا وجدوا أنه مسلم مختون قطعوا أعضاءه التناسلية ثم قاموا بذبحه وإلقائه في الماء المغلي وشيه كالذبائح.. ولم يريا عمليات التعذيب والتمثيل والذبح الواسعة النطاق التي كانت تتم بالمدى والسكاكين حيث يتم تقييد الشباب الأعزل ولعلماء المسلمين هناك ثم يطرح أرضاً ويلقى بعد ذبحه- حسب شاهد عيان- في المستنقعات أو الأنهار أو في أكوام القمامة.. ولا مئات الألوف ممن نزحوا نساءً وأطفالاً وشيوخاً عن بلادهم وأخرجوا منها بغير حق إلا أن يقولوا (ربنا الله)، وأضحوا- وهم يتسولون لقمة العيش- بلا وطن ولا عائل ولا مأوى بعد أن سلبوا كل ذلك وشردوا أفراداً وجماعات في بقاع شتى هرباً من الجحيم، ولم يريا هذا الصربي الذي كان يجول بين عشرات القناصة مفتخراً بما فعله إخوانه في البوسنة ومعلناً أنه تواق لتكراره مرة أخرى في (كوسوفا).. وبدا واضحاً أن تلك هي حقيقة النظام الذي يدعي أنه عالمي وحيد، والحضارة التي تدعي أنها لا تفرق بين الناس على أساس الجنس أو اللون أو الدين، والقول باعتذار حكومة الصرب فيما بعد يكذبه واقع انخراطها الآن مع حكومات الغرب في إرسال جنودها وعدتها وعتادها لحرب المسلمين في العراق وأفغانستان. 

ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..

لقد انتشرت الفتوحات الإسلامية من الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً ومن جبال القوقاز شمالاً إلى أواسط أفريقيا جنوباً.. ولم يجرؤ مؤرخ مهما كان مغرضاً أو حاقداً على الإسلام وحضارته أن يتهم جيشاً عربياً أو إسلامياً بفعل شيء من ذلك أو بارتكابه جرائم حرب أو قيامه بإبادة جماعية ضد سكان بلدة أو جزيرة مهما كانت نائية أو صغيرة أو تافهة كما فعل الصرب في البوسنة، وكما يفعل اليهود في فلسطين، والأمريكان والبريطانيين في الفلوجة والبصرة والرمادي والنجف وبعقوبة والموصل وتلعفر وبغداد وغيرها، وكما يفعل كل أولئك ومن كان على شاكلتهم في مسلمي البلاد التي يستعمرونها شرقاً وغرباً غير مكتفين بالزج بأهل البلاد التي يحتلونها داخل سجون أوطانهم ولا بنهب نفطهم وخيراتهم بحجج واهية استنكرها المنصفون ممن هم على دينهم وقام أقرب الناس إليهم وأخلصهم لبني جلدتهم بتفنيدها، لكونها في جملتها ذرائع لا تنطلي على من عنده مسحة من عقل أو مثقال ذرة من ضمير، ولكونها في مجموعها حجج هي أوهى من نسج العنكبوت.. وعلى أولئك المبهورين بحضارة الغرب من أهل النفاق والطابور الخامس أن يراجعوا بأنفسهم التاريخ ويقرؤوا ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالنصارى عند فتحه بيت القدس وما فعله صلاح الدين بهم عند تحريرها، ليتأكدوا من صدق ما نقول وليميزوا بين الحضارة الحقيقية المتمثلة في عظمة الإسلام ورجال الإسلام.. وتلك الحضارات المعاصرة الزائفة التي بنيت على الهمجية والبربرية واستلاب أراضي الغير ونهب ثرواتهم دون وازع من ضمير ولا احترام لقيم.  .(الغارة على العالم الإسلامي)..

والغريب في الأمر أن تنبري بعض الأقلام لتبرئ ساحة الغرب من تهمة العداء للإسلام وترفض مصطلح (حرب الحضارات)، وكأن ما ذكرنا نتفاً منه وما يجري على الساحة العراقية والأفغانية يحدث على كوكب آخر، أو لكأننا معاشر أتباع محمد الذين نسعى للصدام.. ويتعامى أصحاب هذه المقولة وكأنهم في حالة سكر أو إغماء وتغابٍ عن آلاف الأطنان من القنابل الأشد فتكاً وعن ترسانة الغرب وآلته العسكرية التي ما فتأت ولا زالت تجوب بلاد المسلمين شرقاً وغرباً وهنا وهناك بعد أن جاءت بنفسها طائعة مختارة من كل حدب وصوب تدمر وتهلك وتخرب.. يقول اليهودي المتعصب (صموئيل هنتجتون) في أخطر فقرات كتابه (صراع الحضارات) في كشفه لحقيقة الأمر وفي رده على حسني الظن من المسلمين كي يصححوا معلوماتهم ويعدلوا من تفكيرهم الخاطئ: "إن الصراع على خطوط الصدع بين الحضارتين الغربية والإسلامية قد بدأ منذ أكثر من ألف وثلاثمائة عام، وعلى مدى القرون كان الاحتكاك المسلح بين الغرب والإسلام ولم يهدأ أبداً، ومن غير المتوقع أن يؤول ذلك التفاعل إلى الزوال بل يمكن أن يصبح أكثر ضراوة.. إن الإسلام- هكذا هو يقول- يمتلك حدوداً دموية"، والفقرة الأخيرة التي علل بها روح الصدام، هي بيت القصيد لأن (هنتجتون) يعلم قبل غيره أن أنهار الدم التي فجر ينابيعها وأوقد نارها يهود كل عصر ومصر، إنما جاءت بفعل الغرب وأن الروح الصهيونية والصليبية البعيدتان كل البعد عن دين موسى والمسيح، لم يخمد لهيب سعارها المتأجج في صدور هؤلاء وأولئك على امتداد التاريخ القديم والحديث، بل ولغاية تصريح بوش الأخير بشن الحملة الصليبية.. مروراً بالحملات والحروب الصليبية التي أطلقها البابا (أوربان الثاني) في نوفمبر سنة 1095 م، ودعا لها حكام الغرب وداهمت- كما هو الحال الآن ولكن أكثر الناس لا يعلمون- كل ما واجهها في بربرية متعطشة للتخريب والتقتيل حتى كانت الخيول تنزلق في برك الدماء المسلمة  وسقط فيما سقط كثير من نصارى القدس .. وبجحافل الفرس والرومان وجيوش (جنكيزخان) وولده (اغوتاي) التي اجتاحت العالم الإسلامي عام 1221، 1236، ومن بعدهما هولاكو الذي استطاع بالمغول عام1258أن يبيد جند الخليفة المستعصم عن آخرهم، واستباحوا كل شيء ببغداد وأجهزوا على ما يربو عن التسعين ألفاً من سكانها دون تفرقة حتى امتلأت الدروب بالجثث وداستها الخيول.. وبحملات (تيمورلنك) الذي زحف بقواته على بغداد في 1393 وأشاع في الأهالي القتل والتعذيب كعصر الأعضاء والمشي على النار والتعليق من الأرجل ودس خرق التراب الناعم بأنف المعذب، وأتم احتلال بلاد الشام ثم احتلالها بعد مذابح شملت الأطفال والنساء والشيوخ وبعد أن كلف كل واحد من أتباعه بأن يأتي برأسين حتى بلغ عدد القتلى تسعين ومائة ألف.. وبسقوط غرناطة سنة 1492م الذي راح ضحيته الآلاف وأجبر 400000 أربعمائة ألف على الدخول في المسيحية بعد أن نصبت لهم محاكم التفتيش وعقب تعرضهم لفظائع وأهوال تشيب لها الولدان.

يصرخ د/ ربيع: أين حقوق الإنسان من اتخاذ أطفال دروع بشرية يضعونها على فوهات الدبابات ومن قتل جرحي وطردهم أحيانا وتدمير مراكز طبية وأخذ كل ما تبقى من أجهزة طبية من داخل المستشفيات بعد الاعتداء على الأطباء لمنع معالجة الجرحى وقصداً لإفناء من لم يفن من رصاصات القناصة وقنابل الفوسفور وقذائف الطائرات ونيران الدبابات والمدرعات التي لا تبقي ولا تذر وتدمر البيوت على ما ومن فيها؟ أين حقوق الإنسان من هذه الانتهاكات التي نسمع عنها مما يجري في الهند وبورما وبلغاريا وكشمير والفلبين وغيرها ضد كل ما هو إسلامي؟ وفي أي نظام أو أية شريعة يُمنع المعتدى عليه من الدفاع عن نفسه ويحظر عليه السلاح بل ويطلب منه تسليم بنادقه المتهالكة التي بقيت مع بعض أفراده في حين يتمتع المعتدي بدباباته وطائراته وصواريخه وكامل عتاده يقتل ويهلك ويدمر؟ أين ذلك النظام الدولي الجديد الذي يدعي القوامة على العالم إلا أن يكون هذا النظام أقيم خصيصاً لمواجهة الإسلام والمسلمين؟. 

حدث هذا كله فلم نتهم المسيحيين ولا المسيحية بالتوحش والتخلف والإرهاب..

حدث فلم نعلن الحرب على العالم..حاولنا فقط أن ندافع عن أنفسنا.. وفشلنا.. لأن الغرب – المسيحي – كان قد جاء بمجموعة من القوادين والنخاسين وجعلهم ملوكا علينا..فأذلونا..

لم نتهم الجمع بل حددنا التهمة بمن يرتكبها فقط..

لأننا خير أمة أخرجت للناس لم ننسب الفعل للدين ولم نقتل لمجرد الاشتباه كما يفعل وحوش يدعون انتماءهم زورا إلى عبد الله المسيح عيسى ابن مريم.

أساءوا إلينا فرددنا على إساءاتهم بالإحسان..

*** 

كان لا بد أن أكتب هذا كله ردا على موجة الهجوم الوقحة التي لا تعرف الحياء والتي انطلقت ضد الإسلام والمسلمين بعد افتضاح ما حدث.. موجة حاولت قلب الأمر كله وكأن الأمر لم يتم بسبب مسرحية مجرمة سافلة بل بسبب غوغائية المسلمين المتخلفين..

من الفقرات السابقة أظننا نعرف من هو الوحشي ومن هو المتخلف..

*** 

ومع احتدام الأمر في الإسكندرية، ومع صلافة البابا وهو يرفض الاعتذار، وجدت صاحبي وقد بلغ به الانفعال كل مبلغ يهتف صارخا:

سوف يتغير الحال.. وسننهض من كبوتنا.. ويومها سنفعل بهم الأفاعيل..

وقلت له في وجوم:

ولا حتى هذه ستنالها.. فدينك يعصمهم منك مهما جاروا عليك.. نعم.. ديننا يمنعنا من الثأر والانتقام.. بل ويدعونا إلى الصفح والمغفرة..

صدقت يا رب..

صدقت يا حبيبي..

كنتم خير أمة أخرجت للناس.. لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين.. بل لن نحملهم مسئولية ما فعلوه بنا..

***

فلنترك حظيرة الخنازير تلك لنتجه إلى خنزير آخر.. في حظيرة خنازير أخرى.. حيث تتعدد الأماكن ويتوحد الهدف: تشويه الإسلام تمهيدا للقضاء عليه.. واتهام المسلمين بما ليس فيهم لنزع صفة البشرية عنهم حتى يستسيغ العالم إبادتهم دون إدانة..نواصل تقليب الصفحات في سفر جليل جميل " الغارة على العالم الإسلامي وصدام الحضارات"إعداد د/ ربيع بن محمد بن علي الأستاذ بالجامعة الإسلامية حيث يتعرض لترجمة  (روبرت) اللعين في لمعاني القرآن الكريم بطريقة أعطت صورة بشعة لهذه المعاني.. ومن ترهاته أنه أعطى معنىً غامضاً لخطاب (يا أهل الكتاب) وجعله يبدو في معظم الأحيان وكأنه موجه إلى المسلمين.. كما أضفى على كل الآيات المتعلقة بأحكام الزواج والطلاق معاني جنسية داعرة بحيث تبدو للقارئ الغربي لاسيما الرهبان مثيرة للاشمئزاز والنفور، ففي ترجمته مثلاً لقول الله تعالى: ) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ..((البقرة: من الآية230) ، يقول: "فلا تحل له حتى يطأها رجل غيره".. وجعل المعنى في قوله سبحانه: ) وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ((البقرة: من الآية220) ، (تمارسوا معهم اللواط).. وفي قوله: ) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ((البقرة: من الآية223) (فأتوهن في أدبارهن).. وفي قوله تعالى: ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ..(  (الأحزاب: من الآية50) هكذا: (نحن نجيز لك أزواجك اللائي أتيتهن مهورهن، وجميع إمائك اللائي أعطاكهن الله، وبنات عمك وبنات عماتك، وبنات خالك وبنات خالاتك اللائي اتبعنك، وكل امرأة مؤمنة إذا هي ترغب أن تقدّم جسدها أو نفسها للرسول، وإذا الرسول يرغب أن يضطجع معها فليفعل، وهذا خاص لك وليس للمؤمنين الآخرين).. وهكذا. 

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل قام معلق مجهول بالتعليق والتحشية على تلك الترجمة فزاد في التشويه إلى أقصى حد فمثلاً عندما لا يتفق القصص القرآني مع بعض قصص العهد القديم.. مثل وسوسة الشيطان لآدم وزوجه للأكل من الشجرة، بينا في العهد القديم: أن الحية هي التي أغرت آدم بالأكل من الشجرة.. يهاجم القرآن ويتهمه بالخرافة ويعلق عليه وعلى  القصة الرائعة لحمل مريم بعيسى عليه السلام كما جاءت في سورة مريم بقوله: (كذب وقح) .. كما علق على قوله تعالى من سورة الغاشية: ) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ $ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (  قائلاً: (لماذا أنت بعد هذا توجَّه أصحابك إلى أن يُحوِّلوا الناس إلى دينك بالسيف، إذا أنت تقول مثل هذه المبادئ التي لا تُجبر الناس على الطاعة، فلماذا تُجبر الناس على الطاعة ولماذا تُخضعهم بالقوة مثل الحيوانات والبهائم المتوحشة، وليس بواسطة الحجج والبراهين مثل البشر، في الحقيقة أنت نموذج للكذّاب، فأنت في كل مكان تُناقض نفسك).. فهل يقول عاقل بأن إلهاً يخاطب نبيه بهذه اللهجة وبهذا الخبل؟ وما الذي يجبر هذا الإله لأن يرسل هذا النبي من الأساس إذا كان هذا هو حاله؟ اللهم إن هذا بتهان عظيم.  (الغارة على العالم الإسلامي وصدام الحضارات إعداد د/ ربيع بن محمد بن علي الأستاذ بالجامعة الإسلامية.).

*** 

ما أريد أن أقوله، أن ما عرض في مغارة اللصوص، لم يكن مقطوع الصلة بما قبله ولا بما حوله، إننا نتكلم عن انحراف واسع المدى.

انحراف ممتد عبر التاريخ..  ذلك  أن هذه الحملة العدوانية الشرسة- المتمثلة في تصوير الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام  في صورة بالغة البشاعة ومغايرة تماماً للحقيقة وقائمة على التلفيق والأوهام وليّ الحقائق من طرف وسائل الإعلام في الغرب وقيام الحرب الصليبية المقنعة التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإسلام والمسلمين تحت مسمى (الحرب على الإرهاب وإزالة أسلحة الدمار الشامل)- هذه الحملة ليست جديدة ، بل هي عقيدة غربية موروثة تشكلت ونمت منذ القرن الأول وحتى نهاية القرن الثامن الهجري.. وانتقلت هذه العقيدة كاملة متماسكة عبر هذه القرون الثمانية لتصل إلى القرون الحديثة والمعاصرة، وأصبحت أشبه بالمستنقع الآسن العَفِن الذي تغرف منه وسائل الإعلام الغربية وبعض رجال الدين الإنجيليين في أميركا، وينشرونها عبر وسائلهم المختلفة على أنها حقائق. ينشرونها أيضا عبر عملائهم وجواسيسهم من أقباط مهجر وعلمانيين وشيوعيين. 

***

نعم.. الحملة لا تقتصر على المسرحية السافلة ولا على الكاهن الساقط الذي باركها.. 

الحملة سلسلة طويلة تمتد من يهوذا الإسخريوطي إلى كاهن الكنيسة الساقط..

الحملة تضم الآلاف والملايين..

الحملة تضم خنازير مثل "جيري فالويل" الذي لا يكف عن مهاجمة النبي صلى الله عليه وسلم، من خلال بعض وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى، ومما قاله فالويل مساء يوم الأحد 6 أكتوبر 2002م في برنامج 60 دقيقة: "أنا اعتقد أن محمداً كان إرهابياً، لقد قرأت ما يكفي من المسلمين وغير المسلمين أنه رجل عنف، ورجل حروب.. في اعتقادي المسيح وضع مثالاً للحب كما فعل موسى، وأنا اعتقد أن محمداً وضع مثالاً عكسياً". 

***

نعم.. الحملة لا تقتصر على المسرحية السافلة ولا على الكاهن الساقط الذي باركها.. إنها تضم خنزيرا اسمه “بات روبرتسون" ويقف خلف أقوى تحالف سياسي ديني في الحزب الجمهوري وهو التحالف النصراني،  وفي هجومه على النبي عليه الصلاة والسلام من خلال برنامج هانتي وكولمز في قناة فوكس الإخبارية قال ما يلي: "كل ما عليك هو أن تقرأ ما كتبه محمد في القرآن، إنه كان يدعو قومه إلى قتل المشركين.. إنه رجل متعصب إلى أقصى حد.. إنه كان لصاً وقاطع طريق.. (...).

***

تقول المسرحية السافلة مثل ذلك..

نعم.. الحملة لا تقتصر على المسرحية السافلة ولا على الكاهن الساقط الذي باركها.. إنها تضم واحدا آخر مثل فرانكلين جراهام الذي قام بعمل الطقوس الدينية لتنصيب الرئيس الأمريكي الحالي (جورج دبليوبوش) وقد أدلى (فرانكلين) بتصريحات إعلامية ذكر خلالها أن الإرهاب جزء من التيار العام للإسلام، وأن القرآن (يحض على العنف) وكرر جراهام خلال برنامج (هاينتي وكولمز) المذاع على قناة فوكس نيوز الأمريكية في الخامس من أغسطس 2002م رفضه الاعتذار عن تصريحات أدلى بها بعد حوادث سبتمبر 2001م وصف فيها الإسلام بأنه دين (شرير)..

نعم.. هو أيضا رفض الاعتذار.. فالكفر ملة واحدة..

نعم.. الحملة لا تقتصر على المسرحية السافلة ولا على الكاهن الساقط الذي باركها.. إنها تضم خنزيرا سافلا مثل جيري فاينز: وهو راعي كنيسة في (فلوريدا) افترى على الرسول عليه الصلاة والسلام واتهمه زوراً وبهتاناً بأنه "شاذ يميل للأطفال ويتملكه الشيطان، وتزوج من 12 زوجة آخرهن طفلة عمرها تسع سنوات ( أعتذر عن ذكر الباقي فهو بشع وكاذب.. ولم يطاوعني قلبي ولا قلمي على نشره بسبب شدة بذاءته في الهجوم  على حبيبي وسيدي ومولاي صلى الله عليه وسلم.

لقد تعمدت الإطناب لسببين، السبب الأول أن أؤكد أن عواء الذئاب ونباح الكلاب والخنازير على الإسلام لم يتوقف أبدا، و أن المسرحية السافلة التي مثلت في مغارة اللصوص لم يكن استثناء و أنه لم يؤثر في الإسلام أبدا والسبب الثاني أن أطرح على القراء منابع هذه الصورة الملفقة المشوهة والتي تمثل العقيدة الدينية الغربية الموروثة والتي تمثل المصدر الرئيسي للعلمانيين والقوميين والشيوعيين في بلادنا.. لأنه إذا عرف المنبع النجس بطل العجب.

لقد كان هدف تلك الخنازير من ذلك التشويه، تحصين النصارى من أهل الذمة الذين أدركوا عدالة الإسلام وسماحة المسلمين، والحيلولة بينهم وبين اعتناق الإسلام خاصة بعد دخول الكثيرين منهم في الإسلام .. فلم يجد وسيلة لتثبيت النصارى على دينهم سوى محاولة تشويه الإسلام بالباطل.

في هذا المستنقع النتن سوف نرى جذور العلمانيين العرب.

ولنطالع على سبيل المثال  الترجمة المشوهة لمعاني القرآن الكريم التي قام بها (روبرت أوف كيتون) لحساب بطرس المكرم سنة 537 هـ / 1143 م .. أو رسائل الكندي..في هذه أو تلك سنعثر على مرجعية أنصار أمريكا وإسرائيل أدعياء السلام والاستسلام.. ومهاجمة شعائر الإسلام، واعتبار الحج عملاً من أعمال الوثنية، ويرى أن الجهاد في سبيل الله إنما هو عمل الشيطان..!!

هل تشمون الآن نتن روائح فكر نوال السعداوي وصلاح عيسى وجابر عصفور و أدونيس ومجلة روز اليوسف؟!

هل ترون فاروق حسني و أزلامه؟

هل ترون النخبة؟؟

هل ترون عبد الرحمن الراشد والشرق الأوسط والحياة والأهرام والأخبار؟..

هل ترون رفعت السعيد وقد بارت كل تجارته، فكلما ازداد الخونة كسد سوقه وقل الطلب عليه؟..

هل ترون المسوخ التي جاءت بدلا من المسوخ التي ذهبت؟..

يواصل د/ ربيع بن محمد بن علي فضحه للعدوان الفكري الإعلامي على الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام من جانب رجال الدين الإنجيليين ووسائل الإعلام الغربية- الذي يُعبِّر عن عقيدة موروثة ويمثل الدوافع الحقيقية لحرب دينية مصطنعة- ليس إلا وسيلة تمهيدية ضمن وسائل كثيرة يشملها هذا العدوان السافر على الإسلام والمسلمين والذي يهدف ضمن ما يهدف- رغم كل الأقنعة الزائفة التي يستتر بها- إلى مسخ هوية الأمة الإسلامية وتحويلها عن دينها وتدمير عقيدتها، وتمزيقها إلى دويلات وطوائف متناحرة لا تدين بالولاء إلا لأمريكا وإسرائيل، ونهب ثرواتها ومقدراتها، وتحويلها إلى مجرد مجتمعات استهلاكية لمنتجاتهما وتحويل كل فرد مسلم إلى مجرد كائن بهيمي لا حافز له ولا هم إلا السعي اللاهث وراء لقمة العيش وإشباع غرائزه الفطرية. 

نعم..

مسخ لهوية أمتنا..

والقضاء على الإسلام..

وهذه المرجعيات والمراجع هي البركة العفنة التي تتربى فيها الخنازير..

فهل تشمون روائح النتن يا قراء؟..

 وبرغم كل ما كان وما هو كائن فإننا لا نتهم المسيحيين ولا حتى اليهود..

هل تذكرون كيف انقلبت الدنيا من أجل تماثيل بوذا..

هل تذكرون كيف روعوا وشوهوا طالبان.. وكيف اتهموهم بالهمجية والتخلف لأنهم لا يدركون قيمة تلك الأصنام.. ثم كيف اتهموا الإسلام كله بالهمجية والتخلف لأنه لم يدرك ولم يدرك أهله قيمة تلك الآثار.. هل تذكرون كم من واحد منا انخدع فانضم إليهم مهاجما طالبان المتوحشة التي تقتل التماثيل!!.. غفر الله لكثير ممن ندعو لهم بالهداية والمغفرة.. غفر الله لشيخنا العظيم القرضاوي ولكاتبنا الكبير فهمي هويدي..

خُدعوا بالحضارة فانخدعوا..

كان ابن عباس رضي الله عنه يقول من خدعنا بالله انخدعنا له.. 

أما القسم من نخبتنا التي نظنها على خير فقد انخدعت بغير الله!!..

هل تعرفون ما فعل رواد الحضارة بعد ذلك بآثار العراق؟..

لكننا – نحن خير أمة أخرجت للناس- لم نقل ماذا فعل الصليبيون بهذه الآثار.. بل قلنا فقط ما روته صحيفة (الأسبوع) بتاريخ 22/ 3/ 2004 - 17/ 5/ 2004- 14/ 11/ 2004 وعلى لسان مدير المتاحف، ومدير المحفوظات الوطنية (سعد إسكندر) - أن هناك ما يزيد على (51) ألف قطعة أثرية عراقية مفقودة، فضلاً عن سرقة ونهب أكثر من 60% من تاريخ العراق المكتوب، وهذه النسبة تمثل ملايين السجلات والوثائق الملكية منذ العهد العثماني.

لم نتهم – نحن الأمة الوسط- الصليبيين ولا اليهود رغم أن الجرائم الأمريكية والصهيونية على تراث الأمة وحضارتها لا تقف عند حد، فقد نشرت صحيفة (الجارديان) البريطانية بتاريخ 15/ 1/ 2005 مقالاً افتتاحياً عن التدمير المتعمد الذي تعرض له تراث الحضارة البابلية على يد قوات الغزو جاء فيه: "أن الدمار الذي سببه إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية على حطام مدينة بابل التاريخية أحدى أهم وأشهر المناطق الأثرية في العالم، يعتبر أحد أدنأ الأعمال البربرية الثقافية في الذاكرة الحديثة، حيث إنه عمل لا تبرره أي ضرورة عسكرية وكان من الممكن تجنبه تماماً إذ لم تكن هناك ضرورة لبناء المعسكر في المدينة حيث كانت توجد حدائق بابل المعلقة إحدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، وندرك- والكلام لا زال على لسان (د/ جون كورتيز) من المتحف البريطاني وكما جاء في تقريره-- أن السلطات الأمريكية كانت على علم تام بتحذيرات علماء الآثار بالأهمية الأثرية العالية لهذه المنطقة ورغم ذلك فقد تجاهلت القوات الأمريكية هذه التحذيرات تماماً"، وأعرب د/ كورتيز عن دهشته إزاء "الدمار الهائل الذي لحق بالموقع فيما بعد والذي لم يقتصر على هدم بعض الصروح الأثرية النادرة مثل بوابة الإله (عشتروت) إحدى أشهر الآثار في العالم، بل امتد إلى ما يقرب من ثلاثمائة ألف متر مربع من المنطقة الأثرية تم تسويتها بالأرض ودفنها في الردم المأخوذ من مناطق أخرى، لإنشاء مهبط لطائرات الهيلوكوبتر ومواقف لسيارات النقل الثقيل لم يكن يجب أبداً وضعها فوق هذا الكنز الأثري- ويضيف د/ كورتيز- أن هذا العمل البشع من وجهة النظر الأركيولوجية، يعني أن مواقع أثرية لم يسبق التنقيب فيها قد أصبحت مدمرة للأبد، مما يحرم البشرية من الحصول على معلومات أثرية مستقبلة منها ومن هذه المنطقة الحدائق المعلقة نفسها، وقد تضاعف الدمار نتيجة استجلاب رمال وردم من مناطق أخرى قد يكون بعضها مواقع أثرية بدورها". 

وقد نقلت الإذاعة عن مراسل من المتحف البريطاني أن الولايات المتحدة تسببت في خسائر فادحة في مدينة بابل العريقة التي فاقت في روعتها أية مدينة أخرى، وأضاف المراسل في تقريره أن طرقاً مرصوفة منذ ألفي عالم قد دمرت بالعربات العسكرية، وأن بقايا الآثار استخدمت لحشو أكياس الرمل عندما أقيمت قاعدة عسكرية هناك، وأن المركبات العسكرية الأمريكية سحقت تحت عجلاتها وجنازيرها ألفين وستمائة عام هي عمر حجارة الرصيف الأثري الذي دمرته تلك المركبات، أما الرمال الأثرية التي تحتوي- حسب قول الإذاعة- على قطع أثرية، فقد أزيلت هي الأخرى واستخدمت لملء أجولة الرمال ولأغراض عسكرية أخرى، الأمر الذي أدي إلى طمس المعلومات حول المكان سيما بعد أن أزيلت أتربة التربة السطحية لثلاثمائة ألف متر مربع من المنطقة وتم تغطيتها بالحصى ومواد معالجة كيمائية، ونقلت الإذاعة على لسان أحد الباحثين وعن متحدث باسم القوات الأمريكية قولهما: إن المنطقة شوهت معالمها تماماً، وأن الغزو والتدمير كان على نحو خطير، وطال إلى جانب الحدائق برج بابل الذي يعد هو الآخر كنزاً من كنوز العالم القديم ومعلماً بارزاً من معالم الحضارة البابلية التي قامت منذ أربعة آلاف سنة. 

ومرة أخرى: تذكروا تماثيل بوذا!!ّ

تذكروها واكتشفوا بأنفسكم نوع الكذب الخسيس المجرم الذي يواجه به هؤلاء الناس العالم.. ابتداء بجورج بوش وانتهاء بالكاهن الساقط الذي بارك المسرحية السافلة مدعيا أنها تدين الإرهاب ولا تسئ للإسلام.

نعم..

هذا متصل بذاك..

ومسرحية الإسكندرية استمرار لخيانات قطيع غير بسيط من الأقباط لوطنهم عبر التاريخ ليتركز في النهاية في أقباط المهجر.

نعم.. لم تكن مسرحية الإسكندرية استثناء ولا خطأ عارضا و إنما كانت استمرارا لحقد قديم لم يمت أبدا.. دفن تحت وطأة انتصار الإسلام الطاغي و إبهاره و إعجازه.. دفن ولم يمت.. نعم.. دفن ولم يمت فتشبع عفونة معتقة عبر التاريخ تشمها في بعضهم فكأنها وصمة عارهم عبر التاريخ.. وصمة عار تشمها في بوش كما تشمها في نابليون كما في كاترين وبطرس كما في كمال أتاتورك ومبارك وعبد الله وجمال عبد الناصر وصلاح عيسى والغيطاني ومئات و آلاف وملايين.. ارتضوا غير شرع الله وحاربوا الله ورسوله..

***

نعم.. 

علاقة الأقباط بالمسلمين في مصر حفلت بتسامح هائل من المسلمين وبانحراف من بعض الأقباط.. ولم يكن الانحراف بسبب وجود مشكلة لدينا في قبول النصارى.. على العكس.. كانت المشكلة في قبول النصارى للمسلمين..و كان المستشرق الفرنسي كيمون في كتابه (باثولوجيا الإسلام يقول: "أعتقد أنه من الواجب إبادة خُمس المسلمين، والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة، وتدمير الكعبة، ووضع قبر محمد وجثته في متحف اللوفر"..

***

في المسرحية السافلة سوف نشم ذات الرائحة النتنة..

 كانت المشكلة انحرافا في صلب الفكرة تعرض لها الدكتور هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية ـ لندن في مقالة متميزة – و إن كنت لا أتفق معه في كثير مما ورد فيها، ولكنها على أي حال جهد وجهاد يحتمل الأجر أو الأجرين..  وعنوان المقال: " هل كان للأقباط دور تاريخي في مقاومة المحتل (حملات صليبية ـ فرنسي ـ بريطاني)؟

 يستعرض الدكتور هاني السباعي في بحثه استعراضهم للقوة واستقواء بعضهم بالأجنبي عبر التاريخ ونقضهم العهود، ونقضهم عقد الذمة منذ الفتح الإسلامي سنة 20هـ ، رغم تعامل ولاة المسلمين معهم بكل تسامح، فكانوا يتظاهرون ويعلنون العصيان المسلح على الدولة ويقتلون عمال الحكومة ويتصلون بدولة الروم ثم يتصدى الحكام لهم بإرسال من يطالبهم بفض العصيان في مقابل العفو عنهم إلا أنهم في الغالب يتعنتون ويصرون على التمرد بزعم أن دولة الروم قد تساعدهم غير أن حساباتهم كانت على الدوام خاطئة فسرعان ما ينتصر عليهم جيش المسلمين ثم يعفو عنهم الخليفة أو الوالي ويجددون له الولاء والطاعة والالتزام بنود عقد الذمة المنصوص عليه في اتفاقيتي بابليون الأولى (الخاصة بأهل مصر قبل فتح الإسكندرية)سنة 20هـ  وبابليون الثانية (الخاصة بأهل الإسكندرية) سنة 20هـ أيضاً، لكنهم يعودون مرة أخرى لعصيانهم متذرعين بأحداث لا تتناسب وحجم عصيانهم المسلح.. 

كما يلاحظ ما يحدث في العصر الحديث، حيث غر بعضهم تحريض أقباط المهجر وخفافيش البنتاجون .. فراحوا يبتزون الحكومة.. ويلاحظ الدكتور هاني السباعي أن تمرد الأقباط  و أخطاءهم تقابل من السلطة  بصبر منقطع النظير وغير معهود على رجال الشرطة الذين يتعاملون بمنتهى الرقة مع مثل هذه الأحداث رغم استفزاز المتظاهرين لقوات الأمن والحكومة وترديد شعارات معادية للإسلام وأهل البلد والحكومة نفسها ( وصل الأمر إلى استعمال هتافات مثل الاستنجاد ببوش وشارون والهتاف: لا إسلام بعد اليوم). وبرغم ذلك فإن الحكومة عادة ما تستجيب  للابتزاز .. الحكومة التي دأبت على تدليل الأقلية القبطية والرضوخ لمطالبهم المتعسفة التي يفتقدها الشعب المسلم في مصر، بل يطالب عدد كبير من المسلمين أن تعاملهم الحكومة مثلما تعامل الأقلية المسيحية حيث كل أنواع القمع والتضييق على المسلمين سواء في الفصل من الوظائف الحكومية والتربوية وإحالة العديد من المدرسين إلى وظائف إدارية، والطرد من المؤسسة العسكرية أو جهاز الشرطة أو الأجهزة الإدارية الحساسة وغير الحساسة في الدولة لكل من يشتبه أن له قريباً كان ذات يوم معتقلاً سياسياً أو يشتبه بأن هذا القريب كانت له صلة بالجماعات الإسلامية، بالإضافة إلى حملة حكومية منظمة بغية تجفيف المنابع الإسلامية سواء في برامج الإعلام أو المناهج التعليمية. هذا كله بالإضافة إلى  مطاردة وملاحقة الإسلاميين (60 ألف معتقل مسلم لا يوجد بينهم نصراني) عبر سلسلة المحاكمات العسكرية وتأميم النقابات المهنية وفرض الحراسات عليها والاعتقال طويل الأمد ومحاربة روح التدين، والسخرية من الهدي الظاهر لدى المتدينين المسلمين كالنقاب واللحية وتسخير كافة الأجهزة الأمنية لمحاربة الإسلاميين تحت شعار محاربة (الإرهاب)..

يتحدث الدكتور هاني السباعي بعد ذلك عن تاريخ طويل من الغدر والتشويه والكذب ويدين بقوة موقفهم إبان الغزوة الفرنسية والإنجليزية لمصر. ويقرر أن ما يقوم به أقباط مصر بقيادة الأنبا شنودة الثالث هو إهانة لمشاعر المسلمين في مصر وفي العالم الإسلامي بأسره. الأنبا شنودة الذي عودنا على اعتكافه السياسي في وادي النطرون مهدداً القيادة المصرية الخانعة المرتجفة من ضغوط الغرب؛ لن يجدي اعتكافه هذا إذا تمخض الزلزال وخرج المارد من قمقمه فلن يتحمل الشعب المصري كل هذه الإهانات المتكررة من أقباط مصر، تلك الأقلية التي لا هم لها إلا الاستقواء بالغرب .. لا .. ولن تنفعهم أمريكا ولا قوات الناتو ولا من في الأرض جميعاً من غضبة الشعب المصري المسلم المكلوم المهان في دينه وكرامته.. فأفيقوا قبل أن يتمخض الزلزال.. وساعتها سيقول الجميع ولات حين ندم!.

حاشية على بحث الدكتور هاني السباعي: 

 أعتقد أن الدكتور هاني السباعي يتحدث عن أقلية داخل أقلية، أقلية سافلة وسط أغلبية أفضل، تماما كأقليات اليسار السافل بين المسلمين، نعم.. أقلية و إن كنت أظن أنها تزداد تدريجيا,  أقلية..  لا أقولها نفاقا أو مجاملة للأقباط، فالتاريخ يتحدث فعلا عن ترحيب الأقباط – في مجملهم- بالفتح الإسلامي .. ليس ميلا للدين الجديد و إنما لأنهم كانوا يعتبرون الرومان كفارا و أعداء معا وكانوا يرون أن المسلمين أقل كفرا من الرومان الذين عاملوهم بوحشية منقطعة النظير، لقد قتل جستنيان الأول عام 560م 000 200 في الإسكندرية وحدها. وكان التاريخ الدامي لا ينفك يذكرهم  بكيفية دخول المسيحية لمصر في عام‏55‏ م علي يد مارمرقس الرسول وإنشاء أول كنيسة في مصر في منطقة بوكاليا في الإسكندرية وكيفية قتل مارمرقس الرسول بمعرفة الوثنيين بربطه من رقبته في عام‏68‏ م بحبل وجره في الشوارع حتى ظهرت عظامه وكيف عاش المسيحيون في اضطهاد دائم في مصر وصل ذروته في عهد دقلديانوس حاكم الدولة الرومانية في عام‏284‏ م حتى وصل عدد القتلى من المسيحيين إلي أكثر من مليون شخص. ويرى بعض المؤرخين المحايدين أن الفتح الإسلامي أنقذ قبط مصر من الإبادة. ثم أن المراجع القبطية نفسها – ومنها أنقل الآن- تذكر كيف بدأ الأقباط في مساعده عمرو بعد سقوط بابليون والإسكندرية واحتلاله البلاد وكان زعيم القبط وكبيرهم رجلا اسمه باليوناني سانوتيوس أو شنودة بالقبطي، أعلم عمرو بأحوال أهل البلاد وكيف اضطهدهم الأروام وهروب البابا بنيامين منهم واختفاؤه. فكتب عمرو بن العاص وعد عهد وأمان كالآتى (  أينما كان بطريرك القبط بنيامين، نعده الحماية والأمان وعهد الله فليأت البطريرك إلى هنا في أمان واطمئنان ليلى أمر ديانته ويرعى أهل ملته (2) وكان البابا بنيامين قد غاب عن كرسيه 13 سنه منها 10 سنين في عهد الأروام وحكم قورش(المقوقس) وثلاث سنين منذ غزا العرب مصر0كما أمر عمرو بإرجاع الكنائس التي اغتصبها الأروام من الأقباط. أما البابا بنيامين فلما عاد إلى كرسيه عمل وعلم بكل طاقته لإرجاع الذين أضلهم قورش فرجع منهم الكثيرين0وعاد الأساقفة أيضا إلى كراسيهم( أماكنهم) بعد هروبهم وأمر ملاك الله البابا أن يبنى بيعه (كنيسة) مطرا لأنها كانت أكثر الأماكن التي أهرق فيها الأروام والملكيين دماء الأقباط، ورمم أيضا أديره وادي النطرون (دير الأنبا بيشوي  وأبى مقار) بعد أن دمرها الفرس وقتلوا رهبانها. ثم تروي المراجع القبطية ما قاله المؤرخون العرب انه خرج 70000 راهب قبطي من وادي النطرون بيد كل منهم عكازا عراة الأقدام وبثياب ممزقه، مهللين لعمرو بن العاص.

ولا تنفي المراجع القبطية هذا الخبر لكنها تنتقد العدد.. وترى أن فيه مبالغة كبيرة.

هامش على الهامش:

هذا هو الفاتح الصحابي الجليل عمرو بن العاص.. 

فهل رأيتم فاتحا في التاريخ يفعل فعله ( كلب من كلاب الروم كان يقول: لقد فتحت أمريكا العراق كما فتح عمرو بن العاص مصر.. وكلب آخر من كلاب الروم قبح الله وجهه ( أسامة أنور عكاشة) كان يقول عن الصحابي الجليل أنه أحقر شخصية في التاريخ..

) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ( .

***

هكذا جرت حملات الكذب لتشويه الإسلام والمسلمين وكان هدفها الرئيسي تنفير النصارى من الدخول في الإسلام.. ولو لم تكن الغواية هائلة لما كانت الأكاذيب بهذا الحجم..

إنني أريد أن أفرق هنا بين أمرين أظنهما هامين، و أريد ألا أسقط في فخ الإساءة لأحد، كما لا أريد أن أسقط في مستنقع المجاملات الكاذبة  المنافقة اللزجة.

وعلى سبيل المثال: عندما يقول المسلم أن النصارى كفار فهذا ما قرره له القرآن الذي يقول : ) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ( (المائدة: من الآية 17 و 72) و) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ(  (المائدة : 73)..  إنه لا ينطلق من حكم شخصي أو هوى مضل. إنه ينطلق من القرآن كحكم سماوي مطلق لا استئناف فيه ولا قدرة لبشر على تغييره. نعم .. أعلم أن النصارى لا يؤمنون بالقرآن.. ولم نطلب منهم ذلك.. لكننا نطلب فقط أن يفهموا أننا نؤمن به أكثر من إيماننا بوجودنا الأرضي ( لا أقول ذلك لصرفهم عن محاولاتهم الساذجة السافلة لصرفنا عن الإسلام) وعندما نقول أنهم بدلوا في كتابهم، فإن ذلك يعني يقيننا المطلق بما أخبرنا به القرآن، وذلك لا يتعلق على الإطلاق، إنه لا يتعلق حتى بالنبأ الذي ذاع أن الكنيسة الكاثوليكية في روما توشك علي الإعلان رسميا عن أن‏80%‏ من الأقوال المنسوبة للسيد المسيح عليه السلام في الإنجيل‏،‏ غير صحيحة تاريخيا‏. أليس هذا ما قاله الإسلام؟ أليس هذا ما حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم .

على الجانب الآخر .. ما هي مرجعية النصارى عندما يحكمون على المسلمين في شيء؟ هل قاله الله؟ هل نطق به عبد الله المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام؟ أم أنه رأي بشر.. إنني أرجو من القارئ القبطي أن يفهمني، إنني أحاول مناقشة الأمر بصورة عقلية مجردة، لا أهدف منها أبدا إلى إقناعه بالإسلام، بل أهدف منها – و أقولها بلا خجل وبلا كبرياء مرذول – إلى استرضائه. نعم أريده أن يفهم أنني عندما أقول أن الله واحد أحد لم يلد ولم يولد فإنني لا أقصد إيذاءه، وحتى عندما أقول لقد كفر الذين قالوا.. فإنني لا أملك من الأمر شيئا ولا حيلة لي ولا لغيري فيه.. بمعنى أنني من ناحية لا أقصد إيذاءه، ومن الناحية الأخرى فإنه إن كان ضروريا أن يمنعوا تلك الآيات من أن تتلى على الأرض فليس لهم إلا سبيل واحد.. أن يقتلوا مليارا وثلاثة أرباع مليار مسلم.. وهذا أيضا لن ينالوه أبدا.. ليس استكبارا.. ولكن أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك.

بشكل آخر: عندما يقول المسلم على النصراني أنه كافر فذلك أمر طبيعي.. تماما كما أنه طبيعي أن يقول النصراني عن المسلم أنه كافر، وشد ما يصيبني الاشمئزاز من إنكار  هذا المعنى أو الكفر به، فمن المؤكد أن المسيحي لا يقبل أبدا أن يقال أنه مؤمن بنبوة سيد البشر وخاتم النبيين سيدنا وحبيبنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن أي مسلم لا بد أن يشعر بالفخر الشديد حينما يذكر عنه أنه كافر بالتثليث، فذلك مدح لا قدح.

نعم.. وبطريقة أخرى فالكفر يعني الغطاء، أو الإخفاء أو الإنكار، وبذلك فإن إنكار النصراني لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم تعني بالنسبة لي كفره، و إنكاري أن الله ثالث ثلاثة تعني بالنسبة له أنني كافر بما يقول.. وهذا صحيح ولا يحمل أي نوع من الإساءة أو الإهانة. إن الأمر كما قال المستشار العلامة طارق البشري ذات يوم ضاربا المثل بالماركسية، فإن لها أسسا معينة فإن آمنت بها فأنت مؤمن و إن أنكرت المادية الجدلية  فأنت كافر بها دون أن يعنى هذا الرغبة في الإهانة.

***

لست أدرى هل استطعت توضيح الفكرة السابقة أم لا..

وربما يحتاج القارئ الآن أن أخفف من جهامة الكلمات وشدة وطأتها بأن أروي له الحكاية التالية..

لست أدري من الذي أدخل في روعي أن الأستاذ نبيل الذي أتعامل معه مسيحي، وظلت علاقتي به طيلة عشرة أعوام شديدة الصفاء والنعومة، كنا نلتقي – لقاء عمل – كل عدة شهور.. وكان هو يستمتع بخطئي و يتجنب كشف الحقيقة أمامي.. إلى أن التقينا في الحج!!..بعدها قلّت مجاملتي له، و أصبحت أعنفه أحيانا إذا أخطأ فيقول مازحا: ليتك ما اكتشفت الحقيقة، فأوضح له الأمر، ذلك أنني في علاقتي بالمسيحي أحمل مسئولية مضاعفة، مسئولية : " الدين المعاملة" ومسئولية توصية الرسول صلى الله عليه وسلم بهم. لكن هل تعني المجاملة أن أنكر ما هو معلوم في الإسلام بالضرورة؟ نعم.. لكم دينكم ولي دين.. لكن.. من هم هؤلاء الذين لهم دينهم ولي دين.. إنهم: ) يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ(!"..

***

وقبل أن نعود إلى المسرحية المجرمة فإننا نعرض في إيجاز شديد رد فعل العالم على الأكاذيب القذرة والمسرحيات المجرمة وجميع وسائل الإعلام الخاضعة للصليبيين واليهود.. 

نعرض رد فعل العالم على الأكاذيب عابرة القارات والقرون..

هل انصرف الناس عن الإسلام؟..

هل قل عدد المسلمين؟؟..

على العكس..

رد الفعل أن عدد المسلمين ازداد وكذلك نسبتهم.

- فقد ازداد عدد المسلمين نسبة إلى سكان العالم من  18%  عام 1980 23%  عام 2000 ويتوقع أن يصل إلى  31%  عام 2025( البيان  ذو الحجة 1419). 

وللمسلمين أقول أن ذلك يتم لأن الإسلام حق بذاته دون حاجة إلى دفاع ، كما أن فكرة التوحيد في الإسلام بالغة النقاء والرقي، نعم إنها نقية وشامخة للدرجة التي تخطف قلب أي إنسان على غير دين الإسلام عندما يسمع بها، وسنجد ذلك في كثير من مذكرات من هداهم الله لإسلام.

***

النماذج الوضيعة التي ذكرناها ليست استثناء و .. لا أقول أيضا أنها القاعدة في تناول الإسلام والمسلمين.. لكنها واسعة الانتشار..وعلى من يريد معرفة المزيد أن يلجأ إلى مواقع أقباط المهجر، وليست سوى أوكار للخونة والجواسيس والعملاء، وبالمناسبة سوف يذهل القارئ من أن أهم كتاب هذه الأوكار رفعت السعيد والعشماوي وحسن حنفي وفرج فودة والقمني وخليل عبد الكريم وصلاح عيسى والغيطاني ومن على شاكلتهم. دعنا من ذلك. لديّ صحيفة كنسية توزعها الأهرام تتعرض لسيدنا عمر بن الخطاب باتهامات خسيسة قذرة بشعة كالصحيفة ومن أصدرها وباركها ووزعها.. ولولا حرصي على عدم إشعال النار لذكرت التفاصيل.

***

    لم تستخف الكنيسة.. بل قامت بهذا العمل الفاجر بتحد سافر للمسلمين ولأجهزة الدولة وقامت بعرض كل شيء من أسماء طاقم العمل بالكامل.. فما المطلوب من هذا التصرف الوقح...هل هو إعلان التحدي والتمرد من قبل الكنيسة على الدولة؟  هل هو السعي إلى فتنة المفروض أن يكونوا أشد الناس خوفا منها؟ هل هو الاستقواء الدنيء بالخارج ؟  

يقول الدكتور يونان لبيب رزق ـ قبطي ـ في مجلة المصور : تصور نفر من الأقلية القبطية أنهم يستمتعون بالحماية الأمريكية ولعل هذا ما دفعهم إلي تأليف وتمثيل هذه المسرحية الركيكة والتي تفتقر إلي ابسط مبادئ الحبكة الدرامية، فهي تقوم منذ بدايتها علي فكرة وهمية مؤداها نجاح احدي الجماعات الإسلامية المتطرفة في إغراء شاب قبطي علي الانضمام إليها ولم يحدث أن سمعنا من قبل أن هذه الجماعات قد سعت إلي ضم أي قبطي، الأكثر من ذلك أن هذا الشاب لسبب أو لآخر قد استجاب لهذه الدعوة غير المنطقية، ولا ندري من كان وراء هذا التصرف الذي لا يمكن وصفه إلا بالتعصب وقصر بالنظر، أو على الأقل بفعل فاعل في نفس الفترة أخذت إحدى قنوات القمر الأوروبي هي قناة الحياة تبث برنامجا استفزازيا لقس مصري اسمه الأب زكريا حفل بالقصص الوهمية عن نجاحه في تنصير أعداد من المسلمين هذا فضلا عما يبشر به من معجزات وهمية.

***

       هو الاستقواء الخسيس إذن..  استقواء عميان يقودون عميانا .. ولكن.. إذا كان الأعمى يقود أعمى يسقطان معا في حفرة .. و أنهم هم الذين ينطبق عليهم ما جاء في الطبعة المعاصرة للإنجيل : "كتب أن بيتي بيتا للصلاة يدعى، أما أنتم فقد جعلتموه مغارة لصوص".. أو أنهم كما قال القديس أوغسطينوس :  إنهم يرغبون في تدمير الحق الذي لا يمكن تدميره. أمّا الخنازير فتختلف عن الكلاب فهي لا تهاجم لتمزّق بأسنانها، لكنها تدنّس الشيء إذ تدوسه بأقدامها في طياشة... إذن لنفهم أن "الكلاب" تُشير إلى مقاومي الحق، "والخنازير" إلى محتقريه. 

 لقد بلغ الفجور بالكهنة الذين اشتركوا في هذه الجريمة أن كذبوا حتى على البابا شنودة نفسه، فقد ورد في مقدمة المسرحية أنها "حظيت بمباركة صوت البابا شنودة".. والكلمة رغم غموضها أعطت انطباعا بتورط البابا نفسه تورطا مباشرا في هذا العمل الإجرامي. ولم يكن ذلك صحيحا، و إنما تدني الكهنة إلى مستوى النصب والاحتيال، ولقد فسر الأنبا موسى الجملة، فقد أتوا بتسجيل موعظة من مواعظه و سجلوها في المسرحية لتباركها.

لقد قلت قبل ذلك أن الغرض من مثل هذه المسرحية السافلة والكهنة السفلة الذين تبنوها هو تشويه الإسلام كي يشوهوه عند أبنائهم ولكي يبغضوا لهم أتباعه.. لكن القبطي المحترم الوقور المحروم من قبل البابا شنودة: جمال أسعد عبد الملاك يخبرنا بسبب آخر.. إن الكهنة الساقطين.. أبناء الأفاعي الذين يلبسون ملابس الكهنة.. يتاجرون في هذه المسرحيات ويكسبون منها.. وذلك سبب هام آخر.. وهو أيضا يؤكد أنهم ليسوا أتباع عبد الله المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، سواء بتحريف أو بدون تحريف ( فحتى المسيحية المحرفة لا تأمر بالكذب الفاجر أو جرائم القتل والإبادة)..و إنما هم أتباع يهوذا و أنهم ينتجون هذه المسرحيات من أجل الثلاثين فضة!!..

أين كانت الحكومات العميلة الساقطة وهي تتراجع تراجعا بعد تراجع وتفرط تفريطا بعد تفريط.

أين كانوا وهم يردون المؤمنات المحصنات ماريان مكرم عياد وتريزا إبراهيم ووفاء قسطنطين وغيرهن..

أين مباحث أمن الدولة التي لا تخفي عليها في المساجد خافية؟؟ أين؟؟ 

العار والشنار لأجهزة تسجل أسماء الشباب الذين يصلون الفجر في المساجد دون أن تجرؤ على التسلل لقلاع وحصون تسمى بعضها زورا كنائس.

الخزي والعار والشنار لأجهزة لا تجرؤ على التدخل في برنامج عمل الكنائس ثانية واحدة بينما تحرص على تقييد العمل في دور عبادة المسلمين الأعداء.. في المساجد!!.. يحرص كلاب النار على ألا يذكر اسم الله فيها.. فلا تفتح إلا قبل صلاة الفرض بدقائق ثم تغلق بعد الصلاة مباشرة.. لعنهم الله و أخزاهم.. و أخزى وزيرا يوافق على هذا ويباركه.

الخزي والعار والشنار لأجهزة الأمن الباطش الجبار التي قتلت الناس داخل المساجد وأطلقت النار داخلها وهدمت بعضها لاتهامات كلها مزورة وصمتت صمت الجرذان عندما كانت الجرائم جرائم خيانة عظمى لكنها تحدث في الكنائس.

الخزي والعار والشنار لهم .. الخزي والعار والشنار لهم .. الخزي والعار والشنار لهم .. إنني أوجه السؤال لهم أو لأي واحد منهم ما يزال لديه دين أو ضمير- وهو الأمر الذي أرتاب فيه- هل يمكن أن يفعلوا بالإخوان المسيحيين (!!) ما فعلوه بالإخوان المسلمين؟.. ولا أقول بالجهاد أو الجماعة الإسلامية؟؟..

لماذا استهان كلاب النار – أيا كانوا و أيا كانت مناصبهم.. من الخفير إلى الأمير.. بالمساجد وجبنوا أمام الكنائس التي تحولت  إلى دويلات متناثرة داخل الدولة ؟ نعم .. دويلات لها هيئة مستقلة وخصوصية خاصة داخل البلد .. دويلات لها قوانينها وسجونها و أجهزة إعلامها بل وصحفها.

هل يدرك القراء أن من حق كل كنيسة أن تصدر صحيفة؟! لدي بعض هذه الصحف، وهي طباعة فاخرة، وليست للتوزيع الداخلي، بل تباع، ومكتوب في صفحاتها الأولى أنها توزيع الأهرام، فهل يدرك جهاز الأمن الباطش الجبار ذلك؟ وهو الذي يحاصر أي مطبوعة للمسلمين، وهو الذي يمنع بمنتهى الجبروت والقسوة عودة صحيفة الشعب رغم عشرات الأحكام القضائية النهاية ، الخزي والعار والشنار لجهاز أمن يفعل ذلك..خزي وعار يلحق أيضا الباقين جميعا .. من الخفير إلى الأمير.

هل تراقب أجهزة الثقافة مسرحيات الكنائس ومطبوعاتها، وهي التي لا تسمح لأي مؤسسة مسلمة بأي نشاط، إلا إذا كان هذا النشاط نفاقا وازورارا عن الإسلام، هل تراقب هذه الأجهزة نشاطات الكنائس.. أم أنها مشغولة كوزيرها الشاذ – فكريا!- بإخراج مسرحية صنع فيها – عليه من الله ما يستحقه- نموذجا للكعبة وأتى براقصة لترقص فوقه.

أين وزارة الداخلية.. أين شرطة المصنفات وقسوتها الباطشة وهي تهاجم مساكين يرتزقون من بيع تسجيلات دينية معظمها صحيح لكنه لا يوافق هوى الشياطين التي تحكمنا ثم لم تتحرك قيد أنملة لإزار المسرحية الفاجرة.

فحيح ونباح وعواء انطلق يقول أن المسرحية مثلت منذ عامين.. لكن التساؤل: هل تسقط جرائم إهانة القرآن وسب الرسول بالتقادم؟.. وبعد عامين فقط!!.. 

فحيح ونباح وعواء انطلق يقول أن المسرحية مثلت مرة واحدة فقط.. وهذا كذب لأنها مثلت مرات عديدة.. أما المصدر فهم مسيحيون شاهدوا المسرحية.. و أسلموا بعدها!!

فحيح ونباح وعواء انطلق يقول أن المسرحية مثلت مرة واحدة ثم صدرت الأوامر بإيقافها.. وهذا كذب.. فقد مثلت في أغسطس الماضي حيث صورت..  لكن دعونا من أجل الجدل نوافق.. فإذا كانت الأوامر قد صدرت بإيقافها فمن سجلها؟.. ومن طبعها؟

فحيح ونباح وعواء انطلق يقول أن المسرحية لم يشاهدها مسلم قط.. فكيف وصل تسجيلها إلى آلاف المسلمين إذن؟ ( المسيحيون الذين هداهم الله للإسلام أقروا بأن التسجيل والتوزيع كان مقصودا به المسلمون وليس المسيحيين).. 

هل كل ضباط مباحث أمن الدولة مشغولون في مراقبة المساجد؟ أما من ضابط منهم يذهب ليقول لنا من الذي طبع القرص الفاجر ومن وزعه.. ومن هو الفاجر الذي وافق أو بارك؟!..

ثم: أين شيخ الأزهر.. لا عفوا.. أنا أسحب السؤال يا قراء.. لا أسأل عن شيخ الأزهر ولا أناديه فالرجل موظف.. والموظف ملتزم بشرع ولي نعمته لا بشرع خالقه.

أين المفتى؟.. لقد فقد الرجل احترامي كله وهو ينكر وجود تسجيل للمسرحية أصلا.. وهو قول كاذب لم يجرؤ عليه حتى البابا شنودة نفسه..

أين النائب العام.. الذي أكتفي بصدده بأن أشكوه إلى الله.. ليس في هذه القضية فقط..بل في كل قضية يكون الحاكم  طرفا فيها.. و أحيل القارئ إلى مقال لي نشرته منذ أعوام  ثم ضمنته كتابي " إني أرى الملك عاريا " عن صدام عنيف مع النائب العام آنذاك حين صارحته أن قاضيا في الجنة وقاضيين في النار.

أين وزير العدل – المزور كما اتهمه القضاة أنفسهم-..

إنني أنقل تعليقا من رسالة قيمة لبعض من تصدوا للمسرحية الفاجرة..  تعليقا يستنكر كيف أن أصحاب هذا العمل المسرحي الهزيل قيمة ومضموناً .. نشروا مثل هذه الأفكار دون أن تطرف لهم عين..ودون أدنى مسئولية أو شعور بالآخرين..إننا كنا نتصور إن مصر من كافة طوائفها وأفكارها ومثقفيها وبُسطائِها قبل علمائها كانت ستعلن التنديد والاستنكار على الفور إذ ما تجرأ أحدهم من دولة قريبة أو بعيدة بمثل هذا العمل..إننا لم نتصور أبدا أن نُؤتى من مأمننا..ونُطعن من مكمننا..كنا نتصور أن هؤلاء الذين يسبون الإسلام( مثل زكريا بطرس وأعوانه في القنوات المشبوهة) في الخارج هم أعداء لديننا ودولتنا ، وكنا نعلم أن أغراضهم الرخيصة المكشوفة في إثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين لن يعبأ بها شبابنا الواعي للوحدة الوطنية ولمستقبل وأمن بلاده .. فإذ بعيوننا تتحول عن مكامن الخطر الخارجي لنجدها هنا ونشاهدها من الداخل للأسف. المشكلة أن الطعنة هذه المرة جاءت صريحة من قلب أقباط مصـر أنفسهم ، وليس كما أعتدنا تلقي السهام من أقباط المهجر في الخارج. الشيء المؤسف أن هذه الطعنة وهذا الاستهزاء الرهيب بشرائع الإسلام جاء من قِبَل أكبر مِلّة طائفية مسيحية في مصـر وهم الأرثوذكس ، والذي يشكلون معظم أقباط مصر المسيحيين. ولو كان هذا العمل قد قام به مجموعة من الشباب كحالة منفردة لكنا قد سكتنا ولكذبنا أنفسنا وأعيننا ، وقلنا لأنفسنا ولأبنائنا المسلمين لا تحزنوا ولا تغضبوا لأنهم مجموعة عشوائية من الشباب لا تمثل أبدا الكنيسة المصرية ، ولا تمثل أبدا إخواننا الأقباط. إلا أن الصدمة هذه المرة كانت من قبل أحد الكنائس الأرثوذكسية التي يقودها ويرأسها البابا شنودة نفسه.. حيث أن العمل تم في "كنيسة ماري جرجس – بمحرم بك- الإسكندرية" ،هذا العمل المسرحي الذي يشرف عليه قساوسة كبار وليس مجرد مجموعة من الشباب المتعصب أو غيره. إن الشيء المحزن أن هؤلاء القساوسة يفترض أنهم أكثر استيعاباً وإدراكاً للمسئولية في مثل هذه الفترات ، ولا بد أن يكونوا قدوة للآخرين ، لأنهم رجال دين في محل نظر واهتمام الآخرين حيث أن تصرفاتهم وأفعالهم محسوبة عليهم. وللأسف أن أي شخص سيشاهد هذه المسرحية سيدرك أن العمل لم يكن عشوائياً ، بل كان عملا منظما متكاملا ضخما داخل مسرح الكنيسة وخارجها ، عمل فني بما يعرفه المشاهدون من طاقم تصوير وموسيقى وديكور وكمبيوتر وملابس ومكياج وتأليف وإخراج وطبعاً لا تنسوا القساوسة ومباركتهم للعمل بأنفسهم. بل إن الجمهور المسيحي الذي كان يحضر هذا العمل لم يكن بضع أفراد ولم يكن العمل سرياً، بل كان جمهورا كبيرا ضخما بالمئات أصرت الكاميرات إظهاره عدة مرات لتوضح مدى سعادتهم وتصفيقهم الحار للعمل إعجابا به!!. وتلك نقطة أخرى لا أتوسع فيها حرصا، إذ كيف يهبط هذا الجمهور الغفير إلى هذا الدرك السافل دون احتجاج واحد، وهل هذا الجمهور لا يمثل إلا نفسه أم أنه عينة عشوائية صادقة للانحطاط والكفر والسفالة.

***

إن عنوان المسرحية نفسه يعود إلى رواية وردت في الإنجيل تقول:

" وفيما هو مجتاز رأى إنسانا أعمى منذ ولادته. فسأله تلاميذه قائلين يا معلّم من اخطأ هذا أم أبواه حتى ولد أعمى. أجاب يسوع لا هذا اخطأ ولا أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه. ينبغي أن اعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهار. يأتي ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل. ما دمت في العالم فأنا نور العالم 

قال هذا وتفل على الأرض وصنع من التفل طينا وطلى بالطين عيني الأعمى. وقال له اذهب اغتسل في بركة سلوام. الذي تفسيره مرسل. فمضى واغتسل وأتى بصيرا "

"فالجيران والذين كانوا يرونه قبلا انه كان أعمى قالوا أليس هذا هو الذي كان يجلس ويستعطي. آخرون قالوا هذا هو. وآخرون انه يشبهه. وأما هو فقال أنى أنا هو. فقالوا له كيف انفتحت عيناك. أجاب ذاك وقال. إنسان يقال له يسوع صنع طينا وطلى عينيّ وقال لي اذهب إلى بركة سلوام واغتسل. فمضيت واغتسلت فأبصرت".(...) اسألوه فهو يتكلم عن نفسه. قال أبواه هذا لأنهما كانا يخافان من اليهود. لان اليهود كانوا قد تعاهدوا انه إن اعترف أحد بأنه المسيح يخرج من المجمع. لذلك قال أبواه انه كامل السن اسألوه،  فدعوا ثانية الإنسان الذي كان أعمى وقالوا له أعطي مجدا لله. نحن نعلم أن هذا الإنسان خاطئ. فأجاب ذاك وقال أخاطئ هو. لست اعلم. إنما اعلم شيئا واحدا. أنى كنت أعمى والآن أبصر "..يوحنا 9: 1-41.

 

***

إنني أريد أن أنبه القراء، والمسيحيين قبل المسلمين أن هذه الطريقة الساقطة في الهجوم على الإسلام تفيده ولا تنتقص منه ذلك أن الشاب المسيحي يفاجأ عندما تزال غشاوة الكلاب والخنازير الذين تحدث عنهم القديس أوغسطينوس من على عينيه، عندما تزال هذه الغشاوة يدرك هذا الشاب عظمة الإسلام وعمقه، إن الشاب يدرك كم خدع، ويكتشف كم كذبوا عليه، ويكتشف كم كان هذا الكذب خسيسا..  بل ويكتشف الشاب فوق ذلك من عظمة الإسلام ما يدفعه لإشهار إسلامه حين يكتشف أن الإسلام لم يأت مكذبا لنبيهم ولا سابا له ولا متورطا في محاولة قتله ولا مدعيا على أمه مثل ما ادعى اليهود بل قال في عيسى وأمه: (ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام)(المائدة 75). فعيسى عليه السلام عبد الله ورسوله جاء ذكره في السلسلة النبوية الكريمة شأنه شأن إخوانه من الأنبياء والمرسلين كإبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى عليهم الصلاة والسلام، وقصة عيسى ذكرت في أكثر من موضع في القرآن الكريم ولم يرد في موضع واحد من القرآن الكريم ما يمس عيسى عليه السلام بسوء أو يشينه كما أنه لم يرد فيه شيء يمس جناب أمه أو يشينها بل خص القرآن الكريم أمه بسورة كريمة من سوره هي سورة مريم عليها السلام فلنستمع إلى ما سطره الوحي الرفيع من الآيات في حق عيسى وأمه مريم عليها السلام: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين)(آل عمران 42)(وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم (آل عمران 45)

ولا يوجد فرق كبير بيننا وبين النصارى في شخص مريم عليها السلام فنحن نؤمن بها صديقة وبأنها بشر وبأنها عذراء لم يمسها بشري، طاهرة، صالحة، تقية، نقية، تعهدها الله برعاية خاصة وفضلها تفضيلا عظيما على نساء العالمين.

والفرق بيننا وبين رجال الكنيسة يتمثل أول ما يتمثل في شخص المسيح عليه السلام فنحن نؤمن بأنه رسول قد خلت من قبله الرسل ولا نؤمن بأنه إله ولا ابن إله ولا أنه يجلس إلى جوار أبيه في السماء ونؤمن بأن النصرانية الصحيحة التي نزلت على عيسى تنزلت بما نؤمن به وأن فرقا كثيرة من النصارى كانت عقيدتها موافقة لعقيدتنا ولكنها ووجهت بحرب إبادة فأبيدت. (التبشير والخطة الحكيمة لمقابلته الشيخ علي بن احمد بن طه المسيري)

***

لقد كتب عادل حمودة، الذي لا يجمع بينه وبين الإسلاميين إلا العداوة والشحناء – من طرفه- كتب في صحيفته " الفجر" عن الوقائع فأدان الكنيسة وحملها مسؤولية ما حدث بقوله:

"لقد أشعلت الكنيسة القبطية الفتنة هذه المرة في الإسكندرية.. مسرحية لا لزوم لها.. تتدخل في عقيدة الجيران.. ولا تحترم القاعدة الفقهية والوطنية والقانونية لكم دينكم ولي دين.. وقد تصورنا أن آباء الكنيسة وعلي رأسهم البابا شنودة سوف يبادرون بالشرح والتفسير والتبرير والاعتذار لكن.. ذلك لم يحدث.. إن كل مؤسسات الدولة في مصر اعتذرت للكنيسة عما نشر في صحيفة النبأ رغم أن ذلك كان خطأ شخصيا لم ترتكبه.. وعوقب رئيس تحرير الصحيفة علي ما نشر بالسجن ومات قبل أن يكمل فترة العقوبة.. وكان متوقعا أن تبادر الكنيسة بالاعتذار عما جري في الإسكندرية خاصة أنها مسئولة عنه.. كما أن الخطأ لم يكن شخصيا هذه المرة.. بل كان إهانة مباشرة يعاقب عليها القانون.. لكن. الكنيسة تغطت بالصمت.. وبدت وكأنها مظلومة لأنها أيدت انتخاب الرئيس مبارك وروجت له دون أن تجد من بين قائمة المرشحين علي قائمة الحزب الوطني سوي اثنين فقط من رعاياها، أحدهما وزير المالية يوسف بطرس غالي، والآخر في الإسكندرية، حيث الطبعة الأخيرة من الفتنة الطائفية، وكأن الكنيسة تعاقبنا علي ما فعلته السلطة بها.. كأنها تطالبنا بدفع فواتير بضاعة سياسية حصل عليها غيرنا.. وكان تفسير رموز الحزب الوطني صفوت الشريف وكمال الشاذلي وقد سألتهما مباشرة عن سر ندرة الأقباط بين مرشحي حزبهم أنه لم يتقدم للترشيح من الأقباط سوي عدد محدود جدا لا يزيد علي خمسة طبقت عليهم معايير الاختيار التي طبقت علي غيرهم.. لكن ذلك التفسير لا يريح البابا شنودة الذي طالب أكثر من مرة بنسبة من مقاعد مجلس الشعب للأقباط تناسب حجمهم وعددهم ولو قاطعوا العمل السياسي وجلسوا في بيوتهم لتأتيهم المقاعد المطلوبة بالتليفون مثل البيتزا والفراخ المشوية.. هوم ديلفري. وتصورنا أن آباء الكنيسة القبطية وعلي رأسهم البابا شنودة سيقدمون المتهمين فيما جري إلي سلطات التحقيق لتهدئة الخواطر وإطفاء النار قبل أن تتحول إلي جحيم.. لكن ذلك لم يحدث.. بل علي العكس.. نقلت رئاسة الكنيسة المتهمين إلي دير وادي النطرون وأخفتهم هناك.. مع السيدة وفاء قسطنطين وأخواتها اللاتي حاولت الانتقال من المسيحية إلي الإسلام.. وكأن الدير أصبح منطقة مستقلة عن السيادة المصرية لا يجوز تسليم أحد يلجأ إليه أو ينقل إليه.. وفي هذه الحالة يجب توقيع اتفاقية للتعاون القضائي وتبادل المجرمين بين الحكومة المصرية والكنيسة المصرية."

و أضاف نبيل عمر في نفس الصحيفة:

"وأظن أن الاعتذار في فتنة الإسكندرية كما يطالب الغاضبون لا يكفي، أو بمعني أصح ليس هو الحل، لأن القضية الآن ليست خناقة علي قارعة الطريق تحتاج إلي قاعدة صلح وكلمتين لتطييب الخواطر، وإنما تحتاج إلي تفعيل القانون.. فالقانون هو الدرع الذي يجب أن يحتمي به المصريون جميعا! وكلنا يعرف ماذا حدث في قضية رئيس تحرير النبأ ، إحالة إلي النيابة وتحقيقات ومحكمة وحكم بالسجن، ثم عزل من نقابة الصحافيين وإلغاء ترخيص الجريدة! وهو ما يجب أن يتم في حادث المسرحية المغضوب عليها، أن تحال إلي النيابة العامة وتحقق فيها بعيدا عن المهاترات والبيانات، والقانون المصري به من المواد التي تعاقب علي الإساءة المتعمدة للأديان، إذا ثبت أن المسرحية بها من المشاهد والحوار ما يمس الدين الإسلامي أو يسخر منه بأي شكل من الأشكال "...

***

يظل الطبيب الجراح متمتعا بحماية القانون وحصانته طالما التزم المعايير العلمية المهنية الصحيحة، بل ويعفى من العقاب حتى عن الخطأ غير المتعمد مادام لم يشبه إهمال أو تقصير أو تعمد، فإذا شابه أيا من ذلك، أو إذا استعمل آلات الجراحة، أو مهاراته للإيذاء، كأن يستعمل مبضع الجراح في طعن خصم، أو أن يستغل علمه في أن يسدد الطعنة في موضع يسبب ضررا أكبر، إذا ما فعل ذلك، فإن القانون لا يسحب عنه حصانته فقط، بل إنه يتشدد في عقابه، ليكون عقابه على الجرم، أكثر من عقوبة الشخص العادي.

وبهذا المعيار نفسه، فإن القسيس أو الكاهن أو البابا  ولو كان بابا روما أو الإسكندرية، أو الشيخ – ولو كان شيخ الأزهر- والمفتي ولو كان مفتي الديار، والوزير حتى لو كان وزير الأوقاف، إذا ما خرج على مقتضيات منصبه، وتجاوز اختصاصات وظيفته، فلا حصانة له، وعلينا أن نتوقف على الفور عن التعامل معه كرجل دين – في حالة المسيحيين- أو كعالم في الدين في حالة المسلمين ( ليس في الإسلام رجال دين)..نعم.. علينا أن نتوقف عن التعامل معه بوضعه السابق، لنتعامل معه كمجرم استغل ما اؤتمن عليه، واستعمله كما يستعمل الجراح المجرم مبضعه، للقتل لا للإنقاذ.

يدخل في هذا الإطار لينطبق عليه الحكم كل مجرم ادعى أن المسرحية (التي مثلت في مغارة لصوص أو وكر شيطان) لا تسئ للإسلام. كما ينطبق نفس الحكم على من رفضوا الاعتذار بحجة أن المسرحية لا تسيء للإسلام.  فلقد كان رفض الاعتذار إهانة مضاعفة. كان الأمر أشبه برجل يسب آخر، فيقول له: "أنت كلب".. فيطلب منه الناس الاعتذار.. فلا يزيد عن قوله: "لكنني لم أشتمه" .. وذلك كما لا يخفى على القارئ سباب إضافي، و تأكيد للسباب الأول.

نعم..

كل من شارك في العمل المجرم مجرم، وكل من رفض الاعتذار أيضا كذلك.

أما من تلاعب بالأحداث  وغير الوقائع و أنكر المعلوم بالضرورة فهو أكثر من مجرم ومن خسيس..

والحمد لله الذي هدى البابا شنودة إلى ما يشبه الاعتذار ( وهو غير كاف بأي حال) ، فقد نزع مؤقتا فتيل انفجار يعلم الله ماذا كان يمكن أن يحدث لو انفجر، ولقد كان فيما صدر عن البابا من شبه اعتذار كابحا لإجراءات كانت قد بدأت في الظهور. وكانت ستنال الأقباط وتمسهم مسا مباشرا. إجراءات كالمقاطعة الاقتصادية، حيث يسيطر المسيحيون على 60% من اقتصاد الإسكندرية، و 40% من اقتصاد مصر، وعلى غير ما يدعي عملاء المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، وجل أقباط المهجر، لعنهم الله أينما كانوا، على غير ما يدعون، فإن المسيحيين يتمتعون في مصر بوضع لا تتمتع به أي أقلية في العالم، إلا الأقليات الخائنة تحت سيف الطاغوت ( كما كان البيض في جنوب أفريقيا واليهود في العالم العربي) .. أقول أن ما يجب أن يحرص عليه الأقباط هو المحافظة على الوضع الذي وصلوا إليه، و أن يدركوا أن هذا الوضع يحمل أشد الغبن للمسلمين، الذين يشكلون الأغلبية الساحقة. و أن يدركوا، أن العالم الإسلامي، و إن كان غير قادر على الانتصار فهو غير قابل للتلاشي. و أن هذه الخاصية ستدور به مع الزمان حتى يجيء النصر الموعود، ولقد كان البابا شنودة، شديد الوعي بذلك حين منع الأقباط من زيارة القدس، حتى لا يكونوا أول من خان. ولقد كان موفقا في هذا، للدرجة التي جعلت تقدير كثير من المسلمين له، يفوق تقديرهم لشيخ الأزهر، فنحن مأمورون ألا يجرمنّا الشنآن ألا نعدل، ومأمورون أن نحكم بالظاهر، و ألا نشق عن قلوب الناس. وليس في هذا مبالغة، ولا مخالفة للولاء والبراء، ولا موالاة لغير مسلم على مسلم، بل لقد أدرك الضمير الجمعي الديني للأمة، أن الناس سبعة: أولها المؤمن وثانيها المسلم وثالثها الكتابي المسيحي ورابعها الكتابي اليهودي وخامسها المشرك والكافر وسادسها المرتد أما سابعها فهو المنافق الذي هو في الدرك الأسفل من النار، و أن ضمير الأمة يضع البابا في المركز الثالث، بينما يضع بعض شيوخنا – دون تعيين – في المركز السابع.

أقول أن البابا منع باعتذاره مقاطعة اقتصادية كانت ستؤذي الأقباط بلا شك، كما أنه كبح شعورا راح يتنامى بعد أن منعه الحياء من ذلك،  شعور بالغبن، وبالمهانة، و بأن الحكومة الضعيفة، فاقدة الحس والنخوة والكرامة، تستجيب للمسيحي مهما كان افتراؤه وظلمه، وتتنكر للمسلم مهما كان حقه.

وكان من ضمن ما يحرك هذا الشعور هو أن تعداد الأقباط لا يزيد عن ستة في المائة، و أن الحكومات المتعاقبة، الحكومات العاجزة الفاسدة العميلة، تتعمد عدم ذكر النسبة مجاملة للأقباط أو خوفا منهم، هذا الشعور لو وصل إلى غايته فسوف يطالب بحصر دقيق للأقباط، وسوف يتجاوز على سبيل المثال عن أن يحصل الستة في المائة على 10% أو حتى 12% من الاقتصاد لكن ليس أكثر، كما سوف يطالب بالتعامل وفقا للعرف الدولي، الذي يتجاهل بالكامل الأقليات الإسلامية في دول العالم، حتى لو وصلت هذه الأقليات إلى 30 أو 35% دون أي تمثيل على أي مستوى، بل سيطالب بإعطائهم تمثيلا يوازي تمثيل المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا أو ألمانيا، حيث تتقارب نسبة المسلمين هناك مع نسبة المسيحيين في مصر.

***

لقد كتبت ذات مرة أن تعداد النصارى في مصر يكاد يصبح لغزا، ليس لأنه مجهول ، لكن لأن هناك طريقة طريفة في النصب والاحتيال لا يتبعها إلا نصاب محترف، ذلك أن عدد الأقباط في مصر منذ الحملة الفرنسية إلى الآن يتراوح ما بين 5-6% من عدد السكان (حوالي أربعة ملايين نصراني) ويأتي النصابون من النصارى والعلمانيين الأشرار الذين يتملقونهم نكاية في الإسلام، ليخلطوا بين الرقمين: رقم العدد ( وهو هنا أربعة ملايين) وبين النسبة ( وهي هنا 6%). ففي المرحة الأولى يتم استعمال رقم النسبة المئوية بدلا من العدد فيكون تعداد النصارى ستة ملايين نسمة ( وليس أربعة ملايين أو 6% من عدد السكان) لكننا إذا ما حسبنا النسبة المئوية التي يشكلها الرقم المغلوط وهو الستة ملايين لوجدناهم يمثلون 8% من عدد السكان، وهو الرقم الذي يستعمل مع النسبة المئوية بشطب ما نشاء من طرفي المعادلة ليكون تعدادهم في المرحلة التالية ثمانية ملايين، لكن الثمانية ملايين لا يساوون 8% من عدد السكان بل 12%، يستعمل هذا الرقم عدة أسابيع ثم يتحول إلى أن عدد النصارى 12 مليون نسمة، وبعد عدة أسابيع من الحداثة ونسيان الماضي يكتشفون أن 12مليون مسيحي يشكلون 18% من السكان.. وهكذا دواليك .. حتى وصل الرقم الآن إلى 25% من عدد السكان نصارى.

وبهذه الطريقة لا يبقى سوى عدة خطوات ليكون النصارى هم الأغلبية في مصر..

وخطوات أخرى لتصل نسبة المسيحيين إلى 100% من الشعب المصري.

وفي مصر – بالذات- يمكن للنسبة أن تزيد عن 100%!!..

*** 

ورغم أن الدراسات العلمية الصادرة مؤخرا من باحثين مسيحيين لبنانيين تتحدث عن تعداد مسيحيي العالم العربي كله من المحيط إلى الخليج بأقل من عشرة ملايين، ورغم أن جميع الإحصائيات الرسمية المصرية منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى الإحصاء المعلن الأخير عام 1986 تؤكد على أن نسبة الأقباط من عدد سكان مصر شبه ثابتة ، وتتراوح حول  6% ، فإن البعض لا يكف عن التشكيك في صحة هذا الرقم، وللأمانة فإن منع إعلان الدولة للأرقام الإحصائية للسكان في العقد الأخير هو نوع من المجاملة للكنيسة .

*** 

في بحث علمي رصين أورده الدكتور محمد مورو في كتابه القيم: يا أقباط مصر انتبهوا – الناشر: المختار الإسلامي- حرر المسألة بأسلوب علمي خلصها من الأكاذيب التي تنشر عنها وتنثر حولها.

يقول الدكتور مورو ( بتصرف واختصار) : موضوع القضية همس يدور وشائعات تبذر في الظلام بأن الأقلية القبطية في مصر قد بلغ تعدادها أربعة ملايين ثم إذا بالرقم يرتفع إلى ستة ملايين ثم إلى ثمانية ملايين ويرتب مثيرو هذه الشائعات على هذا الادعاء حقوقا يضمنوها منشورات لم تعد سرا تداولتها الأيدي. والسؤال هو كيف وصل مثيرو هذه الشائعات إلى هذه الأرقام الإحصائية. والرد العملي يكمن في مناقشة هذا الادعاء في هدوء وموضوعية، ومع ذلك فلأي مواطن أن يطعن في هذه البيانات الرسمية أمام جهات الاختصاص كالمحكمة الدستورية أو مجلس الدولة مؤيدا دعواه بالأدلة القانونية، ولكن هذا الإجراء، الذي يبدو أنه الإجراء الوحيد لإثبات الحقيقة، هو الإجراء الوحيد الذي تجنبه الأقباط طول الوقت، ولقد طالبوا بكل شيء معقولا كان أم غير معقول، خائنا كان أم شديد الخيانة، لكنهم لم يتورطوا قط  في أن يطلبوا – على سبيل المثال – إجراء تعداد للسكان تحت إشراف الأمم المتحدة. تجنبوا ذلك لأنهم يدركون أنه لو حدث، فسوف يكشف كذبهم ويدحض ادعاءهم ويفضح مؤامرتهم.

لكن..  ماذا تقول الإحصاءات الرسمية عن نسبة الأقباط بين السكان؟

- أجرى أول تعداد في مصر على أسس علمية نظامية في أول يونيه 1897 بإشراف من دولة الاحتلال للتعرف على التركيبة الحقيقية للمجتمع المصري وأشرف على عملية الإحصاء المستشار المالي البريطاني مستر ألبرت بوانه وساعده في متابعة العملية عدد من الموظفين الإنجليز.

- في هذا الإحصاء بلغ مجموع سكان مصر 9.734.405 نسمة منهم 8.977.702 من المسلمين أي بنسبة 92.23% والباقي من المسيحيين واليهود، وفي هذا التعداد\\ كانت نسبة الأقباط الأرثوذكس: 7.3%.

- توالت عمليات التعداد كل عشر سنوات وتوالى ارتفاع عدد السكان بمختلف طوائفهم مع ثبات النسبة المئوية لكل طائفة، ففي تعداد عام 1907 وكانت نسبة  المسيحيين من جميع المذاهب بما فيهم الأقباط الأرثوذكس إلى 7.8% .

- وفى مارس  1917 أجرى التعداد الثالث تحت إشراف المستر كريج مراقب الإحصاء والدكتور أ. ليفي وهو إنجليزي يهودي وبلغت نسبة غير المسلمين (مسيحيون ويهود) 8%.

- وفى 9 يناير 1927 أجرى التعداد الرابع وأشرف عليه حنين بك حنين مراقب مصلحة الإحصاء وهو قبطي أورثوذكسى بمعاونة المستر كريج فبلغت نسبة جميع الطوائف المسيحية واليهود 33 ر8% مع ملاحظة تضاعف عدد الأقباط الكاثوليك ستة أضعاف والأقباط البروتستانت خمسة أضعاف ( تحت وطأة الضغوط والدعاية الأمريكية).

ولقد حافظت النسبة المئوية للسكان على أساس الديانة في جميع التعدادات التالية مع فارق الارتفاع التدريجي للأقباط الكاثوليك و البروتستانت لكن النسبة العامة للمسلمين إلى مجموع السكان ظلت مستقرة تقريبا وهى 92%. ذلك أن الإسلام في الأغلب الأعم دين يتحول الناس إليه  ولا يتحولون منه. أو قل هو الدين.

  في تعداد عام 1937 وكذلك عام 1947 و 1960 كانت نسبة جميع الطوائف المسيحية 7.33% منهم 6.49% من الأقباط الأرثوذكس. وتكررت النتيجة في تعداد عام 1976 كانت نسبة غير المسلمين  6.32% منهم 68.% من الأقباط الأرثوذكس.. هذا الانخفاض النسبي يعزى إلى ارتفاع في عدد الأقباط الكاثوليك والبروتستانت وإلى هجرة أعداد من الشباب القبطي الأرثوذكس المتعلم إلى استراليا وكندا والولايات المتحدة.

إن مناقشة هذه الأرقام التي جاءت نتيجة لنظام وضعت أسسه تحت إشراف إنجليزي وانتقل إلى إشراف مصري قبطي أرثوذكسي لا يسمح لإثارة الشكوك حوله ولا يسمح بنقض أو رفض و إلا تحولت أية مناقشة إلى سفسطة بسبب الإمعان في المبالغة والاختلاف وتحويل المئات إلى آلاف والآلاف إلى ملايين...

يواصل الدكتور مورو حديثه المفعم بالمرارة والاستياء والاستهجان: 

إن تعداد سكان دولة كمصر يحتاج إلى أكثر من 30 ألفا من الموظفين المسلمين والأقباط للمشاركة في إجرائه، وهل يمكن أن تجرى في الظلام مؤامرة يشترك فيها ثلاثون ألفا لا يعرف بعضهم البعض؟

ولعل الدكتور مورو يقصد تلك الأكاذيب الفاجرة التي يطلقها أقباط المهجر مع أصوات داخلية تدعي في صفاقة ليست غريبة على الطواغيت والمستعمرين والقتلة واللصوص في التاريخ، فيزعمون أن الحكومة المصرية تأمر آلاف مكاتب السجل المدني بتسجيل المسيحيين كمسلمين!!

ولم يقدم أبناء الأفاعي مثلا واحدا.. نعود إلى الدكتور مورو الذي لا يكتفي بكل ما أورده بل يلجأ إلى أرقام إحصائية تفصيلية  أخرى تؤكد ما ذهب إليه فينشر الإحصاءات التفصيلية على مستوى المحافظات التي تكاد أن تكون نسبتها مستقرة ثابتة، ففي الفترة بين عام 1897 و 1976 تراوحت نسبة الطوائف المسيحية في المحافظات الآتية (على سبيل العينة) على النحو الآتي:

أسيوط بلغت النسبة (وهى أعلى ما يكون على مستوى البلاد) بين21.7% و 19.9% وفى القاهرة بين15.9% و 10.3% وفى قنا بين 8.5 و 7.5% وفى الشرقية ما بين 2.1 و 1.3% وفى الدقهيلة بين 2% 1.1% .

ومع أن هذه البيانات استخلصت من إحصائيات مباشرة فإن هناك ميزانا لتقنين مدى صحتها وذلك بإجراء مقارنة لعدد المواليد والوفيات خلال عام من الأعوام على أساس الديانة وهى بيانات مثبتة في شهادات الميلاد والوفيات وتخطر بها أولا بأول منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة التابعتين لهيئة الأمم المتحدة.  ويورد الدكتور مورو جداول تفصيلية بالأعداد التي لم يجرؤ قبطي واحد على الطعن فيها، وما كان أسهل الطعن لو أن معهم ذبالة حق. ومن هذه الإحصائيات  يتضح أن النسبة المئوية على أساس المواليد والوفيات لغير المسلمين تدور في جميع الحالات حول 6.22% وهو ما يؤكد صحة التعدادات المباشرة.

***

يؤكد الدكتور محمد عمارة نفس الأرقام في كتابه ( بتصرف واختصار قليلين) : " في المسألة القبطية: حقائق وأوهام- دار الشروق".. ويضيف قائلا: وعلى هذا الدرب- الكذب في الأرقام والإحصاءات- سار سعد الدين إبراهيم وغيره حتى رأيناهم يبلغون بعدد أقباط مصر إلى سبعة ملايين.. وأحيانا عشرة.. وأحيانا خمسة عشر مليونا!!.. يحدث ذلك في بلد يقوم بإحصاء رسمي ودقيق ومحايد لعدد السكان ودياناتهم وطبقاتهم وتخصصاتهم كل عشر سنوات.. ويحدث ذلك في مصر منذ الاستعمار الإنجليزي حتى الآن.. وهذه الإحصاءات تعلن الثبات التقريبي لنسبة الأقباط إلى المسلمين، منذ أن كان القائم على التعداد الإنجليز والموظفون الأقباط وحتى آخر تعداد.. ففيما بين 1907 م و 1937م كانت نسبة النصارى- كل النصارى- إلى المسلمين أعلى قليلا من 8%.. ثم هبطت في تعداد 1947 م إلى 7.9%.. ثم أخذت- بسبب ارتفاع أعداد المهاجرين الأقباط.. وهجرة من هاجر من الأجانب مع جلاء جيش الاحتلال- في الهبوط، فكانت في سنة 1965 م7.3 %.. وفى إحصاء 1986 م 5.9%.. أي أن تعداد الأقباط - في ذلك الإحصاء- أقل من ثلاثة ملايين.. وليس عشرة ملايين، أو خمسة عشر مليونا؟!.. والذي يقر هذه الحقيقة.. ويؤكد على صدق الإحصاءات الرسمية، ليس كاتبا إسلاميا، وليس مرجعا كتبه مسلم.. وإنما هو مرجع في المعلومات والإحصاءات كتبه اثنان من النصارى.. أحدهما فرنسي- هو فيليب فارج- رئيس المركز الفرنسي بمصر- والثاني لبناني- هو رفيق البستاني- ففي هذا المصدر (أطلس معلومات العالم العربي: المجتمع والجغرافيا السياسية)- والذي نشرته دار نشر قومية- وليست إسلامية- هي " دار المستقبل العربي! سنة 1994 م".. في هذا المصدر الحجة.. نقرأ تحت عنوان (أقباط مصر) ما يؤيد ما سبق .

"ويصرخ الدكتور عمارة مفسرا تناقص أعداد المسيحيين:

الحقيقة أن أقباط مصر، شأنهم في ذلك شأن مسيحيي الشرق الآخرين، سبقوا المسلمين إلى تخفيض عدد المواليد، ولذلك قد هبطت نسبة عدد الأقباط بالنسبة للعدد الكلى للسكان من 3. 7% في سنة 960 1 م إلى 9. 5% في عام 986 1 " (..). تلك هي الحقيقة، كما أعلنها العلماء المحايدون.. المتدينون بالنصرانية، من غير المصريين!!

لكن الهدف- من الكذب الفاجر- هو "تضخيم الورقة"، التي تتحول!- بالكذب أيضا- إلى عقبة أمام الهوية الإسلامية للدولة والمجتمع والدستور والقانون!!..

*** 

 يؤكد المستشار طارق البشري ما سبق ، ويضيف إليه في كتابه  " الجماعة الوطنية: دار الهلال- أبريل 2005"  فيقول:

  واطرد التعداد كل عشر سنوات ، فجاء تعداد سنة 1976باجمالى عدد السكان نحو ستة وثلاثين مليونا وستمائة وستة وعشرين ألف نسمة ، المسلمون منهم نحو أربعة وثلاثين مليونا وثلاثمائة وأربعين نسمة بنسبة حوالي  7. 93% من الإجمالي والمسيحيون عددهم حوالي مليونين ومائتين وخمسة وثمانين ألف نسمة بنسبة 6.24% من السكان. وفى تعداد سنة 1986بلغ العدد الإجمالي للسكان نحو ثمانية وأربعين مليونا ومائتين وأربعة وخمسين ألف نسمة ، المسلمون منهم يبلغون نحو خمسة وأربعين مليونا ومائتي ألف نسمة بنسبة لا تقل عن 94% من السكان ، والمسيحيون عددهم لا يجاوز ثلاثة ملايين نسمة بنسبة لا تجاوز 6% من سكان ، وفى تعداد سنة 1996بلغ الإجمالي العام نحو تسعة وخمسين مليونا وثلاثمائة وثلاثة عشر ألف نسمة ، بنسب مسلمين وأقباط مشابهة ، ورأت الحكومة عدم إذاعته لئلا يتكرر اللغط في هذا الشأن مثلما حدث في سنة 1976عندما نشرت نتائج تعداد سنة 1976مبينا أن عدد الأقباط في مصر لا يجاوز 3. 2مليون نسمة بنسبة لا تجاوز 24. 6% من الإجمالي ، أثار بعض من أقباط المهجر القاطنين في  الغرب ، وفى الولايات المتحدة الأمريكية بخاصة ، هذا الأمر مثيرين الشكوك حول صوابه ، وانعكس ذلك في الصحف الغربية وفي استقبالات الرئيس السادات في زياراته للولايات المتحدة ، وأثير الموضوع في مجلس الشعب ، فتشكلت لجنة لتقصى الحقائق بالمجلس لدراسة نتائج التعداد ومناقشة المسئولين عن إعداده في الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وكان ذلك في عدة جلسات أهمها الاجتماع الثالث التي انعقد في 15 يونيه سنة 1980 برئاسة وكيل مجلس الشعب السيد محمد رشوان محمود، وكان أعضاء اللجنة وهم من أعضاء مجلس الشعب هم الأساتذة مختار هاني ووجيه لورانس ود. حلمي الحديدي ونشأت كامل برسوم. وحضر الاجتماع الفريق جمال عسكر رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وذكر رئيس الجهاز المركزي في شروحه لعملية التعداد أن من اشترك في عملية التعداد كانوا حوالي 70 ألف فرد وظهرت نتائجه في 81 مجلد، وشرح مراحل التدريب للعاملين بالتعداد وإجراءات العملية، وإن البيانات تتحول إلى أرقام رمزية ويجرى التعامل بهذه ا لأرقام، وأن إحدى استمارات التعداد تبين منها أن شخصا مسيحي وأن زوجته مسلمة فبقى البيان كما هو، وإن مسيحيين كثيرين اشتركوا في عملية التعداد ومنهم وكيل وزارة هو السيد/ موريس حنا غبريال كان هو المسئول تقريبا عن تعداد الوجه البحري كله. كما ذكر أن نسب المسلمين والمسيحيين في التعداد لم تتغير على مدى ثمانين سنة، وبيانات المسيحيين تشمل كل الطوائف المسيحية بما فيها الأجانب، وآن نسبة المسيحيين كانت في تعدادي 1897 و 7 0 9 1 كانت في حدود 6.3%، ثم ارتفعت في التعدادات الثلاث التالية (1917، 1927، 1937) إلى أكثر من 8% نتيجة ضم جيش الاحتلال الإنجليزي بما يشمله من أسر إلى المسيحيين، وبقى الأمر كذلك تقريبا في تعداد 1947 بسبب انتشار قوات الاحتلال الإنجليزي في أنحاء مصر وما يتبع ذلك من تواجد أسرهم، فضلا عن التبعيات الأجنبية المختلفة ذات الديانة المسيحية في غالبها، وكان ثمة مجموعات من الأجانب المسيحيين الذين أقاموا في مصر لمدد طويلة ثم تمصروا بعد إلغاء الحماية على مصر في سنة 1922 وإلغاء المحاكم المختلطة. وذكر أنه كما أن الزيادة في نسبة الأقباط من 6.3% إلى ما يجاوز 8% لم يكن نتيجة نمو طبيعي إنما يرجع إلى الهجرة إلى مصر قبل الحرب العالمية الأولى وأثناءها، فكذلك فإن الانخفاض النسبي في نسبة الأجانب من سنة 1960 يعكس هجرة الأجانب والمتمصرين من مصر بعد ثورة 23 يوليه 1952 ومع تصفية كثير منهم أعمالهم في مصر، وبخاصة بعد حرب سنة 1956 ومع قرارات التأميم التي صدرت منذ عام 1961، ثم الهجرة المسيحية شبه المنظمة إلى الخارج بعد حرب 1967 للاستيطان في الولايات المتحدة وكندا واستراليا ". وذكر في حديثه أيضا أمام اللجنة أن جميع التعدادات المصرية التي أجريت قبل سنة 1947كان أشرف عليها خبراء إنجليز وفرنسيون، وإن مدير الإحصاء في تعداد 1907كان فرنسيا ، ومدير الإحصاء في 1917كان إنجليزيا ، وهو الذي أشرف على تعدادي 1927و 1937 ويدعى مستر كريج ، وأن رئيس الإحصاء آنذاك كان حنين بك حنين ، وهو قبطي مصري ، ثم قدم إلى لجنة تقصى الحقائق بيانا بالإخوة المسيحيين الذين اشتركوا في التعداد (يقصد تعداد 1976لم سواء في اللجنة التحضيرية أو في التنفيذ الميداني ، أو في التعداد التجريبي والمراجعة وأعمال الإدارة ، وذكر أن نسبة المسيحيين إلى المسلمين تكاد تكون واحدة ، ذلك لأن نسبة نمو السكان واحدة ، سواء لدى المسلمين أو لدى المسيحي.  ثم ذكر أن وصله خطاب سب من شوقي فلتاؤس كراس المقيم في الولايات المتحدة يتهمه فيه بتزوير البيانات ويطلب محاكمته ، وأنه رد عليه بما يوضح نسبة تسلسل السكان المسيحيين إلى المسلمين على مدى مائة سنة(...).

وكان ممن عقبوا على هذا حديث السيد روجيه لورانس عضو لجنة تقصى الحقائق الذي ذكر: " أنه خلال السنوات العشر السابقة على التعداد الأخير ، لاشك أن هناك أعدادا مهولة من الشبان الأقباط قد هاجروا وأقاموا في بلدان أخرى كأمريكا واستراليا".

*** 

من حقي إذا بعد هذا الاستعراض المفصل  لأعداد الأقباط في مصر أن أسأل بني قومنا النصارى الذين أوصانا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 أي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..

إنهم يحصلون بالفعل على أكثر من حقوقهم بكثير في بحر من سماحة إسلامية بلا حدود..

أم أنهم يستقوون بالأجنبي ليحصلوا على باقي حقوق المسلمين..

و إلى أي مدى يبلغ هذا الاستقواء..

هل يبلغ إلى مدى الاستعمار الكامل لمصر..

ويجب أن نعترف أنهم حصلوا في عهود الاستعمار على مزايا تتجاوز عددهم بصورة فاجرة.. فهل يحن بعضهم إلى أيام الاستعمار؟..

دعونا نعود إلى الدكتور مورو مرة أخرى إذ يستشهد بالسير ألدون جورست المعتمد البريطاني في تقريره المرفوع إلى حكومته بتاريخ 10 مايو 1911 والذي يلقى الضوء على محاولات بعض المتطرفين الأقباط إثارة الخواطر بدعوى أن الأقباط في مصر لا يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها المواطنون المسلمون قال  جورست: 

إن المسلمين يؤلفون 92% من مجموع السكان ويمثل الأقباط أكثر قليلا من 6% (...) لهذا فإن فكرة معاملة قطاع من سكان البلاد كطائفة مستقلة في نظري يمثل سياسة خطأ سوف تكون في النهاية مخربة لمصالح الأقباط.. إن شكوى عدم تطبيق العدالة مثلا في التعيين في الوظائف الحكومية تنقصه الإحصاءات التي تبين أن الأقباط يشغلون نسبة من الوظائف العامة تزيد بكثير عن نسبة قوتهم العددية التي تسمح لهم بذلك (...) إن جملة العاملين بوزارات الحكومة بلغت 17596 منهم 9514من المسلمين أي بنسبة 54.69% و 8208 من الأقباط أي بنسبة 71ر45% بينما في بعض الوزارات ترتفع هذه النسبة أكثر بكثير.. فوزارة الداخلية وإداراتها المحلية تضم 6224 موظفا منهم37.7% من المسلمين  والباقي من الأقباط(بنسبة الثلث من المسلمين والثلثين من المسيحيين.. وفي وزارة الداخلية بالذات!!)..

من هذا يتبين أن الأقباط يمثلون في الجهاز الحكومي من حيث العدد والمرتبات نسبة لا تتكافأ مطلقا مع نسبتهم العددية. .. إنني لا أقر مطلقا في ضوء مصالح الأقباط أنفسهم أن أشجع أي نظام من شأنه أن يحدث انشقاقا بين الطوائف المسلمة والقبطية لأنه ليس في صالح الطائفة القبطية .

أي تمثيل نسبي و أي حقوق إذن؟..

النسب السابقة لم نوردها نحن ولم ندعيها.. لقد سجلها المندوب السامي البريطاني ووجهها إلى حكومته في عام 1911 وهو مسيحي وليس مسلما!! .

وعلينا أن نلاحظ هنا أن الأقباط الذين كانوا وما يزالون يتمتعون بنسبة من الثروة والوظائف والمهن تفوق عشرة أضعاف نسبتهم العددية ، لم يقنعوا بهذا ، إنهم يريدون أكثر، لكن إلى أي حد؟!.. لم يقولوا حينها ولكن بعضهم يقولونها الآن: يريدون كل شيء!!  إلى حد  طرد المسلمين من مصر!! لأن المسلمين أتباع دين بدوي وافد!!.. وكأنما الأديان محلية، وكأنما عبد الله  المسيح عيسى ابن مريم قد أرسل إلى مصر،  ولماذا هم مسيحيون إذن وقد أرسل عبد الله سيدنا عيسى في فلسطين؟! لماذا والمسيحية دين وافد أيضا.. وما كان معظم دعاتها في البداية إلا بدوا ينتمون إلى الهكسوس ( ليس في هذا أي إساءة.. بل هي المراجع التاريخية، والأمر برمته تناولته في مقال سابق منذ سنوات).. لماذا يمارسون طريقة الساقطات من النساء في الإسقاط والاستهانة برعي الغنم وبالبدو وهم يقصدون بذلك العرب والصحابة عليهم رضوان الله وسلامه؟.. ألم يرع كل الأنبياء الغنم حتى اعتبر رعي الغنم من خصائص وعلامات النبوة؟.. في كلمة واحدة لعبدة الشيطان : ألم يرع عبدا الله موسى وعيسى عليهما السلام الغنم؟؟.. يا ذئاب يا كلاب!!..

***

من حقي أن أسأل بني قومنا النصارى الذين أوصانا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 أي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..

ينقل الدكتور محمد عمارة عن كتاب "آدم متز": الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري" ترجمة د. محمد عبد الهادي أبو ريدة. ط بيروت-67:

لقد درس المستشرق الألماني الحجة "آدم متز" (1869-1917 م) تاريخ المجتمعات الإسلامية، ورأى كيف كانت الدولة وأجهزتها الحساسة في أيدي الأقليات النصرانية، فكتب يقول: لقد  كان النصارى هم الذين يحكمون بلاد الإسلام .

***

 أي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..

يواصل د عمارة أن الأرقام- التي لا تكذب ولا تجامل- تعلن أن الأقلية القبطية- التي لا تتعدى الثلاثة ملايين- هي الحاكمة الفعلية في المجتمع المصري- الذي يزيد تعداده على الستين مليونا!!- فهم يملكون ويمثلون:

22.5% من  الشركات التي تأسست بين عامي 1974 م و 1995 م !.

-  و 20%  من شركات المقاولات في مصر..

 - و 50% من المكاتب الاستشارية..

 - و 60% من الصيدليات..

 -  و 45% من العيادات الطبية الخاصة..

-  و35% من عضوية غرفة التجارة الأمريكية.. وغرفة التجارة الألمانية..

 - و 60% من عضوية غرفة الجارة الفرنسية (منتدى رجال الأعمال المصريين والفرنسيين.

-  و 20% من رجال الأعمال المصريين..

 - و 20% من وظائف المديرين بقطاعات النشاط الاقتصادي بمصر.. 

 - وأكثر من 20% من المستثمرين في مدينتي السادات والعاشر من رمضان..

 - و 9، 15% من وظائف وزارة المالية المصرية.

 - و 25% من المهن الممتازة والمتميزة- الصيادلة والأطباء والمهندسين والمحامين.. والبيطريين..

أي أن 5.9% من سكان مصر- الأقباط- يملكون ما يتراوح بين 35% و 40% من ثروة مصر وامتيازاتها ؟!....

الدكتور محمد عمارة لم يؤلف هذه النسب.. بل لقد استقاها من مصادر بعضها أكثر نصرانية من النصارى، كروز اليوسف .. نعم .. كل الإحصائيات السابقة منقولة عن: تقرير "روزاليوسف) واتحاد المهن الطبية، و"اتحاد المقاولين" و"مجلة المختار الإسلامي" عدد 15 ربيع الأول سنة 1419 هـ- يوليو سنة 1998  م. وجمال بدوى (الفتنة الطائفية) ص 116 طبعة القاهرة سنة 1992 م.. 

فأي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

بسم الله الرحمن الرحيم..

 ) ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً $ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً $ وَبَنِينَ ينَ شُهُوداً $ وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً $ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ $ كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً $ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً $ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ $ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ $ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ( (المدثر).

***

ترى كم هي نسبة الأقباط في الأمية وفي سكنى المقابر وفي البطالة وفي المعتقلات وفي المقتولين من التعذيب؟؟.. وكم نسبتهم في الجامعات.. كم نسبتهم في أصحاب البلايين وكم نسبتهم في أصحاب الملايين..

كم نسبتهم.. 

كم نسبتهم..

كم نسبة الكنائس إلى عدد السكان؟ و أيها أكثر..؟

نسبة الكنائس أو نسبة المساجد؟؟ ولماذا لم يتطرق الأقباط إلى هذه التساؤلات قط..

كم نسبتهم..

***

ثم أن المسلمين سيطالبون حكوماتهم الفاسدة الفاسقة العاجزة العميلة، بمساواة المساجد بالكنائس، وجعلها قلاعا لا يعرف أحد ماذا يجري فيها، وبتمكين كل مسجد من إنشاء فرقته المسرحية و إصدار صحيفته!!..  بل قد يفكر البعض بأن العدل يقتضي باعتماد نسبة المسيحيين التي يقولونها هم بألسنتهم.. ليكون لهم في المعتقلات دون محاكمة ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف.. و أن يعدم منهم – بأحكام عسكرية – عشرون أو ثلاثون.. و أن ينكل بهم ويعذبوا كما ينكل بالمسلمين!!..أو بأن تفتح الكنائس قبل الصلاة بخمس دقائق وتغلق بعدها بخمس دقائق .. تحت رعاية مباحث أمن الشيطان.

أما عن تمثيلهم في المجالس النيابية فلماذا لا يعرضون أنفسهم على الناس؟.. لماذا لا يتقدمون للترشيح؟.. لماذا يقتصر جهدهم على لطم الخدود وشق الجيوب لأن الحزب الوطني لا يرشحهم على قوائمه، والحزب الوطني لا يرشحهم لأنهم ساقطو الأهلية، وسوف يفقد الحزب المقعد الذي يرشحهم عليه، كما أنهم يعلمون أن نواب الحزب ينجحون في الأغلب الأعم بالتزوير. لقد كان نواب الأقباط ينجحون بأصوات المسلمين عندما كانوا يدافعون عن الأمة والوطن والشرف والكرامة.. بل وعن المسيحية الأرثوذكسية أيضا.. لكن.. بعد أن انضموا إلى أمريكا و إسرائيل.. بعد أن خرجوا على إجماع الأمة وخانوها في لحظة حرجة من لحظات التاريخ لن تنسى لهم أبدا.. و أظن الوقت الذي سيبدءون دفع الثمن فيها قد اقترب إن لم يكن قد بدأ بالفعل....

نعم.. بعد هذا كله  أصبح من الصعب جدا إن لم يكن من المستحيل أن يحصلوا على أصوات المسلمين.. بل ولا على أصوات المسيحيين الشرفاء أيضا.

***

إن المسلمين يسجنون ويطاردون ويعتقلون ويعذبون ويقتلون في أمريكا لمجرد أنهم مسلمون.. فهل عانى المسيحيون طيلة عهود الدولة الإسلامية مثل ذلك؟!..

***

كنت أراقب بعض الوجوه على شاشة التلفاز تتحدث، أعترف أن بعضها كان من روز اليوسف، وبعضها من حزب التجمع وبعضها من الحزب الوطني ، بالإضافة إلى القمل  والديدان والطفيليات التي تنمو على جسده وتتغذى ويسمونها أحزاب معارضة متحالفة معه ، أما البعض الآخر فهو وجه النخبة العلمانية من أدعياء الثقافة. كنت أراقب الوجوه جزعا فزعا، قلت لنفسي ليس لهم من البشر إلا الإهاب، كل شيء فيهم لم يتعفن ويتنتن فقط بل قد ذوى وتلاشى أيضا، إنهم كتلك الحيوانات المحنطة التي تحنط بإتقان شديد، حيث يفرغ داخلها كله وتحشى بالقش.. نعم.. لا روح ولا عقل ولا قلب.. فقط القش.. لا شيء له قيمه.. فقط القش.. كنت أتأمل الوجوه في فزع وخلاياي تصرخ: شاهت الوجوه.. شاهت الوجوه.. شاهت الوجوه وانعدمت الضمائر.. كانوا بلا روح وكانت رائحة عفنهم تتسلل عبر شاشة التلفاز إلىّّ.. كنت أعرف أن صفقة كهذه لا يمكن أن تتم إلا بمباركة الشيطان وتوجيهاته ورعايته.. الشيطان أصلا لا فرعا وحقا لا مجازا.. كنت أستعيد بعض قصيدة لأمل دنقل:

تُرى.. حين أفقأ عينيك و أضع جوهرتين مكانهما..

تُرى .. هل تَرى..

هي أشياء لا تُشترى..

قلت لنفسي.. بل لم تكونا جوهرتين.. كانا كيسين من القش..

***

الأقباط جزء من نسيج الشعب المصري، ليسوا أكفأ أو أكسل، ولا هم أذكى ولا أغبى.. و كان الوضع الطبيعي أن يتمتعوا بنسب من الثروة والأعباء تتناسب مع عددهم.. ولكن الاستعمار الصليبي خلق هذا الخلل الشديد وجعلهم يتمتعون بعشرة أمثال نسبتهم العددية لخلق وضع غير قابل للاستمرار، لزرع شحنة قابلة للانفجار في أي وقت، لكن سماحة الإسلام والمسلمين تغاضت عن هذا كله، دون أي محاولة لتغيير الوضع أو إزالة الظلم الواقع عليهم من واقع مقلوب، ولم يحاولوا تغييره ولا حتى بالانحياز الاقتصادي لإخوانهم من المسلمين أو مقاطعة الأقباط..

)ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ..(

إن نسبة الكنائس إلى السكان أعلى من نسبة المساجد،  فحسب التقرير الاستراتيجي للأهرام لسنة 1999 ، فإن هناك كنيسة لكل سبعة عشر ألف قبطي ، بالمقابل هناك مسجد لكل ثمانية عشر مسلم.

ويعلق الدكتور عمارة على ذلك قائلا:  إذا كانت نسبة الكنائس لعدد النصارى تكاد أن تساوى نسبة المساجد لعدد المسلمين. فإن الواقع يقول: إن الكنائس مفتوحة على مدار النهار والليل.. والمساجد تغلق عقب الصلاة.. ومنبر الكنيسة حر كل الحرية، ومنبر المسجد مؤمم، لا يرقاه إلا من ترضاه وترضى آراءه "الأجهزة"!.. والشباب القبطي المتدين ينام في بيته آمنا، ونظيره المسلم يعيش في رعب قوائم "الاشتباه "!.. وأروقة الكنائس مفتوحة أمام التبتل النصراني- وحتى الرهبنة- بينما الشاب المسلم إذا أراد الاعتكاف بالمسجد في رمضان، لا يتاح له ذلك إلا إذا تقدم بصورة البطاقة إلى "الأجهزة"، التي تضعه- فورا- في القوائم المرشحة لما يعرفه الجميع!!.. وأوقاف الكنائس قائمة، وفى نمو- وهى تحفظ لها استقلال الموقف والتوجه والقرار-.. بينما أوقاف المساجد والأزهر ومؤسسات الخير الإسلامية، قد أممت، واغتالتها البيروقراطية الحكومية، واغتالت معها حرية هذه المؤسسات في التوجه والقرار!!..

 *** 

أي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..

والمسلمون يتمنون المساواة بالأقباط  على كافة المستويات..

أما الأمل في أن تتساوى الأقليات الإسلامية في العالم بمثل ما تتمتع به الأقلية القبطية في مصر فيبدوا مستحيلا..

***

من حقي أن أسأل بني وطننا من النصارى الذين أوصانا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 أي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..

أسألهم جميعا و على رأسهم البابا..

أستثني من السؤال فقط الفجرة من نشطاء المهجر وهم ليسوا أقباطا بل مجرمين وعملاء وجواسيس  وهم مستعدون للقدوم على ظهر الدبابات الأمريكية لينكلوا بالشعب كله مسلمين و أقباط..

أسأل أي حقوق..

أسألهم..

أسأل البابا شنودة أي حقوق مهضومة لهم و أي مظالم مدعاة تقع عليهم.. 

وليذكر لي البابا أو أي واحد من الأقباط أقلية مدللة كما يدلل الأقباط في مصر..

بل هاتوا لي أقلية مسلمة تتمتع بمعشار ما يتمتع به الأقباط في مصر..

هل يتمتع المسلمون في الهند أو الصين أو حتى أوروبا و أمريكا بما يتمتع به الأقباط في مصر؟ ..

يبلغ عدد المسلمين في الهند مائة مليون ( 15% من السكان) يذبحون ويحرقون أو يغرقون أحياء وينكل بهم أيما تنكيل..

 وفي الصين يبلغ عدد المسلمين  120 مليونا ( 11% من السكان) وقبل أن يتشكك القارئ في العدد الهائل عليه الرجوع إلى كتاب نشره كتاب اليوم ( أكتوبر 2005) بعنوان "المسلمون في الصين" .. وسلسلة كتاب اليوم هذه ليست تابعة لطالبان ولا للشيخ المجاهد  أسامة بن لادن رضي الله عنه بل لمؤسسة أخبار اليوم.. وهي مؤسسة نبتت في البداية في رحم الأمريكيين.. ولم تثر حولها طيلة تاريخها أية شبهة للتعاطف مع الإسلام أو المسلمين..

ينال المسلمون في الصين حقهم الكامل من السحق والتذويب رغم أن نسبة عددهم تصل إلى ضعف نسبة عدد الأقباط في مصر..

    وفي روسيا حوالي أربعين مليونا من المسلمين  ( 20% من السكان) ينكل بهم منذ ثلاثة قرون على الأقل.. سحقوا وحرموا من ممارسة أي شعيرة من شعائر دينهم وكان القتل نصيب من يكتشفون أنه ما يزال مسلما.. نعم.. عانى المسلمون في روسيا من شتى صنوف التعذيب والاضطهاد ومنعوا من إقامة الصلاة والصيام والحج والزكاة حتى الكتب الدينية والمصاحف لم تسلم من الروس فمنعوا طباعتها، وتم إنشاء مدارس لتلقين أصول الإلحاد وخلق جيل إسلامي لا يعرف عن الدين شيئا وانتشرت الكتب والمجلات التي تشوه صورة الإسلام والمسلمين.

 وعندما حاولت أذريبجان المسلمة الاستقلال تعرضت لما يشبه حرب صليبية حتى يخبو صوتها وفي الشيشان تعرض أهلها لشتى أفانين البطش والتعذيب فكان يتم نقل الأهالي في عربات الماشية ويتم إلقاؤهم بمجاهل الصحراء وتعرضوا لشتى أنواع التعذيب والتصفية الجسدية وتم طرد المسلمين من منازلهم وضياعهم واستولوا على ممتلكاتهم. 

***

نعم.. كان عدد المسلمين داخل ما كان يعرف  بالاتحاد السوفيتي أربعون مليونا، ويلاحظ أن عدد الولايات أو الأقاليم الستة عشرة منها ستة أقاليم يمثل المسلمون فيها أكثرية تبلغ في بعضها 95% وبالطبع تلاشت هذه الأكثرية وتحولت إلى أقلية; فألغيت المحاكم الشرعية في المناطق الإسلامية عام 1926م، ومنعت الأنشطة الإدارية الدينية واشتدت حملات الإرهاب الشرسة ضد المسلمين فاعتقل ابتداء من عام 1928م أكثر من مليون ونصف المليون من المسلمين، وفي عام 1929م أغلقوا وهدموا أكثر من عشرة آلاف مسجد، وأكثر من أربعة عشر ألف من المدارس الإسلامية.  واتبعت الشيوعية أساليب ترجو من ورائها إذابة المسلمين وتمييع كيانهم، وكان لمحنة الأقليات المسلمة في الإتحاد السوفيتي أبعاداً ذات خطورة لا يتصورها عقل بشري وخاصة ونحن في القرن العشرين; حيث هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، ولجنة حقوق الإنسان والقانون الدولي العام.

وفي بلغاريا يتم إجبار المسلمين على تغيير أسمائهم..

دعنا من أسبانيا.. فلم يعد فيها أية أقلية مسلمة.. أبيد الجميع أو طردوا بعد أن سُرقوا ونكل بهم..

  وفي كل من بورما و الفليبين  يبلغ عدد المسلمين 6% وفي البرازيل 11% وفي الغابون 5%  وفي جبل طارق 8%  وفي رواندا 14% وفي رومانيا 20% وفي فرنسا 7% وفي الفليبين 14% وفي زامبيا 15% وفي زيمبابوي 15%وفي الولايات المتحدة الأمريكية 3,5% (حوالي عشرة ملايين) وفي ليسوتو 10%  وفي فيجي 11% وفي بنما 4% وفي غويانا 15% وفي يوغسلافيا ( صربيا) 19% وفي سيريلانكا 9% وفي منغوليا 5.6%  وفي بتسوانا 5% وفي السويد 3.6% وفي سويسرا 4.5%  وفي ناميبيا 5% وفي نيبال 4%  وفي النمسا 5% وفي النيجر  وفي ترينداد وتوباغو 12% وفي جورجيا 11%  وفي أنجولا 25% وفي أندونيسيا 88% وفي أوزبكستان 88% وفي أوغندا 36% وفي إيران 99% وفي باكستان 97% وفي البحرين 100% وفي الإمارات 96% وفي أثيوبيا 65% وفي إريتريا 80% وفي أفغانستان 99% وفي جمهورية أفريقيا الوسطى 55%وفي ألبانيا 80% وفي الإمارات 96% وفي بروناي 67% وفي بريطانيا 5,1% وفي بلجيكا 4% وفي بلغاريا 35% وفي بنجلاديش 83% وفي بينين 20% وفي وفي بوركينوفاسو 50%وفي بوروندي 20% وفي البوسنة والهرسك 43% وفي تركمانستان 87% وفي تركيا 99,8% وفي تشاد 65% وفي تنزانيا 65% وفي توغو 55% وفي تونس 98% وفي الجزائر 99% وجزر القمر 98% وفي جيبوتي 94% وفي ساحل العاج 60% وفي السعودية 100% وفي سنغافورة 25% وفي السنغال 95% وفي سوازيلاند 10% وفي السودان 85% وفي سوريا 90% وفي سورينام 25% وفي سيراليون 65% وفي الصحراء الغربية 100% وفي الصومال 100% وفي طاجكستان 85% وفي عمان 100% وفي العراق 97% وفي غامبيا 90% وفي غانا 30% وفي غينيا 95% وفي غينيا الاستوائية 25% وفي غينيا بيساو 70% وفي فلسطين المحتلة قبل 67:  12% وفي غزة والضفة 85% وفي قازاقستان 51% وفي قبرص 33% وفي قرقزستان 76% وفي قطر 100% وفي الكونغو 15% وفي الكويت 89% وفي الكاميرون 55% وفي كينيا 29.5% وفي لبنان 70% وفي ليبيريا 30% وفي ليبيا 100% وفي مالطا 14% وفي المالديف 100% وفي مالي 90% وفي ماليزيا 52% وفي المجر 6% وفي مدغشقر 20% وفي مصر 94% وفي المغرب 99% وفي مقدونيا 40% وفي ملاوي 35% وفي موريتانيا 100% وفي موريشيوس20% وفي موزمبيق 29% 91% وفي نيجيريا 75% وفي اليمن 99%. ( بتلخيص شديد وتصرف عن: جمعان بن عبدالله الغامدي)..

أسأل البابا شنودة و أي قبطي مصري هل يتمتع المسلمون في أي من هذه البلاد بما يتمتع به الأقباط في مصر.. 

بل لقد بلغ الأمر أن هناك بلادا كالحبشة يصل تعداد المسلمين فيها إلى 65% محرومون من حقوقهم السياسية حرماناً كاملاً، لا وزير لهم في الحكم، ولا رجل في منصب حيوي. ولا يدرس لأبنائهم الإسلام في مدارس الدولة التي يشرف عليها النصارى، ولا يتاح لهم أن يفتحوا مدارس لتعليم أبنائهم القرآن والدين.

وفي فرنسا، قلب الحضارة الغربية، تقوم دعوة متزايدة تنادي بطرد المسلمين من فرنسا، وارتكب أصحاب تلك  الدعوة أعمالا وحشية، فألقت بخمسة من المسلمين من قطار " المترو " أحياء، أثناء سير القطار، فقتلوا على التو. وتهاجم مظاهراتهم المسلمين - والنساء المحجبات خاصة - في طرقات باريس، مدينة النور، وإحدى كبريات عواصم " العالم الحر "! هذا والمسلمون في فرنسا هم الأغلبية الثانية بعد النصارى، ويبلغ عددهم خمسة  أو ستة ملايين.

ليعطينا البابا شنودة المثل الذي يريدنا أن نحتذيه.. 

ليختر أي أقلية في هذا العالم المترامي الأطراف  ويقول لنا: عاملونا مثل هؤلاء!!..

*** 

أسأل البابا شنودة ألا يخشى من النار التي يشعلها رعاياه في الداخل والخارج؟!..

أسأله ألا يخشى أن ينفد صبر المسلمين الذي يبدو فعلا بل حدود..

أسأله ألا يخشى أن رد الفعل لا يكون دائما من علماء يلتزمون بقواعد الشرع، بل ربما يأتي من عامة الناس غضبا لدينهم واحتجاجا على استفزاز مجرم يمارسه مجرمون من الأقلية ضد الأغلبية.. ألا يخشى أن قوات الأمن التي حمت الكنائس والأقباط – بمساعدة الأهالي المسلمين – هذه المرة يمكن تحت وطأة الاستفزاز الفاجر أن تنضم  إلى الجماهير في المرة القادمة..

هل يتصور مدى المذبحة..

ألا يخشى البابا شنودة على نفسه..

إنني أقرأ المستقبل من كتاب مفتوح كما قرأته في حرب الخليج و أنذرت دون مجيب..

نعم ..

أقرأ المستقبل..

مصر الآن ليست الهدف المباشر.. و إنما يتم التسخين فيها فقط..

الدور المباشر الآن على سوريا.. تتلوها السودان .. تتلوها إيران.. ثم يأتي دور مصر ليسبق القضاء المبرم على السعودية..

أقرأ المستقبل لا اطلاعا على الغيب ولا تنجيما ولا كهانة  و إنما أستعمل عقلا وهبنيه الله فأرى كيف سيتم إشعال الفتنة في مصر..

نعم.. سيتم اغتيال اثنين أو ثلاثة لينفجر بعدها طوفان الدم..

سوف يتم اغتيال البابا شنودة.. والدكتور يوسف القرضاوي وعمرو خالد.. لتبدأ عاصفة الشيطان التي يحملها إلى العالم رسول الشيطان : بوش!!..

لكن يبدو أن البابا شنودة متورط في المشروع الغربي بأكثر مما نظن.

لكن هذا التورط للأسف – وربما العكس!!- ليس دينيا..

كما أن ثقته في هذا المشروع الغربي  أكثر مما يجب..

لذلك يلجأ باستمرار إلى التصعيد والصدام.. غير مدرك أن نهايته ستكون في موجة من موجات ذلك التصعيد، على يد عميل للموساد أو المخابرات الأمريكية.. ثم يتم اتهام مسلم.. ويأتي الخنزير ميليس.. ويكون البابا قد خدم "شعبه القبطي!!" حيا وميتا.. يكون قد خدم شعبه ودمر أمته ووطنه..

*** 

نعم

يستقوي أقباط المهجر بالعدو، بالأمريكيين و إسرائيل.

ولقد صمد معظم الأقباط المصريين للغواية طيلة التاريخ.. ولم يبدأ انهيارهم إلا منذ نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، للأسف مع مجيء البابا شنودة. الذي تنكب عن إعطاء ما لقيصر لقيصر.. بل ازدرى قيصر العربي  واستهان به وابتزه واستقوى بالرومان عليه حتى أصبح كأنه هو القيصر!!.

قبل الإسلام كان القبط ينظرون إلى المسيحيين الرومان ككفرة.  وكان هذا هو السبب في ترحيبهم بالمسلمين عند فتح مصر، واستمر هذا الموقف أثناء الحروب الصليبية، حيث انضم القبط إلى المسلمين في دحر العدو، بل إن الخط الهمايوني الذي لا يكفون عن الصراخ منه والتنديد به وفضحه كان مطلبا ملحا من الأقباط إلى الباب العالي لحمايتهم من الأمريكيين الذين كانوا قد بدءوا يبنون عشرات الكنائس في صعيد مصر في القرن التاسع عشر ( نفس توقيت إنشاء الجامعة الأمريكية في بيروت)..  ويعلق الأستاذ جمال سلطان في مقال له بمجلة المنار على ذلك بأن الخط الهمايوني إنما تم  بطلب ملح ومتكرر من قبط مصر ، وبعد استغاثات للكهنة والوجهاء الأقباط في مصر إلى الباب العالي لحمايتهم من الغزو الكنسي الكاثوليكي والبروتستاني الذي انتشر في مصر انتشار النار في الهشيم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وأصبحت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية مهددة بالانقراض بعد تحول أعداد كبيرة من أتباعها إلى الكاثوليكية والبروتستانتية ، وللمعلومية ما زالت هذه المخاوف تقض مضاجع الكنيسة المصرية وفي خاطرها دائما واقعة الأب دانيال البراموسي الذي انشق عنها ومعه عشرة آلاف قبطي تحولوا جميعا إلى الكاثوليكية، المهم أنه بعد أن بدأت قوات الغزو الأجنبي في تعزيز ودعم بناء الكنائس الأخرى ، استغاث أقباط مصر بالباب العالي وناشدوه وقف بناء مثل هذه الكنائس وحظر البناء أو الترميم إلا وفق شروط مشددة ، فاستجاب الباب العالي بعد إلحاح كبير ، وعندما صدر هذا القرار اعتبرته الكنيسة المصرية عيدا ويوما تاريخيا..

بيد أن الدكتور محمد عمارة يفاجئنا مفاجأتين هامتين في كتابه: "في المسألة القبطية: حقائق و أوهام" دار الشروق القاهرة..

نعم..

يفاجئنا بمفاجأتين  خطيرتين: الأولي أن الخط الهمايوني الذي لم يكفوا عن تشويهه والتنديد به كان إصلاحا هائلا نتمنى أن يطبق على الأقليات المسلمة حتى الآن..

أما المفاجأة الثانية فهي أن القانون لم يطبق في مصر على الإطلاق..!!

ويكاد الدكتور محمد عمارة يتفتت من الألم وهو يصرخ:

- اكذب.. ثم اكذب.. فإنك لابد واجد من يصدقك!!

تلك كانت فلسفة النازية والفاشية في الثقافة والإعلام.. ترديد اكاذيب، والإلحاح على عقول الناس بتكرار هذه الأكاذيب، حتى يصدقها الناس، بل وتصبح عندهم من البدهيات والمسلمات!.. ولقد كانت تتوارد إلى خاطري هذه المعاني كلما سمعت أو قرأت- بصدد الهجوم على مصر، والتهجم على حكومتها- أن مصر مازالت- بعد نحو قرن من زوال الدولة العثمانية- تطبق على مواطنيها الأقباط قانونا عثمانيا- صدر سنة 1856 م- اسمها الخط الهمايوني!، وأن بناء الكنائس في مصر لا يزال إلى الآن محكوما ببنود هذا الخط الهمايوني!.. وكان عجبي يتزايد، ليس فقط من الكذب والكاذبين، وإنما من حكومتنا التي تنفق بسخاء على طوابير من المثقفين ومن ترزية القوانين، كيف لا تفكر هذه الحكومة في تحقيق هذا الأمر، لنفى ودحض هذه الأكذوبة، التي غدت سبة في جبينها، يرددها صباح مساء العملاء من أقباط المهجر، والأعداء في دوائر الكونجرس الأمريكي، واللوبي الصهيوني في أمريكا(...) وإذا كان الهدف هو تجلية الحقيقة، لنفى ودفن الأكذوبة، فلنبدأ بتعريف القارئ بمعنى هذا (الخط الهمايوني).. إن  معنى كلمة الخط هو القانون.. ومعنى الهمايوني هو الشريف.. " الخط الهمايوني" إذن هو القانون السلطاني الشريف والمعظم. وهذا الخط الهمايوني، هو واحد من القوانين الإصلاحية- التي سميت بالإصلاحات الخيرية- تلك التي أصدرها السلطان عبد المجيد خان (1255- 1277هـ) لإنصاف الأقليات غير الإسلامية من رعايا الدولة العثمانية، وإزالة مظاهر التمييز بينهم وبين المسلمين، وتقرير المساواة بين كل رعايا الدولة، بصرف النظر عن العقيدة الدينية.. (...) أي أن هذا الخط الهمايوني، قد صدر ليحقق الإنصاف والإصلاح، سدا لثغرات التدخل الاستعماري في شئون الدولة، تلك الثغرات التي كانت متمثلة في الأقليات ذات الارتباطات والعلاقات المذهبية مع القوى الاستعمارية الكبرى في ذلك التاريخ- القيصرية الروسية.. وفرنسا.. وإنجلترا.. ولقد نص هذا الخط الهمايوني على ضرورة رفع المظالم المالية عن النصارى، سواء تلك التي كانت لحساب جهاز الدولة أو لحساب كبار رجال الدين في طوائف هؤلاء النصارى ففي هذا القانون  تقرر رفع المظالم عن كاهل النصارى، وتنظيم الرواتب والمعاشات للرهبان ورجال الدين وتكوين مجالس- بالانتخاب العام- لإدارة شئون هذه الملل والطوائف غير المسلمة.. (...) ولتقرير المساواة بين جميع الرعية، من كل الديانات والمذاهب، في تولى الوظائف العامة بالدولة، والمدارس، المدنية والعسكري(...) وفوق كل ذلك، فتح هذا الخط الهمايوني، الباب لهذه الطوائف والملل كي تنشئ المدارس الخاصة بها، على اختلاف تخصصاتها (...) كذلك نص الخط الهمايوني على كامل المساواة بين المسلمين وغيرهم في الخراج، والخدمة العسكرية، وسائر الحقوق.. (..) ولتقرير المساواة بين غير المسلمين والمسلمين في التكاليف المالية والخوارج، وإزالة أي تفرقة أو تمييز بين الرعية في ذلك..(..) .. أما بناء الكنائس الجديدة، فلقد أباحه الخط الهمايوني، بعد تقديم طلب البناء، والتأكد من ملكية الأرض التي سيتم عليها البناء، وذلك دون رسوم أو تكاليف.. 

يصرخ الدكتور محمد عمارة أن هذه الإصلاحات قد صدرت قبل قرن ونصف قرن إلا أنها ما زالت تمثل مطالب ومقاصد، بل وأمنيات، للأقليات المسلمة في كثير من بلاد النور والتنوير والديمقراطية الغربية في القرن الواحد والعشرين!!.. لكن الكذبة لا يكتفون بتشويه التاريخ، اعتمادا على الجهل وسوء النية.. وإنما ذهبوا إلى حد الزعم بأن مصر لا تزال حتى الآن تطبق على أقباطها هذا الخط الهمايوني، رغم زوال الدولة العثمانية وكل تقنيناتها منذ ثلاثة أرباع القرن.. بينما الحقيقة الصارخة والمذهلة تقول: إن هذا الخط الهمايوني لم يكن في يوم من الأيام مطبقا في مصر، حتى عندما كانت مصر ولاية من ولايات الدولة العثمانية!!.. فمصر منذ قيام دولة محمد على باشا (1184-1265 هـ 1770- 1849 م)  أي قبل نصف قرن من صدور الخط الهمايوني- قد حققت استقلالها في التشريع والتقنين عن الدولة العثمانية- أي الاستقلال في "العدل والحقانية"، بلغة ذلك التاريخ.. وهى قد حققت هذا الاستقلال في الفقه والتشريع والتقنين لكل أبنائها، مسلمين كانوا أو مسيحيين.. ولم يكن القانون العثماني حاكما في مصر، لا على المسيحيين ولا على المسلمين.. حدث هذا بحكم الأمر الواقع- في الاستقلال- الذي حققته دولة وسلطة محمد على باشا.. ثم جرى تقنين هذا الاستقلال التشريعي في اتفاق كوتاهية سنة 1833 م.. وحتى عندما جاءت معاهدة لندن سنة 1840 م فانتقصت من سيادة مصر واستقلالها، فإنها قد وقفت بذلك الانتقاص عند وضع القيود على قوة مصر العسكرية، وعند تقرير الجزية التي تدفعها مصر للدولة العثمانية.. وظلت سيادة مصر واستقلاليتها في المعاملات المالية الخارجية.. وفى التقنين والتشريع، ليس حبا من الدول الأوروبية- التي عقدت معاهدة لندن- في استقلال مصر بتلك الميادين، وإنما حرصا على فتح الباب أمام مصر لتستدين من أوروبا.. ولتأخذ بالقوانين الأوروبية، دونما عائق عثماني في هذه الميادين...

 ويشهد على هذه الحقيقة- حقيقة استقلال مصر في العدل والحقانية والتشريع والتقنين.. وأن القانون العثماني، ومنه الخط الهمايوني، لم يكن مطبقا بمصر في يوم من الأيام، منذ قيام دولة محمد على باشا- أن الإصلاحات التي صدر لأجلها الخط الهمايوني سنة 1856 م، قد سبقت إلى تقريرها مصر في عهد الخديوي سعيد (1273- 1279 هـ 1822-1863 م) بما سنته من إلغاء للجزية، ومساواة النصارى بالمسلمين في قواعد الجندية سنة 1855 م.. بل إن القانون العثماني، الخاص بالمسلمين لم يكن هو الآخر مطبقا في مصر- بسبب استقلالها في التشريع والتقنين- حتى أن الدولة العثمانية عندما قننت فقه المذهب الحنفي سنة 1869 م، واعتمدت "مجلة الأحكام العدلية" في القضاء العثماني، لم تطبق تشريعات وتقنينات هذه "المجلة" في مصر أيضا، بينما طبقت في سوريا والعراق وغيرهما من الولايات..ويشهد بهذه الحقيقة المهندس سمير مرقص- مدير مركز البحوث بأسقفية الخدمات العامة والاجتماعية بالكنيسة المصرية الأرثوذكسية،  كما يشهد بهذه الحقيقة الباحث والمفكر نبيل مرقص في (تقرير الحالة الدينية في مصر) لسنة 995 1 م- ص 88.

*** 

فهل رأيتم يا قراء كمّ الافتئات الفاجر رغم أنهم يعرفون الحقيقة لكنهم لا يكفون عن الكذب أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا.. فلا فرق بين أكاذيب نابليون وبوش.. ولا كرومر  وبلير.. ولا أسلحة الدمار الشامل والخط الهمايوني..

كذب فاجر..

كذب سافل..

كذب مجرم لا يخشى من افتضاح أمره أبدا لأن من كان يمكن أن يخشى من افتضاح أمره أمامهم هو الذي حرضهم.

بل كذب كافر.. كما أخبرنا سيد ولد آدم وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم..

كذب كافر.. وكل الكذب كافر..

ذلك أن الله الذي خلق لهذا العالم عقله هو الذي يعطيه معقوليته أيضا.. هو الذي يمنحه موازينه.. ومن هذه الموازين قيمة القيم.. قيمة الصدق  مثلا أو القيمة السلبية للكذب.. فالله موجود في العلاقة بين النتائج والأسباب.. وبين الغايات والأهداف.. والذين لا يؤمنون بالله هم الذين تنمحي عندهم العلاقة بين الغايات والأهداف وبين الأسباب والنتائج.. ويصبح لا فرق هناك بين الكذب والصدق.. ولا يوجد فائدة لهذا  أو ضررا لذاك إلا بقدر ما يجلبه من فائدة أو يدفعه من ضرر.. وسوى ذلك .. لا فرق على الإطلاق ..

*** 

بيد أن هذا الكذب الخسيس لا يصارح أبدا بما يريد، إنه يضغط ويضغط ويضغط حتى تنفذ له ما يريد .. وهو مختلف تماما عن الأكاذيب التي ابتزك بها..

ألم يحدث هذا في حرب الأفيون مع الصين؟.. ألم يحدث في أكاذيب أسلحة الدمار الشامل في العراق.. ألا يحدث الآن في قضية مقتل الحريري الذي لا أشك لحظة واحدة في أن الأمريكيين هم الذين قتلوه.. أما ضغطهم على سوريا وتهديدهم لها فليس سببه كما يعلنون الرغبة في كشف الحقيقة.. فهم أول من يعرف هذه الحقيقة.. كان المطلوب من صدام حسين – فك الله أسره- الاعتراف بإسرائيل  وكانت أكاذيب أسلحة الدمار وحقوق الإنسان ستتوقف على الفور.. والمطلوب اليوم من سوريا أن تبرم الصلح ( هو في الواقع استسلام وليس صلحا) مع إسرائيل، و أن تتخلى عن حزب الله.. لكن الأهم من ذلك كله أن يدخل الجيش السوري ليواجه المقاومة العراقية كمرتزقة بدون أجر..

دعنا الآن من مستوى الفجور..

لكن هذا هو المطلوب من سوريا والذي لم يعلن أبدا.. وسيظل الضغط مستمرا حتى تنفذ المطلوب منها.. ورغم أن الموضوع ليس موضوعنا في هذا المقال إلا أنني شديد العطف على بشار الأسد.. وشديد الإدانة أيضا لأنه طاغوت كالطواغيت لكن الزمن لم يتسع له ليتغول كالباقين.. طاغوت تأسس نظامه على الكفر.. ثم أنني واثق أنه كمبارك وعبد الله وكل الآخرين لو أمنوا رد فعل شعوبهم لأرسلوا جيوشهم لتموت بدلا من الأمريكيين في العراق، و أنهم يفعلون ما هو دون ذلك ولكن سرا، ولا تنسوا الفضيحة التي فجرها مصطفي بكري بتعاقد الأمريكيين مع المسرحين من الجيش المصري. و أذكر القارئ أن القوات السورية دخلت لبنان بطلب أمريكي وكان طبيعيا أن تخرج بطلب أمريكي.. غير الطبيعي والذي فات الأوان لتصحيحه هو استسلام سوريا لنزع لبنان منها سنة 1920.. كانت تلك أولي خطوات التمزيق. راجع: "دمشق من عصور ما قبل التاريخ إلى الدولة المملوكية" للكاتب الفرنسي جيرار ديجورج ترجمة محمد رفعت عواد - المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة ويتهم المؤلف بلاده بأنها وضعت بذور النزاع في سوريا منذ عام 1920 حين أعلنت قيام دولة لبنان مستغلة النعرة الطائفية الموجودة عند بعض الموارنة كما حاولت ضم السكان في حكم ذاتي محلي وأنشأت دولة حلب ودولة دمشق وجبل العلويين.

ليس هذا موضوعنا إلا من زاوية واحدة.. أن المخطط الذي تم به تفتيت الشام، والمخطط الذي يستعمل الآن لتفتيت سوريا ولبنان، هو نفس المخطط الذي يستعمل الآن لتفتيت مصر، والذي يعتبر البابا شنودة أحد أهم الأعمدة فيه، كما تمثل المسرحية الساقطة معولا مما استعمل ويستعمل في هدم بناء كان ذات يوم شامخا.

*** 

هل لاحظ القارئ نوع الكذب الأمريكي..

إنه وثسق الصلة بالكذب المصري عندما تشهر الدولة بأحد للوصول إلى غرض معين، لاحظوا مثلا التشهير بالمشير أبو غزالة لمنعه من التنافس على الرئاسة، ولاحظوا أيضا سحق أيمن نور.. ولم ينطق أي شيطان من الحزب الوثني بالحقيقة، فقط يستمر الضغط حتى يستسلم الضحية أو يموت.

لكن الأنسب أن أضرب مثلا يجلي الصورة.. فالأمر يشبه رئيس عمل قواد فاجر، يراود إحدى موظفاته عن عرضها، وهي تأبى، فيبدأ في إثارة المشاكل والإشاعات حول كفاءتها وذكائها و إتقانها للعمل، ومهما حاولت أن تتقن العمل و أن تتفانى فيه فإن ذلك لن يشفع لها أبدا..

الأمر الوحيد الذي يجعل الهجوم يتوقف هو استسلامها للاغتصاب..

وهذا ما تريده أمريكا من العالم العربي..

وما تريده حكوماتنا العربية من شعوبها..

وهذا هو الأمر الذي يتواطأ فيه البابا شنودة مع أعداء وطنه ضد أهله وقومه..

نعم.. إنهم لا ينطقون إلا كذبا..

الكذب يسري في دمائهم.. منذ لويس التاسع وحتى كاهن مارجرجس الساقط.

لكن سلامة الرأس كانت تعوض عن أخطاء الجسد لتؤسس نوعا من التوازن..

نعم..

كان التوازن قائما عندما كان توجه رأس الكنيسة المصرية وطنيا، عندما سادت مقولة مكرم عبيد التي ترفضها الآن رأس الكنيسة: أنا قبطي دينا ومسلم وطنا. عندما تغيرت المقولة إلى: أنا قبطي دينا وصليبي وطنا، أو و أمريكي وطنا، عندما حدث ذلك حدث الخلل.

يقول عبد العظيم رمضان في مقال منشور بصحيفة الوفد، وهو ليس شاهد عدل، لكنه في أي قضية سيشهد في صف البابا وليس ضده، ومع الأقباط ضد المسلمين، لكنه بالرغم من ذلك يقول: 

ومن المصادفات البحتة أن الكنيسة التي جلس علي عرشها البابا شنودة كانت تختلف عن الكنيسة التي جلس علي عرشها من سبقوه. فمنذ أواسط الخمسينيات، وبسبب ظروف حكم ثورة يوليو التي أشرنا إليها من قبل حدثت هجرة واسعة لعدد من شباب الأقباط الذين خرجوا يحاولون بناء حياة جديدة في الغرب، خصوصا في الولايات المتحدة وكندا واستراليا. وعندما جاءت قوانين التأميم في يوليو 1961 لحقت بهذه الموجة موجة أخري مكونة في هذه المرة من أغنياء الأقباط، الذين ذهبت عائلات بأكملها مع جزء كبير من ثروتها، وجد هؤلاء لأنفسهم موطنا جديدا في سويسرا وفرنسا وغيرها من بلدان أوروبا. وقد كان نتيجة لهذه الهجرات أن أصبح للكنيسة القبطية فروع عبر البحار، تتبع تعاليم الكنيسة الأم، وتبعث إليها بمساعداتها، وتمثل قوة ضغط تستطيع الكنيسة الأم أن تستخدمها في مواجهة السلطة المصرية عند اللزوم! وقد أدرك البابا شنودة الثالث هذا المصدر الجديد من مصادر القوة، فأخذ يركز علي كنائس الخارج، ويتوسع فيها، ويرسم لها أساقفة جددا، كما أخذ يوثق علاقات الكنيسة القبطية ببقية الكنائس الكبري في العالم، وراح يحقق تواجدا دوليا ملحوظا لكرسي مرقص الرسول، بلغ ذروته حين وقع في سنة 1973 إعلانا مشتركا مع البابا بول في الفاتيكان، يعربان فيه معا عن اهتمامهما المشترك بتحقيق الوحدة بين كل الكنائس المسيحية .

وفي عهده زاد التوجه السياسي للكنيسة المصرية وتقديم مفهوم جديد للنصرانية على أنها دين  ودولة، مستخدماً في ذلك سياسة الانتشار الدولي، والتقارب مع الكنائس الغربية ومؤسساتها لدعم السياسات الداخلية للكنيسة وتحقيق أغراضها، كما أعلن عن تنظيمات جديدة للكنيسة، ودعا إلى تطوير الكلية الأكليريكية وإعادة الكنيسة  إلى مكانتها العالمية، فزاد اهتمامه بإنشاء الكنائس في الخارج وعيّن لها الأساقفة، من أجل ذلك تعددت جولاته ولقاءاته. ومن أبرز هذه اللقاءات: لقاؤه ببابا  الفاتيكان بولس السادس عام 1973م، الذي تمت فيه المصالحة بين الكنيسة الكاثوليكية الغربية والكنيسة المصرية الأرثوذكسية. وتوقيعه وثيقة رفع الحرم المتبادل بين كنيسته والكنائس الأرثوذكسية الكلدونية وغير الكلدونية في شميزي عام 1990م. أيضاً الاتفاق على تحقيق الوحدة بين كل الكنائس النصرانية، وزيارته لرئيس أمريكا كارتر عام 1977م والتي كان لها أثرها السياسي والديني لصالح الكنيسة المصرية.

***

من أخطر ما يمكن، أن ننظر إلى الأمور نظرة جزئية منفصلة عن السياق العام، فنكرر قصة العميان والفيل في المأثورة الشعبية ( لا أظن أن هناك من لا يعرف القصة لشهرتها، وهي باختصار تتحدث عن أربعة من العميان راحوا يتحسسون فيلا ليصفوه، فقال الذي أمسك ساقه إنه كالشجرة،  وقال الذي أمسك خرطومه إنه كالثعبان الضخم، وقال الذي تحسس بطنه وهو واقف تحتها إنه كالسقف.. وقال الذي أمسك بأذنه إنه كشجرة الموز .. والمعنى واضح عن قصور النظرة الجزئية)..

لا نريد أن نغرق في التفاصيل، ولا نريد  في نفس الوقت أن نغمض أعيننا عن علامات الطريق.

منذ منتصف القرن التاسع عشر بدأت أمريكا تشعر بقوتها وترسل إرسالياتها التبشيرية إلى العالم ومنه مصر.

يقول الدكتور محمد مورو في كتابه الهام:  " يا أقباط مصر انتبهوا " : 

وفى أوائل عقد السبعينات في القرن التاسع عشر (1870)- نصب الأنبا كيرلس الخامس بطريركا للأقباط وواصل مقاومته للتيار التبشيري وسافر البطريرك إلى أسيوط ونشر في مقاومة الإرساليات وأمر بتجريد قسيس من رتبته لسماحه لأخيه المتخرج من مدرسة الإرسالية الأمريكية بالخدمة في الكنيسة القبطية كما أصدر مطران أسيوط فرمانا كنسيا لثلاثة من تلاميذ الإرسالية، وأمر البطريرك بإحراق كل الكتب البروتستانتية في أسيوط، ثم سافر إلى أبو تيح وإخميم حيث أغلقت مدرسة الإرسالية هناك.

وبالطبع لم تيأس أمريكا التي كانت تؤسس لمشروعها الأضخم عابر القارات والقرون، فتتسلل من الباب الخلفي إلى المثقفين، وليسوا بمثقفين وإنما هم الذين استسلموا للغواية.

يقول الدكتور مورو:

بدأت عناصر من المثقفين الأقباط والمتأثرين بالحضارة الغربية، ومعهم عدد من كبار الأغنياء الأقباط والوجهاء المرتبطين بالمصالح الاقتصادية بالمشروع الاستعماري الأوروبي. بدأ هؤلاء جميعا محاولتهم للسيطرة على المجتمع القبطي. بدأوا بالسيطرة على المجالس الملية، أو قل: ضغطوا على البابا كيرلس الخامس لاستحداثها لتكون وسيلة من وسائل تأثير القوة الثالثة على المجتمع القبطي والكنيسة القبطية. وسرعان ما دب الخلاف بين هذه المجالس الملية وبين البابا كيرلس الخامس. وحدث الصدام بين البابا كيرلس الخامس وبين بطرس غالى الذي كان يرأس تلك المجالس الملية. إلا أن الشعب القبطي وقف مع البابا في هذا الصراع. وحاول عناصر تلك القوة الثالثة المتمثلة في الوجهاء- المثقفين المغتربين- كبار الأغنياء الأقباط- الإطاحة بالبابا كيرلس الخامس. وتنصيب بابا جديد من المؤمنين باتجاهاتهم والموالين لسياساتهم. واستعان بطرس غالى والمجلس الملي بالاحتلال وبالخديوي ونجح هؤلاء في استصدار قرار بتعيين بطريرك آخر مكان الأنبا كيرلس الخامس. إلا أن الإكليروس القبطي ومعه الشعب القبطي تجمعوا ومنعوا الأنبا الجديد من دخول مقر البطريركية، وكانوا يهتفون ارجع يا محروم.

( جملة اعتراضية: أرجو أن يلاحظ القارئ البصمات الأمريكية القبيحة وطريقة تسللها)..

وكانت هذه التجارب مدعاة لإدراك ضرورة السيطرة بالزحف الهادىء على الإكليروس وعلى كرسي البطريركية، وليس بالانقلاب السافر عليها. وهكذا تم دفع عدد من شباب القوة الثالثة وخاصة من خريجي الجامعات إلى التحاق بالأديرة طلبا للانخراط في سلك الرهبنة (...)  وكذلك تم الاهتمام بالسيطرة على أقباط المهجر في أمريكا وكندا واستراليا وأوروبا، ليكونوا من دعاة القوة الثالثة ومن عناصرها النشيطة التي تعمل على ربط القوة الثالثة في مصر بالكنائس الأوروبية، وتحقق لها أيضا من خلال العمل في المهجر النفوذ السياسي والدعم المالي. وفى سنة 1959 انحازت عناصر تلك القوة الثالثة إلى انتخاب البابا كيرلس السادس على أساس أنه يمثل حلقة وسيطة، لأن قوتهم لم تكن تسمح بتصعيد بطريرك من داخلهم. وتمسك البابا كيرلس السادس بالتراث القبطي التقليدي، إلا أنه سمح للقوة الثالثة بالنفوذ إلى المجتمع القبطي عن طريق إنشاء أبرشيات جديدة يتولون إدارتها لرئاستها. وفى سنة 1971، توفى البابا كيرلس السادس ووجدت القوة الثالثة أن الفرصة مواتية فلديهم الكثير من العناصر في الإكليروس القبطي، كما أن الظروف المحلية والدولية في ذلك الوقت كانت تسمح بذلك، وهكذا جاء البابا شنودة الثالث وأصبح بطريركا للأقباط سنة 1971.

***

فلنترك الدكتور مورو قليلا..

كانت تلك الحقبة هي التي تفجرت فيها رغبة أمريكا المحمومة في السيطرة على العالم.. أو على الأحرى كان الغطاء قد انكشف عنها فظهر ما كان مستورا.. كانت قد خرجت منتصرة من الحرب فتسللت إلى كل دول العالم للسيطرة عليها.. وانقلبت حتى على أخلص حلفائها لتحل محلهم في المستعمرات، و كانت أقسى لحظات حياة تشرشل حين أدرك أنه لا يتعامل مع الحليف والصديق بل مع عدو مصرٌّ على التهامه، وهو نفس الشعور الذي شعر به أنتوني إيدن عام 56. وقد ترتب على هذا أن بريطانيا وهي تجلو عن اليمن الجنوبي سلمته للشيوعيين نكاية في أمريكا. كانت أمريكا تتمدد في العالم كله، في آسيا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية، وكانت كوريثة قيصر تركز على بلاد المسلمين.. كانت قد استولت – بلا غزو ولا تزال - على السعودية واستعادت إيران وبدأت سياسة الانقلابات في سوريا ودعمت الانقلاب في مصر. 

وكانت قد جندت السادات والملك حسين..

وكانت تصوغ جورباتشوف..

ثم..

ثم..

ثم .. في نفس السياق والإطار جاء البابا شنودة!!..

***

يذكر محمد حسنين هيكل في كتابه (خريف الغضب) أن السادات وممدوح سالم وزبر الداخلية 1971 وغيرهما من الجهاز الحكومي كانوا يفضلون انتخاب البابا شنودة كبطريرك للكنيسة القبطية عقب موت الأنبا كيرلس السادس وأن هيكل قد عارض في ذلك وطرح أسبابه لتلك المعارضة وألمح الأستاذ هيكل في نفس الكتاب إلى احتمال استخدام الحكومة المصرية لنفوذها لترجيح كفة البابا شنودة على غيره من المرشحين للكرسي البطريركي.. بل إنه روى واقعة الانتخاب وقيام الطفل باختيار الورقة التي ظهر فيها اسم البابا شنودة بطريقة معينة تجعلك تشك ولكنها لا تورطه!!

***

وكما قلنا أن موقف الكنيسة المصرية من الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية كان حادا جدا، وكان ثمة إدراك عميق بالتباين الحضاري بين هذه وتلك، و إدراك أن الكنيسة الأرثوذكسية لا تمثل الصواب العقدي فقط، بل وتمثل الهوية الوطنية ورفض التغريب، وكانت الكنيسة المصرية تحارب بضراوة مجلس الكنائس العالمي، الذي تشرف عليه المخابرات المركزية الأمريكية كما يقول الدكتور مورو: وهذا الكلام ليس من عندنا ولكن عليه شهادات من كتاب لايمتون للاتجاه الإسلامي بصلة.  فعلى سبيل المثال يقول محمد حسنين هيكل في كتابه خريف الغضب : إن مجلس الكنائس العالمي يعكس دون أدنى شك رغبة جهات أمريكية معينة في أن يقوم الدين بدور رئيسي في الصراع، وإن التحقيقات التي جرت في الكونحرس أثبتت أن مجلس الكنائس العالمي كان من الجهات التي حصلت على مساعدات ضخمة من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. ويضيف هيكل : وفوق منصة الرئاسة يوم الافتتاح كان جلوس وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس شقيق رئيس إدارة المخابرات المركزية الأمريكية آلان دالاس إلى جانب رئيس مجلس الكنائس العالمي وكان مما قاله دالاس:  أن نبشر بالمسيحية فهذا معناه أن نبشر بالحضارة الغربية. أما الكاتب القبطي المعروف د. وليم سليمان قلادة فيقول في كتابه " الكنيسة المصرية تواجه الاستعمار والصهيونية " (إن دعوة مجلس الكنائس العالمي تتجه في صراحة تامة إلى ضرورة تدخل الكنائس داخل البلاد المستقلة حديثا في سياسة بلادها، وابتداع لاهوتية جديدة لتبرير هذا الاتجاه تقول بأن نشاط الدولة في كل نواحيه السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو تحت سلطان الله ولابد للكنائس من أن تبدى رأيها في هذا النشاط ولابد من الاستعانة بخبرة الكنائس الغربية حتى يكون اتجاه الكنيسة داخل الدولة المستقلة حديثا متفقا مع اتجاه الكنائس المسيحية في الغرب (...)  أما الناقد الأدبى القبطي د. غالى شكري فهو ينقل النص السابق للدكتور وليم سليمان قلادة في كتابه " الأقباط في وطن متغير"  ويضيف إليه (أنه في ديسمبر سنة 1961 عقد في العاصمة الهندية نيودلهي المؤتمر العام الثالث لمجلس الكنائس العالمي وأصدر قرارا يبرىء اليهود من دم المسيح ويحذر الكنائس من التعليم المعادى لليهود، وكان هذا القرار- والكلام ما يزال لغالى شكري- هو أداة الضغط الأولى على الفاتيكان ليصدر وثيقته الشهيرة في تبرئة اليهود من دم المسيح.

ولخطورة الأمر فإن الدكتور مورو يعيد عرض الأمر ملخصا:

إذن فمجلس الكنائس العالمي تابع للمخابرات الأمريكية على حد قول هيكل وله دور مشبوه في الترويج لقيم الحضارة الغربية والسياسة الغربية عموما والأمريكية، خصوصا على حد قول د. وليم سليمان وهو موال لإسرائيل على حد شهادة غالى شكري، والطبيعي والمسألة هكذا أن الموقف الوطني الصحيح هو رفض ومناهضة هذا المجلس، وبالفعل كان هذا الموقف الصحيح هو موقف الأقباط المصريين حتى جاء البابا شنودة فأصبح رئيسا له!..

نعم..

أصبح البابا شنودة رئيسا له  على عكس التراث الكنسي المصري وعلى عكس المصالح الوطنية وعلى عكس المتوقع وعلى حساب المشروع الحضاري الوطني وانحيازا وتبعية للمشروع الحضاري الغربي.

وننقل هنا ما قاله الأستاذ عبد اللطيف المناوى في كتابه " الأقباط: الكنيسة أم الوطن" :(ما الذي تغير في موقف الكنيسة المصرية حتى تنخرط في أنشطة مجلس الكنائس العالمي بصورة أوسع وحتى تدفع بيطريرك أقباط مصر إلى سدة رئاسته).

ويجيب (أهم متغير فيما نرى هو الطرف الثالث في المعادلة المتمثل في الأنبا شنودة شخصيا الذي تولى منصبه سنة 1971).

وبعد أن عدد الحقائق حول الدور المشبوه لمجلس الكنائس العالمي، من ارتباطه بالمخابرات الأمريكية- واختراق الصهيونية لكنائس البروتستانتية الأوروبية والأمريكية وهى المسيطر على المجلس منذ إنشائه يعود ليتساءل هل يمكن أن تكون الخطوة حلقة في جر الكنيسة المصرية إلى تلك الساحة؟.

***

لماذا غير البابا شنودة موقعه ولماذا بدل موقفه..

هل كف الغرب عن طغيانه؟..

 هل تغيرت الكنيسة؟؟

أم تغيرت الفريسة؟؟

 ***

" إن البابا شنودة خيب الآمال ، وتنكب الطريق المستقيم الذي تمليه عليه قوانين البلاد ، واتخذ من الدين ستارا يخفي أطماعا سياسية ، كل أقباط مصر براء منها  وإذا به يجاهر بتلك الأطماع واضعا بديلا لها على حد تعبيره بحرا من الدماء تغرق فيه البلاد من أقصاها إلى أقصاها ، باذلا قصارى جهده في دفع عجلة الفتنة بأقصى سرعة ، وعلى غير هدى ، في كل أرجاء البلاد ، غير عابئ بوطن يأويه ، ودولة تحميه ، وبذلك يكون قد خرج عن ردائه الذي خلعه عليه أقباط مصر "

نص حرفي من حيثيات حكم محكمة القضاء الإداري بتاريخ 3/1/1982 ، في التظلم المقدم من البابا شنودة ضد قرار رئيس الجمهورية بعزله عن منصبه. 

***

سبحان الله..

إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ..

 إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ

الطاغوت الخائن المجرم الذي جاء وعاش برعاية أمريكا اتهم  الإخوان بما ليس فيهم فأذلهم الله وهم لا يستطيعون التنفس ببنت شفة..

اتهم الطاغوت الإخوان بأنهم عملاء للأمريكان.. 

وكان الطاغوت و أتباعه هم العملاء..

فانظر كيف أذلهم الله على يد من هم أكثر منهم عمالة..

سبحان الله..

لكم نكل الطاغوت المجرم بالمجاهدين والمسلمين ..

كان تخطيط المجاهدين  المسلمين  يتشابه إلى حد كبير مع ما نفذه البابا شنودة بالفعل.. لكن في الاتجاه المضاد.. 

كان التخطيط المسلم  يسعى لتكوين مراكز عالمية تابعة للتنظيم في مصر كي تكون نواة لوحدة إسلامية تعز مصر وتغنيها وتزيد من قوتها .. وكان التخطيط الصليبي الشنودي يسعى إنشاء مئات الكنائس الأرثوذكسية في العالم تتبع البابا شنودة وتمثل مراكز إعلامية خطيرة تستعمل في الضغط على مصر لتحجيمها و إرهابها وتفتيتها.. ومنع اتحادها بالدول الإسلامية الأخرى..

كان التخطيط المسلم يدرك أنه يمثل الأمة الوسط.. وميزان التاريخ والشهادة على الأمم.. و أنه كلما قويت مصر قويت الأمة وكلما قويت الأمة كلما اعتدل ميزان التاريخ.. وكان التخطيط الصليبي الشنودي يسعى لتذويب الأمة في الحضارة الغربية الوثنية المنحلة..

كان التخطيط المسلم يدرك أن عداوة الشيوعيين له ليست أخطر من عداوة الأمريكيين والصهاينة.. وكان التخطيط الصليبي الشنودي يحتضن اليسار ويتجه به إلى اليمين كي يكونا معا عملاء  للصليب والصهاينة..

وكان الاتهام الذي وجه للمسلمين هو الاتهام بالعمالة لأمريكا..!! ( يا للحسرة والاشمئزاز والألم)..

وكان عملاء أمريكا هم الجانب الآخر الذي لم يجرؤ أحد على اتهامه بالعمالة وهو العميل..

بل كان العملاء هم الذين وجهوا الاتهام بالعمالة!!

كان القاضي هو اللص والمدعي هو الجلاد والحاكم طاغوت..

ذبحوا الشهيد وكرموا الخائن..

فسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله .. صبرا على قضائك لا إله سواك..

نعم..

كان الخونة هم الذين اتهموا الشرفاء وحاكموهم وذبحوهم..

أما من خان فعلا ومالأ أعداء الأمة والوطن والدين فإن الطاغوت الخسيس المجرم لا يجرؤ على إدانته.. بل ينافقه ويتزلف إليه!!..

والحديث في هذا طويل لكنه  موضوع آخر..

*** 


أذكر القارئ بما سبق أن ذكرته به في بداية المقال عن الجراح الذي يستعمل مبضعه للقتل فيتوقف القانون عن اعتباره طبيبا..

و أذكره بأن أي إنسان يخرج عن مقتضيات وظيفته يفقد الحصانة التي تمنها له هذه الحصانة، ومن هنا حقنا في التنديد بما يفعله البابا شنودة.

يلفت الدكتور مورو النظر إلى قضية خطيرة تترتب على انحيازات البابا.. ذلك أن الأقباط جميعا ملزمون بطاعته باعتباره بطريركا وملزمون بدعم مشروعه السياسي حتى لو تعارض مع رؤاهم السياسية وهنا مكمن الخطر فإذا أدركنا أن الجذور السياسية للبابا شنودة تعكس الرفض للمشروع الحضاري الوطني، وتتعاطف مـع المشروع الحضاري الأوروبي وترى ضرورة التعاون مع الكنائس الأوروبية لأدركنا خطر المسألة على مصالح الوطن عموما وعلى المشروع الحضاري الوطني عموما، وعلى الأقباط والكنيسة القبطية خصوصا.

نعم..

أصرخ فيكم يا ناس..

لقد انشق البابا عن إجماع الأمة..

ومسيحنا الذي نعرفه لا يقر له بذلك..

ولا حتى مسيحه الذي يعرفه يقر له بذلك..

لم يقل عبد الله المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام أن نخون الوطن والأمة والعشيرة لننضم إلى سفاح وقاطع طريق اسمه جورج بوش..

ولا قال عبيد الله  المسيح عيسى بن مريم  عليه السلام أن أناصر اليهود ظالمين على من سواهم..

***

المشكلة ليست في المسرحية السافلة ولا في كاهن أو كهنة ساقطين أجازوها..

المشكلة أكبر بكثير..

المشكلة أن البابا شنودة يؤمن في داخله بما جاء في هذه المسرحية السافلة..

و أن هذه المسرحية و أمثالها جزء من مخططه..

وأن دموعه التي سالت لم تكن بسبب ضغوط مورست عيه، بل بسبب أنه بعد جهد خمسة وثلاثين عاما من التدمير وجد أن المسلمين ما تزال لديهم ذبالات روح..

كانت الدموع تثير الغضب لا التعاطف..

هل يمكن أن يتعاطف المرء مع قصاب يدمع لأنه لم يتمكن من ذبح فريسته؟!..

بل هل يمكن أن يتعاطف المرء مع نصاب لأنه فشل في خداع ضحيته؟..

المشكلة في اختراق رأس الكنيسة وعجز الأقباط عن مواجهة هذا الاختراق..

تماما كما تم اختراق رأس النخبة المسلمة – اسما -  وتماما – أيضا – عجز المسلمون عن مواجهة الاختراق وصده أو حتى كبحه..

المشكلة لخصها أنور السادات  وهو يتحدث عن البابا شنودة في خطابه أمام مجلس الشعب في 10 مايو1980 حيث اتهمه بأنه يريد أن يجعل من الكنيسة سلطة سياسية، وأن من سبب الفتنة الطائفية هو البابا شنودة، وأنه يحرض أقباط المهجر أمام الأمم المتحدة وأمام البيت الأبيض الأمريكي وأنه يتصل بالرئيس كارتر ليحثه على لي ذراع السادات وإحراج موقف السادات أمامه. وأنه يقف وراء المنشورات التي توزع في أمريكا عن الاضطهاد الذي يتعرض له المسيحيون في مصر، وكذلك المقالات والإعلانات المنشورة في الصحف الأمريكية وأن البابا شنودة يقف وراء مخطط ليس لإثارة الأقباط فقط، ولكن لإثارة المسلمين واستفزازهم.

إن البابا شنودة هو أكبر من أضر بالأقباط، وأنه لم يضر أحد بالأقباط مثلما فعل شنودة وأن هناك عددا من الأقباط يحارب في صفوف الموارنة في لبنان.

في تقرير لمجلس الشعب المصري أعدته لجنة فرعية مكونة من محمد رشوان وكيل المجلس كل من حافظ بدوى، محمد محجوب، كمال هنري أبادير، كامل ليلة، ألبرت برسوم سلامة، مختار هاني، كمال الشاذلي، إبراهيم شكري، ألفت كامل، إبراهيم عوارة. جاء في التقرير:

تأكد للجنة أن بعض المتطرفين من القيادات المسيحية وبعض المتعصبين من رجال الكنيسة قد حاولوا تضخيم بعض الأحداث الفردية وتصويرها في صورة صراع ديني وأنها اضطهاد للأقباط. بل ووصل الأمر إلى حد افتعال بعض الأحداث وإلصاق التهمة بالمسلمين بهدف إذكاء نار الفتنة واتخذ بعض القسس من مثل هذه الأحداث مادة للموعظة التي يلقونها في الكنائس، فتحولت بعض الكنائس إلى منابر لنشر الشائعات الكاذبة وبث روج الفرقة بين المسلمين والمسيحيين. وتسجل اللجنة أسفها مما لديها من قرائن ودلائل على أن بعض القيادات الكنسية ومنها رأس الكنيسة دأبوا على التشكيك وأنهم تمادوا في مسلكهم وأوعزوا بطبع منشورات وتسجيلات عن الأحداث دونما تمحيص وأوعزوا بنشرها في المجلات الصادرة بالداخل والخارج، و أن البابا شنودة يريد أن تقيم الكنيسة من نفسها دولة داخل الدولة.

إن مجمل هذه الأقوال والتصريحات تشكل اتهاما بالخيانة العظمى..

و إحقاقا للحق..

فليست رأس الكنيسة فقط هي التي تستحق هذا الاتهام لأن رؤوسا من أكبر الرؤوس في السلطة والأزهر تستحقه.

يقول الدكتور مورو:

أقباط مصر أبرياء من هذا السلوك الذي يسلكه البابا شنودة، والبابا شنودة هنا خارج على التراث الكنسي التقليدي. إن البابا شنودة يدفع عجلة الفتنة بأقصى سرعة، وهذه بالطبع جريمة كبرى. إن البابا شنودة يريد إغراق البلاد في بحر من الدماء وهذه تهمة أكبر. إن للبابا شنودة أطماعا سياسية، وهذا بالطبع مخالف للتراث الكنسي، ومخالف لحدود العقيدة المسيحية القبطية التي رسمتها لدور البطريرك. وهكذا فإن الحقائق الثابتة التي أكدتها حيثيات حكم محكمة القضاء الإداري والتي أكدتها الوقائع الثابتة تؤكد كلها أن القوة الثالثة التي نجحت بالوصول بممثليها، وخاصة البابا شنودة إلى الإكليروس المسيحي القبطي. هي قوة تعادى المشروع الحضاري للأمة، وتريد إلحاق الأقباط بالمشروع الحضاري الغربي، ولا تحافظ علي الاستقلال التقليدي للكنيسة القبطية في مواجهة الكنائس الأوروبية، وهى تسعى لإغراق البلاد في الفتنة الطائفية لتحقيق كل هذا. وإنه يخرج عن حدود وظيفته الدينية التي حددها التراث الكنسي ويتدخل في أمور سياسية. وأنه يعادى المشروع الحضاري للأمة الذي يؤمن به الأقباط والمسلمون أي هو هنا خارج على الإجماع الوطني ومنحاز إلى المشروع الحضاري الغربي. وأنه هنا خرج على الوجدان القبطي المنحاز عموما إلى المشروع الحضاري الإسلامي، باعتبار أن الأقباط جزء من النسيج الثقافي والحضاري الإسلامي. 

***

المشكلة إذن أكبر بكثير من أن تكون مشكلة مسرحية سافلة و كهنة ساقطين..

المشكلة ليست في الأطراف بل في الرأس.. وهي مشكلة يعجز الجسد عن حلها..

و للإنصاف الذي تعلمناه من ديننا فإن الانحراف ليس مقصورا على الأقباط.. بل إنه عندنا أخطر بحكم الغلبة العددية. وليس البابا شنودة بأخطر على مصر من مبارك وحاشيته أو من شيوخ في الأزهر. بل إنني قد ألتمس المعذرة للبابا شنودة، فالرجل ينصر طائفته و أمته ظالما ويحرضها على الظلم لكن في صف – ما يعتقد – أنه شعبه و أمته وربه، أما قياداتنا فينصرون أعداء الأمة والله والدين عليها.

*** 

المشكلة أن المسرحية السافلة والكاهن الساقط الذي أجازها جزء من مخطط شامل ..

مخطط لتفتيت الأمة..

مخطط يتحدث عنه الدكتور محمد عمارة فيذكر أن  المستشرق الصهيوني القذر برنارد لويس (كلاب العلمانية يرفعونه إلى عنان السماء.. فاحذر).. قد ذكر تفاصيله ..  وهذا المخطط  يقضي بتفتيت العالم الإسلامي- من باكستان إلى المغرب- على أسس عرقية و"إثنية" ودينية ومذهبية، وذلك حتى يزداد التشرذم في هذا العالم- المتشرذم أصلا- فتضاف إلى كياناته القطرية- التي تزيد على الخمسين- كيانات جديدة تزيد على الثلاثين.. لتتحول كل تلك الكيانات- حسب تعبير "برنارد لويس إلى "برج ورقى، ومجتمعات فسيفسائية.. أو مجتمعات الموزايك فيتحقق الأمن لإسرائيل لنصف قرن على الأقل..!!..

هذا المخطط هو الذي احتشدت جيوشنا في حفر الباطن لتدشينه لعن الله كل من شارك فيها..

ولقد تحدث هذا المخطط عن تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث:

دولة كردية سنية في الشمال و دولة سنية عربية في الوسط.. ودولة شيعية عربية في الجنوب.. وهو ما يجرى تنفيذه اليوم على أرض العراق.. أما مصر فلقد خطط "لويس " لتقسيمها إلى دولتين على الأقل..

فهل هذا هو المخطط الذي يدفعنا إليه البابا شنودة؟!..

هل هذه هي النهاية البئيسة لمن حسبناه شاعرا مثقفا وطنيا؟..

سوف تحرك أجهزة المخابرات الصليبية والصهيونية  الأقليات في العالم الإسلامي وفي قلبه مصر لتدمير  هذه  المجتمعات المستقرة، وتشعل النار في مشاعر الأقليات المسيحية في المنطقة، وتوجهها نحو المطالبة بالاستقلال.. "- كمما جاء بالحرف في عبارات "بن جورلون "- بمذكرات "موشى شاريت 

هل ينفذ البابا شنودة هذا المخطط؟!..

في مصر ظهرت في النصف الأول من الخمسينيات- "جماعة الأمة القبطية"- التي تدعو إلى تحرير مصر من الإسلام والمسلمين!.

ويتحدث الدكتور عمارة  - انظر أيضا لكاتب هذا المقال : إني أرى الملك عاريا- عن  وثيقة استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات "- التي نشرتها مجلة المنظمة الصهيونية (الاتجاهات) كيفونيم في 4 1 فبراير سنة 1982 م- تقول: "إن مصر المفككة والمنقسمة إلى عناصر سلطوية كثيرة- وليس على غرار ما هي اليوم- ل تشكل أي تهديد لإسرائيل، وإنما ضمانة للأمن والسلام لوقت طويل. وهذا في متناول أيدينا اليوم."! بل وتحدثت هذه الوثيقة عن أن تفتيت مصر هو مفتاح تفتيت كل بلاد العروبة والإسلام، فقالت- بالحرف-: فإن دولا مثل ليبيا والسودان والدول الأبعد منهما لن تبقى طويلا على صورتها الحالية، بل ستقتفى أثر مصر في انهيارها وتفتتها، فمتى تفتتت مصر تفتت الباقون. إن رؤية دولة قبطية مسيحية في صعيد مصر، إلى جانب عدد من الدول ذات سلطة أقلية- مصرية، لا سلطة مركزية كما هو الوضع الآن، هو مفتاح هذا التطور التاريخي الذي أخرته معاهدة السلام، لكنه لا يبدو مستبعدا في المدى الطويل.. "!  فنحن، إذن، أمام مخطط معلن! لانهيار مصر وتفتيتها"- ولسنا أمام "مؤامرة سرية" ولا "هوس بنظرية وذهنية المؤامرة".. وفى ضوء هذا المخطط علينا أن نرى "خارطة" كل ما يقال ويطبق اليوم باسم الأقليات..

في ضوء هذا  علينا أن نقرأ تصرفات البابا شنودة.. و تأليف المسرحية السافلة وعرضها!..

وفي ضوء السخرية من القرآن واللغة العربية في المسرحية السافلة علينا أن نفهم  المحاولات المريضة لإحياء اللغة القبطية، لا كلغة آثارية وتاريخية لأهل الاختصاص، وإنما لتحل محل اللغة القومية - العربية-!.. حتى ليصل الأمر إلى حد أن يعلن الرجل الثانى في الكنيسة الأرثوذكسية- الأنبا " غريغوريوس "- في صحيفة " وطني، 30 يوليو سنة 2000 م- "أن اللغة القبطية هي لغتنا بوصفنا قبطا.. وهى تراث الماضي ورباط الحاضر!! وهى من أعظم الدعائم التي يستند إليها كيان الشعب المسيحي، وأن إهمالنا للغة القبطية كان من اكبر العوامل التي عمل بها المستعمر الدخيل فقضى على الفوارق التي كان لابد من بقائها لتكون سورا يحمى كياننا من الانصداع ووحدتنا من التفكك !.. فهم يحيون اللغة القبطية لتكون سورا بين الشعب المسيحي وبين المستعمر الدخيل أي المسلمين المصريين!!.. 

هل تلاحظون يا قراء إذن ذلك التسارع المحموم نحو تفضيل الهيروغليفية أو القبطية أو حتى العامية على العربية الفصحى..

بالنسبة لنا فإن اللغة ليست وعاء للمعرفة والثقافة فقط.. إنها روح الأمة وتراثها ووجدانها.. إنها مسألة هوية ونسيج ضام يحمي الأمة من التفتت.. لذلك ستجد كل شركاء المؤامرة يهاجمون اللغة العربية ويدعون إلى سواها.. ( لست أدري كيف تغيب هذه الحقيقة الساطعة عن صحافي متميز مثل إبراهيم عيسى).. 

وراجع أيها القارئ ذاكرتك لتتذكر كل خئون هاجم اللغة..

راجع تضافر جهود السفهاء في كل مكان في وزارة الثقافة والإعلام وفي الكتاب والمخرجين والممثلين الذين جعلوا من اللغة العربية أو من تحية الإسلام علامة على الإرهاب..

لم يكن ذلك مجرد انحراف عقدي.. بل كانت وضاعة من يبيع شرفه بثمن بخس ولو كان ملايين الجنيهات.. فقد كانت خسة من يطلق فتياته للبغاء.

***

يتساءل المستشار طارق البشري والدكتور عمارة والدكتور مورو عن سر تزايد نفوذ أقباط المهجر على كنيستهم الأرثوذكسية.. يطرحون السؤال ويتركون الإجابة للقارئ أو للسلطة، يتحدثون عن مليار دولار تصل إلى الكنيسة كل عام..

مليار دولار..

الطواغيت والسفلة اتهموا الإسلاميين بكل فصائلهم بالتمويل الأجنبي.. ولم يثبت ذلك قط..

فلما ثبت على الأقباط تصرفت السلطة و أجهزة الأمن ككلب مذعور أجرب دس ذيله بين فخذيه وراح يختلس النظر رعبا وهو يتصنع أنه لم ير شيئا..

مليار دولار لا يدري أحد فيم تنفق وكيف تنفق وعلى من تنفق.. وهل كانت مئات الألوف التي أنفقت على طباعة قرص المسرحية السافلة من هذا المال؟

مليار دولار حسمت توجه رأس الكنيسة..

كتب الأستاذ جمال أسعد في صحيفة العربي في 2 يناير سنة 2005 رسالة وجهها إلي البابا شنودة، وذكر فيها الأموال التي لا تحصي ولا تعد والتي يتم إرسالها للكنيسة، تلك الأموال التي كانت سببا في فض العلاقة الكنسية بين الشعب وبين الإكليروس، حيث أصبح الإكليروس في غير احتياج للشعب لأن البديل كان أموال الخارج ثم استطرد موجها الحديث إلي البطريرك هنا لا ننسي مقولتك عندما قلت: (لقد انتهي اليوم الذي يمد فيه البابا يده لأغنياء الأقباط) ولكل ذلك ضاع الأمل في إصلاح كنسي كنا نتمناه.

وكانت النتيجة صدور قرار بحرمان جمال أسعد..

ولقد تكررت قرارات الحرمان في الداخل لكل شريف يقول كلمة حق، كنظمي لوقا الذي كتب يمتدح الإسلام والقس إبراهيم عبد السيد الذي كتب ينتقد البابا.. لكن هذه القرارات لم تلحق أبدا بخنزير مثل زكريا بطرس لا يجرؤ أبدا على مواجهة شاب مسلم في العشرينيات لديه الحد الأدنى من العلم الديني ( كما حدث في قصة فتاة حلوان) .. ولكنهم أعطوه قناة فضائية حيث يحصل على مائة وعشرين ألف جنيه مقابل كل محاضرة – واحدة – يلقيها.. وهو الجاهل عبد الشيطان!!..

نعم.. حرم البابا من لا يتفق فكرهم مع فكره وحرم من يختلف فكره مع فكره.. 

نعم.. حسمت أموال الخارج توجه رأس الكنيسة..

فتعداد هؤلاء المهاجرين، وإمكاناتهم المادية والأدبية، ونفوذهم وحركيتهم، وعلاقاتهم مع ولائهم للبلاد التي يحملون جنسيتها، وتسخيرهم أحيانا لخدمة المصالح الاستعمارية لتلك البلاد- وخاصة في أمريكا-.. وكذلك زيادة الفروع الخارجية لهذه الكنيسة، ومن ثم ثقل ونفوذ هذه الفروع.. كل هذا الجديد قد أحدث تطورا نوعيا وكيفيا – على حد تعبير الدكتور مورو-  في حسابات وتوجهات الكنيسة، التي اتجهت غربا أكثر فأكثر، بعد رجحان كفة رعيتها الغربية على رعيتها الداخلية الوطنية.. ولقد كان دخولها في "مجلس الكنائس العالمي"- الذي أقامته المخابرات الأمريكية، إبان الحرب الباردة، لخدمة الهيمنة الأمريكية- بعد أن ظلت هذه الكنيسة رافضة دخوله لسنوات طويلة- كان ذلك إعلانا عن هذا التحول في التوجهات.. حتى لقد أصبح بعض الغيورين عليها- حتى من أبنائها- يخشون من اهتزاز طابعها الوطني التاريخي لحساب الغرب و ا لتغريب!.. وهذا هو ما حدث.. تحول البابا شنودة إلى قيصر..

ولقد كتب مدحت بشاي يهاجم البابا شنودة في مقال له بجريدة روز اليوسف:

- ألا تري سيدي البابا أن انشغالكم بأمور سياسية والتحدث في شأنها إلي جميع الأجهزة الإعلامية وتبني مواقف قد تكون متسرعة تأتي بشكل قاطع وحاد في أحيان كثيرة قد أدي بنا إلي حدوث ظواهر سلبية وتبعات تحدث هنا وهناك مثل أن تتبني جماعة قبطية فكرة السعي إلي إنشاء حزب الأمة القبطية الذي يرفع شعارات شديدة التطرف، أو يتم تنظيم مؤتمرات لأقباط المهجر تناقش أحوال أقباط الداخل بشكل منفرد ودونما تنسيق مع الكنيسة الأم في مصر؟

ـ لماذا تفرض سيدي البابا سلطانك الروحي والتأديبي إذا لزم الأمر علي المسيحيين داخل البلاد، أما التابعون للكنيسة في بلاد المهجر ورغم حبهم الجارف لقداستكم نجد منهم المارقين المتاجرين بمواقف عنترية مبالغ فيها وبدلا من أن يمدوا أيادي العون الخيرة للمساهمة في حل مشاكل المواطن المصري يرفعون الشعارات الكثيرة للفتن والمشاكل.. فلماذا لا تجدون وسيلة لوقف محاولاتهم التي قد تودي بأحلام السلام الاجتماعي في وطنهم الأم.

ـ ألا تري قداستكم أن ما استحدثتموه من أشكال احتفالية بمناسبة الأعياد في مقر الكنيسة الأم والتي صارت طقوسا سنوية بداية من ارتداء البابا لحلة جديدة تخطف الأبصار من شدة بريق الإكسسوارات ذات الألوان الفضية والذهبية والقرمزية المبهرة للاحتفال بمولد المسيح الذي اختار لميلاده مِزود بقر ثم الاحتفال بقيامته وهو الذي رآه العالم علي الصليب برداء متواضع لا يكاد يستر بدنه.. فلماذا البابا الراهب الزاهد يطل علينا ملكا يرتدي بزة أباطرة القرون الوسطي؟ ثم تطوف بنا الكاميرا فنلمح الصف الأول وقد شغلت كراسيه مجموعة كبيرة من المسئولين يمثلون رموز الدولة والسلطة التنفيذية والتشريعية بالإضافة لعدد من الشخصيات العامة ونجوم المجتمع أقباطا ومسلمين في صورة تليفزيونية أمريكاني .. وهنا أناشد الكنيسة أن توضح للناس مبرر مشاهد سيناريو احتفالات ليالي الأعياد وتجيب عن أسئلة المواطنين التالية: لماذا تشاركنا تلك النخبة صلاة العيد، فإذا كان للتهنئة فأظن أن مكانها هو الصالون البابوي في الكاتدرائية ولا مانع من حضور كل كاميرات العالم لترصد تلك اللحظة العبقرية والتفضل الأخاذ في ضرب الأمثلة علي التواد والمحبة! أما إذا كان ليتفضل البابا بتقديمهم بامتنان للمجتمع المسيحي الحضور في الكاتدرائية والمتابعين لصلاة العيد عبر شاشات التليفزيون فأري أنه مشهد عبثي لم تعد مدلولاته المظهرية المتكررة ذات معني أو قيمة.. فما معني أن يتابع الضيوف طقوسا شديدة الخصوصية.. تعذبهم موجات الوقوف والجلوس المتكررة ويصعب عليهم بالطبع فهم ما يقال باللغة القبطية التي يصعب علي المسيحيين أيضا فك طلاسمها ويتعجبون لهذا الإصرار من الكنيسة علي استخدامها في تباعد مترفع عن وجدان مصلين بسطاء يرفعون أكف الضراعة إلي المولي فتخرج من صدورهم حروف مفردات عامية بسيطة صادقة.. فالرب المستجيب للدعاء لم يشترط لصلاتنا أن تكون بالقبطية. هل تشارك الرموز المسيحية في احتفالات المسلمين بحضور صلاة عيد الفطر أو الأضحى في المساجد وساحات الصلاة أم يتم الاكتفاء بالمشاركة بزيارات تهنئة لرجال الدين في مكاتبهم وهو الأمر الطبيعي والمقبول.. فلماذا التزيد علي الجانب الآخر!؟ هل صارت من طقوس الأعياد المسيحية شعائر تتضمن قراءة كشوف أسماء المهنئين يعقبها تصفيق الحضور وزغاريد النساء؟ .القدس العربي 8-11

***

   يتحدث الدكتور محمد عمارة عن تداعيات الصلف والمليارات والغباء والتعاون مع العدو ضد مصلحة البلاد.. يتحدث عن سقوط النخبة في مراكز "البحث "- في داخل مصر- في براثن العمالة والخيانة، ويتحدث عن أموال حرام  استقطبت غلاة العلمانيين، وسواقط الماركسيين، والتي تمولها- بسخاء يسيل اللعاب- الدوائر والمؤسسات الأجنبية، لتعد "الملفات " عن ما يسمى باضطهاد الأقباط وهموم الأقباط ومظالم الأقباط.. تلك "الملفات " التي تفتحها وتستخدمها الدوائر المعادية لوحدة مصر في الخارج.. حتى لقد وصل الأمر بأحد هذه المراكز : " مركز ابن خلدون- مع الاعتذار لاسم فقيه الإسلام ابن خلدون!"  أن يدعو صاحبه- د. سعد إبراهيم- إلى تنفيذ المخطط الإمبريالي- الصهيوني لتفتيت العالم العربي- أكثر مما فتتته اتفاقية "سيكس- بيكو" سنة 1916 م- فيطالب بإقامة كيانات "فيدرالية"، تحقق "تعددية سياسية"- نعم تعددية سياسية- لكل الأقليات في الوطن العربي "لأن المجتمعات التي تتسم بالتعددية الإثنية في الوقت الحالي، ينبغي أن تكون متعددة من الناحية السياسية أيضا.. 

نحن أمام جريمة خيانة عظمى ولسنا أمام مسرحية سافلة أو كاهن ساقط أو مغارة لصوص أو قيادات خائنة..

نحن أمام جريمة خيانة عظمى أيا كان وضع مرتكبها..

يصرخ الدكتور عمارة محذرا أن المشروع الغربي لا رابطة بينه وبين المسيحية الشرقية  ومنها الأرثوذكسية المصرية- فهذه الأرثوذكسية، فضلا عن أنها جزء من نسيجنا الوطني والقومي والحضاري والثقافي والقيمى، فإن مسيحية الغرب لا تعترف بمسيحيتها؟!.. وإنما يتخذ الغرب الاستعماري- والصهيونية- منها "ورقة" يلعب بها في معركته ضد الاستقلال الحضاري للشرق، واليقظة القومية لأممه وشعوبه.

*** 

طال البحث بأكثر مما قدرت له..

لكنني لا أستطيع الانتهاء منه قبل تناول أمرين: 

أولهما: هل البابا شنودة هو المسئول الوحيد..

وثانيهما : تساؤل عن موقف النائب العام. 

سوف أبدأ في ذلك على الفور

لكن دعوني أبدأ بطرفة أمريكية من العيار الفاجر.. فقد صدر عن الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي عن الحريات الدينية لعام 2005.. أما الطرفة فهي انتقاد التضييق على البهائيين واتهامهم بالكفر.. وفي نفس الوقت يطالب التقرير بعدم السماح للإخوان المسلمين بالحركة لأنها حركة محظورة..

هل ضحكت يا عزيزي القارئ؟..

أم بكيت؟!..

*** 

والآن لنبدأ بالسؤال الأول.. والإجابة: لا.. ليس البابا شنودة هو المسئول الوحيد عن الكارثة التي نقف الآن على مشارفها..

فالمشكلة التي نواجهها في حقيقتها ليست قوة مفرطة ظهرت على الأقباط فجأة.. بل ضعفا مستمرا مخططا حاق بالمسلمين.. كل من شارك فيه خان الله والرسول والأمة والوطن والدولة والهوية..

قبل البابا شنودة يأتي الملك فاروق وزمرة حاشيته وحربه الخائنة على الإسلام والمسلمين وعلى رأسهم الشهيد الإمام  حسن البنا..

قبل البابا شنودة يأتي جمال عبد الناصر وحربه الفاجرة على الإسلام والمسلمين وفي مقدمتهم الإخوان المسلمين وعلى رأسهم الشهيد العظيم سيد قطب..

قبل البابا شنودة يأتي أنور السادات الذي ادعى أن لا دين في الساسة ولا سياسة في الدين فكانت كلمة الكفر..

قبل البابا شنودة يأتي حسني مبارك وهو أخطر الجميع.. لأنه يقتل بالخنق وليس بالذبح أو بإطلاق الرصاص.. يقتل دون أن يدرك الآخرون أنه قتل..

قبل هؤلاء جميعا يأتي محمد علي وهزيمة علماء الأزهر أمامه.. كان محمد على امتدادا للمشروع الفرنسي.. بنفس الدرجة التي كان بها سعد زغلول امتدادا للمشروع الإنجليزي.

قبل البابا شنودة أيضا تأتي مباحث أمن الشيطان.. ليهنئوا الآن بعارهم.. فقد كان جهدهم طيلة نصف قرن لصالح إسرائيل و أمريكا والبابا شنودة.. فهنيئا لهم خزي الدنيا وعار الآخرة..

قبل البابا شنودة يأتي الشيوعيون والقوميون فقد كانت علاقتهم بأمتهم علاقة الذئب بالقطيع..

قبل البابا شنودة يأتي دور الأمة التي سمحت لكل هذا أن يحدث..

*** 

في الحلقات التي يذيعها هيكل على قناة الجزيرة كان يتحدث عن الموقف الأمريكي من إنشاء إسرائيل ( لا حظ أن تحليلات هيكل يجب أن تؤخذ بمنتهى الحرص والشك.. ولاحظ أيضا أنه مسئول قبل البابا شنودة).. قال أن أمريكا كانت ضد إنشاء دولة إسرائيل لأن معلومات مخابراتها كانت تؤكد أن العرب و إن أخذوا على غرة في البداية سوف يستجمعون قواهم في فترة وجيزة لن تتعدى الشهرين، وسيحاربون إسرائيل وسيقضون عليها.. و أن مئات الآلاف من المجاهدين سوفوا يهرعوا إلى فلسطين، ويقول هيكل أن ذلك لم يحدث، و أنه كان يمثل مفاجأة صارخة للولايات المتحدة الأمريكية غيرت بعدها موقفها بالكامل من القضية الإسرائيلية العربية..

عدم وجود رد الفعل إذن مسئول قبل البابا شنودة..

لقد أدركت أمريكا مدى ضعف العرب وهشاشتهم وعدم قدرتهم على رد الفعل فأخرجتهم من حسبانها ( دعنا الآن من أن هيكل لم يفسر لنا لماذا ظلت أمريكا على نفس الموقف بعد قيام ثورة 23 يوليو وقيادتها للعالم العربي)..

كان علينا مواجهة العنف بالعنف فلم نفعل فكان حقا أن يفعل بنا البابا شنودة ما يفعله..

عدم قيامنا برد العنف المستعمل ضدنا بعنف أشد هو الذي وصل بنا إلى هذا الحال..

وزير التربية والتعليم مسئول قبل البابا شنودة..

وزير التعليم العالي مسئول قبله.. ووزير الإعلام أيضا..

كل كاتب وكل ممثل وكل مخرج وكل مؤلف تبني وجهة النظر الصليبية اليهودية في الإسلام والمسلمين مسئول قبل البابا شنودة..

كل..

كل..

كل..

مسئول قبل البابا شنودة..

والحقيقة أن الوحيد الذي ألتمس له العذر هو البابا شنودة.. بل لعلى أهنئ طائفته به..

رجل وجد هذا الخنوع كله فلماذا لا يركب ويدلى ساقيه..

رجل وجد هذا الخضوع كله فلماذا لا يتسلط..

في العلاقات.. ابتداء من العلاقات بين الرجل وزوجه وانتهاء بالعلاقات الدولية تسيطر نظرية الفراغ.. فهو غير مسموح به.. وإذا ما تخليت عن مساحة لا بد أن يملأها طرف آخر..

ولقد أفرغ الطاغوت الدولة من الإسلام فكان لابد أن تحل المسيحية محله و أن تتصرف الـ 6% كأنها الـ 94%.

نعم.. تسبب الطاغوت من أكبر ملك إلى أحقر مخبر في فقدان التوازن الطبيعي..

وعندا يفقد التوازن الطبيعي تختل الطبيعة بنفس نوع الخلل القائم الآن والذي يمثل البابا شنودة أحد طرفيه..

نعم..

ومن أمثلة ذلك انتشار العنكبوت الأحمـر ودودة اللوز فـي مصر في أعقاب استخدام بعض المبيدات الحشرية بإسراف شديد وبطريقة غير محسوبة. ولم تكن مثل هذه الآفات مصدر خطر للنباتات فيمـا مضى، ولكن قتل المبيدات لأعدائها الطبيعيين ترك لها حرية التكاثـر.

وكمثال واحد على التوازن الذي أنشأه الله تعالى، وكيف يخربه الإنسان ما جرى في ماليزيا في الستينات. فقد قررت الحكومة هناك استعمال مادة د. د. ت السامة في الغابات والمستنقعات لقتل بعوض الملاريا. وفعلا مات البعوض، والتهم من قبل الصراصير. ولكن تمرضت هذه الصراصير فسهل التقاطها من قبل السحالي التي أصبحت بدورها فريسة سهلة للقطط. ثم ماتت القطط بالتسمم فتكاثرت الفئران بشكل كبير، فتكاثرت براغيث الطاعون التي تعيش على أجسام الفئران. وهنا اندلع وباء الطاعون، وهلك نتيجة لذلك أكثر مما كان ممكنا للملاريا أن تقتل في سنين!!. ..

فهل أدركتم الآن يا قراء لم سيطر وكيف سيطر كل من أراد أن يسيطر ابتداء من أمريكا ومرورا بإسرائيل ثم بأقباط المهجر ثم بالبابا شنودة ثم بأقباط الداخل ثم بكل عدو لله ولرسوله وللمؤمنين..

هل أدركتم أن المشكلة ليست في قوة غير طبيعية للبابا شنودة بل في ضعف غير طبيعي للمسلمين.. و أن العلاج يأتي بتقوية الإسلام لا بإضعاف البابا شنودة ( و إن كان ذلك لا يمنع من محاسبته أو حتى محاكمته)..

هل أدركتم أن المشكلة ليست في البابا شنودة بل في الرئيس مبارك وشيخ الأزهر .. وفينا..

*** 

ليس ثمة تثريب على الشباب لهف قلبي عليهم، ألئك الأطهار الذين جعلوا من أجسادهم سياجا يحمون به الكنيسة ومن فيها حتى لو كان بعض من فيها أشرار وفجار، لا تثريب عليهم منذ حاولوا قبل ذلك بشهور طويلة أن يستدروا عطف ديوث كي يغار على دينه لكن كيف يغار ديوث أجاب بصلف و كبرياء سوف نرى دون أن يدرك أنه أعمى البصيرة.. لا تثريب على الشباب الذين صبروا ثمانية شهور طويلة وهم ينتظرون رد فعل من مسئول.. دون أن يدركوا لهف قلبي عليهم أنه لم يعد في بلادنا مسئول.. ثمانية شهور وهم يكتمون الأمر بين ضلوعهم جمرا تتلظي عليه جنوبهم وهم يلتزمون بالصمت تستعر النار فيخفونها خوفا من انفجار الفتنة و أملا في رشيد يطفئ النار قبل أن تستفحل.

لكن أي رشيد..

أي رشيد..

أي رشيد والرئيس مبارك نفسه، والمفروض أنه أمين على الدين والأمة يعز النصارى ويلتمس رضاء اليهود ويذل المسلمين ويدعي أنه على الحياد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ادعاء غير صحيح، فهو في الواقع على الحياد بين الخونة من الفلسطينيين والإسرائيليين، وثلاثتهم ضد فلسطين المؤمنة المسلمة الصابرة.

مبارك هذا.. كي يجامل النصارى.. أعلن في إحدى خطبه رغم كل ما لديه من معلومات أن عدد الأقباط يصل إلى 10%.. ولم يكن ما قاله مبارك صادقا.. ولا كان خطأً عن سهو، بل كان خطأ متعمدا أراد به أن يجامل النصارى على حساب المسلمين و أن يعضد كلينتون الذي كان قد صرح بنفس الرقم قبلها بأيام، ولم نكن نريد منه أن يكذب.. بل كنا نريد أن يقول الحقيقة.

والحقيقة أن مواقف مبارك هي المسئولة عن حالة الاستخذاء العنيف للسلطة ورجالها أمام الأقباط. ومواقف مبارك هي التي دمرت النخوة والقدرة على المواجهة، وحتى الدفاع عن النفس. دمرتها في الأجهزة التي كان ينبغي أن تكون سياجا يحميها.. فإذا بها بالذهول كله وبالغباء كله وبطاعة المخلوق في معصية الخالق تدمرها تدميرا لصالح عبادة الطاغوت لعن الله كل طاغوت وكل من أطاعه.


*** 

نعم..

استمرار السياسة الحالية..

استمرار الرئيس مبارك..

ليست مجرد خطر على الدين.. بل على الأمة والدولة والحكومة أيضا..

أما البابا شنودة فأمره هين جدا..

رجل وجد فراغا.. فلماذا لا يملؤه.. ووجد نفاقا فلماذا لا يستثمره.. ووجد ظهرا محنيا فلماذا لا يقفز عليه ويتبختر؟!..

هل تريدون رأيي؟..

لو لم يفعل لكان مخطئا!!..

والحقيقة أنني حرصا على الوطن أركز على هذه النقطة و أرجو أن ينتبه أبنائي و إخوتي لها..

نحن نقول أن الأقباط يستقوون بأمريكا و بإسرائيل..

دعنا من القيمة الأخلاقية لذلك.. ودعنا من خطورته الهائلة على الأجيال القادمة من النصارى عندما يعتدل الميزان..

دعنا من ذلك وذاك.. لنقول أن هذا الاستقواء أمر حقيقي لا شك فيه..

لكن هناك استقواء آخر خفيا لا نكاد ندركه ولا نكاد نتنبه إليه..

وهو استقواء نظام الحكم المصري – والعربي أيضا- بالنصارى.. وهذا الأمر أيضا حقيقة لا شك فيها.

نعم..

تماما كما تمثل إسرائيل مفتاح قلب أمريكا ( لعن الله إسرائيل و أمريكا) فإن الأقباط يمثلون بالنسبة للحكومة المصرية وللنخبة المستغربة درعا واقيا من غضب أمتهم عليهم.. وملاذا آمنا وغطاء أمام أمريكا و إسرائيل..

هذه النقطة هامة جدا..

استقواء النخبة الفاجرة الكافرة (دون تعيين ) بالنصارى..

هذه النخبة التي فقدت كل دعم وكل تأييد من أمتها ولم يبق سوى دعم الجيش – الذي تخلى عن مهمته وانقلب على عكسها) والأمن ( الذي يقوم بأشد الأعمال إجراما وخسة وقذارة.. حتى أنه يمثل اليد القذرة للموساد والسي آي إيه) : ( انظر ماذا يفعل الأمن والجيش في بنجلاديش على سبيل المثال!)..( للقارئ أن يضيف علامة تعجب أخرى إذا أراد..!)..

هذه النقطة هامة جدا.. لن أمل من التركيز على ذلك.. لأنها تعني أن هناك حلفا غير مقدس بين الحكومة والنخبة والعلمانيين والملحدين والبلطجية والنصارى في طرف وفي الطرف الآخر توجد الأمة ودينها و أمنها ومستقبلها..

هذا حلف لا شك فيه و إن أنكره الجميع.. لكنه يتبدى بصورته الكاملة في شخصين يعدان من أبغض الشخصيات في الوجدان الجمعي: رفعت السعيد وعلى سالم.. لا أغمط حق الآخرين لكن أمرهم أتفه و أحقر من أن يذكر.

يتبدى بصورته الكاملة في هذين.. أما صورته الأخطر فلا ندركها أبدا.. لأنها تدور في كواليس أعلى طبقات الحكم.. حيث يتم تحذير الغرب دائما من الديموقراطية  لأنها ستأتي بالمسلمين إلى الحكم وهم ضد أمريكا والأقباط.

مخبر السيدة زينب.. حوذي الوزير الشاذ.. الذي ادعى أنه مضطهد طول عمره لأنه يطالب بالديموقراطية.. لكنه عندما ذاق خمر الشاذ انقلب على عقبيه وراح يصرخ: ولكن الديموقراطية هي التي أتت بهتلر.

الغريب أن هذه النخبة الخائنة والتي تبني فكرها على العلمانية – أي الإلحاد-  لا تعادي من الأديان إلا الإسلام، ولا تعادي من المناسك إلا مناسكه، أما فيما يتعلق بالأديان الأخرى، حتى البوذية فإنها تعامل بنفس الاحترام التي عوملت به أصنام بوذا في أفغانستان. الامتهان فقط للإسلام.. وهذا يدل – فيما يدل – على أن موقفها ليس موقفا فكريا، وإنما هو موقف العاهرة التي تهاجم الدين ليس لأنها فقدت الاقتناع به، و إنما لأن ضوابطه تحول بينها وبين شهواتها ومكاسبها.

وهذه الفئة الخائنة المجرمة، المدلسة الكاذبة المزورة، والتي ظلت لأكثر من قرن تربط ما بين العلمانية والعلم، وهذا كذب ( على مستوى كتب الفلسفة وليس الدين).. كما ظلت تربط بالإفك ما بين الحداثة والتحديث، فالأولي كفر وخيانة.. والثانية واجب و أمانة.. ولست أنسي أبدا مخبر قسم السيدة زينب وهو يصرخ على شاشات التلفاز: فلنعد إلى ركوب الإبل إذن.. فياله من حمار!!..

*** 

كثيرون هم الذين يلعبون نفس اللعبة القذرة، وكثيرون هم الذين يسوقون لأنفسهم ويروجون لها كما تروج البغي لنفسها..

فقط..

افتحوا أعينكم وراقبوا..

لكن.. و أنتم تفعلون ذلك  قولوا لا إله إلا الله سبحانه جل وعلا شانه.. محمد رسول الله..

انظروا إلى مثوى هؤلاء الآن وكيف ينظر الشعب إليهم..

انظروا إلى فكرهم في مزبلة التاريخ.. وانظروا إلى الإخوان المسلمين وتأييد الشعب الكاسح لهم.. بل تأييد الله إن شاء الله.

*** 

حسم العلمانيون والمستغربون أمرهم وانضموا إلى أعداء الأمة..

كانوا قد باعوها وخانوها و أدركوا أنها لفظتهم فمدوا أعينهم و أيديهم إلى الحلف المدنس..

بدءوا كالحية الرقطاء بالتسلل مدعين أن العلمانية من الإسلام و أن الماركسية نظرية اقتصادية لا تتعارض مع الإسلام.. ثم كانت الخطوة التالية: العلمانية مذهب يمكن أن يتفق عليه الجميع مع كامل الاحترام للإسلام.. ثم لا إسلام بعد اليوم.. وبعد أن كانت العلمانية – كما ادعي الفجار – وسيلة لتحقيق العدالة.. أصبحت هي الغاية.. و أصبح الإسلام مرفوضا و إن حقق العدالة.

*** 

انظر مثلا إلى الدكتور علاء الأسواني الذي لم أعترف له بموهبة قط .. وحينما كنت مسئولا منذ ما يقرب من عشرة أعوام عن صفحة عبد الله النديم في الشعب فقد رفضت بإصرار انضمامه إلى كتابها، كما أنني فيما بعد ذلك لم أعترف بموهبته، فقد أدركت إنه يسير على خطى الشيطان من مسيلمة إلى فاروق حسني وصلاح عيسى وعصفور و.. و.... ولم يختلف موقفي بعد صدور روايته عمارة يعقوبيان، حيث الجنس المبتذل، والقطيعة المعرفية وانعدام المرجعية، وبعض الغزل لليهود ثم الدفاع عن الشذوذ الجنسي، وهذه مقومات نجاح العمل الأدبي بمفهوم العلمانية والحداثة. خاصة إذا صحب العمل ضجة إعلامية لم يظفر بها كاتب في مصر من قبل.. ومسارعة من الجامعة الأمريكية لترجمتها لإنجليزية، ثم أعقبتها ترجمة لإيطالية، وكلف وحيد حامد بكتابة السيناريو للفيلم السينمائي الذي تصدى لإنتاجه وعماد الدين أديب (!!) راصدا لإنتاجه 60 مليون جنيه!! واستدعاء كبار الممثلين لتمثيلها كعادل إمام نور الشريف، يسرا، إسعاد يونس، هند صبري، محمد عادل إمام، سمية الخشاب، خالد صالح، خالد الصاوي، احمد راتب، احمد بدير، عبد المنعم، باسم سمرة، احمد صلاح. بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الفنانين الذين وصل عددهم إلى 160 فنانا..بل وتقرر أن يكون أول فيلم عربي يعرض تجاريا في أمريكا.. و..و..

كان واضحا أن الأمر يتعلق بصناعة نجم.. بل كانت فضيحة صناعة نجم سوف يؤيد إسرائيل غدا والصليبيين بعد غد وسيظل ضد الإسلام على الدوام.. ومن أجل هذا يربى اليوم.. ويمنح ما لم يمنح لنجيب محفوظ نفسه .. ولم يلتفت أحد إلى نقاد كبار عندهم صغار عندنا كفاروق عبد القادر الذي أكد أن الرواية متوسطة القيمة، و أنها تسئ إلى المصريين كما قال صبري العسكري أنها مستنسخة من أعمال نعمان عاشور .. لكن أحدا لم يلتفت إليهما..

*** 

إنني أريد أن أنبه القارئ إلى أمر بديهي جدا، و هو أن أي اثنين يتواطآن على ارتكاب الفاحشة، لا يفعلان ذلك في العلن أمام الناس، ولا يحتاجان إلى جدل، تكفي غمزة أو إشارة أو لفتة أو كلمة عابرة لا يلتفت إليها إلا شريك التواطؤ.

وما يتم في سبيل التواطؤ على ارتكاب الفاحشة يحدث أيضا في التواطؤ على خيانة الأمة والدين والوطن..

أظن أن شيئا من هذا القبيل قد حدث من بعض ضباط الجيش العراقي و أمريكا قبيل سقوط بغداد.. و أن كثيرا منه لا يكف عن الحدوث بين حكامنا وبين أروقة المخابرات في الغرب.

*** 

نعود إلى علاء الأسواني، الذي كان عليه أن يسدد ثمن الأفضال التي أسبغت عليه، بالغمزة أو الإشارة أو اللفتة أو الكلمة العابرة، لذلك، فما أن حدث ما حدث في الإسكندرية، إلا وقد انطلق النجم وانبرى، لا ليدين الإساءة البالغة والمسرحية السافلة والكهنة الساقطين، بل ليدين المسلمين أولا!! الذين أدى تطرفهم إلى  تطرف بعض المسيحيين الودعاء الطيبين، أو على حد نص الكلام المنشور في صحيفة العربي: "يجب أن نذكر، بصراحة، أن التعصب ضد الأقباط قد أدي بهم إلي تعصب مضاد، وهذه ظاهرة طبيعية، فلو أن طالب الطب القبطي المظلوم، قدر له أن يتولى منصبا قياديا فسوف يتعصب علي الأرجح للأقباط ضد المسلمين الذين ظلموه.. وقد آثر الأقباط الانسحاب والتقوقع وعزفوا عن المشاركة وتحولت كل مجتمعاتهم إلي كيانات مغلقة عليهم وأصبح القبطي يمارس كل أنشطة حياته عن طريق الكنيسة وحدها.. ".. 

أما طالب الطب فلنترك النجم يروي روايته:

حدثت هذه الواقعة أثناء الامتحان العملي في إحدى كليات طب الأسنان.. انتهي الطالب من علاج أسنان المريض، وجاءت الأستاذة لتقييم عمله وإعطائه الدرجة.. فأعجبت بمهارته وقالت:

ـ شغلك ممتاز.. سأعطيك الدرجة النهائية.

ابتسم الطالب في سعادة.. وسألته الأستاذة وهي تتصفح كشف الأسماء:

ـ اسمك إيه..؟

ـ إيهاب أمين..

ـ قل اسمك بالكامل

ـ إيهاب أمين جرجس..

هنا بدا الامتعاض علي وجه الأستاذة ومنحته درجة أقل بكثير من الدرجة النهائية التي وعدته بها.. لأنه قبطي.. ليست هذه الحادثة شاذة ولا نادرة في كليات الطب، فالطلاب الأقباط يتم إنقاص درجاتهم عمدا حتى تفوتهم فرصة التعيين كمعيدين في الجامعة، ولو أفلت أحدهم في غفلة من الزمن وتم تعيينه فإن إدارة القسم تتعمد غالبا إسقاطه في امتحان الماجستير مرة بعد أخري حتى يستبعد من الجامعة.. هذا الظلم الفاحش، المنافي لأبسط قواعد الدين والأخلاق، يحدث يوميا من سنوات ويعرفه كل طلاب وأساتذة الطب في مصر.. ولا يقتصر اضطهاد الأقباط علي كليات الطب ولا علي الجامعة بل يتعدى ذلك إلي مجالات الدولة جميعا، فالمحافظون ورؤساء الجامعات وقادة الجيش ومديرو الأمن والنائب العام، كلها مناصب محجوبة عن الأقباط.. التمييز ضد الأقباط حقيقة.

*** 

عندما أسمع هذه النماذج البشرية، أتصور أنهم ينتظرون من كل مسلم أن يعتذر لأنه مسلم ، و أن يعترف بالخطأ .. ويقلع عن الإسلام فيتوب!!.. ويدهشني سيطرة الخلفية الصليبية على وجدانهم فكل ما يتعلق بالإسلام مدان ولا مبرر له.. وكل ما هو متعلق بأي دين آخر محترم ومصان ومقدس وتستدعي دواعي اللياقة والكياسة ( والجنتلة!) أن نتحدث عنه باحترام عظيم.

إنني أتعمد التفصيل في هذه النقطة، لا لكي أكشف ما تعلنه كلمات علاء الأسواني، ولا لأفضح ما يضمره قلبه وهو أكبر، و إنما لأعرض أمام القارئ نموذجا تفصيليا لكيفية صياغة الأكاذيب وتلوينها حتى لو اعتمدت في بعض أجزائها على وقائع حقيقية أو صادقة.

نعم..

هناك تحيز في بعض الأقسام في بعض كليات الطب ضد المسيحيين – وهو خطأ لا ندافع عنه أبدا-.. لكنه خطأ فردي.. لأن ذلك الخطأ لو كان عاما أو جماعيا لوجدنا على سبيل المثال أن عدد الأطباء الأقباط نصف نسبتهم العددية في المجتمع.. فإن كانت نسبة الأقباط أقل من 6% فإننا نتصور أن نسبة الأطباء ستكون 3 أو 4% مثلا..

لكن الحقيقة التي تخرق كل عين ومنها عيني علاء الأسواني أن الأقباط  يملكون  60% من الصيدليات.. و 45% من العيادات الطبية الخاصة....

نعم..

45% من العيادات الخاصة ومنها طبعا عيادات الأسنان..

فهل تشعر بالاشمئزاز أيها القارئ من طريقة نجومنا من نسج الأكاذيب وتلوينها وتوظيفها في النهاية ضد الأمة والدولة.

45% من العيادات الخاصة ومنها طبعا عيادات الأسنان..

يا له من اضطهاد جميل ليت الأكثرية الإسلامية تتعرض لمثله..

وسوف أقول الآن أمرا يبدو متناقضا مع هذه النسبة.. لكنني سأفسره على الفور..

مع الاحتلال الفرنسي القصير انحرف كثير من المسيحيين كما انحرف كثير من المسلمين.. ومالئوا المحتل.. وبعد هزيمة نابليون وفراره ثم انسحاب الحملة كلها بدأ الغزو الثقافي عن طريق محمد على وبعثاته ( هناك وثائق تؤكد أن فرنسا قبل انسحابها كانت قد رتبت الأمور لمحمد على لكي ينتهي الحكم إليه، على أي حال، سادت الثقافة الفرنسية واستبدل الغزو الثقافي بالغ7زو العسكري. في هذه الفترة أنشئت كلية الطب وكان كل أساتذتها من الأجانب، الذين اختاروا فيما بعد أكثرية من المسيحيين، واضطهدوا المسلمين في استقواء خسيس بالمستعمر، حتى أن بعض الأقسام كقسم النساء والولادة في طب القصر العيني، ظل عشرات الأعوام لا يسمح لمسلم واحد فيه بالتخصص في النساء والولادة تحت رئاسة أستاذ القسم العالمي المشهور: الدكتور نجيب محفوظ.

بعد معاهدة 36 بدأ رد الفعل العكسي.. و أصبح ممنوعا على أي مسيحي أن يتخصص في هذا الفرع.. واستمر الأمر نصف قرن حتى بدأ التوازن يعود من جديد.

لكن..

على الرغم من ذلك ظل الأقباط  يملكون  60% من الصيدليات.. و 45% من العيادات الطبية الخاصة....!!

والحقيقة أن مثل هذه الأحداث – خاصة من ناحية المسلمين -  لا تعود إلى تفرقة دينية بقدر ما تعود إلى عصبية قبلية.. كتلك التي نشاهدها ما بين جامعة القاهرة وعين شمس.. أو ما بين جامعات القاهرة والأقاليم. و أفسر التناقض فأقول: يوجد قدر قليل جدا من التمييز ضد الأقباط، ولن أجامل في الحق يا قراء، إنه تمييز يكاد أن يكون مشروعا، ففي القرنين الماضيين أدى استقواء الأقباط بالغرب إلى خلل جسيم في الموازين، جعل الأقباط الذين يمثلون أقل من 6% يمتلكون 60% من الصيدليات و 45% من العيادات. و أظن أن هذا لو حدث في بلد غير مسلم، لتم استصدار قرارات مشددة بوقف التحاق أبناء الأقباط بكليات طب الأسنان وكليات الصيدلة.. وأن أن ما متع صدور هذا القرار: ليس إلا سماحة الإسلام.

أم عن الغبن الكاذب الذي يشعر به الأقباط  فهو كالحمل الكاذب، وليد لوهم خاطيء  فإن لم يكن فلتخطيط فاجر.. إن – بعضهم- يحنون إلى عهد الاستعمار عندما كانت له اليد الطولى.. يحنون إليه فيستدعون الأمريكي القذر لاحتلال البلد.. ولست أدري كيف غفلوا وقد عاشوا معنا مئات القرون، عن أن قوة التوحيد في قلوبنا، تجعلنا ننكسر ونخسر لكننا لا نهاب ولا ننهار..ونحن نعرف على سبيل المثال أن أمريكا أقوى.. و أن بوش أقوى لكن البغل أيضا أقوى فإذا أخذت الذبابة شيئا من أي منهما – بوش أو البغل- لما استطاعا استرداده ضعف الطالب والمطلوب. وفي نفس هذا الإطار دار الحوار بين الغازي المنتصر نابليون وبين علماء الأزهر.. وراح نابليون يمارس ألاعيبه كي يبهرهم ويقهرهم ويجعلهم يدركون أن لا قبل لهم بنابليون وجنوده، لكن عالما من العلماء أدرك ذلك فأجابه إجابة صاعقة: فالله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، كانت الإجابة تحمل عمق التاريخ من الثراء الروحي والعمق النفسي، والقدرة على امتصاص أي قدر من الهزائم، ثم الاستعانة بمن يأتي بالشمس من المشرق والانتصار من جديد.. كان المعنى يحمل ذلك، لكن مخبر قسم شرطة السيدة زينب، القذر، جعل من هذا الرد المعجز مادة لتندره ودليلا على تخلف المسلمين وظلاميتهم. وكان هذا دأب كل أعضاء الحلف المدنس، غير المقدس.

لكننا نعود إلى قصة الدكتور علاء الأسواني لأنها نموذج للكذب الذي لا يقف على قدمين أبدا.. و أنا لا أتمالك إلا الدهشة: ألم يسعف النجم الساطع خياله ليحبك الكذبة أكبر.

نعود إلى الفرية التي تنتهج نهج الميلودراما المباشرة الساذجة:

فالأستاذة تمتحن الطالب دون أن تعرف اسمه!! ودون أن تطلع على بطاقته خشية أن يأتي آخر ليمتحن بدلا منه.. ثم هي لا تعرفه.. وهذا يعني أنه في الأغلب الأعم ليس في الماجستير أو الدكتوراه.. لأن عدد الطلبة القليل في الشهادتين يجعل العلاقة مع الأساتذة مباشرة.. إذن .. الطالب في الكلية.. والأستاذة لا تعرفه.. ولم تسأله عن اسمه منذ البداية.. واكتمال الكذبة يستدعي أن تنبهر الأستاذة بإجاباته.. لتكتشف أنه مسيحي.. فلا تعطيه الدرجة التي يستحقها..

لم يقل لنا النجم الساطع مصدر معلوماته ولا من حكى له الحكاية.. المفترس أم الفريسة.. ولم يكن يستطيع أن يقول لنا أنه سمعها بنفسه.. لسبب بسيط.. أنه حصل على بكالريوس طب الأسنان من جامعة أمريكية.

القصة إذن فبركة الدكتور علاء الأسواني.. ونعم.. توجد أخطاء فادحة ويوجد تحيز.. وقد يكون ضحاياه أحيانا من الأقباط لكن الضحايا معظمهم من المسلمين..

يلح علىّ سؤال لعلاء:

- هل تصلي؟!..

ويلح علىّ سؤال آخر.. إذا كان الظلم يحيق أحيانا ببعض الأقباط فلا يعينون في مناصب معينة – دون أن يؤثر هذا على النسبة العامة: الأقباط  يملكون  60% من الصيدليات.. و 45% من العيادات الطبية الخاصة....أقول إذا كان هذا يحدث فهل يمكن أن يخبرني النجم الساطع عن عدد الذين يحرمون من تولي أي منصب في الجامعة لأنهم يصلون الفجر جماعة في المساجد؟!..

هل يمكن أن يخبرني عن أي مكان يمنع  المسيحيون من ارتياده لأنهم ملتحون.. أنا أخبره بعشرات الأماكن يمنع المسلمون من ارتيادها حتى في الأفراح..  عشرات الأماكن و أولها النوادي العسكرية..!!

هل يملك علاء الأسواني للسؤال إجابة؟!.. 

هل يمكن أن يفسر لي علاء الأسواني تسامح الدولة بلا حدود مع الأقباط  وشبابهم الذين نكلوا بالشرطة وضربوهم ومع الخنزير زكريا بطرس.. وقسوتها بلا حدود مع المسلمين..

هل يمكن أن يفسر لي علاء الأسواني إلى من تنحاز الدولة وهي تصر على إغلاق صحيفة الشعب التي كان علاء من كتابها – للأسف-  ثم لا تجرؤ على العبث بحق – مشكوك فيه – يجعل من حق كل كنيسة أن تصدر صحيفة لا تجرؤ حتى الكلاب على النباح عليها؟..

هل يمكن أن يفسر لي علاء الأسواني شيئا عن قناة الخنزير زكريا بطرس الذي يحصل على أكثر من مائة وعشرين ألف جنيه مقابل كل عظة ينطقها الشيطان على لسانه، وكيف لا يجرمه القانون ولا يحرمه البابا (الذي حرم جمال أسعد بسبب معارضته)..

وهل يمكن أن يفسر لي أمر القناة القبطية الأخرى  التي لا نعرف عنها شيئا سوى ما قاله  الأب بيشوي الأنطوني المدير العام للقناة التي سميت قناة (أجابي) التي تعني المحبة بالقبطية و أنها تسعى إلى ربط الأقباط الموجودين في مصر بالأقباط الموجودين في الخارج وأن ننقل كلمة الرب .

وأضاف نقول أن قناتنا ستقربنا من المسلمين وقد يفهموننا أفضل وأفضل من خلال القناة .

وسيقدم برامج القناة كهنة وشمامسة وستذيع في البداية ساعتين يوميا تجري إعادة بثها. ويرأس القناة الأنبا شنودة بابا الأقباط وتمول من التبرعات.

ونقل التقرير عن الأب بيشوي الأنتوني أحد المديرين التنفيذيين في القناة قوله: القناة تخضع لتوجيه البابا شنودة الثالث نفسه، الذي عين لجنة عامة تتشكل من 13 أسقفا لإدارة القناة. وأضاف: القناة تتم إدارتها من داخل دير في شمال شرق القاهرة.

كان قد تقرر بدء بث القناة الفضائية في 14 نوفمبر الماضي على القمر الصناعي الأمريكي تيليستار 12 الذي يغطي مصر وعدة دول إفريقية.

هل يمكن أن يفسر لي علاء الأسواني أمر القناتين الأخريين.. قناة ستمنح للحيزبون نوال السعداوي والأخرى لحمدي قنديل..

لاحظوا أن كل القنوات الآن ضد الإسلام فإذا أضفنا القنوات الحكومية ازداد الأمر سوءا.. كما يزداد سوءا مرة أخرى عندما نكتشف عدم وجود أي قنوات دينية مصرية.

ومرة أخرى لاحظوا يا قراء ذلك الحلف المدنس لا المقدس بين النظام والعلمانيين والشيوعيين والقوات المسلحة – جيشا وشرطة-  ثم الأقباط من ناحية والاتجاه الإسلامي من الناحية الأخرى.

نعم حلف مدنس تصل الخسة فيه إلى حد مدهش.. فالمثقفون يبررون جرائم السلطة – لا أقصد جرائم الرأي.. ولست أراها جرائم- ولا تهتز لهم شعرة لعشرات الآلاف من المعتقلين ما داموا مسلمين.. ولا لعشرات المقتولين بيد المحاكم العسكرية، ولا للتزوير، وقد ترتب على هذا كله تفشي الفساد بصورة مروعة لم تحدث أبدا.. ذلك أن المجرم القاتل المعذب المزور لن يستنكف أبدا عن سرقة البلاد في منظومة يزعمون أنها لمحاربة الإرهاب وإنما هي حرب على الإسلام يتحاكمون فيها إلى الطاغوت وقد أمِروا أن يكفروا به،  يقوم المثقفون إذن بمعظم الدور الداخلي، ثم يأتي الأقباط يضمنون رضا الطاغوت الغربي على مواجهة دين أهل البلاد   بأي طريقة، ولو بتزوير الانتخابات.. ولو بالتعذيب والتشريد والقتل. أما الشيوعيون فهم أخس الجميع وهم سماسرة بيع شرف الأمة، ولاحظوا يا قراء، أن الشيوعيون، رواد الإلحاد و أساتذة الكفر يتحدثون بمنتهى الاحترام عن القبط – دون المسلمين- وتنهال أموال الأقباط عليهم.. و أصواتهم أيضا في الانتخابات..

ورغم حجم المرارة الطافحة فإن هذا الحلف طبيعي وكان علينا أن نتوقعه لا أن نندهش له.. ذلك أن الإسلام حين – بإذن الله – ينتصر سوف يكتسح هؤلاء جميعا كما يكتسح فيضان النهر أكداس القمامة والجيف التي ترسبت في مجراه فترة الجفاف..

نعم..

عندما ينتصر الإسلام بإذن الله سوف يقضي على الطاغوت.. والفساد.. والعمالة.. والخيانة.. والمال الحرام... والتزوير... والتهريب... والتعذيب... وسوف يحجم فساد القضاء .. وسوف يحاكم أجهزة أمن وعدل حولت القانون إلى سكين في يد مجنون.. وسوف يعيد النصارى إلى حجمهم الطبيعي: أقل من 6%.. وسوف يتمتعون بحقوق أكثر من حقوق أي 6% أخرى في العالم!!..

فهل أدركتم يا قراء أن هذا الحلف كان محتما..

و أن مواجهة عنصر واحد من عناصره تمثل خطأ عقديا واستراتيجيا أيضا وذلك ما أنبه إليه و أحذر منه.

إن أطراف الحلف الخسيس كلها، كل منها يستتر خلف الآخر – بمنتهي الخسة والجبن-.. ليستتر الجميع خلف البابا شنودة.. الذي يسلط أتباعه في الداخل والخارج للتحذير من المسلمين..

إن المستفيد الرئيس من هذا الحلف المدنس هم كل الطوائف التي ذكرت.. ما عدا النصارى.. فهم ضحاياه..ذلك أن وضع الآخرين جميعا مؤقت سرعان ما تلفظهم الأمة كما يلفظ الجسد خبثه.. وكما يطرد الخراج صديده وكما يطرد الحديد صدأه.. نعم وضع هؤلاء جميعا مؤقت وعارض.. أما الدائمون معنا فهم النصارى.. الذي لن ينسى المسلمون لبعضهم أبدا أنهم خانوهم وقت الأزمة.. وكانوا عونا عليهم لا لهم.. 

ترى: ماذا يمكن أن يحدث لهم إذا اعتدل الميزان؟..

هل يرضى النصارى أن يعاملوا بعد عشرين عاما كما يعامل المسلمون اليوم في أمريكا؟!.

أطراف الحلف الخسيس كلها إذن تستتر خلف النصارى ليكون الصدام مباشرا بين المسلمين وبينهم فهذا سيكون أفعل في الاستقواء ( لا يراعي المجرمون خطورة ذلك على الأمة)..

والمطلوب ألا يستدرج المسلمون إلى هذا.. 

إنني أخشى من أن يفهم البعض مما سأقوله على الفور أنني ضد المظاهرات التي خرجت تندد بالمسرحية السافلة والكهنة الساقطين ومغارة اللصوص، على العكس، لو استطعت أن أقبل قدم كل من خرج محتسبا لينصر دينه لفعلت.. 

بالطبع .. أنا ضد أي نوع من التخريب..

لكنني في نفس الوقت أرى أن السبب في التخريب ليس العامة الذين استثارتهم المسرحية الفاجرة.. بل الأجهزة الفاسقة التي علمت بالكارثة ولم تتحرك..

كان يمكنها أن تطفئ النار فلم تطفئها.. ليس مجرد إهمال لأمر الإسلام والمسلمين .. ولا مجرد تفريط في أمن الدولة.. بل تصعيدا للصراع بين المسلمين وبين النصارى..

لاحظوا يا قراء أنهم جميعا و أولهم البابا شنودة يميلون إلى التصعيد.. ذلك أنهم يظنون -أخلف الله ظنهم-  أن الظروف لم تكن في صفهم عبر التاريخ كله كما هي الآن.. و أن أمة الإسلام لم تتشرذم كما هي الآن .. و أن الحكام لم يكونوا أبدا أشد خيانة وفسوقا مما هم الآن.. و أن النخبة لم تخن أمتها كما تفعل الآن.. فلماذا لا ينتهزون الفرصة إذن..

بل.. أليس هذا المعنى بتمامه هو عنوان الكتاب الشهير لريتشارد نيكسون – الرئيس الأمريكي الأسبق-  الذي كتب كتابا بعنوان : انتهزوا الفرصة .

بعد انهيار وتفكّك الإتحاد السوفيتي وسقوط المعسكر الاشتراكي وإثر حرب الخليج الأولى انتهى النظام العالمي "القديم" متعدّد الأقطاب ليحلّ محلّه نظام أصطلح على تسميته بالنّظام العالمي الجديد وساد رأي بالإدارة الأمريكية وخاصة لدى صنّاع القرار مفاده أنّ الولايات المتّحدة "حققت قيادتها المطلقة للعالم لأنّها استطاعت أن تمسك باللّحظة التاريخية الفريدة التي توفّرت لها" وعليها منذ الآن أن تستعمل كلّ إمكاناتها المادّية والمعنوية للحفاظ على هذا المكسب وأن تؤسّس له للاستئثار بريادة العالم وزعامته وإعادة صياغته وتشكيله من جديد وفق المصالح القومية الأمريكية، كيف لا وهي التي تتمتع بتفوق لم تصل إليه أعظم الإمبراطوريات منذ فجر التاريخ : "فهي تمارس سيطرة لا نظير لها على كل أنحاء العالم وتنتشر قواتها حوله من سهول أوروبا الشمالية إلى خطوط المواجهة في شرق آسيا" وعلى امتداد وطننا العربي "كما تسيطر على النظام المالي العالمي وتوفر أكبر مجمع لرأس المال الاستثماري وأوسع سوق للصادرات الأجنبية " بحيث إذا هبطت الأسهم في وول ستريت تداعى لها الاقتصاد العالمي بأسره. فكان أن سيطرت على صانعي الإستراتيجية الأمريكية فكرة الفرصة التاريخية السانحة فصدرت في تلك الفترة كتب ودراسات تؤسس لهذه الغاية وتعمل من أجل هذا الهدف حتى أن الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون نفسه أصدر كتابين أحدهما بعنوان (انتهزوا الفرصة) Seize The Moment)) والثاني (1999 نصر بلا حرب) (Victory Without War 1999) شدّد فيهما على نفس الأفكار المشار إليها وحذر في الكتاب الثاني من الإسلام الذي سماه "المارد الأخضر" في إشارة إلى "المارد الأحمر" الشيوعي المتمثل بالاتحاد السوفيتي المنهار.(نايلي نبيل، باحث في الشؤون الإستراتيجية. جامعة باريس المشروع الإمبراطوري في السياسة الأمريكية: من التطهر التبشيري إلى إستراتيجية الصدمة والترويع).

كما يحاول اليهود جر العالم إلى حروب مهلكة يخرجوا هم منها سالمين ظافرين، فإن النخبة المجرمة وجميع أجنحتها من ضباط ومثقفين وكلاب صيد تمزق وخنازير تدنس وكهنة ساقطين وكتبة كذبة فاسدين.. كل أولئك يريدون تفجير الفتنة في مصر لعل أمريكا تأتي لتنصرهم نصرا حاسما.

لست قلقا من ذلك.. فلدي وعد مكين من رسول أمين بأن مصر في رباط إلى يوم القيامة. لكنني أريد أن أحقن الدم.. و أرى أن التوجه يجب أن يكون تقوية الإسلام وليس مواجهة النصارى.. 

إنني لست ضد التظاهر.. بل أنا معه ومع الإفراط فيه بضوابطه الشرعية قبل الأمنية، و أعود إلى التذكير بما قاله هيكل، من أن أمريكا غيرت موقفها من العالم العربي عندما وجدته لا يقاوم، لو قاوم ما حدث ما حدث، بل ولقد تمنيت بالنسبة للمظاهرات الحاشدة، أن تحاصر وكرا للشيطان قتل فيه من التعذيب مسلم، أو لجنة للشيطان يزور فيها صوت، أو قاضيا من قضاة النار، بنفس الحمية التي حاصرت بها بيتا من بيوت العبادة حوله أبناء الأفاعي إلى مغارة لصوص.

إن فتح جرح مملوء بالصديد في جسد انعدمت مناعته قد يؤدي إلى تسمم الجسد كله..

إن الجسد العليل الذي هاجمته الطفيليات والطحالب والجراثيم والحشرات إنما يزداد مرضه وتتفاقم علته لو وجهت جهدي إبادة الجراثيم أو مكافحة الطحالب.. وعلاج مثل هذا الجسد إنما يأتي كنتيجة لتقويته وزياد مناعته .. وفي هذه الحالة ستتساقط الأوصاب جميعا..

وزيادة القوة والمناعة تأتي بأمرين: العوامل الإيجابية التي يجب توفيرها.. والعوامل السلبية التي يجب القضاء عليها.

إن المواجهة مع النصارى تعطيهم أكبر من حقهم وحجمهم وتعطينا أقل من حقنا وحجمنا.. كما أنها تلون الصراع بلون طائفي كاذب.. فنحن لسنا ضد النصارى الذين ينتمون لمصر.. بل ضد النصارى الذين يعبدون أمريكا و إسرائيل. كما أن هذه المواجهة ستطمس  حقيقة الصراع كونه صراعا بين شرفاء وعملاء.. بين أمناء وخونة.. بين مواطنين صالحين وقطاع طرق مزورين لصوص أصبحوا في غفلة منا حكاما وقادة جيوش ووزراء عدل وكتاب سوء.. وأبناء حكام.. وزوجات حكام..و..و..

وننتقل إلى الجزء الأخير من المقال.

*** 

*** 

لأسباب لا بد أن القارئ سيتفهمها سوف أتعرض لموقف النائب العام من القضية باختصار شديد، فالرجل صرح جهارا نهارا أنه سيستهدف  من يكتبون في الموضوع..

 لكنني أؤكد في حدود وعيي وعلمي أن مصر لم تقابل قرارا للنائب العام بمثل هذا الاستنكار والاستهجان أبدا..

بل إن الأمر يتجاوز كل حد ممكن، فليس له سابقة ولا مثيل فالنائب العام يواجه بمانشيتات الصحف تتهمه بالكذب.. كما تتهم وزير العدل بالتزوير..

أتناول الأمر باختصار  متسائلا في الوقت نفسه: هل النائب العام من قضاة الجنة أم من قضاة النار..

ولست أخشى السجن ولا حتى الموت في سبيل الله.. ولكن علينا تجنبهما.. فإن جاءا فسنثبت ونصبر إن شاء الله.

لقد بدا موقف النيابة مثيرا لتساؤلات الكثيرين، وكان ما تنشره الصحف يخفي أكثر مما يظهر.

انظر مثلا إلى البيان التالي:

مصدر قضائي مسئول لـ الوفد:  

النيابة لن تحقق في مسرحية الفتنة.. لعدم وجود بلاغ  

أكد مصدر قضائي مسئول لـ»الوفد« أن تحقيقات النيابة العامة بالإسكندرية لن تتناول أسباب اندلاع المظاهرات الدامية بمنطقة محرم بك. ولن تتناول التحقيقات حكاية اسطوانة الـCD المسجلة للمسرحية التي أثارت الأزمة. 

وبدا التصريح غريبا .. لأننا تعودنا أن النشر في الصحف يعدّ بلاغا..

ولم تعلق النيابة..

ولكن بدا أن النيابة مصرة على عدم التحقيق..

وفي  31 - 10 -2005   نشرت صحيفة المصريون:

اتهمت مصادر قانونية رفيعة المستوى النائب العام المستشار ماهر عبد الواحد بالمسئولية غير المباشرة عن اندلاع أحداث كنسية مار جرجس التي شهدتها الإسكندرية وخلفت 3 قتلى وعشرات المصابين بعد أن تواترت أنباء عن وجود عرض مسرحي يسيء إلى الإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

وشددت المصادر على أن جهات أمنية علمت بأنباء قيام جهات بتوزيع الـCD الذي يتضمن المسرحية على طلاب وموظفي جامعة حلوان بدون التميز بين مسلم ومسيحي وشاهدت المسرحية وقدمت بلاغا للنائب العام وأرفقت به نسخة من المسرحية وطلبت منه اتخاذ اللازم فما كان من المستشار ماهر عبد الواحد إلا حفظ البلاغ في مكتبه والامتناع عن إجراء أي تحقيق.

وانتقدت المصادر تجاهل النائب العام التحقيق في القضية ومساءلة المتورطين فيها مشيرة إلى أنه لو اتخذ أي إجراء جاد يستبق الأحداث لتم استبعاد السيناريو الدامي الذي وقعت أحداثه أمام كنيسة مار جرجس من تدافع للمسلمين احتجاجا على العرض المسرحي الذي يسخر من الإسلام.

وأبدت المصادر استياءها البالغ من عدم توجيه النائب العام اتهاما لقساوسة ورهبان كنيسة مار جرجس طبقا للمادة 160 من الدستور والذي يعاقب بموجبه أي شخص عرض الوحدة الوطنية المصرية للخطر أو قام بفعل يضر بالسلام الاجتماعي.

وانتقدت المصادر قيام البابا شنودة بمعاقبة كهنة الكنيسة التي مثلت فيها المسرحية بالنقل إلى دير وادي النطرون أو دير السريان أو نقلهم إلى الأديرة النائية باعتبار أن ذلك قرار كنسي يخرج هؤلاء عن سلطة الدولة ويكفل لهم حصانة غير دستورية مشيرة إلي أن مثل هذه التصرفات تفقد الدولة هيبتها وكرامتها وحقوقها القانونية بقدر ما يشل من سلطانها علي بعض مواطنيها لافتة إلى أن الكهنة والرهبان وسائر الأقباط ليسوا فوق القانون ومعاقبتهم تعد مهمة الحكومة وليست مهمة الكنيسة أو أحد اختصاصها.

وطالبت المصادر شيخ الأزهر بالتدخل للإفراج عن 102 من المواطنين المسلمين أسوة بما قام مع البابا شنودة الذي اعتكف بدير وادي النطرون حتى أفرجت النيابة العامة عن الشباب الأقباط الذين ألقي القبض عليهم علي خلفية أحداث وفاء قسطنطين مطالباً د. طنطاوي بموقف مشابه لمواقف البابا شنودة عندما أثيرت قضية اعتناق وفاء قسطنطين للإسلام وعدم الاكتفاء بإصدار بيانات علاقة عامة لا تقدم ولا تؤخر وتسهم في عدم احترام قدسية الدين الإسلامي.

و كان الدكتور محمد سليم العوا الفقيه القانوني قد حمل النيابة العامة في تقرير ضاف نشرته صحيفة الأسبوع المستقلة مسئولية تدهور الأحداث و تصاعدها لصمها عن التحقيق في البلاغ الذي قدم إليها قبل أن يعلم المواطنون بأمر المسرحية ويتسع نطاق توزيعها ملمحا إلى أن خضوع الكهنة والقساوسة الافتراضي لهذا التحقيق كان سينهي الأزمة في مهدها.

وأشار العوا إلى أن تصرف النائب العام قد حول الكهنة والقساوسة إلى دولة داخل الدولة ويعد تكريسا وتضخيما لمفهوم الطائفية الذي لم يعد مفهوما في حالة الدولة الحديثة التي يحكمها مبدأ المواطنة.

وحذر العوا من أن الصمت على تجاوزات الكهنة والقساوسة للقانون وإفلات المتورطين وراء المسرحية من الحساب يشكل خطورة بالغة عل الأمن والاستقرار في مصر ويهدد بحدوث فتنة تأكل الأخضر واليابس على حد قوله 

وفي تصريحات خاصة لـ"المصريون" قال الدكتور أحمد المجدوب الخبير الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث أن المعلومات التي تفيد معرفة جهاز أمن الدولة بتداول الـCD بين طلاب جامعة حلوان وإبلاغه النائب العام بذلك هي معلومات بالغة الخطورة ، وإذا كان النائب العام علم بأمر الـCD قبل عرضه بفترة كافية فإن ذلك كان يلزمه بالتحقيق ، وبإصدار قرار بمنع تداول الـCD وعرضه بالإضافة إلى الحصول على جميع النسخ الموجودة والتي تداولها هؤلاء الطلاب وهو الأمر الذي كان كفيلا بمنع الأزمة قبل اشتعالها لفترة كافية ، مؤكدا على أن الخطأ الأكبر يتمثل في طبع CD كهذا وتداوله لأنه يسيء إلى الدين الإسلامي الذي هو دين الأغلبية في مصر فيما يجعل اعتذار الكنيسة أمرا واجبا لأن الخطأ كبير ولا يمكن تجاهله. 

*** 

ثم بعد هذا كله حدثت المفاجأة الهائلة المزلزلة التي ليس لها في تاريخ النيابة مثيل:

مفاجأة يعلنها النائب العام لـلأهرام‏: ‏لم تعرض في كنيسة بالإسكندرية مسرحية تسيء للإسلام 

أعلن المستشــار ماهــر عبد الواحد النائب العام ـ في تــصريحات خاصــة لـ محمد زايد مستشار رئيس التحرير ـ أن التحقيقات في أحداث الإسكندرية الأخيرة‏,‏ كشفت عن مفاجأة مهمة‏,‏ فقد تأكد أن المسرحية التي قيل إنها عرضت داخل كنيسة مار جرجس في منطقة محرم بك‏,‏ وتضمنت إساءة للإسلام‏,‏ لم يحدث أن عرضت أصلا‏,‏ كما ثبت أنه لم يشهدها أحد‏,‏ ولا استمع مواطن لاسطوانة الـ‏C.D‏ المدعاة‏.‏وقال إن التحقيقات أوضحت علي نحو قاطع أن الادعاءات المضللة هي التي أثارت حالة التجمهر والشغب وما ترتب عليها من أحداث مؤسفة‏.‏

*** 

كان الكل قد اعترف.. ولم يبق إلا فضيلة المفتي والنائب العام..

ولقد سبق المفتي النائب العام بهذا الرأي ولكن عصورا من امتهان الحكام للعلماء جعلت الناس لا يأخذون كلام المفتي على محمل الجد.. بل كثيرا ما يكون موضعا للتندر..

ويوم أصدر فضيلة المفتي فتواه جاءني صديق يضحك وهو يقول:

- هل لي أن أروي لك طرفة عن شيخ كبير من شيوخ الأزهر؟..

وقلت له:

- أوافق بشرط ألا تكون على شيخ الأزهر شخصيا فالرجل لا يفحم أعداءه بل يسجنهم..

ووافق الصديق على الشرط وراح يروي طرفته:

- ذات يوم خرج الرئيس في رحلة صيد اصطحبه فيها شيخ من شيوخ الأزهر، وكان الرئيس قد بلغ أرذل العمر، وكان بالكاد يري، لكن الشيخ الكبير لم يتوقف عن نفاقه وامتداحه للرئيس  كصياد ماهر،  ومر سرب من البط، وحاول الرئيس اصطياد بطة منه ففشل وإذا بالشيخ الكبير ( أؤكد أنه ليس شيخ الأزهر) يصرخ : هذه معجزة.. هذه معجزة وكرامة للسيد الرئيس.. لقد مات سرب البط كله بعد أن أصابه السيد الرئيس لكنه بفعل المعجزة ما يزال يطير.. وهو ميت..

أنهي الصديق طرفته منتظرا أن أنفجر في الضحك لكنه وجدني صامتا.. ثم أجبت على نظرته المتسائلة هامسا في ألم..

- لم تعد الطرف تضحك.. بل إنها تحرض على البكاء.

*** 

تقبل الناس ذلك من المفتي.. ( أرجو الرجوع إلى صدر المقال.. أنكر المفتي في التلفاز أمام الملايين ثم عاد ليعترف في مجلة محدودة التوزيع)..

لكن..

عندما صرح النائب العام بما صرح به انفجر الغضب.. 

وكان مما كتب ما قاله  المفكر القبطي جمال أسعد والذي انتقد بعنف التصريحات التي نشرتها صحيفة الأهرام منسوبة إلى النائب العام ، ونفى فيها وجود المسرحية المسيئة للإسلام التي أثارت أحداث العنف في الإسكندرية ، وذلك رغم اعتراف الكنيسة بعرض المسرحية وتسجيلها على " سي دي " ، وكتب أسعد يقول " إن الطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الحسنة يا سادة ، ولذا فهل تعلمون  حضراتكم ما هو رد الفعل الطبيعي لدى كل من المسلمين والمسيحيين من جراء تلك النيات الحسنة وتلك المعالجات الخاطئة ، والتي مازلنا نصر عليها والتي لا تخرج عن شعارات فارغة جوفاء أو اختلاق معلومات غير صحيحة أو التخفيف من الوقائع في وقت يجب فيه المصارحة أو الشفافية ، والتستر على المخطئ في وقت يجب فيه تحديد المسئولية ومحاسبة المخطئ. أقول إن رد الفعل تجاه ذلك الخبر لدى المسلمين هو الإحساس بالتستر على المخطئ وعدم تحيد المسئول ، والاهم هو عندما ننسب تلك التصريحات للنائب العام حتى نعطي الإيحاء بأنه نتيجة للتحقيق فتحدث هنا ردود فعل عكسية واستفزازية تؤكد التواطؤ للمداراة على الخطأ والمخطئين ، خاصة أن الخبر جاء في إطار نفي ما هو معلوم وما هو معترف به من صاحب الشأن وهو الكنيسة ، أفلا يعطي هذا إحساسا بأن هناك قوة أكبر من القانون تضغط لصالح طرف ، ألا يجعل المسلم يشعر بأن هناك تدليسا على الإساءة لدينه ، ألا يولد ذلك مزيدا من الكبت والاستفزاز الذي يتراكم ويولد انفجارا لا نعلم سببه ومكانه وزمنه .

وأضاف أسعد " أما رد فعل المسيحيين تجاه الخبر فهو الاستقواء حيث إنهم يعلمون أن المسرحية عرضت فعلا وبها إساءة خاصة بعد اعتراف الكنيسة بهذا ، ولكن قد انتابهم إحساس فعلا بالاستقواء يجعلهم يمارون ويدعون ، باسم النائب العام ، أنه لم تعرض المسرحية أصلا وهذا يعني أن الجانب المسلم قد اختلق تلك المسرحية وقد افتعل ذلك الحدث حتى تتم مهاجمة الكنائس وأن هذا هدف إرهابي للضغط على الأقباط واضطهادهم ، كما أن ذلك الخبر قد أعطى الحجة لأقباط المهجر للمزايدة والمبالغة.

الموقف لم ينته بعد ولم تنته آثاره الطائفية وإذا لم يتم التحقيق من خلال الشفافية والمواجهة لتحديد المسئول ومعاقبته قانونا ، فستكون تلك الحادثة مثل سابقيها ، حادثة طائفية تترك جرحا غائرا في نفوس المسلمين حيث إنه تمت الإساءة إلى دينهم ، وفي نفوس المسيحيين حيث إنه تم الاعتداء على كنائسهم ، خاصة وان كل طرف يعتبر نفسه المجني عليه " .

*** 

أما  القس فلوباتير فقد قال فلوباتير في "صوت الأمة" يوم الأحد 29-010-2005 :

1. " أعتبر هذه التصريحات مستفزة ولا تحترم عقلية الشارع المصري لأن السيد النائب العام لم يستطع الوصول إلي حقيقة معلنة للكل فهل سيادتكم لم تقرأ صحفا كثيرة ولم تستمع إلي بيانات كثيرة صدرت عن الكنيسة والمجلس الملي تؤكد وجود مسرحية فعلا ولكنها تنفي أنها تحمل أية إساءة للإسلام؟ إن كنت سيادتك تريد إطفاء لهيب مشتعل فنحن نطالبك بالصدق والشفافية بدون أية مجاملة لطرف علي حساب الآخر".

2. "هذه التصريحات يمكن أن تثير فتنة طائفية أخري لأن الأقباط يمكن أن يثاروا بسبب تصريحاتك هذه عن إخوانهم المسلمين بسبب إحساسهم بظلم وقع عليهم ويمكن أن يتساءلوا أنه إن لم تكن هناك مسرحية فلماذا كل هذه الثورة من شركاء الوطن ولماذا كل هذه الاعتداءات عليهم وهذه الخسائر التي مني بها الأقباط وهذه الإهانة الكبيرة التي حلت بمقدساتهم، فهل يمكن أن يطالب الأقباط باعتذار يقدمه فضيلة شيخ الأزهر لأقباط هذا الوطن عن كل ما قام به مسلموه؟"

3. لماذا لا تقوم النيابة بعمل تحقيق كامل في الموضوع لبيان مدي ما اخطأ به كل طرف وليخرج الأمر بشكل حيادي.

سيادتك بتصريحاتك هذه أغضبت الطرفين، فالأقباط لم يسعدوا كثيرا بها بسبب أنها تخالف الحقيقة وتظهرهم كما لو كانوا مسنودين من الدولة. إن تصريحات سيادتك لم ترض الإخوة المسلمين بل علي العكس يمكن أن يزيد حزنهم وضيقهم لأن إشاعة ازدراء الأقباط بعقيدتهم بل أكاد أقول أنها أكدتها وكأن النائب العام في مصر تأكد من أن هناك ازدراء وأراد أن ينفيه لتهدئة الجو فقام بنفي وجود المسرحية من الأساس فهل هذا مقبول!؟ ويبقي السؤال من المستفيد من هذه التصريحات؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات تصدر؟

أخيرا كررت كثيرا في مقالي هذا عبارة فتنة طائفية وأخشى أن يخرج لي السيد النائب العام بتصريح يقول إنه لم تحدث أصلا فتنة طائفية في حي محرم بك.. بل لا توجد في الإسكندرية منطقة تسمي محرم بك! .

*** 

المحامي الشهير الدكتور محمد سليم العوا، خاض أشرف و أذكي معاركه في هذه القضية ( أدعو الله أن يغفر له ما انتقدته فيه قبل ذلك من أخطاء وخطايا) وكتب عدة مقالات كانت آخرها في صحيفة الأسبوع وتمثل قطعة من الأدب الرفيع الذي تختلط فيها السخرية الخفيفة بالأدب الجم. إنه يعاتب  الناس لأنهم لم يفهموا ما قصده النائب العام بقوله أن المسرحية لم تعرض أصلا، يقول الدكتور العوا في صحيفة الأسبوع 7/11/2005 تحت عنوان "دور الضحية والبحث عن الحقيقة": 

تعجب الناس للعناوين التي نشرت بإحدى الصحف القومية في صفحتها الأولي وصفحتها الحادية عشرة من عدد يوم الجمعة 4/11/2005 تنسب فيها إلي السيد المستشار النائب العام أنه نفي عرض مسرحية 'كنت أعمي والآن أبصرت' في كنيسة مار جرجس بالإسكندرية، وهذه العناوين غير المعبرة عن حقيقة كلام النائب العام اغترت بها بعض الأقلام الشريفة واضطربت لذلك كلمتها في الموضوع بين تصديق النائب العام أولا ثم استنكار كلامه آخرا. (مجدي مهنا في عموده ب'المصري اليوم' ¬ السبت 5/11/2005).

والواقع أن كلام النائب العام مفتاحه هو كلمتا 'قبل الأحداث' فهو يقول إن تلك المسرحية لم تعرض قبل الأحداث، ومعني 'قبل الأحداث' أي في الأيام الأولي من شهر أكتوبر لأن الأحداث وقعت علي التوالي في أيام 13، 14، 21/10/2005 ، والمسرحية عرضت قبل عامين ثم أعيد عرضها في آخر أغسطس الماضي وفي هذا العرض صورت بالفيديو ونسخت منها نسخ علي القرص المدمج (C. D) الذي وزع أول ما وزع في جامعة حلوان كما بينته في مقالي المنشور في 'الأسبوع' عدد 449 بتاريخ 24/10/2005 وأبلغ بهذا التوزيع السيد المستشار النائب العام في حينه. ثم اتسع نطاق التوزيع ليشمل الإسكندرية ومدنا أخري غيرها، حيث وزعت عشرات الآلاف من نسخ (C. D) ولا أستطيع أن أحصي عدد الذين رأوه فغضبوا لدينهم ولنبيهم وقرآنهم(... )

حدث ما أصبح من العلم العام الذي لا يحتاج إلي مزيد بيان في شأن المسرحية التي عرضت علي مسرح كنيسة مار جرجس بالإسكندرية.

وتبينت الأدوار في الأمر كله لذي عينين، فلم يعد أحد يجهل من الجاني ومن المجني عليه، من الذي بدأ بخطيئة العدوان علي دين الغالبية العظمي من المصريين (...) ومن الذي تجاهل مشاعر الذين تظاهروا سلميا أمام الكنيسة نفسها يوم 14/10/2005 وضربوا بأجسادهم حصارا حول الكنيسة لحمايتها من انفعال غير متعقل قد يصدر من بعض المتظاهرين، وقدموا لرجال الأمن مطلبا متواضعا هو أن يعتذر البابا شنودة عن خطيئة القساوسة والمشاركين في المسرحية (عددهم 49 شخصا) التي تمثلت فيما تضمنته المسرحية من هزء بالقرآن الكريم، والنبي صلي الله عليه وسلم، وأحكام الإسلام القطعية في شأن نظام الزواج وفي شأن الجهاد وغيرهما.

وأصبح معلوما للكافة أن صمت أسبوع كامل علي جريمة هذه المسرحية، وهي توزع في الشوارع والجامعات في الإسكندرية وخارجها ستغضب عوام المسلمين وخواصهم.. (...) وأصبح الناس وأمسوا وهم ينتظرون قرارا من النيابة العامة بالإفراج عن جميع من لم يثبت عليه ارتكاب جرائم الاعتداء علي دور العبادة القبطية، وهو اعتداء يجرمه القانون ويحرمه الدين، وتأباه المروءة، وتنكره الوطنية، لكن الذين قبض عليهم وحبسوا احتياطيا يستحيل أن يكونوا كلهم ممن قامت أدلة كافية في نظر النيابة علي ارتكابهم هذه الجريمة، بدليل الإفراج عن بعضهم يوم 31/10/2005 ثم يوم 1/11/2005 والناس لا يجدون مسوغا لحبس شخص واحد، فضلا عن عشرات من الأشخاص، بتهمة لم تثبت أو لم تقم ضدهم في شأنها أدلة كافية. وهم يقارنون في هذا الشأن بين الشباب القبط الذين أفرج عنهم في خلال أيام معدودة بعد أن اعتكف البابا من أجلهم وهدد بإلغاء الاحتفال بعيد الميلاد الماضي (2004)، وهم كانوا قد أصابوا إصابات متنوعة بعضها خطير 64 ضابطا وجنديا وقفوا يحرسون الكنيسة المرقسية في العباسية خشية الاشتباك بين المتظاهرين الأقباط والمتظاهرين المسلمين. وتأتي المقارنة في غير صالح قرار استمرار حبس المتظاهرين السكندريين، فهم لم يصيبوا أي فرد بأي أذي، بل أصيب منهم نحو ثمانين أو يزيدون. وهم لم يساهموا كلهم قطعا في جريمة الاعتداء علي الكنائس والممتلكات. ومن فعل منهم ينبغي أن يحاكم بلا إبطاء. وبينما الناس يصبحون ويمسون تحيطهم هذه المشاعر والأفكار، فلا يتحدثون إلا فيها ولا يختلفون إلا حولها ولا يترقبون إلا نبأ جديدا عنها: بينما هم في هذه المشغلة: فوجئوا بالقيادات الكنسية القبطية تلعب دور الضحية، وتتجاهل دور مشعلي نار الفتنة، وتستبعد أن يثبت علي أحد جرم، ويتعهد الذين يحسنون من تلك القيادات استبقاء صلات الصداقة مع المسلمين 'بمحاسبة كهنة الكنيسة' بمعرفة الكنيسة نفسها: وفوجئوا بالبابا شنودة يستعيد إلي قلوب الأقباط وعقولهم مشاعر عصر الاضطهاد الروماني للقبط المصريين، في كلمته العامة التي يلقيها كل أربعاء في مقره بالقاهرة. (...)  وهذا الموقف لابد أن يتضمن أن يعامل كل بحسب جريمته ودوره فيها، وأن يطبق قانون واحد علي الجميع، وأن لا تسبغ حماية كنسية أو بابوية علي المخطئين الأقباط ويطبق القانون علي المخطئين المسلمين وحدهم. والذين يحرصون علي هذا البلد ويخافون أن يصيبه ما أصاب بلادا غيره من جراء العدوان علي المقدسات وامتهان دور العبادة، وترك الأمر فوضي في أيدي العامة والدهماء، عليهم جميعا أن تتكاتف جهودهم وآراؤهم لعودة القانون سيدا علي الجميع، وللحيلولة دون عودة الوطن إلي عهد المحاكم القنصلية والامتيازات الأجنبية، بترك القبط للكنيسة تودعهم الأديرة وتحاسبهم بطريقتها، بعيدا عن سلطان الدولة والحكومة، وبتقديم المسلمين وحدهم إلي سلطات التحقيق وإلي محاكم البلاد..(...) والكلام الذي نشر في عدد من الصحف والمجلات علي ألسنة بعض القيادات الكنسية يحاول كله أن يلقي اللوم علي المسلمين الذين أغضبتهم إهانة دينهم وقرآنهم ونبيهم. ويستعمل أدوات الشرط دائما في احتمال خطأ الكهنة، ويعد بأن تحقق الكنيسة معهم. وكلما سئل أحد القيادات الكنسية عن سر الصمت الكنسي أسبوعين كاملين تعلل بأنه كان 'لابد من فترة للدراسة والتقييم' وبأن الشحن والتظاهر جعل الكنيسة تشعر أن هناك 'شيئا مبيتا وأن مبدأ الاعتذار لن يكون هو الحل الأمثل'. ومثل هذه الإجابات التي تتهرب من المشكلة الحقيقية، ولا تواجه الأصل الذي تفرعت عنه سائر الأوضاع التي أدمت المسلمين وأضرت بممتلكات الكنائس وبعض الأقباط، هذه الإجابات إمعان في محاولة الظهور بمظهر الضحية الذي يحتاج إلي منقذ، وإبعاد صورة الكهنة والشباب والمسئولين عن كنيسة مار جرجس باعتبارهم أصحاب الخطأ الأول والجريمة الأكبر في الأمر كله.

وقد بلغت هذه المحاولات ذروتها في حديث البابا شنودة الثالث في الكنيسة المرقسية بالعباسية يوم الأربعاء 26/10/.2005 ففي هذه المناسبة الأسبوعية التي حضرها نحو ثلاثة آلاف شخص، تحدث البابا باكيا عن أحداث الإسكندرية فقال إن 'في ذهنه كلام كثير ليقوله وفي قلبه كلام أكثر، لكنه يفضل الصمت لكي يتكلم الرب'. وأثني البابا علي الرب بعبارات معتادة في الصلوات القبطية، ثم قال 'حينما تتعقد الأمور فإن يد الله تعمل وبقوة ووضوح' واستشهد البابا بجملة تقول: 'لتكن مشيئتك: إن أردت تحلها، لتكن مشيئتك، وإن أردت أن تأخذ بركة صليب نحمله لتكن مشيئتك أيضا'.

والإشارة في هذه الجمل البابوية لا تخطئها العين. إنها تقول إن الأقباط يعيشون اضطهادا يشبه اضطهاد نبي الله عيسي عليه وعلي نبينا الصلاة والسلام علي يد اليهود الذين كفروا به وأنكروا نبوته. وأن هذا الاضطهاد يشبه في نتائجه 'إن لم يحلها الله' ما يعتقده الأقباط من أن المسيح عليه السلام قد حمل صليبه علي ظهره إلي حيث علق عليه.

والواقع أن الأقباط يتمتعون في مصر 'مبارك' بمقادير من النفوذ والقوة والسلطان السياسي والاقتصادي والاجتماعي لم يسبق لهم أن تمتعوا بمثلها. والبابا نفسه له كلمة نافذة مسموعة لم يتخيل أحد أن تكون لممثل أقل من 6 % من السكان في مواجهة الذين يشكلون أكثر من 94 % من السكان. والذي حدث وكررت الحديث عنه في واقعتي وفاء قسطنطين وماري عبد الله كفيل بأن يؤكد ما أقول. والذي يحدث في كل أنحاء البلاد من بناء الكنائس القلاع في الوقت الذي تشترط فيه شروط معجزة لبناء المساجد، والذي يعرفه الخلق جميعا من حرية الكنيسة في اتخاذ دورها مدارس وملاعب ونوادي  وفصول تعليم ومستوصفات ومشاغل، وهي مفتوحة للعبادة والاعتراف وسائر أنواع النشاط، دون أي قيد حكومي أو أمني علي كهنتها وشعبها، 24 ساعة يوميا و365 يوما سنويا في الوقت الذي تغلق فيه المساجد بعد الصلاة بربع ساعة وتفتح قبلها بعشر دقائق، ولا يسمح فيها بأي نشاط إلا الدروس الرسمية لموظفي الأوقاف.. ويخضع داخلها وخارجها ويخضع خطباؤها وروادها لرقابة أمنية مكثفة.. هذا كله يؤكد مدي النفوذ الذي بلغته الكنيسة القبطية وسائر الكنائس الإنجيلية والكاثوليكية مقارنة بمؤسسة العبادة للأغلبية التي أصبحت شبه مغلقة في وجوه أصحابها إلا سويعة من النهار والليل معا.

وحين يكون هذا هو الحال فإن دور الضحية لا يليق أن تقوم به القيادات الكنسية، ولا يجوز أن تهراق له دموع البابا الذي هو أدري الناس بما تحقق له من نفوذ وسلطان في ربع القرن الذي أدار فيه شئون الكنيسة.

ولعب دور الضحية يزيد شعور المسلمين بالقهر، وينفخ لدي العوام في نار الغلو والرغبة في الانتصار لأنفسهم ودينهم من كل قول أو فعل تبدو فيه استهانة بشيء من ذلك أو إهانة له. وهو لذلك دور يجب الحذر من الاسترسال فيه والاستمساك به لأن عاقبته وخيمة لن يحتملها أحد، لا الضحية الحقيقية ولا الضحية المدعي..

*** 

*** 

بالنسبة لي فقد أعدت مشاهدة القرص لأستوثق.. ولم أستطع أن أستوعب قرار النائب العام رغم كل الاحتمالات، ثم خطر ببالي أن تكون الشرطة قد زيفت الحقائق أمامه، فقررت أن أبادر بعرض خدماتي عليه.. فإن كانت النيابة لم تحقق في الأمر لعدم وجود بلاغ فليعتبر هذا المقال بلاغا.. و إن لم يقبل بمقال كبلاغ فسوف أتوجه إلى دار القضاء العالي لأقدم البلاغ إليه.. وسوف أرفق بالبلاغ القرص المدمج الذي يحتوي على المسرحية ، لعله لم يشاهده.. ولعله.. ولعله.. ولعله..!!

إن القرص المدمج لا يحتوي على مسرحية مكتوبة  بل على مسرحية تمثل .. فهناك من يقدم.. وهناك صوت.. وهناك ممثلون لهم وجوه لها ملامح ولهم حناجر لها أصوات. وعلى الشاشة تظهر أسماء المتهمين. و إن كان الأمر كما نبحت حيوانات بلا ضمير يعود إلى تزوير في القرص المدمج فإننا نتساءل : إذا أمكن تزوير الصوت وتقليده فكيف يتم تزوير الصورة؟! الصورة المتحركة لعشرات يمثلون؟.. كيف يمكن تزييفها ودسها ؟!

كيف يمكن تزوير أصوات وأشكال 49 مجرما اشتركوا في تمثيل المسرحية الساقطة.. هذا غير الساقطين الذين أشرفوا عليها.. 

49 مجرما لم نسع نحن إلى حصرهم  ولكن من البداية فإن  الكتابة على الشاشة تقول:

كنيسة مار جرجس الأنبا أنطونيوس بمحرم بيك

كورال مار جرجس والأب أنطونيوس

نال هذا العمل بركة صوت قداسة البابا شنودة.

تم هذا العمل تحت رعاية كل من أبونا أوغسطينوس فؤاد و أبونا أنطونيوس فهمي..

نال بركة هذا العمل:

مينا جمال- فادي عياد- أندرو نجيب-

بيتر بيتل- مايكل ماهر- نجيب ماهر-

 نادر زكري- جون إتيل- مينا صبحي-

 بوساب عاطف- صبحي كمال- كيرلس كمال-

 مينا عادل- إيليا مينا إدوارد- ماجد مقار-

 أندرو سمير- روبير غطاس- فادي منير-

 أندرو أمجد- جورج سامي- فادي وصفي-

 بيتر جورج- جرجس لمعي- بيتر ألبير-

 مينا جرجس- مرقص هنري كيرلس نجيب-

 مينا نبيل- مينا نسيم- مينا عزت- مارك جيل-

 بيشوي مجدي- جورجيوس سمير- ريمون وديع-

 فادي فاروق- عماد فيكتور- أرساني القس- 

جون سامي- مينا عطية- كيرلس صبحي-

 مينا مجدي فائق- مينا طلعت- فادي وجنة-

 عماد عزت- مايكل جميل- مايكل عطية- 

مينا ميشيل- عماد سمير- عادل نصيف.

فريق التمثيل حسب الظهور:

جوزيف سامي- مارك سمير- مايكل مقار- 

مينا عبد الوهاب- أمجد فؤاد-

 بيتر القس أوغسطينوس-  جاكلين متري- 

سحر ماهر- جورج ناجي- مينا عادل عزيز-.

الموسيقى والتوزيع الموسيقي:

مينا ميخائيل.

أعمال الديكور:

 م/ نورة طلعت - م/ مايكل سمير- - ماريان سمير-

 ماريان حليم- ماري فؤاد- مارسيل فؤاد-

 ميرا عادل- جوستينا زكي- سالي عادل- 

ماري إيهاب- ماريان ماهر- كريستين إدوارد.

كتابة الترانيم بالكمبيوتر: سيلفانا إميل

صوت روك ساوند: أسامة لبيب.

إضاءة : أمير نسيم – سعد آدم..

أعمال الجرافيك والفيديو كليب: مركز الكمبيوتر بالكنيسة.

تم التصوير والمونتاج بوحدة فوتو ميشيل

مصور صحفي  ميشيل نبيل 4962062/0123605003

*** 

لقد عرض عليّ أحد خبراء الكمبيوتر أن أقدم لسيادتكم صورة لكل ممثل أو أن أنشرها على الشبكة لكي يستطيع أهل الإسكندرية الإرشاد عنهم، لكنني قدرت أن سيادتكم ستكتفون بالأسماء.

*** 

ملحوظة أخرى أقولها لعلها تفيد السيد النائب العام في التحقيق..

ذلك أنه يوجد بجوار الكنيسة مباشرة مسجد ( مسجد أولاد الشيخ) ، وقد كانت المسرحية تعمل أثناء أداء الصلاة، لذلك تسمع في الخلفية صوت المؤذن ثم صوت الإمام.. وهذه قرينة لا يستهان بها..

فإن عجزت يا سيادة النائب العام بعد هذا كله أن أقنعك برأيي ، وإذا كنت مصرا على أن هذا القرص المصطنع مزور ومدسوس، فإنني أرجوك أن تسمع رأيي في ذلك، لأن هذا القرص إن كان مزورا فلا يمكن لأحد أن يزوره إلا مباحث أمن الدولة..

فإن كان القبض على الكهنة الساقطين الذين باشروا عرض هذه المسرحية الساقطة مستحيلا..

و إن كان القبض على رئيس مباحث أمن الدولة صعبا..

فإنني أرجوك .. 

أن تأمر بالقبض عليّ أنا!!..بتهمة البلاغ الصادق وتكدير النائب العام!!

*** 

**** 

** 







***


حاشية 1

حجب

قامت الأجهزة السعودية بحجب موقعي.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. وحسبنا الله ونعم الوكيل..

لا أملك للإخوة الذين يستغيثون بي شيئا إلا محاولة إرسال المقال لهم فردا فردا.. لكنني أتمنى على قارئ يجيد كسر البروكسي أن يشرح للقراء طريقة دول المواقع المحجوبة..

***

حاشية 2


القرضاوي ومحمد اسماعيل 


في المقالة الماضية كتبت عنهم، وكان رد الفعل في عمومه متفهما ومؤيدا، ولكنني فوجئت  بالبعض الذين أساءوا فهم ما كتبت.. فالبعض ظن أنني أنقض بنيانا لإسلام و أهده  فبارك ذلك ، وما إلى هذا قصدت، والبعض بدا كما لو كان يمنحهما العصمة ويرفض توجيه أي نقد لهما، وذلك مرفوض، فكلٌ يؤخذ منه ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهنا أكرر أنني من أكثر الناس إعجابا بهما وتقديرا لفضلهما.. لكنني في نفس الوقت من أشد الناس مناصحة لهما وتقويما لأخطائهما بقلمي ( ورحم الله من كان يبارك تقويم عيوبه بالسيف) خاصة عندما يتعلق الأمر بالمجاهدين. وغفر الله لنا جميعا.

لكنني أعترف للقراء أن صدري قد ضاق باثنين من أتباع الدكتور محمد إسماعيل، فأحدهما أخذ يردد طول الوقت أنه لن يدخل في الموضوع لأنني من ناحية الشكل لم يكن يصح أن أدخل بيت الدكتور محمد إسماعيل ثم أنتقده. ومن الواضح أن أخانا لم يقرأ المقال أصلا.. لأنني ذكرت بوضوح شديد أن الحوار الذي دار قد حدث بيني وبين عالم آخر غير الدكتور محمد إسماعيل.. بل وذكرت أن مجموعة من الأصدقاء تمنوا علىّ زيارته لكن الفرصة لم تسنح والوقت لم يسمح. كان هذا مكتوبا بوضوح لكن الرجل أخذ يدور على المنتديات منددا ومهاجما .

الشخص الثاني كانت واقعته أشد و أنكى و إن كان يخفف منها أنها تثير الضحك. لقد كان موجودا أثناء الحوار مع الشيخ الجليل الذي دار الحوار معه، و إن كنا قد ابتعدنا عنه أثناء الحوار في غرفة أخرى. واعتبر هذا أن ما لم  يسمعه من الحوار لم يدر أصلا و أخذ يندد بذلك.

وكنت قد قلت – حزينا – أن رعب الشيخ الجليل من الملاحقة الأمنية جعلني أتخيل أن هناك ضابط أمن دولة يختبئ خلف الستائر يسجل عليه ما يقول كي يحاسبه عليه غدا..

ذلك الشخص الثاني راح يدور في المنتديات مؤكدا أنه حضر الحوار بنفسه، و أنه كان قريبا جدا من الستائر، و أنه يستطيع أن يؤكد أنه لم يكن هناك ضابط أمن دولة يختبئ خلف الستائر..

و..

و..

و.. ناقشني ألف عالم فغلبتهم وناقشني جاهل واحد فغلبني..

لكن ما أقلقني هو تدله البعض في تقديس شيخه..

ومرة أخرى أعبر عن إعجابي الشديد بشيخينا.. وانتقادي الشديد لموقفيهما من المجاهدين.

***


حاشية 3


تحية


تحية من الأعماق للشباب الذي غضب لدينه فلم يطأطيء رأسه عندما طأطأ الكبار رؤوسهم.

***


حاشية 4


هيكل


أتعرض كثيرا لمحمد حسنين هيكل، بالإعجاب أحيانا وبالنقد والإدانة معظم الأحيان، إلا أنني في كل المرات والأحوال كنت أتابعه باهتمام .. حتى لو كنت سأنقض غزله و أكشف أكاذيبه أو أستفيد من معلوماته..

في الأسبوع الماضي كانت المرة الأولى التي أشعر فيها بالاشمئزاز و أنا أسمعه يتحدث عن سبب الهزيمة في إحدى المعارك عام 48.. عندما – طبقا لروايته- جامل القائد المصري زميله السعودي فأشركه في معركة كان الجيش المصري قد كسبها بالفعل.. ولكن تدخل السعوديين أدى إلى انقلاب نتيجة المعركة فاستعاد اليهود الموقف الذي كانوا قد خسروه.. أما السبب فهو أن أحد اليهود المختبئين استسلم رافعا يديه.. فحملوه إلى القائد السعودي.. ورغم أنه أسير فقد ذبحه القائد السعودي.. فغضب اليهود وعادوا فاحتلوا الموقع..

يا له من كذب ويالها من خسة..

كيف احترمت هذا الرجل ذات يوم..

من الواضح أن الرواية تأليف و إخراج وسيناريو الموساد.. أما الممثل أو المؤدي فهو محمد حسنين هيكل..

دعنا من موقف الإسلام من الأسرى.. ودعنا من المرجع الذي لم يقله لنا هيكل ( أغلب الظن أنها مذكرات يهودية) بيد أنه قال للإخفاء أنه كان حاضرا دون أن يتورط في مزيد من الكذب بالقول أن شاهد بعينيه..

دعنا من أن السعوديين فعلوا ذلك أم لم يفعلوه..

دعنا من ذلك كله..

وسنفترض أن رواية هيكل صحيحة..

فهل ذبح الضابط السعودي أسيره اليهودي على شاشة التلفاز فرآه جميع اليهود الفارين والذين كانوا قد هزموا فعلا فعادوا للانتقام..

الرواية ساذجة.. وتأليفها سبق حدوثها.. تماما كرواية أسلحة الدمار الشامل.. وكرواية ميليس..

وهي تصب في نفس الاتجاه الصليبي في ازدراء العرب المتوحشين الهمج..

نفس المنهج الصليبي الذي يقطر من حلقات هيكل.. وتجنبه ذكر  أي دور للإسلام والمسلمين.. حتى في حرب فلسطين.. حتى وهو يتحدث عن معارك خاضوها وقواد قادوها..

الخط العام للحلقات حتى الآن:

- ليس للإسلام أو المسلمين أي دور سوى الهمجية والوحشية والتخلف..

- أمريكا عظيمة جدا.. وقد كانت ضد إنشاء إسرائيل لولا خيبة العرب وجهلهم وقصورهم ( لا ذكر على الإطلاق بالطبع للتحالف الصهيوني البروتستانتي.. ولا أن أمريكا كانت ستسمى إسرائيل بسبب التأثيرات التوراتية لولا أن التصويت بين الاسمين : إسرائيل أو أمريكا قد أسفر عن فوز الأخير بصوت واحد)..

- السودان لا يصلح أبدا أن يكون وطنا واحدا.. إنه في الحقيقة أربعة..

- عدو الإسلام أحمد لطفي السيد هو المثل الأعلى..

- عميل الداخل والخارج الصليبي العفن سلامة موسى.. لم ينل حقه من التقدير..

- طالباني الكافر صديقه الحميم..

هذه هي توجهات هيكل وخطوطه الرئيسية..

فلماذا لم يمنحوه إذن جائزة نوبل؟!..

(حاشية على الحاشية: علاء الأسواني ينهل من نفس المنهل.. مع الاعتذار لهيكل)


***

حاشية 5


علاء بدلا من جمال!!


سعدت سعادة بالغة في زمن لم يعد فيه إلا سعادة مزيفة.. سعدت عندما قرأت أن أحمد نظيف صلى الجمعة اليتيمة نائبا عن الرئيس مبارك..

كان مبعث سعادتي هو أنني ظننت ليس أنه لا يقيم الصلاة فقط.. بل أنه لا يستطيع أداءها أيضا، و أن مجرد السجود والركوع والجلوس للتحيات المباركات بالنسبة له محنة.. تمنيت لو أنني رأيته يصلي.. لكنني كنت مشغولا بالصلاة .. من المؤكد أن المشهد كان ممتعا.. لم يقلل سعادتي إلا سؤال حائر.. سؤال حقيقي يدمي قلبي.. والسؤال هو: هل يصلي الرئيس مبارك بعيدا عن شاشات التلفاز التي تكون الصلاة فيها للناس لا لله؟!.. 

وهل يصلى جمال.. الرئيس المقبل؟!..

إحقاقا لحق يجب ألا يغمط بين الناس فقد سارت الركبان بأن علاء مبارك يصلي..

فهل تغير القوى الإسلامية مجهودها الضائع في المطالبة بعدم التجديد أو التوريث إلى مجهود يمكن أن يجدي.. بأن نتوسل إلى سيادة الرئيس أن يستخلف علينا علاء لا جمال..

لكن..

إذا رضي الرئيس مبارك..

فهل يرضى الرئيس بوش؟!.. 

***

حاشية 6


متى توفق رئاسة الجمهورية أوضاعها..

دهشت من مهارة الأستاذ إبراهيم نافع في الاستثمار والتنمية.. ففي عشرين عاما نمت ثروته من ثلاثة آلاف جنيه إلى ثلاثة مليارات جنيه.. لقد ضاعف ثروته مليون مرة.. دعنا من مشاعر الإعجاب والحسد.. ودعنا من مدى تسامح  السلطة وهي تعتبر ذلك شأنا داخليا للصحافة عليها أن توفق أوضاعها فيه.. ذلك لا يهمني.. ما يهمني هو تساؤل آخر يكاد الفضول يقتلني لأعرف الإجابة عنه.. والسؤال يقول: إذا كان إبراهيم نافع قد استطاع بهدوء أن ينمي ثروته مليون مرة.. فكم مليون مرة ضاعف الرئيس مبارك – شخصيا- ثروته.. وكم مليون مرة ضاعفت العائلة ( الشريفة ) ثروتها.. وكم مليون مرة ضاعف من هم أقرب و أهم من نافع ثرواتهم..


***


حاشية 7

رحم الله أنور السادات..


كنت أبغضه في الله كثيرا.. والآن كلما رأيت الرئيس مبارك ترحمت عليه ( على السادات لا مبارك)..

في ليلة القدر كان مبارك يتلو آيات شيطانية  من سفر العلمانية مثل: الدين لله والوطن للجميع..

وكان أيضا يقول: أن أحدا لا يملك حق الزعم باحتكار الدين‏, ( ورددت في نفسي ساخرا: ولا حتى بوش؟!) ولكنه واصل القول: ‏ وما من جماعة تملك الزعم بأفضلية خاصة أو مرتبة أعلي‏,‏ ورددت وقد انتقل الجمر الذي كانت أصابعي تقبض عليه إلى قلبي: أما زال من حقنا أن نتلو: " كنتم خير أمة أخرجت للناس".. أو " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه" .. أو: " لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ".. 

هل ما زال من حقنا أن نفعل..

أم سيقرر علينا حكامنا – بوحي من بوش – أن نتلو الفرقان الأمريكي..

صرخت: رحم الله أنور السادات..

ففي لحظة مماثلة.. ثارت نخوة الرجل وكرامته  وعاطفته ليصرخ: فليعلموا أنني رئيس مسلم لبلد مسلم..

رحمه الله..

رغم كل عيوبه كانت لدية بعض كرامة.. وبقايا نخوة.. وآثار رجولة.. وذرات شرف..

رحمه الله رحمة واسعة..

***


حاشية 8


أيمن نور


تجنبت الكتابة عنه رغم عطفي الشديد عليه..

لا أريد أن أمسه بسوء وهو محاصر.. رأيي فيه لا يسره.. لكنه أفضل بكثير من آل مبارك جميعا.. أدرك أنه سيسجن.. وربما في السجن يقتل.. قتلا رخيصا بلا ثمن يقوم به مجنون أو محكوم بالإعدام..

إنني مدين بالاعتذار له فقد نظرت إلى كل ما يقول بعين الريبة .. فإذا به أكثر صدقا مما أظن كثيرا.. لكنني – يبدو – قد صدقت إعلام مسيلمة الذي لا أكف عن تحذير الآخرين منه.. كما كنت أنظر إلى منافسته لمبارك في الانتخابات على أنه تحد رمزي.. وعندما أعلنت "الغد" أيمن نور وليست الــ"غد " الأخرى التي يصدرها عملاء مباحث أمن الدولة أنه حصل على 35% من الأصوات لم أصدق.. لكنني فوجئت عندما تقصيت الأمر بنفسي بأن الأمر أكثر مما يظن أيمن نور نفسه، أما طريقة استقصاءي فكانت سؤالا إلى عشرات العمد والمشايخ في عشرات القرى.. وكانت الإجابات تتفق في النهاية رغم اختلاف البدايات. ولنأخذ نموذجا من هذه الإجابات كنموذج لإجابات الباقية جميعا.

الإجابة النموذجية المكررة – مع اختلاف الأرقام وثبات النسب:

" الأصوات الانتخابية في بلدنا خمسة و أربعون ألفا.. أدلى ألف وخمسمائة بأصواتهم ( 3% تقريبا)  أسفر الفرز عن فوز أيمن نور بـ: سبعمائة صوت، والرئيس مبارك بخمسمائة صوت، ونعمان جمعة بأكثر قليلا من مائتي صوت، كانت هذه هي الأصوات الحقيقية التي أسفر عنها الفرز، وفي آخر اليوم لم نغير من نتيجة أيمن نور أو نعمان جمعة، لكننا زورنا للرئيس مبارك خمسة آلاف صوت.. فأصبحت النتيجة: 5500:700:200.. وهكذا اعتمدت!!"..

أؤكد أنه ليس هناك أي احتمال لأي اتفاق تكتيكي أو استراتيجي ولو على المستوى النظري.. لكن كلمة الحق أحق أن تقال..

أيمن نور على فرض صحة كل الاتهامات التي وجهت إليه أشرف و أنبل ممن وجهوها إليه.

أيمن نور سيقتل كي لا يكون موجودا عام 2011..

سألت نفسي هل أدينه لو لجأ إلى سفارة أجنبية؟!!

حاشية 9

على عبد الرحيم

لا تقلقوا.. لم تعقم أرحام النساء بعد، وما زالت مصر ولادة، وما بدا أنه أزمة حادة في الممثلين الكوميديين الذين لم يعودوا يثيرون الضحك بل الازدراء ثبت بالدليل القاطع لدينا أنه غير حقيقي.

ذلك أن هناك كوميديان بارع بدأ من القمة دون مرور بالسفح.. كوميديان يدفعك للضحك طول وقت رؤيتك له.. كوميديان يشغل منصب مستشار قناة العربية وهو متخرج من جامعة سعد الدين إبراهيم للمنافقين.. 

الكوميديان هو الأستاذ على عبد الرحيم!!..

*** 

حاشية 10


الأمير الحقير


أمير حقير أدان العلماء والشيوخ لأنهم لم يكفروا بن لادن والزرقاوي!.. ألم يعلم الجاهل أن ربه حكم عليهما بالكفر.. ربه بوش.. ورسوله رامسيفيلد.. أما الوحي فيأتيه من المخابرات الأمريكية.

***

حاشية 11


البابا  والقيصر

البابا شنودة يصدر قرارات بالحرمان ضد أشرف و أنبل النصارى ويترك المجرمين كزكريا بطرس وساقطي كنيسة مارجرجس . السرطان يلتهم الخلايا السليمة ويدمر الصحيحة كي ينمو على حسابها . هل أصبح البابا يشغل منصب القيصر. كان المفروض أن المنصب الأهم والأعلى هو شيخ الأزهر لولا أن الإسلام ليس له رجال دين، ثم أن شيخ الأزهر انسحب من الدور وقنع راضيا سعيدا بالوظيفة، في المسيحية، رغم وجود رجال الدين فالمفروض أنهم لا يحكمون و أن ينفذوا مقولة لا يمكن أن يكون المسيح عبد الله عيسى بن مريم عليه السلام قد قالها حول إعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله. فالأمر كله لله، والله أغنى الشركاء عن الشرك،  ولكن البابا التهم حتى المقولة التي يؤمن بها، فبدا أن الصراع بينه وبين الحكومة برئاسة مبارك، ثم سرعان ما التهمها البابا ليبدو كقيصر ويبدو الرئيس مبارك واليه على مصر فلا يكف عن تملقه واسترضائه.


***

حاشية 12


Xxxxxxxxxx


(.......................) يرفض رئيس التحرير أي كلمة إشادة تقال في حقه مرددا في تقوى: لا أريد أن ينقص من أجري في الآخرة شيئا.

ولقد تسبب في مجهود أسبوع آخر لإعادة صياغة المقال، بتعليق عابر جعلني أشعر بجسامة المسئولية الملقاة على عاتقنا.. قال:

- هناك اثنان فقط يفهمان سر إصرار البابا شنودة على إشعال نار الفتنة كلما انطفأت: صحيفة الشعب .. وهو..!!.. 

وكنت مضطرا إلى إعادة تصويب وتصحيح وتنقيح المقال .. إدراكا لصدقه ولجسامة المسئولية..

***

حاشية 13


مصطفى بكري:

مبروك.. مبروك من القلب.. مبروك وليس مبارك!! 

***


حاشية 14

عـــــزاء

فشل القضاء في إدارة الانتخابات..

كان رعب السلطة من الخارج وشعبية الإخوان الكاسحة هي التي كبحت إلى حد من التزوير..

هل كان يمكن لقاض أن ينجح وقد أتي بالمجرمين وقطاع الطرق وراح يفاوضهم لا على حقوق الناس فقط.. بل على حقوقه هو أيضا.


***


حاشية 15

الإخوان المسلمون


تحية للإخوان المسلمين .. كلمة " مبروك" لا تكفي..

نقول أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا..

فمتى نقول:

جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ .. إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً..

ومتى.. 

ومتى..

ومتى يموت أبوجهل و أبولهب.. ومتى يدخل أبوسفيان في الإسلام؟!.. 


***

***

***


المقال القادم


إعلان الحرب العالمية على هاني السباعي 

و 



بلاغ إلى هيئة الأمن القومي

مذبحة السودانيين تخطيط صليبي صهيوني..

*** 

شهداء رمي الجمار: إجرام وجهل..

*** 

القذافي وخدام والفقي آخر تجليات القوميين


***


إعلان الحرب العالمية على هاني السباعي


هل المطلوب منه أن يتنصر – كحكام كوسوفا– حتى يرضى عنه المصريون واليهود والنصارى؟!

***

يا شيوخ الأزهر – لا يا شيخه-: انصروا الشيخ عمر عبد الرحمن..





www.mhamadabbas.net

mhamadab@gawab.cm


***

في الفترات الماضية عشت في كبد.. 

كبد جعل الكتابة محنة..

لأن الكتابة تحتاج إلى حد أدنى من الثوابت ترتكز عليها، فإذا تلاشت هذه الثوابت، أصبحت أرض الفكر رمالا متحركة تبتلع من يمشي عليها، فليس يصحّ في الأذهان شيء إذا احتاج النـهـارُ إلى دلـيـل ِ، ذلك مما يقول الشاعر و أصدقه فيه.. و أنا أشعر يا إخواني في الله أن جل ما أكتبه يدور حول أدلة وجود النهار.. في النهار!!.. نعم.شعر أن الكثيرين جدا من ولاة الأمر وخدمهم وحشمهم قد فقدوا جوهرهم البشري، و أصبحوا كجثث الحيوانات المحنطة، التي لا تحتوي من الحيوان إلا رسمه، أما المحتوى فليس إلا أكداسا من القش. نعم . حيوانات محنطة باعت دينها ووطنها و أمتها ونفسها لمجرد أن تتمتع بالبقاء ولو محنطة.

كيف يمكن أن تناقش أو حتى تكتب عن تجليات للقوميين  كالقذافي وخدام والفقي؟

كيف يمكن أن تشكو و أنت كلما شكوت تمنيت بعد شكواك لو أنك لم تشك.. وانظروا مثلا إلى التغييرات الصحفية الأخيرة، لكأنهم استبدلوا المحترفات بالمنحرفات، والانحراف أهون.

جثث محنطة.. لا يشعرون..

فكيف يمكن الحديث إلى جثة محنطة، كيف يمكن إقناعها؟ وكيف يمكن مناشدتها؟؟ وكيف يمكن أن تصل الخسة إلى مذبحة السودانيين في المهندسين في القاهرة، و إلى إعلان حرب عالمية على مواطن مصري، وكيف يمكن عتاب أو عقاب جثث محنطة على جريمة تزوير الانتخابات وقتل الناخبين لتصل الأمور والانحطاط بنظام يدعي احترام القضاء إلى رفض شهادة 151 قاضيا في فاحشة إسقاط الدكتور جمال حشمت. 151 قاضيا من 160 أما التسعة فلم يشهدوا بعكس ما شهدت به الأغلبية، بل لم يشهدوا أصلا..

كيف تدعو إلى مكارم الأخلاق داعرة تفخر بالزنا ولا تخجل منه؟!..

كيف تدعو إلى الشرف خائنا يستمرئ الخيانة ويسعد بها.

كيف تدعو من يهدد الأمن القومي إلى حمايته؟..

ولقد حزبني أمران يا قراء احترت لمن أتوجه بالشكوى مما يحدث فيهما..

الأمر الأول هو جريمة أمن قومي في حق مصر والعالم العربي والعالم الإسلامي..

والأمر الثاني هو إعلان الحرب العالمية على فرد..!!

جثث محنطة.. لا يشعرون..

أو أنهم محترفون.. 

***

احترت.. 

هل أوجه التحذير والبلاغ العاجل إلى الرئيس مبارك.. وهو ضالع.. أو إلى ابنه وهو أشد ضلوعا؟..

هل أوجهه إلى النائب العام – القادم لا الحالي- ؟!

هل أوجهه إلى الأمة التي لم يعد يحركها شيء؟!

هل أتوجه به إلى الله وهو أعلم بحالي من سؤالي؟..

تدور عيناي حتى تكاد تخرج من المحاجر.. لا أحد لا أحد لا أحد..

فهل أتقدم ببلاغي العاجل إلى لا أحد؟!!

أم أتقدم به إلى أية هيئة أو مؤسسة ما تزال على قدر من التماسك والإحساس بالمسئولية، فالأمر يتعلق بالأمن القومي، و بخطر يتهدد الوطن كله، عن طريق اختراق بعض أفراده وهيئاته ومؤسساته.

***

لقد توهجت كل نذر الخطر في وجداني و أنا أراقب تعتيم العالم على الجريمة التي ارتكبها مسئولون مصريون بحق اللاجئين السودانيين في مصر، إن العالم – المتحضر!- يتكالب علينا لأسباب أقل من هذا بكثير، يتكالب علينا ليهددنا بالويل والثبور وعظائم الأمور!! ربما من أجل سجن واحد وليس قتله، فما بالهم إذن يصمتون هذا الصمت المريب إزاء قتل عدد غير محدد، إذ تعترف الجهات الرسمية بسبعة وعشرين قتيلا، بينما تتحدث مصادر المنكوبين عن عدد يناهز ثلاثمائة قتيل ( 281 حسب العدد الأخير من صحيفة الدستور)..  أما جهات الرصد والإعلان والإعلام والفضح الغربية فكأن الأمر لا يعنيها، وكان يمكننا تقبل بعض ذلك إذا كان الضحايا من الشمال السوداني، أو لو كانوا جميعا مسلمين، لكن الأمر لم يكن هذا ولا ذاك، و إنما  عدد كبير منهم من النصارى كما أنهم ينتمون للجنوب، وقد كان هذا وذاك كفيلين بإشعال العالم ضد مصر، لكن هذا العالم بدا متفهما ومتعاطفا مع المجرمين المصريين الذين ارتكبوا المذبحة ، بل بدا أنه لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم.

الذين ارتكبوا الجريمة مدانون من أصغر جندي إلى رئيس الجمهورية، وجميع من اتصل بالتنفيذ المباشر وغير المباشر هم مجرمون أيا كانت مناصبهم، أما الجريمة، فإنها تتعدى أبعادها الإنسانية والقانونية والتاريخية والسياسية إلى مرمى أبعد بكثير و أخطر بكثير، فبعد أن فرضت آليات انفصال جنوب السودان عن شماله، وكذلك فصل غربه وشرقه، بعد أن تقرر هذا في المخطط، لم يبق إلا قيام العملاء والمغفلين بتمهيد الأرض  لتنفيذ القرار.

إنني أضع أمام هيئة الأمن القومي الأبعاد الاستراتيجية التالية:

كان من الأهداف الرئيسية للاحتلال البريطاني لمصر هو فصل السودان عن مصر. وكان موقف البوليس المصري في عمومه مخزيا، فيما عدا استثناءات لا يقاس عليها، ومن ذلك ما اكتشف بعد انقلاب 23 يوليو من قيام مفتش بوليس العاصمة بالتجسس على الملك لحساب السفارة البريطانية.

أنا واثق أن ثمة مفتش بوليس ينقل الأخبار للسفارة الأمريكية..!!

كان موقف حزب الوفد – رغم تحفظاتنا على الحزب نفسه- ممتازا، وقد عبر عنه زعيمه مصطفى النحاس بقوله:" تقطع يدي ولا تفصل السودان عن مصر".

 بدا أن المقايضة مع ضباط انقلاب 23 يوليو هو الموافقة على فصل السودان مقابل تثبيتهم في السلطة، وقد نبه رئيس الجمهورية آنذاك لذلك ( اللواء محمد نجيب) كما أن البكباشي صلاح سالم، المكلف من مجلس  قيادة الثورة بمتابعة ملف السودان قد تحدث صراحة عن مؤامرة من زملائه لإفشال مساعيه لتكريس الوحدة.

صمت محمد حسنين هيكل نصف قرن عن الشأن السوداني ثم جاء ليخبرنا على قناة الجزيرة منذ عام أن السودان لا يصلح دولة واحدة، بل أربعة، و أنه اكتشف ذلك منذ أكثر من خمسين عاما – بالتحديد قبل قيام الثورة .. وهذا عجيب!!- ثم قامت الثورة لتكرس انفصال السودان، ثم تكفلت السياسة المصرية الغبية بل الخائنة في تفاقم أزمة السودان بهويته الإسلامية لصالح الانفصاليين وجارانج ضد الإسلاميين في الشمال. كانت مصر والسعودية تملان جارنج، وتقضيان على الحركة الإسلامية في أريتريا) ..  وكانت الحجة الخائنة لتدعيم جارانج هي أن المصلحة تكمن في توثيق الروابط مع الجنوبيين كي تحتفظ مصر بثقلها وتأثيرها هناك، و أن هذا الثقل سيصب في عدم تفتيت السودان عندما تحتدم الأمور ويتقرر الحسم.

المذبحة الأخيرة إهدار لهذا الثقل كله. خمسون عاما ونحن نضيع الشمال في سبيل تكوين ثقل في الجنوب، وفي ساعتين فقط يتم إهدار هذا الثقل كله. ويضيع عنب الشام وبلح اليمن جميعا.

لا يمكن أن يكون الأمر حظا سيئا أو صدفة محزنة أو عفو الخاطر ولا حتى نقصا في الخبرة، فنحن نتعامل مع جهاز أمن من أعتى أجهزة الأمن و أكثرها خبرة في الإجرام والتعذيب في العالم، لقد حدث ما هو مطلوب أن يحدث تماما، لتحدث التداعيات المطلوبة تماما وليفقد المصريون تأثيرهم في الجنوب تماما بل وليطردوا منه.

 لا أتهم أحدا معينا لكنني أشك في اختراق على مستوى اتخاذ القرار، نفس المستوى الذي ينكل بالإسلاميين في مصر، ويعتقلهم، ويقتل الناخبين، ويزور الانتخابات، ويتقدم بطلب للأمم المتحدة بإعلان الحرب العالمية على الدكتور هاني السباعي، وهو الموضوع الرئيسي لهذا المقال.. فإليه..

***

نفس الآلية الشيطانية الرهيبة في كل زمان ومكان..

استفراغ طاقة الأمة والجيش والمفكرين في انقلاب للضباط عام 52 للقضاء على التطور الطبيعي للمجتمع وفي قلبه وعلى غرته الإسلام.. وبعد أن يسير الحمقى عكس الاتجاه الصحيح لأمتهم تم تحطيمهم عام 1967.

نفس الآلية الشيطانية الرهيبة في كل زمان ومكان..

استفراغ طاقة الأمة في الجزيرة العربية حتى تصل السلطة والعلماء معا إلى طريق مسدود، فلا يعود أمام العلماء إلا التراجع ولا أمام السلطة إلا كشف العورة والسفور بالخيانة والعمالة.. وكأنما كان الاستنفار للجهاد فخا لاصطياد المجاهدين.. 

نعم طريق مسدود كالطريق المسدود الذي حاصرت السلطات السعودية الحجاج فيه..

***

نعم..

لعل بعض القراء يذكرون  ما كتبته عن الحج  منذ ثلاثة أعوام  عندما أكرمني الله بحجتي الأخيرة..

لقد امتدحت الجهد المذهل في خدمة الحجيج في المدينة المنورة..

وكذلك في المسجد الحرام.. و إن كنت قد أدنت ما يحدث حوله من تزاحم الباعة ببضائع بلا قيمة  ليس فيها منتج إسلامي..مما يسبب عرقلة الحجاج في انصرافهم بعد الصلاة.. و أن هذا المظهر البائس يراد منه أن يكون تعويضا سافلا عن تبادل المنافع الاقتصادي الحقيقي بين دول العالم الإسلامي، وأن هذا التبادل الاقتصادي من كبائر المحرمات في المذهب الأمريكي، لأنه سيؤدي بالضرورة إلى اقتراب سياسي، وبعد هذا كله فقد أدنت بكل قوة وحزم ما يحدث في عرفات وفي منى، في عرفات كان المنظر الهمجي المتخلف لإلقاء زجاجات الماء والعصائر على حجاج يتسابقون خلف سيارة مسرعة تلقي إليهم ما تلقي في مشهد جدير بحديقة الحيوان، أما في صلاة الظهر والعصر في مسجد نمرة، فقد كان الحجاج مجهدين ( قمة الإجهاد يكون في يوم وليلة عرفة) . وبعد الصلاة كنا نريد أن نعود إلى خيامنا، ولكننا اكتشفنا أننا ظللنا ندور لمدة ساعتين حول المسجد، واكتشفنا في النهاية أن الشرطة تسوقنا كالحيوانات كي نواصل الطواف حتى ينصرف موكب الأمراء والضيوف، وثار البعض، وهنا ظهر المعدن الحقيقي للشرطة السعودية، وهي تماما كنظيرتها المصرية، صناعة أمريكية، وثار بعض الناس، فتصرف بعض الضباط كما لو كنا نحج إلى الملك أو وزير الداخلية وليس إلى الله، كان أمامي شيخ تجاوز السبعين، خارت قواه فثار فهدده الضابط باعتقاله وعدم تمكينه من إتمام الحج، صارخا فيه : إن كان لا يعجبكم نظامنا فلماذا أتيت إلينا، وددت ساعتها أن ألطمه لكنني تذكرت أنه لا جدال. وفي منى كان الحال أشد منه في عرفات، وفي أكثر الأيام زحاما في العالم كانت السلطات السعودية توقف المواصلات العمومية حتى تبيح للسائقين ابتزاز الحجاج ولترتفع التعريفة ثلاثين ضعفا وأكثر، وينتج عن ذلك مزيد من التكدس. أما في رمي الجمار فقد استشهد أربعة عشر حاجا في العام الذي حججت فيه، وكدت أكون الخامس عشر، كان المذهل هو الموقف السلبي للشرطة السعودية، إنها تمنع وتبطش لكنها لا تنظم، كانت أفواج الحجاج تأتي من كل صوب، أمواج متلاطمة من البشر، من كل اتجاه، وبدأ الزحام يضغط علىّ، وقلت لنفسي الحمد لله أنني أحج قبل أن أوغل في العمر أكثر، وما تزال لدي القدرة على الاحتمال، كان بجواري رجل يحتضن أمه، أظنها كانت قد ماتت، لم أعرف أبدا، ففي اللحظة التالية جاءت موجة هادرة سحقتني سحقا، وبدأت أفقد الوعي فتلوت الشهادتين، لكن موجة أخرى ألقت بي خارج دائرة الزحام، هرعت بعيدا، نحو السور، وفي مسافة لا تتجاوز عشرة أمتار سقطت على لأرض أربعة مرات، وكنت أقاوم الإغماء،  ويعلم الله أنني كنت أوثر الصمت، لكنني شعرت أن ذنب الحجاج في عنقي إن لم أجهر بما رأيت، لا يحتاج الأمر إلى منشآت جديدة ولا إلى تكنولوجيا معقدة، بل إلى شرطة تعبد الله لا الملك، وتطيع القرآن والسنة لا منشورات من المؤكد أن مرجعيتها النهائية في المخابرات الأمريكية، شرطة لا تعامل الناس بتعال وازدراء وقسوة واستهانة بالأرواح البشرية وحصانة من العقاب لا مثيل لها، الشرطة السعودية تتعامل مع الحجاج في منى بنفس درجة الإجرام الذي تتعامل به الشرطة المصرية مع المصريين.. والسودانيين. الأزمة أزمة نظم  تخرج الناس من عبادة الله الواحد القهار إلى عبادة الحاكم، لو أدرك الجندي أن الفيصل في عمله الحلال والحرام وليس طاعة المخلوق في معصية الخالق ما حدث هذا أبدا.. الأزمة أزمة يدين المتسببون فيها الناس دائما ولا يعترفون بالخطأ أبدا. فإن كانوا على حق فلماذا لم يسقط الشهداء بهذا العدد إلا في زمنهم البئيس التعيس.

ما أخشاه، و أظنه سيحدث، ألا يكون الغباء والجهل والتعالي وازدراء الناس والاستهانة بحياتهم هي الأسباب الوحيدة، ما أخشاه، و أظنه حدث، أن يكون نفس الاختراق الذي حدث في مصر قد حدث في السعودية، و أن تكون هناك جهات محددة منوط بها إخراج الحج في صورة منفرة، تماما كما يتصورها الصليبيون واليهود عنا، فإن كان الحجاج بهذا الجهل والتخلف، و إن كان المسئولون السعوديون أبرياء كل هذه البراءة، فإن الحل الوحيد يكون إما إلغاء الحج أو تدخل الأمم المتحدة لتنظيمه..

وتلك هي الثغرة التي دفعتني للكتابة..

نعم..

الثغرة التي ينفذ منا الصليبيون والصهاينة لتنفيذ مخططاتهم الرهيبة في كل زمان ومكان.


***

نفس الآلية الشيطانية الرهيبة في كل زمان ومكان..

النظام المصري يوظف للقضاء على أقوى جبهات الإسلام في مصر.. الإخوان المسلمون..

والنظام السعودي يوظف للقضاء على فقه الجهاد كله وعلى فتح الثغرات حسب الطلب..

والنظام السوري يوظف للقضاء على الإسلام في سوريا وفي لبنان، وبعد أن يرتكب من المذابح ما شاء له الشيطان، يعودون للالتفات إليه والقضاء عليه..

نفس الآلية الشيطانية الرهيبة في كل زمان ومكان.. آلية أي مجرم في تكليف أتباعه بارتكاب ما يشاء من الجرائم، ثم يقوم بالقضاء عليهم كي يطمس معالم الجريمة من ناحية، ولكي لا يطالب المجرمون بالثمن من ناحية أخرى.

نفس الآلية الشيطانية الرهيبة في كل زمان ومكان..

نفس ما يحدث في مصر..

مصر التي يتكفل الأمن فيها بسوقها إلى الهاوية..

وتذكروا كي لا تضيع الحقيقة أن الوزير في مصر كما هو في السعودية كما هو في سوريا: مجرد خدام لمعاليه!!..

*** 

تشمل الآلية الشيطانية الرهيبة  التعامل مع الدول والأنظمة والهيئات الكبرى ذات الطابع العالمي كالقاعدة مثلا.. وكالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، لكنها لم تمارس ضد الأفراد أبدا.. ولا حتى ضد أفراد بقامة هتلر وموسيليني!!

لذلك.. عندما اطلعت على تفاصيل إعلان الحرب على الدكتور هاني السباعي ذهلت..

إنني لا أتحدث عن مدى الإجرام ولا عن خسته وعنفه، فهذه براءة لم نعد نملكها، منذ انكشفت العورات وبانت السوءات و أدركنا أو وحوش ضارية تحكمنا سواء على المستوى المحلى أم العالمي، لا تدهشني الخسة والفظاعة و إن أدمت قلبي، وليس هذا ما أتحدث عنه،  بل أتحدث عن نمط جديد من الحرب لم تعرفه الدنيا ولم يعرفه التاريخ.. وهو إعلان الحرب العالمية على فرد أعزل!!..

نعم.. لقد عرفنا الحرب ضد دول.. أو أمم أو أعراق وأجناس .. لكننا لم نعرف قط إعلانها ضد فرد.. ففي  30 سبتمبر 2005م وافق أعضاء مجلس الأمن ( وهو اسم تتنكر خلفه أمريكا) على فرض العقوبات على سبعة أفراد  من بينهم الدكتور هاني السباعي، وهو الوحيد من بينهم الذي يُعرف له مقر ومستقر، وربما كان الآخرون جميعا قد استشهدوا.

تخيلوا..

مجلس الأمن بقضه وقضيضه يجتمع من أجل فرد..

 كان فرض العقوبة على الدكتور هاني السباعي  بناء على طلب من النظام المصري. النظام السفاح المزور القاتل. النظام الذي قتل اللاجئين السودانيين بنفس الوحشية التي قتل بها من حاولوا منعه من تزوير الانتخابات.

نعم..  بنفس الوحشية التي حرض بها العالم على إعلان الحرب العالمية على هاني السباعي.

***

كنت واحدا ممن لا يعرفون عن هاني السباعي إلا أقل القليل، وكنت أتفق معه أحيانا و أختلف حينا، لكنه كان محاطا بذلك المجال الذي أراد الشياطين أن يحيطوه به، مجال دمغه بالإرهاب.. لم أمحص المسألة، لا لأنني أصدقهم، بل لأنني أعرف أنهم كذابون وكفى، لا يحتاج الأمر عناء كي أدرك ذلك. ومرة، كنت أتصفح موقعه فذهلت، إنه يحتفل بالعلامة محمود شاكر أيما احتفال، وليس بمحمود شاكر عامة، بل بالذات بعين من عيون الشعر العربي كتبها العلامة الراحل، بقصيدة القوس العذراء، وهذه القصيدة كأنفس الجواهر التي لا يقدر العامة من المثقفين قيمتها و إنما يعرف الخاصة وخاصة الخاصة قيمتها، إنها كما يقول الدكتور مصطفى هدارة رؤية جديدة في الإبداع الفني ، تأخذ مكانها في الذروة من الأعمال الرائعة في أدبنا المعاصر، بل في الأدب الإنساني في كل زمان ومكان.

كنت أفهم اهتمامات الدكتور هاني السباعي السياسية والقانونية، لكنني لم أتصور أن يكون هناك، حيث القوس العذراء. وكونه هناك يغير الصورة تماما، ذلك أن عشاق شاكر، وعشاقه في القوس العذراء على وجه التحديد لابد أن يملكوا مشاعر مرهفة وقلبا شجاعا وعقلا جسورا وسعة أفق هائلة ( وللعلم: العلامة محمود شاكر لم يكن أبدا على وفاق مع الإخوان المسلمين، ولا مع الشهيد سيد قطب).

احتفال الدكتور هاني السباعي بالقوس العذراء إذن ينقله بالنسبة لي من مدار إلى مدار ..

مدار لا يمكن أن يكون فيه إرهابيا بأي معنى إلا معاني الشيطان التي تجعل من المستقيم ساذجا، ومن العفيفة معقدة، ومن الأمانة ضعفا، ومن الخيانة شجاعة وجرأة.

لم أكن أعرف الكثير عن هاني السباعي و إن كنت أحترم فكره وجهاده..

لكنني بعد معرفتي بعلاقته بالقوس العذراء أدركت أي نوع من الإرهاب يمثل..

إنه نفس نوع الإرهاب الذي مثله العلامة محمود شاكر ليسجن ويعذب، ونفس نوع الإرهاب الذي مثله سيد قطب ليسجن ويعذب ويعدم، ونفس نوع الإرهاب الذي مثلته صحيفة الشعب لتطارد وتصادر رغم أحكام القضاء..

أدركت أنه قاتل للباطل..

كاره للظلم..

كاشف للأباطيل..

***

الدكتور هاني السباعي كاتب موسوعي كما تشي قائمة مؤلفاته وخطبه:

1 - زنادقة الأدب والفكر. . قراءة في تاريخ الزندقة

2-  دور رفاعة الطهطاوي في تخريب الهوية الإسلامية

3 - قصة جماعة الجهاد

4 - حول تراجعات " الجماعة الإسلامية "

5 - تعليق على كتاب "أيمن الظواهري كما عرفته"

6 - لا عجب القش؛إن ظفرت بها كلاب الأعادي

7-   مملكة القش ؛ السعودية.

8 -  آل صباح في الكويت. . . وآل عباد في الأندلس.

9 -  القدس لنا ونحن أولى بها منهم.

10 - سقوط الحضارة الغربية في " جوانتانامو ".

11- فرسان بالنهار. . . دعّار بالليل

12-  تسريح الجيوش العربية ضرورة شعبية 

13- من مصادر السيرة النبوية ؛ كتب المغازي

14- من مصادر السيرة النبوية ؛ كتب الأدب

15- ثورة الشعوب العربية. . الرهان الخاسر

16- أسباب تهميش واحتواء دور المؤسسات الدينية

17- الإرهاب في المنظومة الغربية

18- العلمانيون وثورة الزنج

19- خليفة بن خياط ومنهجه في كتابة التاريخ

20- التراث والتجديد في فكر حسن حنفي

21- كتب الشمائل النبوية

22- الحصاد المر لشيخ الأزهر طنطاوي

23- اغتيال الشهيد أحمد ياسين أمر دبر بليل

24- أنقذوا الأسرى قبل فوات الأوان

25- الشهيد سيد قطب وقناة الجزيرة

26- في رثاء الشهيد أبي الوليد الغامدي

27- فتوى توحيد الآذان

 28-على رسلك؛ شيخ عباسي مدني

29- هل كان للأقباط دور تاريخي في مقاومة المحتل؟

30- حكم إمامة المرأة للرجال في الصلاة...

هذا بالإضافة لمئات التسجيلات والمناظرات والخطب.

و بخلاف الدراسات القانونية ومنها موسوعة مطبوعة في مجلد عن الحدود في الإسلام بعنوان "القصاص".

***

كان مدهشا لي أيضا أن موضوع هاني السباعي يتم التباحث بشأنه  على مستوى مبارك وبلير وتهتز بشأنه أروقة المخابرات و أجهزة الأمن ووزارتي الخارجية في البلدين ، فلما عجزت مصر عن اقتناصه من بريطانيا طالبت مجلس الأمن بحصاره..

لست أدري ما هي المخاطر التي يمكن أن يسببها هاني السباعي لمصر حتى تبذل كل هذا الجهد لاصطياده. لماذا لا تبذل جهدا مماثلا في الكشف عن قضية رضا هلال، أو التحرش الجنسي بالصحافيات، أو مذبحة الانتخابات، أو حتى مذبحة المنيا.

 دارت المباحثات على أعلى مستوى، كانت حجة بريطانيا أنها تخشى تنفيذ حكم الإعدام فيه، وصدر الحكم في مصر – إن في مصر قضاء .. عسكريا!!-  على الفور كما تريد له بريطانيا: ثلاثة قبل السباعي و ستة بعده حكم عليهم بالإعدام، هاني السباعي وحده – عدا واحد ذرا للرماد في العيون- بينهم صدر الحكم عليه بالسجن 25 عاما. لا رحمة به كما قد يتخيل متخيل، ولكن لاقتناصه.

***

أصدرت المحكمة العسكرية العليا بالقاهرة اليوم الأحد الموافق 18/4/1999 حكمها في القضية رقم 8/1998 جنايات عسكرية والمعروفة باسم "قضية العائدين من ألبانيا"، والتي تضم 107 متهما، من بينهم 60 هاربا تم محاكمتهم غيابيا. وقد قضت المحكمة بالآتي:عقوبة الإعدام بحق [9] متهمين، والأشغال الشاقة المؤبدة بحق [11] متهما، والسجن مدد تتراوح بين 1-15 سنة بحق [67] متهما، هذا في حين تم تبرئة [20] متهما.

الحكم في القضية 8/98 جنايات عسكرية – العائدون من ألبانيا

حسب ترتيب المتهمين فى قرار الاتهام

م الاسم الحكم ملاحظات

1 ايمن محمد ربيع الظراهرى إعدام هارب

2 محمد محمد ربيع الظواهرى إعدام هارب

3 نصر فهمي نصر حسانين إعدام هارب

4 احمد بسيونى احمد دويدار 25 سنة هارب

5 هاني السيد السباعي 25 سنة هارب

6 عادل السيد عبد القدوس إعدام ( هارب ) ومحكوم عليه بالإعدام غيابيا في القضية 2/94 رئيس الوزراء في 17/3/94

7 ثروت صلاح شحاته إعدام ( هارب ) محكوم عليه بالإعدام  غيابيا في القضية 2/94 رئيس الوزراء في 17/3/94 

8 ثروت صلاح شحاته إعدام ( هارب ) محكوم عليه بالإعدام  غيابيا في القضية 2/94 رئيس الوزراء في 17/3/94 

9 طارق أنور سيد احمد إعدام هارب

10 عبد الله محمد رجب عبد الرحمن إعدام هارب

11 عبد العزيز موسى داود الجمل إعدام هارب


المضحك، أو المبكي، أو كلا الأمرين، أن هاني السباعي لم يذهب إلى ألبانيا أبدا، ولا إلى منطقة البلقان كلها، ولم ير أبدا كوسوفا أو البوسنة والهرسك، والأمر لا يعدو حقدا صليبيا صهيونيا حكوميا مصريا، كان المجاهدون العرب قد هرعوا إلى إخوانهم المسلمين لنجدتهم، وقلب وجودهم المعادلة ومكن المسلمين من أهل البلاد من الصمود والمواجهة، وبدا أن الخطة الأمريكية ستفشل، وكان هذا- وليس إنقاذ المسلمين – هو سبب التدخل الأمريكي. وبهد التدخل سيطرت على الأمور، و طاردت كل هيئات الإغاثة الإسلامية، ومنعت تعليم الناس دينهم، و ألقت الحبل على غاربه للتنصير، حتى تمكنت من تنصير بعض كبار الحكام، ثم راحت تقتنص المجاهدين العرب، كانت تقتنصهم جهارا نهارا – بنفس طريقة الكلب العراقي صولاغ- فتسلمهم إلى بلادهم.. حيث يعدمون.. 

أفلت هاني السباعي من هذا المصير لسببين..أولهما أنه لم يكن هناك أبدا.. والثاني أنه كان لاجئا إلى بريطانيا..

المذهل والمخيف.. أنه لم يخف أبدا على أجهزة الأمن الأمريكية الإسرائيلية المصرية أن هاني السباعي لم يذهب إلى ألبانيا قط..

يعرفون الحقيقة كلها.. ويزورونها كلها..

فالذي فرط في عقده مع الله، لن يكون أمينا على شيء آخر.

***

كان اللواء الكلب، الذي يطلع كالطاووس متباهيا بما يطلقونه عليه من صفات الخبير الأمني يتحدث على شاشة قناة الجزيرة، بهدوء وتؤدة وثقة، كان يقول أنه لم يمارس التعذيب قط، لأن التعذيب ضعف وعار، ولا يمارسه إلا ضابط جاهل لم تكتمل أدواته العلمية ثم أنه مجرم.

كان هاني السباعي معي على الهاتف..

كان يقول:

بنفس هذا الهدوء والتؤدة كان هذا الرجل يعذبني.. بنفسه.. عذابا مروعا.. كان يهشم العظام.

*** 

المفارقة هنا، أن قناة الجزيرة قد كفت تقريبا عن استضافة هاني السباعي بينما لم تكف أبدا عن استضافة اللواء الكلب، كفت عن استضافته رغم أنه واحد من أعمق المحللين و أكثرهم خبرة بالجماعات الإسلامية الجهادية، وسوف نورد في جزء آخر من هذا المقال نموذجا تحليليا لخطاب لشيخ المجاهدين أسامة بن لادن رضي الله عنه. لكن المشكلة التي منعت الجزيرة من استضافة هاني السباعي هي قدرته على الإقناع، التي لا يسبقها إلا براعته في اكتشاف الأكاذيب و إظهار الحقيقة، وهو و إن شاب مداخلاته حدة أتمنى أن يكبحها، لكن الجزيرة تحتفي بمن هم أكثر حدة، أما عن السبب ففتش عن أمريكا.


*** 

نعم.. لست أشك أن مثل هذا الكلب يستضاف على قناة الجزيرة بأوامر أمريكية( وهذا أفضل على أي حال من تلك القناة العربية المنحطة التي تدار مباشرة من المخابرات الأمريكية، وبالتحديد من وحدة التضليل ونشر الأكاذيب).. ولا يضير هذا جل مذيعي قناة الجزيرة، وهم على أي حال يحاولون استقطار المستحيل لتسريب بعض ما لا ترضى عنه أمريكا. ومن هذا ما نشرته نفس القناة عن حلقات من مسلسل الواقع المصري الجزيرة نت، وهو ما يمكن أن يكون هاني السباعي ضحيته في أي وقت:

قناة الجزيرة:

الأحد 25/7/1424هـ الموافق 21/9/2003م.

مصري يلفظ أنفاسه تحت التعذيب أثناء اعتقاله

أكدت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان اليوم أن مصريا كانت تعتقله قوات الأمن توفي الأسبوع الماضي جراء تعرضه للتعذيب.

وأضافت المنظمة أن جثة عبد الستار سلمت إلى عائلته يوم 14 سبتمبر/ أيلول الجاري دون مزيد من الإيضاحات.

وتابع المصدر أن شقيق المتوفى ما زال محتجزا في مقر مباحث أمن الدولة دون توجيه أي تهمة إليه. ولم يتسن الحصول على أي تأكيد رسمي للوفاة.

وكانت قوات الأمن اعتقلت المهندس محمد عبد الستار مرسي وهو من محافظة الفيوم جنوب مصر يوم 12 سبتمبر/ أيلول بعد ثلاثة أيام من إلقاء القبض على شقيقه الأصغر لقيامه بتوزيع منشورات معادية للولايات المتحدة وإسرائيل، بحسب بيان صادر عن المنظمة.

وفي هذا الشأن أعلنت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في أغسطس/ آب الماضي أنها سجلت 11 حالة وفاة مؤكدة لمعتقلين من جراء التعذيب خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2003 مقابل 10 حالات عام 2002 ونحو 10 حالات في السنوات السابقة.

------------------ 

الأحد 28/9/1424هـ الموافق 23/11/2003م.

دعت منظمة العفو الدولية أمس السبت مصر إلى مكافحة "ظاهرة التعذيب المتواصلة وسوء معاملة" السجناء.

---------- 

الخميس 11/9/1424هـ الموافق 6/11/2003م.

إخوان مصر تدين وفاة أحد أعضائها تعذيبا

أدانت جماعة الإخوان المسلمين بمصر موت أحد أعضائها بسبب التعذيب في مقر مباحث أمن الدولة في القاهرة.

وقالت الجماعة في بيان إن مسعد سيد محمد قطب (43 عاما) توفي عقب تعذيبه في مقر مباحث أمن الدولة بعد اعتقاله بثلاثة أيام، مشيرة إلى أن الاعتقال تم في 31 أكتوبر/ تشرين الأول. وأكد البيان أن المتوفى "مورست عليه أشكال متنوعة من التعذيب".

----------------- 

الأربعاء 8/9/1423هـ الموافق 13/11/2002م.

العفو الدولية تنتقد تعذيب السجناء في مصر

دانت منظمة العفو الدولية تعذيب السجناء في مصر وقالت إنه أصبح ظاهرة عامة وتجري بشكل منتظم. وذكرت المنظمة في بيان نشر اليوم أن كل شخص موضوع قيد الاعتقال في السجون وأقسام الشرطة المصرية يواجه خطر التعذيب. 

وجاء في البيان أن المعلومات التي حصلت عليها المنظمة طوال الأعوام الماضية تظهر أن التعذيب أصبح ممارسة عامة ومنتظمة رغم أن التشريع المصري والقانون الدولي يمنعان تعذيب المعتقلين. وأورد البيان بعض وسائل التعذيب التي تلجأ إليها أجهزة الأمن المصري ومنها الجلد بالسياط على الظهر والشحنات الكهربائية والضرب المبرح والتعليق من الأيدي والأرجل.

الأحد 21/9/1424هـ الموافق 16/11/2003م(آخر تحديث) الساعة 18:37(مكة المكرمة), 15:37(غرينتش)

---------------

ناشطة: التعذيب في مصر بلغ حد الإجرام

قالت الناشطة المصرية عايدة سيف الدولة إن التعذيب على أيدي قوات الأمن المصرية بلغ حد الإجرام ويجب فضحه حتى تقوم الحكومة باستئصال المسؤولين عنه.

----------- 

الجمعة 16/2/1424هـ الموافق 18/4/2003م.

منظمة حقوقية تدين حالات تعذيب بمراكز الشرطة المصرية

نددت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بممارسة التعذيب المؤدي إلى الموت في أقسام الشرطة المصرية. وأحصت المنظمة في بيان 31 حالة تعذيب ارتكبها أفراد الشرطة بينها تسع حالات أدت إلى الوفاة منذ عام 1998.

وقد حصلت الوفيات في أقسام تقع في القاهرة والجيزة. وقد أشار البيان إلى عدد من حالات اعتقال طالت أقارب مشتبه بهم وأخذهم "رهائن" والقيام بتعذيبهم حتى يسلم المتهمون أنفسهم. 

-------------------

ويشير التقرير إلى حالة الشابة نهى سعد أحمد (20 عاما) في قسم شرطة مدينة بلقاس بمحافظة الدقهلية في أغسطس/ آب 2002 عندما سألت عناصر الشرطة عن الأسباب التي حاولوا بموجبها اعتقال والدها. وقال التقرير إن الشابة تعرضت للضرب حتى فقدت وعيها ومن ثم سحبت إلى إحدى غرف القسم حيث استمر ضربها بأعقاب المسدسات "قبل أن يقدم مساعد رئيس القسم على اغتصابها". 

-------------------

وأشار التقرير أيضا إلى حالة الفلاح ربيع أحمد علي (60 عاما) الذي اقتيد إلى مركز شرطة سنورس في محافظة الفيوم جنوبي شرقي القاهرة بعد توجيه تهمة إليه. وبعد ضربه قام رئيس قسم الشرطة وعدد من معاونيه بسكب الوقود على جسد الرجل وإشعال النار فيه حتى الموت. وقال التقرير إن أحد المشاركين في هذه العملية "الملازم عمر جابر صالح" حكم عليه بالسجن لمدة عامين بتهمة "تعذيب معتقل حتى الموت".

ونشرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تقريرها ضمن إطار حملتها المستمرة لوقف ظاهرة التعذيب في أقسام الشرطة المصرية و"حض الحكومة على اتخاذ إجراءات جادة وصارمة لوضع حد لهذه الجرائم". 

---------- 

الاثنين 21/1/1424هـ الموافق 24/3/2003م.

مسؤول حقوقي: الحريات مهددة في مصر

رايتس ووتش تتهم الشرطة المصرية بتعذيب متظاهرين

ذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن بعض الناشطين والمتظاهرين المصريين المناهضين للحرب الأميركية ضد العراق الذين اعتقلوا في مصر خلال الأيام الماضية, تعرضوا للتعذيب من قبل الشرطة. 

وذكر بيان للمنظمة ومقرها نيويورك, أمس الأحد أن "الشرطة اعتقلت مسؤولين في حركات تندد بالحرب ضد العراق وبسياسة إسرائيل في الأراضي المحتلة, وبينهم صحافيون ومدرسون وطلاب إضافة إلى بعض المارة وأطفال في الخامسة عشرة من العمر". 

وأضاف البيان أن "بعض الذين اعتقلوا يؤكدون أنهم سمعوا في الزنزانات المجاورة أشخاصا يتعرضون للتعذيب بواسطة الكهرباء". وأشارت المنظمة الحقوقية إلى أن قوات الشرطة استخدمت خراطيم المياه والكلاب والعصي وحتى الحجارة أثناء تفريق التظاهرات.

وقال مدير المنظمة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا هاني مجلي إن "موجة القمع التي كان يخشاها البعض وقعت فعلا" في مصر، وأضاف أن "الحريات الأساسية مهددة بشكل خطير في مصر". 

------------- 

الأحد 18/5/1423هـ الموافق 28/7/2002م، (توقيت النشر) الساعة: 19:09(مكة المكرمة)، 16:09(غرينيتش)

----------- 

الأربعاء 15/9/1423هـ الموافق 20/11/2002م.

منظمات حقوقية تتهم القاهرة بانتهاك حقوق الإنسان

أكدت منظمات محلية لحقوق الإنسان أن السلطات المصرية تحتجز رجلا مقيدا في سرير بأحد المستشفيات منذ أكثر من خمسة أشهر مما أصابه بضمور في العضلات. 

--------------- 

الأربعاء 22/12/1422هـ الموافق 6/3/2002م.

منظمة حقوقية: التعذيب في مصر يتم بشكل منظم.

أدانت منظمة حقوق الإنسان المصرية ما وصفته بتصعيد حكومة القاهرة لعمليات التعذيب ضد الأفراد، وطالبت السلطات باتخاذ الإجراءات الكفيلة بمكافحة هذه الظاهرة. وقالت إن التعذيب يتم بصورة منظمة ودورية في أغلب أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز في مصر.


وقالت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في تقرير لها بعنوان "ضحايا بلا حقوق" إن هذا هو التقرير العاشر الذي يتناول "ظاهرة التعذيب وإساءة المعاملة والتجاوزات التي يمارسها رجال وضباط الشرطة ضد المواطنين من متهمين ومحتجزين داخل أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز بأنواعها".

وأضافت أن "التعذيب يتم بصورة منظمة ودورية في أغلب أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز في مصر من الإسكندرية إلى أسوان".

وجاء في بيان المنظمة أن تقارير الطب الشرعي وتحقيقات النيابة في قضايا بينها القضيتان المعروفتان باسم العائدون من ألبانيا وتنظيم الوعد، "أثبتت تعرض بعض المتهمين في تلك القضايا للتعذيب من قبل ضباط مباحث أمن الدولة".

----------------- 

الأربعاء 5/12/1421هـ الموافق 28/2/2001م.

انتقادات لأوضاع حقوق الإنسان في مصر وتونس والمغرب

وجهت منظمات حقوقية عربية وغربية انتقادات لأوضاع حقوق الإنسان في مصر وتونس والمغرب. وأشار تقرير لمنظمة العفو الدولية إلى تفشي التعذيب في السجون المصرية.

وجاء في بيان لفرع سويسرا في المنظمة الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان في لوزان إن غالبية الضحايا -وبينهم نساء وقصر ومسنون- "يتعرضون لأعمال عنف عندما يعتقلون في مراكز الشرطة في إطار تحقيق قضائي". 

ونشرت المنظمة تقريرها الذي حمل عنوان "مصر: الجلادون مستمرون في إنزال العقاب ولا يعاقبهم أحد" قبيل بدء الجلسة السنوية للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في 19 مارس/ آذار المقبل في جنيف. 

وتزعم المنظمة أن أكثر أنواع التعذيب رواجا هي الصعق بالكهرباء والجلد والتعليق من اليدين أو القدمين وعمليات الاغتصاب "وممارسات جنسية أخرى", كما تشمل أساليب التعذيب تهديد "أشخاص موقوفين أو ذويهم" بالموت. 

وأضافت المنظمة أن من يمارسون هذه الانتهاكات "نادرا ما يحالون إلى القضاء". أما البعض فأحيلوا مثلما حدث مع ستة حراس سجن حكم عليهم بالإعدام في فبراير/ شباط الجاري لإقدامهم على قتل معتقل تحت التعذيب

--------------

الأربعاء 5/8/1424هـ الموافق 1/10/2003م.

وفاة مصريين اثنين تحت التعذيب

*** 

***


هذا إذن..

فمن هو المجرم ومن هو الإرهابي حقا..

من هو المجرم يا مبارك..

من هو الإرهابي يا جمال مبارك..

من الذي يجب أن يحكم عليه بالإعدام يا وزيري الداخلية والعدل..

من الذي بلا ضمير..

من الخائن ومن الأمين..

من الشريف ومن النجس..

يا نخبة مصر..

***

هاني السباعي خبير في التاريخ والفقه والشريعة والقانون: وهو يحمل درجة الدبلوم في الشريعة الإسلامية ودرجة الماجستير في فلسفة القانون ودرجة الدكتوراه في الفقه المقارن كما هو مدون على ظهر غلاف كتابه: القصاص: دراسة في الفقه الجنائي المقارن"، وهو لاجئ سياسي في بريطانيا حاليا، وعلى الرغم من المراقبة الشيطانية فلم يعثروا على ما يمكن أن يدينه و إلا لكان الآن في جوانتانامو!!.. وعلى الرغم من ذلك يطالب طواغيت الدنيا برأسه. 

***  

هــــــــــــــــــــــــــو:

هاني السيد السباعي يوسف (45 عاماً)

من مواليد ؛ القناطر الخيرية بمصر. 

محام لدى محاكم أمن الدولة العليا بمصر. 

عضو هيئة الدفاع في القضايا السياسية. 

ساهم في تأسيس رابطة المحامين الإسلاميين.

عضو لجنة الشريعة الإسلامية بنقابة المحامين.

مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية.

رئيس مجلس إدارة الجمعية الشرعية بالقناطر الخيرية بمصر - سابقاً -

رئيس تحرير مجلتي " الفرقان " و " البنيان المرصوص " - سابقاً -

المستشار التاريخي لمركز الدراسات الإسلامية بإستراليا. 

كاتب متخصص في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي

دبلوم في الشريعة الإسلامية

ماجستير فلسفة في القانون الجنائي المقارن

دكتوراة في الفقه الجنائي المقارن

كاتب في مجلة " المحاماة " التي تصدرها رابطة المحامين الإسلاميين، كاتب في مجلة "     نداء الإسلام " باستراليا، كاتب في مجلة " المنهاج " بلندن.

اعتقل عدة مرات وظل يعمل في مهنة المحاماة والنشاط الدعوى، حتى هرب من مصر، ويقيم الآن في بريطانيا. 


***

اعتقل هاني السباعي  في 9 أكتوبر 1981م بعد اغتيال السادات بثلاثة أيام و ظل حبيس سجن أبي زعبل لمنتصف 1982م. ثم أعيد اعتقاله بعد الإفراج عنه بشهر فيما أطلق عليه إعلامياً (محاولة إعادة تشكيل تنظيم الجهاد) لتحرير قيادات الجهاد من السجن الحربي والقلعة وطره. وفي سجون الطواغيت تم تعذيبه في كل هذه المراحل مع حرق لحيته وكسر رسغه الأيسر وتحطيم أربطة ركبتيه مع الجلد وصب الماء البارد والوقوف لساعات طويلة بدون نوم أو حتى مجرد الجلوس مع الصعق الكهربائي في الكتفين وحلمتي الثدي .. كل هذا التعذيب تم بصفة خاصة في سجن القلعة ومقر مباحث أمن الدولة بشبرا الخيمة.

عرض على نيابة أمن الدولة للتحقيق معه في القضية رقم 461لسنة 1981 حصر أمن دولة عليا وكانت التهمة (التثقيف)!!.

أطلق سراحه في بداية عام 1983م ثم تم اعتقاله على فترات متقطعة حيث كان يحتجز فيها لعدة أيام ثم يطلق سراحه.

ظل يعمل في مهنة المحاماة والدفاع عن المظلومين من أبناء الحركة الإسلامية إذ كان عضواً في لجنة الدفاع عن القضايا السياسية في مصر بالإضافة إلى قيامه بدوره الدعوى في المساجد وحلقات التعليم إلى أن فر بدينه وترك مصر حتى وصل لندن في عام 1994م.

اعتقل في لندن سنة 1998م عشرة أشهر في سجن بيلمارش سيئ السمعة ثم أطلق سراحه في عام 1999م. 

أدرج على اللائحة السوداء لهيئة الأمم المتحدة بقرار من مجلس الأمن في سبتمبر 2005 بناء على طلب من الحكومة المصرية.

أدرج بعدها على لائحة الإتحاد الأوروبي في أول أكتوبر2005م.

وأدرج أيضاً في نفس الشهر على القائمة السوداء لوزارة الخزانة الأمريكية.

أدرجه بنك انجلترا (بنك البنوك) على لائحة المجمدين أرصدتهم.

تم قطع الراتب الأسبوعي الذي يحصل عليه من البلدية في لندن.

تم قطع المعونة الصحية التي يحصل عليها أيضاً.

لا يحق له العمل ولا استلام أية مبالغ مادية من أحد ولا يجوز لزوجته أن تعطيه أية معونة مالية ولو بنساً واحداً، وإذا ثبت عليها ذلك يحكم عيها بالحبس ستة أشهر!!! 

***

الكفر ملة واحدة، وكذلك الإجرام، ولم يكن لدينا من هذا ولا ذاك الكثير إلا ما تعلمناه من الغرب. احتجز هاني السباعي في سجن بريطاني سيئ السمعة، وقطع السجن سلسلة من العمليات الجراحية كان يجريها كي يتوقف الألم في رسغه المكسورة من التعذيب في مصر والي أدي إهمالها إلى مضاعفات تسبب له الألم المبرح.

قطع السجن العلاج.. واستمر الألم..:

"كسب هاني السباعي قضية ضد الداخلية البريطانية، لاحتجازه بدون وجه حق في عملية «التحدي» التي شنتها المخابرات البريطانية بالتعاون مع شرطة مكافحة الإرهاب التابعة لاسكتلنديارد ضد عدد من الإسلاميين المصريين المقيمين ببريطانيا. 

كسب هاني السباعي أيضا العديد من القضايا ضد الداخلية المصرية بسبب تعذيبه

***

الكفر ملة واحدة، وكذلك الإجرام..

رغم كل وسائل التلفيق والحرب الإعلامية ومؤسسات التضليل وهيئات إلباس الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق، فإن أبسط درجات القضاء الطبيعي كفيلة بإظهار الحق..

هل ندرك إذن مزايا لجوء الطواغيت المجرمين إلى القضاء الاستثنائي أو إلى الأوامر الإدارية.. وما جوانتانامو والمعتقلات السرية إلا مثلا..

جوانتانامو التي زرعت شتلاتها في القاهرة والرياض وعمان وبغداد وتونس ودمشق منذ خمسين عاما..

***

عجزت كل وسائل التلفيق، وكل أساليب التضليل عن إدانة هاني السباعي.. لذلك بدأت اتصالات المخابرات..

***

شرعت الحكومة البريطانية في نهاية التسعينات في إجراء مفاوضات سرية مع الحكومة المصرية بهدف تسليمها أربعة من عناصر "جماعة الجهاد" التي يقودها الدكتور أيمن الظواهري. وكما تكشف أوراق القضية تفاصيل مثيرة عن اتصالات المسؤولين البريطانيين مع المصريين وسعيهم المستميت إلى الحصول على تعهد من القاهرة بعدم تعذيبهم إذا اُعيدوا إليها والسماح لمسئولين بريطانيين بزيارتهم في السجن والتعهد بعدم إعدامهم.

تكشف تفاصيل القضية كما يقول الدكتور هاني السباعي في مقالات منشورة على مواقع عديدة من الشبكة الإليكترونية أن رئيس الحكومة بلير "كان راغباً في انتهاك القوانين على رغم خلفيته في المحاماة", وعلى رغم مزاعم حقوق الإنسان".

لم تستطع كل أجهزة مخابرات الدنيا إثبات مزاعم الاستخبارات البريطانية في التهم المدعاة على هاني السباعي ومنها انه مع إبراهيم عيدروس وسيد عبد اللطيف وأسامة حسن جزء من خلية سرية لـ"جماعة الجهاد" كانت تخطط لضرب سفارة الولايات المتحدة في ألبانيا. ويقول السباعي إن البريطانيين كانوا يشكون عندما اعتقلوه على أساس انه عضو في "مجلس شورى جماعة الجهاد", وانه في التحقيق معه كان جوابه دائماً, بناء على نصيحة محاميته, إن "لا تعليق" لديه على أسئلة المحققين.

***

كان الدكتور هاني السباعي قد وصل إلى بريطانيا في 6 (مايو) 1994 وقدّم طلباً للحصول على حق اللجوء السياسي بسبب تعرّضه للتعذيب الرهيب على أيدي أجهزة الأمن المصرية بسبب علاقته بـ"الإخوان المسلمين" وعمله محامياً يدافع عن ناشطين إسلاميين. وقد مُنح اذناً مؤقتا بالدخول إلى بريطانيا, لكن طلبه اللجوء احتاج إلى أربع سنوات ليُبت فيه ويُرفض (في 23 كانون الثاني/ ديسمبر 1998). وقالت وزارة الداخلية انه يستحق ربما الحصول على اللجوء, لكنها بررت رفضها منحه إياه بأن نشاطاته تتعارض مع أهداف الأمم المتحدة ومبادئها بسبب تورطه في "نشاطات إرهابية" مزعومة. وبنى وزير الداخلية قراره هذا على تقدير أجهزة الأمن البريطانية انه "عنصر رفيع المستوى في جماعة الجهاد" وان "نشاطاته لمصلحة الجماعة" تتضمن على الأرجح تسهيل وصول عناصرها إلى بريطانيا وتسهيل سفرهم.

في 23 أيلول 1998 اعتقلت شرطة مكافحة الإرهاب "بناء على قانون مكافحة الإرهاب" السباعي مع ثلاثة مصريين آخرين, وفي 27 أيلول أُفرج عنه لكن أعيد اعتقاله بناء على قرار وزير الداخلية جاك سترو (قبل إن يعين وزيراً للخارجية) الذي رأى إن الأمن القومي البريطاني يتطلب احتجازه في انتظار البت في طلبه الحصول على اللجوء السياسي.

***

ومنذ اللحظة الأولى لاعتقاله في سبتمبر 1998, كما تنشر مجلة الوسط   في 24-11-2004 كان رأي وزير الداخلية إن يتم ترحيله إلى مصر أو بلد آخر كونه يشكل تهديداً للأمن الوطني البريطاني. لكن في 14 يناير 1999 أُبلغ وزير الداخلية من مستشاريه انه ليست هناك دولة ثالثة يمكن ترحيل السباعي إليها, وأن فكرة إبعاده إلى مصر يجب إن تُدرس. إلا أن الانطباع كان منذ البداية أنه لا يمكن إبعاده إلى مصر سوى بعد الحصول على تعهدات من حكومتها بأنه لن يتم تعذيبه أو إساءة معاملته إذا أُعيد, خصوصاً في ظل تقارير منظمات دولية تنتقد سلوك مصر في مجال حقوق الإنسان.

وفي 21 كانون الثاني 1999 كتب المسئول البارز في وزارة الخارجية البريطانية جون غرانت إلى وزارة الداخلية يثير قضية الحصول على ضمانات من مصر بعدم تعذيب الأربعة إذا رُحّلوا, مشيراً في الوقت ذاته إلى إن القضاء قد يرفض في النهاية هذه الضمانات ويرفض طلب الترحيل. وقال إن وزارة الداخلية يمكنها إن تقدم تصوراً لطبيعة الضمانات التي يمكن طلبها من مصر والتي يمكن إن تُقنع القضاء بقبول طلب التسليم وتتوافق في الوقت ذاته مع المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

 وفي 5 شباط (فبراير) 1999 كتبت ماري ستاثام, المسئولة في وزارة الداخلية, مذكرة إلى محام تستشيره في مجال الضمانات التي يمكن طلبها من مصر ويمكن عرضها أمام القضاء. كذلك كتبت وزارة الداخلية, في 19 شباط, رسالة تستشير فيها هيئة قضائية تابعة للحكومة عن الضمانات التي يمكن طلبها من القاهرة.

وفي 2 آذار (مارس), قدم السباعي طلباً إلى القضاء قال فيه إن أي ضمانات تقدمها مصر تكون "بلا قيمة", وانه يجب الإفراج عنه. لكن القاضي أرجأ النظر في الطلب حتى 12 آذار. وفي خلال تلك الفترة كان وزير الداخلية يأذن لمسئولين بمحاولة الحصول على ضمانات من الحكومة المصرية. وتم فعلاً إرسال مسودة رسالة ضمانات إلى السفارة البريطانية في القاهرة لأخذ رأيها فيها. وكان رأي محامي الحكومة البريطانية إن رسالة ضمانات محددة يجب إرسالها إلى وزارة العدل المصرية, لكن لا يُعرف كم سيستغرق الجهد للحصول عليها, وان السباعي يجب إن لا يُفرج عنه نظراً إلى "خطورة حالته". ووافق القضاء على رأي الحكومة.

وفي 17 آذار 1999, أرسلت وزارة الخارجية رسالة رسمية عبر السفارة البريطانية تطلب فيها ضمانات محددة من الحكومة المصرية. ونص طلب الحكومة البريطانية على إن تقدم الحكومة المصرية تعهداً خطياً بضمان سلامة السباعي والثلاثة الآخرين, وان لا تُساء معاملتهم خلال فترة اعتقالهم, وان يلقوا محاكمة عادلة وعلنية أمام هيئة قضائية مستقلة ومحايدة, وان تجري أي محاكمة أمام محكمة مدنية, وان يتم إبلاغهم بسرعة بتفاصيل الاتهامات الموجهة إليهم وطبيعتها, وان يُمنحوا الوقت الكافي لتحضير دفاعهم, وان يسمح لهم باستجواب الشهود ضدهم وجلب شهود لمصلحتهم, وان يمكنهم تعيين تمثيل قضائي من اختيارهم هم, وان تُخفف عقوبة الإعدام إذا تمت إدانتهم بها, وانه خلال فترة سجنهم يجب السماح لممثلين عن الحكومة البريطانية وأطباء مستقلين بزيارتهم, وانه في حال عدم وفاء الحكومة البريطانية بالتزاماتها المتعلقة بزيارتهم يمكنهم الاتصال بمحام في بريطانيا يتولى هو متابعة "واجبات" الحكومة البريطانية تجاههم.

وفي 21 آذار 1999 اجتمع السفير البريطاني في القاهرة ووزير الداخلية المصري (حبيب العادلي) سعى فيه السفير إلى الحصول على رسالة الضمانات. وفي اليوم التالي أثار السفير قضية رسالة الضمانات مع هيئات أخرى في الحكومة المصرية بما فيها وزارة الخارجية.

لكن رد المصريين كان سلبياً منذ البداية, إذ رفضوا طلبات الضمانات. ففي 22 آذار بعث وزير الداخلية المصري برسالة رفض فيها منح البريطانيين اذناً بزيارة مواطنين مصريين في السجون, ومنح السجناء حق الاتصال بمحامين مقرهم بريطانيا, وكذلك تخفيف حكم الإعدام ضدهم, على أساس إن ذلك يمثّل تدخلاً في النظام القضائي المصري وتعدياً على السيادة الوطنية المصرية.

لكن هذا الرفض لم يكن نهائياً. إذ أن السفير البريطاني في القاهرة عقد في اليوم التالي 23 مارس لقاء مع المساعد الأول للوزير تم فيه اقتراح إرسال نسخة معدلة من رسالة الضمانات.

وفي أول ابريل 1999, كتبت هيلاري جاكسون (من وزارة الداخلية) إلى جون سويرز (من رئاسة الحكومة) تبلغه بالرد الأولي للحكومة المصرية على رسالة الضمانات. وقرأ رئيس الحكومة توني بلير الرسالة وكتب علي هامشها عبارة "أرجعوهم" (إلى مصر). كذلك كتب مقابل العبارة التي تقول إن وزير الداخلية المصري اعترض على تقديم الضمانات: "هذا كثير. لماذا نحتاج إلى كل هذه الأمور؟".

وفي 3 أبريل 1999, ناقش السفير البريطاني مع الدكتور أسامة الباز, مستشار الرئيس المصري, رسالة الضمانات التي يطلبها البريطانيون. وفي 5 أبريل طلبت الحكومة المصرية توضيحات تتعلق ببعض الأمور عن هذه القضية, وحصلت عليها بالفعل. وفي 5 أبريل أيضاً أكدت السفارة البريطانية إن الرئيس حسني مبارك على علم بطلب الضمانات.

لكن سفر الرئيس المصري وكبار مسئولي حكومته في تلك الفترة أدى إلى تباطؤ المفاوضات مع البريطانيين. 

كان أسامة الباز يبذل جهوده في بحث سبل تسوية قضية تسلم الأربعة لما في ذلك من "نفع" للندن والقاهرة.

وفي 28 مايو كتب سكرتير رئيس الحكومة إلى شيرارد يخبره إن بلير ما زال يحبّذ ترحيل الأربعة إلى مصر وانه يتفهم خطورة إن ترفض المحاكم قرار الترحيل إذا لم يتم الحصول على الضمانات الضرورية من المصريين, وان بلير يعتقد بأن الخطوة المقبلة هي إن يكتب رسالة إلى الرئيس مبارك يحدد فيها رغبة حكومته في ترحيل الأربعة والضمانات المطلوبة لتحقيق ذلك. وعلى رغم إن المصريين كانوا يعرفون حقيقة الموقف البريطاني, إلا إن بلير شعر بأن من المفيد إن يكرر على أعلى مستوى إن موضوع الضمانات "ليس عقبة من اختراع" الحكومة لمنع التسليم.

وفي 27 مايو التقى السفير البريطاني بالباز مجدداً ونقل إليه موقف بلير.

وفي 2 يونية 1999 رأت مسئولة في وزارة الداخلية البريطانية أن رد رئاسة الحكومة على المصريين لا يجب إن يصل إلى درجة اتصال بلير بمبارك والضغط عليه في مجال الضمانات. 

وفي 2 يونية أيضا كتبت المسئولة في وزارة الداخلية سوزان هادلاند إلى وزير الداخلية تقول إن هناك حاجة إلى إطلاق الأربعة في ضوء قرار الحكومة المصرية عدم تقديم الضمانات المطلوبة. وقالت المسئولة إن النقطة التي ما زالت عالقة هي هل يكتب بلير إلى مبارك طالباً الضمانات, وهي خطوة كان بعض موظفي رئاسة الحكومة يرون ايجابيات فيها.

وفي اليوم ذاته كتب السفير البريطاني في القاهرة إن رفض المصريين رسالة الضمانات في أول حزيران يعني إن الحكومة المصرية لا تريد مواصلة البحث أكثر في هذه القضية (الضمانات).

وفي 3 يونيو كتب وزير الداخلية إلى بلير يقول انه يؤيد رأي وزارة الخارجية في خصوص إن يرسل رسالة إلى مبارك يؤكد فيها ضرورة تعاون البلدين في مجال مكافحة الإرهاب, ولكن من دون إن يضغط عليه لتغيير رأي مصر الخاص برفض تقديم الضمانات المطلوبة. وأضاف إن رفض المصريين تقديم رسالة الضمانات يبدو انه اتُخذ على أعلى المستويات, وانه من دونها لا يمكن ترحيل الأربعة.

وفي 3 يونيو أيضاً كتب مسؤول في وزارة الخارجية (بارو) إلى مكتب رئيس الحكومة مثيراً مسألة إرسال بلير رسالة إلى مبارك في خصوص الضمانات. واعتبر بارو إن في ذلك ايجابيات هي إن الضمانات ستكون من مبارك نفسه. 

وبعد ذلك بسبعة أيام تلقي وزير الداخلية مذكرة من مسئولة في الوزارة تلفت نظره إلى تطور في القضية: لقد تبيّن للبريطانيين إن الأشخاص الصادرة ضدهم أحكام غيابية من محاكم عسكرية في مصر لا يسمح لهم بإعادة المحاكمة إذا أعيدوا.

وفي 14 يونيو اتخذ بلير قراره في شأن إرسال الرسالة إلى مبارك أو عدم إرسالها, وقال انه أخذ علماً بالآراء المعارضة لإرسال الرسالة إلى الرئيس المصري لطلب الضمانات, لكنه لا يوافق على انه ليست هناك خيارات أخرى سوى الإفراج عن الأربعة وقال انه يعتقد انه يجب الحصول على أي ضمانات ممكنة من المصريين وأخذ القضية إلى المحاكم, فإذا رفضت هذه طلب الترحيل لا تكون الحكومة هي المسئولة عن الإفراج عنهم. وجادل بأنه يرى إن عليه إن يسعى إلى إن يحصل من المصريين على تعهد وحيد فقط بأن الأربعة لن يُعذّبوا إذا رُحّلوا, وان الحصول على مثل هذا التعهد لا يجب إن يكون صعباً لأن القوانين المصرية تمنع التعذيب. وقال بلير انه يريد إبقاء الأربعة محتجزين, طالباً إبلاغه إذا كان هناك خطر إن تُجبر المحاكم على إطلاقهم فوراً.

وأثار موقف بلير تسارعاً في الاتصالات بين وزارتي الخارجية والداخلية. وفي 16 حزيران التقى المسئول الكبير في وزارة الخارجية ديريك بلاملي وزير الخارجية المصري والدكتور الباز ورئيس الاستخبارات المصرية عمر سليمان. وقال الباز وسليمان إن مصر لا يمكنها تقديم أي ضمانات جديدة.

وفي 16 يونيو أيضاً أبلغت السفارة البريطانية في القاهرة وزارة الخارجية إن أي شخص محكوم غيابياً في مصر لا يمكنه استئناف الحكم في أي ظروف لكن يمكنه تقديم التماس إلى رئيس الجمهورية يطلب فيه عدم تصديق الحكم.

وفي 23 يونيو أرسل السفير البريطاني الجديد في القاهرة رسالة إلى وزارة الخارجية يبلغها فيها بأن المصريين لا يريدون نقاشاً في المحاكم عما يمكن إن يحصل للأربعة إذا أعيدوا إلى مصر, وأنهم يعرفون انه في ظل الوضع القضائي الحالي فإن الأربعة سيفرج عنهم على الأرجح ويمنحون حق البقاء في بريطانيا. وقال السفير إن الطريقة الأفضل في رأيه للتعامل مع المصريين هي إبلاغ الرئيس مبارك بأنه على رغم الإفراج عن الأربعة فإن الحكومة البريطانية "وضعت إشارات" على أوراقهم وستتحرك ضدهم في حال كان ذلك ضرورياً.

في 8 يوليو أبلغت وزارة الخارجية وزارة الداخلية إن في استــطاعتها تقديم تعهد من مصر بأن الأربعة لن يُعذّبوا إذا رُحّلوا إليها. لكن وزير الداخلية رد في اليــوم ذاته بإصدار قرار بإطلاق السباعي والثــلاثة الآخرين في اليوم التالي. وبرر موقفه في رسالة إلى بلير قال فيها: "اقترحتم إن تطلبوا تعهداً وحيداً من المصريين في خصوص التعذيب. لست متأكداً إن تعهداً من هذا النوع, حتى ولو كان سيأتي, سيكون كافياً كي أواصل إصدار أوامر الترحيل في هذه القضايا. في هذا الظرف اعتبر إن ليس عندي أساس لكي أواصل اعتقال هؤلاء الأشخاص".

وبذلك انهارت القضية ضدهم وأفرج عنهم بعدما قضوا شهوراً يتوقعون إن يصحوا ليجدوا أنفسهم... في سجن طرة ليمان بدلاً من سجن بلمارش.

***

آه لو كان كل هذا الجهد والعناء يبذل لإحقاق حق أو لإبطال باطل..

آه لو كانت كل هذه الصلابة تمارس لنيل حقوقنا واسترجاع ما نهب منا..

بعد كل هذا الجهد الشيطاني المضني لم تكن أمام أي هيئة تتمتع بالحد الأدنى من المصداقية والاحترام إلا أن تفرج عن هاني السباعي ورفاقه وتمنع تسليمهم إلى بيوت الرعب الشيطاني في مصر..

لكن الجراب لم يخل بعد..

فما يزال هناك مجلس العهر المسمى بمجلس الأمن الذي أصبح مجرد قناع تمارس أمريكا من خلفه أحط و أخس رغباتها.

تحول مجلس الأمن إلى مجلس (رعب).. أذل أعناق الدول الإسلامية و قضى عأصلاً).ات الإسلامية في العايتتبع أفراداًن انتهى من ذلك راح يتتبع أفراداً مساكين يعيشون على الكفاف بتجميد أرصدتهم غير الموجودة أصلاً!! وتقييد حريتهم في التنقل (المقيدة أصلاً) .

لقد تحول مجلس الأمن إلى محكمة تفتيحتى- استجوابير الدكتور هاني السباعي- يشبه المحكمة العسكرية لسجناء جوانتانامو! قرارات جاهزة و أحكام مسبقة بدون – حتى-  استجواب المتهم!! وهذا ما يفعله مجلس الأمن ضد المسلمين بصفة خاصة قرار يصدر وينشر عبر وسائل الإعلام بتجميد أرصدة وإبلاغ البنوك والهيئات التي يهمها الأمر بتنفيذ القرار بدون حتى سؤال صاحب الشأن المشكو في حقه وليس المتهم!! ثم تقوم هذه الدول بتنفيذ شريعة الغاب بدون أية حماية لحقوق الشخص حتى في إبداء وجهة نظره!!  مجرد شكوى قدمها نظام خائن لأمته وقاهر لشعبه بشهادة الغرب نفسه، هذا النظام المستبد تؤخذ شهادته وشكواه الكيدية على أنها مسلمة بدهية، ومن ثم يقوم مجلس الأمن بإصدار هذه القرارات كعقوبة في شأن الأشخاص المغضوب عليهم! إذن مجلس الأمن أسوأ من المحاكم العسكرية في على الأقل في المحاكم العسكرية هناك جلسة شكلية! إنه مجلس الأمن الذي يقوم بدور المحلل للإدارة الأمريكية وحلفائه الغربيين لاحتلال بلاد الإسلام واقتسامه كغنيمة باردة.

***

يحاول هاني السباعي أن يفهم سر حنق السلطات المصرية على اصطياده:

ربما يكون النظام المصري قد ضاق به ذرعاً لتصديه للفساد والمفسدين من أعمدة هذا النظام المستبد على سبيل المثال:

أ- فقد كتب عن صفقة الخزي والعار بين السفير البريطاني في القاهرة والدكتور بطرس غالي حيث طلب السفير البريطاني من المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي أنشأته الدولة أن يكون ضامناً لعملية تسليمه إلى النظام المصري.

ب- نشر على الشبكة الإلكترونية ملف التحقيق في قضية انحرافات المخابرات المصري (ملف التحقيق الخاص مع الرائد صفوت الشريف والخاص بأعمال الدعارة) وكل ذلك منشور على موقعه على الشبكة لدرجة أن قوى الأمن حجبت الموقع في مصر.

ج- وقد قام هاني السباعي بإصدار عدة بيانات تندد بانتهاكات حقوق الإسلاميين في السجون المصرية وإصدار بيانات عن بعض الإسلاميين المختطفين الذين رحلوا قسراً إلى بلادهم حيث الهول والتعذيب.

***

يفضح هاني السباعي أيضا نوع التحالفات الحقيقية القائمة بين الإرهابيين والمجرمين وعبدة الشيطان.

لقد كان الموقع الأمريكي الصهيوني ميمري الصهيوني من وراء حملة التحريض.

***

لكن كل هذا لم يفت في عضد هاني السباعي..

أليس إرهابيا عتيدا(؟؟!!!!!!).. 

ألا يرهب أركان النظام في مصر ويهزها هزا حتى لتتداعى كل أجهزتها لاقتناصه وكأنهم أكلة للحوم البشر..

لم يضعف هاني السباعي ولم يصمت..

إنه يندد ويهاجم ويسفه ويفضح:

" العجيب أن وراء هذا القرار النظام المصري الخائب الذي لا هم له إلا التآمر على العالمين العربي والإسلامي. لا شغل للنظام المصري إلا تخريب العالم الإسلامي وإفساده دولاً وأفراداً مع تقديم خيرات العالم الإسلامي لقمة سائغة لكل من هب ودب من أعداء أمتنا. لا عمل للنظام المصري الخائب إلا أن يكون مثل أبي رغال فهو عين لكل من يريد ببلادنا سوءاً.

يصرخ هاني السباعي ليقذف في وجوههم بالحقيقة المجردة:

إن هذه القرارات الجائرة التي أصدرها ويصدرها مجلس الأمن لا تستهدف إلا العالم الإسلامي شعوباً وأفراداً لأن الحكومات التي تمثل هذا العالم في هيئة الأمم أو في مجلس الأمن مغتصبة للسلطة، وفاقدة للشرعية، لذلك فإنها عين لقوى الاستكبار التي يبصر بها، وهذه الحكومات هي نفسها التي تتآمر على احتلال بلادنا وإذلال شعوبنا والتحريض على سجن أو محاكمة أو انتزاع اعترافات بالقوة لأسيادهم بغية البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة.. فكل هذه الأنظمة الغاصبة للسلطة: أبو رغال.. نعم كلهم أبو رغال.. وإذا كان أبو رغال قد خان مرة فهم تجري في عروقهم الخيانة! وإذا كان الناس قد لعنوا أبا رغال ميتا عند قبره .. فهم ملعونون أحياءً وأمواتاً.. ملعونون أينما وجدوا..

(وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد).

***

***

***

لم تثبت تهم الإرهاب التي ووجه بها هاني السباعي إذن..

لم يمسك وفي يده سلاح..

محمود شاكر لم يكن في يده سلاح.. ومع ذلك سجن وعذب..

عبد القادر عودة................

سيد قطب....

صحيفة الشعب لم تكن كتيبة عسكرية ولا خلية سرية.. ولم يكن ما فيها أسلحة ومتفجرات بل أخبار ومقالات..

الجماهير التي خرجت لتنتخب فأطلقوا عليها الرصاص لم تكن إرهابية..

ولا كان السودانيون في ميدان المهندسين..

***

الجريمة الكبرى التي ارتكبها هاني السباعي ليس أنه حمل سلاحا بل أنه حمل فكرا..

الجريمة الكبرى هو أنه حرض على كشف أكاذيب الحكام وبطشهم وظلمهم وخزيهم وعارهم.. ووقف هناك بعيدا عن أجهزة الأمن المصرية يندد ويكشف ويفضح..

بل و الأخطر من هذا كله أنه وقف ليؤصل تأصيلا نظريا بالغ الثراء والعمق يفضح به أباطيل المرجفين، وليكشف لكل من يقرأه كم هو عميق فكره وغزير علمه. وكم هو مغر بالحوار معه. وهذا أخوف ما يخافه الطاغوت المجرم. إن أي حوار يكشف الحقيقة سيكون حبل المشنقة الذي يلتف حول عنق الطاغوت.. لذلك يحرص الطاغوت على حصاره، على اصطياده واختطافه وسجنه حتى يمنعوه من الكلام.. فكلامه دليل إدانتهم.. لذلك يحرصون على إحاطته بمجال منفر مخيف:

إنه إرهابي..إنه إرهابي فلا تقتربوا منه إذن.. لا تتحاوروا معه.. لا تسمعوا له..

مع أنه لو كان إرهابيا حقا لكان أفضل طريقة للقضاء عليه هي السماح له بعرض فكره كي يكتشف الناس أنفسهم أنه خطر عليهم فيحكموا عليه بالإعدام الأدبي.. نفس الحكم الذي تصدره الأمة على أبواق السلطة.. لكن الواقع والحقيقة تقول إن الناس لو استمعوا له لأدركوا أن الطاغوت الباطش المجرم الجبار هو الإرهابي..

***

يتصدى هاني السباعي لبحث مشكلة ومصطلح الإرهاب.. فيقرر بداية أن جذور الخوف من الإسلام قديمة لدى الغرب، وقد ورث الغرب تركة من الفزع و الهلع عن الإسلام جعلتهم يحقدون على الإسلام و أهله! وقد أخفى الغرب هذه الكراهية خلال صراع مع الكتلة الشيوعية ثم لما سقطت المنظومة الشيوعية وانهار عقدها كانهيار المتواليات الهندسية انفراد الغرب بزعامة أمريكا و أسفر عن وجهه الحقيقي و علت الأبواب التي تصم الإسلام بالإرهاب بل وينادون بأن يتخذوا الإسلام عدوا لهم عن الشيوعية كل ذلك يتم تحت شعار محاربة الأصول الإسلامية و القضاء على الإرهاب !!ومن ثم استخدام مصطلح الإرهاب في معجم الإعلام اليومي وفي كافة المحافل السياسية و الاقتصادية و المنتديات الثقافية بشكل واسع بغية توسيع دائرة حصار الإسلام باعتبار أن الإرهاب لازمة من لوازم الإسلام !!

***

هل لاحظتم وضوح الفكرة وصفاء الرؤية والقدرة على توصيلها للمستمع و إقناعه بها..

يواصل الدكتور هاني السباعي:

ومثلنا مثل الغرب كقول العرب "رمتني بدائها وأنسلت" فكما هو معلوم تاريخنا أن أول من أدخل كلمة الإرهاب في قاموس عالمنا الإسلامي الوادع الهادي هم العصابات اليهودية في فلسطين المحتلة و ذلك بشهادة "باتريك سيل" وهو ليس من بنى جلدتنا.

ثم يغوص في كتب الفلسفة والتاريخ ليخرج لنا بتعريف الإرهاب في اللغة العربية : ورد في لسان العرب في مادة "رهب" (رهب بالكسر، يرهب رهبة ورهباً، بالضم، ورهباً أي خاف ورهب الشيء رهباً ورهبه:خافة و الاسم الرهب و الرهبى ،والرهبوت، و الرهبونى، ورجل رهبوت يقال: رهبوت خير من رحموت ، أي لأن ترهب خير من أن ترحم . وترهب غيره إذا توعده ،وأنشد الأزهري العجاج يصف عيراً وأتته تعطيه رهباها إذا ترهبا على إضمار الكشح بولا زغربا رهباها الذي ترهبه ، كما يقال :هالك وهلك إذا ترهبا :إذا توعدا . وقال الليث : الراهب جزم لغة في الرهب .قال: الرهباء أسم من الرهب نقول الرهباء من الله و الرغباء إليه. وفى حديث الدعاء رغبة ورهبة إليك .الرهبة :الخوف و الفزع جمع بين الرغبة و الرهبة. وفى حديث رضاع الكبير : فبقيت سنة بها رهبته .وقال أبن الأثير : هكذا جاء في رواية، أي من أجل رهبته وهو منصوب على المفعول له . وأرهبه رهبة : أي أخافه وفزعه واسترهبه :استرعى رهبته حتى رهبه الناس ،وبذلك فسر قوله عز و جل ( واس ترهبوهم و جاءوا بسحر عظيم) أي أرهبوهم (لسان العرب لأبى الفضل أبن منظور/ دار صادر / بيروت /ط3/مج أول /مادة رهب /ص436 وص437). هكذا نجد أن "الإرهارب" في اللغة العربية يدور حول هذه المعاني : الخوف و الفزع و الرعب و التهديد. وكلها تصب في معنى واحد وسنرجع إلى هذه المرادفات عند حديثنا عن الإرهاب في المنظور الشرعي.أما الآن فنستعرض تعريف الإرهاب في القاموس الغربي و تعريفات ساسة و قادة و مفكري المنظومة الغربية وتعليقنا على تلكم التعريفات 

تعريف الإرهاب في اللغة الإنجليزية:

جاء في قاموس أكسفورد: 

Terre /1. Extreme Fear.2a Terrifying Persn r thing.2b Cllgue frmidable r truble sme Persn r thing EsP.a child. 3. rganized intimidatin. Terrrism (Latinterre frighten).Terrrist: Persn using esp. rganized vilence against agvernment) 

نلاحظ أن تعريف الإرهاب طبقاً لنص قاموس أكسفورد يتفق -إلي حد كبير - والتعريف الوارد في لسان العرب لابن منظور في موضوع الخوف و الفزع و التهديد، وإن كان التعريف العربي لم يحدد الجهة التي تمارس الإرهاب أو من يمارس ضدها.. وقد ورد تحديد الجهة في القرآن الكريم ( ترهبون به عد الله وعدوكم ) وفى السنة (نصرت بالرعب). فالتعريف العام لكلمة"رهب" في اللغة العربية لم يحدد الجهة الممارسة ولا الممارس ضدها الإرهاب أما القرآن الكريم فقد ذكر أن إدخال الرعب و الفزع في القلوب الكفار مكر محمود يثاب المسلم عليه و كذلك قول رسول الله ص "نصرت بالرعب" أي نصره الله على الكفار بإدخال الرعب و الخوف في قلوبهم إذن السنة النبوية قد حددت الممارسة ضدها الإرهاب وهذا ما سنفصله في القسم الشرعي. أما مصطلح الإرهاب في اللغة الإنجليزية. فقد حدد قاموس أكسفورد آنف الذكر الجهة الممارسة للإرهاب وكذا الجهة الممارسة ضدها إذن فقد ذكر أن هذا الإرهاب- أي الخوف أو العنف أو الفزع- قد يمارسه شخص أو منظمة ضد الحكومة أو ضد الأفراد أو الأطفال.وفى قاموس أكسفورد تعريف آخر للإرهاب (على أنه حكم عن طريق التهديد كما وجهه و نفذه الحزب الموجود في السلطة في فرنسا إبان ثورة 1789 -1794 ) ونلاحظ أن هذا التعريف قاصر على الجهة الممارسة للإرهاب وهى الحكومة أو الحزب الموجود في حكومة فرنسا نظراُ لاقترافه القمع وتصفية المعارضين وقتل و تدمير المدنيين في تلكم الحقبة فنجد أن التعريف قد تأثر بهذه الحالة فأقتصر علي الجهة الممارسة للإرهاب و لم يبين الدافع أو الباعث على ذلك كما أنه لم يذكر الجهة الممارس ضدها الإرهاب طبقاً لهذا التعريف.غير أن التعريف اللاحق و الذي نقلنا جزءا منه قد تدارك هذا القصور و ذكر أشياء لم يذكرها في التعريف الحالي، فقد تكلم عن كلام عام قد ينطبق على فرنسا أو غيرها وبين الجهة الممارسة للإرهاب وسواء الحكومة أو الأفراد أو المنظمات كما ذكر الجبهة الممارس ضدها الإرهاب (الأفراد / الأطفال ) وننبه على أن تعرف أكسفورد السابق ركز على (إرهاب الأفراد و الأحزاب و المنظمات ) ولم يركز علي الإرهاب الحكومة ضد الأحزاب أو المدنيين طبقاً لمصطلح المنظومة الغربية. 

و نلخص من ذلك بنتيجة مفادها أن التعريفين السابقين لمصطلح الإرهاب- كما ذكرهما قاموس أكسفورد- تعريفان قاصران للأسباب التالية:

أ- قصر التعريف على دولة مثل فرنسا كأنموذج للصورة القمعية، رغم البون الزمني الواسع وتغير الظرف التاريخي عن إرهاب الحكومة ضد الإفراد. 

ب- عندما تدارك النقص السابق أغفل قاموس أكسفورد المنظمات.

ج- عندما تدارك النقص السابق أغفل القاموس في تعريفه إرهاب الحكومة ضد الأفراد 

د- لم يذكر التعريف آنف الذكر الباعث على إرهاب المنظمات أو الأفراد ضد الحكومة ،بمعنى هل يمارس الإرهاب بغرض ديني أو سياسي أو اقتصادي أو نتيجة ظلم أو استقلال ذاتي ..إلخ.

صفوة القول: أن تعريف أكسفورد غير جامع كما أنه تعريف مضطرب وقد يكون وليد ظرف سياسي، خاصة بع استقرار الحكومة ووجود بعض المنظمات أو الحركات التي تطالب بحكم ذاتي أو مستقل عن الحكومة مثل الجيش الجمهوري لذلك لاغرو إن قلنا إن تعريف أكسفورد أشبه بحالة خاصة أو تعريف محلى رغم عموم بعض الألفاظ التي صيغ بها.

ينتقل الدكتور هاني السباعي بعد ذلك إلى تعريف الإرهاب لدى بعض الهيئات و الحكومات وبعض الساسة ومفكري المنظومة الغربية: 

فقد سجل شيمد في المطبعة الأولى من كتاب الإرهاب السياسي مائة وتسعة تعريفات من وضع علماء متنوعين من جميع العلوم الاجتماعية بما في ذلك علماء القانون . ويحاول شميد أن يمزج المائة وتسعة تعريفا ليخرج بنتيجة يصفها لنا هاني السباعي بأنه وصل إلى تعريف مهلهل كالثوب المرقع من عدة خرق أو كقوالب طوب مرصوصة لا تفي بالغرض الذي جمعت من أجله!! . لقد خلط شميد بين التعرف والأسلوب و الباعث.فلم يستطيع أن يخرج لنا بتعريف جامع مانع لمعنى الإرهاب، بل أنه تكلم وشرح بواعث وأهداف الإرهاب و طرق استخدامه وتكلم عن المقاصد و الوسائل ، ولم يعرف مصطلح الإرهاب تعريفاً محدداً.

بل إنني أنبه القارئ هنا إلى دقة الدكتور هاني السباعي وتمحيصه وكشفه للمتناقضات، وانظر مثلا إلى قوله: نلاحظ الاضطراب و التناقض في تعريف شميد فعندما يقول: (الإرهاب هو أسلوب من أساليب الصراع الذي تقع فيه الضحايا الجزافية كهدف عنف فعال ) يقول بعدها ( مما يشكل أساسا لانتقائها من أجل التضحية) فمرة يقول (الجزافية) ومرة يقول (لانتقائها فهل تقع هذه الضحايا - طبقاً لتعريف شميد بطرقة عشوائية أم بطريقة مقصودة ومنتقاة بعناية؟! وتفسيرنا لهذا التناقض الذي وقع فيه شميد أنه خليط بين مصطلح (الفوضى) و مصطلح الإرهاب فلا هو عرف لنا الفوضى ولا حدد لنا معنى الإرهاب الجزافي لا يتفق و المنظومة الإسلامية.لأن الإسلام له منطلقات مغايرة و متباينة للمفهوم الغربي للإرهاب كما سنذكره إن شاء الله.

ثم ما يلبث السباعي حتى يدعم فكره النظري بأمثلة من الواقع فيطرح حادثة اغتيال المجاهد يحيى عياش في 5/1/1996 م عن طريق تفجير هاتفه النقال كما قيل وقتئذ هلل الإسرائيليون حكومة وشعباً لمقتل العدو رقم واحد علي حد تعبيرهم لإسرائيل وقد أجري معهد " داحاف" استطلاعاً للرأي أكد فيه ترحيب غالبية الشعب الإسرائيلي لمقتل يحيى عياش وهكذا يؤكد الاستطلاع المذكور خطأ واضطراب تعريف "شميد" للإرهاب فهل اعتبر غالبية اليهود اغتيال يحيى عياش عملا غير سوى؟. على العكس تماماً فقد فرح المراقبون الموالون لإسرائيل و اليهود و الفرحة كانت أكبر لدى الجمهور اليهودي. وهناك أمثلة كثيرة لإثبات خطأ و اضطراب تعريف شميد للإرهاب . 

يتطرق السباعي بعد ذلك إلى تعريف "جيكنز" للإرهاب فيناقشه وينقده،  ثم ينتقل إلى تعريف وكالة الاستخبارات المركزية ثم إلى تعريف مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي ثم إلى تعريف وزارة العدل الأمريكية ثم إلى تعريف الجيش الأمريكي ثم إلى تعريف ثم إلى تعريف وزارة الخارجية الأمريكية ثم إلى تعريف فريق المهمات الخاصة التابع لنائب الرئيس الأمريكي للإرهاب. 

يستند هاني السباعي إلى عشرات المراجع ثم يخلص إلى نتيجالأمريكية، التعريفات السابقة لو وضعناها كلها في تعريف واحد لصارت مضطربة وقاصرة.فهذه التعريفات غير موضوعية وتعبر عن وجهة نظر الحكومة الأمريكية ، بمعنى أن كل عمل ضد الإدارة الأمريكية فهو إرهاب ! أما إرهاب الحكومة فقد أغفلته التعريفات السابقة مجتمعة.

 ***

لقد تعمدت إيراد هذا البحث بنوع من التفصيل لأبرز نوع الفكر الراقي الذي يتميز به الدكتور هاني السباعي.. وباقي البحث قيم جدا خاصة التأصيل الشرعي و أدعو القراء إلى مطالعته على موقعه على الشبكة العنكبوتية.

نعم.. فكر راق وعميق..

وليبتعد السفلة الذين صدعوا رؤوسنا عبر قرون أنهم يختلفون معنا في الرأي لكنهم مستعدون للموت دفاعا عن حريتنا في التعبير عنه، لأن هاني السباعي سيكشف لنا في أبحاث أخرى أنهم كانوا أحرص على إخراسنا ولو بقتلنا من جلاوزة السلطان.

ليبتعدوا فالأمر ليس أمر اختلاف أو اتفاق في الفكر فهذا بديهي وطبيعي.. حتى لو وصل إلى التناقض.. الأمر ليس ذلك.. الأمر هو الإصرار على عدم السماح لهاني السباعي ومن مثله بالحديث أصلا.. لأنهم لو تحدثوا سيقنعون الناس.. لذلك كان لزاما على الطاغوت أن يحاصرهم ويلوثهم ويشوههم مستدعيا قضاة النار ليحكموا عليهم بما شاء حتى يتمكن الطاغوت من منع اتصالهم بالناس.

***

انظر إليه مثلا وهو يفضح بعضهم في مقالة بعنوان: "فرسان بالنهار... دعّار بالليل" يقول فيها:

يطل علينا من وقت لآخر بعض كراكيب الشيوعية وبقايا خردة الفكر اليساري وحثالة من شعارات بائدة لهيكل عظمي يسمى القومية العربية، يطلون عبر الفضائيات يحدثون ضجيجاً وعجيجاً يدافعون عن استسلامهم وانبطاحهم باسم "الواقعية" و "الرضا بالأمر الواقع الذي فرضه الاستكبار العالمي وفرضوه هم على أنفسهم، ويريدون أن تسلّم الأمة بالمكتوب الذي كتبه تتار العصر- الأمريكان - 

لم يكتفوا بهذه المصيبة التي حلت على الأمة بسبب قيادتهم لأزمتها على طول الليالي... بل إنهم يعيبون على شباب المجاهدين الذين يدافعون عن عقيدتهم، وعن عرض أمتهم؛ بالتهور، والتخلف واللا واقعية والإرهاب! 

وإذا قيل لهم إن هذا هو الطريق الذي سيحرر الأمة، يقولون؛ لقد جربناه من قبل في الستينات والسبعينات ولم نفلح ولم نحقق شيئاً... فهم مناضلون بالمعاش!

إنها قسمة ضيزى أن نقارن بين الثرى والثريا... قسمة ضيزى أن نقارن بين من خرج مقاتلاً لإعلاء كلمة الله... وبين من خرج مقاتلاً لإعلاء قيمة أرض أو حزب أو زعيم؟!

كيف نقارن بين من ارتهن مصيره بأعداء الأمة سواء تحت راية شرقية أو غربية... وبين من كانت حياته ومماته ونسكه وصلاته وجهاده وصيامه وقيامه لله رب العالمين؟! 

كيف نقارن هؤلاء بأولئك الشباب الذين خرجوا تحت راية الإسلام فقط... لم تدنس أفكارهم بطحالب الشيوعية السامة ولا بأحقاد المادية الغربية النكدة... رايتهم واضحة لا لون فيها إلا لون الإسلام؟!

ثم يصل هاني السباعي إلى لب المسألة، إلى جوهر ما يعتبره العالم الغربي إرهابا، إذ أن ما يقصده الغرب ليس هو الإرهاب حقا، لأن الغرب هو الذي يمارس الإرهاب، ولا مناص من مواجهته مهما تأجلت المواجهة، بل إنني أستعمل نفس كلمة الرئيس الفرنسي ضدنا، فات أوان إنهاء الصراع دون عقاب. نعم.. سوف يعاقب أبناؤنا و أحفادنا الغرب عقابا يتناسب مع جرائمه معنا وطغيانه علينا.. 

لب المسألة ليس الإرهاب إذن و إنما ذلك العامل الغامض عند الغرب، العامل الذي جمع المصري والماليزي والليبي والاندونيسي والتونسي والصيني والمغربي والطاجيكي والجزائري والباكستاني وأهل الحجاز واليمن وأهل الشام وفلسطين وسنغافورة والصومال وتريندات وأهل ما وراء النهر... من الذي جمع كل هذه الخلائق في هذا الجهاد العظيم ضد أعداء الأمة... رغم تشرذم حكوماتهم وتناحر وتآمر رؤسائهم! اجتمعوا جميعاً تحت راية القرآن... 

وهذا ما لم تفهمه أو تريد ألا تفهمه قوى الشر في العالم.

نعم..

هل تريدون التعريف الصليبي الصهيوني للإرهاب في كلمة واحدة..

التعريف الذين لا يجرءون رغم طغيانهم وذلنا على الاعتراف به..

التعريف الذي لن يرضوا عنا إلا إذا هجرناه وتبرأنا منه..

هل تريدون هذا التعريف؟..

إنه..

إنه..

إنا القرآن..!!

***

البعرة تدل على البعير..

والبعرة هنا هي جل المثقفين الطافحين كالبثور والقيح المقزز على جسد الأمة، أما البعير فهو المخابرات الصليبية والصهيونية.

لم يتراجع هاني السباعي أمام الأصنام كبر حجمها أو صغر.

لم يتراجع مثلا أمام  رفاعة الطهطاوي وتمجيد اليساريين له، إنه ينشر كتابا عنه بعنوان : " دور رفاعة الطهطاوي في تخريب الهوية الإسلامية".. وفيه يقدم  بطاقة تعريف بشخصية الطهطاوي، ثم يستعرض أهم مؤلفات الطهطاوي وترجماته  إلى أن يصل  إلى معاصرته للثورة الفرنسية

وتأثره بها  وبآراء الفلاسفة الفرنسيين ومنهم "سان سيمون" وبشعارات الثورة الفرنسية وقيامه بتعريب المغرب و تغريب المعرب!! لصالح الغزو الثقافي الغربي ولصالح إحياء نعرات الجاهلية وإحلال ولاء الوطن محل الدين والعقيدة وتمجيد تاريخ الفراعنة ثم يخلص الدكتور هاني السباعي إلى أن له: " رفاعة رافع الطهطاوي أوقل إن شئت (رفاعة بك) السبق والريادة في إدخال العلمنة بما تعنيه هذه الكلمة من تهميش الإسلام، وإقصائه عن إدارة شئون المسلمين. لقد استخدم الطهطاوي منهج التلفيق بغية إضفاء الشرعية الإسلامية على أفكاره المستوردة من فرنسا حيث كان يستشهد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وشواهد من الشعر العربي القديم والاستدلال ببعض المذاهب الفكرية.  لكنه قد أبعد النجعة باستدلالاته التي كانت في غير مواضعها!! وفي نهاية هذا التطواف نخلص إلى الأفكار الأساسية التي نادى بها الطهطاوي: 

 أولاً: التأكيد على فكرة أن الدولة الغربية اللادينية هي الأنموذج الأمثل لكي ينهض العالم الإسلامي. 

ثانيا:ً تأكيده على أن الشريعة الإسلامية لا تمنع العمل بقوانين وضعية!! 

ثانياً: إحياء النعرات الفرعونية والتأكيد على فكرة القومية المصرية. 

ثالثاً: التأكيد على ولاء الوطن قبل ولاء الدين والعقيدة. 

رابعاً: تأكيده على أن سفور المرأة لا يدل على انحطاط المجتمع. 

خامساً: التأكيد على أن اختلاط الرجال بالنساء على الطريقة الغربية لا ينافي الدين والأخلاق. 

سادساً: تأكيده على أن فنون الرقص والغناء والتمثيل عمل ممدوح من قبيل الأعمال الرياضية. 

سابعاً: تثبيت فكرة أن الكتابة بالعامية المصرية أسرع وصولاً للجماهير. 

*** 

لا ينكص هاني السباعي عن المواجهة مهما كانت ضخامة الصنم

إنه يواجه طه حسين غير هياب ولا وجل..

ففي مقال بعنوان "العلمانيون وثورة الزنج"  يبدأ المقال بقوله:

كان لطه حسين السبق في إبراز أحداث النشاز في التاريخ الإسلامي ؛ ففي سنة 1946 نشر مقالة في مجلة (الكاتب المصري) بعنوان (ثورتان) حث فيها طه حسين الأدباء والمثقفين العرب على استلهام ثورة الزنج كما استلهم الأوربيون ثورة (سبارتكوز) بغية الوصول إلى العدالة المنشودة على حد زعمه ومن ثم فقد فتح طه حسين شهية العلمانيين وخاصة الماركسيين والشيوعيين ومن يسمون أنفسهم اليسار الإسلامي!، وأرباب المدرسة الاعتزالية للنيل من الإسلام بحجة البحث والإبداع وإيصال الماضي بالحاضر!

*** 

لا يخاف هاني السباعي من حجم الأصنام..

انظر مثلا إلى بحثه: " زنادقة الأدب والفكر" حيث يكتب: 

لقد ابتلي هذا العصر بوجود مجموعة من الزنادقة الذين خرجوا من رحم المنظومات المعادية للإسلام وللأسف الشديد فإنهم منتشرون في كثير من المناحي الحياتية ولهم صوت مسموع في وسائل الإعلام والأخطر من ذلك كله أنهم يعملون في مجال تشكيل العقول وغسيل أمخاخ أجيال كاملة من المسلمين عبر مناصبهم في مجال التربية والتعليم على كافة مستوياته.. من أمثال طه حسين الملقب بعميد الأدب العربي ظلماً وزوراً.. ونجيب محفوظ صاحب رواية أولاد حارتنا التي نال بسبب جائزة نوبل المشبوهة!! ومحمد أركون المولود عام 1928 في منطقة القبائل بالجزائر.. وعزيز العظمة وهو سوري لا يؤمن بأي دين.. ومحمد بنيس من مدينة فاس ولد عام 1948.. وبلند الحيدري ولد في بغداد عام 1926م وهو ملحد زنديق.. أدونيس: واسمه الحقيقي على أحمد سعيد أسبر ولد بقرية قصابين بسوريا عام 1930م. اختار لنفسه اسم أدونيس وهي رمز لإله الخصب عند اليونان قديماً .. ومعتقده القديم مذهب النصيرية ثم صار شيوعياً ثم تأمرك وصار لا دينيا ومن كبار الزنادقة.. أسس مجلة مواقف عام 1968م .. 

 ويخلص الدكتور هاني السباعي إلى أن الزندقة الجديدة قد خرجت من رحم الزندقة القديمة، فنفس الأهداف والمنطلقات التي انطلق منها الزنادقة الأوائل كابن عبد القدوس وبشار بن برد وابن الريوندي وعيسى الوراق والشمغاني والحلاج والسهروردي.. كذلك سار على نفس الدرب الزنادقة الجدد من طه حسين وحسن حنفي ومحمد أركون وجابر عصفور وشحرو وعادل ضاهر ومالك شبل وغيرهم من زنادقة العصر الحديث.. وإن كان الزنادقة الأوائل كانوا ينشرون كلامهم وأشعارهم بطرق خفية ويحتاج السلطان إلى إعمال أدلة ثبوت جريمة الزندقة كالإقرار من المنسوب إليه الشعر أو الكتاب أو شهادة الشهود وغير ذلك من أدلة وقرائن ولذلك كانوا يفلتون كثيراً نظراً لدقة أدلة الثبوت ضد هؤلاء الزنادقة قديماً.. لكن الآن حدث ولا حرج فالزنادقة يرتعون في أرض المسلمين وينتهكون عرض الإسلام ولا رقيب عليهم لأنهم بكل بساطة هم الحاكمون المتنفذون! وهم علية القوم! وسدنة الدساتير والقوانين التي تحمي مصالحهم وأفكارهم الهدامة!! ولا أكون مبالغاً إن قلت: هذا عصرهم الذهبي.. لم لا وشريعة الإسلام قد غابت عن الحكم منذ أكثر من قرنين تقريباً. وخلاصة القول في الزنادقة الأوائل وزنادقة العصر الحديث.. أنهم تواصوا جميعاً على هدم الإسلام وتدمير معتقدات المسلمين والطعن في كل ما هو معلوم من الدين بالضرورة.. لم يتركوا صغيرة ولا كبيرة في عقيدة الإسلام إلا اتخذوها غرضاً للطعن وإثارة الشبهات.. تارة من طرف خفي وتارة كفاحاً.. حرب ضروس على الإسلام وأهله من قبل ثلة من العلمانيين اللادينيين المتآمرين الذين انسلخوا عن دينهم وعن هوية أمتهم ورغم ذلك وبكل تبجح يزعم هؤلاء الزنادقة أنهم مسلمون ويفهمون الإسلام أكثر من الصحابة الكرام بل ومن رسول الإسلام ذاته. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. 

***

لا يتراجع هاني السباعي مهما كانت خطورة المواجهة..

إنه يواجه شيخ الأزهر لا يخشى في الله صولة جلاد ولا غدر لواء ولا لومة لائم..

ويعود هاني السباعي إلى البدايات، فبعد وفاة الشيخ جاد الحق في 15 مارس 1996 تم تعيين الدكتور سيد طنطاوي شيخاً للأزهر في 27 مارس 1996 رغم أنه كان في ذيل قائمة تضم أكثر من أربعين عالماً أزهرياً إذ تم تصعيده إلى رأس القائمة بقدرة قادر! طبعاً بقدرة تقارير أمن الدولة التي أثبتت أن الشيخ طنطاوي لا يرد يد لامس وخاصة يد رئاسة الدولة!! ومن عجائب المقارنات الأزهرية: أن هناك تشابهاً بين شيخ الأزهر عبد الرحمن تاج [1954 – 1958] والشيخ طنطاوي... فالشيخ عبد الرحمن تاج يضرب به مثل العالم الذي يكون أداة في أيدي النظام،؛ مثل العالم الذي باع آخرته بدنياه... فهو الذي أصدر فتواه الشهيرة بأحقية الدولة في التجريد من شرف المواطنة - سحب الجنسية - وكان يقصد اللواء محمد نجيب أول رئيس جمهوري لمصر بعد النظام الملكي!!  لكن شهادة حق: فإن الشيخ عبد الرحمن تاج يعتبر قطرة في محيط فساد شيخ الأزهر الحالي... حيث فاق أقرانه وأتى بفتاوى وأقاويل وأحكام لم يأت بها الأوائل!! فالشيخ طنطاوي يفصل الفتاوى حسب المقياس الرسمي للدولة!! 

وهذه عينة من فتاوى وسلوكيات شيخ الأزهر طنطاوي:

أفتى طنطاوي بجواز التحاق الفتيات إلى الكليات العسكرية والالتحاق بالجيش!!

أفتى بجواز تحويل الرجل إلى أنثى بشرط الضرورة الطبية.

أفتى بأن تطبيق الشريعة الإسلامية يحتاج إلى وقت طويل يصل فيها الجميع إلى القناعة.

بارك توصيات مؤتمر المرأة في بكين وقال إن مطالب مؤتمر بكين الخاصة بالمساواة بين الرجل والمرأة لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية!!

أيد طنطاوي الدولة في إغلاق بيوت الله وخاصة الزوايا والمساجد الصغيرة التي كان يتردد عليها بعض أفراد الجماعات الإسلامية.

أيد قرار رئيس الجمهورية بإحالة أعضاء الجماعات الإسلامية إلى المحاكم العسكرية!!

لم يطالب الدولة مرة - ذراً للرماد - أن تلغي قانون الطوارئ... كما لم يطالب الدولة صراحة بتطبيق الشريعة الإسلامية وقت أن كان مفتياً إلى أن صار شيخاً للأزهر!!

أما أهم فتاواه، فهي:

إباحته للربا وهي الخاصة بشهادات الاستثمار وصناديق التوفير حيث أفتى بأن المعاملات فيها جائزة شرعاً.

وفي حرب الخليج 1990 كان بوق النظام الرسمي... وقد كان في صف الكويت والسعودية حسب الدور المرسوم له من الدولة!! بل إنه ذهب بنفسه إلى السعودية لزيارة القوات المصرية في حفر الباطن!! وأيد الاستعانة بقوات أجنبية وقال بجواز ذلك شرعاً!!

نقل الشيخ صادق العدوي من خطابة مسجد الجامع الأزهر إلى مسجد النور بالعباسية ليتولى الخطابة مكانه نظراً لشعبية الشيخ العدوي المتزايدة وكثرة انتقاده للدولة.

أعلن أنه على استعداد لزيارة فلسطين إذا دعاه ياسر عرفات رغم علمه بأنه لزام عليه أن يحصل على تأشيرة من الكيان - إسرائيل -

وافق على منع كبار علماء الأزهر من الخطابة إلا بتصريح من وزارة الأوقاف.

منع إعادة طبع فتاوى الشيخ جاد الحق لأن بعضها لا يتفق مع فتاواه.

تسبب في قطع أرزاق نحو ألفي داعية أزهري من جبهة علماء الأزهر من إدارة الوعظ والإرشاد بمنعهم من ارتقاء المنابر وقصر ذلك على موظفي وزارة الأوقاف.

كان دائم التردد على أندية "اللوينز" بمصر الجديدة وغيرها، وهي أندية مشبوهة تديرها شبكات يهودية بهدف السيطرة على العالم والقضاء على الأديان وإشاعة الفوضى الأخلاقية وتسخير الشباب للتجسس على بلادهم... ذكرت جبهة علماء الأزهر التي أسست في 1946م أن هناك فتوى صادرة من الأزهر في مايو 1985 تحرم على المسلمين الانتساب تلك الأندية؛ أندية "اللوينز" و "الروتاري".

أفتى بأن الفلسطينين الذين يقومون بتفجير أنفسهم ضد أهداف مدنية إسرائيلية ليسوا شهداء... ردت عليه جبهة علماء الأزهر تحت عنوان "تبرئة وبيان" اعتبرت فيه منفذي العمليات الإستشهادية في فلسطين أنهم أفضل الشهداء، وجواز قيام الفلسطينيين بتفجير أنفسهم، لأن إسرائيل دار حرب وجميع أهلها أهل حرب ولا حرمة ولا عصمة لدمهم.

وافق على قرار وزير التعليم بمنع دخول المحجبات المدارس إلا بعد موافقة ولي الأمر.

أفتى الشيخ نبوي محمد العش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر بتحريم التعامل مع مجلس الحكم العراقي لأنه مجلس غير شرعي وأسسه الاحتلال وأن من يتعامل معه يخالف شرع الله.

زار ديفيد ولش السفير الأمريكي بالقاهرة شيخ الأزهر معترضاً على الفتوى. ثم في 29 أغسطس 2003 أصدر طنطاوي قراراً بإيقاف الشيخ العش عن العمل ونقله إلى منطقة نائية في أطراف الدلتا بمصر. ولم يكتف الشيخ بذلك بل أعلن أن الأزهر مؤسسة مصرية وليس مؤهلاً للفتوى.

أصدر قراراً بإقالة الشيخ أبي الحسن رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر بسبب تصريح له بأنه لا يجوز مد يد العون للعدوان الأمريكي على العراق ودعا إلى الجهاد ضد هذا العدوان.

أحال عالمين ضريرين - هما الدكتور إبراهيم خليفة رئيس قسم التفسير بكلية أصول الدين، والدكتور حسن محرم أستاذ العقيدة بنفس الكلية - إلى التحقيق بتهمة توزيع منشورات تسئ إلى مقام الإمام الأكبر شيخ الأزهر!!

استصدر قراراً من محافظ القاهرة يحمل رقم رقم 318 لسنة 1998م بحل جبهة علماء الأزهر وتعيين إدراة موالية له.

التقى حاخام إسرائيل الأكبر "مائير"، ومن قبله سفير إسرائيل في مصر.

تحت مسمى تطوير الأزهر؛ أيد القانون الذي يقلص سنوات الثانوي الأزهري من أربع إلى ثلاث سنوات.

أحال الدكتور إبراهيم الخولي والدكتور محمود حماية إلى التحقيق وكذلك الدكتور يحيى إسماعيل الذي غادر مصر إلى إحدى الدول العربية الذي لاحقه شيخ الأزهر قضائياً... كل ذلك بسبب معارضتهم لفتاواه الضالة! 

قال أن المرأة تصلح أن تكون رئيسة للجمهورية وأنها تتمتع بالولاية العامة التي تؤهلها لشغل المنصب.

فتوى صك غفران لوزير الداخلية الفرنسي "نيكولاس سركوزي" ورئيسه "شيراك"؛ من حقهم سن قانون بحظر الحجاب!! افعلوا ما شئتم بالمسلمين فقد غفر لكم شيخ الأزهر!! أما مسلمات فرنسا فإما أن يخلعن الحجاب ويدخلن في دين الملك... فأهل فرنسا أدرى بشعابها! وإما أن يرحلن عن فرنسا أو يشربن من نهر السين أو البحر المتوسط!

*** 

يصرخ هاني السباعي: هل يجرؤ شيخ الأزهر أن يعلن اعتكافه في المسجد الأزهر مثلاً أو حتى في بيته احتجاجاً على تسليم السيدة وفاء قسطنطين التي أسلمت إلى الكنيسة وإجبارها على الردة؟! هل يستطيع شيخ الأزهر أن يشهر في وجه رئيس الدولة آية سورة الممتحنة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ).. وهل يستطيع شيخ الأزهر أن يعلن الاعتكاف ولو على سبيل التجربة احتجاجاً على اعتقال 60 ألف مسلم يقبعون في سجون النظام المستبد منذ عشرين سنة؟ هل يعتكف شيخ الأزهر مرة واحد مطالباً رئيسه الذي عينه بمساواة الأغلبية في كافة الحقوق التي يحصل عليها الأقباط ويحرم منها غالب الشعب المصري المسلم؟ 

***  

ويبلغ النبل منتهاه بهاني السباعي.. وهو محاصر مضطهد مطارد بلا أمن ولا أمان لكن يملؤه الإيمان فيناصر ضميرا للأمة وسيد من سادات المجاهدين المطاردين الذين أغناهم الإيمان عن الأنام..

نعم يناصر السباعي الدكتور أيمن الظواهري رضي الله عنه فيتحدث عن حسن دماثة خلقه ومرجعيته الشرعية والعلمية ونبوغه الدراسي والمهني..  إنه من أشد الناس حياء رغم علو كعبه في اللغة والبيان والشعر والأدب إلا أنه لا يرفع عينيه لمتحدثه ولا يتكلم إلا بأحسن الألفاظ ويحترم الصغير والكبير وهذا متواتر عنه ولا حاجة للاستدلال عليه.. ويتحدث السباعي عن طفولته كطفل محب للقراءة، متابع لأعمال الكبار، يعيش بين الكتب ولا يبرح مكتبة أجداه العظام.. لا غرو إذن أن يتأثر هذا الشاب بهزيمة حزيران 1967 ويحمل هم هذه الأمة لأن هذا ناموس الكبار وإلا لما وصل الظواهري إلى هذه المنزلة الرفيعة.. 

"لقد تأثر الظواهري في مقتبل الشباب ورغم حداثة سنه بهذه الهزيمة النكراء التي حلت بالأمة على يد الزعيم الملهم عبد الناصر!! أثرت فيه هذه الهزيمة وعلم أن العار الذي لحق بهذه الأمة هو من تفريطها في حق دينها، ومن جراء تسلط هذه الأصنام التي تعبد من دون الله!! انطلق من باب الفطرة الطاهرة ينهل من معين هذا الدين القويم.. انطلق وقد علم معالم الطريق من سيد قطب رحمه الله.. 

لم يكن الظواهري منطلقاً من الإحباط واليأس.. ليس هذا صحيحاً كما يظن بعض البكائين على قميص عبد الناصر!! وهذا ما لم يتسطع فهمه الكاتب الملاكي! كيف فتى في مثل هذا السن أن تؤثر فيه هذه الحوادث الجسام؟! لم يعرف هذا الكاتب أن الكبار يولدون كباراً.. "

ويرد السباعي الشبهات التي أثارها البعض عن الدكتور أيمن الظواهري بقوة وحسم فينسف الشبهات نسفا لا بقاء لها بعده إلا عند المرجفين.

***  

بل إن موقف الدكتور هاني السباعي النبيل ضد الظلم لا يقتصر على إخوته في العقيدة.. إنه يدافع – على سبيل المثال عن  كارلوس ومانديلا وحتى عن عبد الله أوجلان  فيكتب في صحيفة القدس العربي 27 /7/2003 مقالا بعنوان"  كارلوس .. مانديلا.. سلام وتحية" و ينعي في هذا المقال تخاذل العرب وانعدام وفائهم حتى أن المروءة والوفاء في الجاهلية عند بني يعرب وقحطان.. كانت موجودة بينما انعدمت عند خلف من بعدهم خلف ضيعوا المروءة والوفاء ولم تبق لهم شيم ولا خلق يعتزون بها يورثونها للأجيال!! .. إنه يشعر بالخجل أمام  (أليتش راميريز سانشيز) الملقب بـ كارلوس ويريد أن يظهر له أن هناك بوناً شاسعاً بين سلف هذه الأمة وبين خلفها الضائع في مهب الأمم!! 

لقد سقطت قيم كان العرب يعتزون بها بعد حرب الخليج الثانية التي كانت نذير شؤم على كل الشرفاء في العالم.. وضاقت الدنيا على كارلوس بما رحبت.. تخلت عنه سوريا كعادتها دائماً كما فعلت مع عبد الله أوجلان فيما بعد حتى وقع بأمر الأمريكان في كينيا في أفريقيا حيث إن السودان لا تبعد عنها كثيراً!! وأبعد الرجل إلى اليمن التي لم ترحب باستقباله.. ومنها إلى السودان التي دخلها على حين علم من أهلها وليس على حين غفلة كما زعم النظام في وقتها!! ليتعرض لمؤامرة خسيسة يفضحها هاني السباعي..  فقد وصل الرجل إلى السودان ، وعاش في زاوية النسيان راضياً بالكفاف وأوجاع الملاريا والبعوض الضال.. باكياً على أطلال الكفاح المسلح وتحرير فلسطين الأسيرة وهلم جراً.. غير أن الرجل الذي دوخ الدنيا كان قدره مع جبهة الإنقاذ بقيادة الشيخ الدكتور حسن الترابي أو ما يسمى بالمشروع الإسلامي في السودان البعيد أصلاً عن الأنموذج الإسلامي الحقيقي.. هذه المؤامرة بدأت خيوطها منذ أن وطئت أقدام كارلوس إلى السودان يوم أن تخلى عنه الرفيق والصديق في سوريا واليمن وليبيا سدنة المد الثوري الأحمر البائد!! 

وفي أغسطس سنة 1994م تم خطف كارلوس، العائذ بأهل السودان واللاجئ لما يسمى بحكومة إسلامية.. وتم تسليمه إلى فرنسا.. باسم الدين حلل الشيخ حسن الترابي صفقة الخزي والعار التي تمت بين المخابرات السودانية ومخابرات الفرنسيس!! باسم الدين ومصلحة الأمن القومي الضائع تم تسليم كارلوس بكل سهولة! بثمن بخس بيعت المروءة وبيع مجد الأجداد التليد: من حق الجوار وإغاثة الملهوف.

الحركات الإسلامية المجاهدة تندد بالجريمة:


إلا أننا هنا يجب أن نتوقف أمام ملمح شديد النبل في هاني السباعي.. ملمح من الصعب جدا إن لم يكن من المستحيل أن تجده عند غير مسلم.. إنه لا يناصر كارلوس لأنه مسلم.. بل: 

ونحن نؤكد حتى ولو لم يكن كارلوس مسلماً فلا يجوز تسليمه وهذا ما تعتقده الحركات الإسلامية.. فلسنا أقل مروءة من أصحاب حلف الفضول الذين أثنى عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا يغيثون الملهوف ويعينون المظلوم ويأخذون على يد الظالم في الجاهلية!!

الملمح الآخر النبيل تلمحه في تقريظ السباعي لنلسون مانديلا: 

" أما نلسون مانديلا.. الشيخ الشاب.. والمناضل النبيل.. خرج من السجن وقد فقد 27 عاماً من عمره.. دخل شاباً يقاوم نظام الفصل العنصري في بلده جنوب أفريقيا.. خرج شاباً رغم شيخوخته وبنفس حماس الماضي.. لم يكتب استرحاماً لطاغية ولم يؤلف مراجعات فكرية أو طروحات انهزامية على شاكلة مراجعات القيادات التاريخية المنتكسة في العالم الإسلامي.. لم يتبرأ من مقاومته لحكومة بلاده العنصرية.. لم يكتب صك عفران وشهادة لجبار من جبابرة الأرض كما في صك الغفران الذي منحه كبير القيادة التاريخية للجماعة الإسلامية بمصر لصاحب كامب ديفيد!! 

ظل مانديلا مثل نظيره كارلوس نصيراً للضعفاء.. لم تتغير مبادئه حتى وهو رئيس لبلاده! يضرب الفارس النبيل (مانديلا) أروع المثل في العزة والإباء وهو يقف أمام طاغية العصر جورج بوش: لن أقابله إذا جاء جنوب أفريقيا.. لأنه رجل مارق يرأس نظاماً مارقاً كذب على العالم واحتل العراق يختلق الأكاذيب.. ثم وفى مانديلا بوعده ولم يقابل بوش عندما زار بلاده.. مع العلم أن هناك طابوراً كبيراً من رؤساء العرب والعالم الإسلامي في قائمة الإنتظار حتى ينالوا بركة لقاء أمير المؤمنين (جورج بوش)!! 

نعم .. مانديلا.. لقد أخجلتنا في كل مواقفك المشرفة.. يوم أن كنت تدافع عن أفغانستان في الوقت الذي رحب بالعدوان الأمريكي شماريخ العرب!! 

***  

ليس ما يهمني أن يكون هاني السباعي قد اجتهد فأخطأ أم اجتهد فأصاب.. لكن يقيني أن الرجل صادق فيما يقول و أنه يبذل جهدا هائلا في ظروف مستحيلة، و أن هذا الجهد كله فكري.. فلماذا تريد كلاب السلطة اصطياده؟!.. و إنه في جهده هذا لا يبالي مهما ازداد أعداؤه، إنه يكتب عن المملكة العربية السعودية مثلا: "مملكة القش ؛ السعودية" فيقول:  سأل سائل عن رياح التغيير القادمة على المملكة العربية السعودية؛ تلك الرياح أشبه بريح السموم التي تلفح الوجوه أو ريح الصبا التي تقلع الخيام وتكفئ القدور!! هذا النظام العاقر قد طال عليه الأمد فقست قلوب حكامه فصارت كالحجارة أو شد قسوة.. طبعاً قسوة في التعامل مع الشعوب! ورحمة ومودة واستسلام وانبطاح لأعداء الأمة من أمريكان ومن سبح بحمدهم! (...) لقد نخر السوس في أعواد القش، وكاد النفط الأسود أن يحرق أكواخ الحطب الهزيلة التي ظن سكانها أنهم يعيشون في قصور من الرخام وبيوتات من المرمر والحجر الصوان.. لكنهم سيكتشفون أنهم سحروا أعين الناس وسرعان ما تذهب الغشاوة ويظهر للعيان: أن الرخام والمرمر والحجر الصوان ما هي إلا أعواد من الحطب والقش المتهالك. 

كما يكتب عن حكام الكويت مقارنا بينهم وبين أمراء الطوائف في الأندلس: منبر التوحيد والجهاد منهاج السنة  مقالات  آل صباح في الكويت... وآل عباد في الأندلس فيقول آل الصباح فقد تربوا على أعين الاستعمار ورضعوا ألبان الخزي والبلادة من أسيادهم الأنجلوأمريكان... فلا خير فيهم فهي سلالة وضع بذرتها الإنجليز قديما واقتطف ثمرتها الأمريكان حديثاً... وإلا ماذا عسانا أن نفسر هذا الموقف قبيل العدوان على العراق: عندما ترفض تركيا العلمانية المعادية للعرب والإسلام دخول 60 ألف جندي أمريكي لأراضيها وفي نفس الوقت نرى شماريخ آل الصباح يرحبون ويقولون هل من مزيد!! 

المشكلة في ذهنية آل صباح الذين يحكمون المحمية الكويتية؛ توهمهم أن طائر "الزرزور" وهو في حجم العصفور نسرٌ عظيم وشاهينٌ كاسر!!

وتصداقا لذلك نختم بما ذكره صفي الدين الحلي الذي استوحى آل الصباح ألوان علمهم من شعره إذ يقول في نفس القصيدة: 

 إن الزرازيرَ لما قامَ قائمُها ***  توهمتْ أنها صارتْ شواهينا

 ***

قد نختلف أو نتفق مع هاني السباعي لكنني أعترف أنني شديد الإعجاب بجهد الرجل ونشاطه المتنوع..

إنه يهاجم أنظمة دول كمصر والسعودية والكويت وفي نفس الوقت لا ينسى أن يتقصى موضوعات شائكة قد يكون لها رد فعل مباشر عليه وهو اللاجئ الهارب المطارد، فمثله ينشد السلامة لكن هاني السباعي ينشد الحقيقة، إنه يكتب على سبيل المثال: " هل كان للأقباط دور تاريخي في مقاومة المحتل".. فيكشف الزيف ويمحق الكذب ويدع الحقائق عارية فاضحة دامغة و إن استاء أقوام منها.. و إن ألبوا عليه كلاب الصيد. 

يكتب عن اعتقاد بعض رجال الكنيسة المصرية أن ظهرهم محمي وأن وراءهم الغرب المسيحي وعلى رأسهم أمريكا؛ هذا الاعتقاد قد أدى إلى افتعال أحداث والمبالغة فيها بغية التزلف للغرب المعادي للإسلام  كحادثة الكشح عام 2000م، وحادثة القس المشلوح بدير المحرق بأسيوط؛ صاحب الصور الخليعة عام 2001م، ثم حادثة السيدة وفاء قسطنين  عام 2004م التي أسلمت وأجبرت على العودة إلى الكنيسة مما يتصادم مع النظام العام في مصر هو الإسلام.. ومن ثم الضغط على الحكومة بزعم أن الأقباط في مصر مضطهدون من قبل المسلمين وأن الحكومة تشجعهم.

يتحدث السباعي عن  تمرد الأقباط المسلح تاريخياً وعن نقضهم عقد الذمة منذ الفتح الإسلامي سنة 20هـ ، رغم تعامل ولاة المسلمين معهم بكل تسامح، فكانوا يتظاهرون ويعلنون العصيان المسلح على الدولة ويقتلون عمال الحكومة ويتصلون بدولة الروم ثم يتصدى الحكام لهم بإرسال من يطالبهم بفض العصيان في مقابل العفو عنهم إلا أنهم في الغالب يتعنتون ويصرون على التمرد بزعم أن دولة الروم قد تساعدهم غير أن حساباتهم كانت على الدوام خاطئة فسرعان ما ينتصر عليهم جيش المسلمين ثم يعفو عنهم الخليفة أو الوالي ويجددون له الولاء والطاعة والالتزام بنود عقد الذمة المنصوص عليه في اتفاقيتي بابليون الأولى (الخاصة بأهل مصر قبل فتح الإسكندرية)سنة 20هـ  وبابليون الثانية (الخاصة بأهل الإسكندرية) سنة 20هـ أيضاً، لكنهم يعودون مرة أخرى لعصيانهم متذرعين بأحداث لا تتناسب وحجم عصيانهم المسلح.. 

يكشف هاني السباعي جزءا من تزوير الحقيقة التي يقوم به نصارى من أجل تجميل الصورة فيكشف أن عيسى الغواص الحقيقي كان مسلماً. ويستشهد بقول ابن شداد: "ومن نوادر هذه الواقعة ومحاسنها أن عواماً مسلماً كان يقال له عيسى، وكان يدخل إلى البلد بالكتب والنفقات على وسطه ليلاً، على غرة من العدو. وكان يغوص ويخرج منم الجانب الآخر من مراكب العدو، وكان ذات ليلة شد على وسطه ثلاثة أكياس. فيها ألف دينار وكتب للعسكر، وعام في البحر فجرى عليه من أهلكه، وأبطأ خبره عنا وكانت عادته أنه إذا دخل البلد طار طير عرّفنا بوصوله فأبطأ الطير فاستشعر الناس هلاكه، ولما كان بعد أيام بينما الناس على طرف البحر في البلد وإذا البحر قد قذف إليهم ميتاً غريقاً فافتقدوه فوجدوه عيسى العوام، ووجوا على وسطه الذهب وشمع الكتب وكان الذهب نفقة للمجاهدين، فما رؤى من أدى الأمانة في حال حياته وقد أداها بعد وفاته إلا هذا الرجل.

ثم يفضح خيانات المعلم يعقوب مقررا أنه لم يكن استثناء شاذا، و أنه لم يكن وحده، فقد كان معه المعلم يعقوب حنا القبطي ـ وملطي ـ وجرجس الجوهري ـوأنطوان الملقب بأبي طاقية ـ وبرتيلمي الملقب بفرط الرومان، ونصر الله النصراني ترجمان قائمقام بلياز، وميخائيل الصباغ غيرهم من زعماء النصارى الذين كانوا يعملون مع المحتل الفرنسي لمصر. حيث استغل نصارى مصر احتلال نابليون لمصر فتقربوا إليه واستعان بهم ليكونوا عيون جيشه حيث كانوا يرشدونهم على بيوت أمراء المماليك ورجال المقاومة الذين كانوا يجاهدون الفرنسيس، وكل ذلك ثابت لدى الجبرتي في عجائب الآثار ونقولا الترك في (أخبار الفرنساوية وما وقع من أحداث في الديار المصرية)، إذ يؤكد المؤرخان المعاصران للحملة الفرنسية أن نابليون استقدم معه جماعة من نصارى الشام الكاثوليك كتراجمة بالإضافة إلى استعانته بنصارى مصر (الأرثوذكس) وقد ذكر الجبرتي المعلم يعقوب القبطي الذي كان يجمع المال من الأهالي لمصلحة الفرنسيس.. بل إن المعلم يعقوب وصل به الأمر أن كون فرقة من الأقباط لمعاونة المحتل إذ يقول الجبرتي: "ومنها أن يعقوب القبطي لما تظاهر مع الفرنساوية وجعلوه ساري عسكر القبطة جمع شبان القبط وحلق لحاهم وزياهم بزي مشابه لعسكر الفرنساوية (..) وصيرهم ساري عسكره وعزوته وجمعهم من أقصى الصعيد، وهدم الأماكن المجاورة لحارة النصارى التي يقاربها".ا خلف الجامع الأحمر، وبنى له قلعة وسورها بسور عظيم وأبراج وباب كبير" بل إنهم كانوا يقطعون الأشجار والنخيل من جميع البساتين كما تفعل قوات الاحتلال في فلسطين والعراق، ولم يتورعوا في هدم المدافن والمقابر وتسويتها بالأرض خوفاً من تترس المحاربين حسب وصف الجبرتي.. حتى قال "وبثوا الأعوان وحبسهم وضربهم، فدهى الناس بهذه النازلة التي لم يصابوا بمثلها ولا ما يقاربها" ..  بل كان زعيمهم (برتيلمي) الذي تلقبه العامة بفرط الرومان لشدة احمرار وجهه؛ كان يشرف بنفسه على تعذيب المجاهدين وهو الذي قام بحرق المجاهد سليمان الحلبي قاتل كليبر، وكان هذا البرتيلمي يسير في موكب وحاشية ويتعمد إهانة علماء المسلمين ويضيق عليهم في الطرقات محتمياً في أسياده الفرنسيس تماماً مثل ما يحدث في العراق اليوم من خلال الجواسيس الذين يعملون مع الاحتلال الأمريكي الذين يرشدون قوات الاحتلال على بيوت المقاومين.

ويورد الدكتور هاني السباعي نص عريضة زعماء الأقباط إلى الجنرال مينو التي يستعدونه فيها على المسلمين. 

ثم يضيف أنه لم يثبت تاريخياً أن النصارى قاوموا الاحتلال الفرنسي وأن حكاية اختراع بطولات وهمية مثل أن بعض الأقباط في ثورة القاهرة الثانية كان يمد الثوار بالمال واللوازم خاصة في منطقة بولاق أثناء حصار كليبر لأهالي بولاق.. فهذه شهادة الجبرتي :" وأما أكابر القبط مثل جرجس الجوهري، وفلتيوس، وملطي فإنهم طلبوا الأمان من المتكلمين من المسلمين لكونهم انحصروا في دورهم وفي وسطهم وخافوا على نهب دورهم إذا خرجوا فارين، فأرسلوا إليهم الأمان" إذن ما دورهم في مقاومة الاحتلال الفرنسي إلا الفزع الهلع وطلب الأمان ثم صاروا العين الحارسة لمصالح الاحتلال.. بل إن زعيمهم المعلم يعقوب حنا كان شغله الشاغل هو حرب زعيم المجاهدين في منطقة بولاق حسن بك الجداوي؟ لماذا؟ لأن حسن بك الجداوي كان يطلب من الأغنياء مساعدة المجاهدين لشراء أسلحة وبارود وذخائر ومؤن وكل مستلزمات المقاومة فكان من يدفع منهم مالاً كان لصيانة نفسه وخوفه من انتقام المقاومين الذين كانوا متترسين في منطقة بولاق بالقاهرة وضواحيها لذلك قال الجبرتي في عجائبه: "وأما المعلم يعقوب فإنه كرنك في داره بالدرب الواسع جهة الرويعي واستعد استعداداً كبيراً بالسلاح والعسكر المحاربين وتحصن بقلعته التي كان شيدها بعد الواقعة الأولى، فكان معظم حرب حسن بك الجداوي معه"..هكذا استعد المعلم يعقوب لزعيم المجاهدين المسلمين وليس لجيش الاحتلال الفرنسي! 

ويستطرد السباعي ليتساءل: لماذا شارك الأقباط في ثورة 1919م؟ ناعيا  كتابا من المسلمين؛  جلهم للأسف الشديد ينطلق من منطلقات لا علاقة لها بالمنظومة الإسلامية لذلك نجدهم يرهقون أنفسهم في نبش التاريخ لعل وعسى يعثرون على حكاية أو قصة تثبت أن الأقباط كان لهم دور في مقاومة المحتلين، لذلك نجدهم يضخمون بعض الأحداث الفردية وتسليط الضوء عليها لتحسين دور الأقباط في حركة التاريخ المصري المقاوم للاحتلال.. لذلك يهتمون بثورة 1919م ومشاركة الأقباط فيها رغم أن الأقباط ما شاركوا فيها إلا ليأسهم من الإنجليز الذين كانوا ينظرون إليهم بعين الإزدراء؛ فالاحتلال الإنجليزي يدين بالولاء للكنيسة الإنجيلية التي لا تعترف بها الكنيسة الأرثوذكسية في مصر ولا حتى الكاثوليكية في روما، وهذا ما حدث من قبل مع نابليون وحملته العدوانية على مصر إذ تقرب الأقباط إليه واستخدمهم جيداً لكنه كان ينظر إليه أيضاً بعين الازدراء فنابليون وإن كان لا دينيا فقد كانت لديه بقايا المعتقد الكاثوليكي مع الاعتزاز بتفوق الرجل الأبيض! فلا غرو إذن أن يشارك الأقباط في ثورة 1919م لأنهم علموا بالتجهيزات التي يقوم بها المسلمون للثورة ويعلمون أن جماهير غفيرة من كل فئات الشعب ستشارك وأن انطلاقة الثورة ستكون من جامع الأزهر فكان لابد من المشاركة بأمر بعض زعمائهم (على طريقة حساب المكسب والخسارة) لأنه لو نجحت هذه الثورة لكان من حقهم أن يشاركوا في الحكم بقوة وهم مطمئنون أن الدولة المصرية الحديثة التي وضع لبناتها محمد علي باشا قد غيبت الشريعة الإسلامية ومن ثم فلا حكم إلا بالقانون الوضعي السائد في ذلك الوقت.. وينطبق هذا على مشاركتهم في بعض الحروب لأن التجنيد كان إجبارياً بحكم مفهوم المواطنة ولا مناص أمام شبابهم إلا الالتحاق بالجيش لتفادي العقوبة العسكرية التي ستحل بهم.

ثم يستعرض السباعي دور النصارى التخريبي في العلمنة والتغريب و إلغاء التحاكم إلى الشريعة

ثم يستعرض تفصيلا دورهم في إشعال الفتنة الطائفية وخاصة حادثة كان شاهدا عليها وهي حادثة الزاوية الحمراء بالقاهرة 1981م: حيث شهدت هذه المنطقة (الزاوية الحمراء) أحداثاً دامية إذ بدأ الأقباط بالاعتداء وقام المسلمون بالرد عليهم وملخصها كالتي: بدأ الصراع على قطعة أرض فضاء لا عمران فيها فقام أهل الحي بإقامة سور عليها وجعلوها مكاناً للصلاة وتعليم الأطفال القرآن الكريم، وكان هناك قبطي اسمه كمال عياد يملك مدفعاً آلياً يطلق عليه في مصر (رشاش بورسعيدي) وكان منزله أمام هذا المكان الذي أصبح مسجداً فيما بعد (مسجد النذير) فنزل وأطلق عدة أعيرة نارية على الأطفال الذين يدرسون في ذلك الوقت فقتل وجرح عدداً منهم وفر هارباً .. فلما علم أهل الحي بما حدث ورأوا الدماء ملطخة بحصير المسجد هاجوا وماجوا وطفقوا يتتبعون بيوتات الأقباط.. وقد ذهبت أنا شخصياً إلى مسجد النذير وكان حي الزاوية الحمراء أشبه بساحة معركة عسكرية؛ البيوت محترقة، ومكتوب عليها وعلى المحلات شعارات من كل طرف، قوات الأمن منتشرة في كل مكان، صلينا هناك وبتنا في المسجد رغم أنه كان عبارة عن مكان محاط بسور وأرض مغطاة بالحصير للصلاة، وكان الناس يتوافدون من كل حدب وصوب بدافع حماية المسجد خاصة بعد علمهم أن النصارى قتلوا المسلمين في الزاوية الحمراء فهبوا للدفاع عنهم.. وشهادة للتاريخ فإن الذين ردوا عدوان الأقباط في الزاوية الحمراء كانوا من عوام الناس الذين لا تربطهم أية علاقات بالجماعات الإسلامية رغم قوة الجماعات الإسلامية في ذلك الوقت لكن بسطاء الناس الذين كانوا يجلسون على المقاهي ويدخنون الشيشة والنرجيلة هم الذين قاموا برد الاعتداء وخاصة لما سمعوا أن الأقباط يقتلون المسلمين ثم امتدت الأحداث إلى منطقة الوايلي بالقاهرة وكادت أن تعم القاهرة .. واستغل الأقباط في الداخل والخارج هذه الأحداث وصاروا يشنعون على المسلمين بالأكاذيب رغم أنهم هم الذين بادروا بالاعتداء، وقلبوا الحقائق وزعموا أن المسلمين هم الذين بدأوا قتال النصارى وهم الذين يحرقون بيوتهم.. ولا زلت أذكر هذه الأحداث ونحن نستمع لشهادات الناس إذ تبين لنا أن الكنائس الكبرى بها سراديب وأخاديد ومكدسة بالأسلحة والذخائر... وهناك أماكن خاصة في الكنائس للتدريب على استعمال الأسلحة الخفيفة والتدريب على الكاراتيه والكونغفو.. وأن بعض القساوسة يتقنون استخدام الخناجر بصفة خاصة وقد اقتحم بعض المسلمين في الزاوية الحمراء منزل أحد القساوسة الذي كان مختبئاً وراء دولاب الملابس.. إذ صاح فيهم فجأة وأشهر خنجره وكان ماهراً في رياضة الكاراتيه إلا أنهم تمكنوا من شحركته. .. وهنا اتهم المسلمون الدولة بتشجيع الأقباط على استعمال السلاح في الوقت الذي تحرمه على المسلمين!!

***

هذا هو الإرهابي هاني السباعي..!!

وهذا هو نتاجه الفكري.. ولست أدري كيف يجد وقتا بعد كل هذا يتسلل فيه بعيدا عن أعين المخابرات الإنجليزية والأمريكية والإسرائيلية والمصرية بالطبع، يمارس فيه إرهابه.

***

من سمات هاني السباعي أيضا أنه رجاع للحق حين يخطئ، ففي مقاله عن الأقباط كان قد تورط في نقل أرقام خاطئة عن عدد الأقباط ( الطريف أنه ردد الرقم الذي قاله حسني مبارك مجاملة لكارتر) ويبدو أن أحدهم قد صحح له الرقم فلم يستنكف أن ينشر التصحيح في عنوان المقال.

 بيد أن واقعة أخرى أكثر دلالة على رجوعه إلى الحق مهما سبب له من حرج.

إن مستندات الواقعة ليست في يدي، لذلك سأتناولها باختصار شديد ( اختفت الأصول مع سرقة مكتبي منذ عامين، ومما سرق جهازا كمبيوتر كانا يحتويان على أرشيفي الخاص- بالمناسبة.. تعودت منذ أعوام طويلة أن تتم سرقة منزلي أو مكتبي مرة في السنة.. لكن اللص لم يأت في العام الماضي – 2005- و أوجه سؤالي للأمن: عسى أن يكون المانع خيرا!.)

أحد أصدقاء الدكتور هاني السباعي كتب كتابا عن الدكتور أيمن الظواهري، وكان قد طلب من الدكتور هاني السباعي أن يكتب مقدمة للكتاب، فكتبها، لكنه فوجئ عند نشر الكتاب بظلم شديد للدكتور أيمن الظواهري فما كان منه إلا أن أصدر بيانا يوضح فيه الحقيقة رغم ما فيها من حرج مع صديقه الحميم، ومع القراء أيضا، فقد كان مضطرا للتصريح بأنه سمع الكتاب في الهاتف، وعلى خلفية هذا السماع كتب المقدمة، لكنه بعد نشر الكتاب فوجئ بما فيه لذلك فإنه يقرر أنه كتب المقدمة دون أن يقرأ الكتاب. ( أعتمد على الذاكرة في هذه الواقعة)..

***

بلغت الشجاعة بهاني السباعي أن يكتب مقالات من نوع: تسريح الجيوش العربية ضرورة شعبية..  ويصرخ: كيف تنام العين ملء جفونها على نيران وحمم تصب على العجائز والأرامل والنساء والولدان في العراق.. كيف تنام العين ملء جفونها وبغداد التاريخ والحضارة وفردوس العرب والمسلمين يستأصل أهلها وتهدم مساجدها وتحبس مآذنها وتمزق مصاحفها.. وكيف تكتحل العين بنوم وبلد أبي الأنبياء يدنس ترابها.. فلم تنم أعين الشرفاء في بقاع الأرض خرجوا في تظاهرات عارمة مزمجرة منددة بالعدوان الغاشم الظالم على العراق وتاريخه..  لكن الجيوش العربية نائمة في سبات عميق نوم أصحاب القبور!! ..

***

لطالما تساءلت في غضب: لماذا لا يثور الناس.. متى يثورون..

لماذا لم يثوروا من أجل دينهم و أمتهم و أنفسهم.. 

ويجيبني هاني السباعي في مقال راح يناقش فيه الرهان الخاسر على قيام الشعوب العربية بثورة ويبحث عن الأسباب:

يتساءل الناس أين ثورة الجماهير التي كنا نراهن عليها إذا ما دخلت جحافل العدوان الأنجلو أمريكي للعراق؟ أين هذه الجماهير المزمجرة لم لم تحطم القيود وتكسر الأغلال وتنقذ العراق؟ لم لم تتحرك هذه الجماهير وبغداد تسقط أمام أعيننا جميعاً؟!  أين شعارات الجماهير وصرخاتهم التي كانت تقول: الجهاد الجهاد.. لن نسكت.. لن نركع .. لن ترضى.. لن وألف لن!  فمن قبل لم تفعل هذه الجماهير شيئاً للمسجد الأقصى الأسير على رغم قداسته فهل كان يرجى منها فعل شيء لإنقاذ مسجد أبي حنيفة في العراق؟!!

أمر محير ومفتت للأكباد بحق.. هل ماتت الأمة؟ 

لماذا صرنا إلى هذا الحضيض ؟ 

ما السر في هذا الخذلان الذي صار سمة هذه الشعوب العربية والإسلامية؟ 

أمة تصفق لجلاديها وتخرج في تظاهرة كروية بصورة مخزية وهم يلوحون بأعلامهم الخائبة لانتصار فريقهم المغوار!! أكثر مما تخرج في تظاهرة تندد بالعدوان على إخوانهم في فلسطين والعراق؟! 

ويصرخ هاني السباعي:

أين الخلل إذن ؟! 

هل العيب في الشعب أو في هذه القيادات أو في كليهما معاً..

***

***  



***

يخيل إلى أحيانا أن هاني السباعي يلوم نفسه لأنه لم يكن ألف رجل.. إنه يصحح المفاهيم ويسرد الحقائق ويدحض الأكاذيب ويكتب ويناظر ويخطب ويؤبن الشهداء ويفضح الظلمة وينشر عن المعتقلين ويحذر من تدهور صحة المرضى ويهتك أستار الجلادين وينشر الأخبار ويؤكد وينفي ويدير مركزا للتاريخ ويؤلف الكتب ويكتب للصحف ويظهر على شاشات الفضائيات ويخطب لصلاة الجمعة ويشترك في الندوات والمؤتمرات والتظاهرات داخل لندن فقط.. فطبقا لقرارات مجلس الأمن ليس من حقه مغادرتها كما أنه ليس من حقه أن يقرض أو يقترض ( إذا ثبت أن أي واحد حتى زوجته أعطته قرشا واحدا يحكم عليها بالسجن. ) ولا من حقه أن يكون له حساب في البنك ولا بطاقات ائتمان.. لأي حالة أشبه ما تكون بالإعدام المدني.. ومع ذلك.. وفي هذه الظروف والأحوال يخيل إلى أنه يلوم نفسه لأنه لم يكن ألف رجل..

***

لا يقتصر الدكتور هاني السباعي على ذلك، فهو يكتب في التفسير وفي الحديث وفي السيرة وفي الفقه وفي التاريخ وفي الأدب، بل ويقرض الشعر أيضا.

إنه يكتب في مواضيع لا يهتم بها إلا صفوة الصفوة..  فمن ذا الذي يتصور أنه وسط ذلك الحصار والرعب والانتظار اليومي لما هو أقسى من جوانتانامو.. بل لمن يهددون أسرى جوانتانامو بهم.. ينتظر كل يوم الترحيل إلى سجون مباحث أمن الدولة في مصر.. وبالرغم من ذلك يكتب عن خليفة بن خياط ومنهجه في كتابة التاريخ..!! ويجري بحثا عميقا يضعه فيه   كمصدر من مصادر السيرة النبوية قبل تاريخ الإسلام للذهبي والكامل لابن الأثير.. ويدفع عنه ما أثير حوله مقررا أنه قد ظلم حياً وميتاً فقد ابتلي بالمعتزلة الذين أتعبوه كثيراً وناصبوه العداء في عصر الخليفة المأمون وحسده أقرانه لسعة علمه وثقة الناس به.  وظلم ميتاً حيث لم يأخذ مكان الصدارة في التاريخ الإسلامي ولم يهتم به الباحثون الاهتمام اللائق كمحدث ومؤرخ من كبار مؤرخي الإسلام. 

يا إلهي..

يا لهؤلاء المجاهدين من أمثال هاني السباعي..

يتعرضون من العالم لهذا الظلم كله.. ويهاجمون الظلم هذا الهجوم كله حتى لو حاق بالكفار وحتى لو كان في أضابير التاريخ..

***

يتبع الحكام العرب مذهب بوش ورامسيفيلد فيواجههم و ينشر بحثا فقهيا عن حكم إمامة المرأة للرجال في الصلاة، فيفضح ما يراد بهذه الأمة، ثم يلتفت إلى مصر، إلى وزير الأوقاف الذي أزعجه أذان المساجد ولم تزعجه أجراس الكنائس ولا ضجيج الحانات والأفراح والمواكب فأصدر قرارا بتوحيد الأذان لينبري له فارسنا المغوار كاتبا: فتوى توحيد الآذان من كتشنر الإنجليزي إلى وولش الأمريكي: " التساؤل المتبادر إلى الذهن لماذا أثار وزير الأوقاف هذه الحملة (توحيد الآذان) في هذه الأيام الحوالك والأمة بهذا الضعف؟! هل هذه دعوى مبرأة؟ أليست لها علاقة بالأجندة الأمريكية من تجفيف منابع التدين وتغيير مناهج التعليم.. والحملة المسعورة على ما يسمى بمحاربة الإرهاب أعني مكافحة الإسلام؟! أم أنها بحق فتوى باطلة يراد بها باطل؟! .

ثم ما تلبث أحداث التعذيب أن تلهب ضميره فيكتب رسالة إلى "عبد المأمور": يحار المرء عندما يشاهد أشاوس الأمن وهم يضربون المتظاهرين بوحشية!  هل هم بحق من أبناء جلدتنا؟! هل لهم أحاسيس ومشاعر مثلنا؟! هل يحملون هموم هذه الأمة؟!  وعن أية قضية يدافعون؟! فإذا كان المتظاهرون من طلاب ورجال فكر وثقافة وكافة طوائف الشعب يتظاهرون من أجل قضية نبيلة - وهي قضية فلسطين - فأية قضية تلك التي تحرك هؤلاء الجنود الذين يقمعون هذه التظاهرات؟!  هؤلاء العبيد! و عبيد العبيد من رجال الأمن وجلاوزته ومن جيوش الخزي والعار؛ أصحاب المدافع المتصدئة والنياشين والأنواط المزيفة... حذار! حذار! لقد تمخض الزلزال... فلن ترحمكم الجماهير المزمجرة لأنكم لم ترحموها!

وقديماَ قيل: "من لم يرحم لا يرحم"!  

وقبل أن يستريح من الألم قلبه يتذكر الأسرى فيكتب: 

"أنقذوا الأسرى قبل فوات الأوان..إن الذي يحدث في أفغانستان الآن جريمة ضد المسلمين بصفة خاصة وضد الإنسانية بصفة عامة.. وإننا نتساءل ما دور هذه المنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الأسير وحالات الحرب، مثل منظمة الصليب الأحمر والمنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان؟  لماذا لا تحرك ساكناً؟!  ألأن الضحية مسلمون؟!  أم لأن المعتدي هي أمريكا؟!  أم لكليهما معاً؟!  لماذا تنفرد أمريكا بسجن الأسرى الأفغان العرب وغير العرب؟  لماذا لا تتدخل المنظمات التي تعنى بحقوق الأسير وتطالب بوقف هذه المهزلة الأمريكية؟  كيف يسكت العالم عن هذه الجريمة البشعة التي يتعرض لها الأسرى الأفغان العرب وغير العرب سواء في المجزرة البشعة في قلعة جانجي في مزار شريف التي تمت بكل خسة وخساسة أم في هذا القتل المتعمد لهؤلاء الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ مع تخريب للبيوت وتدمير لكل شيء!! 


*** 

هل تبحث عن هاني السباعي.. ؟..

إبحث عنه حيث يحب الله أن يراه.. هناك ستجده..

ابحث عنه عند مظلوم ستجده يساعده في رفع الظلم..

ابحث عنه عند مسجون ظلما..

ابحث عنه عند مخطوف غدرا..

ابحث عنه عند خائن يواجهه..

وعند كاذب يكذبه..

وعند صادق يؤيده..

وعند مزور يفضحه..

ابحث عنه عندما تشم رائحة شعر يحترق..

فلقد حرقوا له لحيته بالنار..

هل قلت حلقوها.. أم قلت حرقوها.. 

حلقوها.. حرقوها.. حلقوها.. حرقوها. حرقوها .. حلقوها..حلقوها.. حرقوها.. لا فرق بين الكلمتين سوى الجلد المشوي بعد الحلاقة بالنار.. هل تخيلت نفسك أبدا والنار تشتعل في وجهك.. تحرق وجهك.. تأكل وجهك.. ورائحة هذا اللحم المشوي.. قد تكون رائحة لحم الوجه المحترق بوقود اللحية.. وقد تكون حلمة الثدي التي أطفأ الجلاد فيها سيجارته المشتعلة.. هل سمعت الصوت.. صوت اللحم يطفئ النار والنار تحرق اللحم أم جربت الجلد بالسياط على وجه احترق جلده.. أم جربت ألا تكون أذرعة السوط خيوطا من المطاط بل أسلاكا مجدولة من النحاس والصلب مع قطع موضوعة كي تنهش اللحم نهشا.. هل جربت نهش اللحم النيئ أم جربت نهش اللحم المشوي هل علقوك؟ هل التعليق مؤلم؟ فماذا إن كان التعليق من رسغ مكسور... آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه..

هذا هو هاني السباعي المتهم بالإرهاب..

أي رجل هو..

هذا الذي ينشر الوعي بين المسلمين على حساب قوته..

هل قلت على حساب قوته؟..

عذرا..

فلم يعد له قوت..

منعوا عته كل راتب وكل معونة وحتى الدواء منعوه.. وتفضلوا عليه بالسماح لزوجته و أطفاله بالإنفاق عليه للمأكل والملبس والمشرب وليس أكثر.. ممنوع حتى أن يعطوه ثمن تذكرة للمترو.. وأي واحد في هذا العالم يحاول مساعدته سيسجن!!

هذا هو هاني السباعي الذي ينشر الوعي بين الأمة بقوت زوجته و أبنائه فيبارك الله له فيما يعطي وليكون أكثر تأثيرا ومصداقية من صحف عربية تقدر ميزانيتها بالملايين وخسائرها بالمليارات ( راجع خسائر الأهرام على سبيل المثال).

*** 

هاني السباعي أفضل من يحلل خطابات القاعدة، يتلوه في ذلك عبد الباري عطوان، ومع ذلك فقد استبعدت قناة الجزيرة الأول تماما واستبعدت الثاني جزئيا، ولا ريب عندي أن هذا يتم بتدبير أمريكي، إن أمريكا لا تريد تفسير الشيخ أسامة بن لادن ولا شرحه، إنما تريد تشويهه والكذب عليه، وفي هذه الحالة فإن هاني السباعي هو آخر من يناسب الاحتياجات الأمريكية، وسوف نتناول الآن كيف فسر هاني السباعي أحد بيانات شيخ المجاهدين تحت عنوان " قراءة في خطاب الشيخ أسامة بن لادن للشعب الأمريكي": مما لا شك فيه أن ظهور الشيخ أسامة عيدٌ على عيد الفطر المنتظر لدى أتباعه ومحبيه في العالم الإسلامي. لقد صام المسلمون رمضانين، وها هم أولاء يفطرون على أحلى وأشهى وجبة فطور (حديث الشيخ أسامة). وإذا كان لا بد لنا من تعليق على حديث زعيم تنظيم قاعدة الجهاد فإننا سنتنناوله على النحو التالي:

أولاً: من الناحية الشكلية:

(1) ظهر الشيخ أسامة بزيه العربي وبعباءة ذهبية اللون يقف خلف طاولة أشبه بمنصة يلقي بيانه المرتقب في الوقت المناسب الذي اختاره بعناية بعد أن أشاع المرجفون في العالم بأن بوش عشية الانتخابات الأمريكية سيعرض الشيخ أسامة في قفص كما فعل تيمور لنك مع السلطان العثماني بايزيد الملقب بالصاعقة!! فكان ظهور الشيخ أسامة رسالة فرح وحزن في آن واحد؛ رسالة فرح وحبور لدى أحبابه وكل المستضعفين في العالم ورسالة غم وحزن ونذير شؤم على الحكومة الأمريكية ومبغضيه في العالم.

(2) نلاحظ أنه لم يرتد سترته العسكرية مثلما كان يفعل من قبل وفي ذلك إشارة إلى استقراره وشعوره بالطمأنينة مع تشتيت أنظار المخابرات الأمريكية ومن يتعاون معها؛ هل هو موجود في أفغانستان أم في باكستان أم بين القبائل الأفغانية والباكستانية أم أنه على حدود الصين أم في دولة أخرى!! وهي رسالة تيئيس وإغاظة للحكومة الأمريكية وحلفائها ولسان حاله يقول: لا تتعبوا أنفسكم في البحث عني فأنا ها هنا حيث أتمتع بحماية الله لي. وهي رسالة قوية إلى الشعب الأمريكية أن حكومته التي صرفت المليارات للقبض عليه فشلت.. وكأنه يقول لهم بلسان الشرع (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم). كما أنها رسالة للشعب الأمريكي ضد وسائل إعلامه المسيسة التي رسمت صورة نمطية له بأنه رجل شرير يختبئ في كهوف أفغانستان.. فها هو ذا يبين لهم أنه متابع لكل صغيرة وكبيرة للمجتمع الأمريكي وأنه معهم حتى في انتخابات الرئاسة حامية الوطيس أي أن إعلامهم يضللهم مثل حكومتهم المركزية!!

*** 

إنني أستعرض مقتطفات من هنا وهناك لكي يدرك القارئ في النهاية لماذا اعتبر مجلس الأمن هاني السباعي إرهابيا.. هل لأنه يمسك السلاح أم لأنه يمسك القلم.. هل لأنه يفجر آليات العدو ومنشآته أم لأنه يفجر أكاذيبه ومفترياته..

ليس الوقت وقت هذر.. 

والقلب المجروح لا يستطيع أن يضحك..

ولكن الطرفة معبرة بدرجة يصعب تجاهلها في هذا الظرف..

إذ يذكر أن الشيخ إمام، وهو مغن كفيف مشهور جدا خاصة في السبعينيات، حيث غنى أغاني معارضة قوية كان معظمها من تأليف أحمد فؤاد نجم، وذات ليلة كان يغني ويعزف على العود في حفلة خاصة، وكان يدخن مع أصحابه الحشيش.. وصرخ الصبي الذي تركوه في الخارج:

البوليس يا مولانا..

فصرخ الشيخ إمام على الفور:

ارموا  العود من الشباك..

كان الشيخ إمام قد أدرك أن البوليس إنما جاء لا ليضبط الحشيش بل ليضبط الأغنية، لذلك طلب منهم أن يتخلصوا من العود لا من الحشيش..

*** 

نعم تجريدة مجلس الأمن على هاني السباعي ليست بسبب الإرهاب بل بسبب ما يكتب، بسبب إصراره على إعلان الحقيقة. 

إنه يرفض على سبيل المثال مسخرة التوبة في مباحث أمن الدولة ومهزلة تراجعات"الجماعة الإسلامية".. إنه لا يهادن ولا يداهن ولا يجامل، إنه يهاجم من ينحرف عن جادة الطريق أيا كان موقعه، ويواجه قادتهم لأن تراجعاتهم تتخذ أساساً لتوجيه سهام الاتهام إلى الإسلام العريض وليس إلى جماعة بعينها.  فالمنتقدون يتخذون تنازلات هذه الجماعة ومراجعاتها وانهيارها الفكري... للقول إن هذا الإسلام الرافض هيمنة الحكام والأميركيين غير صالح. هذه المراجعات وُلدت في بيئة غير صالحة. وُلدت في بيئة السجون التي لا تُفرز إلا سلخاً مشبوهاً. وهذا السلخ المشبوه سمّوه بعد ذلك المراجعات الفكرية لـ"الجماعة الإسلامية". لماذا لا يُفرجون عن قادة "الجماعة" ليكونوا في مناخ خصب وليصلوا إلى الأفكار التي وصلوا إليها أو إلى أفكار أخرى غير التي وصلوا إليها، لنستطيع أن نعلم أن هناك حرّية رأي واختيار...

*** 

إنني أزدري كثيرا أولئك الذين يشفعون دفاعهم عن مجاهد بتعداد أوجه الخلاف بينهم وبينه، يفعلون ذلك قربانا للطاغوت.. يفعلون ذلك خشية اتهامهم بالإرهاب مثله.. وبدلا من أن يجاهروا بأن الإرهابيين هم الذين يتهمونه بالإرهاب إذا بهم يأخذون اتهامه بالإرهاب كقضية مسلمة.. ثم يبدءون البحث عن مسوغات الرأفة والرحمة لا العدل..

لا..

أنا أبحث عن العدل..

والعدل أن يحاصر محاصروه وأن ينكل بمضطهديه و أن يقتل من يريدون قتله..

لكنني هنا مرغما.. ولسبب آخر تماما..  أقول أنني مع هاني السباعي في نفس الخندق.. لكن هناك تمايزا في الرؤى ولولا أناس أحبهم أخشى أن يفهم أنني أؤيد رأي هاني السباعي فيهم لما كتبت هذه الفقرة. من هؤلاء الناس الدكتور يوسف القرضاوي والإخوان المسلمون ( والحب لا يعني تأييدا أعمى ولا صكا بدون شروط). 

يتمايز موقفي معه أيضا فيما يتعلق بالشيعة.. وبرغم أنني أدرك خطورة الانحراف العقدي عند بعض الشيعة إلا أنني لا أعمم هذا الموقف على عامتهم.. ( هل يمكن مثلا أن نعتبر شيخ الأزهر السني ممثلا لهاني السباعي السني؟ أم أنهما على طرفي نقيض) لا أنكر أنني غاضب أشد الغضب من خيانتهم للأمة في العراق ولكن ذلك لم يجرمني ألا أعدل. ولقد كنت أتمنى أن تصهر نار المقاومة الخلافات الموروثة ومدركا أن الصحوة تؤتي أكلها في القضاء على الانحرافات ( لا حظ مثلا تنصل الصوفية في مصر مما كانوا يفخرون به منذ أعوام ) كنت أتمني ذلك لكن قادتهم قادوهم إلى عار الدنيا وخزي الآخرة.

***


أزعم أنني شعرت بجزء ضئيل جدا من إحساس الحصار الذي يحس به هاني السباعي أيام ما عرف بأزمة الوليمة.. كان الطاغوت قد حاصرني حصارا أليما، أغلقت الشعب، وكان الاعتقال متوقعا في كل لحظة، وكنت غاضبا وراغبا في مواصلة الجهاد في سبيل الله وكانت الطرق موصدة في وجهي ( صودرت صحيفة الحقيقة لأنها نشرت لي مقالا رغم أنها شوهته كي لا تغضب الأمن..)

وكنت أدعو ربي: يا رب.. لقد قلت وقولك الحق:

إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) النساء

فأي بلد من بلاد الدنيا تسعني كي أدافع عن دينك..

بلادي لا تسعني.. فأي بلاد الله تحتملني.. 

هل أذهب إلى السعودية..

إن الطاغوت هناك لا يقل عن هنا..

هل أذهب إلى أوروبا.. 

هل أذهب إلى الهند؟..

إلى الباكستان أو أفغانستان..

وضاقت بي الدنيا بما رحبت..

ورحت أقرأ الظلال: 

إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم. . قالوا:فيم كنتم ? قالوا:كنا مستضعفين في الأرض. قالوا:ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ? فأولئك مأواهم جهنم, وساءت مصيرا. إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان, لا يستطيعون حيلة, ولا يهتدون سبيلا. فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم, وكان الله عفوا غفورًا. . 

لقد كان هذا النص يواجه حالة واقعة في الجزيرة العربية - في مكة وغيرها - بعد هجرة رسول الله [ ص ] وقيام الدولة المسلمة. فقد كان هناك مسلمون لم يهاجروا. حبستهم أموالهم ومصالحهم - حيث لم يكن المشركون يدعون مهاجرا يحمل معه شيئا من ماله - أو حبسهم إشفاقهم وخوفهم من مشاق الهجرة - حيث لم يكن المشركون يدعون مسلما يهاجر حتى يمنعوه ويرصدوا له في الطريق. . وجماعة حبسهم عجزهم الحقيقي, من الشيوخ والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة للهرب ولا يجدون سبيلا للهجرة 

وقد اشتد أذى المشركين لهؤلاء الباقين من أفراد المسلمين ; بعد عجزهم عن إدراك الرسول [ ص ] وصاحبه, ومنعهما من الهجرة. وبعد قيام الدولة المسلمة. وبعد تعرض الدولة المسلمة لتجارة قريش في بدر, وانتصار المسلمين ذلك الانتصار الحاسم. فأخذ المشركون يسومون هذه البقية المتخلفة ألوانا من العذاب والنكال, ويفتنونهم عن دينهم في غيظ شديد. 

وقد فتن بعضهم عن دينهم فعلا ; واضطر بعضهم إلى إظهار الكفر تقية, ومشاركة المشركين عبادتهم. . وكانت هذه التقية جائزة لهم يوم أن لم تكن لهم دولة يهاجرون إليها - متى استطاعوا - فأما بعد قيام الدولة, ووجود دار الإسلام فإن الخضوع للفتنة, أو الالتجاء للتقية, وفي الوسع الهجرة والجهر بالإسلام, والحياة في دار الإسلام. . أمر غير مقبول. (...)..

كنا مستضعفين. يستضعفنا الأقوياء. كنا أذلاء في الأرض لا نملك من أمرنا شيئا. 

وعلى كل ما في هذا الرد من مهانة تدعو إلى الزراية ; وتنفر كل نفس من أن يكون هذا موقفها في لحظة الاحتضار, بعد أن يكون هذا موقفها طوال الحياة. . فإن الملائكة لا يتركون هؤلاء المستضعفين الظالمي أنفسهم. بل يجبهونهم بالحقيقة الواقعة ; ويؤنبونهم على عدم المحاولة , والفرصة قائمة: 

قالوا:ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟!..

إنه لم يكن العجز الحقيقي هو الذي يحملهم - إذن - على قبول الذل والهوان والاستضعاف , والفتنة عن الإيمان . . إنما كان هناك شيء آخر . . حرصهم على أموالهم ومصالحهم وأنفسهم يمسكهم في دار الكفر , وهناك دار الإسلام . ويمسكهم في الضيق وهناك أرض الله الواسعة . والهجرة إليها مستطاعة ; مع احتمال الآلام والتضحيات . 

وهنا ينهي المشهد المؤثر , بذكر النهاية المخيفة: 

فأولئك مأواهم جهنم , وساءت مصيرًا . . 

ثم يستثني من لا حيلة لهم في البقاء في دار الكفر ; والتعرض للفتنة في الدين ; والحرمان من الحياة في دار الإسلام من الشيوخ الضعاف , والنساء والأطفال ; فيعلقهم بالرجاء في عفو الله ومغفرته ورحمته ..

ثم ما لبثت أحداث سبتمبر أن جاءت.. و رغم إدراكي لخطورة العواقب فقد أيقنت بالبشارة.. لقد قال الله وقوله الحق: "قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا.." .. وقول الله قانون تنفذه السماوات والأرض طوعا أو كرها.. والله قد من على عباده المؤمنين بأرض يمكن أن يهاجروا إليها .. و أمريكا تحاول منع المشيئة.. إذن .. ستنكسر أمريكا..

على أي حال شعرت أيامها بقسوة الحصار..

وهو حصار لا يمكن أن يقارن بما يعانيه هاني السباعي.. بل إن حصار هاني السباعي لا يمكن أن يقارن بحصار تيسير علوني.. كما أن حصار تيسير علوني لا يمكن أن يقارن بحصار سامي الحاج في جوانتانامو.. بل إن حصار أسرى جوانتانامو لا يقارن بحصار مباحث أمن الدولة في مصر..

على أي حال جعلني هذا الحصار أتساءل في دهشة وفي ألم:

ألا توجد في بلد من بلاد المسلمين نخوة تكفي لإجارة هؤلاء المجاهدين؟؟..

- ألا توجد نخوة؟..

- هل انعدمت الشهامة والإغاثة والشرف؟.. لقد كان الكافر يجير المسلم والمسلم يجير الكافر وما من ناقض..

وكنت وما زلت واثقا أن الصبح قريب..

***

الصبح قريب بجهاد المجاهدين القابضين على الجمر..

الصبح قريب..

إن جميع خطط الصليبيين واليهود ستفشل عندما يواجهها إيمان كإيمان الشيخ أسامة بن لادن أو الشيخ أيمن الظواهري..

أو هاني السباعي..

لن يفشل خطط الغرب ضدنا إلا الإيمان والجهاد.. فمثل هذين العنصرين غريبان على الغرب.. لم يضعهما في حسابه.. ولا يمكن لآلياته الجهنمية أن تستمر في وجودهما.. الأمر أشبه بجهاز للكمبيوتر يستطيع أن يفعل كل ما يطلب منه طالما عمل في الجو المهيأ له.. فإذا ما سكبت عليه الماء أو أشعلت تحته النار فسد كل عمله..لأنه لم يصمم للعمل في وجود هذين العنصرين..

لن يفشل خطط الغرب تجاهنا إلا الإيمان والجهاد بكل أنواعه..

نعم .. ذلك يقلب المعادلة كلها

*** 

بقي هناك الكثير كنت أود كتابته عن هاني السباعي.. ولكن طال المقال .. ومع إدراكي أنني حتى لو أكتب ضعف ما كتبت لما أوفيت الموضوع حقه..

كنت أريد أن أكتب عن الدكتور محمد الغنام..وياسر السري..

كنت أريد أن أكتب عن تيسير علوني وعن سامي الحاج..

كنت أريد أن أكتب عن رجل هو أمه أشعر بالخزي والعار لعجزي عن مناصرته فمثله لا يصلح له فقرة ولا مقال..

الشيخ عمر عبد الرحمن يحتاج من شيوخ الأزهر – لا شيخه- موقفا كموقف البابا شنودة تجاه النصارى المعتقلين..

وسيكون الفرق أن الشيخ عمر من كبار المجاهدين أما من ناصرهم البابا فمن صغار الفاسقين..

لقد نزفت كل كبريائي وكرامتي و أنا أقرأ على مقع إحدى الساحات استغاثة من الشيخ يقول فيها:


أيها الأخوة الأجلاء ... 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :-

فإن واجب النصرة عليكم أكيد ، أن تنصروا أي مسلم أسر عند الكفار وأعداء الإسلام .. فواجب النصرة أمر حسمه الدين .. ألم يتحرك جيش إسلامي تعداده سبعون ألفا من بغداد بمجرد سماع صرخة امرأة على بعد آلاف الأميال في بلاد الأتراك ( عمورية ) ؟! وذهب هذا الجيش لينصر هذه المرأة ؛ ولم يكن إجابته على صرختها كلاما أو كتابة إنما كان جيشا يدك حصون الأعداء .. أليس الحكم الشرعي أنه إذا أسر مسلم أصبح الجهاد فرض عين على الأمة الإسلامية بأسرها لإنقاذه ؟ أليس كلام الفقهاء ينص على أنه إذا أسر مسلم بالمشرق وجب على أهل المغرب المشاركة في فك أسره وأصبح إنقاذه واجبا على جميع المسلمين ؟

والشيخ يناديكم صباحا ومساءا .. وا إسلاماه ! وا إسلاماه! فلا يجد داعيا ولا مجيبا ! فواجب المسلمين في كل أنحاء العالم فك أسر الشيخ وتخليصه من سجنه وأن هذا الأمر دين في أعناقكم وأمانة في رقابكم فعليكم أن توفوا الدين وتؤدوا الأمانة وإلا فالأمة الإسلامية لآثمة كلها ! فكيف يكون الحال إذا ما كان الشيخ من علماء المسلمين ؟ إن الأمر ليشتد قوة وعزما وإن الدين يكون ألزم والإثم أعظم . 

أيها الأخوة الأجلاء .. أيها المسلمون في جميع أنحاء العالم .. 

إن الحكومة الأمريكية رأت في سجني ووجودي في قبضتها الفرصة السانحة فهي تغتنمها أشد اغتنام لتمريغ عزة المسلم في التراب والنيل من عزة المسلم وكرامته ، فهم لذلك يحاصرونني .. ليس الحصار المادي فحسب ، إنهم يحاصرونني حصارا معنوياً أيضا ، حيث يمنعون عني المترجم والقارئ والراديو والمسجل .. فلا أسمع أخبارا من الداخل أو الخارج ، وهم يحاصرونني في السجن الانفرادي فيمنع أحد يتكلم العربية أن يأتي إلي فأظل طول اليوم والشهر والسنة لا أكلم أحدا ولا يكلمني أحد .. ولولا تلاوة القرآن لمسني كثير من الأمراض النفسية والعقلية .. وكذلك من أنواع الحصار أنهم يسلطون علي ( كاميرا ) ليلا ونهارا لما في ذلك من كشف العورة عند الغسل وعند قضاء الحاجة، ولا يكتفون بذلك .. بل يخصصون مراقبة مستمرة عليّ من الضباط ، ويستغلون فقد بصري في تحقيق مآربهم الخسيسة .. فهم يفتشونني تفتيشا ذاتيا فأخلع ملابسي كما ولدتني أمي وينظرون في عورتي من القبل والدبر .. وعلى أي شيء يفتشون ؟؟ على المخدرات أو المتفجرات ونحو ذلك ويحدث ذلك قبل كل زيارة وبعدها وهذا يسيء إلي ويجعلني أود أن تنشق الأرض ولا يفعلون معي ذلك .. 

ولكنها كما قلت الفرصة التي يغتنمونها ويمرغون بها كرامة المسلم وعزته في الأرض ، وهم يمنعونني من صلاة الجمعة والجماعة والأعياد وأي اتصال بالمسلمين .. كل ذلك يحرمونني منه ، ويقدمون المبررات الكاذبة ويختلقون المعاذير الباطلة ، وهم يسيئون معاملتي أشد الإساءة .. ويهملون في شؤوني الشخصية كالحلق وقص الأظافر بالشهور ، كذلك يحملونني غسل ملابسي الداخلية حيث أنا الذي أمر الصابون عليها وأنا أدعكها وأنا أنشرها وإني لأجد صعوبة في مثل هذا ثم إني لأشعر بخطورة الموقف فهم لا محالة قاتلي .. إنهم لا محالة يقتلونني لا سيما وأنا بمعزل عن العالم كله ، لا يرى أحد ما يصنعون بي في طعامي أو شرابي ونحو ذلك وقد يتخذون أسلوب القتل البطيء معي .. فقد يضعون السم في الطعام أو الدواء أو الحقن .. وقد يعطونني دواءاً خطيرا فاسداً .. أو قد يعطونني قدراً من المخدرات قاتلاً أو محدثاً جنوناً .. خصوصاً وأنا أشم روائح غريبة وكريهة منبعثة من جهة الطابق الذي فوقي مصحوباً بها ( وش ) مستمر كصوت المكيف القديم الفاسد ومعه خبط وقرع وضوضاء 

وطرق كصوت القنابل يستمر للساعات ليلاً ونهارا .. وهم سيختلقون عندها المعاذير الكاذبة والأسباب الباطلة فلا تصدقوا ما يقولون .. إنهم يجيدون الكذب وقد يختلقون إساءة خلقية ويستخرجون لها الصور .. فكل ذلك ينتظر منهم .. وأمريكا تعمل على تصفية العلماء القائلين للحق في كل مكان .. فقد أوحت إلى زبانيتها في ( السعودية ) فسجنوا الشيخ (سفر الحوالي ) والشيخ ( سلمان العودة ) وكل المتكلمين بالحق ، كذلك صنعت مصر .. 

وجاءت التقارير القرآنية عن هؤلاء اليهود والنصارى ولكننا ننسى أو نتناسى ؛ 

قال الله تعالى { ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا } 

{ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } 

{ كيف وإن يظهروا عليكم لا رقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون } 

{ لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولائك هم المعتدون } 

{ إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداءً ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون } 

إن هؤلاء هم الذين يحاربون أي صحوة إسلامية في العالم كله ويعملون على إشاعة الزنا والربا وسائر أنواع الفساد في الأرض كلها .. 

أيها الأخوة .. 

إنهم إن قتلوني - ولا محالة هم فاعلوه - فشيعوا جنازتي وابعثوا بجثتي إلى أهلي لكن لا تنسوا دمي ولا تضيعوه بل اثأروا لي منهم أشد الثأر وأعنفه وتذكروا أخا لكم قال كلمة الحق وقتل في سبيل الله.. 

تلك بعض كلمات أقولها هي وصيتي لكم؛

سدد الله خطاكم وبارك عملكم.. حماكم الله.. حفظكم الله.. رعاكم الله، مكن الله لكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

أخوكم / عمر عبد الرحمن 

*** 

للوهلة الأولي بادرت بتكذيب ما أقرأ..

قلت لنفسي – محاولا تقليل وزري- أن هذا الأسلوب شبيه بمبالغات بعض الشيعة في أحداث استشهاد سيدي وحبيبي ومولاي ومهجتي الإمام الحسين..

كنت أشو نفسي و أخدعها.. لكن هذه الاستغاثة سرعان ما تأكدت من موقع موثوق به – هو موقع شهود- نشر تصريحات  زوجة الشيخ الدكتور عمر عبد الرحمن إذ قالت زوجي يعاني ظروفا غير إنسانية في سجنه الأميركي حيث حكمت عليه الولايات المتحدة بالسجن مدى الحياة بدعوى التورط في تفجيرات نيويورك عام 1993.. قالت  إن زوجها حالته الصحية تتدهور يوماً بعد يوم نتيجة أمراض مزمنة يعانيها مع عدم وجود إشراف صحي وطبي مناسب في سجنه الأميركي.

وكشفت في مقابلة نشرها موقع "شهود" الإخباري أن زوجها موجود في الحبس الانفرادي بعدما نقل أخيراً من المركز الطبي "روشستر مينيسوتا" إلى سجن على أعلى درجات الحراسة والأمن في كولورادو ومنه إلى سجن "سبرنج فيلد" وغير مسموح له بالزيارة نهائياً. 

ومن جهته؛ أكد حسن مهندس الكمبيوتر والإحصاء, 24 عاما, نجل عبدالرحمن سوء الحالة الصحية لوالده ومعاناته من أمراض الشيخوخة.

وقال إن والده لا يعاني من فقدان الذاكرة وإن كانت حالته النفسية سيئة جدًا نظرًا للعزلة التامة المفروضة عليه وبخاصة عقب أحداث 11 سبتمبر، كما أن مرض السكر الذي يعاني منه وصل إلى حالة متأخرة بلغت درجة فقدانه لحساسية أطرافه في أصابع يده فلم يعد يستطيع القراءة أو الكتابة بطريقة (برايل) وهي المخصصة للمكفوفين وضعاف البصر كما كان يفعل من قبل بالإضافة إلى ارتفاع ضغط الدم ومعاناته من أزمة صدرية حادة فضلاً عن انخفاض وزنه حوالي 80 رطلا مما يجعله يشعر دائماً بحالة من الضعف العام تعتريه.

وتحدثت عائشة عن زيارتها الوحيدة لزوجها في السجن الأميركي فقالت: "الأحوال في السجن سيئة ومتردية للغاية, وتسلط على الشيخ الضرير الكاميرات بالصوت والصورة طوال الـ24 ساعة يوميًا، كما يقوم زوجها بغسل ملابسه الداخلية".

وقالت: "لا يوجد معه من يقوم بإحضار الأشياء أو ترتيبها ووضعها في المكان الصحيح وليس معه من يكلمه أو يتكلم إليه طوال الليل والنهار وليس معه من يأنس إليه من الناس بحيث لا يوجد معه لا قريب مسلم ولا من يتكلم العربية ويبقى على ذلك طوال الليل والنهار".

وأكدت السيدة عائشة وجود تفرقة عنصرية في السجن من حيث المعاملة وقالت: "فإذا ما نادى أي سجين ضباط الحراسة أسرعوا له أما زوجي فيظل يطرق الباب لساعات ولا أحد يريد أن يقضي له ما يحتاج إليه".

وأكدت أن زوجها لم يصل الجمعة ولا الجماعة "منذ أن أتى إلى السجن الأميركي, رغم مزاعمهم عن حرية العقيدة والعبادة".

وأضافت أن "الأميركيين يصنفون زوجها ضمن المجانين، وحينما سألهم عن سبب ذلك أخبروه بأنه لا يوجد مكان غير هذا وذلك لإصابته بالأمراض النفسية، وهو العالم الأزهري الذي حصل على شهادة الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى والذي دَرَسَ ودرَّس الإسلام قرابة أربعين عامًا".

وقالت إن زيارتها لزوجها كانت مسجلة بالصوت والصورة, مشيرة إلى أن الحراس أخبروهم "أننا لا نستطيع مصافحته بل وإن الزيارة بالكامل ستكون مسجلة بالصوت والصورة فأدخلونا من باب ودخل عبد الرحمن من باب آخر وقسموا الحجرة إلى نصفين بطاولة تجعل المسافة بيننا وبينه لا تقل عن مترين فلا تستطيع محادثته إلا بأن ترفع صوتك ليسمعك كل من يحيط بك من الحراس وغيرهم ممن أتوا بهم لمتابعة هذه الزيارة".

وعن القضايا السياسية التي اتهم فيها عبد الرحمن قالت السيدة عائشة: "لقد اتهمته سلطات الأمن خطأ في غمرة أحداث اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات وما تبعها من أحداث أسيوط لأنه قد أفتى بحل دم الرئيس السادات.. وقدم للمحاكمة العسكرية العليا في القضية رقم 7/1981م عسكرية عليا.. وتأكد للمحكمة العسكرية أنه لا صلة له بواقعة الاغتيال وأن اتهامه غير صحيح وقضت ببراءته ثم عادت سلطات الأمن إلى اتهامه خطأ مرة أخرى فنسبت إليه أنه أمير "الجماعة الإسلامية" وقدم للمحاكمة في القضية رقم 462/1982م أمن دولة طوارئ.. وثبت للمحكمة مرة أخرى أنه لا صلة له "بالجماعة الإسلامية" ولا تنظيم "الجهاد"، ولم يساهم بأي قول أو فعل في الأحداث التي اتهم أعضاء هاتين الجماعتين بارتكابها.

وأضافت أنه بعد سنوات طويلة من براءة الدكتور عمر في القضيتين المذكورتين خطب الجمعة في مسجد البلدة (مسجد الشهداء) وتجمع الناس حوله أثناء خروجه من المسجد يسلمون عليه، فاتهمته سلطات الأمن بأنه قاد مظاهرة أمام المسجد وقدم للمحاكمة، وتأكد لمحكمة الطوارئ التي نظرت الدعوة أن التهمة غير صحيحة وقضت ببراءته، وهكذا قد برئت ساحة الشيخ من كل اتهام بممارسة العنف أو المشاركة فيه على أرض مصر.

وأوضحت: "سافر عبد الرحمن إلى أميركا لممارسة نشاطه الدعوى واتخذ مقراً له مسجد الفاروق في حي بروكلين وكان طبيعياً أن يلتف الناس حوله ويؤمهم في صلاتهم، لكن اللوبي الصهيوني في نيويورك لم يرض عن نشاطه فلفقوا له اتهاماً هو وغيره من الشباب الملتف حوله بنسف مركز التجارة ومبنى الأمم المتحدة واتهامات أخرى ملفقة قضت بعقوبة السجن مدى الحياة".

وعن آخر رسالة كتبها عمر عبد الرحمن قالت: "تحدث فيها عن حصاره ماديا ومعنويا داخل السجن, فلا يسمع أخباراً من الداخل والخارج فهم يحاصرونه في السجن الانفرادي فيُمنع أي أحد يتكلم العربية أن يأتي إليّه فيظل طوال اليوم والشهر والسنة لا يكلم أحدا ولا يكلمه أحد ولولا قراءة القرآن لمسه كثير من الأمراض النفسية والعقلية".

ويقول عبد الرحمن في رسالته: "أنا بمعزل عن العالم كله لا يرى أحد ما يضعون في طعامي أو شرابي ونحو ذلك وقد يتخذون أسلوب القتل البطيء معي.

 فقد يضعون السم في الطعام أو الدواء أو الحقن.. وقد يعطونني دواء خطيراً فاسداً. 

أو قد يعطونني قدراً من المخدرات قاتلاً أو محدثاً جنوناً.. خصوصاً أنا أشم روائح غريبة وكريهة منبعثة من جهة الطابق الذي فوقي مصحوباً بها "وش" مستمر كصوت المكيف القديم الفاسد ومعه خبط وقرع وضوضاء وطرق كصوت القنابل يستمر للساعات ليلاً ونهاراً.. وهم سيختلقون عندها المعاذير الكاذبة والأسباب الباطلة فلا تصدقوا ما يقولون.. إنهم يجيدون الكذب وقد يختلقون إساءة خلقية ويستخرجون لها الصور".

وكشفت عن عدة محاولات للإفراج عن زوجها بالتماس قدّم إلى الرئيس الأميركي "جورج بوش" والتماس آخر إلى وزير العدل الأميركي "جون اشكروفت" والتماس إلى المسؤولين في مصر.

*** 

يا شيوخ الأزهر – لا يا شيخه-  أما من نصرة..أما من بيان أما من إجارة.. أما من اعتصام أما من إضراب..

لا يهون عليّ أن أقول تعلموا من البابا شنودة..

يتمزق قلبي..

و أستجير فهل من مجير..

*** 

كنت أريد أن أكتب عن هذا كله..

وكنت أريد أن أكتب المزيد عن هاني السباعي..

كنت أريد أن أكتب عن متابعته الفضائيات ليكشف الفضائحيات منها سواء على مستوى القنوات أو مستوى البرامج.. يتابع مثلا قناة الجزيرة في برنامج حركته الأصابع الأمريكية لتشويه الشهيد العظيم – إن شاء الله – سيد قطب.. فيكتب: يستنكر مركز المقريزي ما بثه برنامج "ممنوعون" بقناة الجزيرة اليوم [غرة ربيع ‏الثاني 1425هـ / الموافق 20 مايو 2004م] عن شهيد الإسلام سيد قطب وقد أثار ‏حفيظتنا هذا البرنامج الساذج غير اللائق بعلم من أعلام الإسلام؛ عقيدة وفكراً ‏وسياسة.. وتتلخص ملاحظاتنا في النقاط التالية:‏

أولاً: من الناحية الشكلية: سطحية المذيع معد البرنامج واسترساله في مواضيع نشتم ‏منها تمجيد عهد بائد، وخلو جعبته من قضايا جدية تلقي الضوء على فكر هذه ‏الشخصية العظيمة.. فواضح أن المذيع لم يعرف الفرق بين صاحب الظلال وصاحب ‏الحرافيش: الفاجومي وشيخه إمام!‏

ثانياً: البرنامج ينطبق عليه المثل العرب: (نسمع جعجعة ولم نر طحناً).. فقد بثت ‏الجزيرة عنواناً مثيراً فكان جعجعة! ومضموناً ساذجاً مهيناً بحق.. ومن ثم فلم نر ‏طحناً!! اللهم إلا صوت العندليب الذي كان يخدر الأمة بأغانيه!! وصوت الزعيم ‏الملهم الذي أحل بقومه دار البوار.. وصارت مصر والأمة بأسرها بفكره الميمون! ‏مرتعاً لكل غاز وعربيد.. بل لم يفلح خلفاؤه لا في السياسة ولا حتى في الكورة!‏

ثالثا: لم يكلف معد البرنامج نفسه بأخذ تعليق أحد أقارب الشهيد سيد قطب رغم أنهم ‏غير مجهولي الهوية.‏

رابعاً: لم يكلف نفسه أن يستضيف أحد الكتاب المقربين الذي كتبوا عن الأستاذ العلم ‏سيد قطب وبعضهم أحياء يرزقون.. وهذا خلل كبير لقناة مثل الجزيرة أن تغفل هذه ‏الأبجديات المهنية.

خامساً: عدم إبراز الوجه الغربي القبيح في الباعث الحقيقي الذي أبرزه سيد قطب ‏وهو في أمريكا ألا هو نبأ استشهاد الأستاذ حسن البنا وحالة الهستيريا التي انتابت ‏المجتمع الأمريكي وخاصة النخبة وهو يرقصون فرحاً بالتخلص من أحد أعداء ‏الغرب!

‏سادساً: نشر رسالة سيئة مفادها أن سيد قطب كان عصبي المزاج متمرداً في جميع ‏أطوار حياته فكأن الرجل ـ وحاشاه ذلك ـ مريض بعقدة ما!! ويتصرف من منطلق ‏‏(خالف تعرف)!.. كما أن الربط بينه وبين شيخ الإسلام ابن تيمية من خلال أن ‏كتاباتهما حدية وعنيفة لظروف السجن! وهو مثلما فعلوا مع الدكتور أيمن الظواهري ‏عندما أرادوا أن يربطوا بين أفكاره وبين محنة السجن.. 

وهذا ديدنهنم مع دعاة الحق ‏وأهل الطهر.. وهذا تحليل خائب يقطر من مرض خبيث وهذا يدل على أن معد ‏البرنامج لم يسبر غور دعوة الأستاذ الشهيد سيد قطب رحمه الله.

‏سابعاً: تصوير الأستاذ الشهيد سيد قطب وخاصة في مقدمة البرنامج على أنه رجل ‏دموي تسبب في كل الأحداث من خلال صور لأحداث المنصة [اغتيال السادات عام ‏‏1981]، وإن كنا لا ننكر أن معظم الجماعات الإسلامية الجهادية الحديثة قد استقت ‏من معين هذا الشهيد العظيم غير أننا نرفض أن يوصم الأستاذ الشهيد سيد قطب ‏بالصورة الدموية المختزلة في عقلية الباحث الغربي ومن يسيرون على دربهم ‏المشين.‏

ثامناً: القول بأن الصراع بينه وبين النظام الناصري صراع سياسي بالمفهوم الذميم ‏لهذا المصطلح وهذا تحليل إما ساذج وإما خبيث فصراع الأستاذ الشهيد كان صراعاً ‏عقدياً وقد استبان له ذلك جلياً عندما عمل مع ضباط يوليو في أول الأمر خلال ثلاثة ‏أشهر إذ ظهر أنهم حفنة من المارقين على الإسلام وعصبة من المتخلفين عقلياً ‏ضررهم أكثر من نفعهم.‏

تاسعاً: تشويه البرنامج لشيخ الإسلام ابن تيمية من خلال أنه أفتى بناء على طلب من ‏حكومة المماليك: بجهاد التتار الذين كانوا قد أسلموا!! والعجيب أن الذي ‏يحلل لنا أحد ضيوف البرنامج من المستشرقين الإنجليز!! وفاتهم أن حكومة المماليك ‏هي التي سجنت شيخ الإسلام وأنه لم يكن يحابي أحداً من هؤلاء السلاطين رغم أننا ‏نتمنى في وقتنا الحاضر أن نحكم بهؤلاء المماليك! وأما أن التتار الإيلخانيين قد ‏أسلموا نعم قد أسلموا ظاهراً ولم يلتزموا بشريعة الإسلام ولم يكفروا بشريعة جانكيز ‏خان "الياسق" الذي جمعه له من كل ملة؛ عبارة عن خليط من التشريعات مثل ‏القوانين الوضعية المعمول بها في العالم الإسلامي بدون استثناء.

‏عاشراً: نعتقد أن القول بأن شيخ الإسلام ابن تيمية كان يفتي بناء على طلب المماليك ‏افتراء على ابن تيمية وتزوير فاضح للتاريخ.. لذلك فإننا نرى أن إبراز هذه المقولة ‏مداهنة لحكام اليوم الذين هم أسوأ وأرذل من التتار.. والمقام لا يتسع لإثبات ذلك. ‏

حادي عشر: القول بأن سيد قطب من الإخوان وليس منهم.. قولة حق أريد بها باطل! ‏فهذه المقولة تم تمريرها بعناية بحث يكون غنم سيد قطب يعود لجماعة الإخوان وفي ‏نفس الوقت لا يتحملون غرمه وأن ساحتهم بيضاء فالرجل خرج عليهم ولم يلتزم ‏بمبادئهم وخاصة في حالة هجوم كراكيب العلمانية ونفايات الفكر اللاديني على ‏دعوتهم بصفة خاصة وعلى الإسلام بصفة عامة.‏

ويصل هاني السباعي إلى الخاتمة ‏ مطالبا القائمين على قناة الجزيرة أن يصلحوا الخلل والعوار الذي بثه برنامج "الممنوعون" وأن يعيدوا الاعتبار لشهيد الإسلام سيد قطب إما ببرنامج آخر يكون ‏أكثر جدية وأعمق بعداً في تناول سيرة هذا الجبل الأشم الأستاذ الكبير بحق سيد ‏قطب. وإما اعتذار رسمي عن بثهم لبرنامج أقل ما يقال فيه إنه برنامج تافه ساذج.‏ كما يطالب الغيورين من أهل الإسلام وخاصة أصحاب الأقلام الطيبة النافعة أن ‏يذودوا عن حياض فكر هذا الصرح العظيم المتمثل في شهيد الإسلام سيد قطب.. وأن ‏يتصدوا لهذه الحملات المشبوهة والمنظمة للنيل من فكر الأستاذ الشهيد سيد قطب ‏ومن تياره الأصيل المدافع بحق عن الإسلام المقاوم لتيارات الاستكبار والغطرسة ‏ومن وراءهم من طوابير أهل العلمنة وبعض الإسلاميين المنهزمين عقدياً وفكرياً.. ‏

وفي الختام نقول: لقد ظلموا علم الإسلام سيد قطب حياً.. وها هم أولاء يظلمونه ‏بعد استشهاده.. لكننا نعلنها مدوية إذا كانت حياته أطول من حياة شانقيه.. فإن ‏حياته أيضاً أطول من حياة شانئيه..‏

***

أنت أيضا يا هاني السباعي حياتك – إن شاء الله – أطول من حياة جلاديك ومحاصريك..

أتخيلك أيها المجاهد بحق – إن شاء الله – في سبيل الله تمسك القلم بيد براها ألم كسر قديم نتج عن التعذيب ولم يعالج، وعندما ظننت أنك في بلاد تحترم حرية الفرد إذا بهم يلفقون لك التهم فيسجنوك لتضيع عليك آخر فرصة لاستكمال علاج كنت قد بدأته لكبح جماح الألم الذي يستعر كالنار في يدك..

 ***

أنا آسف يا هاني السباعي.. 

أنا آسف لك عما فعله بك وطن استولى عليه قراصنة فهم يخشون كل من يقول كلمة حق.. وهم يدركون أن قلمك أخطر عليهم من ألف مدفع.

أنا آسف لك يا هاني السباعي..أشعر بالخجل من الدولة والحكومة والصحافة..

أشعر بالخجل لأن هذا الحاكم حاكمي وهذا الوزير وزيري وهذا الجلاد المجرم ضابط أمن..

و أنا آسف لفعل أولئك جميعا..

آسف من فعل حكام ينطبق عليهم شعرك: 

صار الذئبُ زعيمَ الوادي.. يخطبُ ينشدُ باسم الراعي ..

كنت أجدر بجوائز الدولة من الشواذ والمعوقين الذين يستولون عليها دون حق..

أنا آسف لك نيابة عن القراء وعن الوطن.

أنا آسف..

آسف..

آسف..



     ***

***

***



 




حاشية1


أيمن الظواهري


بأبي أنت و أمي.. 

لك من الحب بنصرك. ما يُعجز البنان ويُعيي اللسان ويَعزّ على البيان..

اللهم أيده بنصرك ..

اللهم أيده بنصرك..

اللهم أيده بنصرك.. 

ثمة شعور كدت أخجل من البوح به..

قبّل لي جبين شيخنا العزيز الغالي أسامة بن لادن..

بل قبّل لي جبينه ويديه وقدميه..

***


حاشية2


الإخوان المسلمون


لست في حاجة للتعبير عن فرحي بانتصار الإخوان المسلمين على الصعيد السياسي، حيث حصلوا على ربع المقاعد، وكانوا قد ترشحوا في ثلث الدوائر فقط، وأن هذا الربع الذي حصلوه مخصوم منه ما سلب منهم بالقرصنة والبلطجة والتزوير- أذكركم هنا بما قاله هيكل، عن دعوة لجنة السياسات لمجموعة قيادية من الحزب البريطاني الحاكم، وكان أهم ما وجهوه من أسئلة، هي تلك المختصة بالعمليات القذرة!- ، وحتى لو تغاضينا عن ذلك، وافترضنا أن الإخوان قد تقدموا للترشيح في كل الدوائر لا في ثلثها فقط، لحصلوا على ثلاثة أرباع المقاعد لا ربعها فقط. وهذا الافتراض لا يغفل التزوير، لأنني أظن النتيجة الحقيقية قد تصل إلى 85-90%، فالمرجح ألا ينتخب جل النصارى (أقل من 6%) الإخوان، لن ينتخبهم كذلك المنافقون ( أعضاء الوطني) والملحدون والخونة – من أمثال أبناء الكــــ.....ــوريل( أقصد هنري كوريل) والمغفلون الذين لم يكتشفوا بعد كم كانت القومية خروجا على الدين وكارثة على الأمة. وهؤلاء جميعا مع المبالغة الشديدة جدا لا يتجاوزون 4%.

نعم.كانت فرحتي بانتصار الإخوان فرحة يتيمة ليس لها أخت إلا في انتصار 73، وقد كان انتصارا أكيدا لا شك فيه و إن كانت السياسة الغبية الحمقاء قد اغتالته، انتصار حقيقي، وليس كمهزلة 56 التي تشكل أكبر عملية نصب على الشعب المصري في القرن العشرين.

نعم .. فرحت بانتصار الإخوان الذي شكل انتقاما لتزوير التاريخ طيلة نصف قرن، ولكن فرحتي كانت مشوبة بحزن شفيف، اختلط بالسعادة العميقة فلم يدع جزءا من الفرح إلا وخالطه، كان حالي كحال الأب يوم فرح ابنته، سعادة قصوى بفرحها، وحزن شفيف لأنها منذ اللحظة ستبتعد عنه، وليلة الفرح الأقصى ذاتها هي ليلة الحزن العميق، و أشد ما فيه أنه يُكره البوح به، حزن نوع من الفراق والانفصال.

نعم .. سوف يختلف موقفي من المدافع والشارح والمؤيد إلى الناقد الذي يحاول – دون أن يزعم أنه يملك الحقيقة- كشف المثالب والعيوب. ولكن هذا الموقف له محاذيره الشديدة، ففيه قد تختلط الأصوات، لذلك و أصارح القراء أنني لن أجهر برأيي، وسأكتفي بتوصيل رأيي بطرق أخرى. لكن ثمة ثوابت ومحاور أريد أن أذكرها:

لقد قلت في مقال سابق أنني شديد الإعجاب بالأستاذ محمد مهدي عاكف، و قلت أنني أعتبره الأخطر منذ الإمام الشهيد حسن البنا- مع احترامي وتوقيري للمرشدين جميعا وخاصة الجبل الأشم حسن الهضيبي-  .. هذا الإعجاب يفرض علينا قدرا هائلا من الفهم والتفهم لمدى واسع من المناورة والاختلاف والإدراك الواعي أن الرجل غير ملزم بأن يقدم لنا كشف حساب يكشف لنا فيه خططه، و إلا كنا كالمريض الأحمق الذي يناقش الطبيب في تفاصيل فنية وعلمية دقيقة. ولا يعني هذا أبدا طاعة عمياء.. بل يعني التفهم المبصر الواعي.

معظم المختلفين مع الإخوان تحركهم مباحث أمن الدولة.

عندما يصف كذاب المرشد بالكذب فإنه هو الكذاب الذي تحركه المباحث.. وعندما يذهب مختلف بعد الخلاف  لينشر هجومه في صحيفة الفجر – بفتح الفاء- فإن هذا هو الفجر – بضم الفاء- بعينه.

المضحك أن الفاشلين يسرفون الآن في توجيه النصح للإخوان المسلمين.. مفارقة تكفي للموت ضحكا.. لولا ما في النفس من صدود عن الضحك.

ذلك كله لا يعني التوقف الكامل عن انتقاد بعض الانحرافات الشاذة التي تفلت من بعض المتحدثين باسم الإخوان.

أختلف كثيرا مع الدكتور عصام العريان في موقفه من الشهيد العظيم سيد قطب، لكن ما بيني وبين العريان خلاف في الرأي واختلاف في الرؤى، و أحسن ظني بالرجل، فلا أتهمه، و إنما أحسبه اجتهد و أخطأ. وإن كان خطؤه فادحا، وستكتشف الحركة الإسلامية أن لا طريق أمامها إلا الطريق الذي يعتبر الشهيد سيد قطب أحد معالمه. بالمناسبة أستغرب بعض تصريحات العريان عن الشهيد العظيم للدرجة التي أتخيل معها أنه لم يقرأه.

لقد كتبت الجزء السابق قبل تعليقات الدكتور عصام العريان على بيان الشيخ أيمن الظواهري رضي الله عنه.. وشعرت بحزن عميق.. لقد بدأ العريان في الانفصال عن ضمير الناس.. وقد أجرت الجزيرة استطلاعا اكتشفت منه أن 58% من الناس يؤيدون كل ما قاله الظواهري، و أن 16% يؤيدونه جزئيا..أي أن النسبة حوالي 75%.. وهو ما يعني أنه في انتخابات حرة يمكن أن يكون الظواهري رئيسا أو خليفة بينما يسقط عصام العريان.

على العكس من الدكتور عصام العريان فإن تصريحات الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح تشكل كارثة، و أظن أن الكثير منها يتجاوز الاختلاف في الرأي والرؤية لتسقط في مستنقعات الانحراف الفكري، و أخطر ما في هذه الانحرافات أنها تشي بأن الرجل مهزوم من داخله،  و أن استعجاله للنصر أفقده التوازن والمفاصلة والتمييز بين الثوابت والمتغيرات. وما يميز الدكتور العريان عنه هو أن العريان يتمتع باستعلاء المؤمن.. أما أبو الفتوح فيبدو – وقد فقد شيئا من أعز ما يملكه المؤمن- وكأنه يتسول الاعتراف من الآخرين. ولقد بلغت حماقته في لقاء أخير مع العلمانيين أن أعلى من شأن الكفار.. وهاجم الشهيد العظيم سيد قطب بل واتهمه بالجنون أو ما يشبهه.. وقال أنه لا يأخذ بظلال القرآن كله لأنه كتب تحت ضغط التعذيب.. و أغفل المغفل أن فكر الإخوان جله نشأ في نفس الظرف وكذلك جل الرسالات.. ولم يكتف أبو الفتوح بذلك فقد قدم شرفه على قربان الاعتراف أمام العلمانيين قائلا أنه لا يعترف بكل كتابات الدكتور جابر قميحة.. .. الدكتور جابر قميحة درة مؤتمرات الإخوان و العالم المدافع الشرس عن الإسلام..  فكدت أصرخ: اترك مهدي عاكف فهو ليس شيخك.. شيخك إبليس.. أو رفعت السعيد!!

لا يفوتني في نهاية هذه الحاشية أن أعبر عن إعجابي الشديد بالدكتور جمال حشمت، ليس على المستوى السياسي والتطبيقي فقط، بل على المستوى الفكري والعقدي أيضا..أحييه.. و أبصق على من غلبه بالتزوير فتبوأ مقعده في الجحيم إن شاء الله... ويا دكتور جمال: لو اقتصرت فائدة ما حدث على كشف آخر سوءات العلمانيين لكانت نصرا مؤزرا لك تجني ثماره في الجنة إن شاء الله.. لقد كشفت كيف أن أعلى القوميين صوتا.. و أكثر العلمانيين تشدقا بالشرف.. كشفت أنه على هذه الدرجة من الانحطاط والخسة والكذب والخيانة وانعدام الضمير.. هذا الكشف وحده يكفيك فهو يزيل غمامة من على عين الأمة.. فإن كان هذا هو أفضلهم فكيف يكون أحقرهم.. وكيف يكون ابن الكـــ.........ــوريل!!..

***


حاشية3


كفاية.. لكفاية..


نعم يكفيني الصمت على كفاية..

كنت أتحاور مع أحد الأصدقاء مؤخرا.. وكنت أنتقده و أحتج على أي نوع من التقارب مع كفاية.. كنت أقول له أنها – رغم يقيني بإخلاص بعض المنتمين إليها والمخدوواليهود ليشقواد لكل الحركات التي ابتدعها الصليبيون الله-. ليشقوا بها الأمة.. هي الوطنية والقومية واليسارية والشيوعية والتنوير والإقليمية والرافعة زورا رايات الحرية - إلا لمن يقول لا إله إلا الله- .. وكانفيه:يق يقول أننا نشترك معهم في جزء من الطريق فلماذا لا نتعاون في هذا الجزء؟ فصرخت فيه:

نحن نقول لا إله إلا الله.. وهم يقولون لا إله.. فهل تعد هذا اشتراكا في جزء من الطريق؟.

ورد الصديق غاضبا ومحذرا:

أنت تسقط في هوة التكفير فاحذر.. 

فواصلت صراخي فيه:

بل إن عدم تكفير الكفر كفر.. ثم أنني أكفر فكرا لا معينا!!..

لكنه تكفير على أي حال..

إذن .. سلهم: لن أقول لك سلهم هل يصلون ويصومون ويزكون ويحجون إلى البيت.. لا .. لا أقول لك ذلك.. بل أقول سلهم هل يعترفون بشرع الله وبالحكم بما أنزل؟.. سلهم هل للدين مكان في برنامجهم السياسي.. بل سلهم أيهما يفضلون: أن يحكم البلاد مسلم أم أن يحكمها مسيحي.. سلهم.. واقض ما أنت قاض.. إنما تقضي هذه الحياة الدنيا.

***

حاشية4

الحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرة


منذ أيام كنت أقرأ تصريحات ليبرالي اسمه شاكر النابلسي.. وشممت رائحة الخنازير.. كان الرجل يتغزل في قناة الحرة.. قلت لنفسي أن الخنازير – لا الطيور – على أشكالها تقع.. و أن الطير قد تتورط أحيانا في وليمة شيطانية مسمومة لا تليق بها.

قلت لنفسي أن قناة الحرة كالشيطان: تمجد الفاسق وتعلي شأنه.. لكنها بالنسبة للعابد تكتفي بفتنته وغوايته، حتى يسقط في الغواية، أو يسقط في عين محبيه ثم تلفظه بعد أن تسلبه بهاءه وتفقده تأثيره.. لا يفطن العابد المسكين أنه حين بدأ مع الشيطان – الحرة- قد حمل معها وزر " لا إله.." وقد سمعها الناس منه فانصرفوا عنه قبل أن يسمعوا تلفظه بباقي الشهادتين.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

***


حاشية5


تهــــــــــــــديد بقــــــــــــــتلي!!


كنت أتمني بعد ميحدث.لسابق" النصارى يحكمون مصر" أن يتصدى لي أحد النصارى أو العلمانيين ليشكك في دقة المصادر أو الأرقام التي أوردتها، أو ليواجهني بمصادر محترمة غفلت عنها، أو يفضح تحيزا مني في دراسة الأرقام والنتائج.. لكن ذلك كله لم يحدث .. الذي حدث كان كما هائلا من سباب لا حد لبذاءته.. وكم أسعدني ذلك.. !!.. كنت أرى كل كلمة سباب حسنة في ميزان حسناتي يوم القيامة إن شاء الله.. والأمر الآخر.. أنني أصبت بمقالي عن النصارى كبد الحقيقة.. وضربتهم في مقتل بكشف أكاذيبهم.. و أنه ليس لديهم ما يردون به علىّ سوى سباب العاجز الفاجر..

تجاوز الأمر السباب إلى التهديد بالقتل.. وهو تهديد أضعه تحت قدمي لا تهتز له مني شعرة .. ولا أكتب كي أبلغ أجهزة الأمن.. فلدي يقين أن عداوة أجهزة الأمن لي لا تقل عن عداوة أبناء الأفاعي.. لكنني فقط ألزم العلمانيين والقوميين والشيوعيين الحجة.. لقد انبرى خمسة آلاف صوتاصطنعه.بح بعد تهديد مزور مصطنع للفاسق سيد القمني.. وأغلب الظن أنه هو الذي اصطنعه .. وبالرغم من ذلك أقاموا الدنيا و لم يقعدوها بناء على التهديد المصطنع وهم يدعون الدفاع عن حرية الفكر..

الإلا.والخنازير لا تدافع عن حرية الفكر بل عن حرية الكفر والعهر..

و إلا .. فلماذا لم ينبح منهم نابح على تهديدي بالقتل – والذي حدث قبل ذلك أثناء ما عرف بأزمة الوليم–. .. ولماذا لم ينبح نابح احتجاجا ليس على مصادرة بعض كتبي فقط.. بل وعلى مصادرة الشعب كلها رغم 14 حكما قضائيا نهائيا.

***


حاشية6



الشــــــــــــــــــــــــــــاذ


استمرار الشاذ وصمة عار في جبين من أبقاه.. لأنه على شاكلته .. وهو أساس البلاء..

***


حاشية7


مصطفى بكري


دفاعك عن المجرمين الذين قتلوا السودانيين كان صدمة عنيفة لمحبيك.. ولا أزيد.

***


حاشية8


اللهم العنهم


اللهم العن الملك الضليل الكافر الذي صرح أن المشكلة في الإسلام لا المسلمين..

اللهم العن طاغوتا أكبر يحاول توريثنا لطاغوت أصغر..

اللهم العن ذلك الحاكم الفاجر الذي أطلق تصريحات من قبيل العائدين من العراق .. على منوال ( العائدون من ألبانيا) .. والذي يفخر بمنع الجهاد..

اللهم العن من زور الانتخابات.. ومن أمر.. ومن ساهم .. ومن ساعد.. ومن تستر .. ومن كان يستطيع أن يمنع فلم يمنع..

اللهم العن من قتل رجلا لأنه يقول ربي الله..

اللهم العن قتلة الناس في الانتخابات.. 

اللهم العن من يذهب إلى الحرة عامدا متعمدا.. واهد من قومي من لا يعلمون.. 

اللهم العن أبناء الكــ.....وريل جميعا.. واهد المغفلين عن حقيقة كفاية.. واكفنا شر الحمقى منا.. من يتسولون اعتراف العبيد والخدم.

***


حاشية9


فضيحة


كل أجهزة الإعلام العربية راحت تكرر اسم الرجل الذي غير شهادته أمام ميليس.. كتبوا أن اسمه هسام هسام.. أو هوسام هوسام..

اسم الرجل هو : حسام حسام..

لكن.. عميت البصائر واعوجت الألسنة.. أما الأفئدة فهي أكثر اعوجاجا..


***


حاشية10


تحــــــــــــــــــــــــــية


أرفع أليك تحيتي يا سيدتي في قصرك العالي.. قصر الشجاعة والأمانة والشرف..

تحية مهداة إلى المستشارة هدى الزيني.

***


حاشية11


قـُـــــبلة!!


مناكيد العلمانية الأنجاس  شنوا حربا ضروسا على مشهد – لم أره.. و أذكره والعهدة عليهم يقولون أنهم شاهدوه عن شاب وهو يقبل يد المرشد..

الأمر قد يكون موروثا ثقافيا لا يمت للدين بصلة.. وهو نوع من البر والمحبة غير مرفوض.. لا يشكل تعبدا.. ولا أمرا وليس مفروضا.. وليس أيضا مرفوضا..

المناكيد الأنجاس لم ينبحوا أبدا على طقس مسيحي ثابت لتقبيل يد البابا أو القساوسة..

بل إن تسجيل مسرحية الإسكندرية الملعونة يظهر مشهدا لم أتصور حدوثه أبدا,, فبعد انتهاء المسرحية كان كاهن الشيطان النجس الملعون الذي أشرف على المسرحية يشارك في المشهد الختامي للتحية التقليدية التي تتبادل بين الممثلين وبين الجمهور.. كان هو أيضا يشارك.. وقف على حافة المسرح ينادي الممثلين ليقفز كل ممثل ليصافحه ويقبل يده..

لم ينبح نابح ولا نعق ناعق.. فذلك لا يكون إلا على الإسلام..

قد يكون الكثيرون قد رأوا ممثلا كعادل إمام يقبل يد العادلي.. أو حذاء جمال مبارك.. لكن.. هل شاهده أحد منكم يقبل يد شيخ الأزهر؟..

ملحوظة: شيخ الأزهر لا يختلف عن العادلي أو جمال.. 

***

حاشية12


نكــــــــــــــــــــــــــتة


رفعت السعيد..

انتهت النكتة..

و إن لم تنفجر في الضحك فاتهم ذكاءك!!


***


حاشية 13 

القدس العربي


يدهشني أمر القدس العربي وكأنها تكرر قصة دكتور جايكل ومستر هايد..

إنها تنشر أحيانا مقالات موضوعية وقيمة، ولرئيس تحريرها عبد الباري عطوان باع طويل في الدفاع عن الثوابت، وهي تكاد بالرغم من كل عيوبها أن تكون أفضل صحف المهجر، لكنها في الجانب الآخر تنشر مقالات تصلح بالكاد أن تكون منولوجا يلقيه مهرج في ماخور .. فبغض النظر عن موقفنا من إيران ومن الشيعة فإن أحمدي نجادي يمثل ظاهرة شديدة الجاذبية للعالم كله، ولقد قال ما لا يجرؤ زعيم في العالم على قوله ويتبدى الاستكبار الصليبي الصهيوني علنا – قولوا عن النوايا ما شئتم فنحن مأمورون أن نحاسب على الظاهر لا الباطن-.. ثم أن العلاقة بين الكاتب والإسلام كالعلاقة بين شارون والفلسطينيين..

ماذا قال الكاتب الهمام وماذا نشرت القدس العربي؟:


حالة الرئيس نجاد

عزت القمحاوي

كلما رأيــــت الرئيس الإيـــراني محمود أحمدي نجاد يقترب من منصة الاحتفال أتصوره واحداً من الحرس أو طاقم الخدمة جاء ليتأكد من صلاحية الميكروفون قبل أن يتجلي الرئيس الذي سيخطو باتجاه المنصـــة بعد قــــليل ليلقي خطابه. وفــــي كل مرة تتـــضاعف الدهشة لأن الحارس لا ينصرف؛ بل يبدأ في تحية الجمهور، ثم يواصل الحديث!

ومهما تكرر المشهد لا أستطيع أن أمنع نفسي من هذا الخاطر علماً بأنني أجبرت مخيلتي منذ البداية علي التساهل مع الصورة، فليس بين حــــرس الرؤســــاء من يرتدي جاكتاً بهذا التواضع وكوفية ترشحه لوظيفة حمال علي شاحنة وليس حارس رئيس دولة، لكن المفاجأة أنه ليس الحمال وليس الحارس بل الرئيــــس نفسه الذي عمـــل من قبل أستاذا بالجامعة ومحافظا لمحافظتين بينهما العاصمة طهران! 

ولا أقصد من تشبيه نجاد بالحمال ذماً، بل علي العكس تماماً، فكل المهن محترمة والحمال الذي يحافظ علي كرامة مهنته أهم ألف مرة من رئيس لا يدرك مقتضيات المنصب الرفيع. 


أعتقد أن القارئ اشمأز بما فيه الكفاية..

ولست أدري ماذا يجبر القدس العربي على نشر هذا الغثاء..

أعرف في مصر ناقدا يكتب في الأدب.. كان أصل عمله ضابطا بالجيش.. ثم أدين بتهم عديدة منها الشذوذ الجنسي – السالب- والمخدرات والسكر وتهم أخرى.. وفصل بسبب ذلك.. والتقطه اليساريون و دفعوه للالتحاق بكلية الآداب ودفعوه حتى أصبح صحافيا وناقدا..

ليكن كما يكون..

لكن هل يستطيع فرض نفسه على صحيفة تحترم نفسها؟!!

***

حاشية


عكاشة


أسامة أنور عكاشة.. انتظروه قريبا على محطة على سالم..

***


حاشية

مجدي مهنا

ما سر كل هذا الحقد على الإسلام؟!

***

***

***

بريد القراء


أعتذر للقراء عن مدى بذاءة ما سيقرأونه من خطابات  بعض القراء ردا علي مقالتي السابقة:"النصارى يحكمون مصر"..

هذه البذاءة والشراسة إنما تعود للشحن المسعور الذي شُحنوا به، حتى أنهم ذكروني بإجرام ووحشية الصرب.. الذين تحولوا إلى وحوش مسعورة فور إطلاق العنان لهم..

أعلم أنهم لا يمثلون كل النصارى.. لكن الظاهرة خطيرة..

في الرسائل الأخرى كنت حريصا على أن أقدم عرضا شاملا متنوعا من مقالات وخطابات لقراء يبزون معظم الكتاب


اضغط على الرابط


لا توجد على الموقع- يراجع أحمد فاروق

الفاتحة لعادل حسين 

***

تحية إلى صدام حسين

***

لمـاذا يــكـرهـوننـا 

لماذا يتهموننا وهم يعلمون أنهم كاذبون؟!

أي دين هذا؟!

عمرو خالد- إبراهيم عيسى- سيدنا أبو هريرة


بقلم: د محمد عباس

www.mohamadabbas.net

mohamadabbas@gawab.com


ولنبدأ بقراءة الفاتحة لروح من لا أزكيه على الله و أحسبه شهيد الدفاع عن لا إله إلا الله.. وشهيد الدفاع عن القرآن.. والمدافع عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه حين وقف الفجار من قومنا يصوبون إليه سهامهم.. يدعون أنهم رواد التنوير وليسوا سوى دعار التعهير.. وليسوا إلا كلابا مسعورة وخنازير مأجورة وشياطين مأزورة.. وكان هو: عادل حسين أعزل إلا من لا إله إلا الله محمد رسول الله.

يعلمني الإسلام كل يوم ويربيني.. حتى أصبحت أخشي أن أبالغ في تقريظ من أحب، أو في إدانة من أكره إلا إذا كان الأمر متعلقا بحد من حدود الله. لذلك فإنني أكبت عواطفي تجاه عادل حسين محدثا نفسي: إنما كنت تحبه في الله والله حي لا يموت.. لكن هذا لا يمنعني من أن أعبر كم أنني كل يوم أشعر بفقده من جديد، كما أن جرح موته لم يندمل، ولا هو أشرف على الالتئام.. بل يزيد اتساعه وعمقه كلما ازداد إحساسي بالحاجة إلى حكمته و رأيه و إخلاص قلبه.. لا يقتصر اتساع الجرح على الجانب الشخصي والعاطفي، بل يتعداه إلى البعد الجهادي والسياسي، حيث يتسع الجرح بذات المقدار وربما أكثر. 

فلنقرأ له الفاتحة يا قراء داعين الله أن يشفعنا فيه و أن يغفر له بشفاعتنا و أن يجعله في أعلى عليين مع الشهداء والصديقين:

) بسم الله الرحمن الرحيم & الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ & الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ & مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ & إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ & اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ & صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (

***

تحية أيضا إلى البطل – لأول مرة في حياتي أقولها بعد عمر طويل من البغضاء- صدام حسين..

نعم.. البطل صدام حسين رغم أنف أناس ينسبون إليه ذنوبا ليس ثمة شهود على معظمها إلا الصليبيين والصهاينة.. ويستكثرون هذه الذنوب على مغفرة الله ورضوانه.. كما يستبعدون التوبة النصوح كما لو كانوا يريدون تحويلها إلى صكوك غفران!!..

نعم.. صدام حسين بطل.. 

والرجل في زنزانته أكثر حرية من كل حكامنا..

وهو إذ يعذبه عبدة الشيطان خصيان المجرم بوش أكثر كرامة وعزا من كل حكامنا..

يـــارب: اجعل محنته تكفيرا عن ذنوبه.. ونجه يا رب العالمين.. و أقصد نجاة الآخرة قبل نجاة الدنيا..

يقول عبد الباري عطوان في القدس العربي 21-3 :" قالوا لنا، كتاب العراق الجديد أن صدام حسين يملك عشرات المليارات في بنوك سويسرا، وكذلك أبناؤه وبناته وأركان حكمه، لنكتشف أن صدام حسين لا يملك راتباً تقاعديا إذا جري الإفراج عنه ولن يفرج عنه حياً، ولا بيتاً يقيم فيه، ولا أرضا يقتات من ريع حصادها، بل سيعيش وهو الكريم، عزيز النفس، ابن العراق العظيم، علي الصدقات، مثلما يعيش أفراد عائلته في عمان والدوحة ودمشق، ومثلما يعيش سعدون حمادي رئيس وزرائه وناجي صبري الحديثي، وكل سفرائه علي حسنات الأجاويد."

يا صدام حسين: إني أحترمك و أحترم صمودك و أحترم قوة إرادتك ورفضك للكفر والذل.. كما أحترم موقفا ترفع فيه مصحفا لم يعد عبد من العبيد الذي يحكموننا يجرؤ على رفعه وتحكيمه فيما شجر.

أعلم أن مغفرته – سبحانه وتعالى- وسعت كل شيء.. لكنني بعقلي البشري القاصر لو سئلت: من تظن أن يغفر الله له يوم القيامة من حكامنا المعاصرين.. لو سئلت كذلك لكانت إجابتي بعد قولي "الله أعلم":

- أدعو الله أن يكون صدام حسين.. أما الآخرين جميعا فإنني أدعو الله أن يصليهم سقر.. اللواحة للبشر!!..

***

***

ثم إلى المقال الرئيسي:

***

......................

هذا القلب الذي يتمزق طول عمره بالألم، ضحك في الفترة الماضية قليلا قليلا.. وكنت أشعر بالعار لأنه يضحك وهو قلبي.. إذ كيف يجوز له أن يضحك ودماء المسلمين لم تتوقف عن النزيف، ولا أشلاؤهم عن التمزق، ولا أرواحهم عن الطلوع، ولا أعينهم عن الدموع، ولا كراماتهم على الذبح، ولا أعراضهم عن السفح، ولا حاضرهم على التضييع، ولا مستقبلهم عن المؤامرة ، ولا حكامهم عن الخيانة، ولا نخبتهم عن التخنث، ولا علماؤهم على النفاق، ولا جيوشهم عن حراسة العدو ضد الأمة، ولا أمنهم عن حراسة الكفر ومهاجمة الإيمان، ولا كتابهم عن الدعارة بالكلمات. كيف و أنا أوشك – بعد انتهاء موضوع هذا المقال – على العودة إلى الشهيد – إن شاء الله- سيد قطب وكيف فعل به الطاغوت الأصغر لصالح الطاغوت الأكبر لعبادة الشيطان، فكيف يضحك كيف كيف كيف كيف.. كيف والآية الثانية والثمانين من سورة التوبة تتوعده وتتهدده:

 )فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( (التوبة 82)

فكيف ضحك هذا القلب الذي غرته الحياة الدنيا و أنفاس الشهيد تتنفس بالقرآن في ظلاله حيث يقول عن الآية: "وإنه لضحك في هذه الأرض وأيامها المعدودة , وإنه لبكاء في أيام الآخرة الطويلة . ) وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ( ".

رحم الله الشهيد القائل ولعن الطاغوت القاتل..

 لكن.. يا له من وعيد.. 

في نفس الآية أيضا قال ابن عباس رضي الله عنه : (( الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاؤا فإذا انقطعت وصاروا إلى الله تعالى استأنفوا في بكاء لا ينقطع عنهم أبداً )) [أخرجه ابن جرير وابن أبي شيبة بإسناد صحيحٍٍ]. 

***

أما سبب الضحك فهو أغرب.. ذلك أنه يتعلق بالانتخابات الأخيرة وثأر أمة من جلاديها حين لفظتهم كما يلفظ الجسد الصديد وطردتهم كما تطرد النارالخبثَ من الحديد ُ.

لقد ظللت أياما لا أتمالك نفسي من ابتسام يتحول أحيانا بالرغم مني إلى قهقهة كلما رأيت وجه رفعت السعيد أو سمعت صوته.. ولجأت للمرة الأولي منذ أعوام طويلة إلى مطالعة نشرتهم السرية في الشبكة العنكبوتية، فكانت كتابات رفعت في محاولاته للتملص مما جرته حماقات سياساته وضلالات فكره على حزبه، يضارع أكبر الكوميديانات والمهرجين في مقدرته على الإضحاك، كما كانت نشرته تضارع أكثر الهزليات مقدرة على الإسفاف والابتذال..

صلاح عيسى أيضا كان يضحكني..

كذلك مخبر قسم السيدة زينب وصانع السجاد والتومرجي وصبي المكوجي ومرتزقة الحداثة نصابو التغرير لا التنوير، وقوادو التعهير لا التطهير، ورواد الكذب والتزوير لا الإصلاح والتحرير، وصبيان الأمن الذين دفع بهم في مجال الصحافة ليعملوا رؤساء تحرير في شارع الصحافة وشارع قصر العيني ومستنقعات أخرى..

كانوا يضحكونني بعد أن سقطت الأقنعة عن الوجوه فإذا بما تحت الأقنعة سوءات لا وجوه..

سقطت الأقنعة ليواجهوا بأفظع ما يمكن أن يواجه به كاتب، وهو ألا تحتاج كتاباته إلى نقاش لتفنيدها، ولا إلى حجج لدحضها، بل إن هذه الكتابات، هي نفسها دليل الإدانة، وعامل الاشمئزاز والقرف، دون حاجة لأي عامل خارجي.

أما المضحك أكثر، فهو أن هذه المسوخ لم تدرك ما حل بها من كارثة انكشاف العورة، فظلت تتصرف بنفس الطريقة، وتكتب على ذات المنوال. 

لقد فعلت ما فعله الدكتور مصطفى الفقي الذي لم يدرك أن العالم قد انقلب بالنسبة له فلم يعد ما بعد الانتخابات هو ما كان عليه قبلها.

***

النجاح الساحق للإخوان عرى طبقة العلمانيين جميعا فانكشحت عنهم ستائر خمسين عاما من الكذب والتضليل وبدت سوءاتهم، وكان التباين صارخا بين ادعاءاتهم الضخمة وحجمهم الهزيل، كان الأمر يشبه أن ترى صرصارا هزيلا مسكينا له صوت أسد، أو كلبا أجرب يقدمه أصحابه الأغبياء لمسابقة جمال..

نعم..

كلب أجرب.. ما يكاد يفاجئك قبح منظره حتى تسمع نباحه فإذا بقبح صوته أشد.

ولكم كانوا مضحكين..

ثم ما لبثت الطرف أن انتشرت لتعبر نشوانة عن فرحة الأمة بنصر عزيز من الله .. وقالت إحدى هذه الطرف:

أحد أعضاء الإخوان قدم اقتراحا لتغيير نظام الموافقة في مجلس الشعب، فبدلا من أن يرفع العضو الموافق يده يقول: الله أكبر. فقال له فتحي سرور : وإذا كان العضو رافضا فماذا يقول؟ فأجاب العضو : يقول حسبي الله ونعم الوكيل!!.

أما الطرفة الثانية فتتحدث عن مجموعة من الأقباط ذهبوا إلى راعيهم في الكنيسة معبرين عن حيرتهم الشديدة في تحديد من ينتخبون، فليس أمامهم إلا صنفان: لص أو قواد أو كذاب أو خائن أو مزور أو مهرب أو مختلس من ناحية.. وفي الناحية الأخرى واحد من الإخوان.. فمن ينتخبون؟!!.. وشملت الحيرة الراهب أيضا, وبعد فكر طويل وصل إلى الحل الوحيد فقاله لهم:

ليس أمامكم كي تخرجوا من ظلمات هذه الحيرة إلا أن تصلوا صلاة الاستخارة!!.

كذلك انتشرت طرفة تقول أن حكومة الحزن الوثني قد أزعجها قدرة الإخوان على التواصل مع الجماهير، فقررت أن تجعل من التسجيلات التي يجريها الأمن لمؤتمرات الإخوان دروسا تتلى على أعضاء الحزب كي يتعلموا منها فنون التواصل مع الناس، وبعد شهور اجتمع رئيس الحزن الوثني بأعضاء حزبه متسائلا:

هل تعلمتم فنون التواصل مع الناس ؟.. وهل توصلتم إلى حل لمشكلة انصراف الناس عنكم؟..

فأجابوا في صوت واحد:

نعم تعلمنا.. وتوصلنا 

فسأل:

وماذا تعلمتم؟ , إلى ماذا توصلتم؟؟..

فأجابوا في صوت واحد:

الإسلام هو الحل..


***

تومض الحقيقة بعد ظلام نصف قرن.. ففي عام 1954 كان الإخوان المسلمون أقوى مما هم عليه الآن..

كان الوفد قد سقط أثناء رقصه على الحبال وتبنيه الخط العلماني..

وكان الشيوعيون قد سقطوا بكفرهم وبموقفهم المخزي المؤيد لإسرائيل عام 1948، وباكتشاف أن المؤسسين كلهم يهود.. و أن التلاميذ والصبيان ألعن من اليهود.. ولم يكن في الساحة سوى الجيش والإخوان، بل كان معظم الضباط الأحرار أعضاء في الإخوان المسلمين، بل وفي التنظيم الخاص بالذات ( الذي يسمونه التنظيم السري) حيث أقسم جمال عبد الناصر وخالد محيي الدين أمام عبد الرحمن السندي على المصحف والمسدس. كان معهم ثمانية من الضباط الأحرار. 

كان رئيس الجمهورية – محمد نجيب- وبقايا الأحزاب – حتى الشيوعيين الأقذار والعلمانيين الأشرار- أقرب إلى الإخوان منهم إلى ضباط راحت رائحة مخازيهم وفسادهم وبطشهم تسد الأنوف.

كانت طبيعة الأمور تؤدي إلى وصول الإخوان إلى الحكم..

ولم يكن أمام الحكم من سبيل إلا تدبير حادث المنشية كي يعصف بالإخوان في أتون هجوم إعلامي شيطاني كرس نفسه لمدة نصف قرن للهجوم على الإسلام ثمنا لاستمراره في السلطة.. وفي سبيل ذلك باع كل شيء. 

ربما يستطيع القارئ أن يتصور ذلك الآن بسهولة، فلولا المتغيرات الداخلية والخارجية، وهي واسعة المدي متعددة الأطراف، لكان الحل الذهبي أمام الطاغوت الحالي هو نفس الحل الذي ابتدعه الطاغوت السابق، أعنى تمثيلية المنشية، والتي مكنته من التخلص من المنافسة الحقيقية خمسين عاما.. كرسها كلها للبطش والقمع والتزوير والاقتراب من أمريكا و إسرائيل والاستسلام لهما.

نعم..

في نصف القرن الماضي كانت المعركة الرئيسية ليست ضد الاستعمار ولا ضد إسرائيل ولا ضد الفقر والجهل والمرض ولا ضد التخلف بل كانت ضد الإسلام.

*** 

الفكرة السابقة مهمة، لذلك فإنني ألقي المزيد من الضوء عليها، فالطاغوت الحالي لم ينكص عن تدبير تمثيلية كتمثيلية المنشية نتيجة دين يمنع أو خلق يردع أو ضمير يجزع ، و إنما فقط لتوازنات داخلية وخارجية، لكنه إذا تعرض لخطر حقيقي لن يتورع عن إعادة التمثيلية مرة أخرى، لمصلحته، مدركا أن هذه المصلحة تتفق وهوى أمريكا و إسرائيل ، اللذين دأب النظام على تقديم القرابين لهم بذبح الإخوان المسلمين. و أن رد الفعل في أغلب الظن لن يتجاوز تعتيما كذلك الذي جوبه به حافظ الأسد عليه من الله ما يستحقه، عندما قتل بالدبابات والطائرات أكثر من ثمانين ألف شهيد في بضعة أيام. ثمانون ألف شهيد يعترف الغرب منهم بثلاثين ألف، لكنه يعتبر الباقين وهم خمسين ألفا مفقودين!!..

ولم يقل لنا هذا الغرب المجرم في أي صحراء أو تيه يمكن أن يضيع خمسون ألفا، وهو الذي يقلب العالم ضدنا من أجل غربي يشتبه أنه اختطف.

كان على الأمة أن تعلن بعد نصف قرن موقفها من الحرب الخسيسة الفاجرة ضد الإسلام. حرب لم يكونوا فيها من الإسلام في شيء، بل كانوا صبيانا و أعوانا وروادا للموساد والسي آي إيه وللكنيسة البروتستانتية والمعابد اليهودية. ولم يجنوا على شعوبهم و أمتهم إلا الخراب.

 ***

السؤال الذي لم يكف دويّه عن الطنين أبدا هو: لماذا يكرهوننا إلى هذا الحد كله.. 

أتساءل عن بوش كما أتساءل عن مبارك.. وعن إيزنهاور كما جمال عبد الناصر.. وعن هيكل ومصطفى أمين كما أتساءل عن كوبلاند و روزفيلت..

أتساءل عن الخسيس برنارد لويس كما أتساءل عن رفعت السعيد..

أتساءل عن إيدن وعن نوري السعيد..

أتساءل عن الذئب والحية الرقطاء والكلب الأجرب..

أتساءل عن الملك عبد الله وعن رامسيفيلد.. وعن صلاح عيسى ولورانس..

وعن..

وعن..

وعن..

و أصرخ:

لماذا يكرهوننا؟!!..

*** 

لقد أحسست بكثير من الغضب إزاء الذهول الذي استبد بالأمة عند اكتشافها أن بعض القضاء يزور، و أن بعض النيابة أشد سوءا من الشرطة و أن بعض الشرط كلاب جهنم..

كدت أصرخ:

هل هي أمة منافقة؟.. أم هي أمة عمياء..

وكنت أتمتم لنفسي في ذهول أمام آيات يريننها الله في الآفاق وفي أنفسنا حتى يتبين لنا أنه الحق..

هو الحق يــــــــــــــــــــــارب .. و أشهد..

تعس من لم يشهد..

هاهي الأمور تنكشف في الداخل والخارج لنرى الكفر وهو ملة واحدة.

*** 

نرى الكفر.. أراه..

أراه فأتساءل نفس التساؤلات التي تساءلتها في مقالات سابقة وسأظل أطرح ذات التساؤلات ما دامت نفس الكوارث قائمة..

أراه فأتساءل فيما أتساءل عن إلباس الباطل ثوب الحق والحق ثوب الباطل.. و أتساءل عن الكذب البواح الفاجر وعن غسيل المخ وعن ميديا الإعلام وكلها كاذبة حتى أن مسئولا كعمرو موسى لم يتمالك نفسه ولم يسعفه أسلوب دبلوماسي طالما تمرس فيه فصرخ أن الإعلام العالمي كله "فبركة"!!..

أتساءل عن صناعة الكذب وعن قصف الجزيرة في أفغانستان والعراق وعن فضيحة فكرة نسفها في قطر..

أتساءل عن طارق أيوب و أنسي الحاج وتيسير علوني وعشرات ومئات قتلوا أو سجنوا كي يحال بينهم وبين قول الحقيقة..

أتساءل بعد أن دار الزمان دورته فاكتملت الرؤية وانبلج اليقين كنور الصبح لا يخفي شيئا..

أتساءل بعد أن سقطت السترات وانكشفت العورات ليبدو الطاغوت شيطانا يتنقل بين روما والقسطنطينية ومدريد وبرلين ولندن وباريس، شيطانا واحدا له ألف ألف ذراع يحرك بها دمى تحكم بلادنا..

أتساءل و أنا أدرك أن الطاغوت الذي ذبحنا في الأندلس هو نفس الطاغوت الذي يذبحنا في القاهرة وبغداد والرياض وعمان والشيشان وفلسطين..

و أتساءل عمن تسميهم الصحف الفرنسية والألمانية بكتاب المارينز وبصحف المارينز، والمقصود بالنسبة لهؤلاء، الصحف والأقلام التي سخرت وتسخر للترويج لأفكار أمريكا الساعية إلي تعميم الحرية والديمقراطية عبر العالم والتي تعتم علي كل الأخبار حول جرائم أمريكا وإسرائيل، والتي خصصت لها الحكومة الأمريكية بمختلف فروعها حوالي 628 مليون دولار في السنة المالية 2004.

أتساءل عن الصدمة التي أحدثها إدراك المحافظين الجدد في واشنطن بأن مخططهم لغسل عقول المسلمين لم يحقق نجاحا يذكر فزادهم ذلك شراسة في حرب التضليل. إلا أن العقول والقلوب المدربة على توقي الخطر الخارجي قد تغفل عن الخطر الداخلي.. رغم أن الخطر الداخلي لا يقل خطورة عن الآخر وقد يزيد.

نعم.. انحرافات المنافقين أشد خطرا.. وكذلك انحرافات المنحرفين عن طريق الإسلام ولو دون ردة ظاهرة أو باطنة.

هل هناك فرق حقيقي بين مجلة روز اليوسف ومواقع الأقباط؟ بين عبد الله كمال و أوغسطينوس؟ بين رفعت السعيد وزكريا بطرس. 

هل هناك أي فرق؟!.

( ضحكت ضحكا كاد يفقدني وقاري عندما راح رفعت السعيد يدافع عما أثير من أنه وراء صفقة بين الحكومة و أقباط المهجر ضد الإسلاميين، نفي رفعت تماما علاقته بالمسئول القبطي: مايكل منير، إلا أنه سرعان ما استدرك أنه غير مسئول عن علاقة حميمة بين ابنه وبين مايكل منير)..

***

أتساءل لماذا يكرهوننا..

لم نأت لهم إلا بمكارم الأخلاق والحرية بمعناها الحقيقي الشامل.. حرية التحرر من استعباد العبيد ومن سيطرة الإنسان على الإنسان كي يمارس الإنسان حريته بمفهومها الشامل.. لا حرية غسيل المخ أو التعذيب والتزوير والقصف بالنابالم..

فلماذا يكرهوننا..

لماذا يتهمون المسلمين بكل نقيصة والإسلام بكل جريمة..

نحن لم نتهم المسيحية – رغم ما يفعله بنا أتباعها- سموا ونبلا وترفعا عن الألم و إدراكا أن وازرة لا تزر وزر أخرى..

لا نتهمها رغم أن كل بلايانا من أتباعها.. وكل كوارثنا من أبنائها .. وليسوا أتباعها ولا أبناءها بل أتباع الشيطان وعبيده.

*** 

هل ذكر عن المسلمين قط أنهم لاطوا بقسيس أو هتكوا عرض راهب؟؟..

لقد حدث ذلك لشيوخنا في العراق..

يقول ستيفن مايلز، من جامعة مينسوتا، في دورية لانست الطبية الشهيرة، إن التقارير المؤكدة أو الموثقة بشأن الانتهاكات في العراق وأفغانستان تشمل الضرب والحرق والصدمات والتعليق من الأطراف، والحرمان من الأوكسجين والتهديدات ضد المعتقلين وذويهم والإذلال الجنسي. 

كانت مهمة المجندات كما ذكرت مفكرة الإسلام أن يجعلن المعتقلين ينهارون استعداداً للاستجواب. وكانت مهمة الشرطة العسكرية جعلهم متيقظين وتحويل الأمر إلى جحيم حتى يتكلموا.

ولقد نشرت صحيفة لوس انجليس تايمز الأمريكية تقريرا يتضمن وسائل التعذيب الذي تقوم به الشرطة العسكرية ما يلي:

1. اللكم، الصفع والركل والدوس على الأقدام العارية.

2. تصوير السجناء والسجينات عراة. (بالكاميرا وبالفيديو أيضاً).

3. صف المعتقلين في أوضاع جنسية مختلفة وتصويرهم.

4. إجبار المعتقلين على خلع ملابسهم وتركهم عراة لأيام.

5. إجبار المعتقلين الذكور علي ارتداء ملابس النساء الداخلية. (وتركهم داخل زنازينهم وهم عرايا كما ذكرت (صحيفة تايمز) .

6. اجبار الذكور على اللعب بأعضائهم التناسلية وتصويرهم في تلك الحالة.

7. ترتيب المعتقلين على شكل كومة وهم عراة ومن ثم القفز عليهم.

8. وضع المعتقل وهو عار على صندوق يوزع فيه الجيش وجبات طعام جاهزة للأكل، ومن ثم ربط عضوه التناسلي وأصابعه بأسلاك كهربائية جاهزة للصعق.

9. كتابة عبارة «أنا سفاح» أو «أنا مغتصب» على قدم المعتقل.

10. ربط سلسلة عنق للكلاب في عنق معتقل وتصويره مع مجندة.

11. أحد أعضاء الشرطة العسكرية، قام بقتل معتقل.

12. استخدام كلاب الحراسة التابعة للشرطة العسكرية لترويع وإخافة المعتقلين.

13. تصوير جثث عراقيين ماتوا في المعتقل.

وأشار التقرير إلى وسائل أخرى، مثل سكب مادة فوسفورية على المعتقلين وأحياناً الماء البارد على أجسادهم العارية، تهديدهم بالمسدسات، تهديدهم بالاغتصاب، ممارسة اللواط مع معتقل باستخدام عصاة مكنسة .

أفاد بعض المعتقلين، في فترات اعتقالهم، أنهم تعرضوا للضرب بوحشية والاعتداء الجنسي، وعلقوا بالمقلوب، وحرموا من الماء والنوم، ولم يسمح لهم باستعمال المراحيض، وتعرضوا للترهيب بواسطة الكلاب. ويفيد أحد المعتقلين أنه أجبر مع غيره من المعتقلين على الاصطفاف أمام فرقة إعدام وهمية راح الجنود الأمريكيون يضحكون حيال طريقة انهيار أعصابهم قبل إعدامهم الوهمي.

حدث هذا كله من مسيحيين فلم نتهم المسيحية..

نعم .. لم نتهم المسيحية – رغم ما يفعله بنا أتباعها- سموا ونبلا وترفعا عن الألم و إدراكا أن وازرة لا تزر وزر أخرى..

لم نتهمها رغم أن كل بلايانا من أتباعها.. وكل كوارثنا من أبنائها .. وليسوا أتباعها ولا أبناءها بل أتباع الشيطان وعبيده.

لكن ما يؤلم أن يخرج من بيننا كلب أجرب لينبح مشيدا بالديموقراطية الأمريكية في العراق!!

*** 

لم نعتبر المسيحيين مسئولين عما يحدث لأبنائنا و إخوتنا في جوانتانامو.. حيث يقيدون الأسري بلا سبب ولا جريرة، يقيدونهم بالسلاسل ويتركونهم يتبولون ويتبرزون على أنفسهم. ثم يلفون الأسير المسلم في العلم إسرائيلي.. أحد المعتقلين شوهد جالساً على أرض غرفة الاستجواب وقد لف حوله العلم الإسرائيلي. 

لم نهاجمهم بما فعل السفهاء الذين كانوا يمنعون سيارات الإسعاف عن الجرحى، كانوا يتركونهم ينزفون حتى الموت، يقول جندي أمريكي: 

"إن العراقيين شاهدونا ونحن نهين أمواتهم طوال الوقت. كنا نتحلق حول جثثهم المتفحمة نمثل بها، ونركلها خارج السيارات ونضع سجائر في أفواههم . كما رأيت مركبات تدوسهم. وكان عملنا تفتيش جيوب العراقيين القتلى لنجمع معلومات. ولكني كنت أشاهد المارينز وهم يسرقون السلاسل الذهبية والساعات والمحافظ المليئة بالنقود.

ويصورون عراقياً تم قتله وهو يقود سيارته، والجنود يتلاعبون بيده تارة وبرأسه تارة أخرى، بينما أحدهم يشد جسده ويهزه بقوة، في الوقت الذي يرد عليه آخر قائلاً: «اجعله يحني رأسه ويقول.. هالو». وهو ما علق عليه فرانك روديجر، أحد الضباط بقوله إن هذا يظهر انحطاط الأخلاق وإهانة الكرامة الإنسانية وانتهاكها. مضيفاً أن المرء لابد له أن يؤكد أن هذا يعد نتيجة طبيعية للثقافة الأمريكية التي تقوم علي التفوق علي الثقافات الأخرى، وبأن الأمريكيين يستطيعون أن يفعلوا أي شيء يريدونه بالآخرين. ولقد صوَّر جنود أمريكيون مشاهد القتل والجثث المتفحمة في العراق وحولوها إلى فيلم بعد إضافة موسيقي تصويرية. كانوا يدوسون على رؤوس الجثث ويلتقطون الصور أمامها. قتلوا الجرحى في المساجد. و لقد نقلت شبكة سي إن إن الإخبارية الأمريكية القول: إن بوش اطلع بنفسه على عشرات الصور الملونة التي تصور سلوكاً جنسياً فاضحاً للجنود الأمريكيين ضد المعتقلين العراقيين.وأوضحت المصادر أنه توجد حوالي ألف صورة، من بينها 200 إلى 300 صورة عن انتهاكات الجنود الأمريكيين ضد المعتقلين العراقيين، مسجلة على عدة أقراص ليزر، والباقي صور لمواقع مختلفة بالعراق.

حدث هذا كله من مسيحيين فلم نتهم المسيحية..

نعم .. لم نتهم المسيحية – رغم ما يفعله بنا أتباعها- سموا ونبلا وترفعا عن الألم و إدراكا أن وازرة لا تزر وزر أخرى..

لم نتهمها رغم أن كل بلايانا من أتباعها.. وكل كوارثنا من أبنائها .. وليسوا أتباعها ولا أبناءها بل أتباع الشيطان وعبيده.

*** 

في بحث مستفيض مدعم بأكثر من مائة وخمسين مرجعا يؤكد الكاتب حسن خليل أبو غريب في مجلة منبر الوطن (19/7/2005) ما سبق ويروى ما هو آت:

يروي الكاتب لورن ساندر العديد من قصص النساء العراقيات اللواتي تعرضن للاغتصاب، وأفردت جريدة (روبنز بنورث) الأمريكية قصة اغتصاب 5 جنود أمريكيين لفتاة عراقية، وروى الكاتب الأمريكي، ديفيد كول، عملية اغتصاب بشعة قام بها أربعة من الجنود الأمريكيين ضد أسرة عراقية، وروى الأمريكي وليام بود، في صحيفة (ويست بومفريت) الأمريكية، تفاصيل جرائم بشعة ارتكبها جنود الاحتلال تحت عنوان: «الاغتصاب الديمقراطي»، جاء فيها: إن بوش ترك لجنوده أن يفعلوا ما يحلو لهم مع ضحايا سجنه الكبير في العراق. ترك المجندين كول وديفيد يغتصبان نساء عراقيات بلغ عددهن 26 فتاة وضحية.. يتميزان بالعدوانية الشديدة ضد العرب ويتميزان بالهمجية وعدم الرحمة. قبل أن يقدما على جريمتهما يختطفان ضحيتهما ويجردانها من ملابسها، ثم يقومان بتصويرها وإرسال صورها إلى أصدقائهم في أمريكا للاستمتاع بها. وثمة رسالة تتضمن صورة لجندي أمريكي وهو يشير بعلامة النصر ويقف بجوار طفلين عراقيين يحمل أحدهما وهو مبتسم، لوحة مكتوبة بخط اليد تقول باللغة الإنجليزية (لقد قتل الجندي الواقف بجواري والدي واغتصب أختي). ولقد أكد الفريق الميداني الخاص بـ«مركز بغداد لحقوق الإنسان» أن قوات الاحتلال انتهكت أعراض 149 امرأة عراقية داخل مساجد الفلوجة. هذا ما يحدث في الشوارع والمساجد، وللقارئ أن يتصور ماذا يحدث داخل السجون فمن عدد يفوق ألفاً وثلاثمائة سجينة عراقية توجد مئات النسوة اللائي لا ذنب لهن غير أن أزواجهن أو إخوانهن أو آباءهن يبحث عنهم الاحتلال بأي تهمة. 

في السجون تتعرى دعاوى تحرير المرأة وتذبح شعارات حقوق الإنسان.

ينكشف العفن المعتق في معي الحضرة الغربية منذ أكثر من ألف عام ثم تأتي الذئاب والكلاب الجرباء لتسويقه لدينا.. ومع ذلك لم نتهم المسيحية..

السجينات كن يعبرن أمام خيمة الرجال وكن يتوسلن السجناء من الرجال أن يجدوا طريقة لقتلهن لإنقاذهن من العار. 

كان الجناة مسيحيون ولم نتهم المسيحية..

قالت إحدى السجينات، تخاطب العراقيين: الجنود الأمريكيون وهم يشربون الخمر أمامنا وينتهكون أعراضكم كالحيوانات ويسرحون ويمرحون مع اللاتي هانت عليهن أعراضهن. أعراضنا هتكت، وملابسنا تمزقت، وبطوننا جاعت، دموعنا جارية، ولكن من ينصرنا أقول لكم اتقوا الله في أرحامكم فقد امتلأت البطون من أولاد الزنا.

- وتقول أخرى في رسالة لها: والله لم تمضِ ليلة علينا ونحن في السجن إلا وانقض علينا أحد الخنازير بشهوة جامحة مزقت أجسادنا، ونحن الذين لم تفض بكارتنا خشية من الله، فاتقوا الله، اقتلونا معهم. لقد اغتصبوني في يوم واحد أكثر من 9 مرات. معي الآن 13 فتاة كلهن غير متزوجات يتم اغتصابهن تحت مسمع ومرأى الجميع. انتحرت إحداهن بعد اغتصابها بوحشية، حيث ضربها جندي بعد أن اغتصبها على صدرها وفخذها، وعذبها تعذيبًا لا يصدق، فأخذت تضرب رأسها بالجدار إلى أن ماتت. وهذه المرأة هي أخت لأحد رجال المقاومة في منطقة أبو غريب والذي فشلت قوات الاحتلال في اعتقاله.

ولم نتهم المسيحية ولا المسيحيين حتى عندما اغتصبوا الأطفال

ففي مؤتمر عقده أحد أكبر اتحادات الحقوق المدينة الأمريكية ويدعى «إيه. سي. إل يو» في واشنطن بتاريخ 17حزيران/ يونيو، قال الصحفي الأمريكي المعروف سيمور هيرش إن لديه وثائق تثبت أن حراس سجن أبو غريب اعتدوا جنسياً على أطفال عراقيين كانوا معتقلين في ذلك السجن.

ولقد اغتصبوا الرجال أيضا ، لكنهم كانوا يرفضون الاعتراف بما لاقوه على أيدي الأمريكيين، وذلك حفاظاً على كرامتهم وكرامة أسرهم. لهذا تندر الشهادات التي تدعِّم هذه التهمة.

في 28/ 2/ 2005 أوردت شبكة البصرة شهادة هدى فوزي سالم من معسكر الصقلاوية, وهو أحد معسكرات اللاجئين المحيطة بالفلوجة, عمرها 17 عاماً، وأفادت: حوصر خمسة من أفراد عائلتنا بينهم جارنا البالغ من العمر55 عاماً داخل البيت، وفي 9/ 11 حضر المارينز إلى بيتنا, فخرج أبي وجارنا لمقابلتهم, في ذلك الأثناء أسرعت إلى المطبخ للبحث عن غطاء رأسي (الذي أنقذ حياتي). وما أن فتح والديّ الباب حتى أطلق الجنود النار عليهما فقتلوهما. دخلوا إلى المنزل وأمسكوا بأختي الكبيرة, وقتلوها, لم يروني, وخرجوا, بعد أن كسروا الأثاث وسرقوا نقود والدي من جيبه. مكثت هدى وأخيها ثلاثة أيام متواصلة في البيت بين جثث العائلة رغم قلة الماء والغذاء. وفي الأخير حاولا الهرب من المدينة خوفا من عودة الجنود ثانية إلى البيت. فاعترض طريقهما أحد القناصة فأصيبت هدى في رجلها. أما أخيها فقد أصيب في ظهره ومات على الفور.

حدث هذا كله من مسيحيين فلم نتهم المسيحية..

لم نتهمها رغم أن كل بلايانا من أتباعها.. وكل كوارثنا من أبنائها .. وليسوا أتباعها ولا أبناءها بل أتباع الشيطان وعبيده.

***

والآن دعونا نشهد ما قاله الشيخ عبد الكريم عبد الرزاق إمام وخطيب جامع عمر المختار في العراق في برنامج الاتجاه المعاكس يوم 22/11/2005 . والشيخ عبد الكريم من كبار علماء بغداد.. وهو صاحب أشهر صورة في سجن أبي غريب.. صورة المصلوب المقنع والمغطى بغطاء مخروطي أسود تبرز من خلاله أسلاك الكهرباء. ولقد ذهب إلى البرنامج بينما مازال يعالج من آثار التعذيب.

يتحدث الشيخ الجليل عن المجاهدين والجهاد.. ويستغيث بحاكم يغيث كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يغيث..

فيا عمر الفاروق هل لك عودة فإن جيوش الروم والفرس وأذنابهم تنهى وتأمر

ثم يصف الشيخ الجليل تجليات الحضارة الغربية في أبي غريب: 

"في سجون الداخلية العراقية هناك قطع للرؤوس وشواء للأجساد وقلع للعيون والأظافر، وهناك قطع الرؤوس ، هناك شواء للأجساد، هناك قلع للعيون، هناك قلع للأظافر (...) هناك جريمة كبرى، هناك فضيحة كبرى شاهدت فصول لها كثيرا في العراق(...) أنا كنت في زنزانتين، زنزانة الأميركان الفجرة الكفرة وزنزانة الفرس الصفويين ورأيت من العذاب ما لا يراه أحد، لا في محاكم التفتيش ولا في غيرها، عندما كنت عند الأميركان في الشعبة الخامسة في الكاظمية والله كنت في زنزانة استمع إلى فتاة عراقية تقول والله أنا عذراء والله أنا بكر والله أنا شريفة وتنادي بالله ثم نادت وا محمداه وا نبياه وا إسلاماه وعند زنازين الفرس الصفويين علقونا وهذه رجلي أستطيع أن أريها للمشاهدين وللمسلمين كيف ألقوا حامض الكبريتيك علينا، سلطوا الكهرباء، قلعوا الأظافر، كنت أشم رائحة الشواء وكان الواحد يوصي الآخر اصبر فإن موعدنا الجنة، فيدخل منهم.. من أراذل القوم يقول أما تريد أن تتغدى مع النبي؟ سوف نجعلك تتغدى مع النبي مباشرة، سوف نضربك طلقة برأسك فتذهب شهيدا، مو تحب الشهادة أنت؟ أنت مو تريد الشهادة؟ وهكذا أخي هناك جريمة وأنا أنادي أمة الإسلام الآن والله سوف يجمعنا الله غدا يوم القيامة على ما يحدث في العراق وعلى الجرائم التي في العراق..

يبدأ الشيخ الجليل في عرض صور العذاب الفظيعة المروعة لكنه سرعان ما يستدرك فيطلب من المشاهدين إبعاد أطفالهم كي لا تروعهم الصور(...) هذه صورة من ملايين الصور، حُرقت.. هذه من منطقة الحرية ونعرفهم، هؤلاء يصلّون أحيانا في جامعي، ناس مسالمين، يعيشون مع السنّة والشيعة، جاءت مغاوير الداخلية أخذتهم وأحرقتهم حرقا.. يعني ولم تُفعَل هذه الجريمة في محاكم التفتيش وسوف آتي لك بجرائم أخرى، هنا ثقب بالدريل ومَن أراد أن يعرف ما هي الدريل فليتعرف على هذه الصورة؟ (...) هذه ثَقب الأرجل والأيدي بالدريل(المثقاب الكهربائي) ، ثم تأتي إلى صور أخرى، هذا الإنسان ثقب جسمه بالدريل في شهداء المدائن.. قبل أن يموت..(...) دمروا العراقيين، حرقوا المنطقة الغربية بجميعها، قتلوا أبنائنا، قتلوا نساءنا، يصرخ الشيخ الجليل و أصرخ معه: 

- قريبا سوف يصبح العيد عيدين وأنا أقول للعراقيين مَن لم يستطع أن يضحي في يوم الأضحى فليأخذ جنديا أميركي يضحي به ويُجزَي إن شاء الله.

ويواصل الشيخ الجليل (..) كنت معتقلا وعُذِبت ورأيت دماء.. وشممت رائحة الشواء وهذا الشيخ فقط قال اللهم سدد رمي المجاهدين، هذا الشيخ ثقب وجهه فقط قال اللهم سدد رمي المجاهدين، قُتل هذا شيخ بسبعة أطفال قُتل.. لأنه قال اللهم سدد رمي المجاهدين، هذا ثقب وجهه بالادريل وقالوا ألا تريد أن تأكل مع محمد؟ اذهب الآن، اسمعوا يا أمة الإسلام، اسمعوا ما هذا السكوت، ماذا تقول لله وتقولون لله ولرسوله؟

***

إليك عني أيها القارئ..

إليك عني..

دعني أبكي عاجزا كالنساء عل دموعي تغسل بعض ذنبي..

ابك أنت أيضا مثلي أيها القارئ..

ابك مثلي – كالنساء - دينا لم نحافظ كالرجال عليه..

هل قلت كالنساء؟..

أعتذر..

أسحب التشبيه..

لأن استشهاديات العراق وفلسطين لم يتركن لنا هذا المثل كي نتغطى به.

أسحب التشبيه إجلالا لمستشارة استشهادية هي الدكتورة نهي الزيني..

نعم.. تمت الدائرة ودار الزمان دورته فاكتملت الرؤية وانبلج اليقين كنور الصبح لا يخفي شيئا..فسقطت السترات وانكشفت العورات ليبدو الطاغوت شيطانا واحدا له ألف ألف ذراع يحرك بها دمى تحكم بلادنا.. فأدرك أن الذي عذب الشيخ الجليل هو الذي قتل الشهيد الغالي سيد قطب وهو بنفسه الذي أنجح مصطفي الفقي - عليه من الله ما يستحق- بعد تزوير نتيجة الدكتور جمال حشمت-

***

تمت الدائرة ودار الزمان دورته

أمام الشيخ الجليل في البرنامج، كان هناك كلب من كلاب النار أنكر التعذيب مطلقا فصرخ فيه فيصل القاسم:

- يعني الأميركان – الذين اعترفوا بما حدث في أبي غريب - كذابون؟

فأجاب الخنزير نجس 

- يكذبون الأميركان ..نعم..

***

غامت عيناي بالدموع فرأيت أمام الشيخ الجليل، في مواجهته، رفعت السعيد وصلاح عيسى وفاروق حسني والدجوي وصلاح نصر وفرج فودة وموسى صبري.. وعشرات ومئات و ألوف.

***

القضية واحدة..

والشيطان الذي عذب في أبي غريب هو الذي يعذب في أقبية مباحث أمن الدولة في الرياض وعمان وصنعاء والرباط والقاهرة وهو الذي زور الانتخابات في مصر وفي تونس ولنفس الهدف..

الشيطان الذي قام الشهيد سيد قطب لمواجهته هو الذي يقتلنا الآن ويغتصب نساءنا و أطفالنا بل ورجالنا وشيوخنا..

ثم أنهم بعد أن يفعلوا بنا هذه الأفاعيل يرموننا بدائهم كعاهرة فاجرة وينسلون بعيدا تحت رايات دنسة للديموقراطية وحقوق الإنسان وتحرير المرأة.

لماذا ينثرون علينا الأكاذيب.. لماذا.. لماذا.. لماذا لا يكف الكلب الأجرب عن النباح بصوت سيده؟.. لماذا لا يكف الذئب عن استعمال مصطلحات صكتها المخابرات الأمريكية كالتأسلم؟ لماذا لا تكف الحية الرقطاء عن الفحيح؟.. لماذا لا تكف حكوماتنا عن الاقتصار على الذئب والكلب الأجرب والحية الرقطاء كرواد وقادة لإعلام فاجر لا يكف عن الكذب المأجور الذي يكلفه به سادته فراح – على سبيل المثال- يروج زورا حكاية قيام الإخوان المسلمين بحرق الأقباط في السويس. وهو نفس المنهج الخسيس المجرم الذي اكتشفت أنهم جميعا يتبعونه في أبسط القضايا و أعقدها.. يمارسونه في قضية وفاء قسطنطين، وفي قضية أسلحة الدمار الشامل، بنفس الطريقة التي يمارسونه بها في محاولة اصطياد سوريا وتهديد إيران وغزو أفغانستان وتحطيم العراق والتنكيل بمصر واللواط بالخليج..

ولم يكن الأمر عابرا ولا جديدا.. 

كانوا دائما كذلك.. منذ مؤتة واليرموك عندما بدأ المسلمون تحرير أوطانهم من الاحتلال الروماني والفارسي، ومرورا بمذبحة معرة النعمان التي اتخذوا فيها من شواء أطفال المسلمين طعاما شهيا ثم مذبحة بيت المقدس مرورا عبر القرون حتى مذابح الفلوجة وبغداد وتلعفر..

ولم نتهم المسيحية بالهمجية والوحشية والتخلف..

لم يحرق المسلمون أحدا..

كانوا هم الذين حُرِقوا لا حَرَقوا.. 

وبالرغم من ذلك لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين.. 

لم نتهم المسيحية ولم نقل أنهم قاموا بحرق (100) شاب مسلم بالبنزين، بل قلنا فعلت الشرطة في تايلاند ذلك، بل وصرح رئيس البوليس في المنطقة بأن حياة المسلم لا تساوي (26) سنتاً فقط (ثمن الرصاصة).

لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين بتسليط الكلاب المدربة على التهام للأعضاء الذكرية لـ 300معتقل في سجن أبو غريب بعد فتح أرجلهم عنوة عبر قيود حديدية في أيديهم وأرجلهم مثبتة في الحائط ووفاتهم على الفور..

لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين بالمسئولية عن مصرع مصرع 60 طفلاً في سجن أبي غريب بعد تقطيع أطرافهم أمام أمهاتهم، ومن ربط الأعضاء الذكرية والألسنة أحيانا للعديد من أبناء العراق الصامد بالأسلاك الكهربائية..

لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين بإجبار المعتقلين على اللواط والإتيان بحركات جنسية مهينة وهم عراة ليتم تصويرهم على أنهم همج، ومن دهسهم أحياناً بالأحذية العسكرية على الرأس والرقبة والأماكن المجروحة، ومن تقييد بعضهم وربطهم بالأسرة وهم عراة وحرمانهم من الطعام الشراب لساعات طويلة، ومن تعليق البعض منهم لعدة ساعات لإجبارهم على الإدلاء باعترافات كاذبة، ومن تبول على أجساد بعضهم العارية وجراحاتهم، ومن وضع حبال حول رقاب بعضهم وجرهم بها كالكلاب، ومن حلق رؤوس عراقيات وضربهن وإجبارهم على المبيت في الماء وعلى عدم النوم والوقوف لمدد طويلة أحياناً ووفاة العديد منهن بعد اغتصابها أو اغتصابه..

لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين بذلك أو بغير ذلك مما تواترت أخباره ويعف اللسان عن ذكره وكان ضمن 100 ألف حالة تعذيب أكدتها المنظمة العربية لحقوق الإنسان وأظهرتها عدسات الكاميرات وتناقلتها جميع وكالات الأنباء ووقف عليه العالم كله..

لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين بما أوقعته إدارة بوش ( لم نقل إدارة المسيحيين أو الصليبيين رغم أنه هو قالها ) على العراقيين في سجون الموصل وأم قصر وبوكا وغيرها، وعلى مجاهدي طالبان في سجون أفغانستان وفي (جوانتانامو) بـ (كوبا)..

 لم نتهم المسيحية ولا اليهود بما نشرته صحيفة (ديلي ستار) الملحقة بـ (الهيرالد تريبيون) فقد أمدت إسرائيل الأمريكيين بآليات ونظم تعذيب لانتزاع الاعترافات من أسرى ومعتقلي السجون العراقية حتى بات العسكريون الأمريكيون يستمعون بعناية فائقة إلى خبراء إسرائيليين للتزود بخبراتهم في التعامل مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية.. وعملاً بمبدأ أن الفعالية في انتزاع الاعترافات ينبغي أن تكون لها الأسبقية على احترام مقتضيات الديمقراطية وحقوق الإنسان فقد أقيمت تدريبات مشتركة أمريكية إسرائيلية في صحراء النقب.

لم نتهم المسيحية ولا اليهود بما حدث عندما ثار الجزائريون أثناء الحرب العالمية الثانية مطالبين بحريتهم، فما كان من البوليس الفرنسي إلا أن قصف المتظاهرين بمدافع الميدان التي تستخدم في تحطيم الحصون، كان القصف وحشيا، وكان ذلك في الثامن من مايو سنة 1945، فأعلنت الأحكام العرفية على أثر ذلك، وأقبل الطراد ديجواى – تراون" ليواصل المذبحة فأمطر مدينة خزاطة" وابلاً من قنابله الثقيلة، وقامت قوات الجيش بالحملات التأديبية، وشنق الوطنيون من غير محاكمة، كان عدد القتلى من العرب كما قيل أولاً بصفة رسمية إنه 1500، غير أن الجيش أعلن أنه يتراوح بين 6000 و 8000. ثم جاءت إحصاءات أخرى تقول إن العدد الصحيح هو: عشرون ألفا، وبعد إعادة النظر في حقائق الأمور تبين أن العدد الصحيح هو 000 40 قتيل 

أربعون ألف قتيل يحصدون هكذا بين عشية وضحاها!!! 

أربعون ألفا......

ولم نتحدث عن وحشية المسيحية أو المسيحيين..

بعد المذبحة.. ذهب المبشرون كي ينصروا اليتامى من أبناء الشهداء.. تماماً كما حدث لأبناء وبنات مسلمي البوسنة والهرسك – وليقولوا لهم وهم يحشرونهم في إحدى الملاجىء المسيحية: الله محبة!!!" و على الأرض السلام!!!" و للناس المسرة!!!".

***

ولم يكن الأمر عابرا ولا جديدا.. 

ولم نتهم المسيحية بالهمجية والوحشية والتخلف..

في نهاية القرن التاسع عشر كانت القوات الأميركية تكتسح كل أرض ظهرت عليها حركة مقاومة في الفيليبين، وكما هو الأمر الآن في العالم، لم يعد يقاوم إلا المسلمون. كانوا منذ مائتي عام يحاربون الاستيلاء على بلادهم وتنصيرها حتى جاءت القوات الأمريكية ولم تترك هناك فلبينيا واحدا إلا قتلته. وكذلك لم يعد في هذا البلد رافضون للوجود الأميركي لأنه لم يتبق منهم أحد"!!! ويضيف صحفي رافق الحملة ما نصه: "إن الجنود الأميركيين قتلوا كل رجل وكل امرأة وكل طفل وكل سجين أو أسير وكل مشتبه فيه ابتداءً من سن العاشرة، واعتقادهم أن الفلبيني ليس أفضل كثيرا من كلبه وخصوصا أن الأوامر الصادرة إليهم من قائدهم الجنرال "فرانكلين" كانت :"لا أريد أسرى ولا أريد سجلات مكتوبة!!. 

كانوا مسيحيين جميعا ومع ذلك لم نتهم المسيحية ولم نقل عليهم بالحق ما ادعوه بالباطل علينا.

 ( باختصار وتصرف عن: الغارة على العالم الإسلامي د/ ربيع بن محمد بن علي.

*** 

يحدثنا الدكتور ربيع ومصادر أخرى عديدة عما قاله أحد ضباط الأمم المتحدة الذين خدموا في البوسنة والهرسك: "إنه قضى شهوراً طويلة لا يستمع إلا لطلقات الرصاص والبنادق ولا يرى سوى قذائف الصرب التي كانت تتوالى تباعاً فوق أشباح الموتى وهي عطشى لمزيد من الجثث من الرجال والنساء والأطفال المسلمين في مذبحة (سربرنيتشا) المروعة".

ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..

 ولقد اعترف قائد القوات الصربية (فوشتيك) لمجلة (ديرشبيجل) الألمانية وقال بالحرف الواحد: "لقد قتلت وحدي مئات المسلمين، وقمت شخصياً بإطلاق الرصاص على الأسرى المسلمين للقضاء عليهم"، وعندما نبهته المجلة إلى المعاهدات الدولية التي تحرم قتل الأسرى قال: بأنه "لما لم يجد سيارات لنقلهم، وجد أن أرخص طريقة هو قتلهم بالجملة، مثلما أجهز رفاقه الصرب على 640 مسلماً كانوا يختبئون في مخبأ"، كما ذكر: "أن من لم يقتله كان يقوم أحياناً بخرق عينيه وتعذيبه، وأنه كان يلجأ إلى تهشيم أيدي الأسرى ببطء حتى يعترفوا بما يريد"، وحين سئل عن هدف الحرب التي تخوضها القوات الصربية في البوسنة صرح بقوله: "المسلمون في أوربا يجب أن يختفوا كأمة ، لا نريد مسلمين بيننا أو حتى في أوربا كلها"، ولقد صرح جزار الصرب الأرثوذكس الأصوليين (سلوبودان ميلو سوفيتش) حين سئل عما يفعله في مسلمي البوسنة فقال: "إنني أطهر أوربا من أتباع محمد".

حدث هذا كله ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..

*** 

نعم..

حدث هذا كله ولم نقل أن المسيحيين إرهابيون.. وما (سربرنيتشا) التي نحكي أحد فصولها، وما (بيهاتش) التي نقصُ بعض ما حدث فيها، إلا اثنتان من عشرات المدن البوسنوية التي تم فيها طبقاً لبعض الإحصائيات قتل وتعذيب وحرق ما يزيد عن300 ألف مسلم أغلبهم من النساء والأطفال، منهم 70 ألف قضوا نحبهم في مجازر جماعية و50 ألف معاق وما يزيد عن 120 ألف مفقود، كما تم تدمير أكثر من 800 مسجداً من أصل 1500 مسجد، وطرد جماعي قسري لما يزيد عن مليوني مواطن- هم تقريباً جملة من بقي حياً من سكان هذه الدولة المسلمة- بلا مأوى ولا طعام ولا خيام، واغتصاب ما يزيد عن 75 ألف جندي داخل ما يقرب من عشرين معسكراً لأكثر من 700 ألف طفلة وسيدة، زرعت أرحام المئات منهن بأجنة ذئاب وكلاب بشرية تنتسب إلى تلك الحضارة الزائفة الفاجرة التي لا تعرف الرحمة ولا تمت للإنسانية ولا للقيم والمبادئ النبيلة بأدنى صلة، والغريب في الأمر أن عمليات الاغتصاب غالباً ما كانت تتم علانية وعلى مرأى ومسمع من الجميع بل وأمام الآباء والأزواج في كثير من الأحياء، وكان جزاء من يتحرك لإنقاذ أي منهن وابلاً من الرصاص يخترق رأسه ويسقط بعدها صريعاً مضرجاً في دمه.

ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..

أورد تقرير (شفارتز) عضو الحزب الديمقراطي المسيحي وعضو البرلمان الألماني الذي ورد في إحدى نشرات منظمة البر الدولية تحت عنوان (رأيت بعيني) وفيه يقول: "رأيت طفلاً لا يتجاوز عمره الثلاثة أشهر مقطوع الأذنين مجدوع الأنف، رأيت صور الحبالى وقد بقرت بطونهن ومُثل بأجنتهن، رأيت صور الشيوخ والرجال وقد ذبحوا من الوريد إلى الوريد، رأيت الكثيرات ممن هتكت أعراضهن ومنهم من تحمل العار ولم يبق لولادته سوى أسابيع، رأيت صوراً لم أرها على أية شاشات تليفزيونية غربية أو شرقية، وأتحدى إن كانت عند هؤلاء الجرأة والشجاعة لبثها". 

ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..

كان رواد الحضارة والتحرير والتنوير من أشاوس الصرب يقطعون- حين قتلهم المسلم البوسنوي- إصبعين فقط من أصابع يده ويتركون الثلاثة الباقية علامة التثليث .. و كانوا يبالغون في تعذيب حفظة القرآن وأئمة تلك المساجد ويذبحونهم في أغلب الأحيان على مرأى ومسمع ويمثلون بجثثهم .. 

كان دعاة تحرير المرأة يقومون بإجبار امرأة مسلمة على شرب دم ابنها الصغير بعد قتله أمامها.. و يضعون الأطفال المسلمين في فرّامات اللحم وخلاطات الأسمنت ومطاحن الأعلاف.. ويقومون بدفنهم أحياء وأحياناً بسحب دمائهم حتى الموت لنقلها لجنود الصرب..

كانوا يقتلون الأسرى والمستسلمين بالآلاف ( أصرخ: لماذا استسلموا؟ لأماذا لم يقاتلوا فيَقتلون ويُقتلون؟) كانوا يفرضون حظر التجول حتى يتضور الأطفال جوعا، ثم يعطون مهلة قصيرة للناس كي يحصلوا على ما يسد رمق الجوعى.. وبمجرد أن يملأ الناس الشوارع كانوا يطلقون عليهم الرصاص. كانوا يلبسون الأسرى نفس لبسهم ليكونوا دروعاً بشرية في مرمى نيران الحرس الدفاعي المسلم.. ولا وهم يقومون في يوم واحد بقتل ألف مسلم ثم يتبعون ذلك بفقء أعينهم وبرسم الصلبان على جثثهم بالخناجر ثم بتقطيع آذانهم وأنوفهم ويتركونهم بعد ذلك نهباً للحيوانات تلغ في دمائهم.. ولا هم يقومون بحصد 20 ألف مسلم في 31/ 10/ 92 خارج (يابيتش) والاستمتاع بقتلهم بعد حصارهم- حسب إذاعة لندن الذي وصفت هذا العمل بأنه انتهاك خطير لحقوق الإنسان.. ولاهم يقومون بشوي طفل رضيع على النار أمام أبيه تماماً كما يشوى اللحم، ويأمرون الأب تحت تهديد الرصاص أن يأكل من لحم فلذة كبده ليطلقوا عليه الرصاص بعد ذلك. 

ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..

بقرت بطونهن النساء المسلمات بعد اغتصابهن وبعد أن خطت ورسمت على أجسادهن الصلبان.. ونساء أخريات قتلن بعد أن استؤصلت أرحامهن لا لشيء إلا لأنهن كن في الدورة الشهرية إبان فترة الغزو.. كان الأسرى يجبرون على خلع ملابسهم الداخلية والكشف عن أعضاء الذكورة لديهم، فإذا وجدوا أنه مسلم مختون قطعوا أعضاءه التناسلية ثم قاموا بذبحه وإلقائه في الماء المغلي وشيه كالذبائح.. 

ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..

لقد انتشرت الفتوحات الإسلامية من الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً ومن جبال القوقاز شمالاً إلى أواسط أفريقيا جنوباً.. ولم يجرؤ مؤرخ مهما كان مغرضاً أو حاقداً على الإسلام وحضارته أن يتهم جيشاً عربياً أو إسلامياً بفعل شيء من ذلك أو بارتكابه جرائم حرب أو قيامه بإبادة جماعية ضد سكان بلدة أو جزيرة مهما كانت نائية أو صغيرة أو تافهة كما فعل ويفعل الغرب بنا .

يصرخ د/ ربيع كما يصرخ أحمد منصور في قناة الجزيرة : أين حقوق الإنسان من اتخاذ أطفال دروع بشرية يضعونها على فوهات الدبابات ومن قتل جرحي وطردهم أحيانا وتدمير مراكز طبية وأخذ كل ما تبقى من أجهزة طبية من داخل المستشفيات بعد الاعتداء على الأطباء لمنع معالجة الجرحى وقصداً لإفناء من لم يفن من رصاصات القناصة وقنابل الفوسفور وقذائف الطائرات ونيران الدبابات والمدرعات التي لا تبقي ولا تذر وتدمر البيوت على ما ومن فيها؟ أين حقوق الإنسان من هذه الانتهاكات التي نسمع عنها مما يجري في الهند وبورما وبلغاريا وكشمير والفلبين وغيرها ضد كل ما هو إسلامي؟ وفي أي نظام أو أية شريعة يُمنع المعتدى عليه من الدفاع عن نفسه ويحظر عليه السلاح بل ويطلب منه تسليم بنادقه المتهالكة التي بقيت مع بعض أفراده في حين يتمتع المعتدي بدباباته وطائراته وصواريخه وكامل عتاده يقتل ويهلك ويدمر؟ أين ذلك النظام الدولي الجديد الذي يدعي القوامة على العالم إلا أن يكون هذا النظام أقيم خصيصاً لمواجهة الإسلام والمسلمين؟. 

حدث هذا كله فلم نتهم المسيحيين ولا المسيحية بالتوحش والتخلف والإرهاب..

حدث فلم نعلن الحرب على العالم..حاولنا فقط أن ندافع عن أنفسنا.. وفشلنا.. لأن الغرب – المسيحي – كان قد جاء بمجموعة من القوادين والنخاسين وجعلهم ملوكا علينا..فأذلونا..

لم نتهم الجمع بل حددنا التهمة بمن يرتكبها فقط..

لأننا خير أمة أخرجت للناس لم ننسب الفعل للدين ولم نقتل لمجرد الاشتباه كما يفعل وحوش يدعون انتماءهم زورا إلى عبد الله المسيح عيسى ابن مريم.

أساءوا إلينا فرددنا على إساءاتهم بالإحسان..

*** 

يصرخ د/ ربيع

لقد انتشرت الفتوحات الإسلامية من الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً ومن جبال القوقاز شمالاً إلى أواسط أفريقيا جنوباً.. ولم يجرؤ مؤرخ مهما كان مغرضاً أو حاقداً على الإسلام وحضارته أن يتهم جيشاً عربياً أو إسلامياً بفعل شيء من ذلك أو بارتكابه جرائم حرب أو قيامه بإبادة جماعية ضد سكان بلدة أو جزيرة مهما كانت نائية أو صغيرة أو تافهة كما فعل ويفعل الغرب بنا .

*** 

هل نحن المتخلفون إذن؟ هل نحن الهمج الهامج؟ هل نحن الإرهابيون؟ هل نحن الذين نشكل خطرا على العالم..

لا وحق جلالك يا رب..

بل نحن خير أمة أخرجت للناس..

إنهم لا يكرهوننا لأننا إرهابيون أو مجرمون أو لصوص وقتله.. بل يكرهوننا لأننا نمنع الإرهابيين والمجرمين واللصوص والقتلة من فرض شريعتهم على العالم.. 

أما من هم المجرمون والإرهابيون واللصوص والقتلة فليس سواهم..

نحن نمنعهم..

ومن أجل ذلك يكرهوننا..

*** 

أي دين هذا الذي واجه هذا كله .. و إن كان لم يحقق حتى الآن الانتصار فأيضا لم يلحق به الانكسار..

والعجز عن الكسر هو أولى خطوات النصر .. فأي دين هذا..؟؟!!..

*** 

أي دين هذا.. أي روعة و أي قوة و أي طاقة و أي سيطرة و أي تأثير و أي بهاء و أي مضاء و أي سيطرة وأي عزيمة و أي روح و أي قيم سامية و أي قوة تأثير و أي جرأة على المواجهة و أي قدرة على دحض الباطل وكشفه كما يكشف النور الظلام..

أي دين هذا الذي يبدي كل هذه القوة والحيوية والتجدد وعدم القابلية للتلاشي!!..

دين ينجح في المقاومة والصمود والسعي للانتصار رغم الألم والعذاب والحصار والمهانة والتجويع والتزوير والتزييف والكذب والخيانة وانحراف النخبة وميلهم للعدو والشيطان واستخلاف حكام علينا لهم صفات العبيد للغرب فأي دين هذا؟!..

أي دين هذا..

أي دين..

أي دين هذا الذي سلطت عليه كل وسائل التزوير والتشويه والكذب.. وعلى الرغم من كل ذلك فإن المجاهد في سبيل الله إن شاء الله أيمن الظواهري، وهو يتحدث إلى المجرم القرصان بوش، يبدو وكأنه يتحدث من عليين حيث الملائكة والصديقين إلى بوش في أسفل سافلين حيث الأشرار والشياطين..

والله يا قراء إن هذا هو ما أحسست به، إذ بدا أيمن الظواهري مسربلا بنبله، وبتلك الهالة التي لا تبارى، هالة الحق، هالة تكاد تعرف أن صاحبها شهيد، هالة بدا بها عملاقا في كل شيء حتى في القوة، وبدا بوش أمامه حقيرا وصغيرا في كل شيء إلا في الخسة، وبدا شريرا من صعاليك الحانات، صعلوكا ولصا يستبد به الحنق لأن الفارس النبيل يعوقه عن المضي في سرقاته.

أي دين هذا.. 

أي دين هذا وانتصار حماس المطاردة المحاصرة المجوّعة المقاطعة في فلسطين يربك الدنيا المدججة بالسلاح والقوة والغنى.. وما يرهبهم سلاح حماس ولا قوة جيشها، و إنما يرهبهم سلاح الدمار الشامل الذي تحمله: سلاح الإسلام، فحماس تحتمي بالإسلام ولا تحميه، ولو تخلت عنه لكانت أقرب إليهم من حبل الوريد. و أظن حماس تدرك هذا، كما تدرك أن عزوفي عن تهنئتها بالانتصار، لا يعود إلى قلة اهتمام أو نقص محبة – بل وفخر-، بل يعود إلى موقفي من الحياة، ذلك أنني أرى الحياة كلها ابتلاء لا تجوز التهنئة إلا بالنجاة منه، أما الانتصار فهو أحد وجوه الابتلاء وقد يكون هو الأقسى. ولعلي هنا أزيد، أنني لم أخف على حماس قبل ذلك أبدا، حتى عندما اندلعت ألسنة اللهب في قلبي، وتوهج الجمر الذي انتقل من قبضتي ليسري في عروقي، وفاض ألمي عن قدرة احتمالي باستشهاد الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، فعندما حدث هذا، كان يجري في إطار المعادلة العبقرية للإسلام: معادلة إحدى الحسنيين!!.. لم أخف على حماس أبدا طالما كانت تحت ظل هذه المعادلة.. الآن لا أملك لها إلا الدعاء بأن ينصرها الله.. فليس من حقي النصح ولا التحذير إلا من شيء واحد يرعبني دائما الاستدراج إليه فقد استدرج إليه حكامنا جميعا.. بلا استثناء..بالدنيا.لدين بالدنيا .. واستبدال الأدنى بالذي هو خير.. ليس من حقي إلا أن أعبر عن حقيقة موجودة وواضحة:

أن الإسلام هو الذي يحمينا وليس العكس.. و أن الهلاك في الابتعاد عنه والتخلي عن مظلة حمايته ولو بانحرافات التأويل التي تؤدي دائما إلى زيغ العقيدة..

الإسلام قادر على المواجهة.. بل هو الوحيد القادر على المواجهة.. 

الإسلام هو الذي يزيده الهجوم عليه بهاء وقوة.. كالحجر الكريم والألماس كلما ازداد الاحتكاك به كلما ازداد لمعانه.. فأي دين هذا؟!..

أي دين هذا الذي كلما ازداد عدد شهدائه ازداد عدد أصفيائه.. وكلما ازدادت أعباؤه ازداد أتباعه.. وكلما ازداد عدد المعذبين فيه كلما ازداد عدد المنضمين إليه..و كلما ازداد الهجوم الفكري عليه كلما ازداد عدد المقتنعين به..

***

في المقالات الماضية استعرضت بعض صنوف العذاب التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون.. صنوف العذاب التي تبدو متشابهة كأبناء سفاح لأب داعر، فوسائل التعذيب في القاهرة كوسائلها في الرياض وتونس وجوانتانامو والمعتقلات السرية والطائرة، وكلها وثيقة الصلة بالحضارة الغربية الشيطانية. وما التعذيب إلا أحد وجوهها، ووجوهها الأخرى ليست أقل دموية وبشاعة، علينا أن نفهم هذا، فبدون فهمه، وبدون النظرة الشاملة سوف نعجز عن فهم مجريات السياسة والتاريخ، سوف نعجز عن فهم أولئك الذين يتركون الحياة الرغدة الناعمة الهانئة ليجاهدوا ويستشهدوا.. سوف نعجز عن فهم لماذا فعل الإمام الشهيد حسن البنا ما فعل.. وسوف نعجز عن فهم كيف أن الاستشهاد بالنسبة لسيد قطب كان اختيارا لا إجبارا.. وكان اصطفاء لا ابتلاء.. بدون فهم المنظومة الإسلامية الشاملة لن نفهم لماذا سعي الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي إلى الاستشهاد هذا السعي كله .. ولن نفهم لماذا حمل المجاهدان أسامة بن لادن و أيمن الظواهري – رضي الله عنهما – نفسيهما عبء مواجهة الشيطان والعالم.. بل إنني في سعيي الحثيث نحو إكمال الكتابة عن الشهيد سيد قطب، لا يمكن أن أصيب كبد الحقيقة إلا إذا فهمت بشاعة العالم الذي نهض سيد قطب لمواجهته وتعريته وفضحة، حتى استشهد في سبيل ذلك.

نعم.. لكي نفهم هؤلاء ودرة العقد فيهم شهيدنا الغالي السيد قطب لابد أن نفهم العالم الذي استنفره لمواجهته.. العالم الذي تصفه الدكتورة زينب عبد العزيز بقولها: هؤلاء الطغاة قد نشأوا ودأبوا على اقتلاع الآخر سواء جغرافيا أو حضاريا أو دينيا. فما فعلوه بالسكان الأصليين للأمريكتين واستراليا وزنوج إفريقيا ، أو تعذيبهم و إبادتهم لملايين البشر، لا يمكن محوه من ذاكرة التاريخ .. (...) ويكفى أن نطالع الإصدارات الغربية الحديثة بأقلام بعض الأمناء لنرى أهوال ما قام و يقوم به هؤلاء “المتحضرون” ..

نعم.. علينا أن نواجه إعلام الطاغوت الذي يدعي أن سيد قطب و أتباعه يمثلون نمطا خارجيا أو على الأقل هامشيا للمسلمين.. لا.. بل هم التيار الرئيسي وهم الذين يدافعون عن الإسلام كله..

 يقول الكاتب جان بودريار في كتابه المعنون “ قوى الجحيم “ إن الإسلام هو النقيض الحيوي للقيم الغربية ، و لذلك فهو يمثل العدو رقم واحد (...) ، وفيما يتعلق بالتعصّب الديني المسيحي فإن كل الأشكال المخالفة له تعد هرطقة ، وبذلك فيتعيّن عليها إما أن تدخل النظام العالمي الجديد ، طواعية أو قهراً ، أو عليها أن تختفي. إن مهمة الغرب الآن هي أن يتم إخضاع الثقافات المختلفة بشتى الوسائل إلى القانون الوحشي المسمى التساوي (...) فالهدف هو التقليل من المناطق المنشقة واستبعاد كل المساحات المعترضة، سواء أكانت مساحات جغرافية أم مساحات في المجال العقائدي “.

***

 ولسوف نواصل فضح الطواغيت.. لكنني لا أريد للقارئ أن ينتهي من المقال وهو يقول لنفسه: يا له من مقال محزن ومؤثر.. ثم ينتهي الأمر.. فأنا لا أحكي حكاية ولا أروي رواية ولا أصوغ عملا فنيا أطمع بعده في التقريظ والتقدير والإعجاب.. لا أفعل ذلك.. إنما أكتب بالدم، باللحم البشري المشوي، بالعظام المهشمة والنفوس المقاومة.. وأريد بكتابتي تلك أن أوصل إلى القارئ و إلى الأمة كلها فداحة ما يحدث، كي يخرج المواطن العادي من صمته وسلبيته وسكونه، لأن الصمت جريمة وخيانة، وهو عار الدنيا وخزي الآخرة، أريد أن أنقل ذلك إلى القارئ، فهو إن اتحد مع الباقين القادر على إرغام الجلادين على كف ذئابهم كلاب النار عن نهش أبناء هذا الدين..

هل أستطيع أن أجعل القارئ يحس..

لو كان بيدي لدرت على الناس و لجلت في الأسواق ولطفت الدنيا أطرح أمام الناس فداحة ما يغمضون أعينهم عنه وبشاعته. فهل أفلح في مواجهة ألف فضائية و ألف ألف صحيفة ومذياع وكلب نابح بالباطل..

هل أفلح..

هل أستطيع؟!..

هل أستطيع؟!..

هل أستطيع أن أبلل صفحات هذه المجلة بالماء أو بالدموع وأن أصلها بالكهرباء كي يتكهرب القارئ إذ يقرأ، ليفهم ويحس ويعي أي نوع فظيع من العذاب يعانيه أولئك الذين يعذبونهم بالصعق بالتيار الكهربائي..

هل أستطيع أن أجعل من السطور سياطا و أسلاكا مجدولة تنهال على وعي القارئ ليحس بشيء شبيه لما يعانيه الضحايا؟. 

وهل أستطيع أن أستعمل بدلا من الحبر الذي دنسته أقلام كثيرة دم الضحايا الذي سفكه الطاغوت الباطش الجبار وسفحه الضحايا..

هل أستطيع أن أوقد تحت القارئ نارا، ليحس بما يحس به الضحية وهو معلق كالخروف المشوي فوق النار..

هل أستطيع أن أجعل القارئ يقرأ هذه المجلة وهو معلق من قدميه في سقف منزله، أو وهو معلق من رسغيه معكوسا وقد ربطت في كل قدم من قدميه أنبوبة بوتاجاز، أو وهو يسحل على الأرض..

هل أستطيع أن أصوغ من تلك الحمم المنصهرة المنثالة من داخلي تمثالا يحرق لامسه ويعمي الناظر إليه، أو أن أرسم بألوانها الدامية لوحة تتحرك فيها الجمادات وتصرخ..

هل أستطيع أن أجعل صفحات هذا المقال تشتعل بين يدي القارئ، أو تنوح وتلطم ..

هل أستطيع أن أنقل للقارئ عظمة تلك النماذج الشامخة الأبية التي لا تنكسر أبدا مهما مورس ضدها من تعذيب حتى الموت.. ثم هل أستطيع الحديث عن الجانب الآخر.. عن الذين يفقدهم التعذيب بشريتهم .. 

هل أستطيع أن أبث الروح في تلك الحروف المتراصة الميتة فتنفجر بالحياة من الألم فتنقل للقارئ في نفس اللحظة التي يقرأ فيها صرخة إنسان يعذب، صرخة تلاشى منها كل كبرياء وانهدمت فيها كل إرادة، طويلة مشروخة مذهولة مرتعبة منسحقة يائسة آملة مذبوحة راجية خاضعة ذليلة متوسلة معترفة بما لا تعرف تائبة عما لم ترتكب صاخبة جياشة هادرة مهدورة مرتجفة بالخوف والكهرباء عمياء بما يعصب العينين، غير مدركة من أين يجيئها العذاب ولا سببه، صرخة لا يتخيل أن مثلها يمكن أن يصدر من عضو بشري كالحنجرة و إنما كل خلية في الجسد الإنساني تصرخ صرختها الخاصة فخلايا الحنجرة تصرخ وخلايا القلب تصرخ وخلايا الكبد تصرخ وخلايا الدم تصرخ، وخلايا الجلد التي تقابل خلايا السوط في العرس الدامي تصرخ، وخلايا الجسد كلها تتحول إلى خلايا للألم تستقبله وتعبر عنه مسقطة كل أبجديات اللغة فلا يبقي من كل حروف كل لغات العالم سوي حرفين .. هما: آه.

 ويذوب الموصوف في الصفة منصهرا تحت حرارة اللهيب فإذا الآه ليست تعبيرا عن الألم بل هي الألم ذاته وقد استدعته نداءاته ليقود كالمايسترو فرقة الخلايا الصارخة مطلقة جميعا في تناغم وحشي سيمفونية الألم المروع التي تعزفها خلايا الجسد الإنساني المعذب الذي فقد ذاكرته ففقدت أفعال اللغة أزمانها ولم يعد لديه ماض ولا حاضر ولا مستقبل، لم يبق إلا فعل الأمر: اضرب، احرق، انتهك، عذّب، اركع، اعترف، انسحق، تلاش، اكفر بالله ، سب محمدا، وهو لا يستطيع وبين العذاب و العذاب عذاب أن يجيب، فخلايا الذاكرة قد فقدت الذاكرة لتطلق هي الأخرى صرختها المجردة من الزمان، فكأنما هزيم الصرخات يغطي الوجود الإنساني عبر كل تاريخه المعذب بين جبروت الجلادين الفجرة وعذاب الضحايا وعجزهم وذلهم..

هل يمكن أن يسمع القارئ وعيناه تجريان على هذه السطور صوت سوط، صوت العظام وهي تتهشم، والمفاصل وهي تنخلع، والنفوس وهي تنكسر..

هل يمكن أن يرى القارئ ولو لثانية واحدة ضابط الشرطة الذي يعبث بأصابعه وبأدوات أخري في هني امرأة، في عورتها وعفتها، بعد أن أخذوها وهي البريئة رهينة، هل يمكن أن يرى القارئ ذلك و أن يخصف على مشهد العار الداعر في خياله الدامي صفحات هذا المقال..

هل يمكن..هل يمكن..

و هل تغني هذه الدموع التي يذرفها القارئ الآن وهو يقرأ، وهل تجدي في إطفاء النار المشتعلة في ضحية واحدة..

هل أنجح في أن أجعل القارئ يحس بثوان فقط من ذلك العذاب الوحشي الهمجي المجنون الذي يعانيه الآن في نفس هذه اللحظة واحد من آلاف الضحايا في باستيل مصر في لاظوغلي، أو في فروعه المنتشرة كالعنكبوت أوالأخطبوط على ساحة الوطن، أو في مراكزه الرئيسية في جوانتانامو و أبي غريب وفلسطين وسجون المخابرات الأمريكية السرية، هل أنجح في أن أشعره بثوان، ثوان فقط، تجعله حتى، دون أي احتجاج أو تمرد أو ثورة، يلجأ إلى سريره ينشد الراحة من الإنهاك الذي سببه له تخيل الإحساس بالعذاب، وهي راحة لا يظفر بمثلها الضحية، فهناك، في سجون الطواغيت، لا يجد الضحية أي فرصة للراحة من العذاب، فبعد كل عذاب عذاب أشد..( راجع إني أرى الملك عاريا .. د محمد عباس- مكتبة مدبولي)

هل يمكن أن أنقل إلى القارئ شيئا من مشاعر اللهفة المحمومة والأمل الذي يعتمل في نفس ضحية تترقب صحوة الأمة تستجيب للنداء الذي تطلقه الكينونة الإنسانية دونما حاجة إلى صوت تهتز به أوتار الحناجر ولا إلى لغة تقولها بالحروف: وا إسلاماه فتهرع الأمة لإنقاذه من عذابه..

لقد خدعونا، ادعوا زورا أن قانون حضارتهم اللاديني يقرر أنه لا يوجد متهم بريء ومتهم مذنب، فكل المتهمين أبرياء حتى تثبت إدانتهم في محاكمة عادلة ، خدعونا، فبالرغم من ادعائهم، فان ضحايا التعذيب والقتل، معظمهم أبرياء لم تصدر بشأنهم أحكام.. يكفي أن يصرح الجلاد أن الضحية متهم كي يسام العذاب أو يفقد حياته.. أو أن تدعي الدولة المارقة – أمريكا وذيولها- أنه مشتبه فيه كي تهدم دولته وتمزق أمته..

هل يمكن أن يرى القارئ ولو لثانية واحدة كيف تذيب قنابل الفوسفور اللحم البشري..

أو كيف تمزق القنابل العنقودية التي تنفجر المئات والآلاف من الناس.. أما التي لم تنفجر فهي لا تقل خطورة.. إنها خطر كامن ينفجر في أي وقت دونما حرب ولا غارات ولا إنذار.

هل يمكن أن يرى القارئ هذا الجلاد وهو يغتصب شيخا كل جريمته: لا إله إلا الله محمد رسول الله..

كيف يمكن أن أنقل إليكم ذلك..

لو كان الأمر بيدي لمزقت صفحات هذه المجلة ولففت في كل ورقة منها مزقة من لحم شهيد أو شظية من عظامه أو قطيرات من دمه ولدرت بها على القراء واحدا واحدا أعطي كل واحد نصيبه منها ونصيبه من عار الصمت وخزيه..

هل يمكن أن يرى القارئ - ما رأته صحيفة القدس العربي - فضائح المعتقلات الجوّية التي يتم خلالها اختطاف المعتقل أو حمله إلي طائرة جوّية خاصّة بالمخابرات الأمريكية ليتم التحقيق معه في الجو دون حسيب أو رقيب ولا قوانين ولا أنظمة تنطبق علي مثل هذه الحالات.

هل يعرف القارئ شيئا عن تقنية عزل الحواس أو عن تقنية تحطيم الاعتداد بالذات التي تستعمل خصيصا ضدّ المسلمين كما اعترفت الجنرال كاربنسكي لتلفزيون الجزيرة بانّ كل خبراء هذه التقنية إسرائيليون. وتقوم هذه التقنية علي استخدام كل ما من شانه أن يهين كرامة وشرف وعزّة نفس وثقة السجين أو المختطف بنفسه وتحطيم قدرته علي الصمود واعتداده بنفسه وخاصّة بتهديده بممارسة اللواط أو الاعتداء عليه جنسيا أو مسح وجهه بدم الحيض.!

هل جللك العار أيها القارئ..

لم تدنسك الكلاب ولا دم الحيض ولا رأيت بعينك المصحف وهم يلقونه في المرحاض..

لم يدنسك هذا..

لكن ثمة دنس آخر قد يدنسك.. دنس لا يقل عما ذكرنا وقد يزيد.. دنس صمتك..

نعم.. صمتك يدنسك..

صمتك الذي تسبب في عار آخر سوف أذكره لك على الفور:

ذلك أن أقسى عقوبة يلحقها الأمريكيون بالمعتقل أن يسلموه إلى أهله، أن يسلموا العراقي إلى الحيوان المسعور صولاغ، والمصري إلى الحيوان المسعور الذي لا أعرف اسمه.. وكذلك في الرياض وعمان ودمشق وتونس والدار البيضاء..

فيا لها من نجاسة تطال الجميع وعلى رأسهم الحكام..

*** 

هل هالك أيها القارئ ما سمعت؟..

هل تمزق ضميرك قبل أن يتمزق صمتك؟!..

دعني إذن أرفه عنك بقصة يختلط فيها الجنس بالدم ..

ودعني قبلها أذكرك بشيء بالغ الخطورة يحدث في أرجاء كثيرة من عالمنا العربي، حيث تحول بعض الشرطة وأعضاء الحزب إلى مجرمين عتاة يطلبون من الناس الإتاوات كي لا يعتقلوا.. أو يطلبون من أهلهم ثمن استصدار قرار بالإفراج عنهم..

حدث هذا مع عدد لا يمكن حصره منهم العراقية: هدى العزاوي 39 عاما( من عائلة ميسورة)، واحدة من العديد من النساء اللاتي حبسن في السجن العراقي سيء الصيت, أبو غريب. وبعد إطلاق سراحها تروي قصة عذابها إلى لوك هاردينج (الجاريان). 

بدأت الحكاية حين تلقت هدى العزاوي تهديدا من احد العراقيين المتعاونين مع القوات الأمريكية “مدام هدى ادفعي لي 10 ألاف دولار أمريكي, وإذا لم تدفعي فأنني سوف اكتب تقريرا للأمريكان عنك وعن عائلتك وأقول بأنكم تعملون مع المقاومة” ، وانه سوف يقدمه إلى القوات الأمريكية التي سوف تقوم باعتقالها.

رفضت هدي الدفع لأنها أدركت أن الاستجابة للابتزاز ستحرض المجرم على مزيد من الابتزاز. 

بعد فترة قصيرة قام الأمريكان باعتقال أخ آخر للسيدة هدى تلاه أخوه الأكبر وهو أياد البالغ من العمر 44 عاما, وعند هذا الحد قررت السيدة هدى مواجهة الأمريكان مباشرة, وتوجهت إلى قاعدة القوات الأمريكية في الأعظمية. تقول هدى أن الكابتن الأمريكي طلب منها العودة ومعها أخويها الآخرين, ثم بعد ذلك سوف نتكلم. وفي عشية عيد ميلاد السيد المسيح, عادت هدى ومعها أخويها علي ومعتز, “ولقد انتظرت أربع ساعات قبل أن يستجوبني الكابتن, وبعد عشر دقائق ابلغني بأنني رهن الاعتقال! “.” قيدوا يدي إلى الخلف، وعصبوا عيني بواسطة قطعة قماش، وربطوني في سيارة هامفي وأخذوني إلى مكان داخل القصر. ثم رموني في غرفة يوجد فيها كرسي خشبي واحد, وكانت غرفة باردة جدا , وبعد خمسة ساعات جلبوا أختي. أنا لم أكن أرى شيئا ولكن استطعت تمييزها من صراخها (...) تركوني على هذا الكرسي طوال الليل, وفي اليوم الثاني أخذوني إلى غرفة تسمى من قبل المحتجزين بـ (غرفة التعذيب). وصاح بنا الضابط “إذا لم تعترفوا سوف نعذبكم, لذا عليكم الاعتراف” . كانت يداي مقيدتان، وخلعوا حذائي وأوقفوني في الوحل، ووجهوا وجهي نحو الحائط. وكنت اسمع رجالا ونساء يتصارخون ويبكون بشدة (...) استطعت تمييز بكاء أخي معتز, أردت فقط اعرف ماذا كان يجري هناك, وحاولت أن أزيل العصابة عن عيوني وعندما فعلت ذلك أغمي علي” . 

كان أخوها معتز قد اغتصب بطريقة وحشية وهمجية.

 ثم جاء دورها في الاستجواب.

“العميل العراقي وضابط أمريكي كانا معا في تلك الغرفة. وبدأ العميل العراقي يتكلم وقال: “أنت تمولين إخوانك لضرب الأمريكان” . وبما إنني أتكلم قليلا من الإنكليزية, فقد رديت عليه فقلت: انه كاذب, ثم صفعني الضابط الأمريكي على كلتا وجنتي، وسقطت أرضا من شدة الضربة. (...) وبعد ذلك أرجعوني إلى الزنزانة التي لم تكن مسقفة، والسماء كانت تمطر بشدة. في منتصف الليل رموا تحت أقدام أختي شيئا ما تبين انه أخي أياد. وكان ينزف من قدميه وركبتيه ووجهه, وسألت أختي: “تأكدي إن كان لا يزال يتنفس” , ثم ردت أختي: “لا! لاشيء” , وبدأت ابكي, وفي اليوم التالي اخذوا جثته بعيدا” .

وبعد ذلك أصدر الجيش الأمريكي شهادة وفاة اطلعت عليها صحيفة الجارديان تعزي سبب الوفاة إلى سكتة قلبية أو بسبب مرض غير معروف. الطبيب الأمريكي الذي وقع شهادة الوفاة لم يكتب اسمه وكان توقيعه مشوها. الجثة أعيدت إلى العائلة بعد مضي أربعة اشهر، في الثالث من نيسان، بعد افتضاح قصة سجن أبو غريب.

“ولكوني أتكلم قليلا من الإنكليزية فقد سمح لي بالعمل على جمع القمامة, ولم يكن هناك أبدا طعاما كافيا, وفي احد الأيام سقطت امرأة مسنة من الجوع, وقد كان الأمريكان يأكلون الكثير من الطعام, ويتركون الباقي؛ لذلك كنت اجمع ما تبقى من الفضلات وأعطيه إلى تلك المرأة المسنه. وفي احد الأيام شاهدوني أقوم بذلك، فرموني في زنزانة انفرادية عرضها متر واحد. ثم بدأوا يرشون الماء البارد علي لمدة أربعة ساعات.

*** 

هل تدمع عيناك الآن أيها القارئ؟..

أم أنك تلطم وجهك وتصرخ وتنوح..

أتريد مزيدا من القصص..

إليك قصة محلية.. وقد حدثت تقريبا في نفس الوقت:

لقد حدثتك عن اغتصاب الشيوخ والعلماء في العراق.. فهل تظن أن القاهرة بعيدة عن ذلك.. فلتقرأ في تقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان في مصر:

يقول المتهم محمود زين العابدين - إمام وخطيب - : حضر شاويش وأخذني لعرض على النيابة وأخذوني إلى السجن مع الدسوقي قليب وخالد عيد الشامي ومحمد إسماعيل سعد وذهبوا بنا إلى سجن الاستقبال حيث أمضينا أربعة ساعات ثم أخذونا بعد تعصيب أعيننا وتقيد أيدينا بالكلابشات خلف ظهرنا ورمونا في ميكروباص على الأرضية ونمنا على ظهورنا والكلابشات خلف ظهرنا يقطع في أيدينا وألقوا علينا بطانية ثم ذهبوا إلى مباحث أمن الدولة في مدينة نصر وأجبرونا على النزول بالضرب ونحن معصوبي الأعين ومكلبشين وضربونا على الظهر والرأس وأعطوا لي رقم 3 ووضعوني في زنزانة غير آدمية لمدة 24 ساعة وأنا معصوب العين ومكثت أربعة ساعات في رعب من سماع أصوات الضرب ثم سألوني وضربوني وأجبروني على خلع ملابسي بالكامل وهددوني بتصويري وإرسال الصورة إلى البلد وتم كهربتي بشئ يشبه العصا في ظهري واسمعوني صوت تعذيب دسوقي قليب وضربه وتعذيبه ووضع العصا الكهربائي بالعضو التناسلي وفى رأسه حتى كاد يفقد الوعي. وثالث يوم قال أحد الضباط (إديلو شوية أبو غريب) فقاموا بتعليقي من ذراعي في مأسورة وتم رفع الكرسي من أسفل رجلي حتى شعرت أن ذراعي ينمل ويكاد أن ينكسر فاستنجد بهم فأخذوا يكهربوني واستمر ذلك لمدة 20 دقيقة وعندما أنزلوني من على المأسورة وجدت عظمة كوعي الأيمن بارزة ومنملة وفقد توازني وأخذوني إلى المكتب مرة أخرى واستمر التعذيب حتى أعترف عن تنظيم الإخوان والكوادر وأنا عاري تماماً.

هل يمكن أن يحس القارئ بذلك..

وهل يجب علي أن أذكره بأن الشهيد أكرم زهيري كان رفيق الشيخ محمود زين العابدين في السجن.. حيث مات..

*** 

هل تريد حكايات أخرى أيها القارئ المدان صمته؟! أم اكتفيت؟!.

هل تريد أن تعرف كيف تروع الشرطة أسر الشهداء، كيف تعتقلهم وتعذبهم قبل إخبارهم بموت قريبهم من التعذيب كي يعوا الدرس ويعلموا ما سيصيبهم إن فضحوا ما حدث أو اتخذوا أية إجراءات قانونية للتحقيق في واقعة التعذيب.

أما عن النتيجة فلم يحقق أحد ولم يدن أحد.. فتصرخ الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب معلنة في غضب ارتفاع معدل التعذيب وعنفوان شدته إلى الحد الذي أصبح يؤدى بحياة مواطن كل أسبوع وينتج ضحية تعذيب كل يوم تقريبا وذلك وفقا للبيانات المتاحة فقط ليصبح الأحد الأدنى سنويا لضحايا التعذيب 52 قتيلا و365 ضحية للتعذيب.. فمن المعروف جيدا أن وقائع التعذيب الفعلية إلى لا تصل أخبارها إلى الإعلام أو مراكز حقوق الإنسان تبلغ أضعاف هذه الأرقام .

وتصرخ الجمعية : لقد بات المجتمع المصري في مواجهة غول توحش وفقد إنسانيته متمثلا في جلادي التعذيب وأولئك المسئولين الذين يتولون حماية جلادي التعذيب . إن الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب تدعو جميع المواطنين إلى التضامن لمواجهة هذه الكارثة 

نعم..

الجمعية دعت جميع المواطنين..

لكن جميع المواطنين صامتون..

*** 

في تقرير نشره الكاتب السوداني علي حسين باكير في موقع صحيفة “ المصريون” الإليكترونية يلفت النظر فيه إلى الريادة الأمريكية الفاجرة و أن معظم مدارس العالم في التعذيب تعلمت فيها أو استمدت الخبرة منها. وتاريخ الولايات المتّحدة في تأسيس مدارس التعذيب والسجن فظيع ومروع ولا ينافسها فيه أحد. إن فظائع “أبو غريب” لم تكن حدثا عرضيا بل هي منهج استراتيجي راسخ . فالتاريخ يكشف أن تفوق مدارس التعذيب الأمريكية يأتي نتيجة التخطيط والمران والخبرة العملية وبعد جهود مضنية ومكثّفة يتم تدريب الضبّاط فيها من خلال كتب ومدارس وأخصّائيين نفسانيين واجتماعيين على كيفية إذلال المعتقل وامتهان كرامته لانتزاع ما يريدون منه(...) أسلوب التعذيب عند الأمريكيين قديم ومراجعه كثيرة : راجع مثلا تأسيس المدرسة العسكريّة الأمريكية في باناما، وانتقالها عام 1984 إلى نورث بينييج. وقد قامت هذه المدرسة منذ تأسيسها عام 1946 بتدريب 60 ألف عضو من 12 بلدا وقد أصبح عدد منهم فيما بعد رؤساء دول بعد أن أصبحوا جلاّدين مشهورين. ولقد كان لمدرسة الشيطان تلك كتب تدرس ومناهج تتبع. وكان من هذه الكتب: كتاب اسمه:” KUBARK” لتعليم فنون التعذيب، ويشرح الأساليب والطرق التي يجب إتباعها لانتزاع المعلومات من الأسير. ويؤكّد واضعو هذا المنهج أنّ أفضل وسيلة هي التي تجعل المعتقل يعذّب نفسه وأن يعذّب المعتقلين بمعتقلين آخرين. وقد تمّ تدريس هذا المنهج إلى رجال الاستخبارات والضبّاط في السجون وضبّاط مكافحة التمرّد والثورات. ومنها أيضا كتاب آخر تحت اسم “التدريب لاستغلال القدرات البشرية” وكان هذا أسوأ نتاج في التعذيب ويعتقد أن المنهج الذي طبٌّق في سجن “أبو غريب” هو نفسه المذكور في ذلك الكتاب.

*** 

هل عرفتم الآن مصادر ثقافة ضباط أمن الدولة والحرس الوطني؟.. ولماذا يبدون في موقفهم من المسلمين أشد قسوة من الصليبيين واليهود..

هل تتساءلون عن السبب..

لقد أجروا لهم عمليات غسيل مخ فصلتهم عن دينهم و أمتهم..

لكن ذلك لا يقلل من مسئوليتهم عن جرائمهم قيد أنملة..

لا يقلل أيضا من مسئوليتنا عن كشفهم وفضحهم ومحاكمتهم..

فكيف أستطيع أن أصل إلى البشرية جمعاء كي أصرخ فيها بما يحدث و أنقل لها هول جرائم التعذيب التي مارستها قوات الاحتلال الأمريكي في سجن أبو غريب في العراق، ليس على سبيل الحصر بل على سبيل المثال لكل ما يحدث في كل سجون الطواغيت من المسلمين.

فقد كشف تقرير أعده الجنرال الأمريكي أنطونيو ثاغوبا و آخر أعده سيمون هيرش ونشرته مجلة نيويورك عن الجرائم التي يرتكبها الأمريكيون مثل كسر الأضواء الكيماوية وسكب السائل على المعتقلين و سكب المياه الباردة والساخنة على المعتقلين بعد تعريتهم و ممارسة اللواط فيهم وإجبارهم على تمثيل مظاهر جنسية ضد بعضهم البعض وإجبارهم على ممارسة العادة السرية و تعرية المعتقلين وإجبارهم على النوم فوق بعض و إدخال أضواء كيماوية في دبرهم و إبقائهم عراة لعدة أيام وضربهم بمقابض المكانس والكراسي و إجبارهم على التعري ولبس ملابس نسائية داخلية ربط رقاب المعتقلين وهم عراة بحبل وجرهم وهم مقيدين و حرمانهم من النوم واستخدام الكلاب العسكرية لترويعهم وعضهم و اغتصاب النساء المعتقلات و سكب سوائل فسفورية على المحتجزين وضرب المحتجزين بالكراسي والمطارق اليدوية والسماح للحرس بغرز المدى في الجراح الجديدة نتيجة التعذيب وضرب السجناء بجدران السجن و انتهاك عرض المساجين بكافة الطرق لاسيما إدخال عصي المقشات في دبر المعتقلين و ربط الأماكن الحساسة للمعتقلين بالأسلاك الكهربائي والتهديد بتشغيلها. 

لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية بحق هي رائدة تضييع حقوق الإنسان في العالم وكانت المثل الأدنى والأخس والأسفل الذي سارت على نهجه الدول الأخرى.

لقد طالبت منظمات حقوق الإنسان الأمريكية بمحاسبة المجرمين مثل رامسفيلد وجورج تينت وسانشيز والجنرال ميلر والتحقيق معهم بموجب مبدأ المسؤولية القيادية، لكن الذي حدث هو ترقيتهم وتلميعهم ( تماما كما يحدث في بلادنا مع فؤاد علام وأشباهه). لم تستجب راعية العالم الحر، لكنها شددت من قبضتها لمنع المزيد من فضح الجرائم، ابتداء من منع استعمال الهاتف المحمول ذي كاميرات التصوير إلى التهديد بقصف الفضائيات التي تنشر الفضائح، إلى ابتكار طرق تضلل العدالة وتعجزها عن التصرف كاستخدام الطائرات كمراكز تحقيق مع المعتقلين حيث لا يوجد أحد يطبّق عليهم أي قانون وهم في السماء ولا احد يراقبهم، و كتسليم المعتقلين إلى مخابرات في دول العالم الثالث حيث يتم تعذيبهم دون أن يعلم احد بمكان وجودهم، و استئجار المرتزقة والتعاقد مع شركات أمنية خاصّة من خارج الجيش مقابل أموال طائلة مما يبعد المسؤولية عن أي قيادي في الجيش الأمريكي ويتيح الفرصة أمام هؤلاء المرتزقة استخدام كافة أنواع التعذيب دون حسيب ورقيب، فهم يكادون يكونون حسب ما قاله تقرير “هيومن رايتس ووتش” الأخير بمأمن تام من أي مساءلة أو عقاب على أفعالهم لأن شروط عملهم مع الجيش الأمريكي تمنحهم الحصانة من المقاضاة أمام المحاكم وهم لا يخضعون لتسلسل القيادة العسكرية وبالتالي لا تجوز محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية ولا الأمريكية. لجأت راعية العالم الحر التي يسعى الليبراليون العرب إلى أن نتعلم منها أيضا إلى اختطاف المعتقلين وإخفائهم عن الأنظار واستخدام أسلوب “الإغراق بالماء” وحبس الأطفال واعتقالهم وأهاليهم وهدم بيوتهم وتقليه أشجارهم ومزروعاتهم لإجبار المطلوب على تقديم نفسه والاستسلام. 

*** 

هل أستطيع أيها القارئ أن أنقل إليك شهادتين عن مجندين أمريكيين:

يقول الأوّل: رأيت زملائي وقد أجبروا محتجزين عراقيين على التعري وغطّوا رؤوسهم وأجبروا احدهم على الاستمناء والآخر على فتح فمه ثمّ قالوا لي “هل ترى ماذا تفعل هذه الحيوانات عندما نتركها لبضع دقائق؟!” . 

أما الثاني فقد قال: لقد تعرّض أحد المعتقلين المصنف على انه خطير جدا إلى ضرب مبرح على أيدي رجال الاستخبارات وقد أدى ذلك إلى موته وبدلا من التعريف به وإعطائه رقم السجين تمّ وضعه في كيس مليء بالثلج ثمّ اخذوا يلتقطون الصور معه!!

*** 

ألا يجرح دينك وكرامتك أيها القارئ أن تعلم أن ضباط الموساد و أنهم مع إخوانهم من الشياطين الأمريكيين حاولوا كسر إرادة أسير سوداني في غوانتانامو من خلال إلباسه العلم الإسرائيلي عنوة فيما قاموا بربط أسرى آخرين بأيديهم وأرجلهم حتى غرقوا ببولهم وبرازهم طيلة 18 إلى 24 ساعة.

***

كيف أنقل إلى القارئ بعض ما حدث..و كيف أنبهه إلى أن الصور التي التقطها الجنود لبعضهم البعض قد أظهرت انّهم قاموا بهذه الجرائم الدنيئة بكل فرح وسرور وغبطة.

هذا هو العالم الحر الذي يعايروننا به ويطلبون منا أن نكون مثله.

هذه هي قيمهم ومثلهم العليا..

هذا هو توقيرهم للكبير وعطفهم على الصغير واحترامهم للجميع..

ها هي ذي نفوسهم المريضة..

تظهر الصور بعض الجنود الأمريكيين واقفين مبتسمين أمام الكاميرا وهو يضحكون بعد أن كوّموا السجناء العراقيين عراة على شكل هرم وإرغامهم على ممارسة الشذوذ والأفعال المشينة وبدا المجرمين بتوثيقهم لانتهاكاتهم لا يخافون من أي استجواب أو محاسبة أو قانون فهم القانون وهم العالم ودولتهم القائدة!!. إضافة إلى صور تظهر مجندة تقف والسيجارة تتدلى من شفتيها وترفع علامة النصر وتشير باليد الأخرى إلى موقع حسّاس لمعتقل عراقي عار تماما ورأسه مغطى بكيس، وصورة أخرى تظهر فيها المجندة إلى جانب ثلاث معتقلين يغطون عوراتهم بأيديهم وصورة أخرى تظهر فيه المجندة “انجلاند” ويدها بيد “غرانر” يرفعان أيديهما بإشارة النصر أمام سبعة معتقلين عراقيين عراة مكوميين فوق بعضهم البعض بينما يضحك الجنود عليهم وصور أخرى كثيرة وما خفي أعظم.. ( بتصرف كثير واختصار عن علي حسين باكير)..

*** 

هل يجب علي أن أحكي لكم عن الشيخ الذي ذهبت إليه قناة الجزيرة تسأله بعيد خروجه من المعتقل.. تلعثم الرجل.. ثم أجهش بالبكاء صارخا:

لقد اغتصبوني..

هل يجب علىّ يا قراء أن أروي لكم كيف يتم اغتصاب الأطفال في مصر وبغداد وجوانتانامو..

هل يمكن أن أجعلكم تسمعون بآذانكم صرخات الفتاة الطفلة لمغتصبيها: “ والله أنا بكر.. والله أنا عذراء” وكأنما تحذيرها ذلك سيردهم عن الجريمة الشنعاء.

*** 

هل تقرأ أيها القارئ شريط الأنباء على قناة الجزيرة ، حيث يحاولون في وجه الطاغوت أن يبقوا قضية سامي الحاج حية..

سامي الحاج مصور يعمل لدي قناة الجزيرة، وقد اعتُقل على الحدود الباكستانية الأفغانية بينما كان متوجها إلى مدينة قندهار ضمن فريق القناة، في ذلك اليوم من ذلك العام انتهت الرحلة بسامي الحاج في معتقلات تشامان وكويتا وبغرام وأخيرا في غوانتانامو، التهمة؟ لا تهم محددة حتى اليوم سوى معلومات متضاربة ومشوهة يطلقها الأميركيون كما يُفعل مع أغلب معتقلي غوانتانامو، أما عن حق سامي الحاج في محاكمة عادلة فيظل بعد ألف وأربعمائة وستين يوما من اعتقاله معلقا حتى إشعار آخر.

ووفقا لما نشرته صحيفة الغارديان اللندنية في 26/9/2005، عرض المحققون على سامي الحاج الحصول على الجنسية الأمريكية مقابل أن يصبح جاسوسا. وحسب الوثائق التي أطلعت عليها الصحيفة، صرّح الحاج : “قالوا لي إذا تعاونت معنا فسنعلمك الصحافة، وسنقدم لك فيزا لتعيش في أي مكان من اختيارك. سنمنحك الجنسية الأمريكية، وسنوفر لك الحماية، وسنعطيك أموالا..سنساعدك على أن تكتب كتابا وسننشره لك. وهذا سيدفع القاعدة للاتصال بك والتعاون معك.” 

جملة اعتراضية: هل يتذكر القارئ ما كتبته في مقال قديم أن أجهزة الأمن المصرية تجند كتابا وصحافيين بنفس الطريقة.. والكفر ملة واحدة!..

يتابع المحامي البريطاني الأميركي كلايف ستافور سميث ملف مصور قناة الجزيرة سامي الحاج الذي تعتقله واشنطن منذ أكثر من ثلاث سنوات في غوانتانامو. يقول سميث إن الأميركيين لم يوجهوا اتهامات محددة لسامي لكنهم يستعملونه كورقة ضد قناة الجزيرة.

يقرر المحامي: على المستوي التقني ليست هناك تهم ضده. لم توجه له رسميا أية تهمة حول أية جريمة, لكنه متهم بكونه أحد “المقاتلين الأعداء” وهو توصيف في غاية السخافة يلصقه الأميركيون بمن يشاءون. ليس هناك مطلقا أية وقائع .(...) احترم سامي لأنه رفض الافتراء ضد زملائه رغم الضغوط الأميركية (...) خضع سامي للاستجواب بطريقة عنيفة 130 مرة. الهدف من ذلك كان هو جعله يتحول لمخبر ضد قناة الجزيرة. كان الجيش الأميركي يريد منه أن يقول إن الجزيرة هي “جبهة” لتنظيم القاعدة وإن القاعدة تمولها. لقد رفض الحاج أن يقول ذلك لأنه غير صحيح. كشف له الجيش الأميركي أن الأميركيين يتنصتون على هواتف صحفيي القناة (كانوا يتنصتون على مكالمات سامي مع زوجته لما كان في مهمة إعلامية). 

كان الأميركيون يريدون بالأخص من سامي أن يكون مخبرا ضد الصحفي أحمد منصور، ويقولون إن منصور عميل للقاعدة. لكن سامي رفض بقوة أن يقوم بذلك لأن تلك التهم كما يقول هي بكل بساطة غير صحيحة.(...) سامي يوظف لتمرير رسالة إلى الجزيرة مفادها أن أميركا ورغم أنها تدعي دعم حرية التعبير، تريد إغلاق تلك القناة أو إجبارها على ممارسة الرقابة على نفسها لكي تتوافق مع الرؤية الأميركية.

*** 

يكتب سامي الحاج رسالة طويلة- تنشرها قناة الجزيرة- يشرح فيها ما يحدث في أوكار الشياطين في أنحاء العالم فكأنما القرصان بوش يقول لكل معتقل سياسي: أينما تكون فسوف يأتيك مني العذاب.. يقول سامي الحاج عبر رحلته الطويلة في معتقلات أسماؤها شتى لكنها تعبد ذات الشيطان:

“كوكبة من جميع أنحاء البسيطة قاسمها المشترك “الإسلام” يؤتى بهم من كل حدب وصوب، بأيدٍ قد أوثقت بالأغلال وأرجل مثقلة بالقيود ورؤوس مختفية داخل أكياس سوداء إلى هذا المكان المجهول. أبواب تفتح ونزول إلى أمتار عدة تحت الأرض في زنزانة صخرية الجدران حجمها لا يزيد عن المترين طولا ومتر عرضا، خالية تماما. وقبل أن يوصد الباب، تجرد من جميع ملابسك ثم ينظر إلى درجة اشتباهك، فإن كنت مشتبها به في الارتباط بأي منظمة “إرهابية” تربط يدك اليمنى على الجدار بحيث لا تستطيع الوقوف ولا الجلوس، وإن كنت مشتبها به في العضوية تعلق من يديك على السقف بحيث لا تلامس رجلاك الأرض، أما إذا كنت مشتبها به قياديا في منظمة إرهابية فتعلق في السقف من رجليك وتظل تسبح في الهواء. وتصل درجة حرارة الزنزانة إلى ما تحت الصفر في الشتاء، أما في الصيف فهي جحيم لا يطاق. أما الطعام فحسب درجة الاشتباه، فالمشتبه به العادي له وجبة كل ثلاثة أيام عبارة عن قبضة من الأرز نصف مستوي (النضج) مخلوط بنصف قبضة من التراب وملعقة من الفاصولياء السوداء، بالإضافة إلى قارورة من الماء الآسن الذي لا تستطيع أن تتجرعه إلا بعد إغلاق أنفك تماما. ولا تسأل عن مكان قضاء الحاجة فحسبك زنزانتك فهي كلها مكان لقضاء الحاجة. وبالنسبة للزمن فكل أيامك ظلام لا تعرف ليلا من نهار ولا تحلم بالنوم فأصوات الموسيقى الصاخبة وأصوات الحيوانات يخالطها أنين وآهات بني الإنسان نزلاء المكان. وبين الحين والحين والفينة والأخرى يدخل عليك الزوار خفافيش الليل أبطال من الملاكمين، وفي بعض الأحيان أصحاب الأحزمة السوداء في التايكواندو والكاراتيه، وفي زيارة أخرى المصارعين أو جلادون كرام. وتظل على هذا الحال شهرا.. شهرين.. ثلاثة.. والبعض يمكث سنين طوال، وفي بعض الأحيان يأخذونك في نزهة خارجية في غرفة ثلاثة أمتار في ثلاثة أمتار، ويجلسونك على كرسي شبيه بكرسي طبيب الأسنان وأمامك عصي بجميع الأحجام، وبجانبك الأيمن كماشات لقلع الأظافر، وعلى جانبك الآخر مطارق ومسامير ومناشير، ومن تحتك حديقة حيوان بدءا بالقطط والفئران مرورا بالكلاب والعقارب والأفاعي العظام، ومن فوقك أسلاك كهربائية مختلفة العيارات. وعدد الزيارات حسب درجة الاشتباه، فالمشتبه به العادي مرة في كل أسبوع وفي جدولك زيارات إلى “المراوش” والمسابح. أما المراوش فيوضع الإنسان تحت أنبوب قطره لا يقل عن خمسة بوصات ثم يصب عليه الماء حسب الموسم، فإن كان شتاء فالماء على درجة قبل التجمد، وإن كان صيفا فعلى درجة قبل التبحر، أما الأحواض فمستنقعات من الأوساخ.

*** 

آآآه

هكذا كانوا يعذبون سيد قطب..

يربطونه في الكرسي ويدعون الماء يتساقط على رأسه الحليق قطرة فقطرة.. أياما تلو أيام لا يسمحون له فيها بالنوم..

كان السجن واحدا وكان الطاغوت واحدا وكان الشيطان واحدا وكان الكفر هو ذات الكفر..

هل علم القارئ الآن لماذا أهرب كل مرة من إكمال الحديث عنه.. عن سيد قطب.. رضي الله عنه.. إذ كيف سأحتمل ألمه؟!..

*** 

نعود إلى سامي الحاج.. ولندعه يواصل:

 وبالنسبة للتحقيق.. وما أدراك ما التحقيق! أبطاله عرب شداد يتحدثون جميع اللهجات وخاصة المصرية والأردنية والعراقية. وفي هذا المكان فقط ترى الضوء إذ تسلط عليك إضاءة لا تقل قوتها عن ألف واط فأكثر. وبالتأكيد لن تر شيئا ولن تستطيع أن تفتح عينيك وستظل مغمض العينين من تلقاء نفسك حتى تلبس الكيس الأسود بعد نهاية الجولة. وعن الإكرام في الاستقبال وأثناء التحقيق فحدث ولا حرج.. بصقة.. صفعة.. ركلة.. لكمة.. صعقة كهربائية.. ضرب على أماكن حساسة وغير ذلك حتى نهاية الجولة.. وقبل الخروج إلى زنزانتك تعطر ببول معتق وتدهن بمخلفات الإنسان والحيوان. أما نزلاء هذا المكان فهم كثيرون لا يحصون.. ولكن من الذين خرجوا أحياء بقدرة إلهية ولم يلقوا حتفهم بأزمات قلبية –كما يدعي الأميركان- عمير اليمني وعبد الله الليبي وأيوب اليمني ورفيق الجزائري وبشير اصنعاني ويونس وهائل الذي فقد إحدى خصيتيه جراء الضرب والضغط عليها. “

“ثم يطير طائرنا ثانية من هذا الظلام ليحلق قهرا ويحط في منطقة تحيط بها الجبال تدعى “بغرام” التي لا تبعد عن هذا المكان سوى كيلومترات ليجد أناسا أخلاطا من نساء ورجال، شيب وأطفال. فلقد شوهدت امرأة باكستانية في إحدى الزنازين الانفرادية مصابة بحالة هستيرية من شدة ما ذاقت من أصناف الأذى وألوان العذاب، وأطفال يبكون من هول ما يرون وشباب يضربون حتى الموت، وما أكثر الذين أعلنت رسميا وفاتهم إثر أزمة قلبية مزعومة، وما خفي أعظم. “

“وبعدها يطير طائرنا مرة أخرى ليهبط بقندهار، وبالتحديد في مطارها حيث معتقل مكافحة الإرهاب. وداخل إحدى الخيم هذا فهد الشريف من آل البيت وسكان مكة المكرمة يوضع في خيمة انفرادية وتوجه له تهمة التخطيط لعمليات الحادي عشر من سبتمبر. وعندما ينكر ذلك يعلق من يديه مدة سبعة أيام مجردا من الملابس سوى سرواله القصير في البرد القارص دون طعام أو شراب، حتى يغمى عليه بعد ستة أيام فينزلونه ويطعم وجبة واحدة في اليوم مدة أسبوع آخر، وهو مجرد من ملابسه. ثم يدخل عليه المحقق فينكر التهمة فيدخل عليه آنذاك أربعة مصارعين من الجنود ويمسكونه بحيث لا يستطيع تحريك ساكن، وتدخل عليه عاهرة من العاهرات الأميركيات فتفعل ما يفعل الرجل بزوجته بحضور المحقق، ثم يبدأ الجميع بالضحك والسخرية. وعندما تقضي العاهرة حاجتها منه يهدد بتكرار هذا الفعل يوميا إذا لم يعترف، ثم يترك مرميا في خيمته عاريا خائفا محطما، ويعاوده المحقق كل يوم بالتهديد تارة وبالضرب تارة وبالشتم تارة أخرى، والاستهزاء بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والدين الإسلامي، ولقد قال له بالحرف الواحد: “في هذه الحرب سوف ينتصر الصليب” .

*** 

نعود إلى سامي الحاج..

نعود إليه ليحدثنا عن جوانتانامو .. :

 في خليج غوانتانامو “غولاغ المعاصر” حيث حديقة الحيوانات البشرية في حمامات انفرادية. يذهب بنا سامي الحاج إلى غرف التحقيق مباشرة ليقرأ على أحد الأبواب لافتة كبيرة مكتوبا عليها باللغة العربية “جهنم” . وتلك هي الغرفة التي خصصت لطالب العلم وحافظ كتاب الله “فاروق المكي” يتجرع فيها أشد أنواع التعذيب الجسدي والنفسي.. تسهير وموسيقى صاخبة.. إضاءة قوية.. برد قارس.. استهزاء بالإسلام بل بالقرآن، فمرة يوضع تحت رجل المحقق، وأخرى يرمى على الأرض.. ثم إغراء المومسات.

*** 

نعود إلى سامي الحاج..

نعود إليه في غرفة مجاورة ليجد فيها عبد الهادي الشارخ وهو شاب لم يتجاوز العشرين من العمر.. تسهير ثم صخب موسيقى ثم عاهرة تمسح على صدره “كريم” يثير الشهوة ثم تجلس على فخذيه وتخرج أصوانا في محاولة منها لتحريك غريزته، فيأبى الله له الخذلان ويظل صامدا صمود الرجال وراسخا رسوخ القمم الرواسي، فيجنّ جنون المحقق فيأتي بالقرآن الكريم ويرميه على الأرض ثم يطأه برجله القذرة، فيظل عبد الهادي على ما هو عليه فيزداد غضب المحقق ويأتي بعلم إسرائيل ويلفه على رأسه، وكل هذا وهو مكبل بقيود في يديه وموثق بالسلاسل والأغلال في رجليه على أرضية الغرفة. 

*** 

في غرفة أخرى، هذا يعقوب السوري تدخل عليه المحققة وهو مقيد بالسلاسل وتتعرى أمامه، وعندما يخفض بصره تخرج قطعة من القطن وتأخذ من دم حيضها القذر وتمسح به وجه يعقوب المستنير بكلام الله عز وجل الذي يحويه صدره ويحفظه عن ظهر قلب. ويبقى على هذه الحال ساعات طوالا. وفي غرفة مجاورة يأمر المحقق المعتقل “محمد رجب” بالسجود له فيأبى السجود لغير رب الأرض والسموات، ويرفض أن يستكين لأمر مخلوق في الخضوع له، فيذيقه العذاب. ثم في غرفة أخرى، يدخل جندي وجندية على معاذ السيد فيتعريان أمامه ثم يمارسان الرذيلة ويجتهدان في إثارة غريزته، فيناجي ربه فيستجيب له ويحصنه حتى يعود إلى زنزانته من جديد. 

*** 

نعود إلى سامي الحاج..

لكنه يودعنا بعد أن يجهز على البقية الباقية من إحساسنا إن كان عندنا إحساس يتجاوز ذلك الإحساس الذي يدفعنا للمظاهرات ..

يقول سامي الحاج:

واعلم أيها القارئ والمستمع الكريم أن هناك الكثير من القصص والحقائق أبشع وأفظع مما ذكرناه، ارتأيت أن أبقيها طي الكتمان حتى لا تخدش مسامعكم ولا تقسي قلوبكم، ولا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم.

سامي الحاج- معتقل غوانتانامو بكوبا في 8 سبتمبر/أيلول 2005 المصدر : الجزيرة..

*** 

هل تعلمون ماذا حدث لسامي الحاج بعد ذلك يا قراء..

يقول محاميه:

لقد عانى سامي أسوأ أنواع التعذيب عندما اعتقل ونقل إلى أفغانستان. كما عانى في غوانتانامو وبشكل خاص لكونه احتج على تدنيس القرآن الكريم.

ويواصل المحامي:

 لقد تعرض للضرب مرارا واعتدي عليه جنسيا..

 فهل سمعتم هل قرأتم هل وعيتم هل فهمتم ..

لقد هتكوا عرضه.. 

هتكوا عرضه يا قراء..

هتكوا عرضه..

لا.. 

لا والله..

بل سلم عرضه.. 

سلم عرضه..

أحصن عرضه..

وهتكت أعراضنا نحن .. يا قراء..


*** 

*** 

*** 




حاشية 1


عمرو خالد


كنت من أكثر الناس إشادة بالدور الذي يقوم به عمرو خالد، ووصوله إلى شرائح من المجتمع لم يكن لسواه أن يصل إليها، وما زلت، ولم يمنعني هذا من انتقاده بشدة بلغت حد القسوة في أحايين كثيرة، لكنني في الحقيقة لم أشك أبدا في إخلاصه وصفاء نفسه وصدق سريرته قائلا لنفسي فليخطيء بعد ذلك أو ليصب فهو بين الأجر والأجرين!!

في الفتنة الأخيرة، كان كل ما فيها يريبني، وقد عبرت عن ذلك في مقالاتي السابقة، كنت أتمني المظاهرات ضد أمريكا و إسرائيل، وضد حكامنا، الأكثر إجراما و فجورا وشركا من أمريكا و إسرائيل.

رابني اندلاع مظاهرات يرحب بها من لا يحكم بما أنزل الله..

وقلقت لانشغال شيخنا ومعلمنا الشيخ يوسف القرضاوي بها، وكنت أود أن يظل التركيز على أمريكا و إسرائيل، وقلقت عندما قرر عمرو خالد الذهاب، وتمنيت ألا يذهب، خاصة عندما نصحه الشيخ يوسف القرضاوي بعدم الذهاب، وتمنيت في ذلك الوقت لو أن شيخنا القرضاوي لم يهاجمه على الشاشة.

كان الأمر كله فتنة شغلتنا عن الأهم..

كان فتنة دخل فيها الكافر والمنافق والمشرك والعلماني لتوسيع الخلاف وتعميقه..

أما أغرب ما كان فهو قيام الفاسق عادل إمام بمهاجمة عمرو خالد لأنه لم يطع الشيخ القرضاوي..

عادل إمام.. الشيوعي السفيه الذي لم يترك في أفلامه ومسرحياته بابا للسخرية من الإسلام والعروبة إلا أوغل فيه.. ولم يترك من رموز الإسلام رمزا إلا وسخر منه واستهزأ به.. فاستهزئ به يا رب وعامله بما يستحق..

مع عادل إمام كل أحابيل الشيطان طبيعية ومتسقة..

ومع كثير من الآخرين كذلك..

مع خالد الجندي وخالد عبد الله وغيرهما فالأمر مفهوم ما بين الغيرة والغل والحقد .. 

أما ما آلمني حقا فهو موقف العزيز الغالي الشيخ وجدي غنيم.. فهو أكبر و أعمق من أن يتورط في الهجوم على عمرو خالد بهذه الطريقة.. و إنني أناشد من يقرأ هذا المقال من مريديه ومستمعيه أن يبلغه سلامي وتحيتي وعتابي..

كان الأمر كله فتنة ما كان أجدرنا بالبعد عنها والنجاة منها..

فتنة واساني فيها ذكاء عمرو في نهايتها عندما قال أنه مستعد لتقبيل رأس ويد شيوخه و أولهم شيخه القرضاوي.

*** 

*** 



حاشية 2


إبراهيم عيسى


إبراهيم عيسى القديم – على العكس من الحديث- كان بالغ السوء، كان ملوثا بدنس اليسار، وكانت كل أفكاره مشوهة ومقلوبة وكاذبة ومكذوبة، ثم بدأ يبتعد عن اليسار شيئا فشيئا، وفيما أظن أن هذا الابتعاد تم لأسباب داخلية، بمعني أنه كان صادقا في إعجابه باليسار، كما أنه كان يستمتع بذلك، لكنه راح يكتشف حجم أكاذيب اليسار وخسته بل وعمالته وخيانته، وراح إبراهيم يبتعد، لكنه احتفظ داخله، ربما دون أن يدرى بجرثومة السطحية في تناول أمور الدين، وهي سطحية لا تبحث عن التأصيل العلمي من ناحية، ومن الناحية الأخرى تقع في أخطاء تاريخية فادحة لا يقع فيها تلميذ، لكن هذا أيضا منهج سافل من مناهج اليسار، ولا ننسى خطأ المرتد الكافر – بحكم محكمة النقض وليس بفتوى الأزهر- نصر حامد أبو زيد عندما اتهم الإمام الشافعي بالانحياز للدولة الأموية لأنها استعملته، وقد جهل الكافر المرتد- بحكم النقض- أن الإمام الشافعي ولد بعد 18 عاما من نهاية الدولة الأموية!!.

نفس الخطأ وقع فيه إبراهيم عيسى في مقال أخير له في صحيفة"صوت الأمة" حيث أخطأ فتصور أن سيدنا أبي هريرة قد انتقل إلى رحمة الله بعد سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين، بينما مات الأول قبل الثاني بأربعة أعوام كاملة. عليهما رحمة الله ورضوانه.

لإبراهيم عيسى الآن وجهان – فكأنه دكتور جيكل ومستر هايد- وجه شديد الإشراق ووجه مظلم، ومن المحزن أن جل وجهه المشرق يطل على الدنيا بينما يطل معظم وجهه المظلم على الآخرة.

إبراهيم – وعسى الله أن يغفر له بجهله- يكيل الاتهامات لصحابي جليل هو سيدنا أبو هريرة، ويردد أقوال المستشرقين والشيعة عنه، ويشكك في إمكانية قدرته على رواية أكثر من خمسة آلاف حديث عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه.

صدق إبراهيم الكذب السهل وازور عن طريق الصدق الوعر المحفوف بالمكاره ولو أنه لجأ إليه لاكتشف أن ما رواه سيدنا أبو هريرة منفردا يتراوح ما بين أقل من عشرة أحاديث أو أقل من خمسين حديثا في عمره كله.. وفي هذا الصدد فإنني أنشر مقالا للدكتور محمد عبده يماني يتناول فيه الأمر كله، والمقال أهم من أن يُختصر:

*** 



أبو هريرة: أمانة الرواية وصدقها


عفا الله عن رجال يتكلمون في أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه وعن روايته للحديث فهم يغمزون ويلمزون ويتكلمون عن كثرة روايته، مع انه صحابي جليل شهد له رسول الله (ص) بالصدق، ودعا له، وكان رجلا قد هاجر إلى الله ورسوله وكان من الزم الصحابة له وكان يدور معه حيث دار حرصا على الحديث وروايته، ويأخذ عنه ويروي عنه بكل أمانة وصدق. 


والحديث عن صحابة رسول الله (ص) (ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه) لا بد أن يكون بأدب وعلى علم وأسس صحيحة لا يخدش صحابيا ولا يغمز بأحد منهم، لأن النبي (ص) حذرنا من ذلك عندما قال: «الله الله في أصحابي، فلو انفق أحدكم مثل احد ذهبا ما بلغ مد حدهم ولا نصيفه» وقد لاحظت بكل أسف أن هناك أحاديث تدور عن روايته للحديث وكثرتها ولو ردها هؤلاء إلى علماء الحديث ورجاله لعلموا الحقيقة وعرفوا صدق الصحابة وأمانتهم في الرواية، لأنهم تربوا على يد رسول الله (ص) وسمعوا منه، واخذوا عنه، وتعلموا منه أهمية الصدق، وقد حذرهم من الكذب عليه حين قال: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار». 


وعلينا أن نعلم أن أبا هريرة صحابي جليل، صحب رسول الله (ص)، وكان قريبا منه، وقد أحبه رسول الله (ص)، ودعا له بالحفظ، وكان رضي الله عنه زاهدا في الدنيا، ومن أهل الصفة، وكان حريصا على سماع الحديث من النبي (ص)، وكثيرا ما كان يتحمل آلام الجوع حتى لا يفوته شيء من الحديث النبوي الشريف. 


وقد صحب النبي (ص) وحفظ الكثير من أحاديثه، وآتاه الله قلبا واعيا، وحفظا دقيقا، وعرف بالصدق والإيمان والتقوى، والمروءة، والأخلاق، ولهذا فإنه أمر مؤسف أن نلاحظ بين وقت وآخر تهجم بعض المستشرقين، فقد حذا بعض من لا علم له بالحديث حذو هؤلاء المستشرقين، وصدقوا أقوالهم في الطعن في الصحابة الكرام، والطعن في الحديث الشريف، والتشكيك في روايته، وكثير من هؤلاء الطاعنين من المسلمين الذين لم يدرسوا حياة هذا الصحابي الجليل دراسة صحيحة، ولم يعرفوا حقائق ناصعة عن روايته ودقته، ولهذا فقد أخذوا بكل أسف يغمزون ويلمزون، وهذا أمر خطير لأن رسول الله (ص) قال: «من آذى أصحابي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله... الحديث» ومن هنا فإننا نلاحظ أن بعض هؤلاء الطاعنين قد أسرفوا على أنفسهم وعمدوا إلى اتهام أبي هريرة رضي الله عنه بالإكثار في رواية الحديث النبوي، وانه قد روى الآلاف من الأحاديث عن رسول الله (ص)، واتهامه بأنه أسرف في الحديث، وهذا أمر غير صحيح، بل هو تزوير وتدليس على هذا الصحابي الجليل الذي خدم الحديث النبوي وأخلص في روايته، وانقطع له، وصحب رسول الله (ص)، وكان يتحمل ألم الجوع حتى لا يفوته شيء من حديث رسول الله (ص)، وقد اخرج البخاري عنه انه قال: «والله الذي لا اله إلا هو أن كنت لاعتمد على الأرض بكبدي من الجوع، وأشد الحجر على بطني». 


لقد كان رضي الله عنه حريصا على العلم، وشهد له النبي (ص)، فقد روى ابن كثير في البداية والنهاية أن النبي (ص) قال له: «إلا تسألني من هذه الغنائم التي سألني أصحابك؟»: فقلت له أسألك إن تعلمني مما علمك الله. 


وكان كثير الحفظ لا ينسى، فقد دعا الله فقال: اللهم إني أسألك علما لا ينسى وقد أمن الرسول (ص) على دعائه. وروى البخاري ومسلم، قال أبو هريرة: قلت يا رسول الله إني لأسمع منك حديثا كثيرا أنساه. قال (ص): «ابسط رداءك» فبسطته، ثم قال: ضمه إلى صدرك» فضممته، فما نسيت شيئا بعد ذلك. 


«وهذه ميزة مهمة لهذا الصحابي الجليل فقد روى ابن حجر في الإصابة: أنه جاء رجل إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه فسأله، فقال له زيد: عليك بأبي هريرة، فإني بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ندعو الله ونذكره، إذ خرج علينا رسول الله (ص) حتى جلس إلينا فقال: عودوا للذي كنتم فيه، قال زيد: فدعوت أنا وصاحبي فجعل رسول الله (ص) يؤمن على دعائنا، دعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسألك مثل ما سأل صاحباي وأسألك علما لا ينسى، فقال رسول الله (ص): آمين.. فقال زيد وصاحبه: ونحن يا رسول الله نسأل علما لا ينسى... فقال سبقكم بها الغلام الدوسي. (يعني أبا هريرة). فأبو هريرة إذن محفوف بالعناية الإلهية، والدعوات النبوية، فإذا أضفنا إلى ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة في الدلالة على حبه لرسول الله (ص)، وحرصه على نوال شفاعته الخاصة التي لا ينالها إلا الذين سبقت لهم الحسنى من الله فكانوا أسعد الناس بهذه الشفاعة، وهم الذين تكون شفاعته (ص) بهم شفاعة تشريف وتكريم وعلو درجات، وقرب من رسول الله (ص)، وليست شفاعة من ذنوب أو شفاعة من كبيرة أو كبائر وقد كان جواب النبي (ص) شهادة عظيمة منه لأبي هريرة رضي الله عنه. 


والسبب في إكثاره من الحديث وعدم نسيانه طول الصحبة، وملازمته لرسول الله (ص) وتأمين الرسول (ص) على دعائه ودعاء الرسول له (ص). فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة انه قال: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله (ص) والله الموعد، إني كنت امرءا مسكينا اصحب الرسول على ملء بطني. 


«ولو حسبنا عدد أيام صحبته للنبي (ص) لوجدنا أنها تبلغ أكثر من ألف وأربعمائة وستين يوما ولو قسمنا ما روي عنه من الأحاديث الشريفة على هذه الأيام وجدنا أنه يروي كل يوم ما يقارب ثلاثة أحاديث ونصفا، وفي كل مائة يوم 367 حديثا أو أنه كان يحفظ مائة حديث في كل سبعة وعشرين يوما، فهل يستغرب أن يحفظ أبو هريرة رضي الله عنه كل يوم أربعة أحاديث مع ما رأينا من قصة الكساء، وقصة الدعاء، وما رأينا من حرصه على العلم، وحرصه على حفظ الأحاديث الشريفة، ومع ما رأينا من انقطاعه لخدمة النبي (ص) وسماع أقواله، وزهده في الدنيا، وعيشه مع أهل الصفة، وصبره على الجوع في سبيل ذلك. 


وعندما قمت بنفسي بالتحقق من هذه المسألة بواسطة فريق مختص في الحاسب الآلي ظهرت لنا حقائق مهمة عن روايات أبي هريرة، فعندما تتبعنا رواياته وجدنا أن هناك ما يزيد عن ثمانمائة صحابي وتابعي رووا عنه الحديث وكلهم ثقات، لكن القضية الأساسية التي أفادتنا عند استخدام الحاسب الآلي هي انه عندما أدخلت هذه الأحاديث المروية في كتب الحديث الستة وجدنا أن أحاديث أبي هريرة بلغت 5374، ثم وجدنا بعد الدراسة بواسطة الكومبيوتر إن المكرر منها هو 4074 وعلى هذا يبقى العدد غير المكرر 1300 وهذا العدد تتبعناه فوجدنا أن العديد من الصحابة قد رووا نفس هذه الأحاديث من غير طريق أبي هريرة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى وبعد أن قمنا بحذف الأحاديث التي رويت من غير طريق أبي هريرة في كتب الصحاح الستة وجدنا أن ما انفرد به أبو هريرة ولم يروه أي صحابي آخر هو اقل من عشرة أحاديث. 


ومن هذا يظهر أمانته وصدقه في رواية الحديث الشريف، وببريء ذمته رضي الله عنه مما اتهم به، وقد ساهم في هذه الدراسة رجال خدموا سيرة أبي هريرة ومنهم محمد ضياء الدين الاعطى الذي قام بعمل دراسات دقيقة وبذل جهودا تستحق التقدير وقد ساعدني في هذا الموضوع. 


ثم شاء الله أن نطور العمل في أحاديث أبي هريرة فانتقلنا من الكتب الستة إلى الكتب التسعة وقد لاحظنا أن الأحاديث في الكتب التسعة المنسوبة إلى أبي هريرة هي 8960 حديثا، منها 8510 بسند متصل و450 حديثا بسند منقطع وبعد التدقيق انتهينا إلى أن الأحاديث التي رواها أبو هريرة في كل هذه الكتب التسعة بعد حذف المكرر هي 1475 حديثا، وقد اشترك في روايتها معه عدد من الصحابة. وعندما حذفت الأحاديث التي رويت عن طريق صحابة آخرين وصلنا إلى حقيقة مهمة وهي أن ما أتى به أبو هريرة مع المكررات في كتب الحديث التسعة هي 253 حديثا، ثم إن الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة بدون تكرار ولم يروها احد غيره في الكتب التسعة هي 42 حديثا، وما زلنا نواصل البحث، لكن هذه الأمور وهذه الحقائق أزالت كل تلك الشبه والتهم العقيمة والمغرضة التي كانت تلصق بأبي هريرة ويتهمونه فيها بالإكثار ويقولون عنه رضي الله عنه انه روى 8000 حديث بمفرده.. وبعضهم يقول انه روى 5000 حديث بمفرده.. هكذا دون روية أو تدقيق أو تمحيص. 


ولذا فاني استغرب من الذين يطعنون في هذا الصحابي الجليل كيف يطعن بمن وثقه النبي (ص) وشهد له بالحرص على الحديث، ووثقه صحابة النبي (ص)، وقال طلحة بن عبيد الله «أحد العشرة المبشرين بالجنة والملقب: طلحة الخير»: لا اشك بان أبا هريرة سمع من رسول الله (ص) ما لم نسمع، ولا نجد أحدا فيه خير يقول على رسول الله (ص) ما لم يقل. 


وشهد له عبد الله بن عمر فيقول: يا أبا هريرة أنت كنت ألزمنا لرسول الله (ص) واحفظنا لحديثه. وحذيفة ابن اليمان يوثقه ويزكيه وينقل تزكية ابن عمر له وقال رجل لابن عمر: أن أبا هريرة يكثر الحديث. فقال ابن عمر: أعيذك بالله أن تكون في شك مما يجيء به، لكنه اجترأ وجبنا. 


واعتمده أبو بكر رضي الله عنه بتبليغ الحديث لما كان أميرا على الحج: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ووثقه كثير من الصحابة ورووا عنه وكثير من التابعين رووا عنه كذلك حتى قال البخاري: روى عنه الثمانمائة من كبار أهل العلم من الصحابة والتابعين وكان احفظ من روى الحديث في عصره. 


ولا بد أن نعلم انه رضي الله عنه قد حرص على تدوين الحديث وكتابته في آخر أيامه وكان يرجع إليه كلما سأله سائل، وقد روى الحاكم والإمام احمد ما يدل أن الحديث كان مكتوبا عند أبي هريرة قال ابن حجر: لا يلزم من وجود الحديث مكتوبا عنده أن يكون بخطه فقد ثبت انه لم يكتب فتعين أن يكون المكتوب عنده بخط غيره، وكان يرجع في آخر أيامه إلى ما كتب من الحديث. 


وقال الشافعي عنه: أبو هريرة احفظ من روى الحديث في عصره، ومن هنا فاني احذر الذين يطعنون في هذا الصحابي بأن الطعن بأبي هريرة طعن بالنبي (ص) الذي وثقه، وطعن بكبار الصحابة والتابعين الذين رووا عنه ووثقوه، وتطاول على السنة الشريفة. 


وقد حرص بعض أعداء الإسلام من الذين أثاروا الشبهة حول كثرة روايات أبي هريرة بقصد الطعن في رواية الحديث وكان هدفهم التشكيك في السنة النبوية الشريفة والتشكيك في الإسلام، فالذي يطعن بأبي هريرة يطعن بثمانمائة من الصحابة وكبار العلماء من التابعين، والأمر اكبر من ذلك بكثير عند أهل العلم، لأنه يستهدف السنة النبوية. 


وقد بين الإمام القرطبي رضي الله عنه أن الطاعن في رواية هذا الصحابي طاعن في الدين خارج عن الشريعة مبطل للقرآن، بل قال بعض السلف: إجلال أبي هريرة إجلال للنبي (ص)، واتهام أبي هريرة فيما يرويه عنه ازدراء على رسول الله (ص) وعلى ما جاء به. 


وختاما فاني أضع هذه المعلومات بين يدي القاريء الكريم حتى يتبين له الحق، ويعلم خطأ الذين يتهمون هذا الصحابي الذي صدقه رسول الله (ص)، وقربه وصحبه ودعا له، ولو لم يعلم فيه خيرا لما فعل كل ذلك. 


والقضية ليست قضية عاطفة وإنما حقائق نضعها أمام القارىء ولا املك إلا أن أقول اتقوا الله في صحابة رسول الله (ص) ولا تتجرأوا ولا تتهموا ولا تلقوا القول على عواهنه بغير علم ولا هدى، فان الله عز وجل يقول: «ولا تقف ما ليس لك به علم أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا». 


*** 

*** 



بريد القراء


هكذا تكلم "القطبان" (02)

*** 

*** 


بلاد ما بين النحرين

بسم الله الرحمن الرحيم


هكذا تكلم القطبان (02)

" هل أنت معي أخي .. هل أنت معي .. "

 

تصدير

 "..............حين نقول للناس: إنّ "طريق الخلاص" يبدأ بتصحيح مفاهيم الإسلام كلها بدءا بمفهوم  "لا إله إلا الله " .. فنحن نعني ما نقول على وجه التحديد.."

"...............طريق الخلاص هو تصحيح المفاهيم الإسلامية كلها بدءا بمفهوم " لا إله إلا الله ".. 


  ولسنا نزعم للناس أنّ هناك عصا سحرية ستمتد إليهم فتحل لهم مشكلاتهم بمجرد أن يصححوا في نفوسهم مفاهيم الإسلام، ويعودوا إلى ممارسته في عالم الواقع ..

بل نحن ننذرهم حربا ضروسا يشنها العالم كله عليهم، كما يشن الكفر حربه على المسلمين اليوم في أفغانستان..فضلا عن الجهد "الموضوعي" الذي يجب أن يبذلوه لإيجاد الحلول العملية لمشكلاتهم، مستمدة من شريعة الله، ومنهجه الذي ينبغي أن يحكم الحياة، سواء في إزالة التخلف الإقتصادي أو العلمي أو الحضاري أو التكنولوجي أو الحربي أو الفكري أو السياسي .. الخ ..الخ .. الخ ...         " 

انظر:"مفاهيم ينبغي أن تصحح " ص 163و  167 محمد قطب



 راحة الاستاذ الفاضل الدكتور محمد عباس:  حياّك الله وبيّاك..السلام عليكم  ورحمة الله وبركاته..


سيدي الكريم ..

              - في وقت يصطاد فيه لقطاء أمريكا وشواذها العفيفات الطاهرات بالشباك بواسطة طائرات "الأباتشي" والتناوب على اغتصابهن..كما حدث للشهيدة " سميرة حسين " رحمها الله ..

             - في وقت نعيش فيه " حالة " اسمها (سجن أبو غريب) ..

             - في وقت تتعمق فيه معارفنا ومعارف أبناءنا على أشياء حضارية كالقنابل العنقودية والقنابل الإنشطارية وقنابل خانقة .. ويورانيوم منضب أو مخصّب ..

            -في وقت نتحدث فيه عن مشاريع الإصلاح الأمريكية في الشرق الأوسط  وإفريقيا أو القرن الإفريقي ..

           - في وقت نتحدث فيه عن شيء اسمه " الدبلوماسية الأهلية " ..

           - في وقت نتحدث فيه عن شيء اسمه " الخصخصة العسكرية "..

          - في وقت يعلن فيه وزير الدفاع الأمريكي " رامسفيلد " (أن على الولايات المتحدة كي تكسب الحرب على الإرهاب يجب أن تكسب " حرب الأفكار " ..

          - في وقت تتعرى فيه الحضارة الغربية وتكشف عن حقيقتها، كما في سجن "ميسوري" أين يرسف الأسد الشيخ في أغلال الديمقراطية ..حيث يصف لنا الشيخ "أمريكا التي سمع" كما في موقع الأسرى وموقع شهود ..   (اقرأ لزاما مقال " إعلان الحرب العالمية على الدكتور هاني السباعي" للدكتور محمد عباس ..) .. 

           - في وقت يذبح فيه علماؤنا وشيوخنا في العراق ببرودة دم من طرف مرتزقة حاقدين عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .. (راجع مواقع الجهاد كلها) ...

            - في وقت يرسف فيه أكثر من سبعة آلاف بريء في معتقل جواتنامو ذنبهم الوحيد أنهم صرخوا قائلين "ربنا رب السموات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذن شططا" .. 

           - في وقت يقصف فيه شذاذ الأفاق من القردة والخنازير المدن والقرى الفلسطينية بمباركة عربية وفارسية وتركية ..

           - في وقت يتفتت فيه اللحم البشري تفتتا من أجل الأمة الإسلامية كما في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان و.. و.. و..

           - في وقت يتعرض فيه خط "طنجة – جاكرتا" لأبشع تدمير وأسفل تعمير ..

           - في وقت تجأر فيه وتصرخ أختنا الكشميرية من تحت الهندوسي ...

           - في وقت تتكالب فيه الصين على القضاء على النسل الإسلامي الصيني ..

           - في وقت تتصاعد فيه نسب الانتحار والجنون في العالم الإسلامي بصورة جنونية ..

           - في وقت الرويبضات وفي الشمقمقية و"وليمة لأعشاب البحر" و"ذاكرة الجسد" والحوار الإسلامي–المسيحي والقبول بالآخر وحذف الجهاد وثقافة التطبيع والتقبيع ..

           - في وقت يوشك أن يكون خير مال المسلم غنيمات يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر فرارا بدينه من الفتن ..

           - في وقت نتحدث فيه عن شيء اسمه تحديث الإسلام، بل تخنيث الإسلام ..

           - في وقت تتواطأ فيه "الصادات الثلاث .. الصهيونية والصليبية والصفوية" على أهل السنة والجماعة بالأخص .. (يراجع – للوعي – "منهاج السنّة النبوية  لشيخ الإسلام – رحمه الله – و"الشيعة والتشيع" للشهيد إحسان إلهي ظهير- رحمه الله – ) .. 

           - في وقت يساء فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكاريكاتور والمسلمون لا يتحركون ..

وصدق الدكتور محمد عباس .. أي والله صدق ..نعم..نعم ..صدق.. (1)

      "المملكة العربية السعودية واليمن وعمان والإمارات وقطر والبحرين والكويت.. غثاء كغثاء السيل ..

      مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا والصومال وجيبوتي واريتريا .. غثاء كغثاء السيل ..

     العراق والأردن ولبنان وفلسطين وتركيا وإيران وأفغانستان والباكستان وبنجلادش وجمهورية المالديف وجمهورية إتحاد ماليزيا وسلطنة بروني واندونيسيا .. غثاء كغثاء السيل ..

       أذربيجان واوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وكازاخستان وقرغيزستان والشيشان غثاء كغثاء السيل ..

      السنغال وناميبيا وغينيا الشعبية وغينيا بيساو ومالي وبوركينا فاسو وساحل العاج وسيراليون ونيجيريا والكامرون والنيجر وتشاد وتنزانيا وجزر القمر وأوغندا .. غثاء كغثاء السيل .. 

      ألبانيا والبوسنة والهرسك .. غثاء كغثاء السيل .. " ا. هـ . 

من كتاب "الحدود في الإسلام كنز لا وباء" لمحمد عباس 

    بأبي وأمي انت يا رسول الله .. بأبي وأمي انت يا رسول الله .. بأبي وأمي انت يا رسول الله ..(2) 

       - في هذا الوقت بالذات..هذا الوقت النكد.. يشتد الهجوم على شهيد الإسلام "سيد قطب" – رحمه الله تعالى- .. هجوم عنيف، شرس، ضاري .. هجوم لا يبقي ولا يذر .. هجوم لا يرعى في الرجل حرمة ولا عهد ولا ذمّة ..

   وأتساءل "لم هذا الرعب كله من سيد قطب" –رحمه الله - ؟ 

      اكتسح "الإرجاء" الساحات واستعمر المساجد واجتاح الأسواق وزاحم في المدرجات وكممّ الأفواه وباركه السلطان وأقرّه السلطان وعامله السلطان ورخّص له السلطان ومكّن له السلطان ودافع عنه السلطان وجنّده السلطان .. أي والله جنّده السلطان ..  

    وإنّ الإنسان ليستغرب إختيار هذا الظرف بالذات في الهجوم على "سيد" -رحمه الله- .. 

      يصرخ الاستاذ "جمال سلطان" متعجبا ومستغربا في معرض رده على الشيخ يوسف القرضاوي –حفظه الله – قائلا: ((أخذني العجب الشديد من عالم كبير بحجم يوسف القرضاوي – حفظه الله – سواء في مذكراته أو بعض مقالاته وكذلك في كتبه، إذ كان ملاحظا ذلك الإلحاح الغريب من قبل الشيخ على اتهام سيد قطب بأنه كان تكفيريا، متطرفا يكفر المسلمين جماعات وأفرادا، حكومات ومحكومين، دولا وشعوبا، وخاصة في مرحلته الأخيرة (مرحلة المعالم)، ........... 

........................................  ..

    وعلى الرغم من أن الشيخ يوسف قدم الكثير من التبجيل والتوقير والإجلال لسيد قطب وعطائه وتضحياته في تلك الكتابات فإنها كانت أشبه بمقدمة اعتذار من القسوة اللاحقة في الكتابة عن الرجل وتاريخه وفكره، ولقد تعجبت كثيرا من إجهاد الشيخ يوسف نفسه – مع كثرة مشاغله وأعبائه – لكي يثبت للقارئ أن سيد قطب كان تكفيريا، ويأتي بنصوص كثيرة مطولة من كتاباته، خاصة مما يتحدث فيه عن الجاهلية والكفر والردة التي رآها انتشرت في جنبات الأرض في العصر الحديث، ويطالب القارئ بأن يتأمل بعض العبارات والمصطلحات، ويحرص حرصا مثيرا على وضع خطوط تحت كلمات وألفاظ بعينها، لكي يلفت ذهن القارئ إليها ويستحثه على تأمل تطرفها وروح التكفير فيها، ويدقق لكي يثبت له أن الرجل ليس كاتبا معتدلا أو حادا في عباراته فقط، وإنما كان كاتبا تكفيريا، وبالتالي متطرفا ..

    الشيخ لم يذكر- للأمانة – صفة التطرف أو الإرهاب، ولكن الأمر لا يحتاج إلى كثير شرح لكي يطلق القارئ الذي يرى الشيخ يوسف – على قدره – يثبت له ويحاصره بالشواهد والسقطات التي تؤكد أن الرجل كان تكفيريا، أقول: لا يحتاج القارئ إلى كثير جهد لكي يطلق صفة المتطرف على سيد قطب، ومن ثمّ الإرهابي بالضرورة .. هل هذا هو المآل الذي يقصده الشيخ يوسف من جهده المتتالي والمتكرر من أجل إثبات أن سيد قطب كان تكفيريا يكفر المجتمعات والحكومات والأفراد والشعوب ؟؟ الأمر محير للغاية ..))ا. هـ . .. "أخبار الأسبوع العربي" الجزائرية   العدد (31) التاريخ من 15 ماي إلى 22 ماي 2004 م              

   كذلك يصرخ – في ألم – متعجبا ومستغربا أحد كبار قيادات الإخوان المسلمين، وأحد قيادات تنظيم 1965م الذين تأثروا وتربوا على أفكار سيد قطب، وهو الأخ "سيد نزيلي" (العريس) الذي لم يهنأ بعرسه إلا أياما معدودات حتى سيق إلى السجن الحربي، وكان ممن حكم عليه بالمؤبد في تنظيم 1965م وكان من آخر من خرج من السجن سنة 1975م .. وقد بعث برسالة إلى فضيلة الشيخ القرضاوي في هذا الشأن حيث قال: " كنت أود أن يظل الاستاذ الفاضل يوسف القرضاوي على ما هو عليه من تجميع الأمة والعاملين للإسلام بكل توجهاتهم، بعيدا عن نقاط الاختلاف والخلاف وألا ينكأ جراحا قديمة، حيث أن الوقت غير مناسب، خاصة مع الحملة الشرسة ضد الإسلام والمسلمين ببرامج ووسائل معلومة ومعروفة، يرصد لها الأعداء الأموال الطائلة، ويضغطون على الأمة بكل الوسائل حتى يغيّروا من هوية الأمة، وأريد أن استعير الكلمات الآتية: (إننا نجمع ولا نفرق، ونتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه) والله على ما أقول شهيد .." انظر موقع إسلام أون لاين ..إعداد مصطفى عاشور.


  راحة الاستاذ الفاضل الدكتور محمد عباس: 

           من لهذه الأمة غير علمائها .. ؟ 

  إنّ الأمة الإسلامية تمر بمرحلة من أسوأ مراحل التاريخ .. (راجع – إن شئت- واقعنا المعاصر) ..

 فإذا سكت العلماء واكتفوا بهز الرؤوس ومصمصة الشفاه  ولم يصدعوا بما صدع به الأنبياء والرسل من البيان والتبصير والتعليم والتربية وما إلى ذلك .. فأنى لهذه الأمة أن تجتاز هذه المرحلة بسلام ؟؟.. 

  يقول العلامة أبو الحسن علي الحسني الندوي –رحمه الله -: ((العالم الإسلامي الآن يمر بمرحلة انتقالية، يفض الهيكل القديم ويصاغ  له هيكل جديد، وفي مثل هذا الوقت الحرج قد تتبدل مصائر الأمم وتبتدئ مرحلة جديدة من نوعها في حياتها، ويكتب لها مصير آخر ويقدر لها قدر جديد، إن هذه المرحلة كما تتطلب دراسة عميقة دقيقة، وتفكيرا جديا هادئا متعمقا وتضحية وإيثارا، إن هذه المرحلة لا يمكن مواجهتها بدون استيفاء هذه العناصر في الماضي، ولا تمكّن في الحال ولن تمكّن في المستقبل، إنها محنة العقيدة والإيمان ومحنة الذكاء في وقت واحد في وقت واحد لأن العملية هي عملية بناء مدنية جديدة وتشكيل مجتمع جديد وتطبيقه مع التعاليم الإسلامية وتطهيره من العناصر المضادة لها ..))ا. هـ . الندوي "الطريق إلى السعادة والقيادة"  ص63 وما بعدها 

    - لم تنسحب جيوش الاستعمار من بلاد العالم الإسلامي حتى اطمأن أعداء الإسلام إلى عملية  "التسميم" التي قامت بها دول الاستعمار في الأرض الإسلامية  وسريان السم في عروق الأمة .. 

  يقول العلامة الجليل محمد قطب – أطال الله  في عمره ورفع قدره -: ((إنها لم تنسحب حتى كانت قد أبرزت "القيادات العلمانية" التي تقود مرافق الحياة كلها في العالم الإسلامي، وتقوم "بتحضيره", نعم،  ولكن على أسس غير إسلامية ..

   ولم تنسحب حتى كانت قد "حررت" المرأة المسلمة .. حررتها من دينها وأخلاقها وتقاليدها وأخرجتها إلى الشارع فتنة لنفسها وللرجل على السواء .. 

  ولم تنسحب حتى كانت قد بذرت في الأرض الإسلامية كل البذور السامة الموجودة في العالم الغربي، ولكن بدون عوامل القوة الإيجابية التي تؤخر الدمار هناك، بذرت الفوضى والتحلل الخلقي والتمزق الأسري والضياع الروحي والتمزق النفسي والقلق  والانتحار والأمراض العصبية والخمر والجريمة  والفردية الجانحة والاستهتار بالقيم والبحث عن المتاع المادي والاستغراق فيه ..

   هل كان يتوقع لتلك الشعوب وقد بذرت فيها كل تلك البذور السامة أن تنهض حقيقة، وتتقدم حقيقة، وتسير حقيقة، على خط القوة والصعود ؟..

   أم كان يتوقع لها الانتكاس الدائم والضعف المستمر، رغم كل مظاهر التقدم المادي التي تطفو على السطح  ؟ .. 

   لقد رأى "العقلاء" بوادر ذلك كله وأنذروا شعوبهم، فلم تستفق هذه الشعوب لصوت النذير 

 - إلا من رحم ربك – وظلت تلهث كالمجنون تستزيد من بذور السم وكلما أخذت جرعة تطلب المزيد ..))ا. هـ .    محمد قطب  "واقعنا المعاصر" ص  526  دار الشروق. 

     وكان من أخطر مكايد أعداء الله  وأخبثها على الأمة الإسلامية هدم كيان الأمة  الإسلامية الواحدة وتجزئتها وتفتيت كتلتها المتماسكة وتدمير بنيانها المعقود بما عقد الله وتفريق صفها المرصوص وتمزيقه .. 

    "لقد أصيب أعداء الإسلام بالفزع والخوف من هذه الوحدة التي جمعت بين المسلمين ونصوا على ذلك في أقوالهم وتقاريرهم السرية .. يقول "لورانس براون": ((إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطرا .. أما إذا ظلوا متفرقين فإنهم حينئذ يظلون بلا قوة ولا تأثير .." 

   ومن التقريرات السرية التي نشرت أخيرا والتي كشفت عن عداء الغرب النصراني للوحدة الإسلامية، تقرير وزير المستعمرات البريطانية المدعو "أورمس غو" الذي يقول فيه: 

  ((إن الحرب علمتنا أن الوحدة الإسلامية هي الخطر الأعظم الذي ينبغي على الإمبراطورية أن تحذره  وتحاربه، وليست انجلترا وحدها هي التي تلتزم بذلك بل فرنسا أيضا، ومن دواعي فرحتنا أن الخلافة الإسلامية زالت، لقد ذهبت ونتمنى أن يكون ذلك إلى غير رجعة .. 

إن سياستنا تهدف دائما وأبدا إلى منع الوحدة الإسلامية أو التضامن الإسلامي ويجب أن تبقى هذه السياسة كذلك.. 

   ومن هنا كانت الخطة هي القضاء على المسلمين وتمزيق العالم الإسلامي..."

             د: سعد الدين السيد صالح  استاذ العقيدة بجامعة الأزهر 

                 "الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام"    ص 20   

    من لهذه الأمة غير علمائها ؟ 

   من لهذا  الاختلاف  ؟ هذا التفرق ؟ هذا التشتت ؟  هذا التشظي ؟  هذا التمزق ؟  هذا التبعثر ؟ 

   من لهذا التنازع ؟  هذا التناحر ؟  هذا التناجش ؟  هذا التدابر ؟ ... 

  من لهذا كله  غير العلماء ؟.. 

   يكشف الشيخ عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني – رحمه الله – بعضا من المخططات الصهيوصليبية التي نفذت وطبقت على هذه الأمة بخبث ومكر ... 

    "وقام أعداء الإسلام والمسلمين بوحي من شياطين الإنس والجن فيهم، يضربون في طود الأمة الإسلامية الواحدة أسافين الشقاق والخلاف، ويسقونها جرثومة الفساد والضغينة والعصبية والخلافات المتنوعة، ويعطون للزمن فرصة تمكين الشقاق والخلاف وتعميقه، حتى يفعل تطاول العهد بهذه الأمة من التمزيق والتشقيق والتفتيت ما لم تفعله الحروب المسلحة الكبرى، وقامت لديهم نظرية الغزو الفكري لهذه الأمة، بعد قيامهم بعمليات الغزو العسكري، فيما هو معروف بالحروب الصليبية، والحروب الأخرى التي جاءت من الشرق .. 

"ثم قامت الحملات الاستعمارية الغازية، ودسائسها المحرمة الخادعة، ومن وراءها المخططات اليهودية الماكرة بهدف تفتيت الأمة الإسلامية الواحدة، وتهديم صرحها العظيم وإلغاء الإسلام كله من الوجود وإطفاء نوره .. كما قال تعالى "يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون" .. 

 "ثم قامت حملات الغزو الفكري، وجعلت أهدافها تقطيع روابط الأمة الإسلامية الواحدة رابطا فرابطا حتى عمق روابط الأخلاق والعبادات والعقيدة الواحدة ..  

 "فكانت حملات الغزو الفكري بالفلسفات المزخرفة الباطلة لتهديم العقيدة الإسلامية .. 

 وكانت حملات الغزو الفكري بالمذاهب الفكرية الاجتماعية والنفسية والفلسفية  وغيرها لتهديم الدين من جذوره، ولتهديم الأخلاق، والنظم الإسلامية المختلفة، وإبعاد المسلمين عن كل أحكام الإسلام وشرائعه بصورة كلية أو بصورة متدرجة .. 

 "وأصرت الحملات على فصل الدين عن السياسة وعلى إلغاء حكم الجهاد في سبيل الله وعلى فرض القوانين المدنية الوضعية وعلى إقامة التجزئات المختلفة بين شعوب الأمة الإسلامية وعلى إلغاء الخلافة رمز الوحدة الإسلامية وعلى فرض العلمانية وتشتيت المعرفة المختلفة الجذور، والتحويل عن المعرفة الشاملة المتكاملة ذات الجذور الربانية الواحدة .. 

 "واستخدم أعداء الإسلام وسائل كثيرة لتجزئة الأمة الإسلامية الواحدة، منها الوسائل التالية: 

1)عناصر الاختلاف السياسي، بتغذية الأنانيات المختلفة ..                                                2)عناصر الاختلاف الطائفي، بإلقاء جرثومة الخلاف في العقائد ..                                        3)عناصر الاختلاف المذهبي،بتشجيع التعصب المذهبي الذميم .. 

4)عناصر الاختلاف العرقي  والقومي واللغوي بإحياء الجاهليات القديمة .. 

 5)  ثم بعناصر الاختلاف الإقليمي بين أهل الأقاليم التي تجمعها قومية ولغة واحدة .. 

 6) ثم بعناصر الاختلاف  القطري، والاختلاف بين بلد وبلد داخل قطر واحد .. 

 7) وهكذا تتسلسل هذه العناصر حتى تصل إلى عناصر الاختلاف الأسري والاختلاف بين الأفراد ..

 8) عناصر الاختلاف الحزبي في المنظمات الموجهة للقيام بالصراعات الداخلية .. 

 .................."ا. هـ .    عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني .. من كتاب "الأمة الربانية الواحدة" ص 158 . 159 . 160 . مؤسسة الريان .. الطبعة الثانية   

     ومن هنا تتجلى لنا مسؤولية العلماء وعظيم خطرها في المرحلة الراهنة .. 

    إن سكوت "العلماء" - من أي زاوية نظرنا إليه -  هو إسباغ وإقرار للأنظمة الطاغوتية بشرعية الوجود، وترسيم لها، حيث يملك الطاغوت –حينئذ- أن يقوم بأبشع المذابح  وبأقذر الإنقلابات وهو آمن من "تداعي الجسد" .. فضلا عن ذلك، يعمل هذا "السكوت المخزي" على قتل حمية الولاء والبراء  واجتثاثها من جذورها وسوق "أهلها " إلى مذبح الانصهار والذوبان والتميع  "على اعتبار أن اتباع الشرع هو من مقتضيات الولاء لله، قال سبحانه: ((اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء، قليلا ما تذّكرون)) الأعراف 3، وقال عز وجل: ((ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله ولي ولا واق)) الرعد 33، فاستحقاق الرسول صلى الله عليه وسلم – كقائد للأمة – الولاء من الله والمنعة مرتبط باتباعه لعلم الله الذي جاءه ......... 

................ بناءا على ذلك أعتبر أمر الولاء لله و"الحاكمية" له قضية عقائدية .. فعلاقة الولاء السياسي علاقة عقائدية حتى استوجبت تحريمه لغير الله، فأمر الله أمة الإسلام بوجوب رفض الولاء لليهود والنصارى كما أمرهم بعدم الخضوع لحكم الجاهلية فقال تعالى: ((أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون، يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)) المائدة 51  54  .... " د.عباسي مدني "أزمة الفكر الحديث ومبررات الحل الإسلامي" ص 60  61  مكتبة رحاب .. الطبعة الأولى  1989   -  بتصرف شديد -  

  كتب الشيخ محمد البشير الإبراهيمي – رحمه الله – (ت: 1965)  عن سكوت العلماء مقالة عنونها ب "عواقب سكوت علماء الدين من الضلال في الدين" .. قال –رحمه الله -: ((لعلماء الإسلام سلطان على الأرواح، مستمد من روحانية الدين الإسلامي وسهولة مدخله إلى النفوس، تخضع له العامة عن طواعية ورغبة، خضوعا فطريا لا تكلف فيه لشعورها بأنهم المرجع في بيان الدين، وبأنهم لسانه المعبر حقا عن حقائقه، والمبين لشرائعه، وبأنهم حراسه المؤتمنون على بقائه وبأنهم الورثة الحقيقيون لمقام النبوة، وكان العلماء يجمعون بين وظيفة التبيين في التعبديات، وبين وظيفة التقنين في المعاملات، أما الخلفاء فلم تكن وظيفتهم – في الحقيقة – إلا التنفيذ لما يراه العلماء من مصلحة في المعاملات الفردية أو الاجتماعية .. 

   كان هذا السلطان ظاهرا على أشده، متجليا في سطوعه في صدر الإسلام يوم كان العلماء قوامين على الكتاب والسنة، جارين على صراطهما، واقفين على حدودهما، قائمين لفريضة الأمر بما عرفاه والنهي عما أنكراه، لا يهدون الأمة إلا بهديهما، فكان سلطانهم نافذا حتى على الخلفاء، وألسنتهم مبسوطة بالنقد والتجريح لكل من زاغ عن صراط الدين كائنا من كان، وكان رأيهم هوالمرجع في مصالح الدين والدنيا، لا جرم كان خلفاء الدنيا من "معاوية" وهلم جرا يعرفون لهم هذا السلطان الواسع، يتخذ منه الموفقون منهم عونا على الخير والإصلاح فلا يقطعون دونهم رأيا ولا حكما، ولا يتبرم منه المستبدون منهم لأنهم يرون فيه سلطانا على سلطانهم فيأخذون في توهينه، تارة بالمصانعة والمرائية والاستلاف المخادع، وتارة بالمنابذة المكشوفة والتجني المعاند .. 

   بايع معاوية لابنه "يزيد"، وحمل الأمة على البيعة له بالترغيب والترهيب والمطاولة، فتم له ذلك، ولكنه كان يرى تلك البيعة كاللغو ما لم يبايع "العبادلة" والحسن، لمكانتهم في العلم ومكانتهم من الأمة، فعمد إلى الحيلة المستظهرة بالسيف، وكذلك فعل بنو مروان كما تخلف مثل "سعيد بن المسيب" عن البيعة .. ....................... 

.................................................................. 

   بقي العلماء – مع ذلك – ظاهرين على الحق يتولون القيادة الحقيقية للأمة في غير ما يمس السلطان المادي الزائف، وكانوا أيقاظا لكل حدث يحدث في الإسلام، وكانوا كلما رأوا شبح بدعة خفوا إلى إزالتها، وكلما أحسوا بضلالة ومنكر في الدين بادروا إلى تغييره بالفعل والقول .. 

....................................................................................... 

   وكانت الأمة ترجع إليهم، فترجع إلى وحدة متماسكة في الدين لا تتفرق بها السبل ولا تتشعب لها الأراء، إلى أن فتنتهم المذاهب والخلافات الجدلية في أصول الدين وفروعه، وغطت عليهم العصبيات المذهبية وجه الحق، فرأت منهم العامة غير ما كانت ترى من وحدة في الدين، عاصمة لوحدتها في الدنيا، ووحدة في العلم، عاصمة من تفرقها في المصالح، وجروها إلى ما هم فيه من خلاف فجرتهم إلى ما هي فيه من فساد، وضعف لذلك سلطانهم عليها، فتوزع أمرها أمراء السوء الظالمون، وقادة السوء الجاهلون، واجتمع هؤلاء على قصد واحد وهو استغلال العامة فاصطلحوا .. 

........................................................................................... 

   أهان العلماء أنفسهم، فسهل الهوان عليهم، فأصبحوا أذل ممن يعيشون عالة عليهم، ويتساقطون على فتات موائدهم، ويتطوعون لهم حتى بأخس شهواتهم، ويشهدون لهم الزور على الله ودينه، ويحلون لهم من اللذائذ ما حرّم الله وعلى هذه الحالة أدركنا عصرنا وأهل عصرنا، والشرب مشوب من قديم ولكن آخر الدن دردى .. 

   أما والله – ألية المسلم البر، وسريرة الضمير الحر – لا ترجع هيبة العلماء إلى مستقرها من نفوس الأمة حتى يقوموا بعهد الله في بيان الحق ويتضافروا على حرب البدع والضلالات التي لابست الإسلام، ولبست عقائده ففسدت، وآدابه فكسدت ولبست على المسلمين دينهم فأصبحت حقائقه في واد وعقولهم في واد ..)) انتهى .. نشرت هذه المقالة في العدد 36 من جريدة البصائر سنة (1948) م  .. انظر موقع "صوت الجزائر" أيقونة (أوراق خضراء) .. 

     كما أن مهمة العالم في الإسلام ليست مجرد صلاحه الشخصي ونزاهته المالية، بل إن مهمته هي التوقيع عن الله، وحمل أمانة العلم، ووراثة النبوة، والعالم يقترف جريمة عظيمة لمجرد قعوده عن واجب البلاغ  وكتمان العلم، قال تعالى: ((إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعدما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)) البقرة 159، ولا يسلم العالم من هذه اللعنة – لعنة الكتمان- إلا إذا أدى ما جاء في الآية التي تتلوها: ((إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم)) البقرة 160، وكتمان العلم  ليس هو كتمان الكتاب والسنة، فلا أحد يستطيع كتمان الكتاب والسنة، ولكنه عدم إنزالها على الوجه الصحيح، في النوازل التي تستوجب على العالم إنزال النصوص عليها.. هذه الجريمة عظيمة إذا اكتفى بالكتمان فقط، فكيف إذا خان الأمانة وكذب على الله حين يبلغ عنه غير ما أراد –سبحانه-  في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم .. 

   قال الإمام أبو بكر الجصاص – ت 370 هجرية –: ((.. وقد روى حجاج عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من كتم علما يعلمه جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار"، فإن قيل روي عن ابن عباس أن الآية نزلت في شأن اليهود حين كتموا ما في كتبهم من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم * قيل له: نزول الآية على سبب غير مانع من اعتبار عمومها في سائر ما انتظمته لأن الحكم عندنا للفظ لا للسبب إلا أن تقوم الدلالة عندنا على وجوب الإقتصار به على سببه ويحتج بهذه الآيات في قبول الأخبار المقصرة عن مرتبة إيجاب العلم لمخبرها في أمور الدين وذلك لأن قوله –تعالى -  (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب) وقوله تعالى (وإذ أخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب) قد اقتضى النهي عن الكتمان ووقوع البيان بالإظهار فلو لم يلزم السامعين قبوله لما كان المخبر عنه مبينا لحكم الله تعالى إذ ما لا يوجب حكما فغير محكوم له بالبيان فثبت بذلك أن المنهيين عن الكتمان متى أظهروا ما كتموا وأخبروا به لزم العمل بمقتضى خبرهم وموجبه ويدل عليه قوله في سياق الخطاب (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا) فحكم بوقوع العلم بخبرهم *))ا. هـ . انظر"أحكام القرآن" للجصاص ج 1 / ص 101 

  ويقول الإمام القرطبي –رحمه الله – في تفسيره: ((أخبر الله تعالى أن الذي يكتم ما انزل من البينات والهدى "ملعون" واختلفوا من المراد بذلك، فقيل: أحبار اليهود والنصارى الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كتم اليهود امر الرجم، وقيل: المراد كل من كتم الحق، فهي عامة في كل من كتم علما من دين الله يحتاج إلى " بثه "، وذلك مفسر في قوله صلى الله عليه وسلم: "من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من النار" رواه أبو هريرة وعمرو بن العاص، وأخرجه ابن ماجه ..))ا. هـ . .. تفسير القرطبي / قرص  "مكتبة طالب العلم الكبرى"  

   وليت هؤلاء العلماء اكتفوا بإثم "السكوت" ووقفوا عند هذا الحد، بل توغل بعضهم في هذا الإثم، وراحوا يلومون وينكرون على من يقوم بمهمته الشرعية وواجبه الشرعي نحو الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، حين يأمرهم وينهاهم ويسفه أحلامهم ويعيب آلهتهم كما حدث ويحدث للشهيد سيد قطب – رحمه الله – وغيره من أشاوس الإسلام .. 

   وهذا الإثم  العظيم هو ما أطلق عليه الاستاذ "مالك بن نبي" –رحمه الله- اسم "الإفتراس الفكري" يقول –رحمه الله –: ((وقد ورثنا هذا الحكم المسبق عن ذلك (البوليتيك) الذي يدفعه الخلط إلى تسمية نفسه (بالسياسة) والذي يقوم بفصل الفكرة عن النشاط  بطريقة تظل بها الأولى عاجزة، ويظل الثاني أعمى فاقدا للبصيرة والبصر . 

   ولقد ترتب عن ذلك  تلك المظاهرات المناهضة للثقافة التي أصبحت تسفر عن وجهها بصورة متكررة داخل حركتنا الوطنية . إلا أن هذه النزعة ليست قاصرة على بلادنا وحدها، فقد سبق "لماركس" أن عرفها، ومجادلاته ضدّ العمّاليّين جديرة بالتذكر في هذا الصدد . كما سبق "لسقراط" أن وسم هذه النزعة في المجتمع الأثيني وقرع ممثليها بأن أطلق عليهم اسم (مفترسي الأفكار) . 

   وإذن فالداء ليس وليد هذا القرن فحسب، ولا هو خاص ببلاد واحدة، إلا أن تفكير(مفترس الأفكار) في بلادنا نحن بالذات ليس مجرد سمة من سمات سجية شخصية وكفى، ولكنه علامة عامة من علائم تخلفنا، وخاصة في الميدان السياسي حيث تتطابق (صبيانيتنا) مع سن نفساني معين، وهو السن الذي لم يدخل فيه الطفل بعد إلى عالم الأفكار.)) اه، مالك بن نبي "القضايا الكبرى" ص96  دار الفكر الطبعة الأولى  1412 هـ 1991 م  

                    

*        *          *

   طريق الخلاص  (ماذا)

        راحة الاستاذ الفاضل الدكتور محمد عباس: 

    عندما يترسخ في عقول الناس وقلوبهم أن حق الحاكمية هو أولى وأخص خصائص الألوهية وأن قضية الحاكمية قضية خطيرة في حياة البشرية وأنها قضية عقائدية بحتة، وأنها هي التي جعلت "أبا جهل" يقول: ((هذا أمر لن تسكت عليه العرب)) .. فإنه عندئذ ستتغير المواقف، وتتبدل النظرات.. ستتبدل النظرة إزاء الوجود كله (الكون والإنسان والحياة)، وإزاء التاريخ وإزاء الحاضر وإزاء المستقبل .. 

  يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله -: ((كل علم فإنه تابع تبع المطابقة والموافقة وإن لم  يكن   بعضه تابعا تبع التأخر والتأثر والافتقار والتعلل، فهذه مقدمة جامعة نافعة جدا في أمور كثيرة، إذا تبين هذا في جنس العلم ظهر ذلك في الاعتقاد والرأي والظن ونحو ذلك الذي قد يكون علما وقد لا يكون علما بل يكون اعتقادا صحيحا أو غير صحيح أو غير ذلك من أنواع الشعور والإحساس والإدراك فإن هذا الجنس هو الأصل في الحركات والأفعال الروحانية والجسمانية ما  كان من جنس الحب والبغض وغير ذلك وما كان من جنس القيام والقعود وغير ذلك فإن جميع ذلك تابع للشعور مفتقر إليه مسبوق به والعلم أصل العمل مطلقا وإن كان قد يكون فرعا لعلوم غير العمل كما تقدم))ا. هـ . انظر "قاعدة في العلوم والاعتقادات" .. 

   ويقول أيضا: ((.. فكل عمل في العالم هو بحسب نية صاحبه وليس للعامل إلا ما نواه وقصده وأراده  وأحبه بعمله، ليس في ذلك تخصيص ولا تقييد ...........  فإن النية موجودة لكل متحرك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "أصدق الاسماء حارث وهمام" فالحارث هو العامل الكاسب، والهمام هو القاصد المريد، وكل إنسان متحرك بإرادته حارث وهمام ..)) 

        انتهى كلامه .. انظر "قاعدة في  المحبة" ص 15  دار الشهاب / ت: محمد رشاد سالم 

   بناءا على ذلك "لا يمكن بحال من الأحوال فصل القضايا العملية عن الأسس الاعتقادية والقواعد الفكرية، بل هي – وإن بدت في هيئة خطوط متقابلة – عقيدة وشريعة، فكرة ونظام، تصور وسلوك، إلا أنها في حقيقة الأمر متداخلة متمازجة، فالعقيدة والتصور الفكري قاعدة والتطبيقات الحكمية والسلوكية فروع عن تلك القاعدة، ومهما كان الاعتقاد موغلا في الرمزية والتجريدية أو المثالية أو حتى الأسطورية الخرافية فإنه لابد أن تؤثر في سلوك وعمل معتقده، والوثنيون الإغريق والفراعنة أو عرب الجاهلية ظهرت آثار عقائدهم في نظمهم وعلاقاتهم في أحكام ومناشط حياتهم .. ناصر الغامدي  "العقيدة والسلوك الإنساني" مقال له    

    وفي هذا الصدد يقول الشهيد "سيد قطب"- رحمه الله -: ((لقد جاء الإسلام ليغير واقع البشرية، لا ليغير معتقداتها وتصوراتها ومفاهيمها ومشاعرها وشعائرها فحسب .. جاء لينشىء لها واقعا غير واقع الجاهلية – التي كانت تعيش فيها، والتي يمكن أن ترتد إليها في أي طور من أطوارها، وفي أي تاريخ من حياتها كذلك .. فالجاهلية وضع من أوضاع الحياة لا فترة محددة من الزمان .. وهي تتمثل –ابتداء- في عبادة الناس بعضهم لبعض، وفي عبادة الإنسان لهواه على وجه العموم .. وعبادة الناس بعضهم لبعض تتمثل في أن تكون "الحاكمية" في الأرض والتشريع للحياة حقا لبعض العباد على بعض .. وعبادة الإنسان لهواه تتمثل في استقلاله بوضع التصورات  والمذاهب والتشريعات والمناهج لحياته – في معزل عن منهج الله وشريعته – ثم ما يعقب هذا وذلك من آثار في واقع الحياة، تنشىء "الجاهلية" في أي طور من أطوار التاريخ البشري بلا استثناء .. 








عـــهـــــود سِــــفـَــــاح

ضريت كلاب الصيد فانتظروا الحصاد

وجاءونا بتاريخٍ كذب!

ما كان الله لينصر قاتل سيد قطب


قتل الأذلٌّ الأعزّ





بقلم د محمد عباس

www.mohamadabbas.net

mohamadab@hotmail.com



انظر حولك أنى شئت واسأل في ذهول كيف مسخت الأمة إلى هذا الحد!!..

كيف أخفى الطاغوت خلف إهابه هذا الإجرام كله، وكيف انحطت النخبة كل هذا الانحطاط..

كيف سوغ الناس لأنفسهم أن يذلوا أنفسهم كل هذا الذل عبادة للطاغوت وخدم الطاغوت..

لماذا يذل هذا الوزير نفسه فلا يرى إلا بعيني سيده ومولاه؟..

لماذا يتعامل هذا القائد مع حاكمه بما لا يجوز أن يتعامل به إلا مع الله..

كيف يتحول هذا الصحافي إلى عبد  يهدر الحق كله والمنطق كله تذللا لولي نعمته؟..

كيف استطاع الطاغوت أن ينشر الفساد كل هذا الانتشار ليصل إلى فئات ما كان يجب أن يصل إليها أبدا..

كيف يمكن أن يكذب الناس وهم يعلمون أنهم يكذبون؟ وكيف يمكن أن يتحول ذلك إلى قاعدة دونها استثناءات محدودة..

ما الذي مسخ الكتاب كي يمارسوا الدعارة بالكلمات، والتجديف أيضا لأنهم يقولون في حق الحاكم ما لا يجوز إلا لله.. 

كيف انزلقت الصحافة إلى هذا المنزلق المشين..

في عهد الملك – الذي لم يكن مصريا- وتحت نير جيش احتلال لم يكن هو الآخر – كما حدث بعد ذلك – مصريا.. كانت الصحافة تهز العرش وتسقط الحكومات ويرتعد المسئولون منها فرقا..

الآن.. واستمرارا لما يحدث منذ نصف قرن لم نعد نرى إلا صحفا عرفها نزار قباني وكتب عنها:

ولم أر إلا جرائد تخلع أثوابها الداخلية

لأيِّ رئيس من الغيب يأتي

وأي عقيد على جثة الشعب يمشي

وأي مرابٍ يكدس في راحتيه الذهب

فيا للعجب!

أيا وطني...

جعلوك مسلسل رعبٍ

نتابع أحداثه في المساء

فكيف نراك إذا قطعوا الكهرباء ؟؟؟

*** 

أنا بعد خمسن عاماً

أحاول تسجيل ما قد رأيت

رأيت شعوباً تظن بأن رجال المباحث

أمر من الله..

*** 

كيف انتشر الكذب هذا الانتشار كله؟!

كان اكتشاف كاتب يكذب بالنسبة لي مأساة أليمة.. وتكررت المآسي حتى كست الوجه الإعلامي كله، لتصبح المفاجأة المذهلة هي أن تكتشف كاتبا صادقا!!

نعم..

أنبه القراء لذلك..

عندنا .. في الإسلام.. الولاء لله والوفاء لله والبراء من أعداء الله.. 

وعندنا في الإسلام: الصدق ليس مرتبة واحدة بل درجات فوقها درجات.. أدناها الصدق في رواية الحدث ثم تظل تعلو وتعلو حتى تبلغ مراتب الصديقين..

ما الذي جعل كتابنا ومفكرينا وصحافيينا يستحلون الكذب هذا الاستحلال كله.. وبالنسبة لهم فإنني أتحدث عن ازورارهم عن أدني درجات الصدق وليس عن درجة سواها..

أما عن السياسيين فخطبهم أطم وكذبهم أعم.

انظر إلى أي قضية وراقب ما يكتب كتابنا عنها.. لا أتحدث عن تقوى الله – فما أبعد البون بينهم وبينها- إنما أتحدث على أسسهم وقواعدهم لا عن أسسنا وقواعدنا، أتحدث عن أساسيات الفكر، وبديهيات المنطق، و ألف باء التاريخ، أتحدث عن مجرد رواية الأحداث بصدق، ثم ليمارسوا أكاذيبهم كما يشاءون في التعليق والرأي، أتحدث عمن يقرأ " ويل للمصلين" ويسكت.. عمن يصرخ" يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة ويصمت.. أتحدث عن الكذب الصريح الغادر الفاجر البواح.. أتحدث عن رواية ما لم يحدث.. وعن كتابة ليس لها مراجع.. و عن وقائع لم تحدث أبدا.. أو تلوين ما حدث من وقائع بحيث يجعلونها تعبر عن عكس ما تعنيه تما..

نعم يا قراء هذا ما يحدث.. ولقد كان الإسلام والمسلمون أبرز ضحاياه.. أقول الإسلام والمسلمون.. ولا أقول الإخوان المسلمين.. لأن أي نيل من الإخوان المسلمين لا يقصد منه أنهم إخوان ولا أنهم حزب ولا أنهم هيئة ولا أهم قوة هائلة في الشارع الإسلامي كله.. لا يهاجم الإخوان بسبب  أي شيء من ذلك.. بل يهاجمون لسبب واحد.. هو أنهم مسلمون.. لو كانوا مسيحيين أو يهود لما تعرضوا لهذا الهجوم أبدا.. ولو كانوا شيوعيين وقوميين علمانيين لشملتهم حصانة الشيطان..

اجتمعت آلة الكذب الجبارة لتحاصر المسلمين.. الإخوان المسلمين..حاولوا مع قواعد الإخوان وقياداتها.. حاولوا مثلا مع حسن البنا كثيرا.. ولقد نجحوا بالطبع لكن نجاحهم كان محدودا.. كان الإمام الشهيد قد عاش عمره كله تحت الاحتلال البريطاني.. ولقد نجحوا في تشويه الكثير من الحقائق لكنهم لم يطمسوا الحقيقة كلها.. أما تحت نير ضباطنا الأحرار.. طواغيتنا الفجار .. أبناء وطننا وديننا كما يزعمون.. فقد بلغت قدرتهم على طمس الحقيقة حدا مذهلا..

بلغت ذلك الحد الذي فوجئت فيه بصحافية مرموقة تمارس العمل الإعلامي  منذ ما يقرب من أربعين عاما.. فوجئت بها تحادثني على الهاتف.. وكانت تبكي وتنتحب.. قالت لي أنها ظلت عمرها كله تنظر إلى سيد قطب – كما يقول لها كل المحيطين بها- على أنه رمز الشر والانغلاق والرجعية والتخلف والإرهاب في ذلك العالم، وفوق ذلك فإن إسلامه نفسه مشكوك فيه، فالأغلب أنه من الخوارج، وواصلت الكاتبة قولها أنها كانت تتجنب أن تقرأ له أي شيء كموقف فكري ومبدئي يشينها أن تتخلى عنه.. إذ كيف يمكن لمثقفة مستنيرة مثلها أن تقرأ لأولئك الإرهابيين الأشرار..  وواصلت النحيب مرة أخرى.. فسألتها في وجوم عما جعلها تغير موقفها..  و أجابتني أنها اطلعت بالصدفة على عدد من "المختار الإسلامي".. ودفعها الفضول إلى تصفح العدد ..  وكنت أستشهد فيه بقول من أقوال سيد قطب في كتابه "معالم على الطريق".. أعجبها القول .. وكانت ميالة إلى تكذيبي.. لأن هذا الإرهابي الخطير لا يمكن أن يكتب بكل هذه القوة والحكمة والشاعرية.. هرعت إلى الكتاب و قرأته في ليلة واحدة.. ثم هرعت إلى الظلال .. وبدأت تقرأ فيها.. ومن لحظتها لا تكف عن البكاء.. كانت تبكي عمرا ضاع في ضلال .. وعقل تاه أو تُوِّه.. وفكر ضل بل أُضل.. وحقائق زيفت.. ووقائع أُلّفت.. وصدق أهدر.. وكذب انتشر وساد.. وكانت تبكي رعبا وهي تقول: لي لضياعي لو لم يتغمدني الله برحمته.. يا لهلاكي لو لم أقرأ ما قرأت فأعي و أفهم.. يا لمصيبتي لو لقيت الله بما كنت عليه..

ثم تستدرك قائلة:

إذا كان هذا التضليل أثمر معي و أنا الإعلامية المتصلة بكافة أبواب المعرفة فماذا سيحدث للناس؟..

وتواصل النحيب..

***         

كان المسلمون هم الضحايا الرئيسيين للكذب.. فالمسلم عادة لا يكذب.. فإذا كذب أدرك أنه وقع في كبيرة من الكبائر.. فإذا قرأ لغيره أو سمع منه تصور أيضا أنه لا يكذب .. أما على الجانب الآخر فإن العلماني واليهودي والصليبي يكذبون ما دام في الكذب منفعة.. وتلك نقطة أساسية جدا أنبه إليها القراء.. وليضربوا لأنفسهم الأمثال كيفما شاءوا.. وليستعرضوا أهم و أكبر الأسماء لكتابهم المفضلين.. ثم ليعرضوهم على مقاييس الصدق والكذب .. ولتذهلهم النتيجة ما شاء لهم الذهول..

هل كان القراء يتصورون أن يكذب  شيخ أكبر هذا الكذب كله.. و أن يفتي قرينه بخروج الإخوان عن الإسلام و أن يذهب قرين آخر إلى أن المجاهدين في أفغانستان رضي الله عنهم قد مرقوا من الإسلام.. والله يعلم إن كان هذا أو ذاك قد أصدر تصريحاته تلك تحت تأثير خمر اعتاده أو مخدر أدمنه ....؟

من كان يتصور أن يكذب وزير ورئيس وزراء ورئيس وملك ونائب عام وقاض ورئيس تحرير..

من كان يتصور انهيار صرح القضاء العادي عندما أقاموا إلى جانبه صرح الظلم الاستثنائي فانهار العدل كله..

من كان يتصور أن يصل التعذيب إلى هذا المدى فيخرج المسئول الأمني الفاجر لينكره كله وهو يعلم أنه يكذب كما يعلم أن الناس يعلمون أنه يكذب.. لكن هذا الفاجر – أيا كان- لا يفكر في غضب الله على الكذب والكذابين بل يفكر في رضا سيده ومولاه عنه عندما يتقرب إليه بالكذب..

من كان يتصور أن يحدث الأمر نفسه مع التزوير ومع الاختلاس والسرقة.. و أن يحفل هذا كله بتأييد وترحيب وتستر من العلمانيين جميعا مادام الضحية هو الإسلام والضحايا هم المسلمون.

من كان يتصور أن يصيب الدنس بعض القضاة فيتصدى لهم قضاة لا يعبدون إلا الله فتأخذ الدولة صف الفجار وتطارد الأخيار..

من كان يتصور أن يسعى الحاكم إلى إفقار شعبه وتخلفه لأن ذلك هو الضمان له للاستمرار

من.. من.. من..

من.. وكيف .. ومتى.. ولماذا..

هل كان ذلك موجودا قبل عام 1952؟ وهل كان وجوده استثناء من القاعدة؟

وهل تحول بعد 1952 ليصبح هو القاعدة وما دونه استثناء؟..

من كان يتصور أن يحدث ما يحدث..؟

من بلغ به الخيال العابث الهازل أن يتصور أن ذلك الرسم الكاريكاتوري الساخر عن لص يطارد شرطيا، والشرطي يفر وعلى سيماه ملامح الرعب والفزع قد تحول إلى حقيقة تقع و إلى واقع يعاش؟..؟

من كان يتصور أن قطاعات عريضة من النخبة الفاسدة الفاجرة المنحرفة تعتبر الإخوان المسلمين : " ألعن من اليهود".. وكانوا في ذلك على درب سيدهم ومولاهم الذي استخفهم فأطاعوه.؟

من كان يتصور أن "ألعن من اليهود" هذه ستكون المرحلة الأولى.. أما المرحلة الثانية – وهي هدف المطلوب- فهي أن يكون الفلسطينيون هم : الألعن من اليهود" ثم تأتي المرحلة الثالثة التي وصل إليها الحكام والعلمانيون المجرمون جميعا.. وفي هذه المرحلة يبقى أفعل التفضيل" ألعن" مقرنا بالإخوان وبالفلسطينيين لكته ينفصل عن اليهود.. بمعنى أن تظل اللعنة قرينة للإخوان وللفلسطينيين وللمسلمين وللعرب أما اليهود والصليبون فهم رمز الرقة والحضارة والفكر والعبقرية.. أي أنهم باختصار شعب الله المختار.. واختر ما شئت من الأوصاف العلمانية الأولي أو الوصف التوراتي الأخير.

ولم تكن اللعنة التي أطلقت على الإخوان وعلى الفلسطينيين إلا الخطوة الأولي لتبرير سلب حقوقهما..

انظر كيف يعامل اليهود وكيف يعامل الفلسطينيون في كافة أرجاء عالمنا الإسلامي؟..

انظر كيف يعاملون على الحدود وفي الجمارك وفي المحافل وفي الإقامة..

من كان يتصور أن تبلغ الوقاحة والإجرام هذا المبلغ..

من كان يتصور أن يبلغ الكذب هذا المدى كله.. و أن يسيطر التزوير هذه السيطرة كلها..؟

من كان يتصور أن تبلغ الاستهانة بالأمة بل بالدين إلى هذا الحد..؟

من كان يتصور أن يبلغ بنا الهوان أمام أعدائنا أن يتحول حكامنا إلى نخاسين وسماسرة يوردون إلى إسرائيل شرف المسلمين وكرامة العرب..و أرض فلسطين.. وعرض المسلمين؟

 من كان يتصور أن تحمي جيوشنا حدود إسرائيل.. و أن تنكل أجهزة أمننا بمن يطوف بخياله – مجرد أن يطوف بخياله- أن يحيي شرع الله بالجهاد في سبيله؟

من كان يتصور أن يفخر الفجار بالحياد بين اليهود والفلسطينيين..؟ وحتى في هذه فهم كاذبون.. لأنهم ليسوا على الحياد أبدا..

من كان يتصور أن ينتهي بنا المآل وشارون صديقا وبوش وليا و أسامة بن لادن رضي الله عنه عدوا؟

تخبرنا زينب الغزالي  عن وجه من أوجه الإجابة عن السؤال:

" حتى رجال القانون والقضاء الذين روى التاريخ نزاهتهم في كل عصر وكانت شجاعتهم في الحق مضرب الأمثال ، رأينا بعضهم في السجن الحربي مسخا مشوها وباطلا مزورا ، يكذبون في شجاعة ويخافون الباطل ويدافعون عنه بجرأة . يهددون المتهم إذا لم يوقع على ما يسجلونه ويقر بكل ما يكتبونه ، بالعودة إلى مكاتب التحقيق بالسجن الحربي!"..

***         

لست شغوفا بجلد وعيكم يا قراء، و لا أنا شغوف بتعذيب نفسي ، فيعلم الله كم أتألم إذ أكتب لكم عن جحيم جوانتانامو أو جحيم طرة، لكنني أمسك بالخيط، و أصل إلى النتيجة، فأحاول أن أشركم معي في استخلاص البراهين كي لا تكون لكم أمام الله حجة!!

لست شغوفا بتعذيبكم، لكنني أرى الحقيقة أمامي الآن باهرة كالشمس جلية كنور الصبح، لقد كان الدور الرئيسي لحركة 23 يوليو، هو تحويل الصراع من صراع ما بين مستعمِر ومستعمَر، يغذوه أن هذا مسلم وذلك غير مسلم، إلى صراع بين الأمة نفسها، ومن هنا كانت الخيانة العظمي، ففي الصراع الأول، كان لابد للأمة أن تنتصر مهما طال بها المدى، خاصة عندما تتراكم مقومات النصر، أما في الحالة الثانية فالأمة تتفتت وتتضعضع وتتلاشى.

ومن هنا كان اهتمامي بالتفاصيل..

لن أقول لكم يا قراء ما قاله رئيس حزب الاستقلال المغربي علال الفاسي و شاركه في قوله مالك بن نبي بعد هزيمة 67 المذلة التي ما نزال نتجرع علقمها  وذلها من أن الله لم يكن لينصر الأمة في حرب يقودها قاتل سيد قطب، لست أريد تكرار ذلك رغم إيماني به، لكن ما أريد التركيز عليه، هو أن الكلاب الشرسة المسعورة التي مارست التعذيب ضد الأمة وفي قلب القلب منها الإخوان المسلمين لم تكن إلا جزءا من الثورة تحمل خصائصها، والكلاب المسعورة التي حاكمتهم كانت وجها للثورة، والكلاب المسعورة التي أطلقت الفتاوى ضدهم كانت وجها ثانيا، والكلاب المسعورة التي ألفت وكتبت و نشرت وكذبت وشوهت كانت وجها ثالثا، والنخبة أيضا مهما بدا براءتها من دم المعذبين لم تكن إلا كلابا مسعورة رأت ذلك الإجرام فلم تعترض فكان عليها جرمه. 

الأمة كلها شاركت في الجريمة، والأمة كلها الآن تعاني عواقب – وعقاب- ارتكابها للجريمة سواء بالمشاركة فيها أو بالصمت عنها.

ما أريد أن أقوله، أن هذه البلاد الظالم أهلها تستحق الآن ما يحدث لها، و أنها لكي تغير مسار الهزائم والمصائب والنكسات عليها أن تغير ما بنفسها.

ما أريد أن أقوله هو أن أنبه أنني لا أكتب تاريخا، كما أنني لا أدافع عن الإخوان المسلمين، لكنني أرصد علامات في الطريق و أدافع عن الإسلام والمسلمين..

ما أريد أن أقوله أن المنهج الشيطاني المجرم، منهج الكذب والتضليل والتسطيح  الذي مورس مع الإخوان المسلمين هو ذات المنهج المجرم الذي استعمل في إعداد البلاد للحرب.

كانت الثورة ضد الوعي.. ضد الصدق.. ضد الأمانة والإخلاص..

ولم تكن ضد الوعي الديني فقط.. كانت ضد الوعي كله..

يعترف الفريق أول محمد فوزي في كتابه: " حرب الثلاث سنوات- دار المستقبل العربي" فيقول: 

"المجند خريج الجامعة والمعاهد العليا هو أفضل بكثير من المجند الأمي المسلحة في عصرنا الحالي ، الذي تميز باستخدام الأسلحة والمعدات المتطورة وأصبحت القدرة العقلية هي المفضلة على باقي القدرات . وكانت القيادة العسكرية قبل عام 1967 لا تهتم ولا ترغب في انضمام حملة المؤهلات العليا لصفوف القوات المسلحة 0وكان عدم قبولهم يأتي دائما تحت عبارة "لم يصبه الدور" أو غير لائق طبيا. وكانت اللائحة الطبية التي تطبق عليهم تحجب شرف التحاقهم بالجندية،  وكان عدد المقبولين منهم لا يتجاوز الـ7% من عدد المرشحين . وكانت دعوى عدم قبول المؤهلات العليا تلصق دائما بدعاوى الأمن".

كانت الثورة ضد الوعي حتى على المستوى العسكري!!

فالوعي يكشف الأكاذيب ويمحق التضليل..

يقول محمد فوزي في نفس المذكرات أن منع نشر تفاصيل و أسباب الهزيمة العسكرية عام 1956، بينما كان العدو-المنتصر!!- يعمل بجدية في التجهيز لمعركة جديدة، معركة 67، والتي كررنا فيها نفس أخطاء معركة 1967، فكانت الهزيمة..

هذه هي أقوال الناصري المتعصب وليست أقوالي أنا!!

***         

كانت الثورة ضد الوعي كله..

فما بالك إن كان هذا الوعي متعلقا بالخالق ..بالله جل جلاله.. 

وما بالك إذا كان حامل لواء هذا الوعي شهيد بحجم سيد قطب.

ورغم هذا فقد كان طوفان الكذب الهادر هائلا حتى لم تبق حقيقة لم تشوه..

***         

يصيبني الرعب يا قراء من حجم الابتلاء.. يصيبني الرعب..

يصيبني الرعب من : "  إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ( القصص56).. يصيبني الرعب..

يصيبني الرعب من :" وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (آل عمران 86) .. يصيبني الرعب..

يصيبني الرعب من يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (إبراهيم 27).. يصيبني الرعب ..

لا أنوي الاعتذار لأحد.. أو على الأحرى لا أجرؤ..

لكنني فقط سأحاول التنبيه إلى علامات الطريق منبها القارئ، أن ما حدث في أبي غريب ، وما حدث في جوانتانامو هي فصول في نفس الرواية، التي تشكل فصولا مبكرة من فصولها، فصل "تمثيلية المنشية"، وفصل "مذبحة طرة"، وفصل  "أخدود قضية "1965.. وكلها فصول في نفس الرواية أو الملحمة إن شئت.

اقرأ ما حدث عام 1965.. واقرأ ما يحدث في جوانتانامو.. واقرأ تصريحات البريطانيين المفرج عنهم حديثا من السجون المصرية في قضية حزب التحرير حيث أقسموا أنهم سيفضحون أمام العالم التعذيب الهمجي الوحشي في السجون المصرية و التي لا تختلف عما يحدث في جوانتانامو و أبي غريب..

اقرأ ما يحدث في محاكمات قادة البعث في العراق.. لفقوا التهم .. و أرغموا الشهود على التوقيع بما لم يحدث .. وعذبوا المتهمين، ومناصبهم رفيعة، بل وهتكوا أعراضهم.

أقول:

لو أن الأمة تصدت لما حدث أعوام 1947 و 1948 و 1954 و 1965 لما حدث ما حدث بعد ذلك ولما كنا في الوضع الكارثي الذي نجد أنفسنا فيه الآن..

نعم.. كانت قضية 1965 أخدودا آخر.. اندفع فيه سيد قطب و تلاميذه إلى النار مدركين أنها النار، لكنهم اقتحموها إيمانا وتضحية وفداء لكي تعلو كلمة الله.

اقتحموها كي تظل قضية الإسلام حية إلى أبد الآبدين..

***         

لكن من حق القارئ المضلل والمغيب وعيه والمزيفة وسائل إعلامه  أن يتساءل هل كان سيد قطب صاحب أخدود آخر ، أو الحسين بن علي مرة ثانية، على رأس جيش المؤمنين، وكان يحارب طاغوتا مجرما باع الآخرة وخسر الدنيا من أجل شهوة السلطة، أم كان سيد قطب – كما نبحت الكلاب المأجورة وعوت الذئاب المسعورة- رجعيا ظلاميا ألقى تهمة الكفر على المسلمين دون حق فباء هو بها؟!..

هل كان سيد قطب خائنا وكان عبد الناصر هو الأمين؟

هل كان جمال عبد الناصر بطل الوحدة العربية؟ وبطل القضاء على الاستعمار؟ وبطل التصنيع؟ وبطل المواجهة؟ أم كان على العكس من كل ذلك تماما.

من خان ومن كذب ومن هان ومن شرّف ومن شان..؟

من الذي كذب؟ ومن الذي زور ؟ ومن الذي قلب الحقائق؟ ومن هو الإرهابي حقا؟ ( ونحن هنا نستعمل كلمة الإرهابي بمفهومها الشائع وليس بالمفهوم الإسلامي)..

لنخرج من ثنائية الإخوان والثورة لنأتي بشاهد من الدائرة الأولى حول عبد الناصر..

***         

سوف نترك واحدا من المقربين من عبد الناصر يروي لنا كيف سحقته الآلة الإعلامية الجبارة التي وقودها الناس ومحركها الكذب وضحيتها الحقيقة.

لنستمع إلى اللواء عبد الحميد الدغيدي – كما ينقلها لنا الدكتور محمد الجوادي في العديد من كتبه التي تشكل مرجعا رئيسيا في هذه الدراسة ومنها: "الطريق إلى النكسة" و " في أعقاب النكسة" عن دار الخيال.. لنستمع إليه كيف طوته الآلة الإعلامية الضخمة بالكذب الذي صدقه عنه أقرب الناس إليه: أمه و أبوه.

كان اللواء الدغيدي واحدا ممن حذروا بشدة من الهزيمة عام 67، وبعد الحرب أحيل للمحاكمة العسكرية بتهم تتعلق بالمسئولية عن النكسة، ولكن المحكمة العسكرية – رغم الضغوط عليها ورغم المظاهرات الشعبية و أجواء النكسة – قضت ببراءته ، ليس بسبب عدم كفاية الأدلة، بل لسبب آخر لم أسمع به في حياتي قبل ذلك، وهذا السبب هو: "انتفاء التهمة"!، ويرفض القائد العسكري التصديق على الحكم، لأن الحكم بهذا المنطق والمنطوق يعد إهانة أو اتهاما لصاحب قرار الإحالة، وهو هنا وزير الحربية وعبد الناصر نفسه، ويحيله القائد إلى محكمة عسكرية أخرى، وكان الاتجاه الرسمي قاطعا بالرغبة في صدور حكم بالإدانة، لكن المحكمة الثانية تقضي بذات الحكم وذات المنطوق المهين للآمر بالإحالة: "البراءة لانتفاء التهمة"!..

ثبت إذن بالدليل القاطع والبرهان الساطع عدم مسئولية اللواء الدغيدي عن أي تقصير في الهزيمة، وهي شهادة لا يملك مثلها – لا حقا ولا مجازا- جمال عبد الناصر نفسه، وكان ينبغي تأسيسا على هذا الحكم البحث عن المجرم الحقيقي الذي لا يمكن نفي التهمة عنه، لكن ذلك لم يحدث، على العكس، بل على الرغم منه لم تغير الآلة الإعلامية الجبارة موقفها من اللواء الدغيدي، كان المطلوب ذبحه ككبش فداء  حتى ولو ذبحت الحقيقة معه، وكان المطلوب اتخاذه شيطانا يرجم، كي لا يفكر أحد في رجم الشيطان الحقيقي.

فلننقل عن اللواء الدغيدي ما فعلته به الآلة الإعلامية الجبارة الكاذبة، الآلة الإعلامية التي حولت الجناة إلى أبطال والأبطال إلى جناة، تماما كما حدث في قضية الإخوان المسلمين.. يقول اللواء الدغيدي:

"اختار جمال عبد الناصر وهو المسئول عن النكسة ثلاثة ليكونوا آلة في يده يحركها كما تشاء إرادته لإخلاء مسئوليته ومن ثم مسئوليتهم عن الهزيمة بتزوير التاريخ وبتزوير الحق وتعمية الشعب عما حدث . . في يده أطراف المشانق . . وعلى رقاب الثلاثة تلتف خياتها يشد حبل المشنقة إن حاد أحدهم عن هدفه ويشد الأطراف الثلاثة إن شذوا عن إرادته. فزوروا ما حدث وقلبوا الأوضاع رأسا على عقب فأصبحوا كالعرائس والدمى تحركهم خيوط البغي والهوى".

 نعم.. هذا ما فعلته الثورة في كل قضاياها: تزوير التاريخ وتزوير الحق وقلب الحقائق وتعمية الشعب عما حدث.

وكان النجاح في هذه السياسة مذهلا..

يواصل اللواء الدغيدي:

" رُجمت مرارا  في الشوارع وأهنت إلى أدنى وأبذأ حد أينما تواجدت في أي مكان بألفاظ فاحشة وإيماءات مخزية قبيحة » ورجم بيتي بالطوب والحجارة ء وطورد أبنائي وكانوا أطفالا(...) وطردوا من المدارس ، كما أهين أقاربي وكل من يحمل لقب " الدغيدي" أبلغ إهانة، ونبه المخلصون والمحبون على الأبناء والإخوة والأقارب ألا يستعملوا لقب " الدغيدي" خوفا من الاعتداء عليهم، ومازالت الهزيمة حتى الآن تطاردني (...)  وكم من بيوت تحطمت وخربت، وزوجات طيارين انفصلن وتطلقن، أما عن الغدر والتخطيط الوضيع لقلب الحقائق والإفك  فأضرب مما اتخذ معي مثلا "..

أذكر القارئ أن هذا كله كان يحدث رغم تبرئة المحكمة

ولنترك اللواء الدغيدي يطرح علينا بعض آثار الكذب وقلب الحقائق  رغم براءته بانتفاء التهمة: 

كان يزور صديقه وجيه أباظة محافظ البحيرة في ذلك الحين ، وكان  أول من  قابله هناك الطفل "عزيز أباظة"  وكان عمره خمس سنوات،  واجهه بعد أن شارك الإعلام الجبار في غسيل مخه الطفل:

- أنت جبان ياعمو. . لأنك هربت..

بل إن ابن أخ الدغيدي نفسه - وكان أيضا في الخامسة، وكان ينظر قبل ذلك إلى عمه كبطل ومثل أعلى  -  يصرخ في وجهه:

- ياعمو أنت هربت وعرّيتنا..

ويواصل اللواء الدغيدي قوله:

 - حتى أبى وأمي - رحمهما الله - كانا ينظران إلى بعطف الأبوة والأمومة ولكن في النظرات وفى الحركات أنهما يكنان لي الاحتقار.

***         

إنني أريد هنا أن أشير في ذهول إلى بطش جهاز إعلامي يستطيع أن يقلب عليك حتى  أقرب الناس إليك: أمك و أباك..

أكتبها في ذهول..

و أحسها في رعب..

لكنها رغم الذهول والرعب كانت كبلسم داوى جرحا لم يكن قد اندمل منذ أن وعيت بوجوده..

نعم..

لطالما كواني الجرح، أنني كنت واحدا ممن انخدعوا جزئيا بالثورة، لا على سبيل المباركة والتأييد بل على سبيل الاعتذار والتبرير، وعندما من الله علىّ فتكشفت أمامي الحقائق لم أسامح نفسي أبدا، بل لقد تضاعف رعبي، فذلك أمر قد كشفه الله لي فأدركت مدي خطيئتي وجرمي، وكان الوقت متاحا أمامي لكي أكفر عن ذنبي و أبرأ إلى الله منه ملتمسا المغفرة لائذا بأبواب الرحمة، هذا ذنب انكشف لي فماذا عن ذنوب لم تنكشف وكيف أواجه الله بها يوم القيامة ولم أكفر عنها ولم أبرأ إلى الله منها.

ظللت لا أسامح نفسي أبدا، حتى شفى نفسي و أبرأ سقمها اكتشافي أن اللواء الدغيدي لم يسلم من إدانة أمه و أبيه، وزوجته وبنيه، وفصيلته التي تؤويه..

عندما قرأت هذا التمست المعاذير لنفسي راجيا أن يغفر لي الله.

إن هذه الشذرات من مذكرات اللواء الدغيدي لا تغني أبدا عن قراءة المذكرات كاملة، ففيها نكتشف ماذا كان يحدث على المستوى العسكري، وعلى مستوى الإعداد للحرب. كانت إسرائيل تخطط لحربنا.. وكان قوادنا يخططون لحرب الإخوان المسلمين، أو على الأحرى المسلمين. يتناول اللواء الدغيدي في مذكراته أخطاء تصل فداحتها إلى حد أنه لم يجد تفسيرا لها إلا تفسير الخيانة العظمى، كما يكشف التقصير المذهل للإعداد للحرب، وللتسليح ، وللتخطيط، وللتعبئة، ولم يكتف اللواء الدغيدي باعتراض صامت، بل واجه عبد الناصر شخصيا بذلك قبل الحرب، فحملها له عبد الناصر و أسرها في نفسه لينتقم منه بعد الهزيمة إذ كيف يتسنى لضابط مهما كان كبيرا أن يتوقع ما لم يحط به علم الفرعون.

و أنا أقرأ مذكرات  القادة العسكريين قبل وبعد النكسة  كنت أسأل نفسي مذهولا : كيف غفلت عن كل هذا؟ كيف غفلت الأمة؟ كيف شاركت النخبة العلمانية المجرمة في التعتيم والتضليل؟ كيف تم التعتيم مثلا على حجم المعركة التي كانت تدور في اليمن، وعلى صراخ القادة وتوسلاتهم لإنهائها لأنها تدمر الجيش أفرادا وعقيدة وتدريبا ومهمات، كيف تم إخفاء حقيقة أن عدد قتلى – قتلى وليس شهداء- الجيش المصري في حرب اليمن أكثر من ضعف ضحايانا في هزيمة 1967..

نعم..

كم من القراء يعلم أن الجيش المصري فقد في اليمن أربعة وعشرين ألف قتيل، و أن الشعب اليمني فقد أكثر من مائة ألف قتيل، و أن مشاهد القتل في اليمن لم تكن تختلف عما نشاهده الآن في العراق، حيث كان الأسطول المصري ينسف قرى بكاملها، في رمضان، ساعة الإفطار.

كانت القوة الرئيسية الضاربة للجيش في اليمن.. 

وكنا نستدرج أو نغامر أو نخون فلا نتجنب حربا أخرى مع إسرائيل..

أمريكا بكل جبروتها وقوتها تتجنب خوض معركتين في وقت واحد..

نابليون وهتلر كسرهما خوض المعركة في جبهتين..

أما ثورتنا المباركة وضباطنا الأحرار (!!) فلم يكونوا يأبهون لمثل هذه البديهيات العسكرية..

دخلت الثورة الحرب مع إسرائيل وقلب الجيش مرتهن في اليمن و أسلحته معطلة هناك.. وما زلت أذكر كيف أن محمد حسنين هيكل كتب أيامها – مطمئنا الناس- أن الاقتصاد المصري لن يتحمل شيئا من تبعات حرب اليمن، لأن الاتحاد السوفيتي تعهد بتحمل النفقات جميعا وتعويض الخسائر كلها.

دائما ستوجد قوة عظمى تتحمل النفقات ما دام القتلى مسلمين..

الوضع الآن لا يختلف..

وهو قبل الآن لم يكن يختلف..

لقد ظللت دائما أرفض فكرة الخيانة كتفسير لما حدث مع الإخوان المسلمين وفي هزيمة 67، رفضتها حتى بعد أن قال بها بعض ضباط الثورة، لكن رفضي الآن يتقلقل، ويقيني من استبعاد الخيانة يتزلزل

المؤلم والمرعب أن مذكرات اللواء الدغيدي كانت مما قاطعته عقودا من الزمن.. كما قاطعت مذكرات كل من ظننتهم أسباب النكسة أو من يحيطون بهم.. وكان خطأ فادحا. لا أبرئ أحدا ولكنني فقط أقول أن الآلة الإعلامية الجبارة كاذبة ومجرمة و أنها قلبت الحقائق وزورت التاريخ، وهذا ما لن أمل أبدا من تنبيه القراء إليه..

معظم ما قرأوه وما يقرءونه كذب..

جل ما سمعوه بل وما شاهدوه كذب..

تم الانتقاء لتزييف الوعي وتزوير اقتناعات وهدم أخرى..

نعم..

الحقيقة والصدق والشرف كانت ضحايا 

 وكان على رأس ضحايا الكذب والتشهير : الإخوان المسلمون..

***          

ثمة تساؤل هنا لابد أن يضاف..

قلت أن الخيانة لم تعد مستبعدة كما كانت..

لكن ثمة تساؤل آخر لابد أن يضاف..

فعندما نتقدم في الزمن من أعوام 65-67 إلى أعوام 81-82 سوف نواجه ادعاءات البعض  أنه كانت هناك فكرة لتخفيف حكم الإعدام عن الشهيد – إن شاء الله- خالد الإسلامبولي، لكن إسرائيل كانت تشترط إعدامه للانسحاب من سيناء، و أن السلطة قدمت الشهيد قربانا إلى الغرب. قربانا إلى الغرب لضمان الانسحاب من سيناء، فهل كان ما حدث عامي 1965 و 1966 شيئا مثل ذلك. لقد قدمت الثورة خميس والبقري عام 1952 كقربان للغرب وكدليل على أن الثورة ليست شيوعية، ثم قدمت الإخوان قربانا عام 1954 لضمان الاستقرار في الحكم. كان الثمن هو رأس الإخوان والتعهد بحل مع إسرائيل. عام 65 كان أيضا خروج مصر من حلبة التسابق النووي مع إسرائيل، فهل كان ذلك قربانا آخر؟ ثم البطشة الثانية بالإخوان عامي 65 و إعدام الشهيد سيد قطب عام 1966.

هل كان ذلك قربانا وميثاقا من جمال عبد الناصر أنه ماض على عهده مع الغرب.. كأنما يقول: لقد أوفيت لكم بعهدي في القضاء على الإخوان، وها أنذا أجدد لكم العهد بإعادة القضاء عليهم، هل كان جمال عبد الناصر مطمئنا أنه وقد جدد العهد فلن يخون الغرب العهد معه؟ وهل جاءت الخيانة الكبرى في تفاصيل هزيمة 67 نفسها أم جاءت من الخارج؟ بمعنى التساؤل هل كان هناك من داخل كواليس الجيش أو السياسة ( الكلام  مثلا عن السادات وعن بعض العسكريين كثير) أم كانت الخيانة من الاتجاه العكسي. من الغرب. كان ما تصوروه أن البطشة الكبرى بالإخوان قد قضت عليهم، و أنه لن تقوم لهم بعدها قائمة، و أنه والأمر كذلك، فلم تعد بهم إلى جمال عبد الناصر من حاجة، لذلك فقد قرروا القضاء عليه عام 67.

نفس الأمر يحدث دائما لكن الطواغيت لا يتعظون أبدا..

نفس الأمر حدث قيل ذلك وبعد ذلك.. وعندما تنتهي الحاجة للطاغوت الأحمق يلفظ كنواة لم يعد لها وظيفة ولا حاجة أو بذرة لم يعد لها قيمة أو فضلات لا تحمل إلا السموم فلا مناص من التخلص منها. 

فد يندهش القارئ من قولي أن جمال عبد الناصر قد قايض بالإخوان وقدمهم قربانا إلى الغرب..

لكن هذه الدهشة ربما تضمحل عندما يقرأ في مذكرات واحد من المقربين إلى عبد الناصر، وهو الفريق مدكور أبو العز، والذي استعان به عبد الناصر بعد الهزيمة قائدا للطيران.. يقول مدكور أبو العز:

" .. ثم يطلب منى الرئيس في إصرار إحالة عشرة من خيرة الطيارين ذوى الخبرة الطويلة الممتازة على الطائرات المقاتلة والمقاتلة القاذفة إلى المعاش  لأن أقاربهم ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين ليس غير،  فتملكتني دهشة عارمة وقلت في ضجر: كيف ذلك يا سيادة الرئيس ؟ ! شيء من هذا لا يمكن أن يحصل وكيف لي أن أعيد بناء القوات الجوية من جديد وأجنحتي تقطع هكذا !. وأضفت أن هؤلاء يتولون قيادة الأسراب المقاتلة والمقاتلة القاذفة، وهم يقومون بتدريب الطيارين الجدد على فنون القتال،  لقد كلف الواحد  منهم الدولة حوالي ثلاثين مليون من الجنيهات أي أنهم كلفوا الدولة حوالي ثلاثمائة مليون من الجنيهات . إنني لا أستطيع أن أفرط في أحد منهم لمجرد أنهم ينتسبون بالقرابة إلى بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ".

 لقد رجوته في إلحاح ألا يفعل ذلك ء فرد على الرئيس :

ولو. . . أنت لا تعرف الإخوان المسلمين . . دول ألعن من اليهود!.

يا إلهي.. يا إلهي..

ولو. . . أنت لا تعرف الإخوان المسلمين . . دول ألعن من اليهود!.

***          

هل يستطيع القارئ بعد أن طالع قصاصات من الحقيقة  أن يفصل بين البطش بالإخوان المسلمين وما بين النكسة.

في هذا الصدد لابد أن نؤكد أن الهزيمة عام 1967 و إن كانت منطقية ومعبرة عن محصلة الفكر العسكري ونوع السلاح والتدريب، إلا أن حجمها هو الذي كان مفاجئا، حتى أن الوزير أحمد طعيمة، وهو من المقربين إلى جمال عبد الناصر يقول أنه لم يحدث في التاريخ أن فر جيش بهذا الحجم بهذه الطريقة.

المذهل أيضا هو حجم النذر التي توفرت، والتي كان يمكن أن تجنبنا ولو جزءا من الكارثة، بل ويروى عن بعض القادة العسكريين – منهم الفريق عبد المنعم رياض- أننا لو تنبهنا إلى هذه النذر في الوقت المناسب لتغير وجه التاريخ.  إن ملفات التحقيقات في الهزيمة والتي لم يشأ أحد أن يكشفها أو يسلط الضوء عليها تظهر على سبيل المثال أن هناك جهة أجنبية حذرت عبد الناصر فعلا من أن إسرائيل ستهاجم صباح الخامس من يونية، أما الإنذار الثاني فقد كان من ضابط المخابرات المقدم إبراهيم سلامة، والذي أكد من موقعه في نقطة متقدمة من العريش وفي مساء الرابع من يونية أن الهجوم الإسرائيلي سيبدأ في الصباح، وفي صباح الخامس من يونية أرسل عبد المنعم رياض إشارة التحذير المتفق عليها بانطلاق الطيران الإسرائيلي للهجوم، ولم تصل الإشارة، كان مركز الاستقبال مغلقا، وكانت الشفرة قد تغيرت، وتمت مجازاة المتسبب، رقيب أول وعسكري!!..  أما الكارثة الكبرى، والتي لم يتحدث عنها فيما أعلم أحد فهو أن الحرب عام 67 لم تبدأ بضربة الطيران، بل بدأت بالحرب البرية حيث أتمت إسرائيل احتلال "أم بسيس " داخل الحدود المصرية  الساعة السابعة والربع من صباح الخامس من يونية، أي قبل الضربة الجوية بأكثر من ساعة، ويرى بعض الخبراء العسكريين أن انعدام رد الفعل من جانب المصريين، وعدم ظهور الطيران المصري بعد بداية الهجوم البري، هو الذي شجع إسرائيل على ضربتها الكبرى، ضربة الطيران. ويرجح بعض هؤلاء القادة أنه لو استجاب الطيران المصري فلربما ألغت إسرائيل الضربة كلها.

***

قد يتساءل القارئ لماذا يهرب منا الكاتب، ولماذا جرفه التيار فانزلق من أحداث عام 1965 و 1966 إلى الهزيمة المروعة المذلة المهينة عام 1967.. وعلى هذا القارئ- أخي في الله-  أرد أنه لا يجوز الفصل أبدا، بل علينا أن نتحدث عن أحداث 1965 و 1966 و 1967 كأحداث وثيقة الاتصال ببعضها البعض يربط بينها ما يربط النتيجة بالسبب. فالمنطق الذي لفق القضايا ونكل و عذب وحكم بالإعدام هو بذاته المنطق الذي أدى للهزيمة والخراب، هذا من هذا وذاك من ذاك، ولا انفصام.  وهذا ما سوف نعود إليه كثيرا في الصفحات والفصول التالية. ولكن علينا أن نتخلى عن كثير من معلوماتنا السابقة، فقد كانت كذبا في كذب، كان التزوير هو الأساس، وكان الباطل هو القاعدة.

لقد تعرض سيد قطب للآلة الإعلامية الهائلة الباطشة الجبارة، حتى أن البعض يرى – خاطئا- أن سيد قطب فوجئ بما واجهه رجال الثورة به، كان الرجل في حياته السابقة على الثورة – أو العورة كما سماها اللواء محمد نجيب-  يواجه أقطاب الفلسفة والنقد والفكر والأدب والتفسير، وكان يواجههم في معارك طاحنة سلاحها القلم وميدانها الفكر، ولكن هذا المفكر العملاق فوجئ – كما يزعم أصحاب هذه الفكرة-  بقوانين الصراع تتغير، و بأن من في مواجهته لم يعد مفكرا عملاقا، بل جلادا وقاطع طريق. جلادا يجادله بالسوط لا بالقلم، وبالمشنقة لا بالفكر. و أنه، أقصد الطاغوت، وهو يقتل الشهيد، كان يقتل الأمة، بنفس المنهج وبنفس الفكر.

نعم..

كان الكذب نفس الكذب..

وكان الكفر ملة واحدة..

كنا نستطيع أن نكتشف حقيقة مواقف الإخوان المسلمين من خلال ما حدث لقيادات الجيش التي حمّلوها زورا مسئولية الهزيمة..

كما أننا يمكن أن نفهم حقيقة ما حدث في السجن الحربي من خلال ما يحدث في جوانتانامو و أبي غريب..

نفس الهدف

ولو لم يكن يوجد من دليل سوى تشابه وسائل التعذيب لكان ذلك كافيا لنسبة أبناء الحرام إلى نفس الأب الداعر.. كان العرب القدماء يفعلون ذلك وكانوا يثبتون النسب المشتبه عن طريق القيافة.

***          

في المقال الماضي كنت أكتب عن غرفة في معتقل جوانتنامو عليها لافتة كبيرة مكتوبا عليها باللغة العربية “جهنم” . وتلك هي الغرفة التي خصصت لطالب العلم وحافظ كتاب الله “فاروق المكي”  يتجرع فيها أشد أنواع التعذيب الجسدي والنفسي مع  استهزاء بالإسلام بل بالقرآن، فمرة يوضع تحت رجل المحقق، وأخرى يرمى على الأرض.. 

لم تتفرد أمريكا بذلك، بل لقد سبقناها.. فمنذ أربعين عاما كان المصحف في سجوننا يمزق ويداس  كانت المجاهدة زينب الغزالي تري غرفة للتعذيب وكانوا يطلقون عليها نفس الاسم: جهنم..

هل تذكرون ما رويته عما حدث لسامي الحاج  ومن أنهم قد هتكوا عرضه.. ولقد سلم عرضه بالمقاومة والاعتراض وهتك عرض كل من لم يقاوم أو يعترض .. هتكت أعراضنا نحن .. لا على سبيل المجاز بل على سبيل الحقيقة.. هتكت أعراضنا.. بداية من الشيخ عاشور وانتهاء بجوانتانامو لاظوغلي ومدينة نصر وكل وكر أمن في ربوع بلادنا

***          

فلننح الأكاذيب إذن ولنسمع شهادة حق في أحداث 1965 والتي انتهت بإعدام الشهيد سيد قطب..

لنسمع شهادة حق: شهادة المجاهدة زينب الغزالي ( من كتابها الهام: أيام من حياتي، باختصار وتصرف- )..

تلخص  زينب الغزالي ما حدث قبل عام 1965 فتقول:

ومرت الأيام وجاءت أحداث 1954 ونكباتها ومخازيها التي أسقطت القناع عن وجه جمال عبد الناصر لتظهر عداءه للإسلام ومحاربته له في شخوص دعاته وقيادات نهضته ، وصدرت أحكام الإعدام البشعة على قمم القيادات الإسلامية : الشهيد المستشار عبد القدر عودة ، صاحب الفضيلة العالم الأزهري الورع الذي رصدت القيادة البريطانية في القنال عام 1951 عشرة آلاف جنيه لمن يأتي به حياً أو ميتاً : الشيخ محمد فرغلي الذي أُهدي للاستعمار ميتاً. حتى المجاهد الكبير الإمام حسن الهضيبي حكموا عليه بالإعدام ، ولم ينفذ ، فقد أصيب فجأة بذبحة شديدة بالقلب نقل على أثرها للمنزل وقرر الأطباء أنه لن يعيش إلا ساعات ، وهنا ظهر عبد الناصر فأصدر عنه عفواً ، متوقعاً أن يقرأ نعيه في الصحف صباح اليوم التالي . ولكن قدرة الله أحبطت كيده ، وعاش الإمام . فلكل أجل كتاب ، نعم عاش ، ليؤدي بعد ذلك خدمات للمسلمين ويقود الدعوة الإسلامية في أحلك أيام شهدتها الدعوة ، وقد أظهر قوة الصلابة في الحق وهو المريض بعدة أمراض مما أذهل الجلادين وجعلهم يقودونه إلى السجن الحربي مرة أخرى ويعذبونه بأبشع أنواع التعذيب ، ولكنه ظل متمسكاً بالحق سائراً على طريق أصحاب الدعوات إلى أن شهد هو نهاية عبد الناصر وزبانيته وهو صامد ، رافع أعلام الحق والتوحيد الذي أعتقده ، متلبس بكل حبات وجوده ، وأخذ بالعزيمة ولم يتسرب إلى نفسه ضعف أو وهن في دين الله ورفض أن يأخذ بالرخص . بل أني لأذكر له هذا الموقف الكريم الشجاع حينما أراد بعض من طالت عليهم المدة واعتراهم بعض الضعف أن يأخذوا بالرخصة ويكتبوا للطاغية مؤيدين وملتمسين العفو منه ، وسألوا الإمام حسن الهضيبي أن يأذن لهم في ذلك فقال قولته المشهورة : " أنا لا أكره أحد على الأخذ بالعزيمة والوقوف معنا ، ولكني أقول لكم : إن الدعوات لم تقم يوماً بالذين يأخذون بالرخص " .

تواصل زينب الغزالي:

بعد تمثيلية المنشية و مشانق  1954 ومذبحة طرة كان الطاغوت المجرم يحاصر عائلات الشهداء والمعتقلين.. كان يحاصر ويجوع ويوقف المرتبات ويفصل من العمل ويرفض التعيين في الوظائف ويجعل من قيام أي إنسان بالتنكيل بالإخوان وعائلاتهم أمرا يستحق الإشادة والمكافأة..

كانت الضمائر تصرخ..

جملة اعتراضية: ( وكان ممن صرخت ضمائرهم الشهيد حامد قرقر.. وهو والد الدكتور محمد مورو رئيس تحرير هذه المجلة.. والذي حكم عليه بالسجن عشرة أعوام لأنه آخى إخوانه من أسر المعتقلين كما آخى الأنصار المهاجرين.. دفع لهم جزءا من راتبه..وجعله الطاغوت يدفع حياته  مقابل هذا..كان من شهداء مذبحة طرة..).

تنتحب الحروف في كلمات المجاهدة زينب الغزالي: 

كان الأطفال جياعا .. والأسر التي انعدمت مواردها تحسبهم أغنياء من التعفف..

كان الجميع من المتفرجين على ما يحدث. ولما اشتد بي الألم على ما وصلت إليه الأمور . ولم أجد لنفسي مخرجاً . ذهبت لزيارة أستاذي الجليل صاحب الفضيلة الشيخ محمد الأودن  (...)  كان يستمع إليّ في ألم شديد . وأنهيت حديثي بعرض ما فكرت في عمله في حدود إمكانياتي . وكنت أرى أنه لا يكفي أن نتألم وجراح الجوع وجراح السياط وجراح العرايا وتشرد النساء والأطفال يجرى بقسوة وشدة في دوائر حياة الدعاة والملبين والمجاهدين لتكون كلمة الله هي العليا . (...) بكي قائلاً لي : قد أصبح فرضاً حتمياً عليك أن لا تبخلي بجهد في هذا الطريق وما تقومين به اجعليه بينك وبين الله تبارك وتعالى ثم أضاف : إن المنقذ الوحيد بأمر الله للإسلام هم هؤلاء المعذبون " الإخوان المسلمون " لا أمل لنا إلا في الله ثم في إخلاصهم وما يبذلون في سبيل الدعوة . اعملي يا زينب كل ما تستطيعين عمله . 

***          

كان هذا هو أساس تنظيم 1965..

أما منهجه الإرهابي الخطير فقد كان تربية الأمة و حتمية إعداد أجيال في شخوص الشباب الذي نرجوه أساتذة في التوجيه والإعداد للأجيال المقبلة:

تقول المجاهدة زينب الغزالي:

 وكانت ليالي طيبة وأياماً خالدة ولحظات قدس مع الله ، يجتمع عشرة أو خمسة من الشباب ويقرءون عشر آيات تراجع أحكامها وأوامر السلوك فيها وكل غاياتها ومقاصدها في حياة العبد المسلم . وبعد تفهمها واستيعابها يتقرر الانتقال إلي عشر آيات أخرى إقتداء بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . 

ومرت أيام حلوة طيبة ونعمة من الله تحتوينا ونحن ندرس وندرس ونربي أنفسنا ونهيئ للدعوة رجالها بشباب اقتنع بضرورة الإعداد لقيام دعوة الحق العادل ..  قررنا فيما قررنا ـ بتعليمات من الإمام سيد قطب وبإذن الهضيبي ـ أن تستمر مدة التربية والتكوين والإعداد والغرس لعقيدة التوحيد في النفوس . والقناعة بأنه لا إسلام إلا بعودة الشريعة الإسلامية وبالحكم بكتاب الله وسنة رسوله لتصبح شريعة القرآن مهيمنة على كل حياة المسلمين ، قررنا أن يستغرق برنامجنا التربوي ثلاثة عشر عاماً ، عمر الدعوة في مكة ، (...) وكان فيما قررناه بعد تلك الدراسة الواسعة ، أنه بعد مضي ثلاثة عشر عاماً من التربية الإسلامية للشباب والشيوخ والنساء والفتيات ، نقوم بمسح شامل في الدولة فإذا وجدنا أن الحصاد من أتباع الدعوة الإسلامية المعتقدين بأن الإسلام دين ودولة ، والمقتنعين بقيام الحكم الإسلامي قد بلغ 75% من أفراد الأمة رجالاً ونساءً ، نادينا بقيام الدولة الإسلامية ، وطالبنا الدولة بقيام حكم إسلامي ، فإذا وجدنا الحصاد 25 % جددنا التربية والدراسة لمدة ثلاثة عشر عاماً أخرى وهلم جرا ، حتى نجد أن الأمة فد نضجت لتقبل الحكم بالإسلام .


وما علينا أن تنتهي ‍أجيال وتأتي أجيال ، المهم أن الإعداد مستمر ، المهم أن نظل نعمل حتى تنتهي آجالنا ثم نسلم الراية مرفوعة " بلا إله إلا الله ، محمد رسول الله " إلى الأبناء الكرام الذين يأتون من بعدنا . وكنا على اتصال بالأستاذ محمد قطب ، بإذن من المرشد العام ، كان يزورنا في بيتي بمص الجديدة ليوضح للشباب ما غمض عليهم فهمه وكان الشباب يستوضحونه ويسألونه أسئلة كثيرة يجيب عليها .

***          

كان هذا المنهج الإرهابي الخطير هو سر أسرار تنظيم 1965 الإرهاب!!

كان هذا هو المنهج الذي ما يزال ألف نابح ينبحون عليه فيقتطعون كلمة من هنا وكلمة من هناك صارخين: هذا هو الإرهاب.. على منوال: لا تقربوا الصلاة وويل للمصلين..

***          

كان هذا سر أسرار تنظيم 1965.. أما العملية الإرهابية الخطيرة لاغتيال قائد القومية العربية وزعيمها الملهم ( ولم يقولوا لنا أبدا من الذي يلهمه.. ولا من أين يجيئه الإلهام .. بل و أنكروا – على الأقل – صلة الدين بالدنيا) فقد كان أصلها نكتة أخذتها أجهزة المباحث والمخابرات على أنها مؤامرة.. نكتة قالها سيف الإسلام حسن البنا: 

"كان جمال عبد الناصر مسافرا في الطريق الصحراوي بالسيارة إلى الإسكندرية وكمن له جماعة من الجيش في سيارة جيب ليغتالوه . وفى اللحظة الأخيرة تغير نظام سفر عبد الناصر، وسافر بالقطار، والغريب في الموضوع أن السيارة الجيب هربت فلم يستطيعوا القبض عليها ولا على من فيها. "

ومن أجل هذه النكتة يضيع الوطن والأمة والدين منذ أربعين عاما.. وما يزال..!!

***

ما أريد أن أقوله، والأسى يشتعل بين جوانحي جمرا يتأجج هو أنني في نهايات العمر، أكتشف اكتشافا مذهلا، كان كفيلا بأن يزلزل كياني، لولا أن الله سبحانه وتعالى قد  منّ عليّ بنعمة لا أعلم كيف أحمده عليها، إلا أن يعينني وهو الكريم على الارتقاء إلى مرتبة الحمد، وتلك النعمة هي أنني أثق في البصيرة أكثر من ثقتي في البصر، فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ،  كما أنني  أعطي عقلي حجمه، فلا يتجاوزه، و أدرك أنه – سبحانه -  يعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسه و أنه علام الغيوب، و أدرك أنه حق، وأنه الحق،  كما أدرك أن الإسلام حق بذاته مستغن عمن سواه، حتى ولو لم يؤمن من الخليقة فرد، أو لم يظلل الإسلام من البسيطة شبر. نعم.. فالضوء موجود ولو لم يوجد في الكون شيء ينعكس عليه، والهواء موجود ليس لأن الكائنات تتنفسه بل العكس هو الصحيح. فكذلك الإسلام.. فهو ليس موجودا لأن الناس اعتنقته، بل اعتنقه الناس لأنه موجود. موجود بالتنزيل من رب العالمين.. موجود و إن أنكره كل جبار عتيد أو كل كفار عنيد يتصور بعقله المنحرف أن هذا الوجود البشري الثري المتنوع يمكن أن يوجد دون قانون إلهي ينظمه. هذا القانون هو الإسلام.

نعم .. في نهايات العمر، أكتشف اكتشافا مذهلا، أشد ما فيه مرارة، أن القتلة والخونة واللصوص والسفلة وحتى الأغبياء، يعرفونه معرفتهم للبديهيات فكأنما ولدوا معه وبه وعليه، يغذونه ويتغذون عليه،  لم يعانوا في اكتشافه ما عانيت ولا هم مكثوا من الزمن  كي يعرفوه ما مكثت..

هذا الاكتشاف المذهل، هو أن الكذب ليس أمرا عارضا في هذا العالم، ليس أمرا يتعلق بقليل من الأشرار أو حثالة من الفجار، لكنه هو الأساس..  والصدق هو الاستثناء!!. وكأنما النسبة بين الصادقين والكاذبين في هذا العالم هي ذات النسبة بين بعث أهل النار وبعث أهل الجنة يوم القيامة.. فالكاذبون: من كل ألف: تسعمائة وتسعة وتسعون.  ويترتب على هذا الاكتشاف أن الآخرين يعتمدون الكذب سلاحا رئيسيا في معركتهم ضد الإسلام، يعتمدونه كسلاح لا يمكن لمعركتهم ضد الإسلام أن تستمر يوما واحدا دون ترسانة هائلة منه.. من الأكاذيب، إذ كيف يمكن دون هذه الأكاذيب أن يفسروا كل هذا الحقد والغضب والخوف والعداء للإسلام والمسلمين، وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، لأن ذلك الإسلام  هو الوحيد القادر على أن يكفل العدل والرحمة والحق في الدنيا، كما أنه هو الضامن والكفيل بعدم انجراف التاريخ البشري إلى مرتبة تفوق في وحشيتها حيوانات الغابة وتتفوق بشرها على الشيطان ذاته. عبادة الله تعني – فوق معانيها الإيجابية- التوقف عن عبادة غير الله، عن عبادة القوة واللذة والغنى، تعني محاولة تجنب العقاب الأخروي بالصبر على مواجهة الطاغوت الدنيوي والظلم البشري، هذا الطاغوت وهذا الظلم هم سدنته ورعاته وحماته، هم الظلام والإسلام هو النور القادر على القضاء عليهم فلذلك يكرهونه وينسجون حوله الأكاذيب.

أدرك هذا على وجه العموم، و أدركه على وجه الخصوص فيما ألصق زورا وكذبا بالإسلام عبر التاريخ وبالإخوان المسلمين من تاريخ كذب. أدرك مدى شيوع هذا الكذب وخطورته فأفهم لماذا  شدد الإسلام في مسؤولية الدس والبهتان على الناس، حتى جعلها من التي لا كفارة لها، قال صلى الله عليه وسلم: {خمس ليس لهن كفارة، الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وبهت مؤمن، والفرار من الزحف، ويمين يقتطع بها مالا بغير حق} ـ الإمام أحمد عن أبي هريرة ـ بل زاد الإسلام على ذلك فصرح بأن الكذب والإيمان، لا يجتمعان في قلب إنسان أبداً. ولقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: {أيكذب المؤمن؟ فقال إنما يفتري الكذب الذي لا يؤمنون بآيات الله} ـ ابن عساكر عن أبي الدرداء ـ وقال أيضاً مهدداً ومتوعداً الدساسين المفترين {من بهت مؤمناً أو مؤمنة، أو قال فيه ما ليس فيه، أقامه الله يوم القيامة على تل من النار، حتى يقضى بين الناس} ـ ابن النجار عن علي. وعندما سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أيسرق المؤمن؟ قال نعم. أيزني المؤمن؟ قال نعم, أيكذب المؤمن؟ قال لا.

أدرك ذلك.. وقد أفهم منطقا أن يقف الكفار بكل طوائفهم من ديانات محرفة إلى مذاهب فكرية منحرفة .. لكن ما لا أفهمه أبدا أن يتورط في هذا الكذب مسلمون..

***      

لقد قلت لكم أنني لا أكتب تاريخا يا قراء، ولا أروي روايات ولا أسرد أحداثا و إنما أفعل مثلما فعل الكاتب الذي أضاء الله إن شاء الله بصيرته الأستاذ الدكتور محمد محمد حسين في مقدمة الجزء الثاني من كتابه الرائع المروع: " الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر" – مكتبة الآداب، حيث يقول: " وقد كان همي في هذا الجزء، كما كان في سابقه، أن أرسم الخطوط الكبيرة العريضة، و أوضح الاتجاهات العامة والتيارات الأساسية التي سيطرت على هذه الفترة، ولم تكن الأحداث ولا الأفراد في نظري إلا صورا من هذه الاتجاهات و أمارات تدل عليها، فحيثما جاء ذكر حادثة أو فرد في هذا الكتاب، فليست الحادثة ولا الشخص هو المقصود.." .. نعم أنا أحاول أن أفعل نفس الشئ فلا أقصد الحدث ولا الشخص  وإنما أنقب عن علامات على الطريق ترشدكم و إياي إلى إجابة عن السؤال الدامي: كيف وصلنا إلى هذا الحضيض؟ وهل كان منه مفر؟.. و أنا أزعم أنني عثرت على علامات هنا وهناك، كما أزعم أن الإجابة عن السؤال الثاني: نعم : كان هناك مفر. كان هناك مفر لو أننا صدقنا رجالا أنار الله بصيرتهم مثل الشهيد العظيم – إن شاء الله- سيد قطب الذي علم حين جهل الناس ورأى حين عموا وسمع حين صموا وفهم حين خيم عليهم الغباء، فكتب يقول في مجلة الرسالة عام 1951 :

الذين يعتقدون أن الأمريكان يمكن أن يكونوا معنا ضد الاستعمار الأوروبي هم قوم إما مغفلون أو مخادعون، يشغلون طابوراً خامساً للاستعمار المنتظر لبلاد الشرق الأوسط، إن مصالح الاستعمار الأمريكي قد تختلف أحياناً مع مصالح الاستعمار الأوروبي ،ولكن هذا ليس معناه أن يكونوا في صف استقلالنا وحريتنا .إنما معناه أن يحاولوا زحزحة أقدام الأوروبيين ليضعوا هم أقدامهم فوق رقابنا. وفي الغالب يجدون حلاً لخلافاتهم مع الاستعمار الأوروبي على حسابنا. إن الرجل الأبيض هو عدونا الأول. سواء كان في أوروبا أو كان في أمريكا..وهذا ما يجب أن نحسب لهُ حسابه. ونجعله حجر الزاوية في سياستنا الخارجية ،وفي تربيتنا القومية كذلك. ولكن الذي نفعله هو عكس هذا على خط مستقيم . . عندنا في وزارة المعارف عبيد للرجل الأبيض . . عبيد يعبدون هذا الرجل كعبادة الله .. بل إنهم ليلحدون في الله ولا يلحدون في أوروبا أو أمريكا .سراً وعلانية . . وعندنا في معاهد التربية التي تخرج المدرسين ،فتؤثر بذلك في عقلية أجيال بعد أجيال . . عندنا فتات آدمي ينظر إلى الرجل الأبيض نظرة التقديس، ويطبع مشاعر الطلبة الذين سيصبحون مدرسين بطابع الإعجاب والقداسة لأولئك المستعمرين القذرين ،الذين يحتقروننا ويهينون كرامتنا ،فنتلقى ذلك منهم بالشكر والثناء . . . وهذه جناية قومية وجناية إنسانية . .  هذا هو الاستعمار الذي بثته في أرواحنا المدرسة المصرية التي تنفذ أهداف الاستعمار إلى اللحظة الحاضرة .بل يقوم على رأسها وزير كان من عُبّاد إنجلترا ثم أضحى من عباد أمريكا ومعه معاهد تربية تتعبد أمريكا من دون الله في الأرض!!(...) إن الاستعمار لا يغلبنا اليوم بالحديد والنار ،ولكنه يغلبنا قبل كل شيء بالرجال الذين استعمرت أرواحهم وأفكارهم، يغلبنا بهذا السوس الذي تركه الاستعمار في وزارة المعارف ،وفي الصحف ،والكتب ،يغلبنا بهذه الأقلام التي تغمس في مداد الذل والهوان الروحي لتكتب عن أمجاد فرنسا، وأمجاد بريطانيا وأمجاد أمريكا.. ( نقلا عن كتاب أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب- المؤلف: الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي - دار المنارة للنشر والتوزيع جده ـ السعودية الطبعة الخامسة)..

***      

هل قرأت أيها القارئ أي عقل جبار قتلوا صاحبه فكتبوا بقتله شهادة ميلاده الثاني، وهو ميلاد يبدأ حياة جديدة للشهيد لا يستطيع الطاغوت ولا عبيده وخصيانه النيل منه فيها،  لقد منحه الطاغوت الجبار الفاجر الميتة التي منحته الخلود فلا يذوق بعدها كربات الموت أبدا، هل قرأت أيها القارئ هذه المعاني التي صاغها الشهيد منذ نيف وخمسين عاما وهي ما تزال طازجة كأنما لم تكتب بعد أو كأنها كتبت لتوها.

اقرأ أيضا فقرة سبق أن استشهدنا بها في مقال سابق لكن كم الاستبصار وبعد النظر الكائن فيها يدفعنا للاستشهاد بها مرة أخرى.. يتحدث الشهيد بإذن الله عن سيطرة رجال المخابرات الأجنبية ـ والأمريكية على وجه الخصوص ـ على الصحف والمجلات في مصر، وتوجيهها لها لتخدم مخططات أولئك الأعداء يقول :«إن الصحف المصرية ـ إلا النادر القليل ـ مؤسسات دولية، لا مصرية ولا عربية ،مؤسسات تساهم فيها أقلام المخابرات البريطانية والأمريكية والمصرية والعربية أخيراً !!مؤسسات تحرر صفحات كاملة فيها بمعرفة أقلام المخابرات هذا لتروج دعايتها في أوساط الجماهير ،مؤسسات تخدم الرأسمالية العالمية أكثر مما تخدم أوطانها وشعوبها الفقيرة ،وهذا هو السر في أن الدولة لا تفرض عليها القيود التي تفرض على الكتب .لأن وراءها أقلام المخابرات ومصالح الرأسمالية العالمية ،وهي كفيلة بأن تسندها وتذلل لها العقبات وتفسح لها الطريق ،لنشر دعايتها المستوردة في أطراف البلاد العربية جميعاً..

واقرأ أيضا أبها القارئ قوله الجامع المانع القاطع لكل قول بعده:

إن شيئاً واحداً ينقص هؤلاء الأمريكيين ـ على حين تذخر أمريكا بكل شيء ـ شيء واحد لا قيمة له عندهم ...الروح..

***      

هذا البطل المجاهد هو الذي دأب أولياء الشيطان على الكذب عليه وعلى تشويه سيرته.. وهذه هي صورته الحقيقية التي يحاول عبيد الطاغوت تلويثها بالأوحال والأوساخ الطافحة من أرواحهم الدنسة..

هذا هو البطل المجاهد الذي ما زال الكثيرون الذين قرءوا عنه يصيبهم الذهول عندما يقرأون له..

هذا هو الشهيد الذي جعلوا جلادا مجرما كحمزة البسيوني سجانه.. ومن المجرم شمس بدران آسره.. ومن الجلاد القاتل فؤاد علام شريكا في كل ما جرى للشهيد لكن الله اختصه بوصمة عار أخرى أدعو الله أن يعذبه بها يوم القيامة.. هذه الوصمة هي اصطحابه للشهيد إلى المشنقة..

إنني أرجو رئيس التحرير ألا يحذف الصفات التي قد تعتبر من السب والقذف في الجلادين.. كل الجلادين من الطاغوت الأكبر إلى من ذكرت إلى العميد سعد زغلول عبد الكريم، إلى العقيد حسن خليل إلى المقدم نور العفيفي ( محافظ جنوب سيناء بعد ذلك ) إلى الرائد جلال الدين إلى الرائد رياض إبراهيم إلى الرائد حسن كفافي إلى عبد المقصود الجنزوري إلى النقيب عاصم العتر إلى النقيب إحسان العجاتي إلى النقيب هاني إبراهيم، إلى صفوت الروبي إلى نجم الدين مشهور إلى محمد المراكبي إلى فتحي عبد الغفار غله إلى على حافظ إلى محمد خاطر إلى تقي الدين سليمان إلى سامبو إلى زغلول إلى...إلى... إلى... إلى عشرات و آلاف تحولوا إلى كينونة تبرأ من بشاعتها الكلاب والجرذان والذئاب والأفاعي والوحوش..    فكل واحد منهم ليس سوى أبي جهل.. نعم أبو جهل و أبو لهب أو أمية بن خلف لا أملك إلا أن أصرخ في مواجهته صرخة سيدنا بلال رضي الله عنه: " رأس الكفر أمية بن خلف .. لا نجوت إن نجا"..  فدعني يا رئيس التحرير – أقسمت عليك- إما أن أدفع الأمة للثأر من الجلادين والانتصاف للشهداء أو أحملها وزر الصمت عليهم كي لا تكون لهم أمام الله يوم القيامة حجة.. دعني أهرب إلى السجن من خزي الصمت على هؤلاء الوحوش..

دعني يا رئيس التحرير أرجوك أواجههم.. و إن كنت أعرف أنهم أجبن من المواجهة.. ولقد أعلنت هذا التحدي لهم مرارا طيلة الأعوام الماضية دون أن يستجيب أي واحد منهم..

***      

لن أمل أبدا من تكرار أنني لا أكتب تاريخا، كما لا أنتصف للشهيد العظيم – أحسبه كذلك – من الطاغوت الجبار – أحسبه كذلك-  ولن أكف عن التسليم الخاضع المؤمن بأنه لا أنا ولا أي واحد آخر في هذا العالم بقادر على أن يتألى على الله ليقول هذا في الجنة وهذا في النار إلا فيمن أخبرنا الله ورسوله صلوات الله وسلامه عنهم.. لكن هذا لا يسلمني إلى شلل فكري تنمحي فيه التخوم بين الصواب والخطأ وبين الحق والباطل.. ونحن لا نتكلم عن أفراد هنا وأفراد هناك.. لا نتكلم عن سيد قطب وعبد الناصر.. ولا عن الثورة والإخوان.. فالأمر ليس تناصرا عرقيا ولا تعصبا قبليا.. لكننا نتكلم عن منهج إن ضيعناه ضعنا .. ذلك أن الخلاف لم يكن أمرا تبيحه الرؤى المتعددة بل كان انحياز جزء من الأمة إلى مخططات الأعداء بصورة تكفل للعدو في النهاية هزيمة هذه الأمة.. سواء كانت الخيانة سوء فعل أدرك من يرتكبها أنه يخون أم غرته الأماني وخدعته الظنون.. وكما أنه بين الإيمان والكفر شعرة فالأمر بين الخيانة والأمانة كذلك.. كما أنني  أؤكد  أن الأمر كذلك ليس قضية  تعذيب ولا استدرار للشفقة أو استجلاب للدموع، وهي أمراض استشرت فينا بعد نيف وخمسين عاما من الإذلال والقهر وتدمير هوية الأمة، فأصبح التوسل وطلب العفو والمرحمة هي السبل إلى قلب المسئول وعقله، ونسينا الجهاد وطلب القصاص والمحاكمة، نسينا التقويم بالسيف بل وعجزنا عن التقويم بالقلم، وأصبحت مصادرة صحيفة على سبيل المثال قضية أرزاق الصحفيين لا قضية طاغوت مجرم يصادر فكرا، كما أصبحت قضية المعتقلين ليست قضية ولاة أمر مجرمين يملكون السلطة ويدوسون على القانون وينتقون من القضاء ما يبرأ منه القضاة ، فنعترف نحن لهم بكل ذلك، ونطالب بالإفراج عمن لم تصدر ضدهم أحكام، بينما نحن نعلم قبل سوانا أن ما صدر من الأحكام جله أملاه الطاغوت المجرم الجبار على قاض من قضاة النار، وقد أثمرت بذور الشيطان تلك في علاقاتنا الدولية مع المسلمين في شتى أنحاء العالم، فتحولت قضية الحبيبة السليبة فلسطين إلى قضية لاجئين وحساب مفتوح للصدقات وتصرف خسيس بمقاطعة حماس بعد أن أمرت إسرائيل طواغيتنا الأشداء علينا و الأذلاء أمام أعدائنا  بأن يقاطعوها فقاطعوها، تحولت فلسطين إلى قضية لاجئين ونسينا: "هذه أمتكم أمة واحدة".. وتحولت قضية المسلمات المغتصبات في البوسنة إلى سؤال فقهي هل يباح الإجهاض بعد الاغتصاب أم لا يباح ونسينا الثأر والعرض والأرض فأي مسوخ شائهة ذليلة خسيسة بلا قلب ولا عقل ولا ضمير ولا خلق ولا إرادة مسخ الثوار والقوميون والشيوعيون العلمانيون الكفار شعوبهم إليها..

أي مسوخ مسخونا إليها..

أي مسوخ.. فمن أجل عملية المسخ هذه كان لابد للثورات أن تقوم.. خاصة الثورات العسكرية.. كانت هي السبيل الوحيد لخداع الأمة كي تجرفها  بعيدا عن طريق الجهاد الذي شد ما يخشاه الغرب إلى الحضيض الذي صارت الآن فيه بغض النظر عن النوايا فأمرها إلى الله..

في هذا الإطار.. وفي إطاره وحده يدور حديثنا عن الشهيد العظيم وعن الإخوان المسلمين حريصين أشد الحرص على توخي الصدق.. بنفس درجة حرص أعدائنا على توخي الكذب. إلا أن الأمر ليس سهلا ولا بسيطا ولا مباشرا و إلا ما كان خلقنا الإنساني في كبد، نعم.. يتصور البعض أن تمييز الخبيث من الطيب سهل، أو أن التفرقة بين الصدق والكذب ميسورة، و أن اكتشاف تزييف الوعي والكذب على التاريخ في المتناول. 

والأمر ليس كذلك.. بل لعل هذه الصعوبة هي جوهر الابتلاء الإنساني..

الأمر ليس سهلا و إن صدقت النوايا فما بالنا إذا لم تكن النوايا صادقة.. 

ففي الواقع لا يمكن رؤية الأشياء عندما تكون قريبة جدا ودقيقة جدا أو هائلة جدا أو مكنونة داخلك. فالذرة لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وكذلك لا يمكن رؤية الكرة الأرضية كجرم سابح في الفضاء، ولا يمكن للمرء أن يرى قلبه، كذلك فإن العين ترى الأشياء لكنها لا ترى نفسها. والواقع أن الصدق هو الأصل، وهو كالإسلام، هو الفطرة التي يولد الإنسان عليها فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه، فكذلك يولد الصدق حقا أبلج أبهر، فيتولاه بعث النار حتى يهودانه أو ينصرانه ويجعلانه حداثيا علمانيا قوميا رأسماليا أو شيوعيا. فنحن لا نتحدث عن صدق وكذب مجردين.. بل نتحدث عن صدق وكذب مموّهين.. عن صدق يشوهونه حتى يبدو أنه كذب.. وكذب يجملونه حتى يبدو أنه صدق.. عن باطل يلبس ثوب الحق وحق يلبسونه ثوب الباطل.. عن خسة ترتدي ثوب الحكمة وحكمة تغيب أو تغتال.. عن نصف صدق أنكى من الكذب..إن جاز للصدق أن يتجزأ.. وهو ما لا يجوز ولا يمكن.. إذ كيف يكون رجلا نصف شريف وكيف تكون امرأة نصف عفيفة..

***      


وفي هذا الصدد يكفي أن أضرب المثل بتزوير الانتخابات والتعذيب، و أن أشير إلى أن أقصى أحلامنا في مصر الآن أن نعود بالأوضاع إلى ما كانت عليه يوم 23 يوليو 1952، وتذكروا أن أقصى أحلام القضاء الآن أن يعود مجلس القضاء الأعلى بالانتخاب كما كان قبل مذبحة القضاء عام 1969. و أقصى أحلام الجامعة والأحزاب وما يسمونه المجتمع المدني هو أن تعود البلاد إلى ما كانت عليه قبل عام 1952.

وفي هذا الصدد أيضا يكفي أن أقول أن القدرة الهائلة الفذة على إلباس الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق وامتهان الصدق وعدم الخجل من الكذب.. بل والفخر بالكذب كلها آفات تعود إلى مؤسسة الفساد والكذب.. أكبر مؤسسة في بلادنا.

في هذا الإطار يجب أن نقرأ تاريخ الأمة.. وتاريخ الثورة وتاريخ الإخوان المسلمين. ويجب أن يكون القارئ واعيا بحجم الكذب في كتابات الكتاب. أتكلم عن الكذب الفاجر لا عن الخطأ أو افتقاد المنهج العلمي أو التحليل الخاطئ والتناقض البين..

***      

يا إلهي..

لشد ما خدعونا.. لكن من جلت قدرته.. وتعالت على الأفهام حكمته.. يكشف لنا الأسرار حين يشاء.. حتى أننا نستطيع أن نفهم بعض أسرار ثورة 52 فيما يحدث الآن في العراق.. ذلك أن ما تسعى إليه أمريكا ليس مجرد الاحتلال العسكري وليس مجرد البترول وليس مجرد المحافظة على إسرائيل.. بل إنها تسعي إلى ما يكفل لها هذا كله.. ولن يكفل لها ذلك إلا تحطيم البنية الرئيسية للشعب العراقي المسلم.. وكان أقوى الأدوات في ذلك ليس محاولة سحق الإسلام الجهادي والجهاد الإسلامي فقط.. بل كان إلغاء الإسلام كعنصر رابط بين طوائف الأمة.. وبإلغاء الإسلام تنفجر العصبية القبيحة للعرق أو المذهب فتدخل الأمة في حرب أهلية ولو بغير رصاص تتواجه فيها القوى وتتعادل حتى يظل الاحتلال محتلا ولو بدون جيش..!!

أليس هذا هو الموجود في كل الدول العربية الآن و أولها مصر..

***      

أعود لأقول أن ثورة 23 يوليو لم تكن حلقة منفصلة من حلقات التاريخ، بل كانت حلقة أدت إليها حلقات قبلها ( سبعون عاما من الاحتلال بذل خلالها البريطانيون قصارى جهدهم لتكوين نخبة تخدم أغراضهم بعد الجلاء المصطنع) .. كما أن الثورة نفسها كانت حلقة أسلمتنا إلى حلقات بعدها مجللة بالخزي والعار مظللة بالهزائم.

ولم يكن الأمر سوء حظ.

منذ أكثر من مائة عام كانت انجلترا تعد لانفصال السودان عن مصر، فلماذا لا يفهم البعض أن تكون الثورة حلقة في خطة بدأت منذ مائة عام لتطرح ثمارها المرة بعد خمسين عاما أخرى.

***      

نعم مؤامرة تقسيم السودان لم تبدأ الآن.. ما يبدأ الآن هو الفصل الأخير.. أو لعلها الصفحات الأخيرة في سِفر من ألف صفحة.

لشد ما آلمني محمد حسنين هيكل في حديثه إلى صحيفة الدستور في عددها الأول لعامها الثاني- العدد 53 في 22-3-  حين تحدث عن سبة هائلة وجريمة دامية للعهد الحالي حينما تورط في إمداد جارانج بالسلاح نكاية في المسلمين في الشمال..

بدا هيكل مترفعا نبيلا يقطر حكمة وطهارة واشمئزازا من الفعل الدنس المشين الذي اقترفه النظام الحالي..

لكن الذي أخفاه هيكل أن الذي بدأ هذا الفعل الدنس الخائن المشين لم يكن العهد الحالي بل كان جمال عبد الناصر..

ولنطالع ما جاء في كتاب خطير عنوانه: " اللعبة الكبرى: المشرق العربي والأطماع الدولية - هنري لورانس- ترجمة د عبد الحكيم الأربد- إصدار الدار الجماهيرية  للنشر والتوزيع والإعلان" .. ففي  صفحة 157 يأتي بالنص:

" واستقال ( الرئيس محمد نجيب)  من رئاسة الجمهورية يوم 25فبراير .كان الجيش منقسما على نفسه. (...) وخطب عبد الناصر في المتمردين ولكنه لم يفلح في إقناعهم فاستسلم بدوره يوم 27أما نجيب فقد أعيد إلى السلطة .واستقبل الناس النبأ بمظاهرات فرح جبارة لعب فيها الإخوان المسلمون دورا كبيرا. (...) ..

وفي تلك الأثناء كان عبد الناصر يعمل على استعادة سيطرته على الجيش (...)  واستسلم نجيب (...)  وفي نوفمبر 54 نحي عن السلطة دون تعيين رئيس جديد ووضع تحت الإقامة الجبرية . (...) 

كان لكل هذا نتائج  هامة على السودان . فقد كان نجيب فيه ذا شعبية كبرى خاصة وأن له فيه أقارب أما عبد الناصر وجماعته فلم تكن لهم فيه شعبية بالمرة لذلك أدى سقوط نجيب بالسودان إلى التخلي عن الاندماج مع مصر والى اتجاه نحو الاستقلال . وحاول عبد الناصر وأنصاره لفترة إيقاف هذا التطور بل وشجعوا ثورة في جنوب السودان المسيحي الوثني ضد الشمال المسلم . وعمقت هذه العملية التعارض بين جزأي السودان وهو ما كانت له عواقب وخيمة على مستقبل السودان .

***      

لا ترفع إذن ولا نبل ولا حكمة ولا طهارة..

بل اشمئزاز.. وقرف.. فقد كان عبد الناصر أول من ساعد المتمردين في جنوب السودان.. على أن ذلك ليس هو بالضبط ما يهمنا هنا  و إنما الربط بين ما فعله عبد الناصر في السودان عام 1954 والهدف الأمريكي لتفتتيت السودان والذي تسوقنا أمريكا إليه في دارفور الآن.. وسواء عرف عبد الناصر حينها حقيقة الدور الذي كان يقوم به أم لم يعرف فقد كان حلقة في تفتيت السودان .. و أظن أنه حصل على الثمن.. استقرار حكمه .. أما مسئولية هيكل فهي أشد و أقسي لأنه منذ عام 1950 يؤكد أن السودان ليس دولة واحدة.. 

نعم.. لا بد أن نعترف أن الثورة لعبت دورا شيطانيا في تنحية الإسلام  وتفتيت دولهم و أمتهم.

ولا بد أن نعترف أن الثورة مارست بجهازها الإعلامي الجبار نوعا رهيبا مروعا من الكذب ساقت الأمة كلها إليه و أجبرتها على التعامل معه كحقائق.

كان إعلامنا أشد شرا من الكذب الخالص.. 

فنصف الصدق أكثر شرا – ومدعاة للاشمئزاز – من الكذب..

وويل للمصلين – دون إكمال- أكثر خطرا حتى من الدعوة للكفر........ يا هيكل!!..

لشد ما يؤلمني أن يتزامن هذا الانتقاد لهيكل  مع هجوم مطبوعة أخرى عليه لو كان الشيطان نفسه يرأس تحريرها لما كانت أكثر بذاءة وخسة..  لكن شتان ما بين المنطلقين.

***      

لا أكتب تاريخا يا قراء.. ولا يهمني كثيرا أن أقول أن الحكاية بدأت بالقبض على العلامة معلم الأجيال – حقا وفعلا – الأستاذ محمد قطب يوم 31 يوليو 1965، ثم بالقبض على الشهيد العظيم يوم 9 أغسطس..

ليس ذلك مهما جدا بالنسبة لي.. لأن الأهم هو لماذا ألقي القبض عليهم..

ثم ما الذي أسفر عنه القبض عليهم..

هل كانوا هم عملاء الشيطان و أمريكا و إسرائيل؟!..

أم كانت الثورة هي عميلة الشيطان و أمريكا و إسرائيل بينما كان الإخوان هم العقبة الكئود أمام مخططاتهم..

عام 48.. والمعركة محتدمة في فلسطين منع النقراشي سفر المجاهدين من الإخوان المسلمين إلى فلسطين.. ثم والجبهة تغلي  وفي حاجة إلى كل عون إذا به يحل جماعة الإخوان ويأمر الجيش أن يأمر الإخوان بالانسحاب من المناطق الشاسعة التي كانوا يسيطرون عليها.. انسحب الإخوان في الخامسة عصرا.. وفي الثانية عشرة مساء كان اليهود يحتلون كل المناطق التي انسحب منها الإخوان.. وفي الصباح كان الجيش المصري يحاصر معسكر الإخوان ليتم القبض عليهم وترحيلهم إلى معتقل الطور.. تماما كما يقبض الآن على من يحاول مساعدة المجاهدين في فلسطين ( هل تذكرون قضية الشيخ نشأت إبراهيم  والشيخ فوزي السعيد .. وقد عذبا في قضية تنظيم الوعد .. ورغم حكم المحكمة العسكرية  ببراءتهما.. ولم يفرج عنهم الطاغوت رغم الحكم إلا بعد انقضاء أربعين شهرا) .. عام  54 كان لابد من ضرب الإخوان تمهيدا لحرب 56.. وفي 65 كان لابد من محاولة الإجهاز على الإخوان تمهيدا لكارثة 67.. لأن الإخوان المسلمين لو كانوا في الجبهة في أي من هذه المعارك لما انهزموا أبدا.. سيحاربون الحرب التي تخلع قلب إسرائيل.. حرب الجهاد في سبيل الله.. وحيث لا هزيمة أبدا.. فإما نصر و إما شهادة..وعلى القارئ أن يراجع كتابين هامين للأستاذ كامل الشريف عن جهاد الإخوان المسلمين في فلسطين وفي جبهة قناة السويس.

فعل الإخوان كل هذا ثم جاء من يشوه الأبطال ويعلى شأن الخونة..

من يدنس الأطهار ويقدس المدنسين..

لقد أقنع إعلام الشيطان الأمة بأكاذيب ليس لها أول ولا آخر.. وكان الأمر على العكس تماما.. وهذا ما يشهد به الآن كلاب السلطان آنذاك والآن، لقد كنت أنظر إلى بعض ما يقال قبل ذلك على أنه مبالغات من الإخوان فإذا بي أكتشف الآن أنه جاء في مذكرات وزراء أمن الدولة ومثقفي أمن الدولة، كقولهم أن تنظيم 65 كله نكل به بسبب كتاب معالم في الطريق، و أن الذي اكتشف التنظيم لم تكن أجهزة الأمن ولا المخابرات و إنما الاتحاد الاشتراكي ويكفينا هنا أن نذكر ما شهد به كاتب سلطة و أمن حتى نخاعه.. كاتب لم يتوقف أبد عن النيل من المسلمين بالباطل.. لكنه كتب يتحدث  في كتابه "سيد قطب وثورة يوليو"  عن حكاية سيّد قطب، الذي راح ضحية صمت الجميع، من حول عبد الناصر، رهبة أو نفاقاً، على هُزال المحاكمة، وعلى تلفيق التهمة، وعلى سرعة تنفيذ الحكم بالإعدام (بعد تسعة أيام من صدوره). بل إن حلمي النمنم، يعترف صراحة، بأن قرار الإعدام كان مضمراً قبل الاعتقال، وأن سيّد قطب، لم يفعل شيئاً يستحق حتى السجن، بعد خروجه من الحبس في المرة الأولى، وأن قيادة "الإخوان المسلمين" في السجون وفي الخارج، كانت ضد أي عمل في ذلك الوقت، بل بلغ بعضها، حد الشكوك في سيّد قطب، بأن ما تناهى الى أسماعهم عن محاولته إحياء التنظيم، إنما هو ملعوب أمني، للإجهاز على من تبقى من "الإخوان"!" 

سوف  نتناول ذلك ومثله  في الفصل القادم إن شاء الله.. لكننا هنا والآن .. نلجأ إلى مبدأ قانوني دولي شهير نحكمه في أكاذيب الثورة وذيولها الخسيسة المجرمة التي تولت إعلام التضليل والتشويه والكذب.. هذا المبدأ يفضي إلى إهدار كل الاعترافات التي نشأت عن التعذيب..

وعلى الرغم من هذا نجد صبي هنري كوريل  وموظفا سابقا في قسم شرطة السيدة زينب عينتهما أجهزة الأمن كتابا حكوميين كبارا و أعطتهما هذه الأجهزة محاضر التحقيقات مع الإخوان فلا يكفان عن اللجوء إليها والاستشهاد بها، ورغم ما تمتلئ به هذه المحاضر من أكاذيب، ومن الظروف الشاذة الإجرامية التي جرت هذه التحقيقات تحت وطأتها إلا أنهما لم يكتفيا بهذه الأكاذيب فوشياها بأكاذيب إضافية يمليها عليهما لا شياطين الجن بل شياطين الموساد والـCIA.

فيا أكذب من مسيلمة نحن نحتكم إلى قانونكم العلماني فلماذا تواصلون الكذب.

نعم..

ما أشد احتقاري لكل هؤلاء الكتاب وكل هذه الصحف التي تلجأ إلى اعترافات أخذت تحت تعذيب سنستعرض بعضه على الفور.. لكنني قبل ذلك أستعرض أمامكم يا قراء تجربة عايشتها..

بالقرب من مكتبي، يوجد مكتب صرافة ألجأ للتعامل معه أحيانا عند السفر للحج أو العمرة.. أعرف أصحابه وبعض موظفيه. وذات يوم دخل أحد اللصوص فسرق الموجود من الأموال و أطلق الرصاص على الموظف. قبضت الشرطة على محاسب مصري كان عائدا لتوه في إجازة من عمله في الكويت – قريب من الدرجة الثانية لأحد أصدقائي- كان هو آخر من بدل نقودا من الصراف. تم عزل المحاسب تماما عن أهله.. ورغم اتصالات أسرته بمسئولين كبار إلا أنهم عجزوا عن مجرد معرفة مكان احتجازه.. فيما بعد..  علمنا أن المحاسب قد أنكر التهمة.. وكان دليله أنه لو كان هو اللص لما ترك دليلا على وجوده ولما بدل النقود.. بعد ستة شهور من التعذيب اعترف الرجل بارتكاب الجريمة. وفي نفس الوقت كان هناك بلاغ يرشد عن المجرم الحقيقي. كان ضابط شرطة، وقد أبلغت عنه زوجته حين استغل المال الذي سرقه في الزواج من راقصة سكندرية أشعلت خلاعتها غيرة الزوجة الأولى فأبلغت عن زوجها!!..

 و أفرج عن المحاسب..

 و ما أهدف إليه من هذه الحكاية لم أقله بعد.. لأن هذا المحاسب كان قد اقتنع فعلا مع التعذيب المجرم أنه هو الذي ارتكب الجريمة.. و قد كان مقتنعا بما اعترف به في النهاية.. كان مقتنعا فعلا  ولم يقدم على الاعتراف لمجرد التخلص من العذاب.. كانت المعاملة الوحشية قد أثرت على إدراكه.. كانت التفاصيل التي طالما كررها عليه رجال الأمن  وهم يعذبونه قد انطبعت في وجدانه وذكرياته للدرجة التي جعلته أكثر الناس ذهولا عندما صارحه رجال الأمن بأنه بريء من التهمة.. بل و أخذ يجادلهم في التفاصيل: ألم أفعل كذا وكذا؟!.. وكانت "كذا وكذا" هي التفاصيل التي أرغموه بالتعذيب على الاعتراف بالقيام بها.. بل  وصل الأمر إلى أن أسرته لجأت إلى الأطباء النفسيين بعد ذلك لكي يقتنع الرجل أنه لم يرتكب جريمة.. أهدي هذه الواقعة إلى كتاب مجرمين يواجهوننا كل آن و آخر باعترافات الإخوان..

أهديها إليهم.. مؤكدا أن ما أصاب المحاسب المسكين من عذاب لا يمكن أن يقارن بما لحق الإخوان المسلمين.

والآن لنلجأ إلى كيف كان يتم الحصول على بعض هذه الاعترافات..

ولنقرأ -  باختصار وبدون تصرف ولا تعديل -  للصحافي الكبير الأستاذ جابر رزق – مذابح الإخوان في سجون ناصر- دار اللواء- لنستمع منه إلى ملامح مما حدث في قريته كرداسة:

أنا واحد من أبناء قرية كرداسة ..  وما سأرويه عن مأساة قريتي لم أكتبه من وحى الخيال ولا بقصد رسم صورة لحكم عبد الناصر الأسود،  وأنا فقط أريد أن أسجل مادة خام .. سوف يجد فيها المؤرخون في المستقبل بعض ملاح حكم الفرد الذي بدأ عام 1952!!..أعرفكم بقريتي .. صاحبة المأساة التي فاقت مأساة دنشواى .. وكفر عبده والتي لا تضارعها إلا مذبحة « دير ياسين » التي صنعها اليهود في فلسطين. كرداسة قرية من قرى الجيزة .. بل هي أكبر قرى محافظة الجيزة .. يزيد عددها عن الخمسين ألفا ..  كانت الشرطة العسكرية قد أطلقت يدها في الشعب المصري وكان شمس بدران ورجاله يجمعون في أيديهم كل السلطات طبعا في ظل الطاغية جمال عبد الناصر وبعلمه ورضاه.. وبدأ تنفيذ المؤامرة المبيتة لسحق الإخوان المسلمين.. و للبدء في المجزرة الهمجية البربرية التي أقيمت .. كان السيد نزيلي أحد أبناء قريتي وذهب رجال الشرطة العسكرية للقبض عليه .. وعندما وصلوا إلى منزل السيد نزيلي للقبض عليه فلم يجدوه .. ووجدوا أخاه عبد الحميد نزيلي وأتركه يروى ما حدث .. يقول عبد الحميد :

- كان ذلك عند غروب الشمس يوم  21 أغسطس سنة 1965 وكنت واقفا أمام منزلنا .. وإذا بثمانية  رجال مفتولي العضلات مفتوحي الصدور يلبسون قمصانا على اللحم.. وبنطلونات ضيقة دخلوا حارتنا ووقفوا أمامي وسألوني عن أخي السيد نزيلي الأخصائي الاجتماعي .. قلت هم :

_  تفضلوا .. أنا أخوه.

فتحت لهم الباب وأجلستهم في حجرة الضيوف وعملت لهم شايا ثم قلت لهم :

_ .. إن أخي في القاهرة .. ولكنه لن يتأخر كثيرا وسوف يحضر بعد قليل .

فجأة..  وجدت اثنين منهم وقفا على باب البيت واثنين آخرين اقتحما المنزل وصعدا إلى الدور الثالث حيث زوجة أخي " العروس" التي لم يمض على زفافها إلا تسعة أيام ..(..) ..فجأة وجدت نفس ملقى على الأرض .. وقفت بسرعة وجريت إلي صالة البيت .. فلحق بي اثنان منهم شلا حركتي وجراني إلي الخارج فأخذت أصيح : أنتم لصوص .. ماذا تريدون منى ؟! زاد صراخي .. فخرج الناس من البيوت يستطلعون الخبر .. ازدحم الناس من حولي يسالون في دهشة ولا جواب إلا صراخي : حرامية .. حرامية ! وبدأوا يسيرون في شارع وسط البلد وتقدم بعض شباب القرية ليخلصوني من أيديهم فأخرج واحد من الرجال الثمانية مسدسه وأطلق الرصاص في الهواء للإرهاب .. على بعد أمتار من ورائي  كانت زوجة أخي " العروس" يجرونها هي أيضا وصرخات استغاثتها تتوالى .. لقد ظننت في أول الأمر أنهم جاءوا لخطف زوجة أخي .. وحتى هذه اللحظة لا أعرف أنهم من رجال الشرطة العسكرية لأنهم كانوا يرتدون الملابس المدنية ولم يأت معهم خفير ولا عسكري بوليس.. 

لقد ذهب رجال الشرطة العسكرية ليقبضوا على إخوان قرية كرداسة وكان السيد نزيلي من بينهم فبدأوا بالقبض عليه .. فلما ذهبوا ولم يجدوه بالمنزل أخذوا أخاه وزوجته رهائن .. وكانت تلك بداية المأساة !! ويكمل عبد الحميد نزيلي قصة المأساة فيقول : 

- أيقن أهل القرية أننا مخطوفون أنا وعروسة أخي القاهرية .. فتقدم بعض شباب القرية ليخلصونا من أيديهم .. فحدث اشتباك مع الرجال الخاطفين .. فتكاثر الأهالي على الرجال الثمانية .. واشتركت النساء والأطفال بضربهم بالطوب والحجارة .. فهرب سبعة من الرجال الخاطفين وأصيب الثامن وأغمى عليه وتجمع الناس من حوله ..

تركت زوجة أخي تعود إلى المنزل . وذهبت إلى نقطة شرطة القرية وعملت محضرا(...) انحنى الشاويش على الرجل المصاب وفتش جيوبه فأخرج من أحدها بطاقته الشخصية فقرأها وقال لأهالي القرية :

_ خربت يا كرداسة .. مصيبة وحلت عليكم يا أهل كرداسة إن هؤلاء الرجال ليسوا لصوصا إنهم من رجال الشرطة العسكرية !!

...

... 

حوصرت القرية من جميع الجهات وانتشرت المصفحات والدبابات والسيارات في شوارع القرية ودروبها وبدأت الأوامر تذاع من خلال مكبرات الصوت بفرض حظر التجول ..  وبدأت عمليات القبض على عمدة القرية ومشايخ القرية والخفراء وشيخ الخفراء وجميع عائلة العمدة وهى من أكبر عائلات القرية.. ربطوهم جميعا بالحبال وساقوهم كالبهائم.. النساء في قمصان النوم نصف عرايا يولولن والأطفال يصرخون والرجال في ذهول يجللهم الذل والعار.. اتجهوا بالجميع إلى نقطة القرية وانهال الزبانية عليهم " بالكرابيج " والعصي بلا رحمة وبلا اعتبار لأي قيمة إنسانية.. مزقوا ثياب الرجال وتركوهم عرايا كما ولدتهم أمهاتهم أمام الزوجات والأطفال!!

... 

يواصل الأستاذ جابر رزق:

وروى لي جزءا من المأساة يوسف أيوب المكاوي ابن عمدة القرية السابق العمدة الحالي.. قال:

قبضوا على أخي العمدة على أيوب وابن عمى شيخ البلد العجوز السيد حمزة رحمة الله عليه.. وأخي محمود فهمي عضو مجلس النواب السابق وجميع رجال العائلة ونسائها وجميع الأطفال فوق سن 12 سنة.. ساقونا جميعا إلى المدرسة الإعدادية التي اتخذتها الشرطة العسكرية مقر قيادتها لأنها تقع في وسط القرية وحولوها إلى ساحة تعذيب رهيبة.. ربطونا جميعا من أيدينا.. مزقوا ثيابنا ووقفنا عرايا.. بكيت حزنا عندما رأيت أخي العمدة وأخي محمود عرايا كما ولدتهم أمي.. تمزقت عندما رأيت ابن عمى الشيخ سيد حمزة نائب العمدة والبالغ من العمر أكثر من ستين عاما ليس عليه سروال ومنهكا من التعذيب ..  لقد جردوني من ملابسي.. وطرحوني على الأرض ومزقوا جسدي بالسياط .. سلخوني سلخا.. وبعد هذه الطريحة أوقفونا بعضنا أمام بعض وأمرونا أن يضرب أحدنا الآخر والذي لا يضرب بقوة يمزق بالسياط..  ثم أمرونا أن يبصق كل منا على وجه الآخر... كان بعضنا يضرب البعض الآخر وكنا نبكى لأن ذلك كان أقسى على النفس من ضربات السياط.. وبعد ذلك أخذونا طابورا كطابور أسرى الحرب وأركبونا عربات مكشوفة وطافوا بنا شوارع القرية الرئيسية وكانوا يضربون النساء والأطفال بالسياط حتى يعلو صراخهم فيكون ذلك أمعن في الإرهاب لأهالي القرية.. وبعد هذا الاستعراض الرهيب خرجنا في عربات مصفحة من قرية كرداسة واتجهت بنا المصفحات إلى السجن الحربي باستيل عبد الناصر.. النساء يولولن والأطفال يصرخون في رعب والرجال في ذهول.. وصلنا إلى السجن الحربي حيث أقيمت أفظع مذبحة بشرية لخير شباب مصر ورجالها ..  إنني لا أستطيع مهما أسعفتني الذاكرة أن أصف تلك اللحظات الرهيبة المرعبة التي استقبلنا فيها في ساحة السجن الحربي.. لقد كان في استقبالنا حمزة البسيوني جلاد مصر.. والعميد سعد زغلول عبد الكريم قائد الشرطة العسكرية ومجموعة من زبانية السجن الحربي .

... 

(جملة اعتراضية: في كمشيش عومل آل الفقي نفس المعاملة بكل التفاصيل.. وكنت قريبا من الأحداث فسمعت ممن رأى مباشرة. لم تكن هذه المعاملة استثناء ولا مجرد إجرام أفراد.. كانت هي المنهج.. منهج ثورة 23 يوليو التي ما تزال تحكمنا دون أمل قريب في الإفلات من براثنها) 

... 

كانت "  المحاضرات تلقى إلى هؤلاء الزبانية في أسلوب التعامل مع الإخوان وأنهم لا قيمة لهم.. ولا دية لأحد منهم.. بل أكثر من ذلك كانت تصرف شهريا مكافأة تعذيب لهؤلاء الزبانية ".

... 

(جملة اعتراضية أخرى: بدأ الأمر بالإخوان، والآن ليس لأي واحد في الشعب دية.. وتأملوا ما حدث في الإسكندرية عندما قتل المخبر شابا في ريعان عمره لأنه تجرأ ورد عليه.. وجاء البيه الضابط ليطمئن المخبر قائلا: ولا يهمك.. كلب ومات)..

... 


(جملة اعتراضية ثالثة: شطرة من بيت شعر لمحمد عفيفي مطر: ضريت كلاب الصيد فانتظروا الحصاد)..

... 

نعود إلى كرداسة:

لقد ساقونا كالبهائم والسياط تنهال على الجميع لا فرق بين طفل صغير أو امرأة حامل أو شيخ ضعيف حتى وصلنا إلى ساحة واسعة فتقدم من كل منا جندي من الزبانية وجرده مما بقى عليه من الثياب.. وأوقفونا على شكل دائرة وأمرونا أن نسجد على الأرض وانهال كل جندي على ضحيته والنساء يشاهدن هذا المنظر المفجع ويبكين بكاء أخرس!!. وبعد أن أغرقونا في دمائنا.. وصبغت أجسادنا بالسواد من الضرب أخرجونا لعمل استعراض للأسرى والسبايا أمام الفريق أول محمد فوزي.. وأمامه أمرونا بالركوع فركعنا.. ثم أمروا النساء أن تركب كل واحدة على ظهر رجل.. ولم يستثنوا من ذلك حتى المرأة الحامل التي يعوقها حملها عن تنفيذ هذا الأمر .. ثم أمروا كل رجل منا أن يختار لنفسه اسم امرأة ينادونه به.. ثم أحضروا مجموعة من الزبانية انهالوا عليه بالضرب وعددا من الكلاب تنهش فيه وتزداد نهشها كلما ازداد الضرب.

في النهاية ألقوا بنا في زنزانات حشرونا فها حشرا وأغلقوا علينا الأبواب .. في الصباح أخرجونا من الزنزانات.. وحلقوا لكل رجل منا ناحية من شنبه وحاجبا من حاجبيه ثم أعادونا إلى الزنازنين وأدخلوا معنا الكلاب لمدة نصف ساعة تنهش فينا.. ثم أخرجوا الكلاب وأخرجونا للتحقيق وعلقونا في الفلكة .. واستمر حالنا على تلك الصورة تسعة وعشرين يوما داخل السجن الحربي  ..  ولما لم يجدوا علينا أية مسئولية أخرجونا من السجن الحربي وحملتنا العربات عرايا كما ولدتنا أمهاتنا حتى باب القرية !.

...

ثم نجرؤ على التنديد بأبي غريب..

...

يواصل الأستاذ جابر رزق:

وروى لي عبد الرحمن القبلاوى إمام وخطيب مسجد وهو من أبناء القرية.. قال:

استبيحت القرية ثلاثة أيام من صبيحة الحادث يوم الأحد حتى ثالث يوم  فتشت جميع منازل القرية وخربت ومزقوا الفرش وحطموا كل شيء يمكن تحطيمه.. ونهبوا كل ما وصلت إليه أيديهم أفسدوا كل شيء داخل البيوت خلطوا الدقيق بالجبن بالحبوب بروث البهائم.. قبضوا على الآلاف من الرجال والنساء والأطفال فرضوا حراسة على كل شارع وكل حارة وكل درب.. انتشر الجنود في كل مكان.. فرض حظر التجول طول الثلاثة أيام حتى نفذ الماء والطعام.. وجاعت البهائم وعطشت وجف لبن الأمهات ومات الأطفال الرضع ونهبت المحال التجارية ومزقت حلى النساء وأهدرت رجولة الرجال وأقاموا ثلاث ساحات للتعذيب داخل القرية.. في المدرسة الإعدادية.. وفى الوحدة المجمعة.. وفى نقطة البوليس!!.

...

ثم نجرؤ على استنكار جوانتانامو 

... 

يقول مدرس إعدادي بالقرية طلب ألا يذكر اسمه:

لقد هاجموا الحقول ودمروا وخربوا ما فيها من زرع وقبضوا على من فيها.. أخذوني  أنا وأهلي واستولوا على كل ما نملك وقادونا إلى الوحدة المجمعة..  كانت قطعة من جهنم رأيت رجالا مضروبين حتى اختلطت ملامحهم وآخرين مصلوبين علي جذوع النخل بعضهم مغمى عليه من التعذيب والبعض الآخر يجأر ألما وفزعا، وكانت النتيجة الحتمية لصنوف التعذيب الوحشي الذي وقع على أهالي قريتي هو: الموت.. والجنون.. والصرع!!.

مات صلاح رزق عبيد في السجن الحربي ومات أبو سريع جحا ومات محمد أبو السعود في القرية وجن أبو عميرة الصابر وأصيب الكثيرون بالصرع. لقد بقيت جثث الموتى في البيوت لا تجد من يحملها إلى المقابر وعندما سمحوا بدفن محمد عبد العزيز حيدر لم يسمحوا إلا بأربعة يحملون النعش  وقد ترك بعض المشيعين النعش وهربوا خوفا من التعذيب من رجال الشرطة العسكرية.

... 

ثم نجرؤ على إدانة إسرائيل..

... 

بواصل آخر:

" لقد عاشت القرية ما يقرب من ثلاثة أشهر يسيطر عليها الإرهاب وأغلقت المساجد ومنع الأذان وعطت الصلاة داخل المساجد.. ".

***       

يختتم الأستاذ جابر رزق أحداث مأساة كرداسة بقوله: 

وكلمة أخيرة أختم  بها تلك الصفحات عن مأساة كرداسة ..إن مأساة كرداسة إذا قيست بمأساة الإخوان المسلمين لا تعتبر إلا صورة مخففة.. وإنما الصورة المكثفة والمجسمة لتجبر عبد الناصر وطغيانه تتمثل في مأساة الإخوان المسلمين.. يشهد بذلك حبل المقطم الذي تضم تلاله خيرة شباب الإسلام المجاهدين الصادقين الدين استشهدوا تحت سياط التعذيب ووسائله الجهنمية ..

***      

لشد ما أود أن يروي لنا الكاتب الموسوعي محمد حسنين هيكل بأسلوبه الفريد حكاية كرداسة.. أن يشرح لنا : ليس "كيف".. لأننا نعرف الآن كيف تمت الأمور.. و إنما نريد أن نعرف لماذا..لماذا.. لماذا..

ثمة إدراك واسع الآن أن الحكم بالإعدام على شهيدنا الغالي سيد قطب لم يصدر من قضاة النار ولا من كلاب السلطة بل صدر من الكتاب الشيوعيين والعلمانيين.. وهيكل أحدهم .. بل على رأسهم.. لكننا تكريما لهيكل.. واعترافا بجوانبه الإيجابية سوف نعفيه من الاتهام الإيجابي.. فقط نقول ونحن مقتنعون بما نقوله.. أن تنفيذ حكم اإعدام في سيد قطب لم يكن ليتم لو أن هيكل عارضه كما كان يجب أن يعارضه..

لكن..

دعونا من ذلك الآن

دعونا منه .. ودعونا نتوسل إلى هيكل لكي يروي لنا حكاية كرداسة التي يقبع قصره الآن على تخومها..


وقبل أن يرويها لنا فإنني أقول له أنه عندنا في الإسلام فإن حرمة دم المسلم أشد من حرمة الكعبة..

أسأله.. هل يبرر السد العالي أو مديرية التحرير سحق روح أمة والتنكيل بفكر و اغتيال ألوف..

أسأله فاسألوه معي:

هل السد العالي أكثر حرمة من الكعبة؟!

***

***


كلا...

ولكن..

لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ ..

ما زلوا يكذبون..

 مَلْعُونونَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً..

لم ينتهوا عن الكذب.. كلما اكتشف الناس حيلة من حيلهم لجئوا إلى عشر..

وكلما اكتشف الناس عشرا أخرجوا من جراب الشيطان مائة حيلة..

لم يكفوا عن الكذب أبدا حتى جال بخاطري ذات يوم أنه يمكننا دون إيغال في الخطأ أن نطلق على التاريخ تعريفا جديدا يقول أن التاريخ ليس إلا سلسلة من الأكاذيب تقطعها جزر صغيرة من الصدق.

أكاذيب تطلقها فرق صناعة الأكاذيب للتغطية على خطة تفكيك العالم الإسلامي.

بالأمس الأول في فلسطين وكشمير والشيشان و أمس في بغداد واليوم في سوريا ولبنان وغدا في القاهرة والرياض والرباط وطهران ليحدث ما حدث في البوسنة والهرسك وكوسوفا، حيث تركنا أهلنا فريسة للتبشير والتنصير واقتلاع الإسلام من جذوره، قيل أنهم كانوا يلقحون أرحام المسلمات بنطف الكلاب.. وفي العلم التطبيقي لا يؤدي هذا إلى نتيجة بيولوجية، وفيما عدا الرمز والإهانة والإذلال فلا شيئا محددا يمكن أن يحدث.. لكن.. على المستوى الآخر.. المستوى غير البيولوجي.. كانت هناك كلاب بشرية تلقح رحم التاريخ بنطف الكذب.. وتناسلت تلك النطف وتكاثرت حتى غلبت ما سواها و أصبح الكذب هو السمة الرئيسية في التاريخ.. وليس ذلك لغواية الكذب وقدرته على الانتشار فقط.. ولكن لأن منابع الصدق سكّرت أو سممت أو منعت، فانطلق الكذب مطلق السراح مدعما بالحكام والنخبة وقبع الصدق معذبا مقيدا في ظلام الزنازين أو دفن حيا في القبور..

والناس.. الذين أفرغوا بوسائل التجهيل من القدرة على التمييز يصدقون أن هذا يختلف عن ذاك..

فقدوا القدرة على التمييز بعد أن تم تجفيف ينابيع دينهم فأخذوا ينخدعون بهذا ويضعون أملهم في ذاك.. غير مدركين أنهم لا يختارون بين حزب الله وحزب الشيطان بل يختارون بين حزبين كليهما للشيطان.

إنهم جميعا سواء

ذرية بعضها من بعض..

كلهم من لم يحكم بما أنزل الله..

كلهم سواء..

كلهم جذورهم ذات الجذور وثمرهم نفس الثمر.. الشيشكلي والحناوي ونور السعيد وقاسم وعسكر الجزائر وعبد الله وكل حكامنا بل استثناء.. كلهم سواء وكلهم استنبتوا في مزارع لا تعرف معني لا إله إلا الله.. لذلك لا يعرفون أبدا كيف يجاهدون في سبيلها..

علينا أن ندرك أن ما حدث منذ خمسين عاما فقد كان تمهيدا لما يحدث اليوم أما ما يحدث اليوم فهو التخطيط لما سيجري بعد خمسين عاما..

نعم ..إن علاقة الأمة بعهودها الثلاثة الأخيرة إنما هي كعلاقة ذلك الرجل المسكين الذي عاد من الخليج ليجد زوجته – في الإسكندرية-  قد ولدت لتوها طفلة..  رغم أنه لم ير تلك الزوجة منذ أعوام ثلاثة، رفع الرجل إلى القضاء أمره، و أحاله القضاء إلى الطب الشرعي، ليكشف الطب الشرعي عن كارثة مزلزلة، فالأمر لم يقتصر على أن الطفلة المولودة حديثا ليست من صلب الرجل، بل تعداه إلى أن الرجل نفسه عقيم عقما كليا مما يجعل قدرته على الإنجاب مستحيلة، وبما يعني في نفس الوقت، أن الولدين، اللذين رعاهما بدماء قلبه ليسا ابنيه. و هو الأمر الذي أثبته فحص الجينات الوراثية بالفعل..

فهل تدركون عمق الكارثة يا قراء عقيمين في أمة عقمت فعجزت عن أن تنجب حكاما من الغير جاءوا.. ولأجله يحكمون..

الجريمة كاملة.. والتفاصيل معروفة .. وجسم الجريمة موجود.. لأن جسم الجريمة يا قراء هو أنتم وهي أوطانكم.. 

نعم ..

أنتم و أوطانكم..

إياكم والظن أنني أقيم حفل تأبين لشهدائنا في 1965 و 1967.. أو أنني أشعل النار في قلوبكم  في مناحة نلطم فيها الخدود ونشق الجيوب لأننا فعلنا بسيد.. بسيد قطب.. ما فعله أهل الكوفة بالإمام الشهيد..

لا أفعل ذلك لسبب جوهري.. وهو أن سيد ورفاقه ليسوا موتى.. بل – أحسبهم أحياء عند ربهم يرزقون..

أما الموتى فهم أنتم يا قراء..

أنتم الذين قُتلتم.. وفيكم أعزيكم..

سيد ورفاقه أحياء و نحن الموتى..

و إلا: هل تجدون تفسيرا لعجزنا عن تغيير أنفسنا أو تغيير ما يحدث لنا وما يُفعل بنا إلا أننا بالفعل موتى يحسبون أنهم أحياء.

نعم .. الجريمة كاملة..

في قضية أبناء السفاح  تم إلقاء القبض على الزوجة الخائنة كي تلقى مصيرها وتعاقب على جريمتها..

أما في قضية نخبة السفاح  فلم يُحاكم أحد .. لأنها ما تزال تتولي الحكم  وتمارس ذات الجرائم..

 ولم تكن هناك شرطة لتقبض على الخائن ولا طبيب شرعي يكشف الجريمة ولا قضاء يحاسب عليها.. لم يكن هناك أي شيء أي شيء أي شيء.. سوى الخيانة والقهر والعجز والعقم.

أو أن كل أولئك كانوا موجودين ولكنهم كانوا خدما وعملاء وحاشية للزوجة الزانية.. 

أريد أن أقول.. أن ما يتكشف الآن أمامنا كل يوم.. من افتقاد للحق والصدق والشرعية لا ينسحب على هذا العهد وحده و إنما يغطي العهود جميعا.. وأن الضغط على حماس الآن ليس سوى حمل سفاح زرعت نطفته النجسة بحل جماعة الإخوان عام 1948 وفي بداية ومنتصف عام 1954.. وفي المرات الثلاث كانت إسرائيل أقرب إلى الحكام  لا من الإخوان المسلمين بل من الإسلام نفسه.. ذلك أن إسرائيل تبقيهم على مقاعد الحكم أما الإسلام فينزعها منهم ويقيم عليهم الحدود..   أريد أن أقول.. أن ما كان خفيا مكنونا في العهود السابقة قد أسفر الآن عن الحقائق البشعة التي نراها.. تماما كانتفاخ بطن امرأة بحمل سفاح.. فإن لحظة الانتفاخ ليست هي لحظة الخطيئة.. ثمرة الخطيئة قديمة.. و إعادة استنساخ الخطيئة سوف يسفر عن نفس الجريمة..

نعود إلى مثل الأب الذي اكتشف أنه لم يكن أبدا أبا..

هل تدركون عمق الكارثة يا قراء..

إن المشكلة لا تنحصر في الطفلة الأخيرة.. ابنة السفاح.. بل في الأبناء جميعا..

إن الطبيب الشرعي لم ينشئ عقم الرجل ولم يتسبب فيه.. لقد اكتشفه فقط.. كما أن هذا الداء لم يبدأ في إنتاج آثاره بعد اكتشافه.. بل بدأت منذ البداية.. منذ الطفل الأول.. منذ العهد الأول.. منذ جمال عبد الناصر.. والعلاقة بين ما يحدث الآن وما حدث منذ خمسين عاما هي ذات العلاقة بين الطفلة الأخيرة والطفل الأول. والفرق الوحيد أن الفضيحة التي كانت خافية قد أُعلنت، كانت العورات مستورة ثم سقطت عنها أستارها، كانت الجريمة هي ذات الجريمة لكنها كانت منذ خمسين عاما تتستر بالظلام وبالقهر لأما الآن فبرغم استمرار الظلم والقهر إلا أن الأمور مفضوحة بالفضائيات والشبكة العنكبوتية .. نفس الجرائم.. لا يوجد عهد طاهر وعهد نجس .. فكل فضيحة وكارثة ومصيبة نراها الآن سوف نجد جذورها المباشرة في الماضي فلا تقل العلاقة بين الحدث الحاضر والحدث الماضي عن العلاقة بين الطفل الأول والطفلة الأخيرة، من نفس الأم الضائعة المضيعة المفرطة، وكلهم ليسوا من الأب العقيم.

أنا لا أحدثكم عن قتل الشهيد ولا عن قتل وتعذيب رفاقه فأنا أحسبهم لم يموتوا بل أحياء عند ربهم يرزقون. أنا أحدثكم عن قتلكم أنتم يا قراء. نعم أنتم المقتولون و أنا منكم، الناس صنفان: موتى في حياتهمو ( مثلنا)... و آخرون ببطن الأرض أحياء

*** 

في كتابه الهام الإخوان وعبد الناصر- القصة الكاملة لتنظيم 65 - الزهراء للإعلام العربي- يؤكد ذلك كله  الأستاذ أحمد عبد المجيد، وهو  أحد تلاميذ سيد قطب والمقربين له حيث تم القبض عليه عام 1965م، وحكم عليه بالإعدام ثم خفف الحكم ليظل في محبسه من سنة 1965 حتى أفرج عنه عام 1975، وكان معه في المعتقل العديد من الشخصيات ذات الثقل الإسلامي والسياسي، منهم: سيد قطب، محمد يوسف هواش، عبد الفتاح إسماعيل، رضي الله عنهم جميعا ، و على عشماوي عليه من الله ما يستحق، يصف الكاتب ما تعرض له الإخوان المسلمون من كذب وتشهير فيقول: 

" لم يتعرض تشكيل أو تنظيم لمثل ما تعرض له تنظيم الأخوان المسلمين عام 1965 من الضجة الإعلامية التي نسجت حوله بواسطة أجهزة الإعلام المصرية المختلف سواء الإذاعات المسموعة أو المرئية أو الكتب والنشرات الموجهة أو الخطب الكلامية على مختلف منابر الخطابة ، ولم يستثن من ذلك أحد إلا نادرا ، وحتى بعض المشايخ وعلى رأسهم شيخ الأزهر وقتها . ولقد استثيرت الجماهير بشتى أنواع الاستثارة (...) مع تشويه صورة أعضاء التنظيم وأهدافهم ومقاصدهم بأنهم كانوا سينسفون ويقتلون ويدمرون ، ويعيثون في الأرض فسادا(...)  والذي زاد من تأثير هذه الضجة ، أن المتهم لم تتح له فرصة ولو يسيرة لتوضيح الأمر وإجلاء الحقيقة، كما فعل فرعون مصر الذي يضرب به المثل في الجبروت والطغيان، إذ أتاح الفرصة لسيدنا موسى - عليه السلام - لتقديم بينته يوم الزينة في جمع من الناس .

ويستطرد المجاهد الجليل في مرارة حارقة:

بل إنك لا تجد ولو واحدا من ذوى العقول الراجحة أو من أصحاب العزيمة والشجاعة ليقول قولة حق في هؤلاء الناس ، الذين تتكلم ضدهم كل الأجهزة . ولم نسمع صوتا واحدا من الكتاب والأدباء والصحفيين ولا شيخ الأزهر نفسه - حسن مأمون-  (...)   لم يستطع هؤلاء جميعا أن يقولوا ولو كلمة واحدة لوجه الله تعالى، فالكل مرتعد، مرتجف من أن تصيبه هذه العاصفة التي لا تبقي ولا تذر في عهد عبد الناصر، ذلك الطاغية الجبار المتكبر، بل حتى أقربا ء المعتقلين لم يستطيعوا الكلام أو اللجوء لأي جهة ، فالكل مغمض العينين أصم الأذنين، مكبل اليدين ، مطبق الفم ، ومقيد اللسان ، لا تجد واحدا يقول قولة الحق أو الدفاع عن هؤلاء، فالكل يخشى المصير المظلم المجهول . إنه العذاب الرهيب الذي قد يصل بصعابه إلى الموت" ..

نعم.. ولم يكن هذا العذاب كله من أجل فعل.. حتى حلمي النمنم قد أقر بذلك.. ولكنه كان من أجل فكرة.. وعقيدة

***

أصرخ فيكم يا قراء أنني لا أسرد التاريخ ولا أنبش الماضي ولكنني كالطبيب الشرعي الذي يبحث في الأدلة الحاضرة عن أدلة الجريمة وتصور كيفية وقوعها.. أنا كالطبيب الذي يرى الوليد مسخا مشوها فيحاول أن يتقصى الأسباب.. ما الذي أدى به أن يولد مشوها إلى هذا الحد.. وهل كان أصله نطفة بشر أم كلب أم شيطان.. يحاول الطبيب أن يكون موضوعيا في بحثه.. ولو ضد قلبه ومبادئه.. ويحاول الانتصار للموضوعية بعزل الأحداث عن بداياتها ونهاياتها و عن أسبابها وغاياتها.. ثم إعادة تقييمها من جديد لأن البدايات والنهايات والأسباب والغايات قد تكون مزورة مصطنعة..لا ينتصر الطبيب لتفسير ضد الآخر.. وإنما يشقى ويكاد يهلكه الضنى للوصول إلى الحقيقة.. و لكي تدركوا مدي رعبي.. فإن هذا الطبيب يدرك أنه سيُحكم له أو عليه بعد صدور تقريره إما بالبراءة  والسعادة و إما أن يخلد في العذاب المهين أبد الآبدين..

يحذركم هذا الطبيب من أن ما يقال لنا  كذب كلي شامل لا يكاد ينجو منه إلا من رحم ربي..

إنهم الآن يحددون المطلوب ثم يحددون السيناريو الذي يؤدي إليه ..

انظر مثلا ذلك الكتاب الألماني بعنوان "ملف مقتل الحريري ـ إخفاء الأدلة في لبنان" لمؤلفه يورجن كاين كولبه الخبير في علوم الجرائم السياسية الذي يؤكد تورط جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)في اغتيال الحريري واتهم أمريكا ومليس بتضليل التحقيق، ويقول الكتاب إن أجهزة التشويش التي استخدمها موكب الحريري تعطلت قبل ساعة واحدة من حدوث عملية الاغتيال حيث توقف عمل الجهاز الإلكتروني لموكب الحريري والخاص بتعطيل استقبال وإرسال أية ذبذبات ليس فقط لأجهزة الجوال، بل وأية أجهزة تحكم عن بعد. ويضيف الكتاب أن تلك الخاصية، حسبما بينت الاختبارات التقنية بعد ذلك، لا يمكن تعطيلها إلا من الشبكة المركزية للتحكم في النظام الإلكتروني لتلك الأجهزة والتي لا تملكها إلا الشركة الموردة لها والتي يؤكد الكتاب أنها شركة إسرائيلية أغفل ميليس ذكرها نهائياً.

لست هنا بصدد الحديث قتل الحريري ولكنني أقدم به نموذجا فادحا فاضحا على تزوير التاريخ وسوقه سوقا كي يكون مبررا للطاغوت كي يفعل ما يشاء.. نعم أقدم هذه الواقعة كنطفة كلب أمريكي لقحوا بها التاريخ كي ينجب لنا الأزمة الراهنة في سوريا ولبنان. كما ألفت نظر القارئ إلى بحث ممتاز نشرته " المختار الإسلامي" في عدديها الماضيين بعنوان: "بيرل هاربر الجديدة" للأستاذ محمد يوسف عدس يتناول فيه كيف تصوغ الأكاذيب التاريخ توسلا إلى صياغة مبررات لما يخططون له من إجرام وظلم.

لا يختلف الأمر في أكبر الأكاذيب عنه في أصغرها.. فنفس المنهج الذي لفق التاريخ هنا وهناك  هو ذات المنطق الذي لفق حادث المنشية عام 1954 وأحداث تنظيم 1965 .. كما أن نفس الخسة هي التي تقبع خلف أكاذيب خسيسة وحقيرة كتلك المتعلقة بتحريض جندي على تقديم بلاغ ضد المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي القضاة يتهمه بالاعتداء عليه، وليتم بعد ذلك اكتشاف أن الجندي – من واقع دفتر الخدمة الرسمي- كان يخدم في منطقة أخرى تتبع قسم شرطة آخر.. نفس المنهج أسفر عن تزوير التقرير الطبي للمستشار محمود عبد اللطيف، وهو تزوير أمر به  كلب من كلاب النار يضاهي تزويرا آخر قام به كلب آخر  كان قد عذب شيوخ المساجد في سيناء  فلما افتضح الأمر اتهمهم مسئول كبير حقير بنشر الإرهاب ليغطي على جرائم رجاله.

نعم أمثال هذا  وذاك وتيك  وآلهتهم هم الذين يصنعون التاريخ!!.. يصنعونه على يد من سماهم مصطفى أمين: فرق شهود الزور، لكن مصطفى أمين كان يقصد مجتمعا محدودا من الجنود والضباط والموظفين الرسميين. الآن انضمت جل النخبة إلى هذه الفرق. فرق شهود الزور.

وبهذه الفرق يعيدون صياغة التاريخ على هواهم. بيد أن آلية هذا الكذب تخضع لعملية بالغة التعقيد، ذلك أنه ليس نوعا من قصر النظر ولا مجرد خداع الأمة لمصلحة استمرار الحكام، كما أنه ليس مجرد خداع للحكام ليقدموا لأعداء الأمة ما لا يجب أن يقدموه ثم يلقى بهم في مزابل التاريخ .. العملية معقدة جدا.. يرى الدكتور سيار الجميل أن هذا التضليل متعمد  و أنه عملية مخادعة إعلامية لتشويه الحقائق وإبرازها بغير الصورة التي عليها، فهي سياسة إعلامية مخطط لها ويراد لها أن تخدع الجماهير بتشويه الحقائق وإضفاء صفة العظمة واستعارة مفاهيم ومصطلحات قد لا تكون أساسية أو حقيقية وإشغال الجماهير بها، وليس فقط خداع الجماهير وإنما خداع القيادات السياسية وصنّاع القرار، ويستطرد الباحث العراقي سيار الجميل: "وهذا ما جرى في الخمسين السنة الأخيرة"..

لا فكر ولا أمانة ولا صدق ولا شرف.. كل الأكاذيب ممكنة.. والأمر يعتمد على قدرتك على التضليل والخداع والإغراء ودفع الثمن..

على أن أكثر ما يصيبني بالدهشة كذب من لا يحتاجون إلى الكذب..

كيف يكذب مسئول مجرم على سبيل المثال ليؤكد أن مصر ليس فيها معتقل واحد وهو يعلم أنه كذاب.. وكيف يكذب مسئول لا يقل عنه إجراما ينفي مطلقا حدوث التعذيب رغم أن التعذيب الحيواني الهمجي المجرم يتم تحت بصره وسمعه..

هل رأيتم نطفة كذب يقذفها كلب في رحم التاريخ أنجس من تلك نطفة؟

لكنني أترك هذا السؤال على الفور لكي أصل إلى بعض ما أريد.. فإذا كان هذا الجلاد المجرم ينكر ما يراه العالم كله الآن.. فكيف كان يفعل منذ خمسين عاما عندما كان يفعل ما يشاء لا يراه أحد.

لماذا كان عليهم أن يشوهوا التاريخ ويملئوه بالأكاذيب وينجسوه؟!

لماذا يكذب صحافي لا يحتاج إلى الكذب..

أو مسئولون كبار لم يعد في أعمارهم  متسع لجني ثمار الكذب..

أن يكذب جلادون كشمس بدران و فؤاد علام فهذا طبيعي..

لكن لماذا يكذب أناس كأسامة الباز ومصطفي الفقي..

لماذا يكذب القليلون جدا من القضاة وهم يتهمون الأغلبية الساحقة من القضاة زورا وكذبا.. لماذا يكذبون على نادي القضاة وهو الساعي إلى حريتهم ورفاهيتهم .. لماذا يكذبون.. أمن أجل منصب يتسنمونه عاما أو بعض عام؟ أم من أجل مكافأة قد ينفقون أضعافها في مرض يبتليهم الله به، كيف طاوع ذلك المسئول ضميره وهو يتصرف كالديوث فينكر واقعة اغتصاب الصحافيات وهتك أعراضهن؟!..

لماذا كذبوا..

أم  أن التفسير المنطقي لكذبهم هو أنهم  نتاج نطفة كذب لُقح بها التاريخ فكانوا هم نتاجه..

نطفة كذب رصدتها زينب الغزالي عام 1965:

" لقد مررت بكل درجات التعذيب درجة درجة، من الجلد بالسياط المجنونة كألسنة اللهب إلى نهش الكلاب المدربة ، إلى زنزانة الماء ، إلى زنزانة النار، ثم تكررت عملية الجلد والصلب والتعليق على الأعواد كالذبائح ، إلى عذاب يحطم الأعصاب والأرواح .

وجاءت النيابة، لتستكمل المهزلة فصولها، ويعاقب المظلومون في ظل العدل وسيادة القانون . دخلت خيام المحققين حيث رجال النيابة! (...)  في خيام التحقيق كان التهديد مستمرا من المحقق الذي يطلب من المتهم أن يوقع على ما يسجل من زور وبهتان في أوراق التحقيق تحت نظر وسمع كبار القضاة والمستشارين المنتدبين للإشراف على التحقيقات ."

تصرخ زينب الغزالي: 

"والحق أن كل شيء في هذه الأمة يمتهن ويمسخ ، كل ما فيها ومن فيها. حتى رجال القانون والقضاء الذين روى التاريخ نزاهتهم في كل عصر وكانت شجاعتهم في الحق مضرب الأمثال، رأينا بعضهم في السجن الحربي مسخا مشوها وباطلا مزورا، يكذبون في شجاعة ويخافون الباطل ويدافعون عنه بجرأة . يهددون المتهم إذا لم يوقع على ما يسجلونه ويقر بكل ما يكتبونه ، بالعودة إلى مكاتب التحقيق بالسجن الحربي!! نظر وكيل النيابة إلىّ وضمادات الشاش تغلف قدمي ويغلف نفسي إعياء وضعف . . (...) والتفت إلى وكيل النيابة بوجه جامد ثم قال : يا زينب ، في هذه الملفات والدوسيهات أقوال الإخوان المسلمين كلها، واضح فيها موقفك جيدا، وأريد الحقيقة منك أنت، هذه حقيقة قالها حسن الهضيبي ، وقالها سيد قطب ، وقالها عبد الفتاح إسماعيل وقالها جميع الإخوان . . أريد يا زينب أن تتخلى عن عنادك وألا تضيعي وقتنا فيما لا يفيد . . والأمر بسيط جدا إعادتك إلى التعذيب مرة أخرى..

وأخذ يوجه إليّ الأسئلة وأنا أجيب . ولكني لاحظت عجباً !! كنت إذا أجبت على سؤال ببضعة كلمات أجده يملأ صفحة كاملة على إنها إجابة مني !! 

أثارني ما لاحظته فقلت لوكيل النيابة المحقق : ماذا يا أستاذ قناوي ؟ إنني أجبت على سؤال واحد في كلمات قليلة .. 

فقال : إنني أساعدك (..) قلت:.... إنما ما أهتم به . ألا يكتب باسمي إلا ما أقول . فقال سأقرأ عليك فيما بعد كل شيء . وقلت في هدوء وما الداعي مادمت تكتب من عندك . لا داعي لأن أتكلم وليكتب كاتب النيابة ما تريد على أن يكون في علمك أنني لن أعترف إذا كان هناك محكمة .. إلا بالذي أقوله أنا لك !! . 

وعاد إلي سؤالي . قال : أنت قلت : عبد الناصر كافر وحكومته كافرة والمجتمع كافر أيضاً.  

قلت : نحن لا نكفر أهل القبلة . (...) ثم عاد يسألني سؤالاً آخر فقال : أنتم كنتم تريدون قتل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ . قلت : إن المشغولين بالدعوة لدين الله وعودة الأمة الإسلامية إلى حياة الناس لا ينشغلون بهذه الأمور السخيفة . ثم يوم يعود المسلمون لدينهم فستنتهي كل هذه الرذائل ، وستتخلص الأمة من هذا التسيب المقيت ، وعبادة الشيطان في هذه الصور المختلفة التي فتنت الأمة وانهارت بها هذا الانهيار الذي جعلها غثاء كغثاء السيل .  

كان وكيل النيابة محمد القناوي يسمع منى كلاماً ويكتب غيره أو يحرفه أو ينقل كلاماً آخر من الملفات المرصوصة أمامه . وهكذا كانت خيمة النيابة على هذا النمط الغريب العجيب عشرة أيام . وكان المستشار محمد عبد السلام يتردد على الخيمة ويسأل القناوي عن الوضع ويقول له : أبذل جهدك .. وينصرف . 

وفي الخيمة قلت للقناوي : إني أرى شيئاً عجباً . أرى رجال القانون والقضاء في غابة يتعايشون مع وحوشها ، يلقون عن أنفسهم ثياب القضاء ويرمون من فوق أكتافهم أردية القانون والعدل قال : نحن نحرص على تخليصك وإنقاذك من الإخوان ليس لك بعد أقوال الهضيبي وسيد قطب وعبد الفتاح إسماعيل إلا شيئا واحد هو الإعدام . 

وما رأيك في كلام الهضيبي وسيد قطب وعبد الفتاح إسماعيل ؟ قلت أنتم تختلقون عليهم الكذب وهؤلاء هم طليعة الجماعة المسلمة . قال : وهل نكذب على أحد ؟ أنت لا تقولين الحقيقة وتكذبين . قلت أكذب على من ؟ . قال : على الحكومة وعلينا نحن رجال النيابة . قلت أنت مصدق أنك من رجال النيابة ومن رجال القانون . 

قال : سأقفل التحقيق وأعيدك إلى مكاتب التعذيب .. (...) 

أمرني بالتوقيع على ما كتب فرفضت . فأعادني مرة أخرى إلى المكاتب وجلدت من جديد وأعادوني مرة ثانية إلى مكاتب التحقيق .. 

وانتهت مهزلة التحقيق .. 


***  

أعترف أنني أوردت الاستشهاد السابق والمرارة تقتلني، ذلك أن الحاضر معبق بشذى الموقف البطولي لرجال نادي القضاة، ولقد قدرت في البداية أنه من مجافاة الذوق أن أذكرهم بمساوئ موتاهم، لكنني تذكرت على الفور، أن تلك النماذج البشرية الشائهة الممسوخة التي وصفتها المجاهدة زينب الغزالي لا تمت إلى القضاء الحقيقي بسبب و إن ألبسهم الطاغوت الفاجر طيلسان القضاة و أسبل عليهم أوشحة رصعها بشاراته.. لم يكونوا قضاة وإنما كانوا نطف كذب نجسة في رحم التاريخ. 

أنا لم أخرج على الموضوع يا قراء..

إنني أطرح أمامكم أحوال القضاء التي أُعدم تحت ظلالها الظالمة شهيدنا الغالي.. واثقا أنكم تدركون دون أن أقول أن جزءا من مشروع سيد قطب كان حتما أن يتناول قضاة النار.. قضاة الطاغوت.. أولئك القضاة الذين باعوا دينهم وضميرهم ووطنهم بثمن بخس، فلم يكونوا  الأحمق فقط، بل الأكثر حمقا، لأنهم باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم.

أولئك القضاة الذين وافقوا ودعموا وفصلوا القوانين التي حوكم بمقتضاها الإخوان والتي لا يذكرها القوميون أبدا كوصمة عار تجعل من تاريخ الثورة تاريخ ترويض الأمة وتسليمها لأعدائها منزوعة النخوة والقدرة على المقاومة. وصمة العار التي جعلت محمد حسنين هيكل يصرح للمصري اليوم(8/5) أن:  "الشارع مش هايعمل تغيير.. هذا الشارع نحن مزقناه"..

نعم.. مزقوه.. والقول صحيح بأكثر مما يقصد هيكل نفسه..

إلا أنني قد تنبهت إلى حقيقة هامة و أنا أراجع ترسانة القوانين حين تحول القانون إلى سمين في يد مجنون أو مجرم.. فعلامات التاريخ متشابهة والحذاء الذي ضرب المستشار محمود حمزة هو نفس الحذاء الذي ضرب المستشار عبد الرازق السنهوري.

تنبهت إلى حقيقة هامة أن التاريخ يمكن أن يُقرأ بصورة أكثر دقة مع قراءة القوانين التي صدرت إبان هذه الفترة التاريخية أو تلك. إنه شيء أشبه بعمل الطبيب الشرعي مرة أخرى، أو بعمل قصاص الأثر أو القيافة. إنه عمل يستمد مصداقيته من تجاوزه للكذب الإنساني.

ولنضرب مثلا بالحاضر، فإن تناول تعديل المادة 76 من الدستور وتأجيل انتخاب المحليات، وإعلان  تمديد الطوارئ، و إزاحة بعض صناع القرار من مراكزهم دون شغلها كي تتهيأ لاستقبال القادم، بل وبعض الفضائح والجرائم التي تثار حول كل من يمكن أن يشكل منافسا على انتخابات الرئاسة، أقول أن قراءة تلك القوانين والأحداث، قد تظل عديمة الترابط، وعصية على الفهم، حتى توضع في إطار  التصور الشامل لما حدث، لتصبح في هذا الوضع الجديد أكثر صدقا و أدق تعبيرا عن نوايا توريث الحكم، رغم أي نفي معلن!.. 

نعم .. في إطار التوريث سوف يفهم تماما كل قانون: لماذا صدر.. وكل تعديل لماذا استحدث، وكل حادثة لماذا حدثت.. ( وهذا مجال يستحق دراسة مفصلة من أحد الباحثين)..

كذلك، وعلى نفس المنوال، فإن مراجعة القوانين التي صدرت في الخمسينيات والستينيات، سوف تدل على نوايا ترويض الأمة – بوعي أو بغير وعي-  وعلى سبيل المثال فإن المسارعة بإنشاء سجون جديدة و تجهيز القديمة بسرعة فائقة قبيل حادث المنشية عام 1954 وكذلك قبل اكتشاف ما سمي بتنظيم 1965 إنما يشير إلى النية المسبقة على العصف بالإخوان المسلمين، وطبيعي أن يواكب ذلك تلفيق القضايا لهم. أما ترسانة القوانين فهي تكشف ما خفي، بل وتشير إلى التفاصيل التي لم يعترف بها مصدر آخر. فقط بعد وضعها في سياقها وفي إطار التصور الشامل لما حدث. تماما كما تكشف القوانين الراهنة مخطط التوريث.

إنني أتحدث هنا عن تاريخ القوانين ليس بتعريفها في مناهج القانون كأداة ربط بين القوانين الحالية في خطوطها العامة وبين الجذور التي استمد المشرع منها هذه القوانين سواء كانت سماوية أو وضعية. لا أقصد ذلك .. بل أقصد معنى آخر.. ما أقصده هو دراسة الفترة التاريخية التي أُصدرت خلالها هذه القوانين.. حيث لم تصدر القوانين كتلبية طبيعية لحاجات المجتمع.. بل صدرت كآلية لتنفيذ مؤامرات السلطة ضد الأمة.. أصدرها كلاب للنار يسمونهم "ترزية القوانين".. في الماضي كانوا مستترين والآن جاهروا..إنها حيلة السلطة المجرمة التي تتآمر على أمتها.. وتدرك أن قانونها الراهن لن يسعفها لحصار الأمة أو قتل زعمائها.. لذلك فإنها تبتدع من القوانين ما يمكنها من ذلك.. الأمر مثل أمر عصابة تجهز لعملية سطو.. فتعد من المعدات ما يمكنها من إتمام عملية السطو تلك بنجاح.. لكن في حالتنا تلك فإن السلاح لا يقتصر على النار فقط.. بل يشمل تجهيز مواد القانون أيضا. وهي قوانين كالشراك الخداعية الكامنة كي تصطاد الأسود حين تمر..

في القوانين التالية سوف نقرأ سرد أحداث محاولة القضاء على الإخوان المسلمين، لا كحزب سياسي، بل كالجزء الباقي من فلول جيوش كانت كتائبه تشكل جيش الإسلام المجاهد. سوف نقرأ هذه القوانين التي جعلت هيكل يصخ بعد خمسين عاما لينطق بالحق دون أن يقصد: ".. هذا الشارع نحن مزقناه " ..كانت هذه الترسانة من القوانين  هي التي مزقت الشارع وقد  صدرت لتفكيك الإسلام، للقضاء عليه، وكان ذلك مطلبا أمريكيا كما هو سوفياتي، وقبل هذا و ذاك كان مطلبا إسرائيليا. نعم.. إن العقلية القومية الناصرية التي اعتبرت الإخوان المسلمين محور شر و إرهاب.. هي ذات العقلية الصليبية الصهيونية التي أعلنت الحرب العالمية على الإسلام، وما القوانين التي يصدرها الكونجرس الأمريكي اليوم إلا امتدادا وتدعيما و إكمالا للقوانين التي شرعها مجلس الأمة المصري تحت ظلال الناصرية والاشتراكية والشيوعية والعلمانية.

من هذه القوانين - كما يذكر النائب العام الأسبق المستشار محمد عبد السلام في كتابه: سنوات عصيبة-  القانون رقم 119لسنة 1964 و الذي تجيز المادة الأولى منه للإدارة اعتقال المواطن بإرادتها وحدها، في معزل عن أية رقابة قضائية ، ولمدة غير محددة ، ودون أي تنظيم يكفل لها المراجعة أو حتى التذكرة ولو لم يقع من الشخص ما يريب وذلك لمجرد كون الإدارة نفسها سبق لها اعتقاله ولو لغير سبب أو حتى  نتيحة خطأ، أو لمجرد وقف الإدارة مباشرة حقوقه السياسية، حتى لو كانت قد سمحت له بممارستها من بعد، أو لمجرد تطبيق القوانين الاشتراكية عليه ،  وهو تعبير يتسع لكثير من القوانين التي لا يحمل تطبيقها مظنة أي تهمة أو مخالفة ولمجرد سيق صدور حكم عليه من محاكم أمن الدولة ، ولو كانت محكمة جزئية ولو كان حكما بالغرامة في جريمة عدم الإعلان عن الأسعار مثلا .

وقد خولت المادة الثانية النيابة العامة سلطات استثنائية تمارسها بعيدا عن رقابة  القضاء العادي أيا كان شخص مرتكبها بل ونزعت اختصاص القضاء العادي بنظر هذه الجرائم  وهى أخطر ما في قانون العقوبات ونقلته إلى محاكم تشكل بقانون الطوارئ مما يتيح قيام قضاء استثنائي في الظروف العادية يقتصر تشكيل المحاكم فيه على العسكريين .

 وفي المادة الثالثة شرع القانون فرض الحراسة. أما المادة الرابعة فإنها تحصن هذا القانون جميع القرارات الصادرة إعمالا له من أي طعن.

ولقد أسند  القانون رقم 150 1965 بأحكام القانون رقم 119 / 1964 إلى كل شخص  سبق ضبطه أو التحفظ عليه في الفترة ما بين أول مايو 1965 وآخر سبتمبر 1965 ( لاحظوا التواريخ يا قراء) مع  النص على عدم جواز الطعن بأي وجه من الوجوه في الأوامر أو القرارات التي أصدرتها  السلطات  قبل العمل به أو في القرارات الصادرة نفاذا له. 

وفي نفس السياق تكفلت مواد أخرى بإطلاق  سلطة اعتقال أي مواطن لمدة غير محدودة ولغير سبب محدد ودون أي إجراء يكفل سماع دفاعه أو يمكن الإدارة ذاتها من المراجعة أو التذكرة  وإلى حرمان المقبوض عليه من التظلم في أمور حبسه  كما تضمنت هذه القوانين اختصاصات المحاكم العسكرية والاستثنائية وقوانين الطوارئ، بل وثمة قوانين قد صدرت- لأول مرة في التاريخ- على أن تنفذ بأثر رجعي!!.

*** 

كانت السلطة قد قضت على كل القوى الحيوية في المجتمع، وكانت قد أمنت الجيش بعد أن قضت تماما على المعارضة فيه، وقضت – أو ظنت- على الإخوان والوفد، وقضى الشيوعيون على أنفسهم .

***     

تم سحق كل الجبهات وبقي سحق الأفراد.. وقد كان لهم مخطط آخر..

في كتابه" في خدمة السلطة" ينقل الدكتور محمد الجوادي عن الكاتب الصحافي جلال الدين الحمامصي قوله :

" ..فقلت إن مصر ستواجه ضغطا أو حصارا اقتصاديا ،  وإن علينا أن نستعد لذلك. 

ونظر – جمال عبد الناصر-  إلىّ بعض الوقت وقال معلقا على رأيي:

"إن هذا الحصار لن يؤثر علينا إطلاقا لأن الشعب المصري ينقسم إلى ثلاث فئات: الفئة الكبيرة التي تعيش  على الجبن والبتاو وقطعة البصل، والفئة الأخرى هي فئة نادى الجزيرة (ويعنى بها فئة الأرستقراطية ) ، وهؤلاء أستطيع جمعهم في معسكر بالصحراء تحيط به الأسلاك الشائكة ويظلون هناك إلى أن أشاء.. أما الفئة الثالثة فهذه أستطيع إمساكها من لقمة العيش..!!..

 وكان يعنى بذلك التحكم في رزقها ومالها ودخلها!!

وكانت هذه أول مرة أستمع فيها إلى هذا  السلاح الجديد.. سلاح لقمة العيش، ولا أظن أن هذا التفكير أو هذا التخطيط الشعبي طرأ عليه فجأة ء بل من المؤكد أنه فكر فيه من قبل، وأنه قد اتخذ قرارا بأن  يحول مصر إلى مزرعة تدار لحساب الإقطاع الثوري الفردي، بحيث يصبح كل فرد  في هذه المزرعة ملكا له . فإما أن يخضع له ولأفكاره ء وإما أن يحرم لقمة العيش حتى يخضع أو يموت ذليلا..( كتاب حوار خلف الأسوار)

ويعلق الدكتور محمد الجوادي على ذلك بقوله: 

ويبدو لي أن الحمامصي كان محقا إلى حد كبير في رؤيته هذه ء وقد أورد فتحي غانم في كتابه " المعركة بين الدولة والمثقفين"  تفاصيل دقيقة عن حوارات استمع إليها تؤيد تفكير عبدا لناصر في هذا الأمر بهذا الأسلوب العجيب !

...

سبحانه..

تتهاوى أردية الكذب رداء بعد رداء..

وتسفر الحقيقة بهية كوجه الصبح..

وتنكشف العورات..

***     

لن أمل أبدا من التركيز على أن الآليات المجرمة التي اتبعت في الماضي لتفتيت الأمة هي ذات الوسائل المتبعة الآن.

كان القضاة – كعنوان للحقيقة- يشكلون رعبا للطاغوت فحاول ترويضهم.. فلما لم يستطع حطمهم في مذبحة القضاء فما لبث أن تحطم هو وعاد القضاء، وهو نفس ما يحدث الآن.

كان الطاغوت قد نجح في تشويه الرمز وتدنيس المحراب ببعض قضاة النار.. وفي تدارس الماضي إجابة مريرة لسؤال أشد مرارة. سؤال يفري كبدي، هذا السؤال يقول:

لماذا تتخلى الأمة عن شوامخها الذين يعتصمون في نادي القضاة دون أن تشكل حولهم سياجا يحميهم لتكون لهم محجرا حول العين وضلوعا تحيط بالقلب.. لقد كنت أتوقع أن يخرج الملايين فلماذا لم يصل العدد حتى للمئات..؟

لماذا؟!..

أما الإجابة فهي أن ممارسات قضاة النار والنيابة منذ خمسين عاما كان الطاغوت قد مزق العلاقة بين الأمة وبين شوامخها، وطغى قضاة النار على قضاة الجنة، لا بالعدد بل بالصوت وبالمناصب التي منحها الطاغوت لهم، فلما استجمع الشرفاء الشوامخ قواهم للمواجهة كانت الأمة عاجزة بالتمزق القديم في العلاقة..

الطاغوت الذي مزق تجمع القضاة ودهس القانون بحذائه منذ خمسين عاما كان يمهد لتلك اللحظة الراهنة الآن ويتوقاها ويوسع الشقة بين الناس وبين قضاتهم..

كان موقف الطاغوت نطفة كذب نجسة لقح بها التاريخ كي ينجب له جيلا مشوها لا يهرع لنصرة  شيوخه ..

كان الطاغوت الموكول إليه المحافظة على وحدة الأمة يفتتها ويبث فيها الخراب..

كان يقتل كل قيمة شريفة ونبيلة لتعلو قيم القسوة بدل الرحمة والخداع بدل الوفاء والكذب بدل الصدق..

كان وما يزال..

***  


لا يقتصر الكذب على الاستراتيجيات الكبرى بل هو سمة أخلاقية شاملة لحد مذهل، منذ أسابيع كنت أطالع الأهرام ففوجئت بعنوان خبر مقتضب  يقول : 

"خلال القبض علي‏12‏ شخصا أمام نادي القضاة- إخلاء سبيل رئيس محكمة وشقيقه فور الإطلاع علي شخصيته"

وفي نفس اليوم 25-4  كانت صحيفة المصري اليوم تنشر حقيقة ما حدث:

عندما قام الضابطان بالاعتداء علي بالضرب والسب، صرخت: «حاسب.. أنا مستشار.. رئيس محكمة شمال القاهرة» فجاء الرد صارما: «أخرس يا كلب».. ثم فوجئت بـ٤ أمناء شرطة يمسكون بشقيقي أحمد ويعتدون عليه هو الآخر(...) واستمروا في الاعتداء علي دون رحمة والنظر لتوسلاتي، بعد أن سمعت شتائم لم أسمعها في حياتي(...) وكنت أنزف بشدة، ثم أغلق الضابطان وأمناء الشرطة باب السيارة، ولم أتوقف عن النداء: أنا رئيس محكمة، ولم يسأل أحد في أو في شقيقي. (...)  شعرت بحالة من الإغماء(...) لم أتصور قبل أمس أن هناك ضباط شرطة يقومون بإهانة الناس والمواطنين بهذه الطريقة الوحشية(...)  أنا علي سرير المرض انضم إلي كل صوت يطالب بإقالة وزير الداخلية فهذه الاعتداءات لم تحدث حتى في عهد الملك مينا.

 القارئ يعلم من التفاصيل أكثر من ذلك فالجريمة شاهدها مئات وربما آلاف الناس جلهم مستشارون وقضاة كما نشرتها الصحف و أذاعتها الفضائيات، فالرجل أعلن عن شخصيته منذ البداية فأخذوا يضربونه بالأحذية بوحشية حتى كسروا له ثلاث فقرات وبعض الضلوع والترقوة وأصابوا الكلية إصابة جسيمة. 

نعود إلى عنوان الخبر في الأهرام: 

"خلال القبض علي‏12‏ شخصا أمام نادي القضاة- إخلاء سبيل رئيس محكمة وشقيقه فور الإطلاع علي شخصيته"

  صرخت لماذا تتستر الأهرام على هؤلاء الوحوش، إن رئيس تحرير الأهرام – كما حفلت الأدبيات السياسية دائما- أقوى من رئيس الوزراء.. فلماذا يتستر.. لماذا يكون بوقا للباطل..  لكنني ما أن بدأت في قراءة تفاصيل الخبر حتى خرست. لم يكن الأهرام هو الذي يتكلم.. بل كان ينشر بيانا  للنائب العام!!.. 

بعد العنوان كانت تفاصيل الخبر تقول:

في بيان للمستشار ماهر عبد الواحد النائب العام صدر أمس‏,‏ أكد أنه خلال إزالة إشغالات الطريق بشارع شامبليون أمام مقر نادي القضاة‏,‏ ألقي القبض علي‏12‏ شخصا تصدوا لمسئولي حي غرب القاهرة ورجال الشرطة‏,‏ بالإضافة إلي شخصين أحدهما يحمل سلاحا ناريا‏,‏ وكان يقوم بتصوير الأحداث بكاميرا هاتفه المحمول‏,‏ فتم ضبطه‏,‏ والتحفظ علي سلاحه‏,‏ والهاتف المحمول الخاص به‏.‏ وأوضح البيان أنه في أثناء نقلهم بسيارة الشرطة أطلعهم شخص علي شخصيته‏,‏ وأنه يعمل رئيسا بمحكمة شمال القاهرة‏,‏ فأخلت الشرطة سبيله علي الفور ومعه شقيقه‏,‏ وتم إخطار أحد أعضاء مجلس إدارة نادي القضاة بوصوله وشقيقه إلي المستشفي للعلاج‏.‏ 

 قرأت.. وذهلت.. وعجبت .. ودهشت.. وخرست..

بعد ذلك كذبت صحف أخرى وادعت أن المستشار حاول استخدام سلاحه ضد الشرطة. وتصورا هذا الخيال الفقير الغبي حتى في الكذب الذي لم يعد يعرف حياء.. يرى المستشار عشرين ألف وحش آدمي مدججين بمختلف الأسلحة فيشهر عليهم مسدسه.. مجرد مسدس!!.. ومرة أخرى فقد أوردت كل هذه التفاصيل فقط لأقول هكذا تم التعامل مع المستشار محمود حمزة سنة 2006 فلا تندهشوا ولا تنكروا ما حدث للمستشار على جريشة فيما سمي بتنظيم 1965.

***     

لم يقتصر الأمر أيضا على القضايا السياسية.. ففي قضية أصبحت تتكرر كثيرا مع المواطنين.. عاتب الممثل حسين فهمي أحد الضباط لأنه صدم مواطنا ثم ولى هاربا فلحق الممثل به وعاتبه، كان العتاب رقيقا ومهذبا كما يصف حسين فهمي، لكن الضابط الذي لم يتعود أن يعاتبه أحد لفق له قضية سب وقذف، وليفاجأ الممثل بعد شهور بالمحكمة تصدر ضده حكما  بالسجن 6 أشهر والغرامة500 جنيه بتهمة السب والقذف والاعتداء على ملازم شرطة ومجند. 

ومرة أخرى أنا لا أقصد حسين فهمي ولا تهمني قضيته..

لكنني أريد أن أثبت كيف تدون محاضر الشرطة وكيف  تزور في قضايا لا تحتاج إلى هذا الكذب، لأن المغنم منها ضئيل وحقير فكيف يكون الكذب إذا كان المغنم هو صولجان الحكم..

يا قراء: أنا لا أخرج عن السياق بهذه الحكايات الجانبية.. لكنني أريدها أن تكون في مخيلتكم ووجدانكم و أنتم تقرؤون لكلب من كلاب النار يستشهد بمحاضر الشرطة و أحكام المحاكم الاستثنائية  ضد الإخوان المسلمين..  وكل ما يستشهد به كذب في كذب..

ولا أريد أن أخوض كثيرا في قضاة النار ولا في نواب عموم النار  ولا وزراء عدل النار.. يكفي أن أقول لكم أنه كلما كان الواحد منهم يقترب من النار أكثر كان يقترب من قمة الحكم أكثر.. وفي مرات عديدة كان التزوير هو الباب الملكي – الجمهوري-  في حالتنا!!- إلى المنصب ..

( جملة اعتراضية: قاض في الجنة وقاضيان في النار.. لكن.. كم تبلغ النسبة  لوكلاء النيابة ورؤسائها.. خاصة نيابة أمن الدولة)..

لقد نبهنا العلامة المستشار طارق البشري إلى محاولة حاشية الملك رفع سن إحالة القضاة للمعاش كي يتيح لدائرة معينة الحكم على أحمد حسين – زعيم حزب مصر الفتاة- بالإعدام.. كما أن ما حدث في الستينيات يتشابه تشابها مذهلا مع ما يحدث الآن..

و إنني أرجوكم يا قراء أن تعطوني انتباهكم كله و أنا أعرض عليكم نداء موجها من نادي القضاة إلى رئيس الجمهورية يقولون فيه:


السيد الرئيس (...)..

"مجلس إدارة نادى القضاة المجتمع اليوم بدار النادي بالقاهرة (...)  ينهى إلى سيادتكم باعتباركم المرجع الأعلى والأخير والحصن الذي يحتمي فيه جميع المواطنين أن مجلس القضاء الأعلى قد نظر مشروح قانون استقلال القضاء وأدخل عليه تعديلات جوهرية . وأن هذه التعديلات لو كانت قد عرضت على المجلس التنفيذي الموقر لما أقر المشروع بصورته الراهنة، ولذلك فإن رجال القضاء إذ يلجأون إلى سيادتكم يثقون بأنكم ستأمرون بإعادة بحث مشروع قانون السلطة القضائية على ضوء التعديلات التي رأى مجلس القضاء إدخالها عليه . . "

المحزن أن السيد الرئيس حول لشكوى إليه إلى المشكو منه.. إلى طاغوت مزوّر أسندوا إليه وزارة العدل لا ليقيم صرحه بل ليذبحه.. حول الرئيس الشكوى إلى وزير العدل الذي استشاط غضبا وراح يفكر في التخلص من مجلس إدارة النادي بمقولة إن النادي يتدخل في غير عمله .. وكان نتيجة لذلك أن اجتمع مجلس إدارة نادي القضاة واحتج على وزير العدل وقرر إرسال برقية بهذا الاحتجاج إلى السيد رئيس الجمهورية .. وفيما يلي نصها:

" السيد الرئيس (...) 

تحية وإجلالا. .

في مكان بارز وتحت عنوان ملفت ظهرت جريدة الأهرام اليوم وبها خبر فحواه أن وزارة العدل أعدت مشروح قرار بإعادة تنظيم نادى القضاة وتعديل وظائفه الأساسية بتأليف مجلس إدارة النادي من أعضاء معينين ومنتخبين، كما يتضمن أن السيد وزير العدل سيصدر قرارا بتشكيل مجلس مؤقت لإدارة النادي من أعضاء يعينهم هو. . ولما كان رجال القضاء لم يصدر منهم ولا من ناديهم ما يبرر هذا الإجراء الصارخ فقد عجبوا أشد العجب أن تمتد يد الوزير فتتناول بالهدم والتقويض دعائم ناديهم في وقت يسود فيه رجال القضاء ود شامل ويظللهم تعاطف سابغ وتحدوهم قيادتكم الرشيدة . وإذا كان رجال القضاء بعيدين عن سبب هذا الإجراء كما أن ناديهم براء منه فقد أيقنوا أن ما حدا بالسيد الوزير إلى مثل هذا الإجراء هو الشكوى التي أرسلوها إلى سيادتكم بشأن ما يريد الوزير إدخاله من تعديل على أحكام قانون السلطة القضائية ، وبذلك بدأ الوزير سلسلة أخرى من هجماته على رجال القضاء وتحديه لهم فاختار أن يهاجمهم في عقر ناديهم بغير ما سبب أو مبرر (...)  إن فيه اعتداء على كيانهم وكرامتهم وقد سبق أن عرضت الفكرة التي يقوم عليها مشروع وزارة العدل على الجمعية العمومية لرجال القضاء والنيابة في 17 من يناير الماضي فرفضته بالإجماع .."

***

هل لاحظتم شيئا يا قراء؟!

أعترف..

لقد أوهمتكم أن الرسالتين السابقتين قد قدمتا للرئيس مبارك.. ولم يكن ذلك صحيحا..  إنما يكرر الماضي نفسه.. فقد وجهت الرسالتان السابقتان إلى الرئيس جمال عبد الناصر في أبريل ويولية عام 1963!! وقد أوردهما المستشار ممتاز نصار في كتابه: "محاكمة ثورة يوليو".. دار الشروق..

أقول أن الكفر ملة واحدة..

و أقول: على المدى البعيد كان الطاغوت يمزق الوشيجة بين القضاة وبين الأمة ليضمن أن الأمة لن تهرع لحماية شيوخها إذا ما قرروا الدفاع عن العدالة ولو بعد خمسين عاما..

ومن الناحية الأخرى كان الطاغوت يرهب القضاة ويسن قوانينه كي يذبح بها العدل.. 

وكان الطاغوت يمهد بقوانينه المصطنعة لذبح  شهيدنا الغالي..سيد قطب.. 

نعم.. فعلها الطاغوت..

و قتل الأذلٌّ الأعزَّ..


***     

]]]


]]]


]]]


حاشية1


يــــــــــــــــــــــــــــــــــارب


لا أريده أن يستقيل أو يتنحى أو حتى يموت..

أريد أن أراه في القفص يُحاكم.. ويقر .. ويعترف..


]]] 


حاشية 2


حقير


ليس سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه و أرضاه،  كما قال الكاتب الناصري الأمريكاني الحقير، و إنما أقصد آخر.. نعم.. هو من يجول بخاطرك أيها القاريء الآن.


]]]



حاشية3



منافق ودموي وجرم وكذاب


ألا تصلح هذه الصفات للإشارة إلى مليون من النخبة، الحمد لله، فمن غير المحتمل أن يقوم المليون برفع دعاوى السب والقذف ضدي.


]]]


حاشية4


مجنون وكذاب


انظروا نموذجا لكتابة أحدهم:

الخطر الأساسي اسمه الاستعمار الوهابي وكثير من السلوك الديني الآن انعكاس لتأثير الفكر الوهابي علي مصر، فكر يتمسك بشعائر وطقوس معينة ولا يهتم بأخلاقك الدينية، فكر يجعلك تصلي وتصوم وتزكي وتتحجب وليس مهما أن يكون لديك أخلاق أو قيم دينية. تأثير الوهابية كبير، أعتبره مثل تأثير الصهيونية، الصهيونية عدو خارجي والوهابية سرطان آت من الداخل، خلايا سرطانية لا تستطيع أن تتعامل معها موضوعيا، كيف أتصور مثلا أن ٩٩% من أمهاتنا لم يكن محجبات والآن الحجاب من أجل إرضاء هذه الثقافة فضلا عن أنه بالفعل غطاء للفقر وليس غطاء للرأس وهو سلوك أيديولوجي داخل الثقافة الوهابية، حجاب علي العقل والقلب كما قالها الراحل زكي نجيب محمود: هل لك أن تتصوري مريضة تشكو من حالة اكتئاب شديدة يرجع تاريخه إلي اليوم الذي ارتدت فيه الحجاب وعندما قلت لها: لماذا لا تخلعينه، قالت: لا أستطيع، زوجي لا يوافق والظروف أقوي مني.


]]]



حاشية 5


فضيلة المفتي والفتوى المضادة 


أعترف أنني بدأت هذه الحاشية ناويا السخرية من فضيلة المفتي، إلا أنني فوجئت بأإن ما ظننته سخرية قد انقلب إلى جد.

كنت أنوي التعليق على فتواه بقتل المتشددين والإرهابيين الذين يهاجمون المدنيين دون حوار معهم..

كانت الفتوى رخصة شيطانية مجانية تفوض الشرطة في القتل.. رغم أن نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم اشتد في الخطاب على صحابي جليل قتل مشركا وهو ينطق بالشهادة بعد أن ظن أن المشرك إنما ينطقها للهروب من القتل.. الآن يأتي فضيلة المفتى ليفوض الشرطة في قتل من لا يوجد في إسلامهم أي شك..

قلت لنفسي ساخرا أنني أوافقه في أنهم أوباش، و أوفقه على أنهم يقتلون المدنيين، و أوافقه على ضرورة قتلهم دون حوار.. وما أختلف معه فيه أمر واحد فقط.. هو من هم الذين تنطبق عليهم الفتوى.. فهو يرى ما يراه..أما أنا فأرى أن من تنطبق عليهم هذه الصفات، ليس المجاهدين، بل الأمريكيين والإسرائيليين..

بعد أن أنهيت فتواي المضادة اكتشفت أنها صحيحة .. ولا تشوبها شائبة من سخرية.


]]]




حاشية6


بريد القراء 


أرجو من الإخوة أصحاب المجموعات البريدية أن يعفوني من إغراقي بمئات الرسائل يوميا، الأمر الذي أوصلني إلى العجز عن قراءته رغم ما يحتوي عليه أحيانا من معلومات هامة.. إنني أرجوهم أن يكفوا.. 


]]]



حاشية7

لولا أنه نذر


الكتابة في هذا الجو الموبوء أصبحت جمرا من النار تقبض عليه اليد فيسري كالنار في العروق ويكوي القلب.. علينا أن نعترف أن أعدائنا ينتصرون ونحن ننهزم.. و أنهم يتجمعون ونحن نتفتت.. و أن الضغوط ضدنا تنجح.. فأغوت جلنا  مصالح الحياة القصيرة التافهة لتصبح هي – وليس الجهاد- هي حجر الرحى الذي يدورون حوله، ولولا نذر نذرته على نفسي ألا أضع القلم من يدي إلا بعد أن يتحطم أو أتحطم أو يسلب مني لتوقفت عن الكتابة منذ أمد طويل.. ولو كان الأمر بيد بشر لطلبت منه أن يقيلني من نذري.. لكن النذر كان لله.. فهو حسبي ونعم الوكيل.

]]]


حاشية8 


عادل حسين


على المستوى العام: ما أشد حاجتنا إلى حكمته وصفائه وعقله..

وعلى المستوى الخاص ما أشد شوقي إليه..

وعلى المستويين: لقد فقدنا الكثير بفقده..


]]]


حاشية9


مع مبارك وضد القضاة!!


رغم أن قلبي وعقلي مع القضاة إلا أنني أفهم موقف الرئيس مبارك و أتعاطف معه، كما أنني أعتب على الكتاب الشرفاء الذين لا يقولون الحقيقة كاملة، فالرجل إن نفذ للقضاة مطالبهم فقد هلك..

لأنه إن طاوعهم على عدم تزوير الانتخابات فسوف يسقط بحزبه سقوطا مخزيا ومريعا..

و إن طاوعهم على الطهارة والشفافية لغيبوا الرؤوس وراء القضبان..

و إن طاوعهم على الحكم بالحق لكانت أعمدة النظام متهمة بالخيانة العظمى..

فكيف يريدون منه أن يوافق على كل ذلك. 


]]]



حاشية 10 


تعذيب..


يا رب.. أرنا فيمن يعذبون الناس يوما كالذي رآه الإيرنيون في كلاب السافاك.. 


]]]




حاشية 11 

ظلــــــــــــم


قال لي صاحبي:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة... على النفس من وقع الحسام المهند..

وقلت لصاحبي في ألم كظيم وهم عظيم:

إن كان ظلمهم أشد على النفس من السيف.. فكيف يكون انحرافهم..


]]]




حاشية 12 


عامر عبد المنعم 



إحقاق لحق أخشى أن يهضم فإن علي أن أنسب فضلا ضائعا لأهله.. والأهل هنا هم  عامر عبد المنعم رئيس تحرير الشعب  ..

سوف أعبر – لأسباب أحتفظ بها  – متن الكتاب كله لأصل إلى سطوره الأخيرة..

اللهم إنك تعلم أنه – ولا أزكيه يا رب عليك فأنت أعلم-  لم يخدم سواك ولم يقصد وجها غير وجهك.. و أنه كان شفافا طاهرا متفانيا ومجاهدا .. و أنه قام كفرد بعمل كتيبة..

اللهم إن ما فعله في سبيلك لا يملك جزاءه عليه سواك.. 

فاجعله يا رب في ميزان حسناته..

واخلفه عليه في الدنيا والآخرة..










 



حسن البنا: الرجل القرآني

وهيكل: مزور التاريخ 


بقلم د محمد عباس

www.mohamadabbas.net

mohamadab@hotmail.com




تصدع قلبي..

أحاطني بركان من النار و إعصار من الألم.. وارتبطت الأسباب بالنتائج والمقدمات بالنهايات.. حتى توحد الألم العنيف الذي سببه المشهد المروع لمصرع تلك الأسرة الفلسطينية  وهي في نزهة بريئة بائسة على شاطئ  البحر ثم انطلاق تلك الصرخات الرهيبة الدامية المروعة من ابنة الأسرة التي نجت من القصف: هدى غالية والتي حملت ألما سيظل ينوء به كاهل البشرية و إدانة تصم بالعار التاريخ الإنساني منذ قابيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. أقول ارتبط الألم الذي سببه صراخ الطفلة على أشلاء أبيها بألم آخر قديم سببه ألم أب على ابنه.. خاصة عندما يكون هذا الابن هو الرجل القرآني الإمام الشهيد حسن البنا.. والذي بدا لي على الفور أنه لولا نجاحهم في اغتياله منذ نيف وخمسين عاما لما نجحوا في اغتيال أسرة هدى غالية..

ارتبط الألـَمَان.. ارتبطا رغم مجهود طويل ومضن بذل وما يزال كي لا نكتشف أن الألـَمَين مرتبطان..

ارتبطا.. رغم أن مجهود واحد كمحمد حسنين هيكل طول عمره هو أن يطمس هذه النقطة بالذات: نقطة ارتباط الهوان الذي تتعرض له الأمة الآن بحل حركة الإخوان المسلمين عام 1948 ثم التنكيل بها على يد حبيبه وصديقه وربيبه جمال عبد الناصر..

نعم .. ما حاول هيكل أن يفعله طول عمره هو طمس العلاقة بين دموع الشيخ الجليل أحمد عبد الرحمن البنا والطفلة البريئة: هدى غالية.

حاول هيكل كرأس حربة أن يطرد العملة الصحيحة بالعملة الرديئة.. و أن يدعي أن أمر الإخوان مجرد خلاف شخصي بين هذا وذاك.. وليس خلاف منهج يتعلق بالوجود كله.. خلاف حول منهج النجاة الذي كان هو واحدا من دعائم هدمه.. ومنهج الهلاك الذي كان هو وما يزال علما من أعلامه وراية من راياته. ولقد بلغ به الأمر في محاولاته لشخصنة الخلاف و إبعاده عن الدين أن يزعم أن بعض الإخوان يقولون أن مشكلتهم كلها كانت بسبب عبد الناصر والثورة.. وهو زعم كاذب شرير لم يقل به أحد.. لكن هيكل يتناوله كمسلمة من المسلمات ثم يوغل في تعداد أدلة التنكيل بالإخوان قبل الثورة مستعملا لازمة لفظية: ولقد حدث كذا وكذا ولم يكن عبد الناصر موجودا ولم يكن الضباط الأحرار موجودين!!.. ولو لم يتنبه القارئ لحديث إفك  هيكل في السطر الأول لانبهر بموقفه ورأيه .. ولردد معه إدانة الإخوان المسلمين الذين يفتقدون أبسط مقومات الصدق والأمانة.. لكن هذا القارئ أو المستمع إذا تذكر أن استشهاد الإمام الشهيد كان على يد رجال الملك، و أن التنكيل بالإخوان بدأ قبل الثورة.. و أن الاغتيال والتنكيل تم برعاية أمريكية.. عندما يدرك القارئ ذلك يدرك في نفس الوقت كم يكذب هيكل.. ويدرك أيضا كيف يكذب!! إنه يذكر واقعة خطأ ثم يستبسل في الهجوم عليها!! ثم يخلص من ذلك بالنتائج التي يريدها..

]]]

لم يذّكر هيكل الناس أبدا رغم آلاف الصفحات التي خطها يراعه أن تاريخ حل الإخوان هو ذاته تاريخ إنشاء إسرائيل.. ولا هو حاول أن يذكرهم  أن قرار الحل جاءهم وهم في أوج العمليات الجهادية، وأن الشهيد محمد فرغلي ( لم يقتله الصليبيون ولا اليهود بل قتله عبد الناصر) قد اعتقل مع الحل عام 1948 حين حضر من فلسطين ليجند عشرة آلاف متطوع ويعود بهم إلى هناك، ولم يذكّر هيكل الأمة بأن أبطالها المجاهدين في فلسطين قد تم إلقاء القبض عليهم أثناء الجهاد ليحولوا مع جرحى العمليات العسكرية إلى معتقل الطور..

ولم يذكر هيكل الناس أبدا بشهادات قيادات الجيش في حرب 1948 عن بطولات الإخوان المسلمين.. بل كان يسير في الطريق العكسي فكانت اللغة عنده كما يقول تاليران وسيلة إخفاء الحقيقة لا إظهارها.

لقد حاول هيكل طوال عمره تقطيع أوصال القضية.. لأن اكتمالها في أعين الناس وفي وعيهم سيظهر مدى بشاعة ما يدعونا إليه..

]]]

لم أكن أريد أن أقطع التسلسل في كتاباتي عن الإخوان المسلمين، لكن حلقة هيكل على قناة الجزيرة  في 15/6/2006، وكان جزءا كبيرا منها عن الإمام الشهيد حسن البنا، وتطرق الأمر بطبيعة الحال إلى تاريخ الإخوان المسلمين. وقد شاء الله وقدر أنني قرأت كثيرا جدا من تاريخ الإخوان المسلمين في العامين الماضيين، وقد مكنني هذا من قاعدة معرفية جعلتني أعرف ليس: كم يكذب هيكل.. بل جعلتني أعرف أيضا كيف يكذب؟.. كنت أتابع البرنامج مذهولا.. لم يخذلني في ذكائه.. بل لعله أذكى بكثير مما كنت أظن.. إنه يمارس الكذب ولا يكاد يترك آثارا خلفه.. إنه كالساحر الذي يسحر أعين النظارة فلا يرون كيف يتحرك ولا كيف يفعل ما يفعل. أو كأولئك الجلادين من جبابرة التعذيب الذين يتمرنون على التعذيب الذي لا يترك علامات خلفه يمكن إدانتهم بها. 

كان هيكل يتحدث عن الإمام الشهيد  حسن البنا

لاحظت كيف يتحدث، ففضلا عن الكلام المنطوق من الشفتين كانت أصابعه ويداه وجذعه وملامحه جميعا يتكلمون.. وكانت تكفي حركة من اليد أو الجذع لتعطى كلماته معنى لم يكن يمكن أن يكون لها لولا تلك الحركة..أو الإشارة أو الإيماءة..

ولكي أضرب الأمثال فإن سيدة أنيقة جدا ووقورة جدا وجميلة جدا وتبدو عليها البراءة الشديدة تستطيع أن تخرب ألف بيت بإيماءة.. و أن تزرع ألف بذرة شك بنظرة.. أو أن تخرب بيوتا بكلمات ظاهرها البراءة.. كأن تجيب زوجا يسألها عن عفاف أهله بكلمات مثل: " ربنا أمر بالستر"..

فهكذا هيكل.. ليس في كل الأحوال.. لأنه في أحوال كثيرة لا يكتفي بالإيماءة أو النظرة أو الكلمة البريئة، بل يستعمل أسلوبا فاحشا وبذيئا.. ولعل القارئ يذكر في مقالات سابقة وصفه المقزز البذيء لطريقة تقبيل الملك فاروق لزوجته متعمدا أن ينقل لها التهاب لثته الصديدي، ولعل القارئ يذكر أيضا ادعاءه – وهو بالمناسبة ادعاء يستحق عليه الجلد- عن تفاصيل العلاقة بين النحاس باشا وعشيقته الإيطالية.

]]]

وقبل أن يلجأ بعض القراء إلى مخزونهم المعرفي القديم عن هيكل الذين يأخذون كلامه على محمل الجدية والصرامة والمنهج الحديدي حتى لو اختلفوا معه، فإنني أنبههم إلى خلط مخل يقع فيه هيكل عندما يتناول الدين بمنطق براجماتي علماني يتنافي مع الشروط التي يضعها هو نفسه لقراءة التاريخ وتفسيره.. إنه يقول على سبيل المثال:

 أنا الدين أعطاني نور وأعطاني نور أمشي على هداه وأشوف أين طرق السلامة أنا أشوفها أين طرق السلامة أين طرق لأنه المجتمعات البشرية بتسعى إلى عدة حاجات واحد تسعى لأمنها وبتسعى إلى رخائها وبتسعى إلى مستقبل وأحلام تتصورها وهي في هذه مهمة بشرية، العناية اللي هي أعطني الضوء فكشفت لي مسرح ما أتحرك فيه علي هنا أن أعمل اجتهادي وأكرم معنى الرسالة التي أرسلت إلي بنور وأن أبذل جهدي في أعمار الأرض حتى يعني لكنه أنا لا آخذ على نفسي أن أقول إنه مصحف وسيف ما أقدرش أقول مصحف..إلخ"..

هنا لابد أن ينبثق التساؤل بل ينفحر: أي دين ذلك الذي يعنيه هيكل؟ 

هل هو الإسلام؟ ..

هل هو : إن الدين عند الله الإسلام؟..

هل هو: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه؟..

هل هو الإيمان بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات؟..

هل هو الدين الذي تضع لنا مواصفات وحدوده آيات القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم؟..

هل هو ذلك؟..

وهل يبحث هيكل عن انعكاسات ذلك النور في النسق الإسلامي أم خارجه ؟

تلك الأسئلة ضرورية جدا كي نصل إلى لغة واحدة وفهم مشترك.. لابد أن نعرف ما هي مدلولات الصدق والكذب عند هيكل.. وكيف و أين يبحث عن  الإجابة على أسئلة الإنسان المصيرية: من هو؟ ومن أين جاء؟ وإلى أين يمضي؟ وما الهدف؟ ثم سائر منظومة القيم الحياتية كالحرية والخير والجمال  والعدالة غاية  السعي الإنساني؟ هل يبحث هيكل عن ذلك فعلا في نور الدين؟ أم أنه يكذب علينا ولا يتبع إلا النسق العلماني الذي يتمحور حول الاقتصار على العقل الإنساني وخبراته ومهارات التجريب. هل يعترف هيكل  بأبي حنيفة ولو إلى جوار كانط؟ أو بالإمام الشافعي  إلى جوار ديكارت؟ أو بالغزالي إلى جوار هيجل؟..

هل يعترف حقا بالإمام الشهيد حسن البنا ولو إلى جوار إيمانه بجمال عبد الناصر؟..

هل يعتمد هيكل حقا الدين كنور ينير؟ أم أنه يستعمل الجملة الزئبقية لخداع الناس والهروب من مأزق السؤال الذي نوجهه له الآن؟..

نعم: هل يعترف هيكل بالتفسير الديني للتاريخ؟ هل يعترف بغائية البشرية؟ أم أنه استسلم ذلك الاستسلام المر الذي استسلمته النخبة جلها للفكر البراجماتي الذي يعود في حذوره – كما يعترف صاحبه وليم جيمس- إلى المزج ما بين السوفسطائية حيث الإنسان مقياس كل شئ  والأبيقورية حيث اللذة هي الغاية الوحيدة.

في البراجماتية – كما يقول وليم جيمس- ننظر للأشياء من منظورها المادي لا المثالي،  واللاديني لا الديني،  والتجريبي لا العقلي ( لاحظ الدواعي الباطلة باتباع العقل والمنطق  بينما هم لا يتبعون العقل بل التجريب).... أما المقياس الخارجي الذي يحكم على كل هذا فهو مقياس النجاح والفشل.. إذا نجحت تجربتك فأنت على صواب وتستحق الاحترام فإذا فشلت فأنت تستحق الازدراء..  فإذا فشل الإخوان المسلمون مثلا في تولى الحكم فهم مخطئون و إذا نجح الضباط الأحرار فهم على صواب.. و إذا فشل الفلسطينيون في الحفاظ على دولتهم فهم على خطأ و إذا نجح اليهود في الاستيلاء عليها فهم على صواب بغض النظر الكامل عن أية مقاييس أخرى، ذلك  لأن التجريب العملي هو معيار تطبيق أي فكرة من الأفكار؛ فالفكرة تكون صحيحة أو باطلة بحسب ما يمكن أن تحققه للإنسان من نفع في حياته العملية، لا لأنها صحيحة في ذاتها، أو لأنها مطابقة للواقع أو غير ذلك.

ويرى فيلسوف البراحماتية الأول :  'تشارلز بيرس'أن كل اصطلاح يكون حقًا إذا كان له مدلول، والمدلول له وجود حقيقي إذا كان ينتج بعض النتائج في هذه الدنيا التي نشاهدها، وإلا فلا معنى للاصطلاح ولا وجود للمدلول أو الشيء'.

إن قيما كرضا الله أو السعي إلى الجنة أو حتى تحقيق المثل العليا غير مطروحة أصلا.. وليس عن طريق الدين والنور أو حتى العقل.. فإن فيلسوف البراجماتية الثاني :  وليم جيمس يؤكد أن المنفعة العملية هي المقياس لصحة هذا الشيء وفي نفس السياق يذهب الفيلسوف الأمريكي جون ديوي إلى أن 'العقل ليس أداة للمعرفة وإنما هو أداة لتطور الحياة وتنميتها؛ فليس من وظيفة العقل أن يعرف... وإنما عمل العقل هو خدمة الحياة'.

يقول [وليم جيمس] عن الاتجاه البراجماتي: 'إنه اتجاه تحويل النظر بعيدًا عن الأشياء الأولية، المبادئ والنواميس والفئات، الحتميات المسلَّم بها، وتوجيه النظر نحو الأشياء الأخيرة: الثمرات، النتائج، الآثار، الوقائع، الحقائق'. إن البراجماتية لا تسوغ أن الغاية تبرر الوسيلة بمعني أنه ما دامت الغايات شريفة فلا يهم أن تكون الوسائل غير شريفة.. ففي البراحماتية لا يهم أن تكون الغايات أيضا شريفة ما دامت سوف تنجح وتمنح اللذة.

لم أشرد يا قراء.. 

لم يخني القلم ولم تستدرجني الفكرة ولم تبتلعني بحار الرمال المتحركة في الصحراء المترامية الأطراف.. و إنما أبحث عن نموذج يفسر لي هيكل.. مقتديا بما فعله الإمام الشهيد حسن البنا حين ذهب إليه الكاتب الأمريكي روبير جاكسون ليتعرف عليه وعلى دعوته.. ولنترك روبير جاكسون نفسه يحكي ما حدث:

كان هذا الرجل – حسن البنا- خلاب المظهر، دقيق العبارة، بالرغم من أنه لا يعرف لغة أجنبية. لقد حاول أتباعه الذين كانوا يترجمون بيني وبينه أن يصوروا لي أهداف هذه الدعوة، وأفاضوا في الحديث على صورة لم تقنعني.

  وظل الرجل صامتاً، حتى إذا بدت له الحيرة في وجهي، قال لهم: قولوا له شيئاً واحداً: هل قرأت عن محمد؟ قلت: نعم، قال: هل عرفت ما دعا إليه وصنعه؟ قلت: نعم. قال: هذا هو ما نريده.

بقول روبير جاكسون:   وكان في هذه الكلمات القليلة ما أغناني عن الكثير مما حاول البعض من أنصار البنا أن يقولوه لي.

ما أحاول أن أفعله يا قراء أن أبحث لكم ولنفسي عن مفتاح يقودنا إلى فهم هيكل كما قاد الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه روبير جاكسون إلى فهم حسن البنا..

و أحسب أنني اقتربت من مفتاح هيكل يا قراء..

إن وليم جيمس يتحدث عن شئ كالنور الذي تحدث عنه هيكل: " أنا الدين أعطاني نور وأعطاني نور أمشي على هداه وأشوف أين طرق السلامة أنا أشوفها أين طرق السلامة " 

يقولها وليم جيمس بطريقة أخرى أكثر صراحة و أقل التواء من هيكل.. إن الدين مفيد ليس لأنه صحيح أو مطلق لكن لأن التجربة العملية أثبتت أنه نافع في قيادة المجتمعات وفي تحقيق بعض حاجات الإنسان . إن الفكرة المادية لن تضيف إلينا أي جديد، بل إنها تنبئ في عبثية لا نهائية بتحطم الكون في النهاية، أما فكرة أن الله هو خالق الكون فقد تمنح الناس الأمل، والأمل يحقق طرفي المعادلة البراجماتية فهو نافع وهو ممتع.

إن النور الذي يراه هيكل في الدين هو نفس ما يراه  [ وليم جيمس]: الراحة والهدوء، والسكينة والطمأنينة، والسلام والاغتباط والمشاعر المتدفقة التي تلهب الصدور، وتبعث الحركة في الحياة ولكن دون أية التزامات.

نعم.. الراحة لا السعي.. الهدوء لا الدأب والكبد.. السلام – لمفهومه – لا الجهاد..

أي أنهما معا  يريدان  من الدين أن يكون مجرد مسكِّن أو مخدر يستطيع الإنسان باعتياده إياه أن يواصل حياته بقوة وحماس أكبر، ثم أن الدين أمر شخصي ( وليس رسالة منزّلة) و لأنه أمر شخصي فإن على كل إنسان أن يحدد صفات الإله الذي من الممكن أن يفيده الاعتقاد به. وفي هذا التصور  لا يؤمن الإنسان  بإله خالق، بل هو يخلق من عند نفسه إلهًا محدد الصفات يعمل على خدمة وإرضاء من يؤمن به، وذلك على أساس قوله: 'في مقدورنا أن نتمتع بإلهنا إذا كان لدينا إله'.


هل يقصد هيكل بحديثه عن الدين معنى يمكن أن يوافق عليه علماؤنا وفقهاؤنا؟!.. أم أنه مستقل بفهمه  مستغن به عمن سواه؟..

دعنا من الفقهاء والعلماء ..

فهل يقصد هيكل بحديثه عن الدين مفهوما يمكن أن يرضى عنه رسول هذا الدين من رب العالمين؟.. هل يرتضى هيكل محمد صلى الله عليه وسلم حَكَمًا والقرآن مرجعا؟!..

أنا لا أشق الصدور يا قراء ولا أفتش عن النوايا..

ولو قبع هيكل في بيته ما سألته أبدا.. 

بيد أنني  كمريض: فإنني لا أدور على عيادات الأطباء أفتش عن شهاداتهم.. لكنني عندما أقصد طبيبا معينا ليعالجني من مرض خطير فلابد أن أسأل عن شهاداته قبل أن أسلم نفسي له.. فإن كان الوضع غير ذلك.. وكان ثمة أطباء يعالحونني من مرضي الخطير.. ثم تقدم طبيب ليقول لي:  كل هؤلاء الأطباء جهلة و أنا وحدي الذي سأعالجك بعلمي.. في هذه الحالة لا بد لي أن اشق عن قلبه و أن أفحص كل شهاداته قبل أن أسمح له بعلاجي. فإذا اكتشفت أن هذا الطبيب طبيب فعلا لكن في تخصص آخر، فذلك أول الكذب، فإذا اكتشفت أنه يمارس نوعا آخر من الطب كالطب العربي أو الصيني أو العلاج بالأعشاب مثلا، و أنه لم يدع أنه طبيب على مقاييسنا الشائعة المتعارف عليها إلا لكي يخدعني كي أسمح له بعلاجي بمقاييسه لا بالمعيار الذي أريده، في هذه الحالة يكون دجالا ونصابا.

وهنا أسأل هيكل سؤالا مباشرا: أنت تقدمت للناس كي تفسر لهم دينهم فهل أنت فعلا تؤمن بما يؤمنون به لكنك تريد أن تخلصه مما علق به من شوائب، أم أنك على العكس تماما ترى أن هذا الدين بالذات سر تخلفهم، وأن عليك أن تخلصهم منه، و أنك كالجراح الذي يقوم بعملية بتر لن يوافق عليها مريض متخلف، ولكي يسمح لك المريض بالعمل فإنك تخدعه بقبول التخدير على أمل وبوعد أن تنظف له الجرح.. لكنك تخدعه وتبتر منه ما تشاء..

يا هيـــــــــكل.. في الإجابة على هذا السؤال يقبع الفارق بين المفكر والدجال.. وبين المصلح والمحتال.. فأيهما أنت؟!.


]]]


يقول  هيكل عن الإمام الشهيد : هو عنده كتاب اسمه التعاليم والتعاليم لما بأقرأها أنا شايف قدامي رجل ينشئ نظام حديد من الشباب قائم على الطاعة وعلى جيش من المؤمنين لا يقف ولا يُرَد بعدين لما بيكتشف إن هو الإخوان لوحدهم ما لوش دعوة بالخلافة يبدأ ينحاز بمعنى إنه يبدأ ينحاز إلى الأسر المالكة في المنطقة والمهتمة باستعادة الخلافة أو دائرة الخلافة بينما واقع الأمر إنه دائرة الخلافة قد أخذته القوى الكبرى خلاص"..( لاحظوا المبدأ البراجماتي: الخلافة انهزمت فهي خطأ والغرب انتصر فهو على صواب)..

ولاحظوا يا قراء أن المواطن الغربي لا يشعر بالخزي والعار أبدا من الإمبراطورية الرومانية أو من الفلسفة اليونانية.. والمواطن الإيراني لا يشعر بالخزي من الإمبراطورية الفارسية – كتاريخ-.. لكن هيكل يشعر بالخزي من الإمبراطورية العثمانية.  

وثمة خطأ هنا لا يستحق أن نتوقف عنده كثيرا لولا أنه يكشف شيئا من عدم دقة هيكل، فليس للإمام البنا كتاب اسمه التعاليم.. و إنما هو فصل في الرسائل التي جمعها أتباع الإمام بعناوين مختلفة.. وسنطبق نفس المقياس على إشادته بخالد محمد خالد ..

يقول هيكل:

" لازم أعترف إن في بعضهم في بعض الإخوان المسلمين الأستاذ خالد محمد خالد على وجه التحديد تكلم فيها في مذكراته وفي كتابه بأمانة"..

والمشكلة أن خالد محمد خالد لم يكن من الإخوان بعد أن أعيته الغيرة من السابق واللاحق: أما السابق فهو الشهيد سيد قطب و أما اللاحق فهو العلامة الشيخ محمد الغزالي.. ولعلنا نذكر عاصفة النار التي أشعلها خالد محمد خالد بكتابيه "من هنا نبدأ" و " الديموقراطية أبدا" والتي رد عليه فيهما الشيخ محمد الغزالي بكتابه "من هنا نعلم".. وفي هذه الفترة وحتى قبلها كان خالد محمد خالد قد انضم إلى معسكر عبد الله القصيمي الذي رفع علانية لواء الكفر ولم يعد خالد محمد خالد إلى الصواب إلا بعد ذلك بأعوام عديدة.. خالد محمد خالد هذا الذي لم يكن من الإخوان يل مرت به فترة زيغ غفر له الله هو الوحيد الذي وصفه هيكل دونا عن الإخوان جميعا بالأمانة.. بنفس المنهج الذي يقول به الصليبيون واليهود أن العربي الوحيد الجيد هو العربي الميت.. فكأنما هيكل يقول: أن الإخواني الوحيد الجيد هو الخارج على الإخوان ولا يفضله إلا الخارج على الإسلام..!!..


]]]


قارن – مستعملا المقياس البراجماتي -  بين تقديس هيكل لأي أجنبي واستعلائه على أي وطني أو مسلم ..

ولم ينج من ذلك حتى الإمام الشهيد!!..

قارن بين الصورة التي تريد أمريكا أن تظهر الإسلاميين جميعا بها وقارن ذلك بما يفعله هيكل..


]]]


في المرة الأولى التي يلتقي فيها بالإمام كان عمر هيكل 23 سنه وكان الإمام يقابل في الدول كالرؤساء والملوك.. لكن هيكل الذي لا يمل ولا يكل ولا يخجل يلقي محاضرة طويلة عريضة على الإمام يعلمه فيها بديهيات الصحافة ويرفض عرضه بالعمل معه بل ويحذره من فشل الصحيفة.. ثم يصف الوقائع قائلا:

"هو زعل قوي لما أنا قلت أنه مش هينجح لأنه حتى ممكن تكون من ناحية الاستبشار والتشاؤم تكون حاجة غريبة قوي"..

ضعوا في الاعتبار الرسالة التي يسربها إلينا هيكل.. فذلك الشاب الذي لم يتجاوز الثالثة والعشرين لا يكتفي بأن يعلم الإمام فنون الصحافة.. بل إن الإمام حين يرد عليه لا يرد بمنطق مضاد.. لا يرد بعلم ومعرفة.. بل يتجاهل ذلك كله على طريقة الدراويش والمشعوذين مكتفيا من الحوار بالاستبشار والتشاؤم!!..

وعلى الرغم من ذلك فلم يكن هيكل مصيبا فيما قال للإمام الشهيد حول اقتصاديات إصدار صحيفة..

لم يكن هيكل مصيبا.. بل كان مصيبة.. إذ أنه افترض شفافية قانون العرض والطلب وكأن القانون يحوى داخله ميزانا ذاتيا للعدل.. لم يتحدث الأستاذ الصحافي المعلم عما حدث فعلا بعد ذلك ( وعما عايشت أنا جزءا منه في صحيفة الشعب المصرية) حين كانت الشركات المعلنة في الصحيفة  تعاقب عقابا صارما وتحرر لها المخالفات وتغلق إداريا.. وكانت شركات التوزيع كذلك تهدد.. كما كان السوق نفسه يدرس.. فالمنطقة أو الحي الذي يشترى ألف نسخة يرسل الموزع إليه مائة.. والذي يشترى مائة يرسل إليه ألفا.. هذا كله فضلا عن الأوامر التي تصدر إلى موزعي الصحف بإخفاء الصحيفة تحت أكداس من الصحف الأخرى..

وعلى افتراض صحة مقاييس هيكل فليست الكفاءة وحدها هي السبيل إلى النجاح.. والمحزن أنني أذكره بما كتبه هو نفسه عن صناعة النجوم بالتزوير والدجل والدعاية والإعلان.. وكان هو يقصد السادات.. أما أنا فأعترف أنني أقصده!.

غفر الله لك يا هيكل!!..

يستطرد هيكل:

" لما نشأت حركة الإخوان المسلمين كانت موجودة فيه فكرة الحركات الشمولية أو الحركات الشاملة كانت موجودة بصراحة كده كانت موجودة في الأحزاب الشيوعية كانت موجودة في الأحزاب الفاشيستية، فكرة التعبئة الشامة كانت موجودة وأظن كان هذا ليس بعيداً عن تفكير الأستاذ حسن البنا لا في فكرة التنظيم الشبابي القوي القادر على الطاعة ولا في فكرة المصحف والسيف لأنه المصحف والسيف والنظام السري اللي بيقوم بالاغتيالات أو بيقوم بضرب أعداء الدعوة هذا يقود إلى طريق لا نهاية له.."..

يتحدث هيكل عن التنظيم السري ( وصحة الاسم هو التنظيم الخاص والفارق لا يمكن أن يخفى على هيكل والخلط متعمد) كما لو كان عارا لحق بالإخوان ولن يمحى أبدا..

يتجاهل هيكل: ( واحد من أهم عشرة كتاب في العالم.. لكن أي عالم) أن مثل هذه التنظيمات كانت طابع العصر كله.. ليست قوى الجهاد والمعارضة فقط.. بل والحكومة أيضا.. ألم يكن للملك تنظيم الحرس الحديدي؟!.. يتجاهل هيكل أن التنظيم أنشئ أساسا  للجهاد ( لم يكن الجهاد قد صار بعد – بفضل هيكل و آله – إرهابا)..و بغرض  إخراج المستعمر الإنجليزي وقتال اليهود في فلسطين.

نعم .. في هذا التنظيم كانوا يربون عددا من الشباب بغرض القتال والشهادة في سبيل الله، في وقت تخلت فيه الحكومات عن هذا الواجب وانصاعوا للمستعمر الإنجليزي، وكانت القاهرة والإسكندرية من المراكز اليهودية المشتهرة التي تمهد لدولة إسرائيل، وفيهما يتم جمع التبرعات وترتيب سفر المهاجرين إليها. وكان مصطفى النحاس باشا يعجز عن إدراك أهمية قضية فلسطين عجزا مذهلا  قائلا  جملته الذائعة الصيت: أنا رئيس حكومة مصر ولست رئيس حكومة فلسطين"..

في ذلك الوقت كان اليهود يمثلون قوة اقتصادية ضخمة في مصر، فهم يسيطرون على تجارة القطن، ومصانع- النسيج، والمحلات التي يرتادها المصريون للشراء مثل شيكوريل وداود عدس وعمر أفندي وأوريكو وشركة بيع المصنوعات المصرية، وشركات ومصانع أخرى كثيرة، ويتحول جزء كبير من أرباحها التي يأخذونها من المصريين إلى دولة اليهود ولم تكن قد أنشأت بعد.

وكان هناك ما يسمى بالوكالة اليهودية التي تقوم على تنظيم شئون الدولة المزمع إقامتها في إسرائيل. وهذه الوكالة ترتب الأمور بين العصابات اليهودية المسلحة، مثل أرجون زفاي والهاجاناه وشترن وغيرها، والتي كانت كلها تنظيمات سرية مسلحة إرهابية تقوم بقتل شعب وسرقة وطن وتدمير أمة لكنها كلها لم تشتهر عند هيكل ولا عند العلمانيين كما اشتهر التنظيم السري للإخوان المسلمين!!.. فإن كان لديان أو إيبان أو بيجن أن يفكروا على هذا النمط فكيف يمكن أن يفكر به هيكل؟!..

هذه العصابات الإجرامية والتنظيمات السرية هي التي  شكلت في مجموعها أخيرا- بعد خيبة العرب- جيش الدفاع الإسرائيلي.. وكان الطبيعي أن يتطور التنظيم الخاص للإخوان ليكون جيش الدفاع والتحرير الإسلامي.. فلعن الله من أنهكه ودمره.. سواء كان من العملاء المباشرين أم من القادة العسكريين أم من كبار الصحافيين!!


]]]


كان من أهم الدوافع لإنشاء التنظيم السري للإخوان المسلمين هو محاربة الإنجليز واليهود فابحثوا عن دوافع من حاربوه..

إلا أن الغريب والشاذ حقا..  هو أن هيكل وهو يتحدث بمنتهى الازدراء والإهانة عن التنظيم الخاص للإخوان.. يتجاهل بصورة تتنافي مع الكرم والمروءة وأبسط مقتضيات الصدق.. أن كل الضباط الأحرار عدا زكريا محيي الدين وجمال سالم كانوا أعضاء في التنظيم الخاص!! وتلك واقعة يعبرها هيكل بقدرة مذهلة على الكذب مدعيا أن الأمر كان مجرد عملية استكشاف!!.. وكأن الاستكشاف يقتضي بيعة على المصحف والمسدس من تداعياتها الاستشهاد للبطل أو الإعدام للخائن!..وكأنما الاستكشاف يستغرق خمسة أعوام من حياتهم.. خمسة أعوام انتهت بأحداث ثلاثة مكنتهم من الاستيلاء على التنظيم:

الحدث الأول كان حل جماعة الإخوان المسلمين في في 8 ديسمبر 1948.

والحدث الثاني كان اغتيال الشهيد – إن شاء الله- حسن البنا في 12 فيراير 1949.

والحدث الثالث(1950)  كان وفاة المرحوم محمود لبيب الذي كان يعرف وحده كل أسرار التنظيم وكل أعضائه وكان هو الذي ضم الضباط الأحرار إلى التنظيم الخاص (أو السري بلغة هيكل) .. وبموت محمود لبيب  بعد الحل والاستشهاد سقط التظيم في يد أصحاب هيكل.. ليصبح من حق هيكل بعدها أن يقول – في جرأة على الحق ليس لها مثيل- أن التنظيم كله لم يبدأ إلا عام 1949‍‍..

يقول الأستاذ أحمد رائف: كانت التنظيمات السرية أو الخاصة هي سمة العصر ( دعنا من التنظيم الطليعي لا رحمه الله) .. وكانت هذه الصيغة من العمل السياسي  ضمن ثقافة المجاهدين على اختلاف ميولهم واتجاهاتهم وعقيدتهم.  ومعظم رؤساء الوزارات في النصف الأول من القرن العشرين أنشأوا أو كانوا ضمن جمعيات سرية في مصر. وفي تلك الفترة كان جميع الوطنيين ينشطون نظاما سريا بغرض مقاومة الاستعمار الإنجليزي والحكومات العميلة، وقد رأينا جمال عبد الناصر وهو يحاول قتل حسين سري عامر باشا ويفشل، ومن قبله نجح أنور السادات ومن معه في قتل أمين عثمان باشا، ثم رأينا محمود العيسوي رحمه الله يقتل أحمد ماهر باشا رئيس الوزراء .

بل.. ألم يكن تنظيم الضباط الأحرار نفسه – بمواصفات هيكل- تنظيما سريا..

فلماذا يتحدث هيكل إذن بهذا الازدراء كله عن التنظيمات السرية؟‍‍!.


]]]


فلنمخر عباب بحار شهادة الزور مع هيكل:

 يصف هيكل اللقاء الثاني بالإمام الشهيد بنفس الطريقة المتعالية المزدرية:

 اللقاء اللي بعد كده مع الأستاذ حسن البنا كان لقاء في منتهى الغرابة لأنه كان لقاء في مكتبي ( ولاحظ: الإمام هو الذي يسعى إليه).. اللقاء ده كان أنا في الفترة ما بين ما شوفته أول مرة ولما شوفته المرة الثانية كانت حصلت أشياء كثير جداً، حصل نمرة واحد عمليات ضرب ما تصور الإخوان المسلمين أنه مفاسد في الأرض فضربوا محلات سينما، ضربوا محلات بيع، ضربوا محلات قالوا بيملكوها اليهود..

سوف نتوقف هنا قليلا كي نكشف لماذا يكذب هيكل وكيف يكذب!!..

وسوف نعيد قراءة ما قال:

ضرب ما تصور الإخوان المسلمين أنه مفاسد في الأرض فضربوا محلات سينما، ضربوا محلات بيع، ضربوا محلات قالوا بيملكوها اليهود..

ولاحظ أيها القارئ كلمات مسمومة مثل: "ما تصوروا" ..إذ  يصور هيكل الأمر على أننا لا نعيش إذن مع وقائع وحقائق بل خيالات و أوهام.. لكن هيكل النبيل المتسامي المتعالي لا يسمي الأشياء بأسمائها رأفة ورقة وحرصا على عدم جرح مشاعر الإخوان رغم دمويتهم وخيالاتهم و إرهابهم الذي جعلهم يضربون محلات بيع( ولاحظ أن هيكل ذكر كلمة " بيع" وصمت فلم يقل لنا بيع ماذا؟!..كما أن إرهابهم ذلك دفعهم إلى ضرب محلات قالوا بيملكوها اليهود..هم الذين قالوا.. الإخوان هم الذين قالوا.. وما دام الإخوان هم الذين قالوا فلابد أن الأمر يندرج تحت باب التخيل والتصور والأوهام بل والتخريف والشعوذة..

هذا هو السياق الذي يدفعنا إليه هيكل..

ودعونا نقارن ذلك بما حدث فعلا..


]]]


لنكمل أولا الكلمة التي حذفها هيكل عندما تحدث عن قيام الإخوان بضرب محلات بيع.. ولم يكمل..

هيكل.. العفيف الصادق الشريف حذف كلمة الخمور.. فما تم تحطيمه كان هو محلات بيع الخمور..

و هيكل.. العفيف الصادق الشريف لم يذكر أن من بدأ بتحطيم الحانات لم يكن شباب الإخوان المسلمين.. بل كانوا شباب مصر الفتاة.. ولا يمنع هذا من أن شبابا من الإخوان انضم لهم بعد ذلك دون تخطيط مسبق.. بل كان رد فعل طبيعي من شباب متدين في بلد مسلم.. ولكم كان الإمام الشهيد مصيبا عندما حمل الحكومة المسئولية  قبل الذين فعلوه، فالحكومة قد استفزت الناس بانتشار هذه الحانات في بلد المفروض أنه مسلم ومحتل من الإنجليز، واليهود على حدوده يقيمون دولة، فكان يجب على الحكومة أن تراعي مشاعر الناس.

ولقد تحدث العفيف الصادق الشريف عن ضرب ما تصور الإخوان المسلمين أنه مفاسد في الأرض فضربوا محلات سينما، ضربوا محلات بيع، ضربوا محلات قالوا بيملكوها اليهود. 

تحدث هيكل عن هذا كله بغموض وشمول لا يليقان بصحافي مثله..

بيد أنه لم يكتف بالغموض والشمول.. إنما أغفل بعض الأحداث من الأصل لأنها لا تخدم غرضه بل وقد تهدم الصورة التي يزورها..

لم يتحدث هيكل عن ضرب قطار الشرابية مثلا  ولا تفجير مقر المخابرات البريطانية في الاسماعيلية ( في فندق الملك جورج)   فالثغرة هنا واسعة جدا ولم يكن الكذب قادرا على سد تلك الثغرة..

كانت القوات الإنجليزية تنتقل إلى فلسطين من مصر في قطارات لقمع مظاهرات الفلسطينيين، ولدعم الجمعيات اليهودية المسلحة. وكان  القطار يمر بمنطقة الشرابية في القاهرة،  حيث تم تفجيره، واهتزت الحكومة والدوائر الإنجليزية، وتلقى الشعب المصري والعالم العربي هذا الحادث بسرور بالغ.  وكانت هذه العملية الفدائية و أمثالها  سببًا في خروج الإنجليز من القاهرة.

هيكل.. العفيف الصادق الشريف  لم يتحدث عن ذلك ولا عن مظاهرات الطلبة التي جسدت ضمير الأمة  ولكنه تحدث عن ضرب محلات "قالوا بيملكوها اليهود"..

ولم يكن هذا يليق.. فللإخوان أن يقولوا كما يشاؤون ولكن أين موقف الصحافي الأشهر.. أين تدقيقه وتحقيقه.. أين كشفة للحقائق المخفية.. أين تمزيقه لستائر التزوير.. لماذا لم يقدم لنا هيكل وهو المغرم بالإحصائيات والوثائق كشفا يفضح الإخوان أمام العالم.. لماذا لم يكذّب لنا مثلا مزاعم الإخوان الذين  فجروا شركة الإعلانات الشرقية بشارع جلال، على مقربة من شارع عماد الدين بالقاهرة، لماذا لم يثبت لنا عكس ما ذهب إليه الإخوان الذين ذهبوا إلى أنها كانت مركزا من أهم مراكز النشا ط اليهودي في مصر، ففيها تعقد الاجتماعات وتجمع الأخبار تحت ستار الصحافة والإعلان..

من حق هيكل أن يختلف مع الإخوان ما شاء له ضميره وعقله ودينه.. ولكن.. ما ليس من حقه هو أن يكذب أو يتخيل هو أو يتصور..

من حقه أن يرفض على سبيل المثال ما قام به الإخوان المسلمون في  يوم  20/6/1948 حين فجر قسم الوحدات عربة يد محملة بالديناميت والعبوات الناسفة في حارة اليهود بالقاهرة. وكان هذا بعد إعلان دولة إسرائيل بخمسة وثلاثين يوما، ثم عاد قسم الوحدات في 22/9/1948 وفجر عربة أخرى في نفس المكان.  ثم قاموا بتفجير عربة أخرى ممتلئة بالمتفجرات أسفل محل شيكوريل في 19/7/1948..وكانت حوادث الانفجار في المحلات اليهودية تعبر عن السخط الشعبي للمذابح اليهودية ضد العرب المسلمين من أهل فلسطين، والتي كانت في ذلك الوقت قائمة على قدم وساق. أما شيكوريل وغيره من المحلات التي يملكها اليهود فكانت تمد إسرائيل بالمال الذي يشترون به السلاح، وحدثت انفجارات مماثلة في محلات داود عدس وبنزايون اليهودية أيضا، وألقي أحدهم قنبلة يدوية على مبنى شركة أراضي الدلتا بالمعادي.

كان من حقه أن يرفض و أن يشجب و أن يستنكر لكن لم يكن من حقه أن يقول أن الإخوان " "قالوا بيملكوها اليهود"..

لكن .. ماذا تقول الحقائق التاريخية إن كانت تهم الأستاذ هيكل؟!..

 يجيب على سؤالنا الأستاذ أحمد عادل كمال (الإخوان المسلمون والنظام الخاص، الزهراء للإعلام العربي والذي يشكل مع كتاب الأستاذ أحمد رائف  :" ناصر 67: سنوات القهر والهزيمة وهذا مرجعا رئيسيا لهذه الدراسة)   أحد قادة هذا النظام ومؤرخيه أمثلة لمثل الأماكن التي رصدها الإخوان أو كانوا بصدد استهدافها : 

1- مصانع نسيج القاهرة.

الرئيس: محمد خطاب بك.

الأعضاء: إميل عدس- بيير ديبرمان- رولان لينين- ميبينو يوسو- موريس يوسو- يوسف زكار- راؤل هينكارت.

2- شركة النيل للمنسوجات

الرئيس: هنري دي بيشمينو.

نائب الرئيس: عبد الرحمن البيلي.

الأعضاء: لوسيان دي بيتشينو- جوزيف دانوري- إيلي بصري.

3- شركة النسيج والحياكة المصرية.

الرئيس: حسن مظلوم باشا.

الأعضاء: جاستون عدس- هنري كريشنسنكي- أصلان قطاوي - لينون جاسن- موريس صبري- سيمون رولو- رالف هراري- كليمان عدس- إميل عدس.

4- شركة البيرة المساهمة بومنتي والأهرام.

الرئيس: رينيه إسمعلون.

الأعضاء: جورج آرثر مارتن- ستيهر- بير جزنبرجر- جال فيكتور مورينو- محمد فرغلي باشا.

5- الشركة المصرية للمواسر والأعمدة المصنوعة من الأسمنت المسلح.

الرئيس: موريس موصيري.

الأعضاء: هنري برسيلون- فيتا فرحات- هنري كرشفسكي- رالف هراري- إدوارد هيلر- السر الكسندر لويد- حسين سعيد بك.

6- شركة الطوب الأبيض الرملي.

الرئيس: إرنست ترمبيلي.

الأعضاء: يعقوب رسكوب- بوركهات- حمصي- علاء الدين مختاربك.

7- شركة مكابس الإسكندرية.

الرئيس: على أمين يحمس باشا.

الأعضاء: ماسيل ميكوه- أرمان نعمان- فيكتور طوربيل- ربمون أرقش- وليم موستاكي- جوزيف باردا- دافيد شيكوريل- ليون شيكوريل.

8- حسن رفعت باشا : وهو تقرير طويل عن عميل للإنجليز واليهود معا.. والخطير في الأمر أن حسن رفعت باشا كان قبل ذلك وكيلا لوزارة الداخلية .

9- مثال آخر من مضبوطات ما سمي بقضية سيارة الجيب، حيث وجد فيها رسم تخطيط بالقلم الكوبيا يشمل السفارتين البريطانية والأمريكية بقصر الدوبارة وعليه بعض التأشرات بالخطوط والأسهم بالقلم الرصاص الأحمر ومكتوب بالقلم الحبر الأسود بعض إيضاحات عن مواضع معينة وشرح بعض هذه العبارات إلى مواضع أسلاك التليفون، وأنه لا يمكن تعطيلها بصهر أو قطع اللحامات الموجودة داخل حجرة يمكن فتحها بسهولة، وقد عثر على هذه الورقة بالحافظة التي ضبطت مع مصطفي مشهور .


]]]


 كانت الأمثلة السابقة نموذجا من مضبوطات سيارة الجيب، وكانت مثارا  تصايح العلمانيون كثيرا به كدليل على إرهاب الإخوان المسلمين،  وهي جزء من نشاط يدعو إلى الفخر لا الخجل، فعندما عجزت آليات الدولة عن الفعل تقدم أشد قطاعاتها حيوية ليقوم بما عجزت أجهزة الدولة عن فعله. ولعل القارئ يلاحظ أن جل هذا النشاط موجه  لنشاط اليهود وتتبع حركاتهم ونشاطهم السري الداعم لإسرائيل، وكذلك رجال البوليس السياسي المصري الذين يتبعون السفارة الإنجليزية في حقيقة الأمر. كانت نماذج  من الأوراق التي تم اكتشافها فيما سمي  بقضية السيارة الجيب حيث ضبطت  السيارة الجيب يوم 13 نوفمبر 1948 و كانت مشحونة بأوراق ومستندات لهما علاقة بالتنظيم الخاص للإخوان المسلمين. وظهرت دعايات وصمت الإخوان بالإرهاب بسبب ما وجدوه من معلومات وأوراق في هذه السيارة.

كانت النماذج العشرة التي أوردناها مجرد نموذج مما جاء في هذه الأوراق..

كانت مجرد نماذج..!!

وكانت كلها مشرفة.

ولعل هيكل يسمح لنا الآن أن نسأله: هل هؤلاء هم من كان يعنيهم عندما تحدث عن: "قالوا بيملكوها اليهود".. 

لقد قام التنظيم الخاص أيضا بتفجير ما سمي  بقنابل عيد الميلاد حيث كان جنود جيش الاحتلال  يقضون  الليل  في السكر والعربدة في الحانات والكباريهات في وسط القاهرة، وكانوا يطاردون الفتيات ويهتكون أعراضهن بينما يقوم البوليس المصري يحرسهم ويعمل على حمايتهم.

وقرر الإخوان المسلمون أن يمروا على هذه الأماكن في مجموعات مع كل مجموعة منهم قنبلة شديدة الانفجار تحطم الواجهة الزجاجية للحانات ودور البغاء وتقتل ما شاء الله لها أن تقتل، وشاء الله أن يتم تفجير آخر لم يخطط له الإخوان في النادي المصري الإنجليزي قبل موعد تفجيرات الإخوان بساعتين ، وفوجئ الإخوان الذين ذهبوا للاحتفال بعيد الميلاد على طريقتهم أن الشرطة في كل مكان، وكان ضباطها كالمجانين في الشوارع، يتلفتون يمينا ويسارا والقنابل تنفجر هنا وهناك، وسقط الإنجليز قتلى. و كانت شبه مذبحة.

 ومن حق هيكل أن يرفض كل هذا لكن من واجبه أن يرويه خاصة عندما يتحدث بغموض عن إرهاب الإخوان المسلمين!.... يتحدث بغموض " ربنا أمر بالستر" رغم أن الأمر أمر عفة وعزة لا موقف خيانة وخسة..

 وكان على هيكل أن يقول لناس أن مثل هذه الحوادث  حدثت عشرات المرات في العالم ضد المحتل  : لكنهم قالوا عن الخواجات  إنهم أبطال وقالوا عن الإخوان – عندما قاموا بنفس الفعل-  إنهم إرهابيون.

في تلك الليلة اشتبه ماهر رشدي حكمدار بوليس العاصمة في شابين يسيران  متجاورين في شارع عبد الخالق ثروت، وكانا للأسف  نفيس حمدي وحسين عبد السميع والذي كانت قنبلته في جيبه لم يلقها بعد، كانت التهمة الموجهة لهما مجرد شروع  لم يتم، وكان مطلوبا للحكم في القضية قاض من قضاة النار، قاض إنجليزي الطبع والروح والولاء، ويكون قاسيا في أحكامه السياسية ضد الوطنيين الذين يقاومون المستعمر، وكان المستشار أحمد الخازن دار يحمل الصفات المطلوبة. كان قاضيا ورئيسا لمحكمة استئناف الإسكندرية، كان شديد القسوة في الحكم على  أي عملية جهادية ضد الإنجليز  شديد التراخي في جرائم الجنايات مهما بلغت بشاعتها.. وعلى سبيل المثال فقد مثل أمامه السفاح الشهير في الإسكندرية في ذلك الوقت حسن قناوي ، والذي قتل سبعة من الأطفال الصغار بعد أن اعتدي عليهم جنسيا، وقد كانت هذه القضية الأخيرة من القضايا الساخنة التي انشغل بها الرأي العام في مصر في ذلك الوقت. وحكم عليه الخازندار بالسجن سبع سنوات. وأثار هذا الموقف الرأي العام واستبشعوا حكم القاضي على الوطنيين الذين نالتهم أقصي العقوبة وعلى السفاح القاتل الذي لم يصبه شيء بجانب ما فعل.

وسرعان ما صدر الأمر بنقل أحمد الخا زندار بك من الإسكندرية إلى القاهرة ليتولى القضية المتهم فيها نفيس حمدي وحسين عبد السميع وعبد المنعم عبد العال أبطال ليلة عيد الميلاد والمتهمون بإلقاء القنابل على عسكر الإنجليز وقد عرفوا أن القاضي يحب الإنجليز ويكره الوطنيين، بدليل ما فعل ، وأثناء دفاع المحامي عن المتهمين نفى تماما أن يكون هؤلاء الشباب قد ألقوا قنابل من أي نوع في أي مكان، وقال الأستاذ المحامي: ولكن على سبيل الاحتياط لو أن المتهمين فعلوا ذلك فما هو الدافع لمثل هذا العمل؟ إنه دافع وطني شريف، فهم يحررون البلاد من دنس المستعمرين الإنجليز. وهنا انتفض أحمد الخازندار من فوق المنصة وسار يدقها بقبضته، ويصيح في المحامي المترافع قائلا:

"كلام فارغ إيه اللي بتقوله ده يا أستاذ دول- يقصد الإنجليز- مش محتلين دول حلفاء بيدافعو عنا بموجب معاهدة الشرف والاستقلال. لا ده كلام فارغ محبش أسمعه ".

وهو بهذه المقولة كأنما أدان المتهمين قبل أن ينظر القضية، وقد أخذ منهم موقفا وما كان ينبغي له ذلك، ورغم عدم ثبوت التهمة على المتهمين الماثلين أمامه فقد أصدر حكمه على حسين عبد السميع بالحبس ثلاث سنوات وعلى عبد المنعم عبد العال بالسجن خمس سنوات وبرئ نفيس حمدي.

هذا الأمر استثار الشباب في مصر كلها الإخوان وغير الإخوان، وفكرت مجموعة من الإخوان في قتل أحمد الخازندار بك انتقاما للأطفال السبعة الذين اعتدي عليهم وقتلوا ولم يثأر لهم، وخوفا على الوطنيين الذين قد يمثلون أمامه في القضايا الوطنية التي كانت كثيرة في تلك الأيام.

ودون علم المرحوم حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمون في ذلك الوقت اتفق عبد الرحمن السندي مع حسن عبد الحافظ ومحمود سعيد زينهم أن يقوما بعملية اغتيال أحمد الخازندار بك. وبعد الاغتيال تم إلقاء القبض عليهما  وقدما للمحاكمة، وحكم عليهما بالأشغال الشاقة المؤبدة، وصدر الحكم في 22 نوفمبر  1948.

الإعلام غير النزيه، غير العفيف وغير الشريف يقدم لنا الحادث بصورة مخلة مختلة يبدو المستشار أحمد الخازندار فيها تجسيدا للعدالة المجردة و أن اغتياله اعتداء أثيم على العدالة في معناها المجرد.

هيكل أيضا يقدمه بطريقة: " ربنا أمر بالستر"..

لم يكن الأمر كذلك, كان مجرد عميل للإنجليز و أداة بطش في أيديهم ضد المجاهدين.. ونحن لا نقول ذلك لكي نسوغ قتله أو نبرره، ولكن على من يدينون الفعل أن يدينوا بنفس القوة والعنف  محمود العيسوي الذي قتل أحمد ماهر باشا،  و أنور السادات الذي قتل ورفاقه أمين عثمان باشا، وجمال عبد الناصر الذي حاول قتل حسين سري عامر باشا، و إبراهيم لورداني الذي قتل بطرس غالى باشا رئيس الوزراء. وقبل هذا كله علينا أن ندين القتل الذي تقوم به الدولة خارج إطار القانون أو داخل إطار مزور مصطنع.


]]]


لقد حدثنا هيكل عن قضية السيارة الجيب وقضية مقتل الخازندار لكنه لم يذكر لنا إلا ما يناسبه ويناسب الفكرة التي يريد أن يخدع الناس بها، إن الذكر المبهم للقضيتين يستفز الناس.. أما التفاصيل فهي تؤدي إلى العكس تماما تماما.

لم يقل لنا هيكل على سبيل المثال أن قضية السيارة الجيب قد أحيلت إلى محكمة مدنية، برئاسة المستشار أحمد بك كامل، وكان قد اتهم فيها أكثر من ثلاثين شخصا، منهم عبد الرحمن السندي، ومصطفى مشهور، ومحمود الصباغ، وأحمد حسنين، وأحمد زكي وغيرهم. وكان الجو السياسي قد تغير، بعد سقوط حكومة إبراهيم عبد الهادي، وكانت فرصة ليصول فيها المحامون الإسلاميون والوطنيون، أمثال مختار عبد العليم، وشمس الدين الشناوي، وعبد المجيد نافع، وعزيز فهمي، وأحمد حسين وغيرهم. وأن تسمع شهادات رجال كبار مثل اللواء المواوي، واللواء فؤاد صادق وغيرهما.

ولم يذكر لنا هيكل شيئا عن الحكم الذي أصدرته المحكمة،  والذي برأ أكثرية المتهمين، وحكم على أفراد قليلين منهم بأحكام مخففة، ما بين سنة وثلاث سنوات، ولكن الشيء المهم في الحكم أنه أنصف الإخوان بوصفهم جماعة إسلامية وطنية. وأبرز دورهم الوطني والجهادي في مصر وفلسطين، ودورهم الثقافي والاجتماعي في خدمة مصر، ثم كانت المفاجأة أن انضم رئيس المحكمة المستشار الكبير أحمد كامل بعد ذلك إلى الإخوان، ونشرت ذلك الصحف بالخط العريض: حاكمهم ثم انضم إليهم! 

لم يذكر لنا هيكل الشريف المنصف العفيف  ذلك.. ولم يذكر لنا أيضا هل أكمل المتهمون في قضية السيارة الجيب وقضية الخازندار الأحكام المحكوم بها عليهم أم لم يكملوها.. لم يذكر لنا ذلك.. لأنه لو ذكره لاضطر للاعتراف بأن الحكم في القضيتين قد ألغي.. وكان سبب الإلغاء في قضية الخازندار أنه كان عميلا للانجليز.. أما من أصدر القرار فقد كان: جمال عبد الناصر!!..


]]]


هل يمكن نتصور أن يقف أولمرت معترفا:

- نحن مجرمو حرب ارتكبنا من الجرائم الوحشية ما يندى له جبين البشرية، و إن ضمائرنا لم تعد تحتمل بعد أن ناءت تحت أوزارنا وجرائمنا وقدرتنا على إلباس الحق ثوب الباطل و الباطل ثوب الحق، ثم نحن أيضا لصوص سرقنا دولة ومزقنا شعبا و أذللنا أمة، و أننا الآن نعود إلى الحق ونتوب فتعالوا خذوا أوطانكم..

هل يمكن ذلك؟!

هل يمكن أن نصبح لنفاجأ بجورج بوش على شاشات التلفاز في العالم يعترف:

- أنا أكثر الرؤساء إجراما لأكثر الحكومات إجراما في التاريخ.. إنني أعتذر و أرجع كل حق نهبته بلادي و أعترف بخطاياي..

لو جاز هذا أو ذاك لجاز أن نتوقع أن يأتي محمد حسنين هيكل ليعترف:

- أعترف أن الثورة تصرفت بمنطق العصابات.. سطونا على تنظيم كان جاهزا كما يسطو أي لص على بيت مات أصحابه أو غيبوا في السجون ونجحنا في تزوير مستنداتنا بملكية البيت بل وقتلنا صاحبه حين خرج من السجن الذي سجنوه فيه ظلما وعدوانا..

 لو جاز أن يفعلها إيهود أولمرت وجورج بوش  لجاز أن يفعلها محمد حسنين هيكل..

لو .. حرف امتناع لامتناع!!


]]] 

 

في الطب، وبالتحديد في علم الجراحة، تعتبر أصعب العمليات الجراحية، ليست الأعقد ولا الأخطر، فهذه وتلك توضع لها الخطة الجراحية المناسبة بعد إجراء الدراسات المعملية والإشعاعية والإجرائية  الكاملة، أما العمليات الأصعب، فهي ما يطلقون عليه في علوم الجراحة: العمليات المرتجعة، وهي تلك العمليات الجراحية التي يعاد عملها  بعد أن  أجراها جراح سابق، فلم تنجح. ومهما بلغت بساطة العملية المرتجعة فإنها تمثل تحديا خطيرا لمهارة أي جراح، خاصة حين لا يتوافر تقرير طبي صريح وصادق كتبه الجراح الذي أجرى العملية الجراحية الأولى. يزيد الأمر صعوبة، أن يحاول الجراح الأول، إخفاء معالم خطئه أو جريمته، و إنقاذ نفسه من الملاحقة المتوقعة، فيكتب تقريرا لإخفاء الحقيقة لا لإظهارها، بل ويلجأ إلى التمويه والتزوير والكذب لينقذ نفسه، أو على الأقل ليدافع عن تشخيصه ووجهة نظره وخطته في العلاج التي أثبتت الأحداث والزمن فسادها. و أسوأ ما في الأمر أن ذلك الجراح الذي يتصدى لتلك العمليات المرتجعة يقدم على العملية وهو لا يعرف ماذا سيجد.. بل قد يكتشف في كل خطوة وكل ثانية أن الوضع يزداد سوءا.. والأخطر أن يجد أنه حتى لوحاول التراجع والاكتفاء من الغنيمة بالإياب لما استطاع.


]]]


لقد ذكرني هيكل بروايتين عظيمتين أولاهما هي الصخب والعنف للكاتب الأمريكي: وليم فوكنر والثانية هي رواية أفراح القبة لنجيب محفوظ. في الروايتين يروي نفس الأحداث أربعة من أبطال الرواية، وقد يتفق راويان في كل كلمة إلا في جملة واحدة، لكن هذه الجملة تقلب المعنى كله.. تجعل المجرم بريئا والبريء مجرما.. تلبس الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق. في الروايتين تتبدي عبقرية الكاتبين.. تماما كما تتبدى عبقرية محمد حسنين هيكل في قلب أحداق التاريخ بإغفال جملة أو إضافة جملة.

في نفس السياق لم أغفر لحسن الإمام أبدا أنه مسخ بعض أعمال نجيب محفوظ العظيمة.. لقد حول كمال أحمد عبد الجواد – الذي يمثل نجيب محفوظ نفسه – إلى مسخ شائه ومعقد في فيلم السكرية كما حول عمر الحمزاوي إلى مجنون في فيلم الشحاذ ليصوغ من آلام الوجود الهائلة قفشات وضيعة يصفق لها جمهور الصالة..

هل لي أن أقول أن هيكل فعل بالإخوان المسلمين وبإمامهم الشهيد ما فعلة فوكنر ومحفوظ في روايتيهما وما فعله حسن الإمام في فيلميه؟!..

وهل لي أن أقول أن مسئولية هيكل عن إفعال عبد الناصر إنما هي كمسئولية نجيب محفوظ عن تصرفات أحمد عبد الجواد. نعم :ان هيكل هو المخرج وكان عبد الناصر بطل الرواية.. أما المؤلف فقد كان بعيدا بعيدا وكان هيكل رسوله إلينا.. أقول رسوله فقط.. ولا أقول كما قال هو : رسول الشيطان.

- وكنا شرذمة قليلة سبقت وبزت لأنها أسقطت من حساباتها القيمة التقليدية للصدق والضمير.. فعلنا كل ما يمكن أن يفعل للاحتفاظ بالسلطة.. كان المسلمون هم الخطر الرئيسي ولذلك كان علينا أن نسحقهم سحقا.. كان علينا أن نقتل قياداتهم.. و أن نذل أسرهم ليكونوا عبرة.. و أن نطلق عليهم كل ما يمكن تصوره من الأكاذيب.. كان القتل الجسدي والمعنوي هو الهدف.. بالنسبة للوفديين كان قليلا من التهويش يكفي لانسحابهم.. أما الشيوعيين فقد نكلنا بهم.. لكنه لم يكن تنكيل إبادة كما فعلنا مع الإخوان المسلمين.. كان تنكيل ترويض.. كنا نحتاجهم - بعد الترويض- كخدم ورواد للإعلام القذر الذى لا يتورع عن كذبة مهما كانت هائلة ولا عن نقيصة مهما كانت كبيرة خاصة عندما نطلقهم ككلاب الصيد ضد الإخوان المسلمين.. أعترف بهذا كله.. و أقر بالحق.. كان الإخوان المسلمون على حق وكنا على باطل.. كانوا يقولون الصدق وكنا نكذب..كانوا هم السبيل الوحيد الممكن لانتصار محتمل وكنا السبيل المؤكد للهزيمة والخراب.


]]]


أعترف أن محمد حسنين هيكل يمثل بالنسبة لي خيبة أمل مرة..فقد كنت أدرك دائما وجود مساحة واسعة من الاختلاف بين اقتناعاتي واقتناعاته، لكنني كنت أحترم الرجل و أحترم منهجه و أسلوبه وثقافته، وكنت أتصوره يعاني مثلنا ويقبض على الجمر ويدفع بشجاعة ثمن مواقفه واقتناعاته، ولم يكن يهمني بعد ذلك اتفاقنا، وكان اختلاف الرؤى لا يفسد للود قضية، وظل الأمر كذلك أعواما طويلة، كانت مساحات الخلاف فيها تتسع.. وشقة الاختلاف تزيد.. لكنني ظللت على تقديري للرجل.. وهو تقدير كنت أجعل وزر الخلاف فيه علىّ لا عليه.. وذلك بمنطق: التمس لأخيك سبعين عذرا.. فإن لم تجد فالعيب فيك!!.. ولقد التمست له مئات الأعذار ولم أجد فأنحيت باللائمة على نفسي!!

لم أجد له عذرا في الصمت على التعذيب..

ولم أجد له عذرا في تشويه الشرفاء بالباطل لا بالحق..

ولم أجد له عذرا في موقفه المخزي و المشين  من الإخوان المسلمين..

لم أجد له عذرا في الإساءة إلى الرجل القرآني حسن البنا.. ولا عذرا في مساهمته بالصمت في قتل الشهيد سيد قطب..

ولم أجد له عذرا عندما امتلك الشجاعة ليتحدث عن الجاسوس الإسرائيلي : هنري كوريل.. وهذا جميل.. لكن القبيح حقا ألا يتطرق أبدا إلى العلاقة الوثيقة التي كانت تربط ما بين جمال عبد الناصر وهنري كوريل .. وذلك منصوص عليه في كتابات كبار كهنة الناصرية كثروت عكاشة و أحمد حمروش..

ولم أجد له عذرا قبيل النكسة ولا بعيدها..

ولم أجد له عذرا في تلك الطريقة العبقرية التي أخرج بها مسرحية التنحي عام  67   مقارنا بما حدث أيامها، حين لم يكد يكذب الواقعة أحد، بما حدث منذ أسابيع قليلة في صنعاء، حين لم يكد يصدق مسرحية التنحي أحد، والفارق بين الموقفين يصب في مصلحة قدرات بل وعبقرية هيكل، لكنه في الوقت ذاته، يضعه على قمم شاهقة لجبال اسمها جبال الكذب..

وكنت أبحث عن العيب في نفسي من ناحية و أظل على احترامي لاختلافه من الناحية الأخرى.. 


]]] 


ومنذ أعوام  تنبهت مصعوقا إلى خاصية شديدة الغرابة في حكايات محمد حسنين هيكل .. خاصية  تهين ذكاء كل من أعجب به، ذلك أنه لا يروي التاريخ بمنهج أكاديمي رغم أنه يستعمل كثيرا من الوثائق، لكن تناوله للتاريخ انطباعي، ثم أن انطباعيته ليست صادقة بل هي انتقائية تحاصر الرواية التاريخية كي تسير في طريق ذي اتجاه واحد. إنه طريق مواز للطريق الذي تسير فيه السياسة  في النظام الشمولي الطاغوتي.. وهو نظام  شارك فيه هيكل.. سلبا و إيجابا وفكرا وفعلا. في النظام الطاغوتي تكون الحقيقة – أو على الأحرى  ما يزعمون أنها الحقيقة-  ذات وجه واحد هو الوجه الذي يحدده الزعيم الملهم.. وأي خروج على ما يراه الزعيم خيانة عظمى ورجعية وعمالة وعداء للوطن.. لا توجد وجهات نظر مختلفة.. ولا يوجد مجرد احتمال لـ:" رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأيهم خطأ يحتمل الصواب".. لا توجد احتمالات على الإطلاق..


]]] 


نعود إلى الطب مرة أخرى.. في الامتحانات.. من أول البكالريوس وحتى الدكتوراه  يرسب الطالب على الفور لو فحص المريض وكتب تشخيصا واحدا حتى لو كان هذا التشخيص صحيحا .. وهو في حالة التشخيص الصحيح يرسب لخطأ في منهجه.. لابد أن يكتب الطالب كل التشخيصات المختلفة الممكنة ثم يروح يثبت أو ينفي حتى يصل إلى التشخيص المحتمل ثم يطلب الفحوصات التي أجريت للمريض لكي يصل بها إلى التشخيص النهائي.. ولكن هذا التشخيص النهائي ليس نهائيا تماما.. إنما يحتاج إلى مراجعة بعد العلاج أو إجراء العملية مثلا ومقارنة التشخيص بما وجد فعلا.

هذا مثال للمنهج العلمي في التفكير.. فاحكموا أنتم على هيكل يا قراء.


]]] 


قلت لنفسي: في المعرفة كما في الحرب، يجب أن يكون لديك ربع معلومات خصمك كي تستطيع الدفاع السلبي، لكنك تحتاج أربعة أضعاف معرفته كي يمكنك تقويض حصونه وكشف ألاعيبه وفضح أكاذيبه.


]]] 


لم أفطن إلا مؤخرا إلى هذه الخاصية في كتابات هيكل.. إنه يكتب كما لو كان يملك الحقيقة المطلقة.. و كما لو كان علمه شاملا وكليا.. لا توجد روايات مختلفة للحدث.. بل هي رواية واحدة من يقول بغيرها كاذب أو مأجور ( وفي أفضل الأحوال تتقلص شفتاه بطريقة : ربنا أمر بالستر.. ثم يلتزم الصمت تعففا وتساميا!!) .. إنه يرى كل شيء ويسمع كل شيء ويفهم كل شيء.. والأخطر أنه يصمت صمتا كليا عن الرواية الأخرى.. عما يراه ويسمعه ويفهمه الآخرون.. ولا يقتصر الأمر على الواقعة كحدث.. و إنما يتعدى ذلك إلى تفسيرها أيضا.. فليس ثمة إلا تفسير واحد للحدث هو ما يقوله هيكل.. وكل الاحتمالات الأخرى إما غبية وجاهلة في أفضل الأحوال أو خائنة وعميلة.

الطريقة التي يلجأ إليها هيكل في كتابة التاريخ تقود إلى منهج مدمر وخاطئ تماما مهما اعتمد على الوثائق وما يدعي أنه حقائق.. لأن الوثائق نفسها يمكن أن تقود إلى طريق خاطئ إذا لم يتوفر الضمير والعقل التحليلي النزيه  في التعامل معها.. وليست الوثائق فقط.. بل إن المادة الخام للتاريخ نفسها قد تكون مضللة إذا تناولناها بمنهج غير صحيح، ولنضرب مثلا بما كتبه  العماد الأصفهاني عن معركة حطين،  إذ كتب يقول:"….ومن شاهد القتلى قال ما هناك أسير،  ومن شاهد الأسرى قال ما هنالك قتيل.… ولقد رأيت في الحبل الواحد ثلاثين وأربعين فارسا يقودهم فارس،  وفي بقعة واحدة مائة ومئتين يحميهم حارس ".

إن الحقيقة التاريخية هنا واقعة وصحيحة لكنها لا تكتمل إلا عندما نرى وجهها الآخر..

ونصف الحقيقة كنصف الشرف هراء وعار..  ذلك أنك إن قلت:" ما هناك أسير" أو قلت : " ما هنالك قتيل" .. فإن قولك للأولى أو للثانية لا يعنى أنك قلت نصف الحقيقة.. بل إن قولك بهذه الطريقة باطل كله.. حتى و إن احتوى على بعض الحق أو حتى على كثير من الحق.. وهذا ينطبق على كتابات محمد حسنين هيكل..

ينطبق هذا على عندما يكون بعض الحقائق أو حتى الكثير منها صحيحا فما بالنا إذا كانت هذه الوقائع مختلقة وباطله.

ثم إن لعب هيكل بحقائق التاريخ بتجريد الوسائل من الغايات يجعل من التاريخ عبثا لا يطاق ولا يفهم..

إن هيكل واحد من الحداثيين العلمانيين العرب.. ولست أنكر – رغم كل تحفظاتي- أنه واحد من أفضلهم.. إنه يتصرف كمواطن غربي  بينما يتصرفون هم  كالعبيد والجواري في انتظار المنح والعطايا. لكن مشكلة هيكل و أضرابه من الحداثيين العرب – كعبد الله العروي مثلا-  أنهم مقتنعون أن المجتمعات العربية  المسلمة لا يمكن أن تكون حداثية لأنها تلجأ إلي الغيب في معيشها اليومي!.. مشكلة  هؤلاء.. أو مصيبتهم بل خيانتهم.. أنهم بدلا من أن يتعلموا الإسلام ليتواصلوا مع أمتهم  يحاولون خلع أمتهم من الإسلام.. فالغيب عندهم هو المرفوض .. وهذه هي نقطة المفاصلة التي تحدد جهة انتمائهم.. معنا أم علينا..صديق أم عدو.. مفكر أم محتال.. 

نعم.. لا يدرك هذا المنهج المعوج في التفكير ما تملكه مجتمعاتنا من قوة مكنونة مثلا في نداء: " الله أكبر".. ولا يعني هذا أننا ننكر القوة التي تتحصل عليها المجتمعات من مصادر العلم والمعرفة والتخطيط والثروة والقوة ورباط الخيل.. لكننا في إيماننا بهذا كله لا ننسى إيماننا الأول.. بل ونجعل منه سياجا للثاني يمنعه من التجاوز والانحراف والإجرام.

.. بل لعلهم كانوا ممن شاهدهم الشهيد العظيم – إن شاء الله- سيد قطب حين  كان مستلقيا فوق سريره في إحدى مستشفيات أمريكا ، فرأى معالم الزينة وأنوار الكهرباء الملونة وألوان الموسيقى الغربية والرقصات ، وتساءل الشهيد : ما هذا العيد الذي أنتم فيه؟ فقالوا: اليوم قتل عدو النصرانية في الشرق ، اليوم قتل حسن البنا ، وقد كانت هذه الحادثة كفيلة أن تهزه من أعماقه ، حسن البنا!! يحتفل بمقتله في داخل أمريكا ، إذن لا بد أن يكون الرجل مخلصا  وأن تكون دعوته خطيرة حقا  ، ترجف لسماعها أوصال الغرب هلعا  واضطرابا..

أظن أن هيكل كان معهم بالوجدان لا بالزمان.. كان يحتفل معهم..  و أنه ما زال يرى في الفكر الإسلامي عدوا خطيرا للحداثة والعلمانية.. و إن استبدل شعار الإرهاب الإسلامي بشعار العداء للنصرانية.


]]]


نعم .. إن الإيمان بالغيب هو الذي يصنع الغاية ويحدد الوسيلة.. أما محق الغيب ونفي الطبيعة و إنكار الربوبية أو الألوهية فهي السبيل المؤكد لتحويل الإنسان إلى كائن بشع نصفه حيوان ونصفه شيطان..

لطالما سألت نفسي محاولا حل الأزمة التي سببها لي هيكل: ما هي مرجعيته؟ هل هي الإسلام؟.. لا.. فالدين عنده كيان غامض لا شكل له ولا مناسك ولا فرائض ولا سنن.. كيان غامض إن تعامل معه بجدية فإنه يفقد طهارته الحداثية  ونقاءة العلماني على الفور.. وتساءلت: هل العروبة مرجعيته؟..  وقدمت لي لغته الدارجة العامية في حواراته ومحاضراته نصف الجواب على الفور.. أما النصف الأخر فقد قدمه لي ازدراؤه لنصف العرب ورثاؤه لنصفهم الآخر..


]]] 


في كتابه  من مضايق الحداثة إلي فضاء الإبداع يتناول المفكر المغربي خالد حجي (القدس العربي 13-7) مأزق السقوط الذي سقطه العلمانيون والحداثيون العرب  في  مرحلة ما بعد الاستعمار، إذ أنهم في ثورتهم على قديم أوصلهم إلى الحضيض لم يميزوا بين غث وسمين فهرعوا إلى أول طقوس الحداثة وهي القطيعة المعرفية لينكروا التاريخ والغيب والهيمنة الإلهية والغاية من الوجود الإنساني ..  وعندما تخلصوا من هذا كله كان لابد أن ينشأ داخلهم فراغ امتلأ بالفكر الغربي على الفور.. ومن ثم فقد سقطوا في فخ الغرب من حيث أراد أن يتحرروا منه. لقد استدرجهم بريق التكتيك الغربي ليسقطوا في استراتيجيته .. وليصبحوا أعداء لأممهم..

يصف الكاتب حال هؤلاء بقوله: "  لقد ذهب هؤلاء مذهبا ملتويا فأنتجوا خطابا ملؤه التناقضات، يصرحون بالرغبة في الانعتاق من أَسرِ الغرب ويُضمِرون التقديس لعلومه ومؤسساته ومنجزاته، يحسبونه المُجَسِّد الفعلي للتطور التاريخي، ويُخَيَّل إليهم من فرط الغفلة والتبعية أن هذا الغرب يقف علي قاعدة كلية مطلقة لا يأتيها الباطل بحال. وبقدر ما يضمرون التقديس للغرب، يصبون جام غضبهم علي المشرق مُمَثلا في إنسانه، وفي دينه، وفي تقاليده، وفي تخلف جاهزيته الثقافية وفي خلوه من العقلانية." ..

ثم يحذر الكاتب من الفشل الذريع كمآل لهذا الخطاب الناقد للعقل العربي، المبخس للذات العربية والإسلامية مؤكدا أن شأن أصحابه هو شأن جملة مثقفي حقبة ما بعد الاستعمار الذين يجعلون سقف طموحهم هو أن يصيروا غربا آخر وأن ينتزعوا الريادة منه فينصبوا أنفسهم محله. إنهم يطمعون في أن تصير الضحية جلادا. وهذا ضرب من المحال.

نعم.. هذا يلقي كثيرا من الضوء على مواقف محمد حسنين هيكل.. إنه لا ينتمي إلى دين أو قوم أو وطن يتعالى عليهم جميعا.. إنه مواطن عالمي.. لكن المشكلة الآن  أن العالمي هو الأمريكي.. إلا أن الأمريكيين أنفسهم فيهم شرار وخيار.. و أنا أظن أن هيكل من خيار الأمريكيين.. ولكن خيار الأمريكيين لا يقفون على طرف النقيض من أمتهم..

لن يمكن فهم هيكل ومشروعه القومي ألا عندما نفهم أنهما: الشخص والمشروع كانا مناقضين ومعاديين وهادمين لأمتنا.. ليس مشروعا عربيا ولا إسلاميا..إنه مشروع أمريكي.. ربما كان مشروع المعارضة الأمريكية لكنه في النهاية أمريكي.


]]] 


من يقرأ لهيكل قد يتصور أن تاريخ مصر بدأ منذ 23 يوليو 1952.. و أن تاريخ الإمام الشهيد- والذي كان رؤساء الوزارات لا يسعون لمجرد لقائه بل إلى رضائه-  بدأ منذ لقائه بهيكل عام 1946!!.. ذلك أنه يتحدث عن عالم غريب يقع كله داخله لا خارجه.. فالكون ليس هو الوجود الخارجي المستقل  و إنما هو صورة منعكسة على شبكية عينيه لو لم تنعكس لما كان للكون وجود!!..كذلك.. فالأصوات ما يسمع والأحاسيس ما يحس والصواب ما يراه والخطأ ما يستنكره.. هل سمعه أحد ذات يوم يعترف بخطأ أو يندم على ذنب ولا أقول يتوب؟!.. هل تنازل في أي مرحلة  عن أن فكره هو النموذج المجرد والمثال الأعلى.. ولا أقول لهيكل قال الله وقال الرسول خيفة أن يشمئز قلبه  و إنما أقول له قال ألبير كامي: " إننا نختنق إلى جوار أولئك الذين يظنون أنهم على صواب مطلق"..


]]] 


الطريقة الانتقائية التي يمارسها هيكل  في قراءة التاريخ شر محض قد يقي منه إلى حد ما ضمير يقظ لكن لا يحمي من الوقوع في ذلك الشر إلا قلم – وقلب- يخافان الله.

لقد كان محمد حسنين هيكل.. المصري العربي المسلم – افتراضا-  يتحدث عن الإمام الشهيد باستهانة مزدرية وكان الكاتب الأمريكي روبرت جاكسون  وهو غير مصري وغير عربي وغير مسلم يصف الإمام الشهيد بأنه الرجل القرآني.. و أنه الكلمة التي سبقت وقتها.. و أن: (هذا الشرق لا يستطيع أن يحتفظ طويلاً بالكنز الذي يقع في يده. إنه – حسن البنا- رجل لا ضريب له في هذا العصر.. لقد مرّ في تاريخ مصر مرور الطيف العابر الذي لا يتكرر. كان لابد أن يموت هذا الرجل – الذي صنع التاريخ وحوّل مجرى الطريق – شهيداً. كان لابد أن يموت باكراً، فقد كان غريباً عن طبيعة المجتمع.. يبدو كأنه الكلمة التي سبقت وقتها، أو لم يأت وقتها بعد.. 

  وحين سماه روبير جاكسون الرجل القرآني فقد اهتدى ووفق إلى تسمية تجمع له كل الصفات.. والتي يصعب جمعها في كلمة واحدة.


]]] 


لا يقتصر الأمر على الانتقائية بل إن الموازين النسبية للأحداث ونصيبها من الاهتمام قد يقلب المعنى.. ذلك أنك يمكن أن تصف بيتا فتكتب بضع كلمات عن قاطنيه وبضع كلمات  عن طعامه وبضع كلمات عن مكتبته تاركا الباقي للحديث عن قمامته.. وليس الحديث عن القمامة أسوأ ما في الأمر..لأن الأسوأ حقا هو التركيز عليها لصرف الانتباه عما يستحقه فعلا. إن الأمر يشبه أمر مجرم يريد الإنكار أمام النيابة.. إنه يتحدث عن كل شيء إلا ما يهم النيابة فعلا.. وقد يكون صادقا فيما يتحدث عنه.. لكنه يركز عليه كي يضلل النيابة...


يقول هيكل: " أنا جايب معي الجرائد اللي غطيت فيها، الخازندار قتل المستشار أحمد الخازندار وأنا رحت شوفت بيته وأنا كتبت عنها في هذا الوقت كـ(Reporter) لكن أنا مندهش لأنه تابعت المحاكمة فالحجة الأساسية الموجودة أن هناك قاضي يحكم بأحكام شديدة على متهمين بأعمال معينة بأعمال على وجه اليقين عنيفة وإذا بقاضي في الاستئناف يقتل لكي يكون رادعاً لقضاة آخرين أن يحكموا بأحكام قاسية على شباب الإخوان وبعدين مشينا شوفت بعد كدة الإخوان في مقدمات حرب فلسطين وشفت متطوعين منهم هناك كثير قوي وبعدين شفت حكاية قتل النقراشي(...)  أنا في سنة 1948 على وجه اليقين في فترة كنت فيها قريب جداً من مسرح الحوادث في مصر بحكم انشغالي في ذلك الوقت بقضية فلسطين وتغطية قضية فلسطين شوفت بعض المشاهد مما يصعب جداً تصوره بما فيها أو كان 


]]]


 وعلى سبيل المثال فإن الحلقة التي نتحدث بصددها والتي أذاعتها قناة الجزيرة يوم 18-6 تشتمل على ستة آلاف كلمة تقريبا.. من هذه الكلمات تحدث هيكل عن اعتراضه على إعدام عبد المجيد حسن قاتل النقراشي في ستمائة كلمة وعن مقتل النقراشي نفسه في حوالي ستمائة كلمة أخرى.. لكن حظ الجهاد الذي قاده الإخوان المسلمون في فلسطين كان ستة كلمات فقط.. نعم.. ستة كلمات فقط‍‍‍‍!!.. وكانت هذه النسبة أصدق تمثيل لحظ هيكل من الموضوعية والأمانة!!..:

دعنا الآن من اعتراض  هيكل  على إعدام قاتل النقراشي ليس على شخصه ولكنه الاعتراض على الإعدام كله كحد من حدود الله ..وتذكروا أنه أيد إعدام خالد الإسلامبولي بعدها بنيف وثلاثين عاما.. كما أنه لم يستنكر إعدام العشرات وقتل المئات من الإخوان المسلمين.. دعنا لا نأخذ هيكل هذه المرة على مأخذ الجد .. على الأقل داخليا.. وتذكروا أن كثيرا من كلماته هي رسائل موجهة للخارج.. وهذه الرسالة – على سبيل المثال تعني رسالة للغرب  تقول أنا منكم ومراجعي مراجعكم.. إن الحدود في الإسلام عقاب وحشي لا أومن به. تذكروا أيضا إشادته بالكاتب الشاذ جنسيا الكسندر ديماس.. وبأحمد لطفي السيد وموقفه من الإسلام ومن السودان معروف وصداقته للصهاينة لا تخفى على أحد.

دعنا من هذه الرسائل إذن فهي غير موجهة إلينا ..


]]] 


يتحدث هيكل عن اغتيال الإمام الشهيد وعن مصرع النقراشي، وفي تدنٍّ مثير يؤكد هيكل أن الإمام الشهيد كان يعلم في أيامه الأخيرة أنه سيموت.. و أنه كان خائفا.. وينتقد أنه في ذلك الوقت  كان يحاول أن يمد جسورا مع القصر..  لكنه اغتيل وقامت حكومة إبراهيم عبد الهادي في ليلة واحدة باعتقال  خمسة الآلاف من أتباعه  في ليلة واحدة ..

ثم يستطرد هيكل بطريقة بئيسة – ولا أقول خسيسة-:

 كل ده ما فيش جمال عبد الناصر، جمال عبد الناصر(Later on) جاء بعدين. " 


]]] 


دعنا الآن  من السماجة السميجة في حكاية " كل ده ما فيش جمال عبد الناصر" مشيرا إلى زعمه الكاذب أن الإخوان المسلمين يدعون أن مصائبهم مرتبطة بعصره.. زعم هيكل ذلك دون أن يأتي لنا بواحد  فقط  من الإخوان قال ما زعمه.. لم يأت الكاتب الأشهر بمثال واحد.. وليس أعجب من قدرته على ممارسة الكذب على هذا النحو إلا قدرة بعض الناس على تصديقه حتى اليوم واعتبار ما يقوله وما يكتبه وما يرويه منطقي وصادق!!..

دعنا من ذلك لنتناول الإحالة الغامضة عن محاولات الإمام الشهيد لمد جسور مع الملك ( دون أن يفطن للتناقض: هل كان الإمام  إرهابيا يريد قتل الملك أم متهاونا يريد مد الجسور معه) ..

ولقد ألقمه الدكتور جمال حشمت ( المصريون 26-6) حجرا عندما نشر رسالة  قديمة كتبها هيكل نفسه للملك في يوم عيد ميلاده.

 يقول هيكل في الذكرى الثامنة لجلوس الملك على عرش مصر " هذه هي الذكرى الثامنة لجلوسك يا مولاي على عرش مصر، ثمان سنوات وأنت تحمل مسئولية هذا الوطن وهذا الشعب كنت فيها نعم الملك الدستوري في ظروف لعلها أدق ما مر بها في تاريخ حياتها أو ليس الفاروق هو الذي قال ذات مرة: إنني أحب قيادة السفينة أثناء العاصفة (...) ... وقد قال لي مسيو ليجول رئيس تحرير البورص إن مصر محقة أن تحب مليكها كل هذا الحب فهو جنتلمان حقيقي .... ولن أنسى أن أحد الضباط الأمريكان رآك يا مولاي في إحدى الحفلات فلم يملك نفسه وهتف "فليحفظ الله الملك" وبعدها قال لي هذا الضابط أنه لم يكن يتصور أنه سيأتي عليه يوم يهتف لأحد الملوك وهو الذي ولد جمهوريا متعصبا وقال لي : أنني لم أهتف حتى لروزفلت نفسه ولكن ملككم هذا رجل عظيم "


]]] 


لكن..

دعنا من ذلك أيضا .. ولندلف إلى ذلك الأسلوب الاستشراقي المتدني  في تسفيه عظائم الأمور.. ذلك أن هيكل الذي يري الجلال في خادم لورد إنجليزي والقداسة في سيناتور أمريكي لا يرى في الأيام الأخيرة للشهيد إلا أنه كان خائفا.. وهو وصف لا يمكن إثباته ولا نفيه ولا يحمل أي مصداقية ولا يتبع أي منهج – إلا منهج صلاح نصر وحمزة البسيوني وصحافة المارينز- وليس ثمة دليل عليه.. لا دليل إلا من  نفس مرضت وفكر ضل و عقل زل وضمير اختل ومنهج اعتل.. منهج وصفه جلال أمين باقتدار في كتابه " عصر التشهير بالعرب والمسلمين، عندما راح يكشف كيف يلجأ المجرمون إلى اصطناع الذرائع للإيقاع بضحاياهم ولتبرير الجرائم التي يوشكون على ارتكابها ضد هؤلاء الضحايا.

يقول جلال أمين :

 "إن اللجوء إلى الخداع والتمويه يصبح بدوره شيئا لازما وضروريا، لا تزول الحاجة إليه في ظل أي نظام عالمي، جديدا كان أو قديما (...)  كذلك لا يجب أن نستغرب أن تخترع أحداث قد تضفى المشروعية على استخدام وسائل لا يمكن أن يقبلها الضمير العام بسهولة. والتاريخ مليء بهذه الأحداث التي جري ترتيبها لهذا الغرض ونسبت إلى الطرف المراد إخضاعه أو استغلاله، ولابد أن نتوقع أن يستمر استخدام هذه الصورة من صور التمويه طالما استمرت الأهداف المتوخاة والوسائل المتبعة لتحقيقها على هذا المستوى من اللا أخلاقية." 

ويواصل جلال أمين: " إن الذي أقصده باختراع أحداث بغرض التمويه وإخفاء الدوافع الحقيقية، ولتبرير استخدام وسائل غير مشروعة، هو ما جرت عادة القائمين بهذا التمويه على تسميته "بالمؤامرة"، كما جرت العادة على وصف أي محاولة لكشفه وفضحه "بنظرية المؤامرة". وهذا الوصف نفسه لا يخرج بدوره عن عملية التمويه والخداع، للإيحاء بأن كل من يحاول أن يشكك في صدق الشعارات المعلنة، أو في حقيقة الأحداث التي تم اختلاقها وترتيبها، إنما يعانى من مرض عضال أقرب إلى المرض العقلي أو النفسي الذي يجعله يرى وراء كل حادث مؤامرة، ويرفض تصديق أي شيء يسمعه ولو كان هو الحقيقة كاملة. ومن ثم يصبح إطلاق وصف "نظرية المؤامرة" وسيلة لإخافة أي شخص من أن يحاول أن يستخدم عقله لفك الطلاسم والرموز، ولإزالة التناقض بين الأقوال والشعارات التي يسمعها وبين ما يراه بعينيه، ولمنعه من أن يحاول تقديم تفسير منطقي لمجرى  الأحداث يتفق مع ما يعرفه من حقائق التاريخ ".. 

وفي مكان آخر يقول جلال أمين: " من أكثر الأساليب ضمانا لتعبئة الناس وراء هدف معين إثارة الخوف في نفوسهم، وبث مشاعر الكراهية ضد عدو مشترك تنسب إليه قدرات خارقة على ارتكاب الشر.. ويجرد من كل الصفات الإنسانية.. إن بث مثل هذه المشاعر القوية من الكراهية والخوف لا يقتصر أثره على توحيد الفئات المتناحرة في شعب متعدد الاتجاهات والنوازع، وتسهيل مهمة الدعاية، وتعطيل ملكة النقد والشك في صحة ما يجري ترويجه من أفكار، ولكنه يضمن أيضا إشاعة روح الولاء والطاعة في تنفيذ أوامر قد لا يسهل ضمان طاعتها لو لم تقترن بمثل هذه الكراهية للعدو أو هذا الخوف منه"..

نعم يجب تصوير العدو في صورة الوحش المفترس  حتى تصبح مهمة قتله أو تجويعه مهمة سهلة ومبررة..

إن كلمات جلال أمين هذه تصلح مفتاحا لكتابات هيكل عن الداخل كلها..

إنه كالموظف الذي ينتوي ارتكاب جريمة فيرتب أوراقه بحيث يلصق الاتهام بغيره. و إنه يدرك أكثر من أي شخص آخر قدر الجرائم التي ارتكبتها الثورة في حق الإخوان.... وهي جرائم أثبت الزمن أنها كانت ضد الدولة والأمة والدين جميعا و أنها هي التي أدت بنا إلى الانهيار الذي نعيشه..  لذلك يصبح هيكل في منتهى الشراسة عندما يتحدث عنهم.. لأن ما حدث يعني – لا محالة أن أحد الطرفين خائن ومجرم..- فهل أدركتم الآن يا قراء سر ضراوته.


]]] 


انظروا مثلا كيف " حكى " باختزال مريض عن  الأيام الأخيرة في حياة الإمام الشهيد..فيختزل الأمر في حديث مكرر عن مقتل النقراشي والخازندار وخوف الإمام من الموت ( دون أن يعترف بالحقيقة فقد كانت الأيام الأخيرة للإمام عنوانا على بطولته، لقد حذره الجميع وتوسلوا إليه أن يلزم خاصة بيته و إلا قتل.. لكنه رفض يا.. هيكل!).. ثم يقول هيكل: 

" في اعتقادي كان أخطرها – الضمير يعود على  حوادث عام 1948-  حادثة قتل النقراشي باشا."

... 

سوف نتوقف هنا لنمسك بالثعلب العجوز المراوغ .. في عام 1948 كله فإن أخطر الأحداث عند هيكل هي مقتل النقراشي.. لم تكن  حرب 48 هي الأخطر ولا ضياع فلسطين ولا هزيمة الجيوش العربية هي الأهم.. لم يذكر لنا هيكل حتى أن النقراشي قد قتل حين قتل بينما كان جل أتباع الإمام الشهيد قد اعتقلوا.. وكان الرجل محاصرا.. ولم يكن يستطيع الاتصال بأحد بعد أن عطلت وزارة الداخلية هاتفه وسحبت سيارة الإخوان التي كان يتنقل فيها وسحبت سلاحه الشخصي كما سحبت سلاح أخيه الضابط حين استقال من عمله كي يتفرغ لحمايته ورفضت تعيين حارس يدفع هو أجره ورفضت سفره إلى بنها أو أسوان أو سفره إلى الخارج، وكانوا قبلها بأسابيع قد شطبوا كل بلاد العالم ما عدا السعودية من على جواز سفره.. لكنهم رفضوا سفره إلى السعودية عندما أراد ذلك .. كان محاصرا ومراقبا لا تخفي عليهم منه خافية .. ولم يكن بقادر على أن يخطط لقتل ذبابة وهو تحت الرقابة المستمرة الصارمة.. وليس أدل على ذلك من أن اتهاما لم يوجه له على الإطلاق.. بل ترك حرا.. صحيح أن ذلك كان تمهيدا وتدبيرا لاغتياله.. ولكن الذي خطط ونفذ الاغتيال هم الملك وخدمه وأغواته وليس النيابة المسئولة عن الاتهام إن وجدت شواهد عليه.

 لقد شعرت بكثير من الاشمئزاز حين قرأت أن هيكل – الذي يعلم ما في الصدور!!- قد علم أن الإمام الشهيد حين أصر على أن يعتقل مع أتباعه قد فعل ذلك خوفا من أن يقتل لا حبا فيهم.. ورغم أن الخوف شعور طبيعي .. والحرص كذلك إلا أن ذكر الواقعة بهذه الطريقة تعبر عن تدن مخز في الرصيد الإنساني.. ثم أنها لا تفسر رفض الإمام الشهيد أن يفرج عنه عام 1941 عندما قبض عليه بأمر من السفارة البريطانية.. وتحت الضغط الشعبي صدر قرار بالإفراج عنه دون رفاقه فرفض الخروج من المعتقل و أصر على الرفض حتى حصل على اتفاق بالإفراج عنهم بعده مباشرة.. لم يذكر لنا هيكل الشريف المنصف العفيف  ذلك كما لم يذكر لنا  أن أتباع الإمام الشهيد  كانوا في السجون  يسامون سوء العذاب.. وحتى أتباعه من  المجاهدين في فلسطين اعتقلوا.. و أنه من أجلهم حاول مد الجسور مع السلطة ..   لم يربط هيكل بين التواريخ ولا هو عاد للجذور.. لقد بدأت حركة الإخوان عام 1928 كرد فعل ناضج وصحيح لانهيار الخلافة الإسلامية لأول مرة منذ بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم.. نشأت الحركة لاستعادة الوحدة بين دول العالم الإسلامي ومواجهة الاستعمار وبناء المجتمع المسلم الذي يستطيع المحافظة على فلسطين من الضياع.. كان العالم العربي والإسلامي ضائعا في صحراوات التيه لا يعرف ما قدامه مما خلفه وكان الإمام الشهيد برأي ثاقب ووعي نافذ يدرك  أن قضية فلسطين هي قضية محورية و أنها تتعدى حدود الواقع لتصبح رمزا وعلما ودلالة ..

يقول الشيخ أمين الحسيني- مفتي القدس-: "بينما كان الملاحدة ودعاة الإباحية ومروجو الفكرة الشعوبية يهاجمون الإسلامَ وينشرون سمومهم وضلالتهم في مختلف الأقطار المصرية والعربية، برز الشيخ حسن البنا في وسط الشعب المصري المؤمن كما تبرز الشمس من بين السحب الداكنة داعيًا أمَّتَه والمسلمين جميعًا إلى العمل بالقرآن الكريم، وتطبيق أحكامه وآدابه الرفيعة والاستمساك بسُنَّة النبي- صلى الله عليه وسلم- في كل شأن من شئونهم الخاصة والعامة .." 


]]] 


كانت صلة الأستاذ البنا بفلسطين مبكرة جدًّا.. ففي عام 1927م بدأت صلته بالحاج أمين الحسيني مفتي القدس،  وفي عام 1933م تجاوبت جماعة الإخوان المسلمين بمصر مع ثورة المظاهرات في فلسطين ، ونشرت جريدتهم المقالات والأخبار المتعلقة بالقضية، ومن بينها مقال للأستاذ البنا بعنوان "فلسطين المجاهدة" طالب فيه بوقف الهجرة الصهيونية لفلسطين. كما سافر وفد من الإخوان إلى فلسطين وكان من أعضاء الوفد الأستاذ عبد الرحمن البنا "الساعاتي" وبعد هذه الزيارة أصبح المركز العام للإخوان المسلمين  بمثابة منتدى لقادة الجهاد الفلسطيني، وقد سجل الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي صورة من هذا الجهد في كتابه "وحي القلم" بعنوان "الأيدي المتوضئة". وفي 11/8/1933 قامت أول مظاهرة عامة في جميع أنحاء البلاد تردد هتافات موحدة منها "عاشت فلسطين عربية"، "النصر لفلسطين والموت للصهاينة"، "فلسطين العربية لن تتجزأ".  وفي مارس 1935م نادى الإمام البنا في اجتماع مجلس الشورى العام الثالث للإخوان، بجمع التبرعات لمساندة قضية فلسطين، وفي نوفمبر من نفس العام قامت ثورة الشهيد عز الدين القسام، وشاركت فيها  مجموعة من شباب الإخوان مع المجاهدين في القتال بعد تسللهم إلى فلسطين.

وفي عام  1936م أصدر الإخوان عددا خاصا من مجلة (النذير) عن ثورة فلسطين، وكتب فيه الإمام الشهيد مقالا عن (صناعة الموت) يحرض الأمة فيه على الجهاد، والاستعداد للموت في سبيل الله. وفي سنة 1938م وقبض على الإمام حسن البنا بسبب مساندته للقضية الفلسطينية. وعقب الإفراج مباشرة كتب الإمام الشهيد رسالة إلى الحكومة المصرية يستنكر فيها هذا الموقف الذليل من قضية فلسطين. واستمر اهتمام الإمام بفلسطين إلا أنه أدرك أن الأمر يحتاج إلى ما هو أكثر من المظاهرات والمقالات، فأنشأ التنظيم الخاص عام 1939 الذي كان يحتوي على مختلف قطاعات المجتمع ومنها الجيش والشرطة. وعندما ازداد عدد ضباط الجيش رئي تنظيمهم في أسر خاصة .. وفي عام 1944م كانت الأسرة الأولى مكونة من سبعة من الضباط: يوزباشي:عبد المنعم عبد الرؤوف،  يوزباشي: جمال عبد الناصر حسين، ملازم أول: كمال الدين حسين، ملازم أول: سعد حسن توفيق، ملازم أول: خالد محيي الدين،  ملازم أول: حسين محمد أحمد حمودة، ملازم أول: صلاح الدين خليفة.  وقد استمرت  اجتماعات هذه الأسرة أسبوعيًا ولم تنقطع حتى مايو 1948م، ثم انقطعت بسبب حرب فلسطين. وفي هذه الأثناء -كما يقول جمال البنا- كان عبد الناصر قد أحكم صلته بالإخوان وتعاون عملياً معهم وكسب ثقة رئيس التنظيم العسكري الإخوانى الصاغ محمود لبيب، وخدعه أيضا، وكان ينافسه في زعامة التنظيم الضابط الإخوانى عبد المنعم عبد الرؤوف. وعندما مرض محمود لبيب مرض الموت لم يكن عبد المنعم عبد الرؤوف في القاهرة ولازمه حتى الوفاة جمال عبد الناصر وأخذ منه كشوف أسماء الضباط الإخوان، بل والاشتراكات أيضا.


]]] 


نعود إلى جهود الإخوان المسلمين في قضيتهم المحورية.. ففي سنة 1946م واصل الإخوان جهودهم. وكان للتنظيم الخاص  للإخوان المسلمين دور كبير في مساندة الحاج "أمين الحسيني"، والتدخل لدى الحكومة المصرية لمنحه حقَّ اللجوء السياسي،  وفي سنة 1947 بدأ الاستعداد بتهيئة الإخوان لمعركة قادمة لا ريب فيها.

وقامت الحكومة المصرية بالتصريح للإخوان المسلمين رسميًّا بجمع الأسلحة، وحشد المتطوعين، وتكوين مراكز تدريب لهم على مختلف الأسلحة، وتسفيرهم إلى "فلسطين".

كان الإخوان قد شكلوا نواة صلبة بدأت الأمة تجتمع حولها، وفي نفس الوقت بدأت المخاوف من أن يعلن الإمام الشهيد نفسه خليفة للمسلمين.. وفي يونيو 1948 كان البطل الشهيد أحمد عبد العزيز واليوزباشي معروف الحضري  وكثيرون  ينسقون مع الإمام  البطل الشهيد ، وفي تلك الفترة دخلت فلسطين كتيبة من الإخوان المسلمين السوريين يقودها الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان في سوريا، وكتيبة من الإخوان العراقيين يقودها الشيخ محمد محمود الصواف مراقب الإخوان في العراق وكتيبة ثالثة من الإخوان الأردنيين يقودها الأستاذ عبد اللطيف أبو قورة مراقب الإخوان في الأردن، وكتيبتان مصريتان حيث وزعت هذه القوات على مواقع كثيرة في فلسطين.

يقول الدكتور يوسف القرضاوي: 

  وقد أولى البَنّا اهتمامًا خاصًّا بقضية فلسطين(...)  ووجه نداءً إلى المسلمين كافة - وإلى الإخوان خاصة - لأداء فريضة الجهاد على أرض فلسطين حتى يمكن الاحتفاظ بها عربية مسلمة، وقال: "إن الإخوان المسلمين سيبذلون أرواحهم وأموالهم في سبيل بقاء كل شبر من فلسطين إسلاميًّا عربيًّا حتى يرث الله الأرض ومن عليها". واتخذت الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين قرارًا في 6 مايو سنة 1948 ينص على إعلان الجهاد المقدس ضد اليهودية المعتدية، وأرسل البَنّا كتائب المجاهدين من الإخوان إلى فلسطين في حرب سنة 1948.  

وقد كان دور الإخوان في قضية فلسطين دورا مزعجا للقوى الاستعمارية المساندة للصهيونية، ورأوا في وجود هذه الجماعة واستمرار نشاطها خطرا على المشروع الصهيوني الوليد، الذي يراد له أن يهيمن على المنطقة ويؤثر فيها، ثقافيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا. وزاد من خوف الانجليز ما أذاعه المرشد العام عن عزمه علي إعلان التعبئة الشعبية والجهاد المقدس فاجتمع سفراء بريطانيا وأمريكا وفرنسا في (معسكر فايد)، وهو من معسكرات الاحتلال البريطاني في منطقة (قناة السويس)، وطلبوا من رئيس الحكومة المصرية حينئذ محمود فهمي النقراشي باشا الإسراع بحل (الإخوان المسلمين). وهذا ثابت بالوثائق الرسمية، التي كانت سرية، ثم كشفت بعد مرور ثلاثين سنة.

وسرعان ما استجابت حكومة النقراشي لمطالب القوى الاستعمارية أو الاستكبارية، وصدر قرار حل الإخوان .

لقد كان - وما يزال - همّ القوى التي خلقت الكيان الصهيوني أن تختفي جماعة الإخوان ـ وهي العقبة الكئود ضد الصهيونية ـ من الساحة.


]]] 


وصدر قرار حل جماعة الإخوان المسلمين . . وسحب الإخوان من مياد بن القتال معتقلين  . . 

وتتجسد العظمة ويتبدى الجلال عندما يتسامى الإمام الشهيد على الألم  فيرسل للإخوان في فلسطين خطاباً قال فيه : إنه لا شأن للمتطوعين بالحوادث التي تجري في مصر ، وما دام في فلسطين يهودي واحد يقاتل فإن مهمتهم لم تنته . 


]]] 


وبرغم أن  أخطر أحداث عام 1948 بالنسبة لمحمد حسنين هيكل لم يكن هذا كله بل كان  مقتل النقراشي.. إلا أنه لم يحاول أبدا أن يقدم تفسيرا حقيقيا صادقا للأحداث.. لقد تمتم فيما يشبه الشعوذة بكلمات غير مفهومة من نوع: "النقراشي قدام حوادث بتحصل بالطبع إرهابية قدام حوادث فيها تفجير قنابل، أنا عارف إنه في عقائد دينية وعارف إنه فيه أفكار وعارف إنه في آراء وعارف إنه في المطلقات زي ما كان بيقول لي الأستاذ حسن البنا إنها عبادة وقيادة ودين ودولة وروحانية وعمل وصلاة وجهاد وطاعة وحب ومصحف وسيف هنا ده فيه مطلقات تؤدي بالبشر تقريباً يأخذوا دور في الحكم على الناس وعلى التصرفات وعلى المجتمعات بأكثر ما تحتمله الطبيعة(...) أنا مستعد أفهم إنه الشباب يلجأ إلى ملكوت الله مستعد أفهمها لكن هنا بالنسبة للشباب وبالنسبة لمسألة المستقبل أنا كنت أتمنى إنه الأستاذ حسن البنا يعني يأخذ باله شويه من دي لكن هو فكرة ولما بأقرأ أكثر بألاقي إن هو من الناس اللي صعب عليه بجد أن يرى انهيار الخلافة العثمانية صحيح وأنا مستعد أفهمه، صعب عليهم أن يروا أحوال العالم الإسلامي بعد سقوط الخلافة"..

فهل فهمت شيئا مما قرأت أيها القارئ؟ هل فهمت سوي إيحاء من نوع:"ربنا أمر بالستر" كي يثير الشبهة على الإمام الذي كان محاصرا لا يقوي – لو أراد- على قتل بعوضة.. هل فهمت لماذا استشهد الإمام أو لماذا مات النقراشي ؟.. هل فهمت من هيكل لماذا حل النقراشي الإخوان فعلا.. هل تحدث الشريف المنصف العفيف  عن العامل الأجنبي والذي كانت استجابة النقراشي له خيانة للأمة وللدولة وللدين.. هل ذكر لنا شيئا عن المذكرة التي قدمها للنقراشي سفراء: إنجلترا وفرنسا والقائم بأعمال سفارة أمريكا، يطلبون فيها حل جماعة الإخوان المسلمين، هل قال لنا الشريف المنصف العفيف  أن طلب حل الجماعة كان يتكرر دائمًا على لسان السفير البريطاني في كل المناسبات ولكل الحكومات.

هل قال لنا هيكل شيئا عن الرعب الذي انتاب الغرب من البعد الدولي الذي أحسوا أن تنظيم الإخوان المسلمين يسعى إليه مواجهة للاستعمار الغربي و إعزازا للمسلمين.. ذلك الوضع الذي بدأت بشائره في فلسطين ليسحقها اليهود والإنجليز والثورة بعد ذلك.. كما بدأت بشائره في محاولة بناء دولة إسلامية في اليمن عام 1948 تكون مرتكزا لتوحيد العالم الإسلامي.

ولماذا لم يكشف لنا صاحب أكبر أرشيف للوثائق في عالمنا العربي  تلك الوثيقة التي كشفها الأستاذ محمد شمس الدين الشناوي – المحامي – في مرافعته الرائعة أمام المحكمة في القضية التي عرفت باسم قضية "السيارة الجيب" وثيقتين رسميتين تفضحان الأسباب الحقيقية لحل الإخوان المسلمين، ودور الأصابع الخارجية في تحريك الأحداث.

هل قال لنا الشريف المنصف العفيف  أن من أسباب حل جماعة الإخوان المسلمين هو موقفهم الصلب في المفاوضات  مع الإنجليز ، فكان من الطبيعي أن يتم التمهيد للمفاوضات المنتظرة بحل الإخوان واعتقال رموزهم وأفرادهم وشغلهم بأنفسهم عن التأثير في مجريات الأمور والأحداث وتقلبات الأحوال والسياسة، وعن متابعة ما يجري في السودان من فظائع.

أم أن ما منع الشريف المنصف العفيف   من الحديث في ذلك أن جمال عبد الناصر كرر نفس المأساة والجريمة بنفس التفاصيل بعد ذلك.

هل قال لنا الشريف المنصف العفيف عن أن من أسباب حل الجماعة فشل الحكومة في إدارة  قضية فلسطين.. وهل ذكر شيئا عن أن من أسباب الحل خوف الحكومة من عودة متطوعي الإخوان من فلسطين ولديهم الخبرة القتالية لإزالة الطواغيت فقرروا رجوعهم من ميدان الجهاد إلى معتقل الطور  لكن الإخوان المخلصين لدينهم ووطنهم وأمتهم أبوا إلا أن يسدوا على الفتنة كل الأبواب، بل وواصلوا الجهاد بالاشتراك مع الجيش المصري حتى بعد قرار الحل.

هل قال لنا الشريف المنصف العفيف  شيئا عن دور العلمانية والماسونية والمخابرات الأمريكية فيما حدث ؟.. لماذا تركنا نقرأ التفاصيل المخزية والعلاقات المشينة والمؤامرات والخيانات  وقصص عملاء المخابرات في جلال كشك ومايلز كوبلاند.

ثم لماذا هو يتحدث عن الإمام الشهيد بنفس الازدراء والتعالي الذي تحدث به من قال:"خلقتني من نار وخلقته من طين" لماذا لم يحك لنا بعد كل هذه الأكاذيب والإدانات والازدراء عن موقف حبيبه وصفيه وربيبه جمال عبد الناصر أمام قبر الإمام الشهيد في ذكراه الخامسة – كما نشرت مجلة "التحرير" على صدر غلافها ( عدد44- بتاريخ 16/2/1954م)   قائلا:"إنني أذكر هذه السنين والآمال التي كنا نعمل من أجل تحقيقها، أذكرها وأرى بينكم مَن يستطيع أن يذكر معي هذا التاريخ وهذه الأيام، ويذكر في نفس الوقت الآمالَ العظام التي كنا نتوخاها ونعتبرها أحلامًا بعيدة. نعم أذكر في هذا الوقت، وفي مثل هذا المكان كيف كان حسن البنا يلتقي مع الجميع ليعمل الجميع في سبيل المبادئ العالية والأهداف السامية، لا في سبيل الأشخاص ولا الأفراد ولا الدنيا.. (...) وأُشهد الله أني أعمل- إن كنت أعمل- لتنفيذ هذه المبادئ، وأفنى فيها وأجاهد في سبيلها".

لماذا لم يحك لنا هيكل عن ذلك؟!..

هل لأنه يهدم روايته كلها؟!..

لماذا لم يحك لنا عن تفاصيل الإفراج عن المتهمين في قضية الجيب وقضية مقتل الخازندار ؟.. لماذا لم يحك لنا عن الجريمة التي يقع وزرها على عبد الناصر إلى يوم القيامة.. جريمة إفساد القضاء.. فعندما كان يتملق الإخوان لحاجته إليهم أمر بإعادة التحقيق في استشهاد الإمام.. فلما انتهت حاجته من الإخوان وغيبهم في السجون أمر بالإفراج عن الجناة القتلة.. ولم يكتف بذلك.. بل عين قضاة مجرمين من نوع جمال سالم صاحب أشهر" هاااااااااأو" في التاريخ والذي كان يسب شهداء الإخوان ويهددهم بالضرب ويرسلهم إلى التعذيب ويحكم عليهم بالإعدام.. ثم يعترف قبيل موته بأن الشيطان هو الذي وسوس له بذلك ثم يستطرد أن هذا الشيطان كان جمال عبد الناصر.

لماذا لم يحك لنا هيكل عن ذلك كله؟..

لماذا لم يحك لنا أن القضاء العادي تحت ظلال الملك الفاسد الفاجر وفي ظلال سيوف الاستعمار الإنجليزي قد حكم لها بالبراءة من الاتهامات التي أدت إلى حلها كما حكم بإلغاء قرار النقراشي بحل جماعة الإخوان و أعاد إليها الممتلكات والمقار والعمل السياسي جميعا.. وكان ذلك قبل الثورة وقبل مرور ثلاثة أعوام على الحل. تحت ظل حكم أصحابك يا هيكل لم يتمكن الإخوان من إلغاء قرار الحل الثوري القومي الهيكلي الناصري لمدة خمسين عاما..

أرأيت ذكاء أمريكا في تفضيلها الاستعمار المحلي عن الأجنبي؟!

أرأيت الفارق في القدرة؟!..


]]] 


في حلقة أخيرة كان هيكل يرد على الشبهات القوية التي أثارها حوله عميل المخابرات الأمريكية – والصديق المقرب من جمال عبد الناصر- مايلز كوبلاند الذي ادعى أن هيكل كان من عملاء المخابرات الأمريكية و أنهم زرعوه – قبل الثورة- كي يحتلوا به ذهن عبد الناصر.. والحقيقة أن هيكل كان مقنعا جدا في رده على مايلز كوبلاند.. لقد قال أنه نشر في عام 1980 ردا يكذب فيه ادعاءات كوبلاند: - أذكر ذلك الرد.. و أذكر ما أصابني به من دهشة و ألم ومرارة.. كنت أظن هيكل سينفي الوقائع كليا.. لكنه نفي بعضها فقط- .. يواصل هيكل أن كوبلاند اتصل به بعد نشر تكذيبه وأنذره بعاصفة كالنار عندما يرفع عليه قضية .. وقال هيكل أنه لمدة ربع قرن بعدها لم يرفع هذه القضية.

والحقيقة أن رد هيكل كان مقنعا جدا بل ومفحما..

لكن بقيت في القلب غصة واحدة وما تزال..

فإذا كان كوبلاند قد جبن عن رفع قضية لأنه كاذب.. فلماذا لم يرفع هيكل نفسه هذه القضية ضده ؟!..

لماذا كانت ثقتنا بهيكل أقوى من ثقته بنفسه..

يا للغصة!!..


]]] 


حتى أصدقاء هيكل التقليديين والمعجبين به فقدوا الثقة به.. وهاهو الدكتور بشير موسى نافع يتناول ساخرا ( في القدس العربي 29-6)  محاولة هيكل لتحميل جرائم الثورة وخطاياها لقليل من المدنيين، مثل السنهوري باشا، سليمان حافظ، علي ماهر باشا، وفتحي رضوان ، كما يسخر من محاولة  هيكل التعتيم على  علاقة عبد الناصر بالإخوان ، لأن تلك العلاقة بالإخوان المسلمين، بل وبالجهاز الخاص (السري) للإخوان، هي علاقة قديمة، بدأت منذ مطلع الأربعينات. وهي علاقة لم يعد من الممكن نفيها أو تجاهلها في ضوء العديد من الشهادات التي نشرت في هذا الصدد من كبار الضباط من زملاء عبد الناصر ومن القيادات الإخوانية لتلك الفترة. وليس عبد الناصر وحسب، بل ان عدداً كبيراً من قيادات حركة يوليو كان معروفاً بارتباطاته الإخوانية. ولكن عبد الناصر فك ارتباطه بالإخوان، لأسباب يطول شرحها، في الفترة بين 1949 و1951، عندما قام النظام الملكي بهجمته الواسعة علي الإخوان، . ثم عاد عبد الناصر إلي توثيق علاقته بالإخوان منذ مطلع الخمسينات؛ وهذه المرة بقيادات الإخوان المدنية والسرية ـ الخاصة علي السواء. ان رابطة عبد الناصر المبكرة مع الإخوان تمت من خلال التنظيم الخاص، كما ان التنظيم (أو انشقاقاته) لعب دوراً مزدوجاً خلال الصدام مع الحكم الجديد في 1954، بعد ان نجح عبد الناصر في استمالة بعض قياداته. عندما تتفق آراء كل من صلاح شادي، فريد عبد الخالق، حسن عشماوي، وصالح أبو رقيق، علي أن عبد الناصر تقدم إليهم عشية الانقلاب علي انه إخواني، وأن مشروع حركة الضباط هو مشروع إخواني، فعلي المؤرخ أن يحفر أعمق بكثير من مجرد استنتاج الوهم وسوء الفهم. ما يعزز وجهة النظر هذه ان عبد الناصر وصحبه قد استثنوا الإخوان المسلمين فعلاً من القرار الكبير والشامل لحل الأحزاب، وظل الإخوان المسلمون التنظيم السياسي الوحيد من تنظيمات ما قبل الانقلاب الذي ينشط بحرية، إلي ان بدأ مسلسل الصدام مع عبد الناصر وقيادة الحكم الجديد..

ثم يسخر الدكتور بشير موسى نافع أخيرا من زعم هيكل المضحك بأن الإخوان المسلمين لم يكونوا مؤهلين لقيادة نظام جديد فيقول: " إن المقارنة بين حركة سياسية ـ إسلامية تجاوزت العقدين من عمرها آنذاك ومجموعة صغيرة من ضباط الجيش، الذين كان أغلبهم في مطلع الثلاثينات من العمر، ليست بالتأكيد في صالح الضباط"..


]]] 


أما هشام الناصر فيصرخ في صحيفة ( المصريون) اليكترونية  بتاريخ 28 - 6 – 2006 بعنوان: تعقيب على "هيكل" :"  المطلق والنسبي بين الدين والسياسة " 

"  من المؤلم علي النفس أن نقوم بالرد أو النقد لرمز من رموزنا الثقافية العربية (والعالمية) ألا وهو أستاذنا الكبير "محمد حسنين هيكل". فالرجل تعلمنا علي يديه ألف باء "الثقافة السياسية" في الخمسينات والستينات" .. وفي مقال رائع طويل لا يتسع له المجال يهدم هشام الناصر فكر هيكل كله لينهي مقالته وكأنما ينعى عمرا انخدع فيه يهيكل قائلا:

"الإسلام هو "الكلمة السحرية" والأمل الوحيد المتبقي لاستنهاض الدول الإسلامية من سباتها واستكانتها وخضوعها وانقيادها باستخدام "الطاقة النووية" الروحانية الكامنة فيه ككينونة، وبإتباع "تعاليمه" الحاكمية في إدارة شئون البلاد وأمور العباد بصفتها قواعد خارجة عن الأهواء وشطحات الطوائف والطبقات، وباستخدامه كأداة جامعة رابطة لوحدة وتكتلات بين الدول الإسلامية في عصر لن ينجو من براثنه وأنيابه إلا التجمعات (السياسية والاقتصادية) المتآلفة، وبإدراك حقيقة التهديدات والمخاطر التي يتعرض لها المسلمون في ذاك الصدام المزعوم بينهم وبين الغرب (كما جاء في الأطروحات العقلانية حول صدام أو صراع الحضارات). من الغريب أن هيكل يعلم هذا جيدا (!!). وحتى لو كان غير مؤمن بحاكمية الإسلام فهو موقنا بدوره وفاعليته في إنقاذ الأمة وإزالة الغمة .. وليته ينظر للأمر نظرة برجماتية نفعيه – هذا إن كان مسلما وطنيا يريد صالح الإسلام والمسلمين.


]]] 


في كلمة جامعة من آخر ما قاله الشهيد رحمه الله:

"ولو أخذت الأمور وضعها الصحيح، وكانت الكلمة للحق لا للقوة لحاكمناكم نحن أيها المفرطون على التفريط، ولحاسبناكم على هذا العجز أشد الحساب، ولكن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، ) وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ( (يوسف، 21).


]]] 


أعود إلى مشهد البداية..

مشهد الابنة تبكى أباها ومشهد الأب يبكي ابنه وهيكل بينهما يفصل هذا عن ذاك.. ويستبسل في الفصل.. 

أعود إلى مشهد والد الشهيد  

وكانت ثمة آهة أخرى اجتواها القلب واكتوى بها..

كانت آهة أب على ابنه..

كان والد الإمام الشهيد يقول:

أتمثلك يا ولدي وأنت صريع وقد حملت في الليل مسفوكاً دمك ذاهبة نفسك، ممزقة أشلاؤك، هابت أذاك حيات الغاب، ونهشت جسدك الطاهر حيات البشر! فما هي إلا قدرة من الله وحده تثبت في هذا الموقف، وتعين على هذا الهول وتساعد في هذا المصاب .. فاكشف عن وجهك الحبيب فأرى فيه إشراقة النور وهناءة الشهادة، فتدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا عز وجل "إنا الله وإنا إليه راجعون". 

وأقوم يا ولدي على غسلك وكفنك وأصلى وحدي من البشر عليك، وأمشي خلفك، أحمل نصفي، ونصفي محمول، أفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد. 

أما أنت يا ولدي فقد نلت الشهادة التي كنت تسأل الله تعالى في سجودك أن ينيلك إياها فهنيئاً لك بها.. ".

سألت نفسي: هل أثر في هيكل استشهاد الإمام الشهيد؟ وهل بكى مثلنا  عندما شاهد  هدى غالية وهي تصرخ أباها الممزقة أشلاؤه: بــــــــابــــــااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااه..

هل ربط بين استشهاد الإمام ومأساة هدى غالية؟!

عل أدرك هيكل أنه لوتولى أمر الأمة  رجال من طراز الإمام الشهيد لا من طراز عصابة " هآاااااااااااااااااااااااااو " المجرمة لما حدث لعدى غالية ما حدث أبدا.. هذا على افتراض بقاء إسرائيل حتى الآن..

أعود إلى هدى غالية.. أطالع المشهد مسجلا بالصوت والصورة على موقع الإخوان المسلمين على الشبكة العنكبوتية المرة تلو المرة..

ولم يقلل الألم تكرار مشاهدة المشهد ولا توالي الأيام عليه..

في كل مرة كنت أعاود مشاهدة  " هدى غالية " كان قلبي يتصدع نفس التصدع وكان نفس البركان وذات الإعصار.. 

كانت على شاطئ غزة مع أسرتها.. قتل أسرتها من هم أخس من القردة و أنجس من الخنازير و أكثر شرا من الشيطان ذاته..

كانت تصرخ نادبة أفراد أسرتها الشهيدة و أشلاء أبيها الممزقة : بــــــــابــــــااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااه..

مع الـ: اااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااه كنت أرى الألم يولد بين الشفتين البريئتين الطاهرتين المعذبتين، كنت أراه يولد وينمو ويتكاثر بطريقة أسطورية حتى يملأ الكون..

وكان القلب يتصدع والبركان يصهر الجسد والإعصار يدوخ العقل.. وكنت أصرخ معها.. حين رأيت على رمال كالرمال ياسر وسمية  ورأيت الحمزة فبكيت لبكاء الرسول صلى الله عليه وسلم  عليه، وعلى رمال كالرمال رأيت الحسين و آل البيت وكربلاء الممزقة تحت جنازير الدبابات وسنابك الخيل ورأيت الزبير بن العوام فارسا على الصليب ما آن أن يترجل  ومحمد الدرة وإيمان حجو.. وكانت الرمال تصرخ وكان الهواء يصرخ وكان النور يصرخ وكان البحر يصرخ وكان جهاز التلفاز يصرخ وكانت عويناتي تذرفان الدمع وكان المقعد ينتحب أسفل مني ويهتز وكان التاريخ يصرخ وكانت الجغرافيا تصرخ وكانت الحدود الممزقة تصرخ وكانت معارك التاريخ تصرخ  وكان المعتصم يصرخ وكان محمد الفاتح يصرخ وكان الجبرتي يصرخ وكان محمد بن عبد الوهاب يصرخ  وكان أحمد عرابي يصرخ وكان حسن البنا يصرخ و كان أبو الأعلى المودودي يصرخ وكان محمد فرغلي يصرخ وكان  يوسف طلعت يصرخ وكان عبد القادر عودة يصرخ  وكان سيد قطب يصرخ وكان الشيخ أحمد ياسين يصرخ وكان الدكتور عبد العزيز الرنتيسي يصرخ.... وكان الصدق المذبوح يصرخ.. وكان الحق المسفوح يصرخ..

و....

و....

و....

وكان محمد حسنين هيكل في قناة أخرى أنيقا هادئا متعاليا... وكان لا يصرخ.. بل كان يزور التاريخ و يكذب..


]]] 

]]] 

]]] 


بريد القراء

]]] 


]]] 


 

شعب للبيع حسب التسعيرة الحكومية


فرصة نادرة

شعب للبيع حسب التسعيرة الحكومية

الجهة القائمة بالمزاد : (الجهة ديه) ونحذر من التعامل مع (الجهة دكها) أو أى جهة تانية

نهايه العرض : لحد ماحد يعبرنا

جلسة البيع : وقت مايعجبكم

شروط البيع : وهنتشرط بأمارة أيه يا حسرة

تسعيرة المزاد : خاضعة للتسعيرة الحكومية 

سعر الفرد : 5000 جنيه (خمسة آلاف جنيه مصريا فقط لاغير) للفرد طبقا لتسعير الحكومة المحدد لضحايا القطارين اللذين وقع التصادم بينهما بتاريخ رجب 1427هـ - أغسطس 2006م . حيث حددت الحكومة خمسة آلاف جنيه كاملة لكل من توفاه الله فى هذه الحادثة الأليمة.

المميزات :

شعب عريق يتكون من ثمانين مليون نسمة.

وصفه الرسول عليه الصلاة والسلام بانه خير اجناد الله فى الأرض.

سبعة الآف سنه حضارة.

يتميز بطيبة أهله وصبرهم مبدأهم فى الحياة فى العصر الحالى (أصبر على جار السوء ليرحل يا تجيله شوطة تاخده).

يتميز بالصلابة والقدرة على التحمل فى اسوء الظروف (أقل حاكم حكمهم خمسه وعشرين سنه).

ساهم فى إنجازات تاريخية عديدة (طرد الهكسوس - دحر الصلييبين - هزيمة التتار - الصبر على الحكومة... ألخ ).


يستثى من المزاد التالى أسمائهم أو صفاتهم ليسوا للبيع :

السيد / رئيس الجمهورية . (لكونه متباع من قبل كده)

حرم / السيد الرئيس لكونها بريطانية 

السيد / جمال مبارك أمين عام الحزب الحاكم وعضو حزب العمال البريطانى  لكونه بريطانى.

السيد / أحمد نظيف رئيس الوزراء لكونه كندى.

السيد / سامح فهمى وزير البترول لكونه بريطانى.

السيد / رشيد محمد رشيد وزير الصناعة والتجارة الخارجية لكونه بريطانى.

السيد / أحمد المغربى وزير السياحة لكونه سعودى.

السيد / محمد ابراهيم سليمان وزير الاسكان لكونه كندى.

السيد / يوسف بطرس غالى وزير المالية لكونه أمريكى.

السيد /  فاروق حسنى وزير الثقافة لكونه فرنسى.

السيد / حسن خضر وزير التموين لكونه كندى.

السيد /  محمود محى الدين وزير الاستثمار لكونه بريطانى.

السيد / أحمد عز عضو مجلس الشعب لكونه فلسطينى.

السيد / محمد أبو العنين عضو مجلس الشعب لكونه إيطالى

السيد / محمد فريد خميس لكونه تشيكى.

السادة / أعباط المهجر (لظروف عقلية ونفسيه) 

السيدة / وفاء قسطنطين النصرانية التى اسلمت . (لأن الكنيسة مخبيها والحكومة نفسها ماتقدرش تجيبها فحنجيبهالكم منين أحنا).

العبد الفقير إلى الله / كاتب هذا المقال لكونه فى أمن الدولة غالبا عند مطالعتكم هذا المقال. ( علشان تنبسطوا).

ماعدا السهو والخطأ 


تنبيه هام :

ننبه المواطنين الكرام الوزراء وأعضاء مجلسى الشعب والشورى أنه من حق كل من يجد نفسه غير مستوفى شروط الجنسية المصرية أن يبلغنا لوضع اسمه فى لائحة من تم أستثنائهم من المزاد فى موعد غايته فروغى من كتابة المقال. (لأنى مش هكون فاضى غالبا , وربنا يستر).


ملاحظات : 

سيتم البيع بتسعيرة الحكومة للفرد ولا يوجد أى خصومات لتجار الجملة 

الوسطاء يمتنعون . (لأنها مش ناقصه دول خمسة آلاف جنيه).

السعر مغرى الحكومة سعرت الميت بخمسة آلاف وأحنا بنعرضه حى بنفس القيمة .


لتقديم طلبات الشراء يرجى مراسلة الحكومة المصرية مكتب السيد / أحمد نظيف رئيس الوزراء وقد تم اختياره كجهة محايدة لكونه كندى 


ابن الفاروق


]]] 


السلام عليكم

كل الناس الآن يتكلمون في فقه الواقع وان الشيعة أصبحوا المدافعين عن الأمة وكل الجماعات تنادى و تدعوا لحزب الله الشيعي ونسوا أنهم يدعون لمن يسب زوجات الرسول وأبا بكر و عمر و معاوية

لمن ادخل التتار و الصلبين وظل يحمى إسرائيل لست سنوات ولمن يقتل السنة في العراق و ......................

نسي الناس ان ملة الكفر واحدة

هنا لا ينفع الصمت نحتاج مقال ينير العقول مقال طوارئ لمثل هذا الظرف 

محمد ديوان


 ]]] 


 ( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) "ما قبل 12/7/2006

أخي الكبير في الله: المكرَّم د/ محمد عباس

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

كل عام وأنتم و العائلة المؤمنة بخير و سعادة في طاعة الله و رضاه.

لا أستطيع أن أصف لك مدى سعادتي و إنشراح صدري و أنا أقرأ مقالاتك  الأخيرة(منذ حادثة المنشية) ولكني كما أسعدني الغالبية العظمى مما تكتب ,,,, فقد تعجبت (و ربما حزنت أحياناً) لتغير موقفك من حركة (أراها من وجهة نظري ,,,, ومن خلال متابعتي الدقيقة الفاحصة الناقدة لها منذ نشأتها فعلياً 1978 و إعلاناً 1982 )  من أقوى و أنظم و أثبت الحركات الإسلامية الجهادية ألا وهو حزب الله في لبنان . على الرغم من كل ماتعرضَت له من قبل من قتال و حصار و تشويه و تسفيه.....قد أدى جزء منه قلَّ أو كثر إلى إنهيار أو تفتت أو تبدل أو إنحراف الكثير  من الحركات التي رفعت في وقت ما الراية الإسلامية الجهادية. مما يحدوا بنا أو بالكثير ممن يشغلهم أو يشتغلون بالعمل الإسلامي الجهادي , أن يدرسوا حزب الله من الناحية العقائدية (و ليس المذهبية" وليس كل الشيعة رافضة") و التنظيمية ( وهي داهية الدواهي) و التي لطالما أطاحت بحركات كان من الممكن أن تُعيد إعلان الخلافة الإسلامية لولا الإختلاف و التفتت و عدم تنظيم تسلسل القيادة"في حالة تغييب القائد", أو القيادة الفردية أو المقتصرة على أفراد قلائل قد يحدوهم الصواب لا الإيمان في بعض المواقف والتي لو إتُّخِذَ فيها مواقف أخرى لكن حالنا غير الحال (موقف الشهيد /عبد القادر عودة t في  مظاهرة القاهرة 1954 ).

ما أراه الآن –بالرغم من كل ما يحيط بنا أو نعانيه من كرب أو ضيق – هو إعادة إنتشار و عودة إدراك لأجيال (كان قد خُطِط لها من شياطين الإنس و الجن أن تكون على الكفر أو على الأقل على الشرك ) برؤية واضحة للإسلام.....إسلام الفعل لا القول....و لكنها عودة تحتاج من العلماء و الفقهاء و العقلاء إلى مجهود هائل و يقظة دائمة و إجتماع  على كلمة الإسلام الواحدة. لا أن يُعَيِّن كل من صلى الفرائض  نفسه قاضي القضاة ويلقي بأحكام التكفير هنا و هناك. ففي رأيي أن هذه المهمة الجليلة هي مهمتكم الآن يا دكتور محمد وخاصة بعد أن تجمَّع حولك الكثيرين ممن لا يُشَك في دينهم و لكن  يُشَك في فقههم. فأجد الكثير منهم ممن لم يحرك للإسلام ساكناً,,,,, أول ما بدأ يقول إن حزب الله هم من الكفار أو على أقل تقدير من المشركين. وما ينطبق على المجاهدين الصابرين الذين لم يرفعوا يوماً على مدى 26 سنة إلا راية لا إله إلا الله محمد رسول الله . والذين هم حقاً لم يتولو إلا الله و رسوله و الذين آمنوا فصدقوا الله فصدقهم الله و أجرى النصر على أيديهم (وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ  "المائدة 56 ) و إنسحبت إسرائيل لأول مرة منذ غرسها في قلب دولة الإسلام في منتهى الذُّل (والذي لطالما ذقناه من عملائها في أوطاننا ثم منها هي شخصياً على مدى أكثر من نصف قرن). أقول أن ما يُقال على حزب الله و قد نصره الله ,,,, يُقال مثله مرَّات و مرَّات على من هم أقل منه.وأذكر هنا 3 مواقف لا يمكن تفسيرها أو تبريرها في سلوك أناس يقولون عن أنفسهم أنهم يتبنون خط الصحوة الإسلامية,,,,,  فنجد أن قناة المجد الفضائية (و هي إلى حدِّ كبير محسوبة على التيار السلفي ) تتجاهل تماما حصار و قتل الأمريكان لإخواننا في النجف الأشرف و كربلاء. و كأن ما يُقصف هناك ليس مقام سيدنا عليّ (كرَّم الله وجهه) وكأن من يُستشهدوا هناك ليسوا بالمسلمين,,,, في حين أنها قد تأتي بأخبار أي خنزير أوروبي أو أمريكي قد يُظَن في موقفه بعض التجاوز عن الإنحياز المطلق لرأس حربتهم في صدرنا "إسرائيل" (أخبار أي مسلم هي الأخبار الأولى لقناة المنار).  وعلى نفس القناة (المجد) نجد التغافل التام يوم تحرير الأسرى  اللبنانيين و العرب(عدا المصريين و الأردنيين و اللذان رفضت حكوماتهما أن يُحرروا على يد حزب الله,,,,, وفضَّلتا تركهم في سجون العدو ,,,,,أي خِسَّة و أي عار!!!!!) و الفلسطينيين. و كأن حزب الله قال أنه سيحرر الأعضاء في حزبه و كفى(ولو فعل لكفاه) أو اللبنانيين و كفى (و أيضاً لو فعل لكفاه  ) . فهل هذا يُرضي الله و رسوله.  أما سبب حديثي معك في هذا الموضوع فهو شريط الأخبار و الموجود على موقعكم الكريم و الخاص بمفكرة الإسلام ففي خبر مفصَّل ( يقوم الجيش اللبناني بنزع الألغام من جنوب لبنان بعد حصوله على خرائطها من إسرائيل) وكأن لإسرائيل قد إستيقظ ضميرها فجأة و قررت منح لبنان خرائط الألغام. لا و الله فقد أخِذَت بحقها و بفعل الصبر و الإصرار من مجاهدي المقاومة الإسلامية في مفاوضات شاقة على مدى 3 سنوات بلا تفريط (و اسألوا المفرطين ,,, وما أكثرهم) ولا وهَنْ.

على نقيض هذا السلوك المعيب نجد قناة النار و التي هي حقا  قناة المسلمين كلهم بلا تفرقة و تمييز,,,,, بل بالعكس يقف الشيخ /حسن نصر الله ليعلن في حفل تأبين المجاهد العظيم/أحمد ياسين عن إتحاد حزب الله و حركة حماس في حركة جهادية واحدة بقيادة حماس. أليس هؤلاء لا يبغون إلا الله و رسوله ,,,, ألم يوفوا بوصفهم القرآني (وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ),,,,بَلَى,,,, أشهد لهم.

أخي الحبيب الكريم,,,,,,, إن من ينفخ في هذه الفتنة في هذا الوقت العصيب,,,,ليس إلا عدو لله و لدينه و لرسوله. أمَّا من يُروِّج  الأكاذيب عن آل بيت النبوة أو الصحابة الأطهار فليس إلا وريث إبن أبي سلول وأبو جهل لعنهم الله جميعاً.

أخي الحبيب ,,,,,,, أذكِّرُك بكلمة لك نهاية هذا الحديث,,,,,,,

مع من أنت,,,,, في جيش الإمام عليّ أم في جيش معاوية,,,,,, واليوم الوقوف على التل ليس بأسلم.  (بالنسبة للصحابة الأخيار والذين وقفوا مع رأي معاوية وليس في جيشه فظني أن موقفهم كان سيتغير حين يرون نكوصه عن بيعة الإمام الحسن بن علي t وتوليته للفاسق يزيد  "أنا و من بعدي هذا,,,,فمن أبَى فَلَه هذا"

مع من أنت,,,,,, مع الحسين و آل بيت النبوة"نساءاً و أطفالاً" حتى لو تخلَّى عنه من تخلَّى  و جَبُن مَن جَبُن

 

رفيق الحريري(تعليق ليس بسيط)

 

عليه رحمة الله ورضوانه..(أين كان أثناء الإجتياحين ؟؟‍‍‍‍‍!!    , أين كان أثناء الجهاد ضد الإسرائيليين و عملائهم؟؟‍‍‍‍‍!!   أين كان أبناؤه المترفون أصحاب الشعور  "الذيل حصان"  عندما أستشهد هادي حسن نصر الله و رفقة من أخوانه المجاهدين و الإستشهاديين ؟؟‍‍‍‍‍!!  . أوليس هو صاحب و مروج نظرية ألَّا قِبَلَ لنا بالإجتياح الأمريكي و أن على الجميع أن يُطأطئ الرأس " و كأنهم كانوا يرفعونها قبل ذلك “!!  .  أوليس هو مهندس 1559 مع صديقه العزيز شيراك "الذي ترك أعماله وذهب في زيارة شخصية لقراءة....... على روح الفقيد !!؟؟  . أوليس هو مستقبل علّاوي في لبنان ووسيطه إلى دولة خليجية لتثبيت العدوان و الهيمنة الأمريكية و محاولة إخضاع و إرهاب كل من تُسول له نفسه مجرد الممانعة فضلاً عن المقاومة أو المواجهة؟؟؟!!!  أوليس هو صاحب محطة "كباريه" المستقبل الفضائية و التي ساهمت على مدى سنوات طوال في إفساد الأجيال " من سوبر ستار إلى مسابقات ملكات الجمال"الفجور" بمعدل يقارب مسابقة شهريا" من ملكة لبنان إلى الأرز إلى الفراولة إلى...... تقريبا جميع أنواع الفواكه و الخضروات" !!  ؟؟ والتي لا ينطبق عليها إلَّا قوله تعالى (( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)) النور 19 .           أم أن السنة أصبحت "ملطشة" لكل مدعي.     هذا الحريري " لا يجوز عليه الآن إلا الرحمة " من المفترض أن يمثل السنَّة في لبنان " يمكن ملاحظة ملابس النساء في أسرته لمطابقتها بما هو مفروض أن يمثِّل السنَّة ولا أملك إلَّا أن أقول "إنَّا لله و إنَّ إليه راجعون. 

 

أصاب أيضا بخيبة أمل في الشيخ حسن نصر الله.. وفي السيستاني.. وفي إيران.. وفي سوريا..( إسمح لي يا أخي الكبير في الإختلاف معك ...... فما الذي جمع بين هؤلاء ؟!   هل حسن نصر الله مثل السيستاني ؟؟ !!.  هل من جاهد بنفسه و ماله و  ولده في سبيل الله ..... مثل الذي هرب إلى لندن عندما حوصرت النجف و كربلاء؟!    هل من يتصدى للدفاع عن قضايا كل المسلمين و أكرر كل المسلمين ....كمن لم نسمع منه فتوى واحدة تدين أي ظلم؟!   كيف يا أخي تضعهما في سلة واحدة ؟. وإن كان من الشيعة في العراق من يتمثل لتيار حزب الله فهو مقتدى الصدر و تياره" راجع مواجهات النجف و كربلاء-تمت بتنسيق علاوي و الحريري و الأمريكي و إحدى الدول العربية الكبرى- و الناصرية و البصرة و مدينة الصدر"     أمَّا بالنسبة للجمهورية الإسلامية.... فأدعوك إلى مراجعة موقفها على لسان و تصرفات رافسانجاني   و ليس خاتمي (دعهم يأتون.....دعهم يموتون" راجع تقارير البنتاجون و مختلف مراكز الأبحاث الأمريكية عن المخطط الإيراني في توريط الأمريكي في العراق و أفغانستان يناير 2005 " ) و هو يعلم أن الأمريكي لا و لن يستطيع تحمُّل عبء المقاومة في البلدين " راجع تجارب الأمريكي السابقة في لبنان و فيتنام" كما أنه لا مجال إلى مهادنة أو توافق مع الأمريكي....  إلا أن تقاطع المصلحة قد سخَّر الأمريكي لتنفيذ أجندة إيرانية بالإطاحة بالنظام البعثي  العفلقي المنافق في العراق . أمَّا طالبان فهي لم تترك فرصة لإظهار العداء لإيران (بدءاً من أنهم شيعه = كفار " وهذا للأسف أصبح من أبجديات الكثير من رافعي رايات الجهاد باللسان فقط"  و هي شعارات ضيّعت أمَّة كانت تسود الأرض فكيف بها الآن و الناس تكاد تتخطفنا من الأرض و التي أرى أن من يرفع هذا الشعار الآن لا يقل عداوة لدين الله من هذا النجروبونتي" إلى قتل الدبلوماسيين الإيرانيين) إلا و قدمتها.....مجانا.      

أصاب بخيبة الأمل في نجاح كل المؤامرات..(هل المؤامرات هي التي تنجح أم نحن الذين نفشل؟؟؟. ألم نعصي أمر الله بأن نقاتل المشركين كافة كما يقاتلوننا كافة؟؟     ألم نعصي أمره بألا نتنازع حتى لا نفشل و تذهب ريحنا؟؟  والله لن يأتي النصر إلا بترك المخالفات...... و إن الله لن ينصرنا إلا بطاعته...ألم يكن لنا في رسول الله r  أسوة حسنة حين إنهزم المسلمون وهو بينهم في أُحُد وبم بمعصية واحدة.....نعم معصية واحدة أدَّت إلى هزيمة ....فما بالك بمليارات المعاصي......و قد قضى عز و خل على أتباع هذا الدين أنهم لا ينتصرون ولا ينهزمون بعدد أو بعُدَّة بل بطاعة أو معصية...... أما طالما أصرت الجماعات المختلفة على نهجها التصادمي و تظن أن نصر الله يأتي بالشعارات....فهذا هو الغرور). 

و أدرك أن ما يجمع ما بين هذه المؤامرات.. ويوظفها جميعا.. هو سفير الشيطان القابع في بغداد.. نغروبونتي.. قاتل رفيق الحريري!!.. وهو الـ FBI والـ CIA وأجهزة الحكم الخائنة العميلة .. بمعاونة أمنها ومثقفيها.. (و تحزبنا و تفرقنا)

*** 

في ربع القرن الماضي تقدم الشيعة – بالجهاد- كثيرا إلى الأمام.. لكنهم في العام الأخير قد تقهقروا أضعاف ما تقدموه.

كنت قد تعلقت بأمل يبدو أنه مستحيل.. وهو أن الإسلام الجهادي الذي رفعت الثورة الإيرانية راياته سوف يصهر الخلافات ويعيد توحيد المسلمين. ولكي أكون واضحا دون أن أغرق في المستنقع فإنني لا أكفر الشيعة ( أرجو التوضيح أي شيعة تقصد"وهم أكثر من سبعين فرقة....البداية و النهاية لإبن كثير و الملل والنحل للشوكاني" كما أرجو التوضيح لعامة قرآئك أن الجعفرية الزيدية الإثني عشرية هم مذاهب صحيح عقدياً و    يجوز  التعبد به ويُدَرَّس في الأزهر  بحسب فتوى الشيخ شلتوت-رحمه الله وكتبها له في ميزان حسناته- وهو رجل لا يُشك في علمه و لا  وَرَعِه. أما باقي الفِرَق فهناك من يستحق دعوتك بالعودة و الإنابة (كالرافضة) و هناك من لا يستحق أصلاً أن يدرج في المسلمين(كالعلويين و الإسماعيليه و ذلك لإنكارهم ما عُلِم بالدين بالضرورة.... ولذا لا يجوز شرعاً أن يُوضع الجميع في سلة واحدة)   ، و إن كانت لي اعتراضات محددة وقاطعة في أمور عقدية ليس مجال ذكرها الآن، لكنني كنت أرى أن هذا الخلاف رغم أنه عميق جدا لكنه أقرب ما يكون إلى الخلاف النظري، فالواقع، أنه بعد مائتي عام من الحكومات العميلة والنخبة المثقفة المستغربة الخائنة الكافرة ، فإن الغالبية العظمى من المسلمين لا تحسن مجرد الوضوء، فما بالك بالخلافات العقدية التي تنحصر في بضع مئات من العلماء هنا وهناك، بينما مئات الملايين في الجانبين متشابهون في جهلهم بالدين، بل إن التاريخ الإسلامي يحفل بخلافات وصلت إلى سفك الدماء بين أتباع المذاهب الأربعة المشهورة للسنة.. 

بل لقد كنت أتمني ألا يكون بعض علماء الشيعة المنحرفين لا يمثلون عموم الشيعة بأكثر مما يمثل شيخ الأزهر السنة!!( ذلك لا يلغي الحكم بالكفر على من يسب سيدنا أبو بكر رضي الله عنه على وجه الخصوص وبفسوق من يسب الصحابة).(ما حُكم من يقاتل سيدنا علي  tبالإضافة إلى سبِّه هو و باقي آل النبوة ؟؟؟؟   وما حكم من يقتل سيدنا الحسين؟؟؟؟  و ما حكم من ولَّاه الخلافة بحدّ السيف "وسنّ سنَّة عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" بعد نقضه لعهدٍ مع سيدنا الحسن t ؟؟؟  و ما حكم من يُسيِّر نساء بيت النبوة كأسيرات؟؟؟  ما حكم من يقف متفرجاً على كل ذلك؟؟؟؟  ما بال بلاد تُدَرِّس في مناهجها أن يزيد كان من خلفاء المسلمين العظام و الذين قضوا على فتنة الحسين (هكذا الإسم مجرداً من أي لقب)  و أن أصبح إسم يزيد هو من أكثر أسماء المواليد !!!!  وإذا سُئِل أحدهم لم هذا الإسم ؟؟ أجاب بكل فخر..... لأنه قاتل الحسين !!!!!   فهل هذه ثقافة  أمَّة تستدعي نصر الله...أم سخطه   

أقول كنت قد تعلقت بالأمل المستحيل، كما أن انتصارات حزب الله في جنوب لبنان كانت تلهب الحماس..

ولكن..

و ما أمرّ : "ولكن"..

انقلب الوجه الإسلامي لهذا وذاك لنفاجأ بإيران التي تفضل الأمريكيين على طالبان.. والتي تمن على الأمريكيين أنه لولا مواقفها لما نجح الأمريكيون في العراق أو أفغانستان.

وفوجئنا بأنصار إيران في العراق لا يرفعون في وجه العدو الغاصب سلاحا.. ويتركون السنة.. بل وتجرى الانتخابات التي أيدها الشيعة على أشلاء السنة.. والفلوجة..

وفوجئنا بحسن نصر الله الذي خلب ألبابنا مؤيدا لإيران..(هل كان تأييده لأنها ساعدت أو تواطأت مع أمريكا أم لموقفها الممانع ضد أمريكا..... وهل وقف ذات مرَّة مع إحتلال العراق أو أفغانستان " يرجى مراجعة خطاب السيد حسن  في تأييد الشعب العراقي على موقع المنار على النت")  

بل وفوجئنا به في خطابه اليوم – بمناسبة العاشر من المحرم- ولأول مرة على الأقل مغالطا يلوي عنق الحقيقة حين قارن بين الانتخابات في العراق وبينها في بقية الدول الإسلامية ميتنكرا تحريمها في الأولى و إباحتها في الثانية..كما أنه لأول مرة يدين السنة بتفجيرات مساجد الشيعة.. ولقد كان هو – على ما أذكر- أول من نبه منذ عام إلى أن القائمين بها مدفوعون من الموساد..(الإدانة كانت للجماعات التي تحكم بتكفير الشيعة و عليه ترسل أفراد منها ليقوموا بعمليات إستشهادية!!!!!!!!!!! ضد المساجد و من فيها وليس للسنَّة) أمَّا بالنسبة للقنابل و المتفجرات فرأيه لا يزال على حاله من إدانة الموساد و الأمريكي بها. 

صرخت:

"  وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ "..

صرخت:

سيحيق بهم غضب الله.. وسيهزمون جميعا..

لقد استقوى صدام بأمريكا على إيران.. فكان العقاب أن تسلطت عليه أمريكا..(الحقيقة أنه إستقوى بأمريكا و روسيا و أوروبا و غالبية الدول العربية" وهي أظن أول مرَّة تأتي المعلومات الإستخباراتية و الأسلحة والمعونات و أحياناً المقاتلين من الشرق و الغرب لطرف واحد في صراع وذلك لمحاولة سحق الثورة الإسلامية في إيران في حرب ضروس على مدى 8 سنوات.......أليس هذا هو هدَّام حسين الصديق الحميم لرامسفيلد  والذي إنتقل  بقدرة قادر من فاجر فاسق منافق ضيَّع ثروات المسلمين و بلادهم إلى ممثل السنَّة "سنَّي كافر..!!!!!!!!!!!!" ألم أقل لك أنه في وسط الجهل العميق أصبحت السنَّة بلا مدافع .  لا أستبعد أن يتهم بوش معارضيه بأنهم يتعدُّون على السنَّة بصفته سنّي مسيحي صهيوني (بالمناسبة هذه ليست نكته..... فقد تم تقديم علَّاوي بصفته شيعي علماني....!!!!!!!!!!!!!)

أكتفي بهذا القدر لأن ما حدث بعد 12/7/2006 يمحو كل ذلك..


خالد محمد


]]] 



الوالد العزيز الدكتور محمد عباس 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد تمنيت أن أكتب أليك منذ زمن .. منذ غابت مقالاتك عن الصحف المصرية بعد أحداث الوليمة التي فرقت بين الحق والباطل في مصر بل في العالم الأسلامي كله .. وقد كنت حينها في السنة الرابعة بكلية العلوم وقد غابت معها جريدة الشعب المصرية التي كنت أحرص علي قراءة كل ما يكتب فيها وكنت أتناقش مع والدي حفظه الله بخصوص مقالاتك وكان والدي له مقولة لا زلت أحفظها عن ظهر قلب وهي " لو كان محمد عباس يكتب لعقلاء ما كان هذا حالنا" 

وبعد إنسداد كل الطرق وأقامة كل العقبات في طريق لا اله إلا الله تيقنت أن أبي يقول الحق فلو كنا نعقل وقرئنا مقالاتك لا اله إلا الله ما بقي الحال كما هو .................... 

خلال الأيام الماضية وأنا أتابع الحرب التي تدور رحاها في لبنان بين مجاهدي (الله وحده حسيبهم) المقاومة الأسلامية وكلاب العدو الصهيوأمريكي وقرأت مقالات عدة لتحليل الوضع فرأيت العجب العجاب مابين مطالب بنصرة حزب الله وهم الأخوان المسلمون ومعظم الجماعات التي تعمل من أجل الأصلاح من منظور إسلامي ومعهم عاطفة الأخوة المتمثلة في عامة جماهير المسلمين. 

ثم قرأت مقالات أخري تقول أن حزب الله حزب شيعي رافضي لاتجوز نصرته أو حتي الدعاء له بالنصر علي اليهود الملاعين 

ثم قرأت مقالات أخري تقول أن المقاومة حق ولكن ليس عن طريق حزب الله الشيعي  

أنا أحب الله ورسوله والمجاهدين في سبيل الله فأنا أحب الشيخ المجاهد الأمير أسامة بن لادن وسيدي الدكتور المجاهد أيمن الظواهري وكل من قاتل معهم و ناصرهم وعاونهم. 

والحقيقة ياأبي أنا أحب كل من يقاتل ويجاهد من أجل لا إله إلا الله. 

لذلك نحن لم نشق صدور مجاهدي حزب الله حتي نعلم هل يقاتلون من أجل لا إله إلا الله أم من أجل أيران. 

أنا قرأت كتابك الوعي ينزف من ثقوب الذاكرة وأريد معرفة الحقيقة حتي لا أكون مزيف الوعي : هل ننصر حزب الله أم لا 

أين الحقيقة؟ أنا تائه.

أنا أثق فيك تمام الثقة لذلك بالله عليك ماهي الحقيقة؟

أرجو أن لا أكون قد أطلت علي حضرتك ولله الأمر من قبل ومن بعد

أحمد فزاري 


]]] 


السلام عليكم 

اخبار الدكتور ايه 

طمنا عليك 

بلاش الغيبه دي 

مقالك اتاخر اوي 

ولا بطلت تكتب ولا ايه 

انا حسيت في مقالك الاخير انك بتفقد الامل في الشعب 

وانك ممكن تبطل تكتب مقالات 

يا استاذي لا تنسحب من الموقف نحن في حاجه اليك 

السلام نتمني ان نقرا مقالاتك قريبا 

أحمد


]]] 


أين أنت من الشيعة وما يفعلونه بنا

  

أستاذي الحبيب : دكتور محمد عباس 

والله إني لأحبك في الله 

وسامحني إن كان في كلامي تجاوز ، فلا يجوز لمثلي أن يكلمك إلا من موقع التلميذ ، وأرجو أن أكون جديرا بموقع التلميذ منك 

أستاذي إني أعجب عجبا شديدا من موقفك السلبي تماما لما يفعله حفدة المجوس وعبدة القبور الزاعمون كذبا أنهم أشياع آل بيت النبي _ ألا لعنة الله على الظالمين _ بنا نحن أهل السنة ، واعلم أستاذي أني مصري ، ولكني والله أجد النار تأكل كبدي لما يفعله هؤلاء بإخواني هناك .

أستاذي : أريد أن أسمعك 

أستاذي : أنا في حاجة لأن أسمع رأيك ، الصورة واضحة أمام عيني جلية .

ما أرى هؤلاء إلا نار تتقد من تحت أقدامنا .

ما أرى إلا إنهم أشد خطرا علينا من اليهود والنصارى .

هم أشد عداوة لنا .

ما أظن أن أستاذي فاته أن يقرأ كتب الشيعة وفكر الشيعة .

ما أظن أن أستاذي لا يعلم أن علماءهم الضالين المضلين يفتون بحل دم وعرض ومال النواصب . 

هل فات أستاذي أن يقرأ كتب كلبهم الأكبر الخميني .

هل فات أستاذي أن يقرأ فكر الشيعة الفاسد . 

هل فات أستاذي أن يقف على ما يفعله هؤلاء بسنة العراق هناك 

أم أن أستاذي لم يقف على مخطط الشيعة الذي يبذلون من أجله النفس والنفيس ، وأول هذا المخطط هو نشر مذهبهم الفاسد بأسلوبهم الخبيث ، والمصيبة أن العامة من السنة أرض خصبة لهذا الفكر ولا يوجد من يصحح عقائد هؤلاء العامة ويأخذ بأيديهم ، إنهم يعملون في مصر الآن بجد وأذنابهم ينتشرون بيننا بين العامة خاصة وقد عاينت ذلك .

أما آخر مخططهم فهو معلوم معروف يتناقله الباحثون والمفكرون ووسائل الإعلام 

أما يرى أستاذي أن إيران والشيعة من خلفها ـ وقد صدق والله مبارك وهو كذوب ـ تعادي اليهود أو النصارى . 

من غير المعقول أن يظن ذلك أستاذي ، فملة الشيعة نبتة يهودية ، وأستاذي ليس في حاجة لأن أثبت له مدى التشابه بين فكر الشيعة وفكر اليهود .

وما أظن أن أستاذي يغيب عنه المؤسس الأول لفكر التشيع الخبيث 

أستاذي أريد أن أسمع كلمتك 

هل الصورة غامضة ؟

هل هناك أشياء خلف الستار لا نراها نحن العامة ؟

هل هناك لبس في فهمنا ؟


محمد الجبالي



 



مفاجآت لبنان:

بطولة المجاهدين.. وخيانة الحاكمين..

*** 

ما أعظم الشعب وما أحط الحكام ...

*** 

إن كان الشيعة كفارا فلماذا يسمح لهم بالحج؟!

الخميني لمن سب سيدنا أبي بكر :هذا كفر


انتبهوا فالثأر قادم والانتصار آت


بقلم د محمد عباس

www.mohamadabbas.net

mohamadab@hotmail.com


طوال الوقت، أبخع نفسي، و أقرعها لأنني لم أكتب عما يجري في لبنان، وكان ذلك على الرغم مني، فلقد فوجئت حقا بعجزي عن الكتابة، كان كل شيء هائلا، وكان البيان عصيا  واللسان عييا والقلم أبيا.. وكانت وسائل التعبير ضئيلة وهزيلة  أمام أحداث هائلة وجليلة.. كنت مثل جالفر في رائعة الكاتب الإنجليزي جوناثان  سويفت .. كنت مثله عندما حملته الأعاصير والأمواج إلى بلاد العمالقة فكان كل شيء في العالم الجديد الذي دهمه هائلا وعملاقا وكان كل شيء يملكه أو يخصه صغيرا وضئيلا ويكاد يكون بلا قيمة.. ولقد دهمتني المقاومة الإسلامية و أنا أصارع الغرق في بحار اليأس وليس ثمة ضوء أراه إلا ببصيرتي وليس ثمة شاطئ أراه إلا بقلبي.. دهمني طوفان الإيمان والجهاد وحاولت أن أكتب على الفور ولكن  قلمي كان صغيرا صغيرا صغيرا  وكانت كل الوقائع  هائلة.. فقدرت  أن  صوتي مهما ارتفع لن يسمع.. و أن كتابتي  مهما تضخم حجم حروفها لن تقرأ ولن تنفع .. أما الأحاسيس فكيف يمكن اختزال المعجزة في سطر أو الكارثة في جملة أو الخيانة في تقطيبة اشمئزاز و ازدراء.. نعم.. كانت كل الأحداث عملاقة.. اليأس كان عملاقا عند من عميت بصيرته عن قدر الله ووعده.. والعجز كان هائلا والخيانات كانت هائلة و أظلم الكون إلا من ومضة شهيد يلمع لحظة كالشهاب ثم يمضي.. وفجأة حملتنا الأحداث إلى بلاد العمالقة ليصبح كل شيء فوق مستوى التصور..  أسر الأسيرين وقتل ثمانية جنود إسرائيليين  كان حادثا كبيرا.. ورد المجرمين الصهاينة بإعلان الحرب الشاملة كان حادثا هائلا وكبيرا.. والقدرة المذهلة لحزب الله على امتصاص الصدمة كانت حادثا عملاقا.. والسيد حسن نصر الله كان عملاقا لحد الأسطورة.. وخيانات حكامنا كانت هائلة لدرجة أن مجرد وصف ما حدث بالخيانة هو إخلال هائل بالمعنى.. كأن نَصِفَ تسونامي بأنه كان موجة عالية .. ذلك أن تسونامي كان أكبر من موجة بما لا يقاس كما كان فعل الحكام أكبر من الخيانة بما لا يقاس.. 

أيضا كانت خيبة بعض الفتاوى مرة وضخمة.. كانت ما بين خطأ قد يُغفر.. وجهل قد يُعذر..وخيانة لله أدعوه ألا تعذر وألا تغفر..   وكانت إسفافات كتاب المارينز العرب هائلة ومخزية ومشينة..  لقد توقف العقل والفكر والمنطق ومات الحياء.. لم تعد الحجة تقرع الحجة.. ولم يعد الصواب ينتصر ولا باتت الحقيقة تظهر.. والناس.. الذين فقدوا صفتهم البشرية .. وذلك الشيء  الرائع  الذي يجعل الإنسان ينتصر للحق حتى لو دفع حياته مقابل انتصاره لهذا الحق.. يكاد هذا النموذج ينتهي لتبقي كائنات شيطانية تتخصص في الدفاع عن موقف أو في الهجوم على موقف بغض النظر عن الحجج والمنطق والعدل وتداعيات الأحداث.. نماذج تشوهت حتى أصبحت طباعها كطبائع الحيوانات المفترسة التي لا يغير من طبيعتها الحيوانية عقل ولا ضمير ولا رأي، أو كأنها كلاب صيد لا هم لها إلا الدفاع عن سيد أو الانقضاض على أعداء هذا السيد...  و أنا والله يا قراء لا أبالي بأي اختلاف حقيقي في الرأي مهما كان.. لكنني أكره تلك الوجوه الصفيقة الكذابة التي تدعي الرأي بينما تخفي العمالة والخيانة والإفك.. لا أبالي أن يقول كل واحد ما بداخله مهما كان.. لا أن يؤمر أن يقول كذا وكذا فيقول.. طمعا فيما عند الناس.. فما أرخص الثمن.. وقبل أن أدخل في التفاصيل فإنه لا مانع عندي من أن أقرأ حتى لسني يكفر الشيعة أو لشيعي يكفر السنة.. لا مانع عندي من أن أقرأ مثل ذلك متبرئا من كل ما يخالف الأحاديث النبوية الشريفة حول عواقب  تكفير المسلم.. أقبل قراءته بشرط واحد.. أن يكون ما يقوله نابع من نفسه وفهمه واقتناعه.. وهذه الفئة أحييها مهما كان بأقوالها من شطط و أدعو للجميع بالهداية.. لكن موضوعي هنا هو تلك العصابات الآثمة من النخبة التي تدين هذا و تكفّر ذاك لمصلحة إسرائيل و أمريكا وبناء على توجيهات جلالة الملك أو فخامة الرئيس.. الطوفان الدنس الذي ينطلق من هؤلاء يصيبني بالمرض.. وفي وسط هذا الطوفان العفن كنت أستصغر أي كتابة مني.. فكيف أرد على سبيل المثال على من ينكر الحقائق الساطعة ويهرف بأكاذيب  .. كيف أواجه من ينكر انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان بينما يعترف موشي آرينز‏,‏ وزير الدفاع الإسرائيلي السابق‏,‏ بأن الجيش الإسرائيلي تكبد في حربه الأخيرة علي لبنان هزيمة لم يسبق أن تكبدها من قبل في أي من الحروب التي خاضتها إسرائيل‏.‏جاء ذلك في الخطاب الذي هاجم فيه آرينز حكومة إيهود أولمرت خلال الاعتصام الذي شارك فيه أكثر من‏30‏ ألف إسرائيلي بساحة رابين‏,‏ للمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في مجريات هذه الحرب‏.‏  الأهرام – العدد 43743 ‏ 

ومن ناحية أخرى كيف أعبر عن حجم هزيمة إسرائيل وحجم انتصار المسلمين.  كيف أعبر بالكلمات القزمة عن كل هذا..كيف أتحدث بالعقل والمنطق والقلب والذاكرة والتاريخ والوجدان والضمير عن مارون الراس وبنت جبيل  كقريتين؟!.. أهما قريتان أم قارتان؟! أهما من قرى العالمين أم خيالات تحلق في عالم الأساطير.. كيف أتحدث عن مرجعيون كمدينة صغيرة وهي التي صرح القائد اليهودي أنها أكبر من أن تستطيع إسرائيل احتلالها.. إسرائيل التي احتلت فلسطين كلها والضفة الغربية كلها والجولان كلها وسيناء كلها في سويعات – لا أيام- تعجز بعد شهر عن احتلال مرجعيون فكيف تُكتب الحروف وكيف تُفهم؟!..إن كلمة الشجاعة تتضاءل أمام ما فعله المجاهدون في لبنان.. تتضاءل حتى أنني أتخيل أنه يجب علينا البحث عن كلمة أخرى ننحتها لتعبر عما جرى.. كلمة الخيانة أيضا قد تصف أحداثا لا تتواءم أبدا ولا تتكافأ مع حجم خيانة الحكام الذين تواطئوا مع إسرائيل ضد حزب الله.. كان علىّ أن أنحت من الحروف كلمة أخرى تعبر عن هذا القدر الرهيب المروع من الخيانة والخسة.. كان علىّ أيضا أن أبحث عن كلمة تصف أولئك العلماء الذين شقوا صدر الأمة وبلبلوا يقينها.. كلمة لا يكون الفارق فيها بين العلماء والعملاء إلا تقديم حرف وتأخيره..  

كانت أحاديث الأصدقاء والقراء تقرع رأسي كمطارق ضخمة: اكتب .. اكتب.. اكتب.. اقطع سلسلة مقالاتك واكتب .. دافع عن البطل حسن نصر الله.. إياك أن تدافع عنه.. هاجمه.. اكشف تحالفه مع العدو.. بل اكشف خيانات حكامنا وعمالتهم لأمريكا و إسرائيل..إنه كافر وإياك أن تدعو له.. بل هو سبط عظيم للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.. إنه صلاح الدين.. بل هو ابن العلقمي.. اكتب.. لا تكتب  أقدم.. بل أحجم.. أقدم.. أحجم.. أقدم .. أحجم .. وكان الدوار يشملني.. وكنت أتلمس الأعذار.. ولم أكن مقتنعا أنا نفسي بالأعذار والمبررات التي أسوقها، و أهمها أنه ليس لدي وقت على الإطلاق، فثمة وقت يضيع في قضاء الحاجات الأساسية اليومية للحياة .. تلك التي قلصها الزهد والسأم والاشمئزاز والعزوف، وثمة وقت آخر أقضيه في نوم مزعج لكنه نصف الوقت الذي تعودت عليه، حيث أقفز كل آن من فراشي مفزوعا كالملدوغ كي أدرك نشرة أخبار أو برنامج، أعود بعدها متوسلا إلى نوم قد هجرني بيد أنه لا يعود، وبعد الحاجات الأساسية والنوم لا يبقى لي إلا ساعات متطاولة متضائلة في آن، كنت أقضيها – طيلة احتدام المعارك-  مشدوها أمام شاشات قنوات الجزيرة والمنار والعالم، وقد سقطت القنوات الأخرى، سقطت في مياه دنسة بعد أن استولى عليها القوادون والعاهرات بل إن هناك من هؤلاء و أولئك من يتوبون أو يتبن فتحسن خاتمتهن أما هؤلاء فلا يتوبون أبدا ..  أتابع الأحداث   فيخفق قلبي، ويتمزق ضميري، بل ويتمزق عقلي أيضا. مع صواريخ حزب الله ينفجر القهر المكبوت وتفعم مشاعري بالفخر. ومع غارات القراصنة  و أشلاء الشهداء لا تتشظى الموجودات فقط بل يتشظى الزمن والجغرافيا والتاريخ.. ولكم كان الأداء البطولي المذهل لحزب الله يملأ  روحي بالفخار والانكسار في آن.. الفخار بأداء الأبطال والانكسار للذكرى المذلة المهينة لهزيمة 67.. لماذا لم نحارب أيامها بهذه الشجاعة والبطولة؟. تنحدر الذكري من الوعد الصادق للسيد حسن نصر الله إلى الوعد الكاذب لحكامنا.. 1948 والنصر الموهوم الذي يذهلني كيف بنوا حساباته وهم يدخلون المعركة بعد تجريد الفلسطينيين والإخوان المسلمين من السلاح لتدخل جيوش بلا تدريب ( إلا تدريب خفراء الدرك)..كان مجموع الجيوش أقل من ربع عدد العصابات اليهودية وكلها مدرب على أعلى مستوى.. ومعظمهم حصل على تدريبه في الجبهات الكبرى في الحربين العالميتين الأولى الثانية..( مجموع الجيوش العربية كان 18500 جندي وضابط مقابل 64000 جندي يعاونهم في المستعمرات الصهيونية عدد مماثل إذا ما دارت المعركة داخل المستعمرات.. بمعنى أن 18500 جندي وضابط بمستوى تدريب الخفراء كانوا يواجهون 128000 بمستوى خبرة عالمية). والأدهى والأنكى والأمر.. أن الجيوش العربية عندما دخلت منعت المجاهدين من المقاومة.. على جميع الجبهات.. ففي الأردن أصدر قائد الجيش البريطاني الجنرال جلوب يكبل الجيش الأردني رغم ضعفه حتى وصل به إلى درجة الشلل.. وفي مصر كان النقراشي ثم إبراهيم عبد الهادي يقومان بالمهمة المدنسة ويعتقلون الإخوان المسلمين.. ونفس الأمر كان يحدث مع الجيش العراقي..

في كل المعارك بيننا وبين إسرائيل فيما عدا حرب الاستنزاف و73 و2006 كنت أسأل نفسي: ترى لو قام بقيادة جيوشنا ضباط إسرائيليون فهل كانت نتيجة المعارك بيننا تختلف؟..

وكنت أجيب نفسي بصراحة موجعة تبدو ساخرة بينما هي جادة كأكثر ما يكون الجد..كنت أجيب أنهم لو كانوا يهودا إسرائيليين صهاينة لكان أداؤنا أفضل.. كانوا سيغارون على كرامتهم وكبريائهم وشرفهم العسكري.. وكانوا سيبدون حدا أدنى من المقاومة على الأقل ليقنعوا العالم أن هناك حرب..

ماذا كان علي حكامنا  لو تركوا المجاهدين  ليفعلوا ما يفعله اليوم السيد حسن نصر الله ومعه ألفان أو ثلاثة آلاف من المجاهدين؟!..

ماذا كان يحدث لو تركوا المجاهدين يجاهدون؟

هل تريدون الإجابة؟..

أنا آتيكم بها.. ليس على لساني و إلا اتهمتم تحيزي إلى الحق.. إنما آتيكم بها على لسان كارمي جيلون، الرئيس الأسبق للشاباك، الذي قال في حديث للقناة الأولى بالتلفزيون الإسرائيلي يوم 18-7-2006 :

-  "إنني متأكد أن الحركة الصهيونية لم تكن لتستطيع الإعلان عن قيام دولة إسرائيل في 1948 لو كان هناك قبلها عرب على شاكلة رجال المقاومة الفلسطينية ومقاتلي حزب الله".

نعم..

لو وجد أناس من نوع السيد حسن نصر الله و المجاهدين في لبنان وفلسطين لما أمكن إعلان دولة إسرائيل أصلا..

ولو ترك أناس كالشيخ محمد فرغلي ويوسف طلعت ( اللذان أعدمهما عبد الناصر فيما بعد) والبطل أحمد عبد العزيز الذي قتل – غيلة بأمر الملك فاروق فيما أظن- على مشارف كتيبة جمال عبد الناصر!!.. كان فاروق يخشى من البطل ومن الإخوان وكان القرار بالعصف بالجميع .

هل تريدون إجابة أخرى:

لقد قال قائد القوات الدولية العاملة في الجنوب الجنرال ألان بيلليغريني في مقابلة مع صحيفة التايمز البريطانية أنه لا يمكن هزيمة حزب الله عسكريا، مضيفا أكرر القول من المستحيل تحقيق أي نصر عسكري ضد الحزب..

هل يمكن أن تقال هذه الكلمة عن أي جيش عربي.. أو عن أي حزب عربي.. أو حتى عن مجموع الجيوش والأحزاب؟!

فهل علمتم الآن يا قراء لماذا لا يسمحون لنا أن نخوض المعركة تحت راية الإسلام. وهل علمتم أنهم لم يطلبوا نزع سلاح حزب الله إلا بعد أن نزعوا سلاح الجيوش العربية جميعا، لا بسلبها من أيديهم، بل بفعل ما هو أخطر، بتوجيهها إلى شعوبهم، بعد أن اتخذوا الترتيبات والآليات ما يجعل هذا السلاح لا يوجه إلى العدو أبدا، ذلك أن التخلص من ذراع أو ساق – على سبيل المثال-  لا يستلزم بترهما، فإن إصابتهما بالشلل تكفي، بل ربما تكون أخطر، فوجود العضو المشلول قد يعطي إحساسا زائفا باحتمال الشفاء، أما البتر فقد يستدعي ابتداع وسائل أخرى، تماما كما استدعى شلل الجيش اللبناني وجود المقاومة الإسلامية.

هل علمتم ماذا يصيب الغرب لو تكرر وساد منهج المقاومة الإسلامية في لبنان.

وهل تعلمون رعبهم منا بسبب الجرائم التي ارتكبوها في حقنا وخوفهم من ساعة الحساب والانتقام و الثأر.. 

يقول روبرت فيسك: كلما رأيت بشاعة كهذه، يمثل أمامي مباشرة الشرق الأوسط حيث أعيش. أتساءل عمّا يحضّره العالم الإسلامي لنا، ربما عليّ إنهاء كل تقرير لي بعبارة: انتبهوا!

نعم.. فيسك يفهم وبعرف ويقرأ المستقبل..

فانتبهوا فالثأر قادم والانتصار آت.. آت.. آت.. آت..

***

كانت الهزيمة في عام 1948 مذلة ومهينة.. وفي عام 1956 كانت الهزيمة العسكرية كاملة ودمر الجيش المصري..  ولولا المخطط الأمريكي لكانت الهزيمة شاملة لكن أمريكا كانت تخطط للقضاء على بقايا النفوذ البريطاني والفرنسي لترثه هي.. لذلك خلصت مصر من براثنهم لتوقعها في براثنها.. ولو كان عندنا جيش كجيش المقاومين الإسلاميين  لما وقعنا في براثن هذا أو ذاك..

عام 1967 كانت الطامة الكبري.. وكالعادة وككل معركة صاحبها أو سبقها أو تبعها التنكيل بالاتجاه الإسلامي.. 

في 1967 تصرف الجيش بنفس درجة الخيبة التي تصرفت بها – منذ أسابيع قليلة-   كتيبة مرجعيون تحت قيادة اللواء عدنان داوود حين امتزجت الخيبة بالخيانة .. وانكشف نوع الجيوش الذي تريده إسرائيل على حدودها.. مما يشكل إهانة لكل الجيوش العربية يذهلني صمت هذه الجيوش عليها. حكاية اللواء عدنان داوود بإيجاز أن المقاومة الإسلامية لاعتبارات وحساسيات عديدة لم تتواجد داخل مرجعيون ذات الأغلبية المسيحية.. وبقيت على المشارف حيث  استهدفت طابورا مدرعا إسرائيليا فشطرته ولاذ النصف الخلفي بالفرار إلى إسرائيل.. أما النصف الأمامي فقد فر إلى الأمام نحو ثكنة عسكرية للجيش اللبناني ملتمسا منهم الحماية ولو كأسرى.. لكن الوضع انقلب فجأة ليستولي بضعة عشرات على الثكنة كلها  وليتخذوا من 350 من الجيش اللبناني رهائن و دروعا بشرية.. وليرفع الجيش اللبناني الراية البيضاء.. وليحمي آسريه من المقاومة الإسلامية التي كانت تحاصرهم وكان المتوقع قتلهم أو أسرهم.. وانفجرت الفضيحة بعد فترة.. كان اليهود لائذين فعلا.. وكانوا مهددين بالقتل أو الأسر.. وتمت اتصالات وصلت إلى مستوى بوش شخصيا.. وترتب على هذه الاتصالات أن تغير السيناريو بإخراج أمريكي فتحولت  العصابة اللائذة الهاربة من مأسورة إلى آسرة.. انتهت الحكاية!! ولكن لها ذيلا يعبر عن مدي خسة اليهود التي لا تنقطع أبدا.. فقد كان - كإكمال للتمثيلية الفاضحة-  لابد لقوات الأمم المتحدة أن تصطحب جنود الجيش اللبناني- المأسورة!-  إلى الشمال.. و أثناء الرحلة قصفتهم إسرائيل فقتلت منهم ثلاثة وجرحت العشرات!!..ويبقى في الجراب ذيل خسيس آخر: كانت إسرائيل هي التي فضحت الأمر كله!!.

***

نعود إلى عام  سبعة وستين وتسعمائة و ألف.. تكويني الذكرى ويشوينى الألم ويخنقني الذل و أنا أقارن دفاع حزب الله الأسطوري عام 2006 وهزيمة جيشنا الأسطورية أيضا لكن في الاتجاه المضاد عام 67..حيث كانت جل قياداتنا فيها من نوع الخائن عدنان داوود.. قائد كتيبة مرجعيون..

يقول أمين هويدي  وزير الحربية المصري الأسبق (ورئيس المخابرات العامة) ..

قبل ستة أشهر من يوم  5 يونيو  1967 اقترح الفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القيادة العشرة المشتركة أن يرسل الأردن من محطة رادار جبل عجلون المكلفة برصد تحركات الطائرات الإسرائيلية التي تطير بارتفاعات منخفضة وإنذارا إلى مركز العمليات العام الذي كان يشرف عليه الفريق فوزي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، ولأهمية عامل الوقت في مثل هذه الأحوال، اتفق على أن ترمز كلمة: عنب، عنب، عنب، إلى بدء الهجوم المعادي.. صباح  5 يونيو أرسلت محطة عجلون إشارة بوجود موجات متتابعة من مقاتلات العدو تتجه نحو الجنوب الغربي، مضيفة اللفظ الكودي: عنب، عنب، عنب.. وصلت الإشارة، لكنها ضلت طريقها إلى الأماكن المناسبة لسببين، كان مركز العمليات مقفلاً لا يعمل، ثم أن الشفرة كانت تغيرت في اليوم السابق دون تبليغ من يهمهم الأمر بهذا التغيير..

لم تكن إشارة عجلون هي الفرصة الضائعة في صباح ذلك اليوم الأسود، إذ كان العدو قد بدأ الحرب فعلاً في الساعة السابعة والربع، أي قبل الضربة الجوية بحوالي تسعين دقيقة. سمعت إحدى دورياتنا الأمامية منذ الرابعة صباحاً أصوات عربات جنزير وشاهدت أضواء أرسلت إشارة بالموقف بعد السابعة بقليل، ولكن الإشارة لم تصل إلى غرفة العمليات إلا في الساعة التاسعة وأربعين دقيقة. وهو وقت طويل جداً لأنه كان يكفي لوصولها دقائق إذا كانت المواصلات جيدة. قامت طلائع العدو على المحور الأوسط بسيناء باحتلال موقع متقدم في منطقة أم بسيس.

*** 

أتأمل بطولات المجاهدين في لبنان.. أفخر.. لكن سهام الخزي ما تلبث حتى تخترق جسدي منطلقة من عام 1967.. أقارن بين من حمل الأمانة وبين من مارس الخيانة.. أقارن بين أداء جيش هائل يفر حافيا مذعورا متخليا عن سلاحه المدمر  بسبب خيانات قياداته وبين مئات في لبنان كل واحد منهم بأمة وقائدهم – السيد حسن نصر الله- لا يستعبدهم بل يعلن أنه يقبل رؤوسهم و أيديهم و أرجلهم.. كانوا بلا غطاء جوي على الإطلاق.. والعزاء  الذي  عشنا عليه حتى الآن ما يقرب من أربعين عاما من الهزيمة كانت حتمية بعد ضرب الطيران يثبت أنه عزاء مزيف تماما كما كان جمال عبد الناصر زعيما مزيفا وكما كان عبد الحكيم عامر قائدا مزيفا وكما كان محمد حسنين هيكل مفكرا مزيفا.. مع النصر المعجِز عام 2006 رحت أستعيد الهزيمة المعجِّزة عام 67.. لن أسألهم لماذا دمر الطيران عام 67  كما دمر عام 56؟! بل أسألهم لماذا لم يقاوموا بدون طيران كما فعل حزب الله؟.. لكن كيف المقارنة وقد كانوا حزب الشيطان.

يقول أمين هويدي: في الساعة الثامنة وخمس وأربعين دقيقة من ذات اليوم، قام العدو بضربته الجوية على مطاراتنا في وقت واحد ولكن الأوامر كانت قد صدرت لقوات الدفاع الجوي بالصمت، وعدم التعرض لأي تحركات جوية في أجوائنا، لأن القائد العام (عامر) وقائد القوات الجوية والدفاع الجوي ورئيس هيئة العمليات وآخرين كانوا في طريقهم إلى سيناء في عملية تفتيشية مستخدمين الطائرات. ويلاحظ أن المشير وقيادته اختاروا يوم 5 يونيو للذهاب إلى سيناء، وهو نفس اليوم الذي كان عبد الناصر قد توقعه لبدء هجوم العدو..

أما الجزء الآخر من القادة، وبينهم رئيس أركان الحرب الفريق فوزي، فكانوا في نفس الوقت قد انتهوا من توديع المشير في مطار الماظة وعادوا إلى منازلهم لتناول طعام الإفطار، كما يحدث في الأيام العادية، وكأن قواتنا لم تكن أمام الذئب. علماً بأن التعليمات الروتينية تنص على انه في حالة غياب القائد يتحتم على نائبه الوجود في مركز الرئاسة! أي أن الباقين من القادة كانوا في منازلهم. مركز القيادة الذي تدار منه العمليات كان مقفولاً، لا يستقبل أو يرسل أي رسائل، رغم إعلان حالة التعبئة وحشد القوات في سيناء. والشيء الأغرب أن كل قيادات الجبهة كانت متجمعة في مطار المليز لاستقبال المشير حينما يصل بطائرته، لماذا التوديع في القاهرة؟ ولماذا الاستقبال في المليز؟

لست أدري في هذا الوقت، ونحن على هذه الحال، ضرب العدو ضربته منفذاً خطة "كولومب" أصدر المشير عامر أوامره بالعودة إلى مطار القاهرة الدولي ليستقل هو ومن معه عربة تاكسي ليتوجه بها إلى مركز قيادته المغلق..

الدفاع الجوي ظل على صمته لأنه كان مقيداً بسبب طائرة المشير، علماً بأن الأوامر المستديمة تقضي بفتح النيران عند حدوث أي عدوان مباشر حتى ولو كان هناك أمر بتقييدها لأي سبب كان.. "أمين هويدي" 50عاماً من العواصف/ما رأيته قلته")- وزير الحربية المصري ورئيس جهاز المخابرات زمن عبد الناصر.

الآن أفهم لماذا تحرص إسرائيل على محاولة اغتيال قيادات حزب الله بنفس درجة حرصها على عدم اغتيال قياداتنا : فالهدف واحد!!..

*** 

فور اندلاع الحرب خرجت صحيفة ناصرية بمانشيت يقول:

حسن نصر الله على طريق عبد الناصر..

وانقبض قلبي!.. لو كان في النفس متسع للضحك العبثي الصاخب لضحكت لكن القلب مفعم بالحزن والخوف والرجاء والأمل.. على طريق عبد الناصر!!.. إذن فالاتصالات السرية مع إسرائيل طيلة حكمه – راجعوا هيكل على قناة الجزيرة-  ثم الهزيمة في ساعتين وسحق الجيش في يومين والاستسلام التام في ستة أيام ثم الحزن مائة عام!!..

ما أرجوه صادقا أن يعيد الناصريون قراءة التاريخ ليزيلوا آثار غسيل المخ الذي لحق بهم.. ولست أدعوهم لقراءة تاريخ كتبه الأعداء.. بل أدعوهم للاقتصار على كتابات الضباط الأحرار و أنصار الثورة وسوف يكتشفون كم خدعوا وكم امتهن ذكاؤهم.. وكم يستمرون في التيه طالما ظلوا على أفكارهم. 

***

في البدايات الأولى فور اشتعال المعارك  على حدود لبنان كنت أدرك  إن ما أراه مستحيل.. فهذه المعركة أهم من كل حروبنا مع إسرائيل.. إنها المعركة التي ستحدد : إما أن يستمر انهيارنا لقرن آخر و إما أن يبدأ انهيار إسرائيل..  واجهني بعض الأصدقاء حينها بأنني أبالغ.. لكن وزير الحربية ورئيس المخابرات  الأسبق أمين هويدي والذي عاصر كل حروب العرب مع إسرائيل أيد – بعد المعارك-  ما كنت أقول‏:‏ 

- من كان يحلم بأن ينقل طرف عربي الخوف والوجع إلي إسرائيل‏,‏ فيهددها لأول مرة في تاريخها‏,‏ ويضرب عمقها واصلا إلي صفد وطبريا والعفولة‏,‏ ويدفع بسكانها إلي المخابيء التي لم يدخلوها منذ نصف قرن‏.‏ بل ولا يتردد في التصريح بضرب تل أبيب إن هي قصفت بيروت؟ ـ من كان يخطر له أن تنجح المقاومة الإسلامية في هدم نظرية الأمن الإسرائيلي‏,‏ وإفقاد العدو قدرته علي الردع‏,‏ وإسقاط هيبة الجيش الذي قالوا إنه لا يقهر‏,‏ وأيضا إسقاط هيبة أجهزة المخابرات الثلاثة‏:‏ الموساد والسي آي إيه‏(‏ الأمريكية‏)‏ ومخابرات حلف الناتو؟ ـ من كان يتصور في أجواء الإحباط والهزيمة المخيمة أن تقلب المعارك بالكامل في المنطقة‏,‏ علي نحو يحدث نقلة نوعية مهمة في موازين القوي‏,‏ تجاوزت بكثير ما حققه العبور المصري إلي سيناء عام‏73.‏ وهي النقلة التي أكدتها بنجاح علي الأراضي‏,‏ وستحقق هدفها‏,‏ وستجني الأمة العربية ثمارها‏,‏ إذا أحسن السياسيون توظيفها بنفس درجة الكفاءة التي شهدناها في ساحة القتال‏.‏ (الأهرام 15-8)..

*** 

كنت من الكرب في كرب و أنا أرقب المعركة مفزوعا من الهزيمة داعيا بالنصر .. وكنت رأيي الذي كنت – وما زلت-  مقتنعا به هو  أن السيد حسن نصر الله يتفوق على كل قيادات إسرائيل كقيمة وذكاء وتخطيط واستراتيجية.. كما أن إيران تتفوق على أمريكا بنفس الشكل.. لذلك فقد كنت أرى نوعا من النصر.. لكني لا أدري كيف يأتي وكم يكون حجمه..  أركز على هذا الأمر.. في الفكر والأخلاق والحضارة والإنسانية والتنبؤ العلمي بالمستقبل  فإن الغرب وعلى رأسه أمريكا متخلف جدا.. إنه حيوان تكنولوجي لا يرى أبعد من مجساته الإليكترونية.. دون أي بعد أخلاقي أو معنوي.. لذلك فهو لا يفهم أبدا معنى انتصار الإرادة على التكنولوجيا أو الخير على الشر..

كانوا يحسبونها مادة لمادة وكنت أُدخل القدر والإرادة والإيمان والحساب.. وكان يصحب ذلك سري الخاص وكنزي الذي كنت أخفيه عن العيون..

نعم.. كان سرا.. وكأنما ائتمنني السيد حسن نصر الله عليه بعد أن أرسله بشفرة لم  يفهمها إلا قليل!!..

كان قد قال في كلمة له:

- المطلوب أن نصبر وان نصمد وان نواصل وبالتالي الأمور لن تبقى كما هي. نحن إن شاء الله موعودون بالنصر وسوف ننتصر في هذه المعركة كما انتصرنا في غيرها (26-7-2006)..

وقرأت ما بين الحروف وما تحت السطور وعرفت أنه يهمس لنا بسره فمن شاء سمعه ومن شاء أصم أذنيه..

نعم.. 

كان سرا منحني من الطمأنينة أكثر بكثير مما منحنيه العقل والمنطق والتقدير.

ولن أخفي السر عنكم الآن .. لكنني قبل أن أفضي به إليكم أستميحكم عذرا لأروي لكم هذه الواقعة على لسان الدكتور زغلول النجار حيث نشرها في مقالاته في صحيفة الأهرام كما أذاعها في فضائيات عديدة:

"  وقد جاءني ـ ذات مرة ـ طبيب أمريكي أسلم‏,‏ ولم يقرأ من القرآن سوي قوله تعالي‏:‏ "ألم‏.‏ ذلك الكتاب لا ريب فيه هدي للمتقين"‏..‏ البقرة‏..‏ فقال‏:‏ كتاب يصف نفسه بذلك لابد أنه كتاب من رب العالين فالواحد منا إذا كتب خطابا‏,‏ وبات حتى الصباح‏,‏ يقوم بتغيير نصفه علي الأقل‏,‏ وهو مجرد خطاب‏,‏ ولو بات الخطاب معه مرة أخري‏,‏ فإنه سيقوم بتعديله كاملا‏".‏

***  

كلمة واحدة تميط اللثام  وتكشف السر وتفك اللغز لمن يهديه الله إلى قراءتها القراءة الصحيحة..

كلمة واحدة ككلمة: " لا ريب" ..

والآن أفضي إليكم بسري... والسر كامن في كلمة في الجملة التي جاءت على لسان السيد حسن نصر الله والتي  استشهدت بها في الفقرة السابقة..  :" نحن إن شاء الله موعودون بالنصر وسوف ننتصر في هذه المعركة "..

عندما سمعتها ارتجف قلبي.. الرجل معروف  بدقة تعبيراته وحرصه وصدقه وذكائه.. كيف يقول " في هذه المعركة" .. لو أنه قال: " في المعركة" لحملتها على البشارة المجملة  بالنصر الموعود الذي لا ريب فيه فهو آت.. آت.. آت.. آت.. لكنه يقول " في هذه المعركة"..

 لديه وعد محدد إذن .. 

وانبثقت الرؤية باهرة كالشمس لتضئ قلبي.. 

الرجل لديه وعد محدد بالنصر.. 

وهذا الوعد لا يمكن أن يأتي إلا من سبيل واحد.. 

إنها رؤيا جاءه فيها جده المصطفي عليه الصلاة والسلام ليعده بالنصر..

وكان هذا هو سر يقيني بالنصر حتى قبل أن تبدأ ملحمة بطولة القتال البري المذهلة التي أسفرت عن نصر يكفيني في وصفه ما قاله جواد البشيتي  في القدس العربي 17-8:

- "كل صمتهم لن يمنعهم، ولن يمنع الأمة بأسرها، من سماع دوي النصر الذي ليس كمثله نصر!" .. 

جملة اعتراضية: 

( قبل أن يقيم علىّ الحجة  متنطع هالك فالمعنى : ليس كمثله نصر في عصرنا!..ففي تعبيرات مثل هذه كفر الهالك ربيع المدخلى الشهيد-إن شاء الله-  سيد قطب.. ولعبارات مثلها تكفر بعض طوائف المسلمين بعضها بعضا..) ..

عندما احتدمت الملحمة وحمي الوطيس  كنت أقول لنفسي مطمئنًا:

- لا تقلق .. :" نحن إن شاء الله موعودون بالنصر وسوف ننتصر في هذه المعركة "..

وعندما بدت بشائر النصر المذهل كنت أقول:

- هاهو الوعد يتحقق.. ها هي ذي الرؤيا تتجسد.. هاهو ذا النصر الموعود ..

*** 

كانت الرؤيا تتجسد بالفعل..

وبعد نهاية المعارك كان الكل يجمع على روعة انتصار حزب الله وحجم انهيار إسرائيل

كان العالم كله يعترف بالنصر.. لكن كان هناك اثنان رفضا الاعتراف.. أضحكني أولهما و أحزنني الآخر..

كان الأول هو الوحش الدموي الغبي جورج بوش الذي قال  أن ميليشيا حزب الله منيت بالهزيمة في العمليات التي امتدت لأكثر من شهر مع إسرائيل. 

وأضاف أن الزمن سيثبت أن تلك الميليشيا هي الخاسرة. 

" لقد هاجم حزب الله إسرائيل وهو الذي بدأ الأزمة وهو الذي مني بالهزيمة."

الآخر الذي أحزنني هو محمد حسنين هيكل..والذي قال – تقريبا – نفس ما قاله بوش..

كانت مذيعة قناة الجزيرة  جمانة نمور تسأله: 

-   بعدما توقفت الحرب وبعد خمسة أسابيع، برأيك من هو المنتصر ومن هو المهزوم؟

و أجاب – داعي القومية العربية - محمد حسنين هيكل – باللهجة العامية المصرية- : 

-  أنا عارف إنه هذا سؤال بيتكرر كثير قوي في الشارع العربي وفي العالم بصفة عامة، أنا بأعتقد إنه الإجابة على هذا السؤال لا يزال بدري عليها جدا.. لا تزال مبكرا إنه أي حد يتكلم عليها جدا لأنه ببساطة نحن على أبواب الحرب الحقيقية، ما جرى هو معركة مسلحة، أنا بأعتقد إنها كانت مهمة جدا، لكنه لا يمكن الحكم على أي حرب إلا عندما تبين، لكن لو أنا بصيت وحاولت أجاوب على سؤالك، أنا حاطط أمامي عشان ما تتخضيش الصحف الإسرائيلية، أنا قارئ الصحف الإسرائيلية الفترة اللي فاتت كثير قوي، بأتابعها كثير قوي طبعا، الصحف الإسرائيلية كلها بتقول غريبة قوي في انقسام مهم قوي، الصحف الإسرائيلية كلها بتقول إنه إسرائيل هُزمت ولو جربتِ تبصِ عناوين كل جرنال، جرنال بيقول إنه نحن هُزمنا، كلمة هزيمة كلمة متكررة، كلمة إنها نكسة لإسرائيل متكررة، كلمة إنها كارثة لإسرائيل متكررة في كل ما كتب ال(Verdict) في النهاية واحد من أهم المعلقين إن بيقول (Israel verdict) نحن خسرنا الحرب.

أنا بأعتقد إنه نحن مبكرا جدا نقول قوي من انتصر ومن هزم..

...........................

هذا هو هيكل يا قراء.. 

هذا هو .. وهكذا كان..

مواطن أمريكي يتعاطف مع بعض القضايا العربية للدول اليسارية التي تخاصم الدين..

كان هيكل يقول ذلك وكانت وكالات الأنباء تقول:

"اعتبرت صحيفة "هاآرتس" أن "إسرائيل خسرت المعركة مع حزب الله الذي ألحق بجيشنا خسائر فادحة في صفوفه وقياداته وإمكانياته اللوجستية".

أما صحيفة "يديعوت أحرنوت" أيضا قالت: إن الجيش الإسرائيلي أرسل 30 ألف جندي لجنوب لبنان، وشن 15 ألف غارة جوية، وقام بـ800 ألف ساعة إبحار، وقصف أكثر من 7 آلاف هدف، وبعد كل هذا خرجت إسرائيل صفر اليدين.

ومن الصحف الإسرائيلية إلى نظيرتها الغربية؛ إذ قالت صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية الثلاثاء: إن إسرائيل خسرت الحرب.

ولفتت الصحيفة في افتتاحيتها التي حملت عنوان "موقف إسرائيل": "لقد خسرنا الحرب". 

أما الكاتب البريطاني الشهير  روبرت فيسك  مراسل "ذي إندبندنت فقد كتب تحت عنوان  "بحر من الجثث العالقة تشهد بفشل إسرائيل"  من بلدة صرفا بجنوب لبنان قائلاً: إن هذه البلدة أصبحت "مكانا لبيوت مهدمة وقطط جائعة وجثث عالقة بين أنقاض المباني. لكنها أصبحت أيضا مكانا للنصر بالنسبة لحزب الله؛ حيث سار بالأمس مقاتلو الحزب وسط أطلال البلدة كأبطال فاتحين". وعرض "فيسك" لمشاهد من الفشل الإسرائيلي، وقال: إن خسائر إسرائيل بلغت في إحدى المعارك "40 رجلا خلال 36 ساعة فقط من القتال".

وكتبت هاآرتس في 19/8/2006: «لقد نجح حزب الله في إذلال الجيش الإسرائيلي، وأمام إسرائيل الآن فرصة للاستعداد للمواجهة القادمة". حديث الهزيمة يملأ كل الصحف الإسرائيلية وينطق على ألسنة مسئوليها وأركان جيشها ودفاعها، وإذا كان (نصرالله) قد قال: إن الذي تحقق هو انتصار تاريخي واستراتيجي للأمة، فإنه ترك البحث للآخرين في معطيات ذلك الانتصار، الذي يملأ اليوم وجدان الشعوب العربية والإسلامية"

أما "رفائيل إيتان" رئيس أركان جيش العدو السابق فقد قال: "إن انتصار حزب الله الكاسح على دولة إسرائيل، يحمل في طياته عواقب وخيمة جداً على مستقبل الدولة وإمكانية بقائها في سلام في هذا الوسط المعادي•• لقد أعطى حزب الله الدليل على أن اللغة الوحيدة التي تجبر إسرائيل على تقديم التنازل هي القوة والقوة فقط•• إن هذا الأمر، أمر خطير لأنه سيدفع المزيد من العرب لسلوك طريق حزب الله"•

المفكر والمؤرخ الإسرائيلي زئيف شترنهال قال بصراحة: إن هذه الحرب هي الأكثر فشلاً التي تخوضها الدولة العبرية طوال تاريخها. 

كبير المعلقين العسكريين الجنرال زئيف شيف كتب في صحيفة هآرتس مشيراً إلى أن وزيرة الخارجية الأمريكية وأركان الإدارة في واشنطن كانوا من أكثر المتحمسين لمواصلة إسرائيل للحرب حتى تنجح في اخضاع حزب الله واستسلامه. لكن الأداء العسكري الإسرائيلي خيّب آمال المسؤولين الأمريكيين، الذين استغربوا قدرة المقاومة اللبنانية على مواصلة حرب الاستنزاف ضد الدولة العبرية بعد مرور أربعة أسابيع على المعارك. 

ولقد أظهرت دراسة جديدة أجراها أودي ليفل من معهد <بن غوريون> في جامعة بئر السبع، أن الجمهور الإسرائيلي انتظر بفارغ الصبر خلال الحرب، خطابات الأمين العام ل<حزب الله> السيد حسن نصر الله بسبب صدقيتها أساساً، مبينة في الوقت ذاته أن الجمهور يمنح نصر الله علامة أفضل بالمقارنة مع المتحدثين باللغة العبرية. 

وفي إطار الدراسة التي جاءت تحت عنوان <إدارة الإعلام أثناء حرب لبنان الثانية>، طلب من أعضاء 6 مجموعات مشاهدة شريط فيديو عرض فيها الإعلام الإسرائيلي في البلاد والخارج، والإجابة على نماذج أسئلة. 

وتشير متابعة التقارير أنه في أكثر من مرة، فند نصر الله تصريحات المتحدثين الإسرائيليين، وخاصة تصريحات وزير الأمن، وكان أول من أعلن عن مقتل جنود إسرائيليين، وعن الظروف التي أدت إلى ذلك. ويقول ليفل <وصلنا إلى وضع جنوني.. حالة نفسية لا تخطر ببال أحد؛ فبدلاً من أن ينتظر الجمهور الإسرائيلي ناطقاً قومياً يوضح له ماذا يحصل في كل يوم.. لجأ الجمهور إلى القائد الذي نحاربه، وجلس بفارغ الصبر ينتظر خطاباته>.

*** 

كان كل هؤلاء يؤكدون النصر على كافة المستويات  وكان محمد حسنين هيكل على رأي بوش..

لكننا هنا بعد الأحداث نلفت الانتباه إلى أمر هام.. هو أن بوش عندما أطلق تصريحه الغبي كان يدرك أن إسرائيل ستخرج على قرار مجلس الأمن و أنها سنواصل حصار لبنان بحرا وجوا.. وأغلب الظن أن معظم الدول العربية كانت تضغط كي يستمر الحصار على أمل أن يؤدي هذا الحصار إلى طمس لألاء بريق نصر حزب الله.. و أغلب الظن أن عصابة 14 آذار-مارس- هي الأخرى كانت تضغط لاستمرار الحصار كنوع من الإذلال للشعب اللبناني وكنوع من الضغط على حزب الله, أقول أن بوش كان يخطط لكل هذا كي يزيف الواقع  ويحول الهزيمة إلى نصر والنصر إلى هزيمة.. و أنه في إطار هذا التزييف فقط قال ما قاله عن نصر إسرائيل وهزيمة حزب الله.. ومن هذا الفهم يكون كذبه مبررا لأنه يصنع من الأحداث ما يخدع به الناس. كاللص الذي يحرر شيكا بمال يخطط لسرقته، فهو يعرف أن وقت استحقاق الشيك سيأتي والمال معه، أو كالذي يتفق على بيع سيارة لما يسرقها بعد، لكنه يعلم أنه سيسرقها. المدهش أن هيكل- بالطبع- لم يكن يعرف ما كان يعرفه جورج بوش.. و أنه  حين قال ما قال لم يكن يعرف  أن أمريكا ستحاول بالخيانة والتدليس والكذب ومخالفة القرار 1701 كي توهم العالم بهزيمة حزب الله. لم يكن يعرف هيكل كل ذلك لكنه قال ما قال واتفق فيه مع بوش. إنه "بوشي" أكثر من بوش نفسه.

والحقيقة أن ما فعله حزب الله كان ضربة مباشرة موجهة إلى هيكل كما أنها موجهة إلى إسرائيل..

لقد بني هيكل ماضيه كله على ادعاء الحكمة.. وهي حكمة نسفها حزب الله ليثبت أن ما كان يقوله هيكل لم يكن حكمة بل كان تخريفا وتبريرا وتسويغا لما لا يمكن دون قلم كقلم هيكل أن يبرر أو أن يسوغ أو يقنع.

لا يمكن لأي إنسان أن يتحدث عن متناقضات بذات اليقين!!

ودعونا نعود إلى بعض كتابات هيكل قبيل النكسة وبعيدها كي ندرك تناقضاته من ناحية.. ومن الناحية الأخرى ندرك كم وكيف هدم حزب الله قلاع هيكل التي ظل يتمترس فيها طول عمره.. بل لم يكتف بهدم قلاعه.. لقد مزق ملابسه أيضا.. وتركه عاريا!!..

قبل حرب يونيو بثلاثة أيام- يوم 2-6-67-  كتب هيكل في مقاله الأسبوعي:

ومشكلة الأمن الإسرائيلي وقد بلغت درجة الحروجة (هكذا في النص)  لا حل لها في نظر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إلا الضرب بسرعة لكسر الحصار العربي وإعادة عامل الأمن النفسي الذي ارتهن دائماً بقدرة إسرائيل على فرض الأمر الواقع ويعجز العرب دائماً عن أي شيء غير قبوله. 

والوزارة الإسرائيلية أو بعض عناصرها بعد كل ما تورطت فيه أمام ضغط المؤسسة العسكرية توشك أن تكون كبش فداء لموقف ترددت قبل أن تتحمل مسئوليته! 

وليس أمامها مجال كبير للحركة.. 

إما أن تخضع وإما الانقلاب.. 

إما أن تضرب إسرائيل لكي تكسر الحصار العربي حولها.. 

وإما أن لا تضرب وتنكسر إسرائيل من الداخل.. 

مهما يكن وبدون محاولة لاستباق الحوادث فإن إسرائيل مقبلة على عملية انكسار تكاد تكون محققة... سواء من الداخل أو من الخارج.. 

إن إسرائيل لم تكن ولن تكون كياناً طبيعياً يستطيع أن يتأقلم بسرعة، ويوائم نفسه بسهولة ويسير مع الأجواء المتغيرة.. 

لقد كانت ولا تزال في وجودها كدولة تقليداً للطبيعة صنع من مادة ليست أصيلة وليست صلبة أقرب ما تكون إلى تشكيل من الجبس.. 

لا يستطيع أن يتغير إلا إذا انكسر!!

هل لاحظت أيها القارئ هذا اليقين وهذه الثقة.. وهل تختلف روح هذا الحديث عن أحاديث أحمد سعيد وشمس بدران وعبد الحكيم عامر.. إن هذه الفقرات ترجمة – بالمعنى- للجملة المشئومة: "برقبتي يا ريس".. لكنها ترجمة أنيقة.

ثم إن محمد حسنين هيكل لا يملك اليقين السياسي فقط.. بل والعسكري أيضا.. إنه أستاذ في السياسة وفي الحرب أيضا.. ولم لا .. وهو يجالس مونتجمري في العلمين قبل الحرب بأسبوعين.. ويروي بقلمه ما قاله مونتجمري له.. ولو أنصف لصدق..  ولو صدق لأخلص   .. أو لو أخلص لنصح.. لكنه و آله فعلوا بالضبط ما حذر منه مونتجمري:

في مقال بصراحة يوم 19-5 يروي هيكل على لسان مونتجمري:

- خطيئتان لا يمكن اغتفارهما  لقائد. أن يسيء اختيار جنرالاته.  وأن يمزق فرقه إلى شظايا متناثرة. 

وكان هذا بالضبط هو ما فعله جمال عبد الناصر..

أساء اختيار جنرالاته.. ومزق جيشه إلى شظايا متناثرة..

وكان هيكل الشاهد على الزور والساكت عن الحق.

*** 

أول مقال بعد النكسة وكانت الدائرة قد دارت فدار قلم هيكل كما دارت  لكنه راح يكتب بنفس اليقين دون أن يذكر شيئا عن تشكيل الجبس الذي لابد أن ينكسر من الداخل أو الخارج.. بل إن القارئ سيلاحظ بعد ذلك أنه اعتبر هزيمتنا كالقدر لا مهرب منه.. حتى أنه قرر أنه حتى لو لم تنجح المفاجأة.. ولو نجت كل الطائرات المصرية كلها من التدمير لسقطت كلها في الجو في خلال أيام قليلة بسبب نقص الخبرة والكفاءة بالنسبة لطائراتنا وطيارينا مقارنة بإسرائيل.. و يوم  16-6-1967  : 

- ماذا حدث تماماً؟ وما هو معنى العاصفة العاتية التي هبت على العالم العربي ابتداءً من اليوم الخامس من يونيه سنة 1967 ثم توقفت في اليوم العاشر من هذا الشهر بعد أن تركت على أجزاءً عديدة من وطن الأمة العربية حطاماً وركاماً وأشلاءً كثيرة؟  كيف؟.. ولماذا؟ وإلى أين بعد الآن؟!.  نقول، وبالحق: 

- إن ما رأيناه خلال هذه الأيام الخمسة الرهيبة هو أقصى درجات العنف في الصدام الذي احتدم بين الأمة العربية وبين حكومة الولايات المتحدة الأمريكية والمصالح التي تمثلها وسياسات السيطرة والقوة التي تمارسها. 

أتساءل في سخرية دامية: هل كان العنف الذي شهدته مصر في 67 أكثر من العنف الذي واجهه حزب الله.. لكن.. الحمد لله.. حزب الله ليس لديه شخص كهيكل..

*** 

بعد أسبوع آخر.. ويوم   23 -6 كتب هيكل:

- لسوء الحظ أنه ليس هناك من هو أكثر اجتراءً من المخابرات الأمريكية على اختيار أشد الأسماء بريقاً لأكثر المسميات سقوطاً في الظلام! ( ما أصدق هيكل في هذه الجملة!!) كان الاسم البراق "لمنظمة الثقافة العالمية" مجرد واجهة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية تنشر من خلاله سمومها الفكرية!  وكان الاسم البراق "لاتحاد الشباب العالمي" مجرد واجهة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية تكبل وتقيد بواسطته حركة أحلى القوى وأكثرها مدعاةً للتفاؤل والأمل في دنيانا وهى الشباب! 

أما في يوم 6-10-67 فقد كتب :

إن مفاجأة القدر التي دهمتنا والتي حسمت المعركة في الساعة الأولى منها كانت هي الضربة الموجهة إلى الطيران المصري. 

ولم تكن مفاجأة القدر هي الضربة نفسها ولكن المفاجأة كانت هي الفشل في توقّيها. 

إن الضربة نفسها كانت منتظرة، بالطريقة التي جاءت بها تقريباً، وفى الموعد الذي جاءت فيه تقريباً أيضاً. 

لكن الفشل في توقّيها كان مذهلاً. 

ويثير الألم أن إسرائيل نفسها لم تكن تتوقع هذا الحد من الفشل. 

- وبين ما هو معروف الآن أن الجنرال "موردخاي هود" قائد الطيران الإسرائيلي وهو الذي قامر على أساس نجاحه في الضربة الأولى صعق قبل غيره عندما جاءته نتائجها وكان قوله الذي نقل عنه: 

- إن ما حدث يفوق أكثر أحلامي جنوناً! 

- وبين ما هو معروف أيضاً أن القيادة العامة للجيش الإسرائيلي - زحال - كانت تضع في حساباتها احتمالاً كبيراً لفشل الضربة الأولى ضد الطيران المصري، وكان مقدراً في هذه الحالة أن يذاع على كل الموجات الإسرائيلية نداء رمزي يقول "ميكرى هاكول" أي "ليقف كل منكم في موقعه"... أي لِيَمُتْ فيه، فقد كان التقدير بعد ذلك أن الضربة الثانية التي سوف تتلقاها إسرائيل لا محالةً سوف تكون باطشة! 

ويكاد الإجماع أن ينعقد بين كل الخبراء العالميين - لا يشذ منهم واحد - على أن النكسة الحقيقية تتمثل - بالدرجة الأولى - في الضربة الموجهة للطيران المصري والتي كان الفشل في توقِّيها مذهلاً. 

 - لماذا كان خيالنا الاستراتيجي محدوداً وكان خيال العدو منطلقاً؟ 

لم نتصور أن يحاول العدو - بضربته الأولى ضدنا - أن يكرر نفس ما فعلته قيادة القوة الإستراتيجية البريطانية معنا سنة 1956 بطائرات الكانبيرا من قاعدة قبرص. 

ومع ذلك فلقد كان هذا بالضبط ما فعله العدو. 

إن خطة سنة 1967 لم تختلف عن الخطة التي وضعتها القيادة البريطانية - الفرنسية ضدنا سنة 1956 إلا في شيء واحد هو عملية الإنزال في بورسعيد وأما عدا ذلك فالخطة نفس الخطة - الضربة ضد الطيران أولاً، ثم التقدم بالطوابير المدرعة في سيناء على اتجاه الطرق الثلاثة الرئيسية فيها.

*** 

هل أدركت الآن أيها القارئ كيف أنني طيلة الحرب على لبنان كنت أرقبها بعين بينما تستعيد عيني الأخرى أحداث 67.. كنت أقارن حسن نصر الله في جانب وعبد الناصر وعامر في الجانب الآخر..

كنت أقارن عشرات أو مئات أو حتى آلاف قليلة من حزب الله في جانب ومئات الآلاف من الجيش الجرار في الجانب الآخر..

كنت أقارن الحرب الدموية الرهيبة للاستيلاء على عدة أمتار ثم الحرب الأشد لاستعادتها بالانسحاب مئات الكيلومترات في 36 ساعة..

وكان القلب مزهوا بنصر المسلمين في حزب الله..

وكان نزيف 67 يعاود القلب.

*** 

أعترف أنني ظلمت السيد حسن نصر الله طيلة الأعوام الأخيرة، لقد حملته أوزار سواه، رغم أن علمي لم يتصل أبدا بقول يشينه أو يدينه. لا تجاه الصحابة ولا تجاه الإمامة ولا تجاه السنة، ولست أنكر رغم تحفظي  أن الرجل كان يشعل حماسي ويستولي على وجداني، وكنت أدرك أن الخلافات والاختلافات بين السنة والشيعة أمر ليس هينا بحال، و إن كان لا يصل أبدا إلى التكفير، و أعترف أنني شعرت بحزن عميق جدا عندما تحول أحد أصدقائي إلى المذهب الشيعي، لكنني في الوقت نفسه كنت أدرك – كما كتبت في مرات عديدة أن الاختلاف ليس بين جمهور السنة وجمهور الشيعة، و إنما هو خلاف بين ألف عالم من علماء الشيعة وخمسة آلاف عالم من علماء السنة، أما عامة المسلمين: المائتان وخمسون مليون شيعي في جانب و خمسة أضعافهم في الجانب الآخر، فإنهم كلهم تقريبا، لا يختلفون في شيء، لأنهم لا يعرفون شيئا عن الخلاف العقدي ولا عن العصمة ولا عن الإمام المنتظر.. إنهم لا يجيدون حتى الوضوء.. وجلهم صلاته كنقر الغراب .. لا يختلف عامة السنة عن عامة الشيعة إذن ..  ليس لأن الرؤى والمواقف واحدة، و إنما لانعدام الرؤى والمواقف، ولتراجع المسلمين عن اتخاذ الإسلام مرجعا، واتباع قيم ومعايير ليست من الإسلام في شيء، لتكون دينا آخر أخشي أنه ليس هو الإسلام، و أنه – لولا المعذرة بالجهل- كُفْر، دين آخر تدين به الغالبية من جمهور السنة والشيعة، وهو لا سنة ولا شيعة،  لكن الأسماء  تبقى لكي تفرق لا لكي تجمع، لكي يتهم هذا ذاك وذاك هذا، وكنت أدرك أن الخلاف العقدي موجود وجوهري، وكنت أتمنى دائما أن تدور حوله أعمق الاتصالات والحوارات وتأصيل الماضي وتحقيق التاريخ مدركا أن الإسلام بعظمته وشموله قادر على أن يصحح وضع الأمة دائما، إنه القالب الذي نقيس الأشكال على شكله، والمقياس الذي نحسب المسافات على أساسه، وكنت أرى أن جل اختلافاتنا بلا منطق، فنحن نختلف على المسافات دون أن نحاول توحيد وحدة القياس، وهي مهمة قد تكون صعبة لكنها ليست مستحيلة، وكنت أرى في نفس الوقت، أن القسط الأخطر من الخلافات بين السنة والشيعة هي خلافات خلقتها السياسة وأشعلها أعداء الإسلام ويحافظ عليها ويؤججها الآن عملاء أمريكا و إسرائيل وعباد الشيطان..

 وكنت قد حاولت بسبب هذا كله أن أحتفظ بمسافة بيني وبين السيد حسن نصر الله على وجه الخصوص. فبالنسبة لإيران كان الأمر أيسر بكثير. فإيران تمارس في الغالب الآن سياسة براجماتية نفعية/ذرائعية ربما يكون ما دفعها إليها خسة الحكام العرب وارتمائهم تحت أحذية اليهود والأمريكيين ( من المحزن أن نفس الأمر حدث مع تركيا.. ولاحظوا أن حاكما عربيا واحدا لم يحضر المؤتمر الإسلامي الذي عقد لنصرة لبنان بعد أن فشل العرب في عقد قمتهم)..مع العراقيين أيضا كان الأمر محسوما، وبرغم أنني أبحث عن معذرة في التاريخ إلا أن موقف قسط كبير من شيعة العراق مدان بأشد ما تكون الإدانة، وبعيدا عن تكفير المعيّن فإنني أرى أن الحكم عليهم بالكفر – إن جاز- فهو ليس بسبب أنهم شيعة، بل بسبب موالاتهم للكفار فهم منهم سواء كانوا سنة أو شيعة.. ذلك أنني أضع الأكراد الخونة في نفس الصف مع الشيعة الخونة بانحيازهم إلى أعداء الله ..أمريكا.. و أضع معهم في نفس الصف من خان من السنة العرب أيضا..

مرة أخرى- رغم أنه ليس موضوعنا- أؤكد أن بعض شيعة العراق قد ارتكب من الجرائم والآثام ما سيصمه بالخيانة أبد الدهر. إنني أعقل قلمي ولساني عن الخوض فيما يفعلونه، لا لأنني عزوف عن إدانتهم ( فهم مدانون بالخيانة العظمى على الأقل) ولكن لأن الموضوع ليس موضوعنا الآن. ثم أنني فيما يحدث في العراق أظن الموساد والسي آي إيه خلف معظم ما ينسب للسنة والشيعة.

ازدادت المسافة بيني وبين السيد حسن نصر الله عندما لم يجاهر بإدانة شيعة العراق.

ورحت أبني السدود بيني وبينه.. وهي سدود كان يهزها دائما ذكرى بطولته الفذة وعبقريته السياسية والعسكرية و صورة ابنه الشهيد، كما كان يهزها ذلك الصدق والإخلاص اللذان يقطران من كلماته.. ثم وصيته بأنه يصفح عن قاتله إن اغتيل.. إلا أن هذه السدود قد انهارت كلها عندما شنت إسرائيل الحرب عليه يوم 12-7. كان من الواضح أن رد الفعل الإسرائيلي كان مفاجئا في عنفه وشموله.. كانوا يمارسون الصدمة والرعب.. وكانوا يتوقعون أن تصاب الفريسة بالشلل وتستسلم.. و أن يفر المجاهدون فرار جيشنا عام 67..  وقد ثبت بعد ذلك أن مخططهم كان أن ينالوا من السيد حسن نصر الله في الغارات الأولي فيبدأ انهيار الجبهة على الفور فيكتسحون الجنوب في يوم وبعض يوم ليدمروا كل قواعد إطلاق الصواريخ ثم يقضون باقي الأسبوع في نسف الاستحكامات الدفاعية التي أعدها حزب الله ثم ينسحبون وقد بدأ عصر الشر الأعظم (الشرق الأوسط) الجديد.. وليتم التهام سوريا على الفور ثم إيران بعدها ولتنتهي المقاومة وليبدأ تقسيم السعودية والعراق وسوريا ولبنان ومصر ولتتكرس سيادة إسرائيل مائة عام على الأقل. كان هذا هو السيناريو الذي توقعته أمريكا و إسرائيل وذيولها التي أدانت مغامرة حزب الله بعد ذلك، ولم يكن للحكام في الإدانة أي يد.. فلقد صدر الأمر المباشر لهم : أدينوا.. فأدانوا.. لكن الله أخلف ظنهم.. واستطاع حزب الله بعبقرية ليس لها مثيل أن يستوعب الصدمة ثم أن يسترد زمام المبادرة ليصلي إسرائيل حميما لم تذقه في تاريخها من أي جيش من جيوش العرب مفردا أو جماعة.

*** 

ما أبشع الألم..

أن تكون مصر والسعودية والأردن الهاشمي محور الشر على العالم الإسلامي..

ما أبشع الألم..

في عام 1997 فضحت الأنباء عقد تحالف سري بين مصر والسعودية و إسرائيل لمحاربة الإرهابيين.. ولقد كتبت عن ذلك في حينه ونددت به وطالبت بإنكار الخبر واستنكاره..(د محمد عباس- إني أرى الملك عاريا- مكتبة مد بولي)

ولم يستنكر أحد..

كان الخبر صحيحا..

وكان الإسلام هو المقصود بالإرهاب..

وكان المجاهدون هم المقصودين بالإرهابيين..

فما أبشع الألم..

*** 

مع تصريحات الحكام الخونة التي واكبت اشتعال المعارك في لبنان  كانت فتوى تصدر عن الشيخ  عبد الله بن جبرين وهو عضو سابق في هيئة كبار العلماء أعلى هيئة دينية في السعودية حزب الله بأنه "حزب رافضي", وانه "لا يجوز نصرة هذا الحزب الرافضي ولا يجوز الدعاء له بالنصر والتمكين, ونصيحتنا لأهل السنة أن يتبرءوا منه". 

لم يقل لنا الشيخ الجليل – غفر الله له بسابق عمله- إذا كان الشيعة كفارا فكيف تسمح لهم السعودية بالحج؟!.. بل ولماذا لا يطرد الشيعة جميعا من جزيرة العرب كما وصانا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأن نخرج الكفار من جزيرة العرب. 

نعم..

لماذا يسمحون لهم – وهم بنص فتاواهم كفار- بأن يدخلوا المسجد الحرام؟.. أم أنهم مسلمون إذا ما حجوا.. مسلمون إذا ما جاهدوا الاتحاد السوفيتي السابق  مسلمون حين يحاربون البوذية لكنهم كفار حين يجاهدون ضد أمريكا وإسرائيل!!.. وهنا مربط الفرس.. بل مربط الريال والدولار!!.. بل الكاشف عما يعبدون.

*** 

انفجرت الفتوى كالصديد فتلقفها من سيكون شرابهم يوم القيامة من غسلين ليخذلوا العالم الإسلامي عن نصرة المسلمين.

ومرة أخرى أقول أن فتاوي الأئمة على العين والرأس ولابد أن ننظر إليها بكل تبجيل.. كذلك كل فتوى تصدر ممن يخشون الله ولا يخشون غيره.. فعن هؤلاء نمسك أقلامنا ونعقل ألسنتنا  ولهم نفتح قلوبنا و أرواحنا وعقولنا.. لا نتحدث عن هؤلاء .. ولا حتى عن علماء أجلاء كالشيخ ابن جبرين.. 

سوف يثبت بعد ذلك أن فتوى الشيخ ابن جبرين فتوى قديمة أخرجها صحافي مباحثي من الأضابير ليوظفها لخدمة الحكام وتلقفتها صحف المارينز، ولكن جراب الشيطان لا يخلو، فسوف تستمر المحاولة بعد ذلك على لسان "اللحيدان" الذي أصدر فتوى بنفس المعنى، والغريب فيها أنه يمتدح في فتواه –بالاسم- حاكما عربيا ذا علاقة حميمة بأمريكا وإسرائيل.. وليتبين أن الرجل يوحى إليه من واشنطن غالبا ومن تل أبيب أحيانا.

*** 

أعلم من مصادر وثيقة أن كثيرا من الفتاوى تشترى.. و أعلم أيضا ما قيل عن عشرين مليون ريال دفعت ثمنا لفتوى تبيح الاستعانة بالأمريكيين على ضرب العراق. ولقد حاولت تجنب إثارة ذلك كله لأن بعض الظن إثم ولأنني لا يمكن أن أقيم الحجة بقول مرسل و إن صدقته الشواهد.. لكنني في نفس الوقت لا أستطيع أن أهمل أمرا كهذا يتعلق بمصير الأمة.. ( لكنني في نفس الوقت أورد تعليل البعض الذي أوردوه دفاعا عن العلماء، إذ يقولون أنهم قبضوا- ويقبضون- هذه المبالغ، ليس كرشوة، وإنما يدركون أن الأمر سيتم لا محالة، وإن لم يفتوا هم فسوف يصدر الفتوى آخرون، لذلك فإنهم يتأولون ويصدرون الفتوى ويقبضون المال ليصرفوه على الدعوة.. أنقل ما سمعت.. وليس ناقل الكفر بكافر)..

لست فقيها ولا عالما وما أنا إلا عبد من عباد الله وواحد من عامة المسلمين رأى منكرا فأراد أن يغيره.

إنني أفخر بأنني سني وسلفي.. أو على الأقل أحاول أن أكون كذلك. ومن خلال ذلك أدرك المأزق الذي وضع السلفيون أنفسهم فيه بين تجمد مميت وتفلت مضيع وتأويل مفسد، مع فقدان كامل للتكيف  والمرونة التي كانت السمات الأساسية للسلفيين الأول.. والكارثة أن هذا التجمد الذي أهمل الأصل و بالغ في الاهتمام بالفرع  قد جعل الفروع متصلبة بينما ترك الأصول تضمحل.. و أولها عقيدة التوحيد حين اختلطت الأمر علي بعضهم  من باب فساد في التأويل أدى إلى خلل عقدي فيما يتعلق بكنه المعبود.. أو من خلال فساد في الفكرة نفسها يقودهم إليها من يبدو أنه الأكثر تدينا والأشد تعصبا ( في أدبيات الشيوعيين يقولون أنهم اكتشفوا أن الأكثر حماسة وتهورا و تفانيا كان يثبت في معظم الأحوال اختراقا أمنيا.. ولست أرى ما يمنع ذلك في أوساط السلفي..)..  ومن خلال ذلك كله تمت اختراقات أجنبية ومحلية  عضوية وفكرية جعلت بعض فتاواهم تبدو كما لو كانت صادرة ممن لا يعبدون الله بل ممن يعبدون الحاكم مباشرة.. ولما كان الحاكم يعبد الأمريكيين فإن بعض هؤلاء العلماء وفتاواهم تبدو وكأنها تصدر من دار البنتاجون لا من دار الإفتاء ومن البيت الأبيض لا من البيت الحرام ومن حائط المبكى لا من الجامع الأزهر..

كانت الفتوى المذهلة تصيب السلفيين لا الشيعة.. كانت مفقدة للثقة.. وكانت تفتقد لشموخ الفكر السلفي وتجرده وعظمته وتعاليه.. 

كانت فتوى حمقاء.. وكان رد فعل الناس عليها حاسما.. 87% رفضوها و13% قبلوها أو لم يهتموا.. ( يرد الأستاذ الدكتور عاصم نبوي- وله كل الاحترام والتقدير-  على هذه النقطة بقول وجيه: وهو أن أكثر من 90% من الناس كانوا يؤيدون عبد الناصر رغم أنه كان على باطل)

جملة اعتراضية: دفعت بالمقال إلى أخي وصديقي الدكتور عاصم قبل نشره خيفة أن يميل الميزان بين يدي فأهوي بالميل إلى نار جهنم.. كما تناقشت في محتواه مع أخي وصديقي الدكتور هاني السباعي.. وفعلت نفس الشيء  مع العديد من الإخوة.. وربما تمثل تعليقات الدكتور عاصم موجزا وافيا لآراء الجانب الذي يدين الشيعة.. وقد استعضت بتعليقاته عن التعليقات الباقية لأنها كانت مكتوبة فأعفتني من الرعب الذي يتملكني من خطأ في حرف أزيده أو أنقصه فيدخلني النار.

.. والمثل الذي ضربه الدكتور عاصم عن شعبية عبد الناصر صحيح إلى حد ما و إن كان لا ينطبق على الواقع في هذه الحالة.. فدرجة الصحوة الإسلامية تختلف كثيرا والآلة الإعلامية التضليلية الهائلة لعبد الناصر تختلف كثيرا كما تختلف الظروف كلها..

كنت أصرخ:

هل هذا هو الوقت المناسب لإثارة هذه النعرة..

إنني أحيي و أبجل و أقدر و أقدس الموقف السلفي القوي  الذي يدين سب الصحابة.. بل إن العديد من أصدقائي السلفيين نهوْني عندما قرؤوا لي ما يفيد أنني ألعن كل من سب الصحابة ( ما أشد انبهاري بالتجرد المطلق للسلفيين الحقيقيين) لأن اللعن لا يجوز إلا على كافر.. ومن رأيهم أن سب الصحابة فسوق قد يؤدي إلى الكفر لكنه ليس الكفر نفسه.. وبرغم اقتناعي برأيهم فلم ألتزم بنصيحتهم على الدوام!!..

لكن أين كان أولئك الذين يملئون الدنيا اليوم صياحا غيرة على الصحابة من سباب الشيعة لهم.. – و أنا شاهد عليهم يوم القيامة – والله سبحانه وتعالى ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم يسبان فيما عرف بأزمة الوليمة.. أين كانوا والقدر – أستغفرك اللهم – يوصف – معاذ الله – بالحماقة على لسان شاعر ساقط ومغن وضيع.. وكيف كانوا والكتاب العلمانيون يجاهرون بالكفر ويكذبون القرآن ويسبون الصحابة  فلا يجدون ردا.. هل سب الله والرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة مرفوض ومدان إذا قام به الشيعة لكنه مقبول من إذا قام به السنة!!  عشرات ومئات و ألوف.. بل إن صحافتنا وقنواتنا الفضائية أصبحت مرتعا لقطعان من الخنازير تنال من الدين كله... وليس ثمة رد فعل!! .. والكارثة أن انتشار العلمانية في السعودية يفوق انتشاره في مصر.. وأنه مؤيد من السلطة.. إنه مؤيد لسببين: الأول أنه في الواقع داعم للسلطة قبل أن يكون مدعوما منها.. والثاني أنهم ككلاب الصيد يوكل إليهم مطاردة المجاهدين الذين يمثلون تهديدا لنظم حكم توالي الكفار..

  لم تستطع الفتوى الغشوم أن تبعد السؤال: إن كانوا ينكصون عن نصرة حزب الله لأنه شيعي.. فلماذا لم يبادروا بنصرة سيد أهل السلف في زماننا الشيخ أسامة بن لادن رضي الله عنه ولماذا لم يناصروا أهل السنة في حماس ضد اليهود  وفي العراق ضد الشيعة ( الكفار بفتواهم ) والأمريكان ( الذين لا يجرؤ فقيه سفيه منهم على تكفيرهم!!).. ثم ما العلاقة بين الحكم الفقهي للمراجع السلفية وبين أجهزة الأمن التي كانت تكافئ خطيب المسجد الذي يكفر الشيعة بألف جنيه مقابل الخطبة!!..

هل لو كان حزب الله مواليا لأمريكا "كالشاة".. كنا سنصدر ضده هذه الفتوى..

بل هذه الفتوى الصريحة بالتكفير التي يطلقها البعض منا بسهولة ضد الشيعة.. هل يمكن أن يصدر فتوى مثلها ضد الأمريكيين والإسرائيليين؟!..

هل يمكنهم ذلك؟!..

وهل الشيعة كما يقولون فعلا..

عجبت لقوم تعرضوا ظلما وعدوانا وكذبا وبهتانا  للتشويه طول عمرهم بسبب الادعاء بالباطل عليهم.. كما تعرضوا لتلفيق التهم.. وللهجوم الكاسح  من وسائل الإعلام.. عجبت لهم عندما يفعلون في الآخرين ما يفعل فيهم..

حسبت أن إحساسهم بالظلم سيمنعهم من  أن يكونوا ظالمين.. و أن يكرروا الظلم بالكذب والباطل والبهتان..

لكنهم ظلموا الشيعة كما ظُلِموا..

ذلك أن حال الشيعة الآن  كحال السنة قبل الصحوة السلفية التي تزعمها الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب للقضاء على البدع والعودة للأصول.. و أنهم في حاجة إلى إمام مثله يعيد الاستقامة إلى صراطهم.

وكنت أراقب علماء المباحث ( مباحث الأمن لا مباحث العلم).. مذهولا.. كنت أراقبهم وهم يتهمون الشيعة جميعا بأنهم رافضة( وهذا كذب) ثم وهم يقتصرون على معنى واحد للرافضة( وهذا كذب لأنه توجد تفسيرات عديدة).. وعلى أي حال: هل كان هذا هو الوقت المناسب واليهود أعداء الله يصلون إخوتنا في لبنان نيرانا حامية وليس لهم سوى الله من مغيث ولا ناصر. كنت أرقبهم والواحد منهم يتصرف بطريقة جعلتني أظن أنه لو أعاد الله الخلفاء الراشدين إلى الحياة لخطأهم القوم وحاولوا أن يشرحوا لهم أركان الإسلام وأسسه..!!

كنت أصرخ بالسؤال: هل هذا هو الوقت المناسب؟.. وهل هذه القضية التي يطرحونها: وهي تكفير الشيعة هي محل إجماع من علماء المسلمين؟.. أو على الأقل هل الأغلبية من علماء المسلمين تحكم بكفر الشيعة؟..

ثم.. أي شيعة يقصدون؟.. وفي أي مكان وفي أي زمان؟.. إن المراجع العلمية تتحدث عن أكثر من ثلاثمائة شعبة أحسب أن علماء الشيعة لا عامتهم  لا يحيطون بها أبدا،  اسأل أيها القارئ من حولك الآن عن العام الهجري الذي نحن فيه، أو عن الشهر الهجري، أو اطلب منه أن يذكر الشهور الهجرية مرتبة أو اسأله أن يذكر المذاهب الأربعة بالترتيب.. لقد أجريت التجربة بنفسي وكانت نسبة من أجابوا لا تتعدى آحادا في المائة، ثم يأتي من يتحدث عن الخلافات، هل من حق أحد أن يعتبر ما يقوله شيخ الأزهر معبرا عني؟ فلماذا إذن نحمل أقوال علماء الشيعة على عامتهم؟ وهل مطلق سب الصحابة كفر؟ ( لعن الله من سبهم) .. ولكن هل ينطبق هذا على لعن الإمام الشهيد علىّ رضي الله عنه على منابر الأمويين ثمانين عاما حتى أبطلها الخليفة الراشد الخامس عمر بن العزيز ووضع مكانها آية من القرآن ما زالت تقال – بدلا عن السباب- على المنابر حتى اليوم(إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (45)العنكبوت

ثم هل كل الشيعة رافضة؟ وهل كل الرافضة يرفضون ولاية سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما؟.. ألا يفضل بعض الشيعة سيدنا أبا بكر وسيدنا عمر على سيدنا علىّ؟

سئل  شريك بن عبد الله: أيهما أفضل أبو بكر أو علي؟ فقال له: أبو بكر. فقال السائل: تقول هذا وأنت شيعي! فقال له: نعم من لم يقل هذا فليس شيعياً، الله لقد رقي هذه الأعواد عليّ، فقال: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، فكيف نرد قوله، وكيف نكذبه؟ والله ما كان كذاباً [منهاج السنة: 1/7-8 تحقيق د. محمد رشاد السالم، وانظر: عبد الجبار الهمداني/ تثبيت دلائل النبوة: 1/63.

بل إن سيدنا علىّ نفسه كان يقر بذلك ونقل إقراره لنا كتب السنة وكتب الشيعة أيضا:

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد روي عن عليّ من نحو ثمانين وجهاً أنه قال على منبر الكوفة: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، ورواه البخاري وغيره. انظر: منهاج السنة: 4/137، وقد جاء ذلك في كتب الشيعة أيضاً. انظر: تلخيص الشافي: 2/428 عن إحسان إلهي ظهير: الشيعة أهل البيت ص: 52.].

نعم.. أكرر هنا أن شيخ الإسلام ابن تيمية يقول نصا أن: الشيعة الأولى كانوا على عهد علي كانوا يفضلون أبا بكر وعمر..

وقال الليث بن أبي سليم: «أدركت الشيعة الأولى وما يفضلون على أبي بكر وعمر أحدًا..» [المنتقى (360-361)].

قال أبو إسحاق السبيعي: «خرجت من الكوفة وليس أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما، وقدمت الآن وهم يقولون ويقولون، ولا والله ما أدري ما يقولون..» [المنتقى (ص:36)].

الشيعة بين الحقيقة والزيف- الشيخ محمد بن على الوادعي- الصديق للنشر والتوزيع- صنعاء

*** 

لا أعلم  فرقة من  الشيعة سمت نفسها "الرافضة" و أما ما ورد من أحاديث عن الاسم  فقد  نبه شيخ الإسلام ابن تيمية إلى كذب لفظ الأحاديث المرفوعة التي فيها لفظ الرافضة، لأن اسم الرافضة لم يعرف إلا في القرن الثاني [منهاج السنة: 1/8.].

*** 

أظن أن تسمية "الرافضة"  تسمية  سياسية أطلقها علي الشيعة أعداؤهم. لقد كان عبد الناصر مثلا يصف الاتجاهات الإسلامية بالرجعية، لكنني لا أعرف اتجاها منها يرضى بذلك، كما أن الصليبية الصهيونية تسمي الجهاد إرهابا، ولا أعرف مجاهدين وافقوا على هذه التسمية. كما أحسب أن المسلمين عموما بدافع فطرتهم وبواقع دينهم أبعد من أن يظلموا الغريب بله القريب.. و أدعى ألا يفتروا الكذب على الكفار بله المسلمين. لقد جربت كل فئاتهم الظلم والتشويه والتشهير وعليهم ألا يظلموا وألا يمارسوا ذلك.. لا مع الأعداء ولا مع الإخوة.

الاتهام إذن – كما أظن-  اتهام سياسي  وجه إلى أعداء النظام – بغض النظر عن الصواب والخطأ-  كما وجه إلى كبار الأئمة ومنهم الإمام الشافعي الذي قال ردا على الاتهام:

إن كان رفضاً حبّ آل محمد     فليشهد الثقلان أنّي رافضي


*** 

أما عن أول من أطلق مصطلح  الرافضة فهناك رأي يقول بأن أول من أطلق اسم الرافضة المغيرة بن سعيد، عندما انقلب الشيعة عليه ورفضوه فسماهم الرافضة،  أما شيخ الإسلام ابن تيمية فيقول: " الصحيح أنهم سموا رافضة لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما خرج بالكوفة أيام هشام بن عبد الملك" [منهاج السنة: 2/130.].. ويقال أنه أبي أن يوافقهم على سب الصحابيين الجليلين رضي الله عنهما..  وهناك أقوال أخرى في سبب تسميتهم بالرافضة [فقيل: "سموا رافضة".. لتركهم نصرة النفس الزكية (ابن المرتضى المنية والأمل: ص21، وانظر هامش رقم 1 ص 111)، وقيل: لتركهم محبة الصحابة (علي القاري/ شم العوارض في ذم الروافض، الورقة 254ب (مخطوطة)، وقيل: لرفضهم دين الإسلام . 

*** 

أما عن الزعم بأن كل الشيعة رافضة ( حتى بالمفهوم المعادي)  فهو أيضا خطأ..

ليس هناك اتفاق إذن على سبب تسميتهم بالرافضة.. ولا على أن كل الشيعة رافضة.

أما من يتهم الجعفرية – أو الإثناعشرية – الذين ينتمون إلى الإمام جعفر الصادق فإن الإمام  نفسه لا يعترف بغالبيتهم  فيقول لأتباعه من الشيعة: "إن أصحاب جعفر منكم لقليل، إنما أصحاب جعفر من اشتد ورعه وعمل لخالقه" 

أي شيعة يقصدون إذن و أي رافضة؟.. 

أيقصدون "السبئية" أم "  الكيسانية " "المختارية" أم  "الزيدية" أم "الخشبية" أم " الإسماعيلية" أم  "الدروز" أم  " النصيرية" أم "المفضِّلة" أم  "المؤلهة" أم  "الكيسانية" أم "الناووسية" أم " الفطحية" أم  "الواقفية"  "القزلباش"  أم "الخاصة" ( مقابل العامة وهم في رأيهم أهل السنة والجماعة) أم " الأصولية- الشيعية-"  أم  "الإخبارية" أم  "الشيخية " أم " الأحمدية" أم "الكشفية" أم "الكريمخانية"  أم "القرتية أم " الكوهرية" أم " النوربخشية"  أم .. أم.. أم.. أم..  واذكر ثلاثمائة شعبة !!..

لن تجد في الفتاوى الموسادية أو الأمريكية إجابة عن كل هذه الأسئلة..

*** 

وقف علماء السلف في معظم أنحاء العالم الإسلامي ضد فتاوى الموساد والسي آي إيه التي صدرت باسم السلف. وانتفض العلماء عامة ضد الفتوى المسمومة المغموسة في دماء المسلمين.

لقد أبلغ الشيخ سلمان العودة وكالة الصحافة الفرنسية أن "فتوى بن جبرين هي فتوى قديمة صدرت قبل سنوات عديدة ولا تتعلق بالأوضاع الحالية". 

وصرح نجل الشيخ بن جبرين بنفس الأمر.. 

لم يكن الأمر أبدا محل إجماع حتى في السعودية نفسها ولقد أكد الدكتور الشريف حاتم العوني ـ وهو عضو في مجلس الشورى السعودي ، وأستاذ السنة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة أن أغلب علماء السعودية ليسوا مع الشيخ ابن جبرين.. 

وحول الرأي القائل بتكفير أفراد الشيعة ، والفتاوى الصادرة "سعوديا" في هذا الصدد، قال الشيخ العوني إن هذا رأي خاطئ، لأن تكفير أهل الشهادتين لا يكون إلا بعد العلم أنهم غير معذورين بالجهل والتشبه والتأويل، وهذا العلم متعذر في أكثر الشيعة.

واستنكر العوني من يقول إن تكفير الشيعة بعموم هو قول علماء السعودية، بل إن الكثير ـ إن لم يكن الأكثر ـ على خلاف ذلك، ولا يرون تكفير عامة الشيعة على التعيين .(المصدر: الإسلام اليوم .)

*** 

هذا إذن رأي عدو عاقل  للشيعة يعترف بأن معظم علماء السلف لا يكفرون الشيعة بالتعيين فلماذا تشنج البعض وهو يطلق أحكاما مطلقة لا يجوز أن يطلقها بشر وكأنهم يقسمون رحمة ربهم وكأنما ميزان العدل الإلهي وميزان الحساب يوم القيامة بين أيديهم حتى لقد صحت في وجه أحدهم: أنت لست الله!! ( استغفرك اللهم) وذكرته بقول أبي الأعلى المودودي عن أولئك الذين لا يعبدون الله بل يعبدون صورتهم في المرآة.

*** 

لقد استنكر العلامة الدكتور يوسف القرضاوي الدعوات لإثارة النعرات الطائفية  وأكد على أن "المقاومة" أشرف ما في الأمة، سواء في فلسطين أو لبنان، ولا يضير المقاومة اللبنانية أنها من الشيعة، فهم جزء من الأمة الإسلامية؛ لأنهم من أهل لا إله إلا الله، ويتفقون معنا في كثير من الأصول، وإن خالفونا في بعض الفروع".

واستدرك القرضاوي قائلا: "وإن كان من كلمة حق يجب أن نقولها، فإننا ننكر على شيعة العراق تعصبهم، وندعوهم إلى نبذ هذا العنف ضد أشقائهم المسلمين السنة، وأن يقفوا ضد المجازر التي تدار، ولا يستفيد منها سوى قوى الاحتلال الأمريكي والكيان الصهيوني".

و أضاف الدكتور يوسف القرضاوي:

ومن دخل في الإسلام بيقين: لا يخرج منه إلا بيقين، لأن اليقين لا يزال بالشك،  وأن أصحاب المذاهب المعروفة في العالم الإسلامي، التي تتبعها جماهير من المسلمين، كلهم داخلون في مفهوم الإسلام ، سواء كانت هذه المذاهب فقهية، تعنى بالأحكام العملية عند المذاهب السنية الأربعة المعروفة، ومعها المذهب الظاهري، أم كانت مذاهب عقدية، تعنى بأصول الدين، أي بالجانب العقائدي منه، مثل المذهب الأشعري، أو المذهب الماتريدي، أم كانت تجمع بين الجانب العقدي والجانب العملي شأن المذهب الجعفري، والمذهب الزيدي والمذهب الإباضي. فهذه المذاهب كلها تؤمن بأركان الإيمان التي جاء بها القرآن (الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر) والإيمان بالقدر الذي جاءت به السنة داخلٌ ضمن الإيمان بالله تعالى.

ثم يرسي الدكتور يوسف القرضاوي الأسس التي يجب علينا اتباعها إذ نتناول مذهبا مخالفا ومن أهمها - بتلخيص شديد لحديث العلامة- :

أولا : معرفة الآخر من مصادره 

ونعني بـ(حسن الفهم) حسن التعرف على حقيقة موقف الطرف الآخر، وذلك بأخذ هذا الموقف من مصادره الموثقة، أو من العلماء الثقات المعروفين، لا من أفواه العامة، ولا من الشائعات، ولا من واقع الناس؛ فكثيرا ما يكون الواقع غير موافق للشرع.

ومن المهم أن نفرق بين الأصول والفروع، وبين الفرائض والنوافل، وبين المتفق عليه والمختلف فيه، وبين الشائعات والحقائق، وبين ما يلزم به الفقه وما يعمله الناس من عند أنفسهم.

خذ مثلا قضية (تحريف القرآن)؛ فهناك من علماء الشيعة من قالوا: إن القرآن الكريم محرف؛ بمعنى أنه ناقص، وليس كاملا، وألفوا في ذلك كتبا، واستدلوا على ذلك ببعض الروايات التي تسند رأيهم من (الكافي) ومن غيره من كتبهم المعتبرة عندهم.

ولكن هذا الرأي ليس متفقا عليه؛ فهناك من علمائهم من رد عليه، وفند شبهاته، وهذا هو الذي يجب أن نعتمده، ولا نعتمد الرأي الآخر.

وخذ مثلا قضية حرص الشيعة في صلاتهم على السجود على حصاة؛ فالشائع عندنا –أهل السنة- أن الدافع إلى ذلك هو تقديس الشيعة لهذه الحصاة؛ لأنها من طينة كربلاء التي قتل فيها الحسين، أو دفن فيها رضي الله عنه. وقد كنت أنا شخصيا أعتقد ذلك في أول الأمر، حتى زارنا في الدوحة في الستينيات من القرن العشرين الإمام موسى الصدر الزعيم الشيعي المعروف في لبنان، ورئيس المجلس الشيعي الأعلى بها، وقد تباحثنا في بعض الأمور، ومنها هذه الحصاة، فعلمت منه أن الشيعة الجعفرية يشترطون أن يكون السجود على جنس الأرض، فلا يجيزون السجود على السجاد أو الموكيت، أو الثياب أو نحوها.

ونظرا لأن أكثر المساجد أصبحت مفروشة بما لا يجوز السجود عليه في مذهبهم؛ فقد حاولوا أن يوفروا لكل مصل حصاة من جنس الأرض يصلي عليها، وليس من الضروري أن تكون من طينة كربلاء، ولا من غيرها. وقد عرفت ذلك بالقراءة والدراسة في كتب الجعفرية، وعندي عدد منها، من (المختصر النافع) إلى (جواهر الكلام).

وهذا المبدأ -حسن الفهم- كما أطالب به أهل السنة في موقفهم من الشيعة.. أطالب به -من غير شك- الشيعة في موقفهم من السنة، وضرورة تفرقتهم بين الأصول والفروع، وبين الفرائض الأساسية والنوافل الهامشية، وبين المتفق عليه بين أهل السنة والمختلف فيه بينهم -وما أكثره!- وبين الشائع عند العوام والحقيقة عند أهل العلم الثقات، وبين عمل الناس وما يوجبه الشرع.

ثانيا : حسن الظن بالآخر

ثالثا :التعاون في المتفق عليه

من هذه النقاط:

أ ـ الاتفاق على الإيمان بالله تعالى، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه خاتم النبيين، وأنه جاء ليتمم رسالات السماء جميعا، والإيمان بكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الإيمان بجميع كتب الله، وجميع رسل الله، كما قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة: 285]، فهذه قواعد الإيمان الأساسية نتفق جميعا على الإيمان بها، وهي أسس الدين وركائزه.

ب ـ الاتفاق على الإيمان بالقرآن الكريم، وأنه كتاب الله المبين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)[هود: 1] وأنه محفوظ من التحريف والتبديل بضمانة الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9]. وأنه لا يخالف مسلم –سني أو شيعي – في أن ما بين الدفتين كلام الله.

جـ ـ ومن نقاط الاتفاق: الالتزام بأركان الإسلام العملية: من الشهادتين، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت .

رابعا : التحاور في المختلف فيه

خامسا: تجنب الاستفزاز

ومن ذلك: ترك الألقاب التي لا يحبها أحد الفريقين: كتسمية الشيعة – بـ(الرافضة) وأهل السنة بـ (الناصبة). وهذه هي النقطة الحساسة، بل الشديدة الحساسية بيننا وبين إخواننا من الشيعة، فليس يمكن أن نتفاهم ونتقارب فيما بيننا، وأنا أقول: أبو بكر رضي الله عنه، وأنت تقول: أبو بكر لعنه الله!! فكم من الفرق البعيد بين الترضي عن شخص وقذفه باللعنة؟!

سادسا: المصارحة بالحكمة

ليس من الحكمة أن نخفي كل شيء، أو نسكت عنه، أو نؤجله وندعه معلقا دون أن نجرؤ على إثارته أو الكلام فيه؛ فهذا لا يحل مشكلة، ولا يقدم علاجا، أو يقرب بين الفريقين خطوة واحدة.

سابعا : البعد عن شطط الغلاة

وأقل مظاهر الاتحاد: الجانب السلبي منه، وهو طرح العداوة، وترك الجفوة؛ فلا يعادي بعض الأمة بعضا، ولا يجافي بعضها بعضا، ناهيك من أن يكيد بعضها لبعض، أو يقاتل بعضها بعضا.

ومن أبرز مظاهر الغلو الذي يجب أن يُجتنب: السقوط في هاوية (التكفير). وهو أمر خطير، تترتب عليه آثار هائلة؛ لأن مقتضى الحكم بالكفر على إنسان: أنك حكمت عليه بالإعدام المادي والأدبي: أي أهدرت دمه، وأخرجته من الملة، وحرمته من ولاء الأمة والأسرة، حتى لو لم يقم عليه حد الردة؛ فهو ميت أدبيا ومعنويا.

ثامنا : الحذر من الدسائس. 

تاسعا: ضرورة التلاحم في وقت الشدة: 

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات: 10].

*** 

و إذ نذكر للعلامة الدكتور يوسف القرضاوي ذلك فإننا نذكر أيضا رأيا قاله في محفل آخر.. وهو رغم اختلاف تفاصيله  لا يتناقض مع رأيه الأول:

لقد حذر العلامة من المد الشيعي في مصر، منبهاً إلي أن الشيعة يحاولون اختراق مصر علي أساس أنها تحب آل البيت وبها مقام الحسين والسيدة زينب، ولكن هذا شيء وهذا شيء آخر. وأكد أنهم أخذوا من التصوف قنطرة للتشيع والآن اخترقوا مصر في السنوات الأخيرة. وتابع: «أدعو إلي التقريب بين المذاهب وأؤيد حزب الله في مقاومته، ولكن لا أقبل أن يخترقوا بلادنا»، محذراً من «وقوع مذابح مثل التي تحدث في العراق بين السُنة والشيعة، فإذا حدث اختراق شيعي لمصر فيجب أن نكون علي يقظة». وقال: «حسن نصر الله لا يختلف عن الشيعة المتعصبين، فهو متمسك بشيعته ومبادئه ويقول: يا «علي» ولا يمكن أن ننكر هذا ولكنه أفضل من غيره من القاعدين والمتخاذلين». وذكر القرضاوي لقاءه كبار المسؤولين في إيران، مشيراً إلي أنه طلب منهم ضرورة الكف عن الكلام بأن القرآن ناقص فأغلبهم يؤمنون بأن القرآن كلام الله ولكن يقولون هذا ليس القرآن كله وقالوا إن مصحف فاطمة كان ضعف هذا المصحف. وطالبتهم بالتوقف عن سب الصحابة، فهم يتقربون إلي الله بسبهم ولعنهم وأنه لا ينبغي أن يبشر أحدنا بمذهبه في البلاد الخالصة في المذهب الآخر، وأن التقارب ليس معناه أن يتحول السُني إلي شيعي ولكن نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه. ودعا القرضاوي إلي وقوف السُنة والشيعة، في جبهة واحدة ضد عدوهم المشترك قائلاً: «موقفنا بأننا لا نسمح باختراق المذهب الشيعي لنا ولكن المواجهة للقوي الاستعمارية شيء آخر».. المصري اليوم 2-9.

ولقد علق الدكتور محمد سليم العوا على كلمة الشيخ القرضاوي  في بيان أصدره بوصفه الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فنفى ما نشر عن القرضاوي من انتقادات للشيعة أو السيد حسن نصر الله زعيم جماعة حزب الله اللبنانية، وقال العوا أن تصريحات القرضاوي فيما يخص التعصب الشيعي كانت "سبق لسان" مضيفا قوله : وإذا كان لفظ التعصب قد جرى على لسان فضيلته في هذا السياق فإن حقيقة المقصود به هو التمسك بالمذهب وبالآراء التي يعبر عنها أو يتبناها علماء الشيعة الإمامية، وهو أمر محمود لا عيب فيه ولا مأخذ عليه، ولم يكن ذكر التعصب إلا سبق لسان مقصوداً به معنى التمسك المحمود بالمبدأ جملة وتفصيلاً ، وبخصوص اتهامات القرضاوي للشيعة بالعمل على اختراق المجتمعات السنية قال العوا : وما ذكره فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي عن رفضه لمحاولات بعض الشيعة التأثير على أفراد من أهل السنة لتحويلهم إلى المذهب الشيعي كان المقصود به تلك المحاولات الفردية غير المسؤولة التي تبث الفرقة والفتنة بين أبناء الدين الواحد في الأقطار التي غالبيتها من أهل السنة بالدعوة إلى التشيع، أو في الأقطار التي غالبيتها من الشيعة بالدعوة إلى الانتقال إلى مذاهب أهل السنة ، واختتم العوا بيانه بالتحذير من فتنة الشقاق بين السنة والشيعة مضيفا قوله : إن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يضم العلماء من المذاهب جميعاً، ولرئيسه نواب ثلاثة من الشيعة والسنة، والإباضية، يؤكد على موقفه الثابت من ضرورة وأد أي فتنة بين المسلمين في مهدها، ومن ضرورة التقريب بين أهل المذاهب الإسلامية وعلمائها وأتباعها، ومن ضرورة التعاون بين المسلمين كافة فيما اتفقوا عليه وأن يعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه. المصريون ـ خاص : بتاريخ 4 - 9 - 2006 


وفي نفس اليوم  وعلى قناة دريم الفضائبة.. صرح العلامة الدكتور يوسف القرضاوي  بتصريح خطير جدا..

لقد قال أن الزعيم الإيراني الراحل " آية الله الخميني" قد صرخ في وجه من لعن سيدنا أبا بكر أمامه:

- هذا كفر..

والحقيقة أن السطر الأخير وحده يهدم نصف الخلاف بين السنة وبين الشيعة..

***   

لقد  قرأت هذا المعنى منذ منتصف الثمانينات، لكنني لم أكن أنوي إيراده في سلة الحجج لأن مصادره المباشرة لم تتيسر لي بعد كل هذا الزمن.. ولم أكن مستعدا للاعتماد على الذاكرة في أمر خطير كهذا.. بل إنني أعترف أن طوفان الباطل والادعاء والتشهير قد اكتسح ما أعلمه.. حتى ظننت بذاكرتي الظنون.. وكيف لا.. وهذا الطوفان من أكاذيب الرويبضات يهاجمني.. من ادعاءات لم تتوقف أبدا و أحاديث إفك لا تثبت.

***   

  نقول هذا مؤكدين أننا لا ننفي الانحراف أو الاختلاف بل ننفي الكفر عن الغالبية.. وننبه إلى العملاء المتربصين لإشعال النار دائما.. و إذ أوردت ما قاله الشيخ القرضاوي فإننا نذكر أيضا ما قاله  إمام الجامع الأزهر من أن  ما حققه نصر الله يعادل غزوة بدر:

  للمرة الأولي منذ بداية الحرب الإسرائيلية علي لبنان يصدر عن أحد أئمة الأزهر تأييد للمعارك التي قام بها حزب الله ضد القوات الإسرائيلية، حيث وصف الشيخ صلاح نصار إمام الجامع الأزهر انتصار حزب الله علي إسرائيل بأنه بمثابة غزوة بدر الثانية، حيث استطاعت الفئة القليلة من المؤمنين تلقين العدو الإسرائيلي درسا لن ينسوه. 

  وحذر نصار من الدعاوى التي تصدر بين الحين والآخر والتي تهدف إلي التفرقة بين السنة والشيعة موضحا أنها خلافات في الفروع وليست في جوهر الدين، ودعا المسلمين إلي توحيد صفوفهم وشحذ الهمم العربية والإسلامية من أجل استرداد كل المناطق العربية والإسلامية المحتلة. 

أشاد خطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة في المملكة العربية السعودية، بالمقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان، واصفا إياها بأنها دليل على ابتعاد الأمة عن "ثقافة الهزيمة"، وأنها تتحرك في اتجاه مزيد من الاحترام للنفس. 

وقال الشيخ صالح بن حميد في خطبة الجمعة يوم (1/9): "نحن بإذن الله في إرهاصات فجر جديد يزرع في الأمة الثقة بنفسها بعد ربها، وتعتمد على وحدتها وأبنائها وسياستها الحكيمة لا على المنظمات الدولية والقرارات الدولية فحسب. فجر جديد تؤكد فيه أمة العرب والمسلمين للعالم احترامها واحترام دينها وأمنها ودمائها وحفظ حقوقها وعدالة قضيتها". 

 نافذة مصر 2-9

***   

في نفس السياق  انتقد المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر محمد مهدي عاكف الفتاوى السعودية ضمنيا في بيان خاص، أكد فيه أن بعض الجهات تحاول إحياء الانقسامات الطائفية القديمة.

وقد أكد الشيخ محمد الغزالي أنه لا فرق بين الشيعة والسنة في الأصول، وإنما هو اختلاف في فروع الفقه كالاختلاف بين المذاهب الأربعة. ومن مقولاته الشهيرة أن: المصحف واحد يطبع في القاهرة فيقدسه الشيعة في النجف أو في طهران ويتداولون نسخه بين أيديهم وفي بيوتهم دون أن يخطر ببالهم شيء البتة، إلا توقير الكتاب ومنزّله - جل شأنه - ومبلِّغه (ص).ويقول في رده على من يتهم الشيعة بأن لهم قرآنا غير هذا القرآن: لماذا لم يطلع الإنس والجن على نسخة من هذا القرآن خلال هذا الزمن الطويل؟!! ولماذا هذا الافتراء؟!! ويقول: { إنّ الشيعة يؤمنون برسالة محمد ويرون شرف علي في انتمائه إلى هذا الرسول وفي استمساكه بسنته ، وهم كسائر المسلمين لا يرون بشراً في الأولين ولا في الآخرين أعظم من الصادق الأمين ... فكيف ينسب لهم هذا الهذر ويقول: والحق أن هناك أناسا يشتغلون بالدعوة الإسلامية، وفي قلوبهم غل على العباد، ورغبة في تكفيرهم أو إشاعة السوء عنهم، غلٌّ لا يكون إلا في قلوب الجبابرة والسفّاحين.. وإن زعموا بألسنتهم أنهم أصحاب دين.

[ في حواري مع صديقي الدكتور عاصم نبوي رد على هذه النقطة بقوله: ( الحقيقة يادكتور محمد أنهم هم الذين يدعون إن عندهم قرآنا مختلفا .. وعليه فيجب عليم الدفاع لا أن ندافع نحن عنهم !!! عاصم).. ولم أملك إلا أن أقول له أنه لا يفند حجتي.. بل يفند حجة الشيخ الغزالي.. و أن لي الحق مع كل الاحترام أن أرى أن الشيخ محمد الغزالي أولى بالاتباع.ٍ. ثم أننا نتبع أقول جمهور الشيعة  ويتبع هو قول آحادهم]

كما أعلن الشيخ الغزالي في كتابه: ( كيف نفهم الإسلام ص 116 الطبعة الثالثة سنة 1983م دار التوفيق النموذجية) (عن سروره بقيام إدارة الثقافة بوزارة الأوقاف المصرية بطبع كتاب المختصر النافع وهو كتاب فقهي يضم أحكام العبادات على مذهب الشيعة الإمامية). ويقول الغزالي في كتاب (ظلام من الغرب ص196 الطبعة الأولى 1956 دار الكتاب العربي بمصر) ما نصه: " إن كثيرا من أهل العلم في الأزهر الشريف تكونت لديهم صورة عن الشيعة نسجتها الإشاعات والفروض المدخولة، ويقول في (كيف نفهم الإسلام ص118): "ولقد رأيت ان أقوم بعمل إيجابي حاسم سداً لهذه الفجوة التي صنعتها الأوهام بل إنهاء لهذه الفجوة التي خلقتها الأهواء فرأيت أن تتولى وزارة الأوقاف ضم المذهب الفقهي للشيعة الإمامية إلى فقه المذاهب الأربعة المدروسة في مصر وستتولى إدارة الثقافة تقديم أبواب العبادات والمعاملات في هذا الفقه الإسلامي للمجتهدين من إخواننا الشيعة وسيرى أولوا الألباب عند مطالعة هذه الجهود العلمية أن الشبه قريب بين ما ألفنا من قراءات فقهية وبين ما باعدتنا عنه الأحداث السيئة".

يعلق الأستاذ الدكتور عاصم نبوي مؤلف الكتاب الرائع المروع : "خواطر في وجوب مقاطعة بضائع الأعداء" (وهو أستاذ في كلية الهندسة جامعة المنوفية، حصل على درجته العلمية من الجامعات الإنكليزية، يجيد العربيّة الفصحى بقواعدها، محيط بالعلوم الشرعية والقرآن الكريم والحديث الشريف، ولديه إجازات شرعية في ذلك،  ويجيد الإنكليزية إجادته للعربيّة).. يعلق الدكتور عاصم  قائلا: (وما رأيك ياشيخنا في التقية ونكاح المتعة واستعارة الفروج ولعن الصحابة وتكفيرهم ورد الأحاديث الصحيحة والطعن في البخاري ومسلم إلى آخر القائمة؟؟؟)

والحقيقة أنني حريص على إيراد الرأي المضاد حتى لو لم أقتنع به أحيانا.. 

والحقيقة أيضا أنني أشعر ببعض الدهشة لأن بعض أغزر أصدقائي علما.. و أحسبهم- ولا أزكيهم على الله - من أكثرهم ورعا يتخلون عن جزء كبير من منهجهم العلمي عند تناول قضية الشيعة والسنة .. من ذلك ما سبق.. ومنه ما أمدني به أخي في الله الدكتور هاني السباعي من مرجع مستدلا بالمرجع على كفر الشيعة.. وفي السطور الأولي من الكتاب كان أول دليل لمؤلفه على كفر الشيعة هو أنهم يؤلهون سيدنا على رضي الله عنه. 

لم يذكر لنا مؤلف الكتاب – المنصف!!- أن فئة السبئية هي التي ادعت ذلك ذات يوم..

ولا ذكر لنا المؤلف المنصف أن هذه الفئة انقرضت منذ عشرات القرون ولم يعد لها وجود على الإطلاق..

وفي ذلك خيانة للمنهج العلمي.. وخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين.. وفيه أيضا تدليس على القراء بالكذب..

ولكن الأمر رغم فداحته لا يقتصر على ذلك..

لأن المؤلف المنصف.. المدافع بالباطل عن الحق فلن يقبل منه إن شاء الله.. نسي أن يخبرنا بأن الشيعة يحكمون على السبئية بالكفر!!

ولم أجد بي حاجة إلى إكمال كتاب هذا هو سطره الأول.

*** 

 يقول الشيخ محمد أبو زهرة – وهو من هو-  في كتابه (( الإمام الصادق )) : { السنّة المتواترة حجة عندهم بلا خلاف في حجيتها ، والتواتر عندهم يوجب العلم القطعي  ويقول: (لا شك أن الشيعة فرقة إسلامية… ولا شك أنها في كل ما تقول تتعلق بنصوص قرآنية أو أحاديث منسوبة إلى النبي) (وهم يتوددون إلى من يجاورونهم من السنيين ولا ينافرونهم) . [يعلق الدكتور عاصم: (وما رأيك فيما يحدث في الأحواز لأهل السنة، وكذا في احتلال الجزر العربية الثلاث في الخليج "الفارسي") .. و أرد عليه: فما رأيك فيما يحدث في لاظوغلي وسجون السعودية وسورية والأردن وتونس والمغرب.. بل ما رأيك في المذابح التي حدثت في فترات متفاوتة من دولة الخلافة الناقصة.. فهذه كلها – إن صحت- فروع فروع.]..

فلنواصل حديث الشيخ محمد أبو زهرة: (وإذا رجعنا إلى كتّاب الأصول عند إخواننا الإثني عشرية، نجدهم يعتمدون على الكتاب والسنة) (وإذا كان إخواننا الإثنا عشرية يرون أمر الإمامة عقيدة، ويرتبونها ترتيباً تاريخياً بالصورة التي ذكروها، فهم معنا في اصل التوحيد والرسالة المحمدية).

(وأخيراً نقولها كلمة صادقة، إذ لم يبق من خلاف بيننا وبين إخواننا الإثني عشرية، إلا ذلك الخلاف النظري الذي ليس له موضع من العمل، وهو أقرب إلى أن يكون خلافاً في وقائع التاريخ).  

*** 

يقول الدكتور احمد عمر هاشم (هذا عالم سلطة لا يعتد بفتاواه، وهكذا بعض نفر غير قليلين ممن تذكر بعد الآن .. د عاصم)  رئيس جامعة الأزهر الأسبق: تطالب بعض الفتاوى الظالمة من الذين يفتون للعدو لاستمرار عدوانه، وليبرروا للمعتدين قتل المدنيين من النساء والصغار ومن الشيوخ والكبار ومن هدم المنازل والملا جيء ودك المنشآت والضرب العشوائي وهي فتاوى تحمل بين طياتها دلائل كذبها وجهلها فلا يحل الإسلام ولا أية شريعة من الشرائع السماوية العدوان علي المدنيين ولا ضرب المنشآت ولا الأطفال ولا النساء ولا كبار السن فكيف استباح المعتدون ومن وراءهم ومن أفتوهم حرمات النفس والمال والعرض.

ويقول الدكتور رجب أبو مليح المفتي  أن الاتهامات الموجهة للشيعة وحزب الله إنما هي بمثابة ورقة التوت التي يستر كثير من الناس بها عورته بعد أن فضحته الأحداث وتركته عاريا لا يستطيع أن يستتر بشيء فإن كانت هذه الشبهات تصدق على حزب الله فماذا قدم هؤلاء الناس لحكومة حماس في فلسطين ؟؟ وهم ليسوا شيعة ولم يتهمهم أحد بالتشيع أو الرفض !! 

(وأين الخمسين مليون دولار التي وعدت بها إيران حكومة حماس على الملأ؟؟؟ عاصم) .. لا تعليق.. فنحن نتكلم في قضية إيمان وكفر وهذا الطرح خارج القضية تماما.. و إلا: فأين كل السنة.. لا كمجرد دول بل كأفراد أيضا!! م ع 

ويقول فضيلة الشيخ المستشار فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء:  اتفق جمهور العلماء في الماضي والحاضر على اعتبار الشيعة الإثنى عشرية مسلمين ومن أهل القبلة، لأنّهم يشهدون أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويصومون رمضان ويحجّون البيت، رغم أنّهم يخالفون أهل السنّة والجماعة في بعض فروع العقيدة، وكثير من فروع الفقه.  و بناءً على ذلك وجدنا أنّ الشيعة الاثنى عشرية خاصّة كانوا على مدار التاريخ يسمح لهم بالحج إلى بيت الله الحرام باعتبار أنّهم مسلمون، ولم ينكر ذلك أحد من العلماء، كما يدخلون مساجد أهل السنّة والجماعة، ويدخل أهل السنّة مساجدهم باستثناء حالات نادرة يغلب فيها التشنّج والمغالاة (ليس في طهران مسجد واحد لأهل السنة .. دعاصم). ورغم أنّ سبّ الصحابة قد يؤدّي إلى الكفر إذا كان فاعله يقصد تكذيب القرآن (وهذه هي حجّة من يرى تكفير من سبّ الصحابة)، إلاّ أنّ الذين يقعون في هذه الكبيرة يؤوّلونها عادة حتّى لا يقعوا في تكذيب القرآن، وإن كان تأويلهم غير مقبول في العقول، ولكن وجود هذا التأويل يجعلنا نحجم عن التكفير ونكل أمرهم إلى الله.  القول أنّهم أخطر على المسلمين من اليهود، مبالغة خاطئة لا يجوز أن يقولها مسلم، فخطر اليهود على الإسلام والمسلمين خطر مطلق يشمل العقيدة أساساً وفروعاً، ويشمل الشريعة كلّها، ويمتدّ ليشمل الأرض والعرض والثروات والأوطان. ولا يمكن أن يكون خطر الشيعة – وهم مسلمون إجمالاً – على السنّة إلاّ نتيجة تكبير الاختلاف في بعض الجزئيّات، وتناسي التوافق في الأمور الأخرى، وهو أكبر بما لا يقاس. أمّا أنّهم سيتفرّغون لأهل السنّة، فهو كلام خطير جداً بحق السنّة والشيعة، إنّهم اليوم يواجهون اليهود فعلاً بكلّ قواهم. والمفروض أنّ هذا الأمر يستثير مشاعر الوحدة بيننا وبينهم ضدّ العدوّ المشترك، فهل يعقل أن نستثير نحن مشاعر العداوة بناءً على أمر أقصى ما فيه أنّه محتمل، ونعطّل مشاعر الوحدة التي يأمر بها الله تعالى، ويفرضها أمر قائم وهو العدوّ اليهودي؟ .

*** 

فتوى الشيخ شلتوت مشهورة ويؤيده فيها الدكتور محمد محمد الفحّام شيخ الأزهر والداعية الكبير الشيخ محمد الغزالي و عبد الرحمن النجار (مدير المساجد بالقاهرة): والدكتور مصطفى الرافعي و محمد رشيد رضا (المحدّث السلفي) الذي قال: (وقد صرحوا - أهل السنة - بصحة إيمان الشيعة، لأن الخلاف معهم في مسائل لا يتعلق بها كفر ولا إيمان، فالشيعي مسلم له أن يتزوج بأي مسلمة. وإذا نظرنا إلى ما أصاب المسلمين من التأخير والضعف بسبب العداوة المذهبية، وأننا في أشد الحاجة إلى التآلف والتعاطف والاتحاد يتبين لنا أن مصاهرة المخالف في المذهب ضرورية) .

كما قال الإمام الشهيد  حسن البنا (زعيم الإخوان المسلمين في العالم): (اعلموا أن أهل السنة والشيعة مسلمون، تجمعهم كلمة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهذا أصل العقيدة، والسنة والشيعة فيه سواء وعليه التقاؤهم، أما الخلاف بينهما فهو في أمور من الممكن التقريب فيها بينهما) .

في نفس السياق يكتب كل من الأستاذ أحمد بك المصري (أستاذ شلتوت وأبي زهرة) والشيخ  أحمد الباقوري (شيخ الجامع الأزهر ووزير أوقاف مصر) و طه جابر العلواني:(أستاذ الفقه والأصول في جامعة الإمام محمد بن سعود) الدكتور علي سامي النشار و الدكتور بدران أبو العينين والدكتور  أحمد الحصري  (أستاذ مساعد للفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر) والدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر السابق  و الأستاذ عبد الرحمن بدوي الدكتور علي عبد الواحد وافي الدكتور حامد حفني داود : (أستاذ الأدب العربي بكلية الألسن بالقاهرة والمشرف على الدراسات الإسلامية بجامعة عليكرة الهند) و الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي والدكتورة سميرة الليثي والحاجة زينب الغزالي و فكري أبو النصر (من علماء الأزهر الشريف) و محمد الزحيلي (أستاذ بكلية الشريعة جامعة دمشق و الشيخ عفيف عبد الفتاح طبّارة في كتابه روح الصلاة في الإسلام، والشيخ سليم البشري المالكي شيخ الجامع الأزهر و الشيخ عبد المجيد سليم رئيس لجنة الفتوى بالأزهر ومحمد سعيد رمضان البوطي بل ويقول العالم الأزهري خالد محمد خالد: (أما الشيعة بالذات فلهم في نفسي تقدير خاص، ولا يمكن أن ننسى من أعلامهم، أولئك الذين بذلوا جهداً سخياً وداعياً في سبيل تحرير الفقه الإسلامي من أغلاله، وتنقيته من رواسب والشوائب). كمال يقول الدكتور مصطفى السباعي: (فأعود فأكرر دعوتي للمخلصين من علماء الشيعة - وفيهم الواعون الراغبون في جمع كلمة المسلمين - أن نواجه المشاكل التي يعانيها العالم الإسلامي اليوم في انتشار الدعوات الهدامة، التي تجتث جذور العقيدة من قلوب شباب السنة وشباب الشيعة على السواء). (يجب أن تنصب جهود المخلصين من أهل السنة والشيعة، إلى جمع الشتات وتوحيد الكلمة، إزاء الأخطار المحدقة بالعالم الإسلامي وبالعقيدة الإسلامية من أساسها) .

ويقول الدكتور صابر طعيمة: (ومن الحق أن يقال: أنه ليس بين الشيعة والسنة من خلاف في الأصول العامة، فهم جميعاً على التوحيد، وإنما الخلاف في الفروع، وهو خلاف يشبه ما بين مذاهب السنة نفسها (الشافعية والحنفية…) فهم يدينون بأصول الدين كما وردت في القرآن الكريم والسنة المطهرة،(وأي سنة تبقى إذا أنكروا الصحاح، وكفروا الصحابة وأمهات المؤمنين إلا ستة؟؟؟ د عاصم)( والتعليق هو: على من تعود واو الجماعة؟!) ،  كما يؤمنون بكل ما يجب الإيمان به ويبطل الإسلام بالخروج منه في الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة. ومن الحق أن السنة والشيعة هما مذهبان من مذاهب الإسلام يستمدان من كتاب الله وسنة رسوله) .

ويقول الدكتور بدران أبو العينين : (أستاذ الشريعة في كلية الحقوق بجامعتي الإسكندرية وبيروت) (الشيعة جماعة من المسلمين تشيعوا لآل بيت الرسول… وهم يقيمون مع أهل المذاهب السنية، وتربطهم بهم روابط التسامح (نعم والدليل في العراق واضح جلي  ولماذا تعتذر عنهم يا دكتور بأن قعودهم عن مقاومة الأمريكان في العراق بل مساعدتهم بأمر الملالي إنما هو سياسة وليس دينا، فلا يلامون، ثم تقرر أن حرب نصر الله مع إسرائيل وليست سياسة، فأين الدليل؟ .. عاصم) ( والتعليق: بل لو كانت بضاعتي من الفقه تكفي  لحكمت على من والي الأمريكيين في العراق بالكفر بسبب الولاء والبراء لا بسبب السنة والشيعة) والسعي إلى تقريب وجوه الخلاف، لأن جوهر الدين واحد، والله لا يسمح بالتباعد والتنافر… والإمامية مع ذلك لا يفترقون عن جمهور أهل السنة إلا في بضع عشرة مسألة) .

ويقول الدكتور محسن العواجي:

أن "الحياد في هذه الأزمة يبقى مرفوضًا مهما كانت مبرراته؛ إذ لا سواء بين الفئتين".

ويشدد في المقال الذي يحمل عنوان "اللهم انصر المقاومين الأبطال، واشدد وطأتك على المعتدين الأنذال" على أنه "من السذاجة النظر إلى حزب الله في هذه الأزمة تحديدًا نظرة طائفية مجردة، ولا سيما أنه تحت قيادة حسن نصر الله الداهية سياسيًّا والشجاع ميدانيًّا مهما اختلفنا معه، رجل السياسة أكثر منه رجل الدين".

واستطرد د.العواجي قائلاً: "الحقيقة التي لا مناص منها هي أن حزب الله في لبنان اليوم في عين الشارع الإسلامي شكّل رأس حربة فعّالة تثخن العدو وتقاوم زحفه ببسالة، وهذا العدو الذي أجمع المنصفون في العالم بأنه عدو مغتصب محتل، لا يراعي عهدًا ولا ذمة".

وشدّد على أن "كل مقاوم لهذا الاحتلال هو بحكم الواقع بطل مقدام سيسجل له التاريخ ذلك، وأقل حق له علينا مناصرته بكل وسيلة مشروعة؛ لأنه صاحب حق مشروع بكل المعايير والأعراف، ويدفع ظلمًا عن نفسه وعن أهله وأرضه".

ولم يكن د.العواجي هو فقط من خرج عن صمته، حيث بدأ عدد من العلماء السعوديين يعلنون عن مواقفهم من العدوان الإسرائيلي، داعين الله أن ينصر حزب الله على "الصهاينة المجرمين".

فقد أعلن الشيخ محمد بن يحيى النجيمي، أستاذ الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء بالرياض، تأييده الكامل لحزب الله ولمقاومته البطولية.

وقال خلال حديث بثته قناة "المستقلة" السبت 22-7-2006: إنه لولا حزب الله لما كانت بيروت إلا نسخة مصغرة من مستوطنات إسرائيلية كما هو الحال في الجولان والضفة الغربية المحتلة.

وبين الشيخ النجيمي أن ما تقوم به إيران من دعم سياسي لحزب الله هو واجب على كل مسلم. وقال: "إن إيران ربما تدعم حزب الله سياسيا وهذا واجب على كل مسلم، لكنها لا تدعمه لا بالسلاح ولا بالمال".

وبدوره دعا الشيخ موسى القرني رئيس قسم أصول الفقه بالجامعة الإسلامية سابقاً، خلال حديثه على قناة "اقرأ" إلى نصرة حزب الله، مشددا على أنه "يجب على المسلمين نصرة حزب الله لأنه يجاهد الصهاينة المجرمين".

ودعا الشيخ سلمان العودة، المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم"، بدوره إلى توحد الصف أمام إسرائيل.

وقال في قناة "إم بي سي": "إن حق الأزمة أن نؤجل خلافاتنا لوقت آخر".

ومضى قائلاً: "إننا نختلف مع حزب الله، وهو خلاف جوهري وعميق كما هو خلافنا مع الشيعة الذي لا يمكن أن يلغى، لكن هذا الوقت ليس وقت الخلاف والشقاق، فعدونا الأكبر هم اليهود والصهاينة المجرمين الذين لم يفرقوا في عدوانهم حتى بين الأطفال والمحاربين".

***   

إنني أرجو من القراء مراجعة الفصل الممتاز الذي كتبه الشهيد – إن شاء الله – فتحي الشقاقي بعنوان: "الستة والشيعة.. ضجة مفتعلة ومؤسفة"- الأعمال الكاملة- المجلد الأول- مركز يافا للدراسات والأبحاث-  والذي ناقش الأمر مناقشة تفصيلية و أورد أقوالا لآية الله الخميني تحكم بالكفر على من يفرقون بين السنة والشيعة.. كما يورد قول الأستاذ أحمد إبراهيم بك في كتابه (علم أصول الفقه وتاريخ التشريع الإسلامي- طبعة دار الأنصار) ص21 (والشيعة الإمامة مسلمون يؤمنون بالله ورسوله وبالقرآن وبكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ومذهبهم هو السائد على البلاد الفارسية). ثم يقول ص 22 (ومن الشيعة الإمامة قديما وحديثا فقهاء عظام جدا وعلماء من كل علم وفن وهم عميقو التفكير واسعو الإطلاع ومؤلفاتهم تعد بمئات الألوف، وقد اطلعت على الكثير منها) ويقول في هامش نفس الصفحة (يوجد في الشيعة غلاة خرجوا بعقيدتهم من دائرة الإسلام ولكن هؤلاء غير ملتفت إليهم من جمهور الشيعة الإمامية).

ثم يعقب الدكتور فتحي الشقاقي قائلا: 

وبعد كل هذا السيل من الشهادات التي لا تنتهي لعلماء الأمة أود أن أشير إلى أولئك الذين حاولوا ترديد فتوى ابن تيمية ضد الرافضة- والتي تضم العديد من فرق الشيعة- وحاولوا سحب هذه الفتوى على الشيعة الإمامية الإثنى عشرية- وبالتالي استغلالها ضد الثورة الإسلامية في إيران- لقد وقع هؤلاء في عدة أخطاء هامة:

-  لماذا لم يجدوا في تاريخ الإسلام قبل ابن تيمية مثل هذه الفتوى رغم أن ابن تيمية جاء في القرن السابع الهجري.. أي بعد أكثر من ستة قرون لظهور الشيعة.

- لم يستوعبوا ابن تيمية والتناقضات التي واجهها المجتمع المسلم وهو يواجه الغزو الخارجي.

- لم يحاولوا في غمرة حقدهم على الثورة الإسلامية في إيران وموقفهم السياسي منها .. لم يحاولوا تقصي إذا ما كانت كلمة (الرافضة) التي ذكرها ابن تيمية تنسحب على الشيعة الإمامية الإثنى عشرية أم لا؟ 

يقول الأستاذ أنور الجندي كتابه الإسلام وحركة التاريخ ص 422 : (والرافضة غير السنة والشيعة).. كما يقول في ص 420 (وقد كان تاريخ الإسلام حافلا بالخلافات والمساجلات الفكرية وبالصراع السياسي بين السنة والشيعة. وتد حرص  الغزو الخارجي منذ الحروب الصليبية إلى اليوم على أن يغذى هذا الخلاف وأن يعمق آثاره.. كما يقول: (والحق أن الخلاف بين السنة والشيعة لا يزيد عن أن يكون خلافا بين الأربعة) وحتى لا نقع في وهم أن السنة والشيعة شيء واحد وإنه لم يوجد في  تاريخهم غلاة نقرأ ص 421 للأستاذ الجندي (ومن الحق أن يكون الباحث يقظا في التفرقة بين الشيعة والغلاة، هؤلاء الذين هاجمهم أئمة الشيعة أنفسهم وحذروا مما يدسونه).

ثم ينقل الدكتور فتحي الشقاقي على لسان آية الله  الخميني كلمة قالها في خطبة له في جمادى الأول 1384 هـ:

(الأيدي القذرة التي بثت الفرقة بين الشيعي والسني في العالم الإسلامي لا هي من الشيعة ولا من السنة.. إنها أيدي الاستعمار التي تريد أن تستولي على البلاد الإسلامية من أيدينا والدول الاستعمارية، الدول التي تريد نهب ثرواتنا بوسائل مختلفة وحيل متعددة هي التي توجد الفرقة باسم التشيع والتستن).

***   

لشد ما أخشى أن يكون جل الخلاف بين السنة والشيعة هو – بالإضافة لسوء الفهم التاريخي- خلاف في المصطلحات أو في معنى الكلمات.. و أننا لو خلصنا الكلمات والأفكار من العناوين التي أطلقت عليها فربما نكتشف أن كثيرا من الخلاف متوهم.

ولكي أخفف من وطأة المقال قليلا دعونا نستروح بعض فكاهة في كتاب صحافي كبير هو الأستاذ محمود عوض الذي يورد في كتابه: "بالعربي الجريح" بعض مفارقات صاخبة منها:

كنا نترب من الحدود اللبنانية مع سوريا. والأجواء السياسية مكهربة، فهي ذروة الحرب الأهلية في لبنان. وعند نقطة الحد ود توقفت سيارتنا بينما جندي الحراسة داخل المركز الحدودي يشير إلينا فيما بدا أنه يلوح لنا بالمرور. هكذا بدأ السائق ينطلق. وخلال لحظات أحاطت بنا طلقات الرصاص من كل جانب مما أصابنا جميعا بصاعقة.

قدم نحونا جندي الحدود عصبيا وهائجا وهو يصيح في السائق بغضب: أنا أعيط عليك.  أعيط عليك.. كيف ما توقف؟

تلعثم السائق قائلا بارتباك واعتذار: ما فهمت عليك.  سامحنى يا أخى.. 

لكنى وجدت نفسي أقول لجندي الحدود باندهاش: ولماذا يا أخي تعيط عليه؟ أحنا هنا في جنازة؟

بعدها اتضحت المفارقة الكبري. فباللهجة المصرية فإن "العياط" هو البكاء. أما في اللهجة السورية فالعياط هو  المناداه، أو الزعيق، أو الصراخ. ومن تلك المفارقة أفرغ جندي الحدود نصف مدفعه الرشاش إنذارا للسائق بالتوقف فورا.

ومن تلك المفارقة تعلقت حياتنا للحظات بين- الجبل والقبر.

ويورد محمود عوض مفارقة أخرى..

وفى الصحف السعودية لفت نظري انتشار نوع من الإعلانات، وبكثرة، من النموذج التالى: "للتقبيل " من الساعة 6 إلى الساعة 8 يوميا. هاتف.... أو: مطلوب للتقبيل: ويفضل عرض مميز. للمفاهمة: هاتف.* ... أو: للتقبيل: خصوصا العائلات. الديكور جديد. والهاتف.. وهكذا. مع أول صديق سعودي زارني في القاهرة انطلق سؤالي: كل هذه الإعلانات؟ للتقبيل؟ وفى السعودية؟. وضحك الصديق السعودي بشدة وهو يشرح لي الأمر قائلا: عندنا التقبيل معناه : البيع!!

ترى.. هل كان بعض الهجوم على الشيعة من نوع العياط والتقبيل..

***   

والآن..

هل يقف علماء الشيعة - مع حساب فارق المصطلحات - موقفا واحدا حتى يأخذ بعض السلفيين منهم موقفا واحدا..

لقد أكد العلماء الشيعة السعوديون عادل أبو خمسين وحسن النمر وجعفر النمر والمفكر الشيعي اللبناني السيد هاني فحص، أن مساحات التقارب بين السنة والشيعة أكبر بكثير من مساحات الخلاف، وأن مسائل سب الصحابة والقول بتحريف القرآن وأن جبريل خان الأمانة فنزل به على الرسول بدلا من علي، لا وجود له في كتب الشيعة ولا في مذاهبهم. فيما رأى الرمز الشيعي السعودي الشيخ حسن الصفار أن الوقت غير مناسب لإبراز الخلافات المذهبية وجراحات الماضي، مطالبا بالتوقف عن هذه السجالات بين أهل المذهبين السني والشيعي.

يقول الشيخ عادل عبد الله أبو خمسين أن التقارب بين السنة والشيعة هو أكثر بكثير من الخلافات والفوارق الفقهية والمذهبية. وهناك بعض الفوارق هي وهمية ليست حقيقية، مجرد اختلاف في المصطلح. أما المضمون فهو متفق عليه، وهي كثيرة من هذا النوع. وبجهد من علماء الفريقين بإمكان القضاء عليها. وهناك قسم آخر من الفوارق، هي فوارق حقيقية ولكنها لا تعني انفصالا كليا بين المذهبين، وإنما نعتبرها من ضمن الفوارق الطبيعية في داخل الدين الإسلامي الشامل والواسع والقادر على احتضان الاجتهادات والآراء المختلفة.

وردا على سؤال حول مأخذ بعض علماء السنة بأن بعض الفرق الشيعية تقول بحدوث تحريف في القرآن و أنه حذف منه ما يخص آل البيت قال الشيخ أبو خمسين: فيما يتعلق بتحريف القرآن أو النقص والزيادة فيه فهذا غير صحيح، وهو افتراء على الشيعة، فغالبية علمائهم وفي كتبهم يؤكدون دائما على أن القرآن الموجود هو القرآن الصحيح والكامل والمتفق عليه.لكن بعض الجهال من الطرف الآخر يريد أن يشنع أو يوجد مثلبة على الطرف الثاني رغم أنه ينكر هذا الشيء، فالمسألة الخاصة بالقرآن، هي من الأوهام الموجودة عند البعض جهلا أو وهما أو ضمن الصراع المذهبي.

وفيما يختص بمسألة الصحابة والنيل منهم قال الشيخ أبو خمسين: الحديث هنا من جانبين، الأول مبدأ القضية، فالغالبية من الشيعة وكثير من الروايات عندنا تمنع وتنهى عن هذا الأمر.. من الناحية الأخلاقية، فالمؤمن ليس من صفاته أن يشتم أو يسب أي طرف كان. كما أن الوحدة الإسلامية والتاريخ الإسلامي يستلزمان من الإنسان أن يحترم الأطراف الأخرى حتى لو كانت عنده وجهات نظر أو رأي مخالف.

النقطة الثانية: على افتراض انه وجد شخص أو شخصان أو قلة أو أفراد، كانت عندهم هذه الصفة، فنحن نرى في التاريخ الإسلامي أن الصحابة مع بعضهم البعض كانت بينهم خلافات وحروب وكان بينهم أيضا سباب. فلا يوجد عالم من المسلمين قال إن سب صحابي لصحابي آخر، أخرجه من الدين والملة والإسلام. من الممكن أنه أخذ عليه ذلك السب والشتم واعتبر خطأ، ولكن لم يدع عالم من القدماء أن ذلك الصحابي خرج على الإسلام بشتمه وسبه صحابيا آخر.

وشرح الشيخ أبو خمسين ذلك بقوله: أريد أن أقول هنا إنه على فرض أن أحدا أو اثنين عنده هذا الرأي، فهذا لا يعني أنه خرج عن الدين والملة. صحيح أنه مخطئ، في رأيي شخصيا، لأنه لا يصح شتم الصحابة وسبهم وتعميق الفجوة بين المذاهب بهذه الطريقة، ولكن ذلك لا يصل إلى أن نخرج إنسانا عن الدين والملة.

ويشير إلى أن الخلافات قسمين، قسم موروث يمكن تجاوزه عبر توضيحه. ويجب على الناس أن يعرفوا حقيقة وجهة النظر الأخرى من مصدرها، ولكن المشكلة أننا نتعرف على المذهب الآخر ليس من أتباعه وإنما من جماعات أخرى. فمثلا هناك من يتعرف على المذهب الشيعي، ليس من علماء الشيعة وإنما من أناس عندهم شئ في نفوسهم عن الشيعة، وهؤلاء ليسوا مصدرا صحيحا. كذلك الشيعة يفترض أن يعرفوا المذهب السني من مصادره، أي من علماء السنة.

وسألته هل يوجد في الشيعة تكفير لأهل السنة فأجاب: موجود بخصوص الناصبي فقط من المذهب السني، ولكن لا يوجد في كتبنا المعتمدة من يقول إن السني كافر أبدا. نحول نقول إن من تلفظ بالشهادتين فهو مسلم أيا كانت قناعاته وأفكاره وأراؤه. أما الناصبي فهو الذي يناصب العداء لأهل البيت، فهو يخالف ضرورة من ضرورات الدين. والسنة هم أيضا يقرون بهذا الشئ، أي أن النبي يأمر بالولاية لأهل البيت ومحبتهم، ومن يعاديهم فهو خالف النبي. وواقع الأمر في العالم الإسلامي أن هذه الفئة غير موجودة إلا ما شذ وندر، أما الحكم الفقهي بشأن الناصبة فهو موجود.

وحول أن هناك من الشيعة من يقول إن جبريل عليه السلام خان الأمانة ونزل بالوحي على الرسول بدلا من علي، يقول الشيخ أبوخمسين: هذا غير صحيح وغير موجود، وهو من ضمن الأمور التي يجري استخدامها في الصراع المذهبي. وليس هناك عالم كبير أو صغير من علماء الشيعة من يقول بهذا الرأي، ولا يوجد كتاب أيضا معتمد عند الشيعة يقول ذلك، ومن يقله يكون قد خرج عن الدين لأنه يشكك في النبوة التي هي أصل من أصول الدين وضرورة من الضرورات التي يمنع التشكيك والخدش فيها عند كل مذاهب المسلمين.

وقال: هذا الأمر من الشائعات التي تستخدم في ظل الصراع المذهبي للأسف الشديد والأوهام الموجودة عند البعض. والصراع المذهبي يغذيه الجهال من عامة الناس، وقد كانت الصراعات السياسية طوال التاريخ سببا رئيسيا في تغذية الصراعات المذهبية، فينساق بعض العلماء لهذا الصراع السياسي. وهناك الفريق المتطرف من الفريقين، وهو فريق لا يقبل بالوسط ولا بالحلول، ولا ينظر إلى الرؤية الشاملة للأمة الإسلامية ومصلحتها ومصلحة دولها وشعوبها ومجتمعاتها، وعندهم دائما ضيق أفق ورؤية ضيقة ونظرة فئوية.

ويقول الشيخ حسن النمر: إننا أحوج ما نكون إلى وقفة مراجعة نستحضر فيها (الدين الإسلامي) كما أنزله الله بقيمه الإنسانية ومبادئه {لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا}، ونستحضر فيها أن الإسلام وفهمه ليس في قدرة أحد أن يفرضه على الآخرين فرضاً ، بل إن المنطق يفرض قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين . ونستحضر فيه أن العائق الأول للتنمية الإسلامية والتضامن الإسلامي هو في رواج مثل هذه الفتاوى التكفيرية التي تبرر الإرهاب – كما نشاهده في العراق باسم المقاومة حيث يفتك بالنساء والأطفال والرجال في الأسواق والمساجد والحسينيات – والتي تبعث على (الخدر) من ناحية أخرى، حيث تفرض على الأمة التسليم لما يقوله الحاكم لأنه (ولي أمر) حتى في قراءة حادثة سياسية لا تدخل تحت سلطانه وولايته.

وأضاف بغير ذلك سيظل فكر أوساط واسعة وشرائح كبيرة من المسلمين يعشعش فيها (الحقد والكراهية) ضد المسلم قبل الكافر ، لأن علماء بلاد الحرمين الشريفين كابن جبرين ، وهم الذين يفترض بتفسيرهم للإسلام أن يكون (الأفضل والأكثر أصالة!!) من علماء الأزهر والنجف وقم …

وقال حسن النمر: ما يحدث في لبنان من قبل المقاومة الإسلامية يمثل فرصة تاريخية لاجتماع الأمة على كلمة سواء تكون منطلقاً لتضامن إسلامي أصيل قائم على التسليم بالتعددية داخل الدائرة الإسلامية. 

وعن سب الصحابة قال الشيخ حسن النمر: هذه المسألة مما يشنع به على (الشيعة) دون وازع من ضمير ولا موضوعية علمية ، ولا معرفة بخلفيات المسائل وجذورها . وأضاف: الشيعة بحمد الله يتحلون بأدب رفيع يعرفه القاصي والداني ، وليس من أدبهم ولا أدبياتهم (السباب) الذي هو استعمال الكلمات البذيئة والنابية في حق الأشخاص العاديين ، فضلاً عن جيل الصحابة الذين هم أفضل جيل بشري حظي بتربية خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) . فالواجب احترام الإنسان وإكرامه ، فكيف إذا كان صحابياًّ .

ثم واصل قائلا: إلى ذلك فإن من الواجب التنويه والتنبيه إلى أن الحق والشريعة فوق الأشخاص ، فـ(الحق أحق أن يتبع) ، والصحابة ليسوا معصومين ، كما يؤكده القرآن والوقائع التاريخية {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما} . وقد روي في الصحيح أن رسول الله (ص) يرد الحوض فيذاد عنه جماعة من الصحابة فيقول رسول الله (ص) : أصحابي ، أصحابي ، فيجاب بأنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.

فإذن حصل من بعضهم ما يكون سبباً لبعده عن الله تعالى . وعليه ، فالصحابة يحصل من بعضهم ما يستوجب التحفظ عليه ، وقد فعل الصحابة أنفسهم ذلك في حق بعضهم بعضاً إلى حد الاحتراب والاقتتال.

ومن ثم فأن يكون بعض المسلمين ، أعني الشيعة ، (يتحفظون) على بعض الصحابة ليس مسوغاً لأن (ينبذوا) بما يؤدي إلى سفك دمائهم والتشهير بهم .

وقال: هذا مجمل موقف الشيعة حول الصحابة ، وإنما يلتزمون بأن القرآن ، وهو الحق والقانون والشريعة ، أقدس من أن يقدم رأي غيره عليه ، وإن كان صحابياًّ .وما حصل في التاريخ ومنه ما حصل في فترة الصحابة ، فهو خاضع للقانون .

أجل ، يختلف الشيعة عن السنة في المرجعية التي يجب الالتزام بها في تفسير الإسلام، فالسنة في العموم يجدون في واقع بعض الصحابة مرجعاً يجب الالتزام به في تفسير الإسلام، بينما الشيعة يجدون المرجعية في الكتاب والسنة الصحيحة الذين لم يعمل بهما ذاك البعض .

و قال الشيخ حسن النمر: إن المسلمين اليوم ، سنة وشيعة ، مجمعون على أن القرآن الكريم الذي أنزله الله على رسوله محمد لهداية الناس، والذي لا كتاب بعده ، هو المصحف المنتشر بين المسلمين اليوم لم يزد حرفاً ولم ينقص حرفاً .

نعم ، ثمة أقوال عند السنة والشيعة معاً ، يشم منها وقوع نقص في القرآن الكريم، أوّلها السنة بنسخ التلاوة ونحوه ، وأوّلها الشيعة بتلاعب الظالمين بمعاني القرآن .

وأعتقد أن هذا المقدار كافٍ لحفظ منزلة القرآن بين المسلمين من جهة ، وسد الباب أمام تصفية الحسابات من جهة أخرى . لأن تكرار هذه المسألة يتيح لأعداء القرآن فرصة الطعن والتشكيك في نصه المبارك وآياته المحكمة ، وإن ظن بعض السفهاء أن فائدة ذلك هو الطعن في الشيعة وإبعادهم من الدائرة الإسلامية. وهذه كتب علماء الشيعة تطفح بصيانة القرآن عن التحريف .

وثانياً فإن الشيعة يرون في القرآن الكريم المرجع الأول في التعرف على الإسلام الحق ، لأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ويستطرد: دأب المخلصون من الشيعة والسنة على التأكيد على الوحدة والتقريب وأهميته فشكلت المجامع والمؤسسات ، لتحقيق هذا الهدف السامي ، وكان الأزهر الشريف، عبر الأمام شلتوت رحمه الله ، من المبادرين في تلبية نداء الإمام البروجردي فتأسست دار التقريب التي لا يزال مقرها في مصر شاهدا على ذاك الجهد المبارك . وإن كنا بحاجة أمس إلى ذاك فإننا اليوم أحوج .

ونبه الشيخ حسن النمر إلى أن المنادين بالوحدة والتقريب لا يريدون بهما أن يتحول السني إلى شيعي ومن الشيعي أن يكون سنياًّ ، بل إن المراد بذلك ليس أكثر من التركيز في المرحلة الأولى على المشتركات التي سنكتشف بعد التواصل أنها أضعاف أضعاف ما نختلف به .

وليس الحل هو محو كل ما من شأنه إثارة الخلاف ، لأن هذا تاريخ لا يمكن تغييره ، ولا يصح التلاعب به ، ولكن من الخطأ التعامل معه كما لو كان الحقيقة المطلقة . وقال في نهاية رده “ختاماً فإن الشيعة لا يحتاجون إلى تزكية من أحد للشهادة بأنهم مسلمون ، كما أن السنة مسلمون بغير شك ، والاختلاف لا يفسد للود قضية .

أما الشيخ جعفر النمر فيقول : إن تكفير من تلفظ بالشهادتين واستقبل القبلة غير جائز لقوله صلى الله عليه وآله( من كفر مسلما فقد كفر) ولقوله في حديث أنس الذي رواه البخاري في صحيحه (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته ) ومن الواضح ان جميع المسلمين يشهدون الشهادتين وهذا هو الأساس التشريعي الذي ينبغي ان يؤطر العلاقة بين المسلمين وماعدا ذلك فلا ينبغي أن يكون سببا للفرقة.

وتحدث احد رموز الشيعة الكبار في السعودية الشيخ حسن الصفار قائلا ردا على سؤال لـ(لعربية.نت): إنه لأمر مؤسف جدا أن تثار مثل هذه السجالات وان تنكأ جراح الخلافات المذهبية في الوقت الذي يتعرض فيه الشعبان الفلسطيني واللبناني لمسلسل عدوان وحشي، حيث يطال القصف الأبرياء والآمنين من النساء والأطفال والشيوخ، وترينا القنوات الفضائية أبشع الجرائم والمشاهد التي تحدث لأبناء أمتنا في فلسطين ولبنان.

وأضاف الصفار: ان مظاهرات كثيرة تنطلق في عواصم العالم، تطالب بوقف العدوان على الشعب اللبناني، فهل يسوغ لنا نحن العرب المسلمين أن ننشغل بالخلافات المذهبية؟. إن الصهاينة أعداء المسلمين وأعداء العرب وأعداء كل شعوب هذه المنطقة، فيجب أن تكون المعركة معهم فرصة لتوحدنا وتوحيدنا، لا أن ننشغل بهذه الخلافات الجانبية، خاصة أن حزب الله في لبنان من أبعد الجهات عن إشكاليات الخلافات المذهبية كما هو واضح من مواقفه وخطابه السياسي والإعلامي. لذلك لا أرى الدخول في هذا السجال أمرا مناسبا أبدا فهو يبصق علينا سائر الأمم ويشمت بنا الأعداء.

*** 

يصيبني الذهول ممن لا يأبه لهذا الحشد من العلماء فلا يصيبه في موقفه من تكفير الشيعة شك حتى قلت لنفسي أن الأمر لا يتعلق بفقه ولا برأي بقدر ما يتعلق بهوى أو مرض أو مخابرات!!.

ولقد كنت أحاور البعض منهم فأقول لهم هل أنتم أعلم من كل هؤلاء العلماء؟ فيجيبون : لا يهمنا كثرتهم فقد قال الله.. فأقاطعهم لكنكم تتحدثون عن فهمكم لقول الله لا لقول الله نفسه .. فتفاجئهم المفارقة وكأنهم احتكروا تفسير قول الله فلا تفسير سوى ما يقولون.. فأقول لهم : على الأقل ليس هناك إجماع فيما تقولون حتى من علماء السلف فيقولون لكن الحق معنا.. فأقول لكن الطرف الآخر أيضا يقول أن الحق معه .. فيقولون: لكن الله يقول.. فأقول لهم : هذا تفسيركم  وهم أيضا يقولون قال الله ولهم تفسيرهم.. فيقولون: ولكننا على الحق.. فأسألهم ما دليلكم؟ فيقولون كتاب الله وتستمر الدائرة.. (هم مثلا يفسرون الجبت والطاغوت بأبي بكر وعمر، ويلعنونهما فماذا تقول يادكتور؟؟؟ انظر تكفير حسن شحاتة للفاروق عمر في مؤتمر في قم، وانظر بناء مقام للمجوسي أبي لؤلؤة وتسميته بابا شجاع الدين لأنه قتل عمر الفاروق أما الفيصل في التفسير فهو أقوال السلف الصالح والشيعة بداهة يخالفونهم ومعلوم أن خير القرون قرني ثم ..... دعاصم)..  

كنت أسألهم: أنا نفسي غير مقتنع ببعض ما يقوله العلماء و أحسب أن الفارق أكثر عمقا مما يقولون بل لقد تصدع قلبي لأقوال لآية الله الخميني أدعو الله أن تكون مدسوسة عليه لأنها إن صحت نسبتها إليه تجعل من التأويل أمرا عسيرا.. ( لعل ما ذكره العلامة القرضاوي عن آية الله الخميني يقوي من احتمال الدس عليه بما لم يقل) .. لكن كيف أزايد على علماء السنة والسلف.. كما أن الخميني ليس ممثلا للشيعة جميعا.. أقول لهم أنني واثق من وجود فئات منحرفة وكافرة.. ومن وجود كلمات الكفر في كثير من كتبهم.. لكن المصيبين وكلمات الإيمان – كما يقرر كثير من العلماء – أكثر. أسأل المقارعين :  ألا يكفي هذا الحشد ليجعلكم تقولون:  رأينا صواب يحتمل الخطأ .. فيقاطعونني لا نقولها في أمور العقيدة أبدا مهما كانت قلتنا وكثرتهم .. فأسألهم: على افتراض صحة ما تقولون فهل كان هذا الوقت- وقت اشتعال المعارك- هو الوقت المناسب؟ فيقولون: خشينا انبهار السنة بهم وتحولهم إليهم .. فأسألهم ولماذا لم تضغطوا على حكوماتكم لتفعل للمجاهدين السنة  ما فعله الإيرانيون للشيعة فيصمتون عجزا فأواصل لماذا لم تكفروا حكامكم معهم وهم الذين لا يحكمون بما أنزل الله ويوالون الكفار فيصمتون  فأسألهم: إذا كان العرب أو أهل السنة والجماعة قد عجزوا وانهزموا  وانسحبوا فماذا تفضلون: شرق أوسط تهيمن عليه إيران أم أمريكا و إسرائيل؟ فيجيبون: الكافر المباشر أقل خطورة من الكافر غير المباشر فأقول: هلكتم وأهلكتم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. (قولهم هذا صحيح يادكتور محمد .. دعاصم)

*** 

أعترف للقراء أنني أدخل هذا الأمر مرغما.. فلست كفؤا له.. ولست بعالم..ولقد حذرني الكثيرون: هذا موضوع خطر فلا تقحم نفسك فيه.. ثم أنه سيفقدك نصف قرائك على الأقل .. وقلت لهم أننا تعلمنا من شيوخنا أن الكتابة من أجل الاحتفاظ بإعجاب القراء نفاق أعيذ نفسي والقراء منه.. وليس لنا من مصلحة عند هذا أو ذاك إلا أن نعبد رب العالمين حق عبادته وألا نشرك به شيئا. واجبي ككاتب أن أقول بما أراه صوابا حتى و إن أخطأت. و إلا نافقت.

فكيف كان لي أن أسكت على من زعم أن الشيعة أشد كفرا من اليهود رغم رأي كل هؤلاء العلماء.

كان هذا الرأي يتفق مع رأي المخابرات الأمريكية ويتسق مع رأي الموساد.

كانوا يتهمون الشيعة في عقيدة التوحيد..

وكنت أرى أن الإصرار على هذا الرأي شرخ في عقيدة التوحيد.

لقد وصلوا إلى رأي نهائي.. ولم يعتبروا هذا الرأي رأيهم بل اعتبروه الشرع نفسه..

ما الفرق إذن بين العلم الإلهي المطلق والعلم البشري النسبي..

في الكلمة الرائعة: " الله أعلم" يقبع شق هام من عقيدة التوحيد.. من الإحساس بضآلة البشر إزاء عظمة الخالق..

نعم.. الأمر كذلك.. لكنني لمحت في منهج بعض من جادلوني في أمر الشيعة كأنه يقول: " أنا أعلم " بدلا من : " الله أعلم"..

ثم أنني عندما أطلب أدلة محددة تدين السيد حسن نصر الله على سبيل المثال (انظر فيديو تكفيره لأبي سفيان والأمويين من بعده .. دعاصم)  يدعون أن التقية عائق.. أنه يبدي غير ما يسر.. إذن.. فهل نشق عن قلوبهم.. وهل يحكم القاضي بعلمه أم بما أمامه من أدله.. هل سمح سيدنا علي لسيدنا عمر أن يقيم حد الزنا والخمر على جرائم ضبطها بنفسه أم طلب منه التراجع و إلا وجب عليه حد القذف ما لم يجمع الشهود طبقا للشرع.. بأي شرع إذن يحكم أصحابنا هؤلاء..  هل أمرنا بالباطن أم  بالظاهر.. بالعلانية أم بالكشف عن السرائر.. ثم أنني أظن أن البعض في الطرفين يستحل كثيرا من الكذب ويصدق كثيرا من الشائعات بلا أساس.. ثم أن هناك التباسا هائلا عند من لا يتحرون الصدق والحقيقة.. فهناك من ينسب الأكاذيب إلى هؤلاء وهؤلاء.. كما أن هناك البعض ممن يدلون برأيهم من يخفي التطور الفكري لبعض العلماء.. الذين تابوا عن معصية.. أو الذين رجعوا عن رأي كانوا قد ارتأوه.. وكمثال على ذلك.. يقول البعض أن الشيخ محمد الغزالي تراجع عن بعض مواقفه من الشيعة و أنه رفض إحياء مؤسسة التقريب بين المذاهب.. فهل هذا حق أم باطل؟ .. الله أعلم.. وهناك من يقول أن آية الله الخميني قد رجع عما كان يقوله قبل نجاح الثورة.. و أنه أصدر أوامر مشددة بمنع سب الصحابة كما حل جزئيا مشكلة الإمام الغائب وعصمته.. فما نصيب الصحة في كل هذا؟ الله أعلم .. ( مرة أخري: هذه الأجزاء كتبت قبل تصريح القرضاوي أن الخميني يكفر من يلعن الصحابة) .. ووسط غبار الأكاذيب ضاع اليقين..ولعلي أضرب مثلا سهُل عليّ كشفه لتقارب الأحداث: لقد تحدث الدكتور يوسف القرضاوي حديثا طويلا ينصف ويؤيد ويدعوا لحزب الله.. وبدأ مقالته بالتدليل بآيات:

 " (بسم الله الرحمن الرحيم) الم (1) غُلِبَتْ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)(الروم) ..

 وإذا بي أفاجأ بأحد المواقع الإليكترونية تكتب مانشيتا عريضا أن الشيخ القرضاوي يحكم بكفر الشيعة ويشبههم بالروم!!..

لمصلحة من هذا الكذب..

ولماذا..

(نحن كنا مع الروم ضد الفرس .. أهل كتاب ضد مجوس، ونحن الآن مع نصر الله ضد إسرائيل، مسلمون منحرفون عقديا ينالون من العدو الأكبر .. هذا هو ما يمكن أن يقال، فنحن نتمنى انكسار إسرائيل ولكنا نتخوف من حسن نصرالله .. د عاصم).. تعليق: إنجاز طيب.. فهذا مفكر من ألد أعداء الشيعة ينكص عن اتهامهم بالكفر ليخفف الاتهام إلى: مسلمون منحرفون عقديا.. لكن لدينا مشكلة واحدة.. هي أن الدكتور عاصم- منذ صفحة واحدة فقط – كان يعتبرهم أهل كفر غير مباشر وهم أشد خطرا على الأمة من أهل الكفر المباشر!!..

نعود إلى ما كنا فيه:

لمصلحة من هذا الكذب..

ولماذا..

الحقيقة عصية.. والقبض عليها كالقبض على الجمر فلماذا نصعب الأمر على أنفسنا.

لماذا يكذب الطرفان..

هذا سؤال لم أجد عليه إجابة ولا أجد له تفسيرا..

 ثم تلك الفرية الخسيسة في الحديث عن الفرس أو المجوس.. فماذا عن مشركي العرب إذن؟ ماذا عن الجاهلية؟ ماذا عن الفراعنة والبابليين والحيثيين والآشوريين والنوبيين والسودانيين والأتراك؟ لماذا نسيناهم جميعا ولم يبق إلا الفرس المجوس.. وحتى هذا لم نذكره أيام الشاة الذي كان ربيبا لأمريكا صديقا لإسرائيل.. أين: لا تزر وازرة وزر أخرى.. أين العبد الحبشي الذي نؤمره علينا؟.. أين: الإسلام الذي يجُبّ ما قبله.

*** 

من كثرة المعايشة والكشف.. أصبحت هناك رائحة نتنة أشمها في الكلمات عندما تكون قد مرت على أجهزة مخابرات..

أعترف لكم يا قراء: هذا النوع من الكلام جله وليد مخابرات..

لكنني قبل هذا كله وبعده كله أرى أن رأي السلفيين و أهل السنة والجماعة في التوحيد يمثل قمة في تاريخ العقل الإنساني لا تدانيها قمة..نعم.. أقولها بفخر وحب واستعلاء أن عقيدة التوحيد عند السلفيين و أهل السنة والجماعة هي أعلى مراتب الفكر التي منحها الله للإنسان.. إنها كسدرة المنتهى.. آخر تخوم العقل.. و أعلى سقف يمكن أن يصل إليه.. و أنه هناك يلتقي مع القلب والروح..   

أرى هذا..

و أتمنى أن يتحول أهل الشيعة جميعا إلى أهل السلف والسنة والجماعة..

لكنني أتمنى أمرا آخر قبله.. 

وهذا الأمر هو أن يكون من يسمون أنفسهم السلفيين و أهل السنة والجماعة فعلا سلفيين و أهلا للسنة والجماعة..

لكنني  أري أيضا  أن الغالبية العظمي من الشيعة مسلمون..

و أرى أن منهم ذرى شاهقة كالسيد حسن نصر الله..

وأرى منهم المفسدين كما في العراق. ولكن ما يكفرهم ليس كونهم شيعة ولا ارتكابهم للكبائر بل استحلالها..

والمؤكد أيضا أن بعضهم مرق من الإسلام كما مرق منه بعض أهل السنة..

و أنني أرفض و أدين و ألعن كل من يسئ إلى الصحابة في فسق قد يؤدي إلى الكفر لكنه ليس الكفر ( إلا مع الصدّيق).

وأنني أشعر بالأسي الساخر العلقمي المذاق عندما يريدني البعض أن أقتنع أن ذلك العجوز المتصابي السكير الذي لا يقرب الصلاة..  أكثر إيمانا من السيد حسن نصر الله.. أو أن الآخر .. العيي الغليظ الذي أثقل الخمر لسانه ودنس القمار يده أشد حرصا على الإسلام  و أكثر خدمة له من أحمدي نجاد..أو أن العيي الذي لا يتكلم العربية والذي نصبته السي آي إيه والذي صرح – جهارا – أن العيب في الإسلام لا في المسلمين أكثر تقوي من الشيخ نعيم قاسم.. أو أن قوات الأمن – التي لم يكفرها أحد رغم تعذيبها للناس وقتلهم وصدها عن الإيمان بالله- أكثر إيمانا من جند حزب الله..!!

شاهت الوجوه..

شاهت الأفكار..

شاهت الأقلام..

*** 

سوف أتجاوز عن الإسفاف والكذب الصريح والشائعات السوقية وخلط الأوراق.. والتجاوز عن هذا يسقط 90% من أوراق القضية.. القضية التي أسلمها أخيرا للدكتور مصطفى الشكعة  (أستاذ الأدب والفكر الإسلامي بجامعة عين شمس وعميد كلية الآداب السابق) فقد تناول الأمر باستفاضة في كتابه القيم: إسلام بلا مذاهب – سلسلة الفكر- والذي يقرر فيه أن  (الإمامية الإثنا عشرية، هم جمهور الشيعة الذين يعيشون بيننا هذه الأيام وتربطهم بنا نحن أهل السنة روابط التسامح والسعي إلى تقريب المذاهب الآن، لأن جوهر الدين واحد ولبه أصيل، ولا يسمح بالتباعد… فهم يبرؤون من المقالات التي جاءت على لسان بعض الفرق ويعدونها كفراً وضلالاً.

وإذا أنعمنا النظر جيداً، وطرحنا كل الأفكار البالية الجامدة خلف ظهورنا، فإننا لن نجد كبير خلاف بين كل من مذهب السنة ومذهب الشيعة الإمامية… 

فإننا لن نجد كبير خلاف بين كل من مذهب السنة ومذهب الشيعة الزيدية (الإثنى عشرية) ، وكذلك لن نجد كبير خلاف بين السنة وبين الإباضية، فالإمام أبو حنيفة السني كان تلميذا للإمام زيد ابن على الذي إليه ينتسب المذهب الزيدى، أخذ عنه الفقه وأصول العقائد، وليس ذلك وحسب، بل إن إماما سنيا آخر يأخذ عن إمام شيعي آخر، وذلك هو مالك بن أنس الذي كان تلميذا للإمام جعفر الصادق رأس الشيعة الإمامية أو الجعفرية، وكان إماما فاضلا ورعا له من الإيمان والثقافة الدينية الشيء الكثير والقدر  الكبير.

. (لا يختلف اثنان من أهل السنة على محبة أهل البيت وتقوى الأئمة الفضلاء منهم، كالإمام جعفر الصادق، لكن الشيعة يكذبون على هؤلاء الأئمة وينسبون إليهم ما لم يقولوه، ومن الصفات ما لم يتحلوا به، ومن القدرات والمكانة ما لا يجوز في حق أحد إلا رب الأرض والسموات .. د عاصم)  .. والتعليق : انظر ما سبق.. أي فئة وأي زمن و أي نسبة مئوية؟!

إلا أن الدكتور الشكعة لا يترك الأمور على عواهنها، إنه يدين بمنتهى الشدة والعنف – و إدانتي أشد و أعنف بل لا أقتصر على الإدانة بل و أحكم بالكفر على المتعمد الفاهم لما يفعل والمصر عليه – ذلك الفريق  من الشيعة  الذي يعتقد بالتحريف في القرآن الكريم بالزيادة والنقصان، أو ذلك  البعض يزعم أن هناك قرآنين لا قرآنا واحدا، ولكن الدكتور الشكعة سرعان ما يستدرك ليقول أن هذه المزاعم  ينكرها كثير من عقلاء الشيعة وعلمائهم، وفى مقدمة هؤلاء جميعا العلامة الدكتور الموسوي الذي يقول: إن كل ما قيل وذكر في الكتب الشيعية عن مصحف الإمام على ليس أكثر من إضفاء هالة من الغلو على شخصية الإمام علي، حسب زعم الذين كانوا وراء وضع هذه الأساطير، وإثبات أن الإمام عليا أحق بخلافة رسول من غيره، ولكنهم في الحقيقة أساءوا إلى الإمام، فأعلنوا أنه يخفى أحكاما إلهية فيها حدوده وحلاله وحرامه وكل ما تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة. ويمضى الدكتور الموسوي قائلا: إن بعض علماء الشيعة تحدث في كتبه عن مصحف فاطمة مضافا إلى مصحف على، ويعقب الدكتور الموسوي بأن موقفه من هذا الرأي هو الرأي نفسه في مصحف علي.

ثم يواصل الدكتور الشكعة إدانته الحزينة  لما درج عليه بعض علماء الشيعة من شتم صحابة رسول الله وسبهم بأقذع النعوت، وفى مقدمتهم أبو بكر وعمر وعثمان وأمهات المؤمنين عائشة وحفصة  وذلك  في دعاء لهم يسمى دعاء صنمي قريش، وهذا الدعاء مسطور في كتاب " مفتاح الجنان " الذي هو عندهم بمنزلة كتاب دلائل الخيرات عند عامة المسلمين، ومنه قولهم: " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد والعن صنمي قريش وجبتيها وطاغوتيها وابنتيهما" 

ملحوظة: هل لكتاب دلائل الخيرات حجية عند أهل السنة والجماعة؟!. أم أن حجيته بالسلب لا بالإيجاب حتى أن الدكتور يوسف القرضاوي يتهم بعض أدعيته بالكفر الصريح..

ولكن: اللهم العن كل من لعن صحابيا)..

لا يقف الدكتور الشكعة عند هذا الحد، بل يدين بمنتهى الشدة والعنف  آية الله الخميني- كبير مراجع الشيعة وعلمائها- لتورطه   في الجانب  المؤسف،  لكنه- الدكتور الشكعة سرعان ما يستدرك:  إننا نعترف بأن هذا التجاوز الشديد في سمت صحابة رسول الله لا يصدر عن جميع الشيعة وإنما عن قلة منهم. 

كما يذكر اجتهاد  المجتهد الإيراني الشيعي الدكتور موسى الموسوي في القول بأن الإمام عليا كان يؤكد على شرعية بيعة الخلفاء الراشدين  ويؤكد أنه  لا يجوز تجريح الخلفاء وذمهم بالكلام البذيء الذي نجده في أكثر كتب الشيعة، الكلام الذي يغاير كل الموازين الإسلامية والأخلاقية، ويناقض كلام الإمام عليّ ومدحه وتمجيده في حقهم، ويجب على الشيعة أن تحترم الخلفاء الراشدين، وتقدر منزلتهم.. فالرسول، صلى الله عليه وسلم  فالنبي  صاهر أبا بكر وعمر، وعثمان صاهر النبي مرتين، وعمر ابن الخطاب صاهر عليا وتزوج من ابنته أم كلثوم.

ويستطرد المجتهد الشيعي الجليل قائلا: ولا أطلب من الشيعة في هذه الدعوة  التصحيحية أن تقول وتعتقد في الخلفاء الراشدين الذين سبقوا الإمام عليا أكثر مما قاله الإمام في حقهم، فلو التزمت الشيعة بعمل الإمام عليّ لانتهى الخلاف، وساد الأمة الإسلامية سلام فكرى عميق فيه ضمان الوحدة الإسلامية الكبرى .

هذا كلام عالم شيعي مجتهد جليل، يشاركه في رأيه في هذا الموضوع كثير من علماء الشيعة وأعيانهم المعاصرين الذين تربطنا بكثير منهم روابط من الود والمحبة.

ثم يستطرد الدكتور الشكعة قائلا :

وإذا كان العالم المجتهد الدكتور الموسوي قد فصل الأمر في علاقات الحب والاحترام المتبادل بين الإمام على والخلفاء الراشدين السابقين عليه، فإننا نضيف إلى قوله إن الإمام عليا  لشدة تعلقه بالخلفاء الراشدين الثلاثة الذين سبقوه قد سمي ثلاثة من أبنائه بأسمائهم، فلقد سمي أحد أولاده أبا بكر، وسمي ولدا ثانيا عمر، وسمي ولدا ثالثا عثمان، وهذه قرينة كبرى على حب سيدنا عليا لإخوانه الراشدين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

***  

لست أدري كيف يغفل السنة والشيعة معا عن نهاية النفخ في كير الخلاف بينهما.. لقد كانت إسرائيل كافية في نص3ف القرن الماضي لتأمين مصالح الغرب وترويع المسلمين وإذلالهم.. لكن موازين القوى بدأت تختل منذ بداية التسعينيات أو على الأحرى بدأ اختلالها ضد العرب يقل.. يدرك الغرب وتدرك إسرائيل منذ عشرة أعوام على الأقل أن الصحوة الإسلامية سوف تكنسهم كنسا.. و إسرائيل التي كانت لا تقهر بدت إلى القهر أقرب.. لذلك لابد من تكوين كيان هائل أكبر من إسرائيل خمسين مرة على الأقل.. أن يتكون هلال شيعي يواجه الكتلة السنية الهائلة وأن يستنزف كل منهما الآخر..وذلك ما سيؤمن مصالح اليهود والصليبيين في بلاد الإسلام لمدة مائة عام على الأقل..وهذا وضع مهلك للسنة والشيعة معا..

أتساءل في دهشة على سبيل المثال عن موقع اسمه مفكرة الإسلام – كان عاقلا ثم جن- ماذا يهدف إليه بتعميق الخلاف ونشر الأكاذيب.. إن لدينا من النار ما يكفي.. فلماذا يشعلونها بمزيد من الكذب.. يأتون بأبشع الكلمات ثم ينسبونها لشيعي قابله مراسلهم في الشارع ولم يعرف حتى اسمه لكنه يعمم ما يقوله على الشيعة جميعا.. و أغلب الظن أن المراسل كذاب.. لكنني أتساءل عن الموقع نفسه.. عن إدارته.. ولماذا اتباع منهج الكذب؟ لمصلحة من.. إن لم يكن لمصلحة إسرائيل و أمريكا فلمصلحة من؟.. لقد بدأ الموقع محترما جدا لكنه بدأ يتدهور – و أظن التدهور كان خبيثا – وكنت أتساءل طول الوقت: ما نهاية كل هذا التحريض.. هل يريد من السنة أن ينسوا الأمريكيين الغاصبين و أن يتفرغوا لقتل  الشيعة؟ افرحي يا أمريكا وارقصي يا إسرائيل وابتهجي يا مفكرة الإسلام.

إنني أدرك أن جل السنة في العراق هم حملة راية الجهاد.. و أن موقف جل الشيعة بشع وخائن ومجرم.. لكن.. هل كان الوضع على الدوام كذلك؟ هل كان الوضع كذلك في ثورة العشرين؟ زهل كان السنة أيامها على حق؟!..

الآن.. أقر و أعترف أن السنة في العراق هم جبهة الحق – إن شاء الله- .. لكن هل يعني ذلك أن نحرضهم على الشيعة؟ أم أن نستحثهم على الاحتساب عند الله والمحاولة بالمعروف و أن يكون شعارنا: لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) المائدة..

هذا المنهج المهلك في العراق هو الذي اتبعه البعض مع حزب الله ومع المقاومة الإسلامية في لبنان حتى قلت لنفسي:

-  الخلاف بين السنة والشيعة الآن ليس امتدادا للخلاف بين سيدنا على وسيدنا معاوية رضي الله عنهما .. بل هو ترجمة للخلاف بين منهج  الملك عبد العزيز آل سعود و آية الله الخميني!!

***  

إنني أشعر بالخزي لاضطراري للدفاع عن بعض الشيعة وحزب الله.. وقد كان أداؤهم البطولي الذي يلامس تخوم المعجزات خير شفيع..  إن مجرد الدفاع خدش لجلال الموقف.. ذلك الجلال الذي يدفعنا لرؤية هزيمة أمريكا ونهاية إسرائيل رأي العين. فالقيمة الهائلة لما فعله حزب الله لا تقتصر على انتصاره المذهل على إسرائيل.. بل لأنه أعطى لنا المثال والنمط على حتمية انتصار الإيمان.. و أنه حتى لو نجحت إسرائيل لا قدر الله في القضاء على حزب الله بعد ذلك، وحتى لو استطاعوا – لا قدر الله اغتيال السيد حسن نصر الله.. فإن رمز ما حدث باق ونبراسه هاد.. يستطيع المسلمون – حين يخلصوا النية – الانتصار بغض النظر عن العدد والعدة..

يستطيعون..

وسيفعلون..

وستنتهي إسرائيل بإذن الله.

*** 

أشعر بالخزي للدفاع..

أشعر بحاجتي للاعتذار..

لذلك أستعير كلمات عالم سني جليل هو الدكتور يحيى هاشم فرغل من علماء الأزهر عميد كلية أصول الدين بالأزهر سابقا، والذي كتب يقول:

"أما الاعتذار فإليك أنت سيدي سيد العلماء سيد المجاهدين المعاصرين السيد حسن نصر الله أبو الشهداء سليل الشهداء وعترة سيد الشهداء الحسين بن علي رضي الله عنه وأرضاه.

نعتذر إليك من أحلاس المفكرين والمفتين والسلاطين الذين بدلا من أن يغبروا أقدامهم خلفك في سبيل الله برهة أو ساعة حاولوا أن يحجبوا الشمس الساطعة في وجهك ببصقة إلى منبعها في وجه الشمس ، بصقة من أفواه نتنة ، وإنهم للأحق بأن ترجع بصقتهم إلى وجوههم القذرة لتغسلها – إن أمكن - مما فاهت وتفوهت.

سيدي : من الخطأ أن ننساق وراءهم في فتح ملف الطائفية – اقتداء بحكمتك - في هذا المقام ، وإن لنا كتبا وأبحاثا ومقالات قديمة جديدة نختلف فيها مع الإمامية الإثني عشرية لكنا نبرئهم في تلك البحوث أيضا من كبائر قذفهم ، وإن ما تقومون به يا سيدي في ساحة الجهاد لجدير أن يرد على شانئيكم بهتانهم ، وأن يعيد إلى ساحة النقاش عندهم كل دعاواهم لإعادة النظر على الأقل لو كانوا يفقهون ، ويكفيكم فخرا في تاريخ الإسلام أنكم أول من اقتحم المعركة مع الصهاينة بعد خيبر محمد " صلى الله عليه وسلم "– لتحرير المسلمين وأرض المسلمين ومقدسات المسلمين ، فماذا فعل هؤلاء غير أنهم حاربوا تارة لحساب الإمبراطورية البريطانية لقصف رقبة الدولة الإسلامية ، وتارة مع الأمريكان لزرع إمبراطورية العم سام في عقر دار محمد " صلى الله عليه وسلم ، وتارة مع الشيوعيين لزرع الماركسية الخبيثة في دار القرآن الكريم ، ودائما مع العلمانيين لصنع الشرق الأوسط الجديد الذي يقتلع منه دولة الإسلام.

هل يدرك هؤلاء أن الخروج من مستنقع ما يسمونه الاستقرار- وما هو غير المذلة والضياع - إلى أفق الحركة العملية يتطلب نسبة ولو ضئيلة من المجازفة ؟ وألم يفعلوا هم ذلك عندما أسس كل منهم بدوره قواعد سلطانه ؟ 

أم أنهم قد جرءوا أن يردوا على محمد صلى الله عليه وسلم خروجه في غزوة بدر ، وخروج المسلمين في غزوة مؤتة وتبوك ، وخروج عمرو لفتح مصر ، وخروج خالد لفتح الشام ، وخروج صلاح الدين ضد الصليبيين وأحمد ياسين ضد الصهاينة ؟ 

أم تراهم يغمضون عيونهم عن " مجازفات " من قاموا بثورات التغيير الكبرى بدءا من الثورة الفرنسية والروسية والكمالية والناصرية ؟

ألا فليخرس منهم اللسان قبل أن يهوي بهم في جهنم سبعين خريفا.

*** 

جزى الله الدكتور يحيى هاشم فرغل من علماء الأزهر خيرا فقد أعفاني من حرج مواجهة بعض الذين كتبوا شرا و أظن بهم خيرا..

وجزى الله حزب الله وقائده خيرا ..

وجزى الله الشيخ أيمن الظواهري خيرا وهو الذي نادى بتحالف المستضعفين لمواجهة المستكبرين .. فألقم شيوخ السلف الأمريكي حجرا وغير بعيد تعاليمه للشهيد – إن شاء الله- أبو مصعب الزرقاوي رضي الله عنه بتجنب الطائفية في العراق.

*** 

أسقط في جب الزمن لأحلم  حلما أرى فيه الشيخ أسامة بن لادن أميرا للمؤمنين و أرى السيد حسن نصر الله قائدا لجيشه..

*** 

 أسقط في جبّ الزمن لأهتف:

- لماذا يا أيها الصحابي الجليل معاوية  لم تبايع إمام المتقين عليا رضي الله عنكما..

ثم ما ألبث أن أقول:

- لو وجد سيدنا علي اليوم لكان إماما لأهل السنة والجماعة..


*** 

*** 

*** 


حاشية"1"

*** 

مواقع ساقطة


كثير من المواقع ساقطة لا تجد لها غير الأمريكيين واليهود لاقطة.. وعلى رأس هذه المواقع موقع صهيوني اسمه إيلاف..

ومن المواقع التي كنت أحترمها كثيرا ثم بدأت أرتاب فيه موقع مفكرة الإسلام.. لقد بدأ بداية ممتازة.. وكانت مسيرته قوية جدا.. لكن.. الآن.. أشعر أن نصف أخباره على الأقل مصنوع في كواليس المخابرات الأمريكية.. و أن هدفه الأسمى إشعال حرب بين السنة والشيعة.. أما تغطيته للحرب قي لبنان فقد كانت بالفعل خسيسة.. إنه ليس مفكرة الإسلام بل مفكرة أعداء الإسلام.. والأمر لا يتعلق بآراء تختلف.. بل بأكاذيب صريحة أظنها تندرج تحت الحديث النبوي الشريف الذي يثبت الإيمان للزاني والسارق والقاتل لكنه ينفيه عن الكذاب.. يا.. مفكرة الإسلام..

أدهشني موقع صحيفة" المصريون" الإليكترونية وهو موقع بدأ بداية ممتازة.. لكنه أصيب  في الحرب الأخيرة إصابة أرجو أن لا تكون قاتلة.. ولقد تورط في غبار المعركة بين السنة والشيعة.. إلا أنه كشف بوضوح أن الخلاف العقدي ليس هو دافعه.. بل الخلاف بين الحكومات.. 

دهشت.. ولم أملك إلا الصمت .. لأنني أقدر القائمين علي الموقع..

القنوات الفضائية التي ترفع لواء السلفية وتجاهلت أخبار الحرب تماما أو هاجمت المقاومة.. انتصرت المقاومة وسقطت القنوات.

*** 

حاشية"2"

صدام حسين

الأهرام 4-9 ذكرت صحيفة واشنطن بوست أمس أن نحو‏300‏ من زعماء العشائر العراقية يطالبون بالإفراج الفوري عن الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين‏,‏ وإسقاط التهم الموجهة إليه‏,‏ وتعهدوا بتنظيم مسيرات في جميع أرجاء العراق لدعم طلبهم‏.‏

نقل لي صاحبي الخبر وهو يقول أن حاكما من حكام العرب والمسلمين لا يمكن أن يطمع في الوصول إلى ذلك.. على العكس.. لو سقط أي واحد منهم سيشيع بملايين اللعنات.

***  

حاشية"3"


أنصار السنة وأنصار الشيعة 


بعد انتهائي من كتابة المقال عرضته على صنفين من الأصدقاء، كليهما من أهل السنة والجماعة والسلفيين ، لكن صنفا منهم يصل إلى تكفير الشيعة، والصنف الآخر يدافع عنهم..

أسعدني أن كلا من الطرفين كان يعتبرني في صفه ..

لكن ما أحزنني  هو أن كل فئة منهما رجتني أن أحذف بعض فقرات المقال.. وكنت أتساءل: هل تريد أن أحذفها لوجود خطأ في المعلومات أو الإسناد؟ فتكون الإجابة: لا.. ولكن هذه النقطة ستعطي الطرف الآخر حجة قوية ضدنا..

أحزنني أن الطرفين فعلا ذلك.. 

وكنت أقول لكل منهما في أسى:

- ليس لنا من الأمر شيء.. إنما أبحث عن الحقيقة مرعوبا أن أخطأ الطريق أو أن أَضل و أُضل.. ولست أبالي أين تكون الحقيقة فإن علىّ اتباعها أينما كانت وحيثما كانت.. لأن يغني عنا السلفيون أو الشيعة من الله شيئا.. ألم يكن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يقول لعمه العباس  ثم  للزهراء رضي الله عنهما: " يا فاطمة بنت محمد اعملي، فان محمدا لا يغني عنك من الله شيئا"  إن كان ذلك فإن ما علينا ليس أن ننتصر لهذا أو لذاك.. و إنما علينا أن ننتصر لما يغني عنا أمام الله يوم القيامة.. علينا أن ننتصر للحق..

***   

حاشية"4"


يا معشر السلفيين

يا بعض  معشر السلفيين: أيهم أكثر كفرا ونفاقا – بالمعنى المجازي لا بالحكم الشرعي- حزب الله أم كل الأحزاب الحاكمة في عالمنا العربي؟!..

يا بعض  معشر السلفيين: أيهم أكثر كفرا ونفاقا: المجاهدون الشيعة أم علماء الأزهر والمسجد الحرام وذلك الكلب من كلاب النار والذي يمنع – بقرار رسمي-  المساجد من الدعاء على الصليبيين واليهود؟!..

يا بعض  معشر السلفيين: أيهم أكثر كفرا ونفاقا: حاكم يحاول أن يحكم بما أنزل الله فيخطئ أم حاكم يحكم بما أنزله الأمريكيون واليهود؟!

يا بعض  معشر السلفيين: أيهم أكثر كفرا ونفاقا: من ينادي بعصمة الإمام أم من ينادي بعصمة الملك والرئيس والأمير.. بل وضابط الأمن..

***   

حاشية"5"


صحيفة الشعب 

تهنئة للقيادة الجديدة  لصحيفة الشعب الغالية – إن جاز للقلب المترع حتى الثمالة بالألم أن يهنئ.. خاصة أن العمل الفكري يستدعي الدعاء- ولا أقول العزاء-  قبل أن يستدعي التهنئة..

لكن ثمة أمر أذهلني في ثوب الشعب الجديد.. أرجو أن يكون سهوا أو خطأ فنيا أو مشكلة في الموقع.... هذه المشكلة  تتعلق بحذف أرشيف الشعب..

أرشيف الشعب الذي يحتوي على تاريخ أمة وضمير شعب .. وتعطرها مقالات الرواد العظام كمقالات  فتحي رضوان وعادل حسين وحلمي مراد و..و..و..

كل ذلك حذف فبدت الشعب الجديدة دورا من عمارة شاهقة  معلقا في الهواء بعد أن هدمت الأدوار السفلية والأساس....

لا خير فيّ إن لم أقلها ولا خير فيكم إن لم تسمعوها.. و أنتم تذكرون أنني انتقدت الأستاذ إبراهيم شكري والأستاذ عادل حسين أيام صدور الشعب الورقية.. كما انتقدت الأستاذ مجدي حسين في الشعب الإليكترونية..

أرجو.. و أتمنى.. و ألح  أن تتدارك إدارة الصحيفة– ولنعترف أنها تجاوزت الحزب.. و أن محاولة حبس الصحيفة في إطار الحزب  هو في الواقع قضاء عليها- هذا الأمر الشنيع الذي لا أتصور له حتى الآن دافعا آخر غير السهو والخطأ..

يتصور البعض احتمالات لا أوافقهم عليها .. فمثل هذه الاحتمالات تليق بحزب كالوطني لا بحزب العمل..

ويتصور الآخرون أن إلغاء الأرشيف كان مطلبا لفك الحجب عن موقع صحيفة الشعب.. 

أرجو إعادة الأرشيف حتى لو أعادوا حجب الموقع..!!


*** 

حاشية"5"


نجيب محفوظ  و كلاب النار و أفكارهم النجسة


هناك أمران لابد من ذكرهما.. أولهما أن رواية أولاد حارتنا هي رواية إلحادية دون جدال.. وأي محاولة للإنكار مغالطة عارية.. الأمر الثاني أن الأعمال الأخيرة لنجيب محفوظ تشي بإيمان عميق.. بل عميق جدا.. وقد كنت أخشى أن يقتصر هذا الإيمان على الجانب الفلسفي والفكري دون الجانب التعبدي.. لكنني قرأت أنه كان مواظبا على الصلاة وكان يتيمم لصعوبة الوضوء.. كما أن آخر ما نطق به في حياته كان كلمات: يا رب.. يا رب.. يا رب..تغمده الله برحمته .. لقد كان عملاقا..

كلاب النار من العلمانيين والشيوعيين الفجار والكفار أهملوا هذا الجانب تماما وهم يكيلون له المديح.. ولقد اهتموا بأمرين: أنه – رحمه الله – كان مستنيرا ولذلك كان يكره الشهيد سيد قطب وأنه لم يكن يكره اليهود!!..

سب هذا أم مدح يا كلاب النار.

*** 


حاشية"6"


جمال البنا



الحمد لله الذي أوقع هذا السيخ في مزيد من التخاريف كي يدرك الناس حقيقة علمه  ونواياه والجهات المسيطرة عليه .. ومرة أخرى أذكر القراء أن مجمع البحوث يرفض معظم فتاواه كما وصم كتابين على الأقل من كتبه بالكفر الصريح..

*** 

حاشية"7"


فؤاد علام  



شكرا  للإخوان الذين زلزلوا هذا الطاغية حتى لو انعدم الأمل في القصاص منه لأن جميع من في السلطة لا يقلون عنه وحشية و إجراما وخسة .. و إن كان هو قد قتل الشهيد – إن شاء الله كمال السنانيري,  فيوجد مئات و آلاف من كلاب النار حطب جهنم قتلوا المئات وعذبوا الألوف..

كلما رأيت صورته على شاشات الفضائيات انبثقت الصورة أمام ناظريّ كما لو كنت قد عاصرتها.. صورة أبي لهب وهم يقذفونه بالأحجار صارخين: اقتلوا الحميت الدسم.. فأدعو الله أن يميته ميتة أبي لهب و أن يدفن دفنته و أن يلقى جزاءه في الدنيا والآخرة..

ثم كلمة عتاب أقرب للازدراء لكل البرامج الفضائية التي استضافته كخبير إعلامي.. ولم يكن سوي قاتل مجرم..

*** 

*** 

*** 



بريد القراء



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

أرجو أن تكون بخير حال وصحة يا أستاذنا الكبير

 

قرأت رسائل القراء في مقالك الأخير وحزنت لتخبط الناس الشديد في حكم حزب الله وهل هو رافضي وهل تجوز نصرتهم وهل هم على حق وغير ذلك من التشتت والتخبط.

في الحقيقة يا أستاذنا ومنذ أن كنت صغيرة وأنا اعتبر حزب الله وجنده هم المجاهدين الأبرار وهم نصرة الحق والعزة والكرامة وعندما حدثت الحرب الأخيرة على لبنان كنت من أشد المتحمسين لحزب الله وكنت أدعو لهم ليل نهار وإذا تحدث احد عنهم بسوء أمامي أثور واغضب .. المهم بعد فترة من صدور  وانتشار فتاوى شيوخ السعودية وكلام الناس عن الشيعة أردت أن ابحث بنفسي وأنا والحمد لله أعود إلى الحق مهما كان إذا اتضح لي انه الحق المهم أخذت ابحث وأقرا عن عقيدة الشيعة ومذاهبهم وتاريخهم ونشأتهم .....

وللأسف الشديد كانت الصدمة في النهاية نعم والله صدمت وهالني ما قرأت وشاهدت بأم عيني من فساد للعقيدة وشرك بالله وسب للصحابة وأمهات المؤمنين وبدع ما أنزل الله لها من سلطان والأدهى من ذلك هو كرهم الشديد للسنة ودعوتهم لنا بالنواصب بل و استباحة أموالنا وأعراضنا ودمائنا 

قرأت في تاريخهم فلم أجد إلا تاريخ اسود ملطخ بدماء المسلمين ملطخ بالخيانة في اشد صورها مذابح وخيانات ومؤامرات وكره شديد لأهل السنة .. يالله ما هذه القلوب وما هذه الوحشية 

أنا لن أريد أن أطيل عليك يا أستاذنا .. أنا أضم صوتي لقرائك اللذين يريدون أن يسمعوا رأيك واسمح لي أن أرفق رسالتي ببعض المواقع التي تفضح عقيدتهم الباطلة بالصوت والصورة وكذلك أرفق احد المقالات التي اعتبرها في غاية الأهمية لبيان المخطط الخبيث من قبل الشيعة لتقويض أركان هذا الدين ونشر عقيدتهم الفاسدة .. تحياتي لك يا أستاذنا وارفع أكفى إلى السماء داعية الله أن يكشف هذه الفتنة عن المسلمين وان يريهم حقيقة هؤلاء المشركين 

نهاية أريد أن أقول كلمة من وجهة نظري أن الشيعة اشد اخطر علينا من اليهود والنصارى 

http://kasralsanam.com/

http://www.dhr12.com/

http://www.almokhtsar.com/html/artical/394.php

بسنت

*** 


...... الدكتور محمد عباس 

  الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا علي الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد بيده الخير يحي ويميت وهو علي كل شيء قدير رب إن الهدي هداك وآياتك تهدي بها من تشاء وإذا الهداية حلت في قلب نشطت للعبادة الأعضاء يا ذا العرش المجيد يا فعالا لما تريد أسألك بعزك الذي لا يضام وملكك الذي لا يرام أن ترفع عنا ما نزل بنا من البلاء اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أعلم أن الله علي كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن كل دابة أنت أخذ بناصيتها إن ربي علي صراط مستقيم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقول الحق وهو يهدي السبيل وأشهد أن محمد عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدي الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي أل سيدنا محمد كما صليت وباركت علي سيدنا إبراهيم وعلي أل سيدنا إبراهيم في العالمين انك حميد مجيد ثم أما بعد أخوة الإسلام في زمن اختلت فيه المفاهيم وزيفت فيه الحقائق وشوه فيه وجه الحق ولبس فيه الحق ثوب الباطل ونفر الناس منه ولبس الباطل فيه ثوب الحق وجمل وزين للناس وسط خضم هائل من الأباطيل والأكاذيب من بني جلدتنا وممن ينتسبون إلي ديننا ويتحدثون بألسنتنا وسط هذا كله يحتاج المسلم إلي وقفة مع الله يعيد بها الأمور إلي نصابها الصحيح الذي يرضي ربنا جل وعلا والحق جل وعلا علمنا أن المسلم إذا اختلطت عليه الأمور فإن له مرجعية ثابتة لا تتغير ولا تتبدل وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم وأولي الأمر في القران عندما تذكر يقصد بها الفقهاء يحتاج المسلم إلي هذه المرجعية لأنه من المؤسف والمخزي أنه بمجرد أن يفتح ملف القضية الفلسطينية ويطرح للحوار حني تستمع إلي كم هائل من الأكاذيب والأباطيل التي وإن أقنعت الناس في الدنيا فهي لا تساوي شيئا عند الله . كلاما مزوقا من هؤلاء الذين أخبر عنهم الحق جل وعلا ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو أشد الخصام وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد من هؤلاء الصنف من الناس الذين لا يفعلون الخير ولا يريدون لأحد أن يفعله أصحاب النظرية القديمة الحديثة لو نعلم قتالا لأتبعناكم فمن قائل إن الفلسطينيين باعوا قضيتهم أو أننا لا شأن لنا بشئون الآخرين أو أننا أدينا ما علينا   لهم وزيادة وينبغي أن نلتفت إلي مصالحنا وسط كل هذا ينبغي علي المسلم أن يتلمس طريقه إلي رضا خالقه بعيد عن أن يرضي الناس أو يسخطوا أخوة الإسلام يقول علماء الفقه أن هناك علي وجه الأرض ثلاثة أماكن تسمي في الفقه الإسلامي أرض أوقاف إسلامية ما معني أرض أوقاف إسلامية أرض أوقاف إسلامية معناها أنها ليست ملكا لأحد ليس من حق أحد أن يتصرف فيها ليس من حق أحد أن يتنازل عنها ليس من حق أحد أن يتفاوض حولها تماما كما لو دخلت أنت الآن إلي المسجد فوجدت داخله مصاحف مكتوب عليها وقف لله تعالي هذه المصاحف ملك لمن لله أنا أقرأ فيها وأتركها مكانها أنت تقرأ فيها وتتركها مكانها هل لو دخلت أنا الآن إلي المسجد وأخذت هذه المصاحف وقمت ببيعها ما حكم هذا البيع بيع باطل لأن من لا يملك تصرف فيما لا يملك التصرف فيه هذه الأماكن هي مكة المكرمة وبها المسجد الحرام والمدينة المنورة وبها مسجد النبي صلي الله عليه وسلم وفلسطين القدس الشريف وبها المسجد الأقصى هذه الأماكن تسمي أرض أوقاف إسلامية لأن الذي يزعم الآن أن الفلسطينيين باعوا فلسطين أسأله أنا الآن هل لو خرج أهل الحجاز الآن مثلا وقالوا سنسلم مكة للأمريكان هل يجرؤ مسلم علي وجه الأرض أن يقول وما دخلنا نحن بمكة الذي ذكر المسجد الحرام ذكر معه في نفس الآية المسجد الأقصى سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير والنبي صلي الله عليه وسلم علمنا لا تشد الرحال إلا إلي ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد النبي صلي الله عليه وسلم والمسجد الأقصى علمنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجد النبي صلي الله عليه وسلم بألف صلاة والصلاة في المسجد الأقصى الأسير بألف صلاة علي الصحيح ما مستقبل هذه القضية ما مستقبل قضية فلسطين هل القضية ستحسم عبر مفاوضات السلام كما يزعمون أو عبر المفاوضات الثنائية أو عبر ما يسمي بمفاوضات الوضع النهائي أو عبر أغصان الزيتون مستقبل القضية حسمه الحق جل وعلا في آيتين في كتاب الله وحسمه رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديث من أحاديثه يقول الحق جل وعلا في صدر سورة بني إسرائيل سورة الإسراء بعد أن سجل معجزة الإسراء بنبينا صلي الله عليه وسلم وقضينا إلي بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا وتم القضاء علي الإفسادة الأولي لليهود يقول الحق جل وعلا مخاطبا اليهود ثم رددنا لكم الكرة عليهم يا يهود أعدنا لكم سبل الظهور مرة أخري وأمددناكم بأموال وبنين عندما تقرأ القران تقول صدق الله اليهود الآن يتحكمون في الاقتصاد العالمي فيفرضون الحصار علي من يشاءون ويصلون من يشأوون ويمنعون من يشأوون ثم تأتي قمة الإعجاز ألقراني وجعلناكم أكثر نفيرا ما معني وجعلناكم أكثر نفيرا أي جعلنا صوتكم هو المسموع في الدنيا بأسرها فالعالم الآن بأسره يتحدث بألسنة اليهود فيبحثون عن أمن اليهود وتأمين حياة اليهود وتأمين دولة اليهود بل إن بعض من ينتسبون إلي ديننا ويتحدثون بألسنتنا يتحدثون الآن بألسنة اليهود فتستمع إلي أحدهم وهو يحدثك بتأثر شديد جدا عن جندي الحراسة اليهودي المسكين الذي يقف ليؤدي دوره الوطني في الحراسة فيخرج عليه الطفل المتوحش الهمجي ليضربه بالحجارة الذي يقول هذا الكلام يزعم أنه مسلم أكثر من الجميع عندما تسمع هذا الكلام تقول صدق الله وجعلناكم أكثر نفيرا يا يهود أمامكم طريقين لا ثالث لهما إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها أي فلنفس المصير الذي أل إليه أمر الإفسادة الأولي فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علو تتبيرا كيف دخلوه أول مرة بمفاوضات السلام أو بأغصان الزيتون أو بمفاوضات الوضع النهائي لا. دخلوه أول مرة بعباد لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا مستقبل القضية حسمه الحق جل وعلا في خاتمة سورة الإسراء بعد أن سجل الحق جل وعلا قصة كليم الله موسي مع فرعون يقول الحق جل وعلا ولقد أتينا موسي تسع آيات بينات فسئل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسي مسحورا جاء كليم الله موسي إلي فرعون إني رسول رب العالمين قال له فرعون إني لأظنك يا موسي مسحورا قال ما دليل نبوتك فألقي عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين فقال له فرعون هذا أمر يسير عندنا مثله الكثير سنأتي لك بمثله وأكثر منه قال كليم الله موسي لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا فلما فشل في لغة الحوار لجأ كعادة الجبابرة إلي لغة البطش والتنكيل لا حوار بعد الآن سنحسم القضية بمنطق القوة والبطش فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا وطويت صفحة الفراعنة لتفتح صفحة من أسوء صفحات التاريخ البشري صفحة اليهود وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض عيشوا في شتات لا تتجمعوا في مكان واحد فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ليتحقق فيكم وعد الله عباد لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا يا رب هذا الكلام لا فصال ولا رجعة فيه ألا يمكن أن يكون هناك مستقبل أفضل للقضية خير من هذا الحسم الذي حسمت به قال وبالحق أنزلناه وبالحق نزل مستقبل القضية حسمه رسول الله صلي الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه بسنده متصلا إلي سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لن تقوم الساعة حني يقاتل المسلمون اليهود فيختبئ اليهودي وراء الشجر والحجر فينطق الله الشجر والحجر فيقول ماذا سيقول يا مصري يا سوري يا فلسطيني يا عربي لا فينطق الله الشجر والحجر فيقول يا مسلم يا عبد الله وهذه هي جنسية المسلم الحقيقية جنسية المسلم عقيدته أينما ذكر اسم الله في بلد عددت هذا البلد من صلب أوطاني عددت هذا البلد من صلب أوطاني يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعال فاقتله إلا الغرقد فانه من شجر اليهود اليهود يؤمنون بكلام نبينا أكثر من إيمان بعض المسلمين به إنهم لا يقيمون مغتصبة من مغتصباتهم ولا مستوطنة من مستوطناتهم ولا بيت من بيوتهم إلا ويحيطونه بشجر الغرقد أحدهم في عام 1977 لما قلنا أنه ينبغي علينا أن ننسي الماضي ونفتح صفحة جديدة في التعامل مع اليهود فهؤلاء أبناء العمومة هؤلاء يهود معدل يهود محسن يهود طباقي هؤلاء غير اليهود السابقين جيء بأحد اليهود إلي بلد من بلاد المسلمين ليدعوا لفكرة السلام ويروج لها وظل هذا اليهودي يتحدث عن تقبل الأخر وعن المعايشة السلمية وما إلي ذلك وبعد أن انتهي تقدم إليه أحد الصحفيين الأجانب قائلا  له أنت الآن تدعو إلي السلام هنا والناس من حولك لا يؤمنون بهذا الكلام إنهم يزعمون أن محمدا _يقصدون نبينا صلي الله عليه وسلم _ قال لن تقوم الساعة حني يقاتل المسلمون اليهود ما تعليقك علي هذا الكلام واليهودي أمام الدنيا بأسرها يقول مادام محمد قال فسيحدث لكن لا نحن ولاهم لا نحن اليهود الذين سنقتل ولا هؤلاء يصلحون أن يكونوا مسلمين  سيقتلوننا وكل يعمل لعصره وظل يشرح قضية اليهود في العالم قائلا إن هرتزل مؤسس الصهيونية ظل يحلم بدولة اليهود خمسين عاما من 1897 إلي 1947 ومات قبل أن يري وجودها وجئنا نحن وأقمناها ونحن نعلم أن جيل الصابرة _جيل الصابرة هم اليهود الذين ولدوا في فلسطين بعد الاحتلال نسبة إلي مذبحة صابرا وشاتيلا لأن اليهودية ديانة وليست جنسية ولذلك كان اليهود عندما يتحدثون عن الجنسية لهم يقولون مثلا هذا يهودي ألماني يهودي مصري وهكذا _ فقال نحن نعلم أن جيل الصابرة لا يؤمن بالقضية ولكن كل يعمل لعصره كل واحد مسئول عن الفترة الزمنية التي يعيشها فسأله الصحفي متي تتوقع حدوث ذلك فقال يوم أن تدخل إلي مساجد المسلمين فتجد عدد المسلمين في صلاة الفجر كعددهم في صلاة الجمعة فأعلم أن هؤلاء أخذوا طريقهم إلي النصر لن تقوم الساعة حتي يقاتل المسلمون اليهود فيختبئ اليهودي وراء الشجر والحجر فينطق الله الشجر والحجر فيقول يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعال فأقتله إلا الغرقد فإنها من شجر اليهود قد يقول قائل ويتساءل متسائل أليس الإسلام دين السلام أليس الإسلام دين الرحمة فلم لا تحل القضية سلميا وتجد من يسرع إليك بمناسبة وبغير مناسبة ليقرأ علي مسامعك قول الحق جل وعلا ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) الذي يردد هذه الآية يصنع تماما كما لو جئت أنا الآن لأقول لك إنني لن أصلي بعد ذلك فإن سألتني لماذا لا تصلي أقول لك الله يقول لا تقربوا الصلاة ويقول فويل للمصلين فأنا لن أصلي ماذا فعلت أنا قطعت مراد الحق جل وعلا من سياقه فلم أكمل مراد الحق جل وعلا من كلامه لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذي يقول لنا وإن جنحوا للسلم فاجنح لها نسأله لماذا لا تقرأ علي مسامعنا الآية السابقة لهذه الآية وإن جنحوا للسلم فاجنح لها أية رقم 61 من سورة الأنفال قبلها مباشرة وفي الآية رقم 60 من نفس السورة يقول الحق جل وعلا ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ) بعد أن تمتلكوا القوة التي تحمي أعراضكم وتحمي دمائكم وتحمي مقدساتكم إن أراد أعداء الإسلام بعدها أن يجنحوا للسلم فأجنح لها أما الحديث عن السلام بعيد عن القوة التي تحميه فإن اسمه الحقيقي استسلام اسمه هوان هكذا سماه الحق جل وعلا وهو يحدثنا في خاتمة سورة القتال سورة محمد صلي الله عليه وسلم ( فلا تهنوا _ ما علامة هذا الهوان يا رب قال _ وتدعوا إلي السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم ) وانظر إلي إعجاز الحق جل وعلا في كلامه وهو يرد علي دعاوى المتخاذلين الذين يصدعون رؤوسنا ويصدعون أدمغتنا ليل نهار عن أن الميزان العسكري ليس في صالح المسلمين وأننا لا نملك من القوة والعتاد ما يكفل لنا مواجهة هؤلاء وأن أي تفكير في مواجهة هؤلاء يعتبر انتحار جماعي انظر إلي إعجاز الحق وهو يقول وأعدوا لهم وأعدوا لهم ماذا وأعدوا لهم ما استطعتم ولم يقل واعدوا لهم مثلما أعدوا لكم من قوة فلو قال وأعدوا لهم مثلما أعدوا لكم لكان من المفترض علي المليار ونصف مليار مسلم الموجودين علي ظهر الأرض أن يضعوا أحذيتهم في أفواههم تدنس المقدسات تنتهك الأعراض تسفك الدماء نحن لا نملك قوة نواجه بها هؤلاء أما وأعدوا لهم ما استطعتم فالمطلوب منا أن نأخذ بالأسباب ثم بعد ذلك وما النصر إلا من عند الله ( فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمي ) يا رب هذه البشارة للنبي وحده قال لا وليبلي المؤمنين منه بلاء حسن كل من سيسير علي نهج النبي فله نفس البشارة وليبلي المؤمنين منه بلاء حسن رحم الله سيدنا عبد الله بن رواحة الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه القائد الثالث في غزوة مؤتة  عندما فوجئ  المسلمون بعدد الرومان وكانوا يومها مئتي ألف مقاتل 200ألف مقاتل يواجهون جيش المسلمين الذي كان تعداده ثلاثة ألاف 3 ألاف فعقد سيدنا زيد بن حارثة القائد العام للمسلمين مجلسا استشاريا لقادة أركان القوات المسلحة الإسلامية يشاورهم في طبيعة المواجهة وانحصرت الأراء في ثلاث مقترحات الأول كان يري أن يعود الجيش مرة أخري  للنبي صلي الله عليه وسلم في المدينة ويعرضوا عليه طبيعة الأمر وينفذوا أوامره إما أن يأمرهم بالبقاء في المدينة ولا داعي لهذه المواجهة وإما أن يمدهم  بمدد وإما أن يأمرهم بالعودة لمواجهة الرومان مهما كانت الظروف وهنا وقف سيدنا عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وأرضاه ليقول كلمات ينبغي أن تكتب بماء الذهب بل إنها لو كتبت بماء الذهب لكان إجحافا لحقها وقيمتها فقال يا قوم إن التي تكرهون للذي خرجتم تطلبون _الشهادة في سبيل الله _ووالله ما نقاتل عدونا بعدد ولا عدة إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به  فلنلحق بالإخوان نرافقهم في الجنان فكانت كلمات سيدنا عبد الله بن رواحة سببا في تثبيت المسلمين فأقبلوا علي المواجهة مع الرومان ولقنوهم درسا قاسيا يردد التاريخ أثاره إلي اليوم هذا هو منهج الإسلام في قضية القوة  يقولون ألستم تزعمون أن الإسلام دين شامل لكل مناحي الحياة وأن الحق جل وعلا ما فرط في الكتاب من شيء نحن نريد الآن أن نوجد حلا سلميا لهذه القضية بعيدا عن المواجهة العسكرية وعن الحروب والقتال الحل السلمي لهذه القضية أن كل كلب من اليهود أتي من مكان يرمي فيه مرة أخري أين كانوا قبل أن يأتوا ويحتلوا فلسطين كانوا مشتتين في أنحاء العالم يعودون إلي شتاتهم تنتهي القضية أما إنهم لن يفعلوا فلا مستقبل للقضية إلا كما أخبر الحق في كتابه عباد لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا يقولون إن الحروب هلاك ودمار ولا تأتي بخير ولا تحسم قضايا ونتساءل من الذي يحدد الخير والشر للناس من الذي يحدد الخير والشر لبني البشر ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير سبحانه وتعالي قل أأنتم أعلم أم الله سبحان الله ونتساءل يا خالق ما حقيقة هذا الكلام المزعوم عن أن الحروب هلاك ودمار ولا تأتي بخير ولا تحسم قضايا وتجد الحق جل وعلا يجيبنا في سورة البقرة ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم _ أنتم تقولون الحروب هلاك ودمار ولا تأتي بخير ولا تحسم قضايا _فأين الحقيقة يا رب _قال وعسي أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسي أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) يقولون أنظل طوال أعمارنا نحارب عن الناس وتجد الحق يجيبنا في صدر سورة العنكبوت ( ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ) أنت لا تقاتل نيابة عن الآخرين بل إنك تفعل ذلك لتحمي وتجير نفسك من موقف حساب عسير يكون الحساب فيه حساب فردي ويأتينا فردا ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفي بنا حاسبين ) يقولون لقد خضنا من الحروب وحدنا ما يكفي ويزيد كفانا قتالا الذي يردد هذه الكلمات يصنع تماما كما لو جئت أنا الآن لأقول إنني أصلي مثلا منذ عشرين عاما وأصوم منذ خمسة عشر عاما والآن سأكتفي بهذا الرصيد السابق من الصلاة والصيام ولن أصلي أو أصوم بعد ذلك هل يجدي مثل هذا الكلام الذي فرض الصلاة وفرض الصيام هو الذي فرض الجهاد الذي علمنا ( إن الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا ( وعلمنا (كتب عليكم الصيام ) هو الذي علمنا ( كتب عليكم القتال ) قد يقول قائل ويتساءل متسائل وماذا أفعل أنا ماذا بيدي أن أعمله مطلوب من كل واحد منا أربعة أشياء علي الأقل الذي يفرط في واحد من هذه الواجبات الأربعة يعتبر نفسه يشارك اليهود فيما يصنعونه في فلسطين ويشارك الأمريكان وغيرهم من أعداء الإسلام علي امتداد أرض الإسلام  1_ الواجب الأول الاستعداد النفسي والبدني للمواجهة المواجهة قادمة لا محالة بنا أو بغيرنا شئنا أم أبينا الموجهة قادمة لا محالة سواء زعمنا أننا دعاة سلام أو أن بيننا معاهدات والله إن كان اليهود قد صانوا عهدهم مع ولي نعمتهم مع خالقهم فليصونوا عهدهم معكم إن كان اليهود قد صانوا عهدهم مع خير خلق الله من الأنبياء والرسل وخاصة مع نبينا صلي الله عليهم جميعا وسلم فلننتظر نحن أن يصونوا عهودهم معنا لكن الأمر كما صوره الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما حدثت الفتنة في عهده قال أكلت يوم أكل الثور الأبيض تعرفون هذا المثل كانوا قديما قبل تطوير التعليم المزعوم يدرسوه لنا كانوا يقولون أن هناك ثلاثة من الثيران يعيشون في مكان واحد لهم كبير يرجعون إليه لهم خليفة يحمي أعراضهم ودمائهم ومقدساتهم وفي يوم من الأيام دخل الذئب في وسطهم فكان كلما أراد أن يعتدي عليهم أو ينتهك لهم عرضا أو يدنس لهم مقدسا اجتمعوا جميعا عليه ودفعوه وفي يوم انفرد الذئب بالثور الأحمر والثور الأسود فقال لهم أنتم الزعماء أنتم الكبار الثور الأبيض لا ينتمي إليكم فأنتم أرقي نوعا وجنسا ماذا تريد لا أريد منكم شيئا تلتزمون الصمت حتي أنتهي من الثور الأبيض ثم تصبح الأرض لكما بدلا من أن تقسم علي ثلاثة تقسم علي اثنين والتزمنا الصمت وضاعت الأندلس ونسينا الأندلس أصبحت أسبانيا والبرتغال وأصبح علينا أن لا نتدخل في شئون الآخرين وأن نكون أمة عقلانية أمة واقعية فالواقع يقول أنه لا وجود الآن للأندلس وأي حديث عن الأندلس الآن حديث بلا عقل وليس له قيمة أوثمن وأكل الثور الأبيض أيام وأحس الذئب بالجوع فكان كلما أراد أن يدنو من الثور الأحمر والثور الأسود اجتمعوا عليه ودفعوه كان كلما أراد أن ينتهك لهم عرضا أو يسفك لهم دما أو يدنس لهم مقدسا وجد من يقف أمامه ويقول إن فلسطين ليست ملكي ولا ملك أبائي إنها أرض أوقاف إسلامية تريدون أن تأخذوا فلسطين علي جثتي وبالفعل ما جروء اليهود أن يحتلوا فلسطين إلا بعد أن قضوا علي الخلافة الإسلامية العثمانية علي يد المجرم أتاتورك التي للأسف نعلم أبنائنا الأن الاحتلال العثماني للوطن العربي نعلم أبنائنا مساوئ الحكم العثماني ونعلمهم محاسن الحملة الفرنسية وانفرد الذئب بالثور الأسود فقال له أنت الزعيم الأوحد أنت الحكيم أنت كذا وأنت كذا ماذا تريد لا أريد منك شيء تلتزم الصمت حتي أنتهي من الثور الأحمر ثم تصبح الملك الأوحد الملك المتوج والتزمنا الصمت وضاعت فلسطين ولبنان والبوسنة والهرسك والشيشان وأفغانستان وتركستان الشرقية والغربية وكشمير والعراق وكل يوم جرح جديد ينسون بها الجراح القديمة وأكل الثور الأحمر أيام وأحس الذئب بالجوع فهجم علي الثور الأسود الثور الأسود لما رأي الذئب قادما نحوه قال أكلت يوم أكل الذئب الأبيض أنا ما ضعت اليوم لكني ضعت يوم أن سكت عنك وأنت تنتهك أعراضنا في العراق يوم أن سكت عنك وأنت تدنس مقدساتنا في فلسطين يوم أن سكت عنك وأنت تشرد أهلينا في أفغانستان والشيشان يوم أن سكت عنك وأنت تحاصر اخواننا في إيران وجنوب لبنان أكلت يوم أكل الثور الأبيض الواجب الأول الاستعداد النفسي  والبدني للمواجهة فالنبي صلي الله عليه وسلم علمنا من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات علي فراشه 2_ الواجب الثاني التعريف بالقضية هذا الكلام الذي اطلعنا عليه ما كنا نسلي به مجالسنا ولكنه أصبح أمانة في عنق كل واحد منا نعلمه لأزواجنا ولأبنائنا ولأهالينا ولأصدقائنا ولمن نتعامل معهم أن القضية ليست قضية قومية ولا عربية ولا إقليمية ولكنها قضية إسلامية قضية عقيدة جنة أو نار هات زوجتك قل لها إن لك أخت في الله في مثل سنك ينتهك عرضها لأنها مسلمة هات ولدك الصغير قل له يا بني إن لك أخ في الله في مثل سنك يصطاده القناصة المجرمون ويتاجر به في سوق الرقيق وفي سوق تجارة الأعضاء البشرية ويصرف عن دينه ترغيبا أو ترهيبا لأنه مسلم 3_ الواجب الثالث المقاطعة الاقتصادية والدعم المادي لأهل الجهاد نعم المقاطعة الاقتصادية لكل ما هو يهودي أو أمريكي أو بريطاني أو أي من الدول التي تقف خلف جراحنا النازفة ولعل المنتج الذي يلوث معظم بيوت المسلمين إلا من رحم الله مسحوق التنظيف اريال وتجد المسلم الخائب يقول اريال بيقدم جوائز ونبحث عن الجنية الذهبي ثم ونحن في فصل الصيف نبحث عن كوكاكولا وبيبس وسفن أب وتجد من المغفلين من يقول يعني هذه الزجاجة هي التي ستقتل المسلمين الذي يدفع قرشا واحدا أو فلسا واحدا ثمنا لمنتج يهودي أو أمريكي أو بريطاني أو أي من الدول التي تقف خلف جراحنا يعلم أنه يدفع ثمن رصاصة يقتل بها مسلم فلينظر كيف سيلقي الله بعدها وأسمع إلي حديث النبي صلي الله عليه وسلم الذي رواه الإمام بن ماجة في سننه بسنده متصلا إلي سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( من أعان علي قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة _ لو قال أق نصف كلمة أقتل فكانت سببا في مقتل امرئ مسلم  _ وقبل أن يكمل كلمته كان المسلم قد قتل _ لقي الله يوم القيامة وقد كتب بين عينيه ايس من رحمة الله ) هذا لمن قال نصف كلمة فكيف بالذي يدفع ماله ليقتل به مسلم ثم الدعم المادي لأهل الجهاد ليس تبرع لهم ولا تفضل عليهم بل هو حقهم علينا في رقابنا سنسأل عنه يوم القيامة أمام الله يكفيهم شرفا أنهم يقفون علي ثغر الإسلام يدفعون عنه بل يزودون عن الأمة بأسرها كما أخبر النبي صلي الله عليه وسلم في حديثه ) من يرد الله به خيرا يفقه في الدين وإنما أنا قاسم والله سبحانه وتعالي يعطي ولا تزال طائفة من أمتي قائمين علي الحق لا يضرهم خذلان من خذلهم حتي يأتي أمر الله وهم علي ذلك ) في غير رواية الإمام مسلم ( قالوا وأين هم يا رسول الله قال يقاتلون علي أبواب بيت المقدس وفي أكناف بيت المقدس ) نحن لا نمتن عليهم هذا حقهم سنسأل عنه يوم القيامة 4_ الواجب الرابع وهو أخطر الأسلحة علي الإطلاق الدعاء الدعاء الدعاء الدعاء الدعاء أدع لإخوانك وأنت وحدك أدع لهم وأنت بين أهلك وأنت في عملك إذا ما جلست إلي مائدة طعامك وشرابك فتذكر أن لك اخوة في الله لا يجدون القوت الضروري فادع لهم إذا ما جلست في بيتك بين زوجتك وأولادك فتذكر أن لك اخوة في الله لا يجدون الأمن بين أهليهم وأزواجهم وأولادهم فادع لهم إذا ما ذهبت إلي عملك فتذكر أن لك اخوة في الله لا يجدون الأمن في أعمالهم فادع لهم إذا ما مشيت في الشارع فتذكر أن لك اخوة في الله لا يجدون الأمن في شوارعهم فادع لهم الدعاء الدعاء الدعاء الدعاء الدعاء إننا نستعين بالله علي الباغين بسهام السحر في الثلث الأخير من الليل عندما ينزل ربنا إلي السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر فأغفر له هل من تائب فأتوب عليه هل من صاحب حاجة فأقضيها له وبدعاء كل أشعث أغبر لو أقسم علي الله لأبره فالنبي صلي الله عليه وسلم علمنا رب أشعث أغبر لا يؤبه له لو أقسم علي الله لأبره إن لم نفعل فلنسمع إلي تحذير الحق جل وعلا ( يا أيها الذين امنوا من يرتد منكم عن دينه ) ماذا سيحدث يا رب أيضيع الدين لأننا فرطنا فيه أيضيع الدين لأننا أدرنا ظهورنا له لا ) من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ) طيب ما إحنا بنحب ربنا و نزعم أننا نحب الله . لا حبهم غير حبنا . حبنا من ذلك النوع من الحب السلبي الذي لا قيمة له ولا ثمن الحب الجبان الحب الكلامي الذي لا قيمة له ولا ثمن لا يقيم حقا ولا يعيد مغتصبا ولا يحمي عرضا ولا يطهر مقدسا أما حبهم فهو من ذلك الحب العملي الإيجابي ما دليل حبهم لك يا رب قال ( يجاهدون في سبيل الله ) يا رب إن هذا الطريق غير مأمون  العواقب سيجلب عليهم المتاعب والضغوط سيواجهون القوي العظمي قال ( ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ) يا رب النظام العالمي الجديد وفرض الحصار والتجويع والقتل والتشريد سيضعوننا علي قائمة الإرهاب الدولي وسيبدأون ضدنا حرب الإرهاب طويلة المدى سيفرضون علينا الحصار الاقتصادي ماذا نفعل مع كل هذا قال) إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنو الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ( يا رب وهل يجدي هذا مع قوة غاشمة لا تخضع لا لدين ولا لشرع مع قوة نووية قال ( ومن يتول الله ورسوله والذين امنوا فإن حزب الله هم الغالبون ) إن لم نفعل فلنسمع إلي تحذير الحق جل وعلا في خاتمة سورة القتال سورة محمد صلي الله عليه وسلم يقول الحق جل وعلا ( هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا ) ماذا سيحدث يا رب أتضيع القضية لا ( يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) ولأمر ما تأتي هذه الآية خاتمة سورة القتال سورة محمد صلي الله عليه وسلم بعدها مباشرة قول الحق جل وعلا في فاتحة سورة الفتح ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) ما العلاقة بين قول الحق جل وعلا ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ) وبين قول الحق ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) كأن الحق جل وعلا يعلمنا وإن تتولوا عن نصرة دينكم يستبدل قوما غيركم يعملون لهذا الدين فيأتي الله بالفتح علي أيديهم ف ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) أخوة الإسلام تعلمنا في مدرسة الإسلام اعلموا ما شئتم أن تعلموا فلن تؤجروا علي علمكم حتي تعملوا بما علمتم والعلم يهتف بالعمل وإلا ارتحل سأل الفضيل بن عياض _ رضي الله عنه وأرضاه وهو من أئمة التابعين الكرام _ سأل رجلا ذات يوم أراد أن يعظه فسأله كم لك من العمر فقال الرجل ستون عاما وإذا بالفضيل بن عياض يتابع الموعظة إذن أنت منذ ستين عاما تقدم إلي ربك _ تقتطع من عمرك المحدد _ أوشكت أن تصل إليه فقال الرجل إنا لله وإنا إليه راجعون وإذا بالفضيل يتابع موعظته أتدري ما معني إنا لله وإنا إليه راجعون _ أم أنها كلمات ترددها بلسانك لا تعلم لها معني ولا تفهم لها فحوي _ من علم أنه إلي الله راجع فليعلم ِأنه بين يدي الله موقوف ومن علم أنه بين يدي الله موقوف فليعلم أنه بين يدي الله مسئول ومن علم أنه بين يدي الله مسئول فليعد لكل سؤال جوابه فليعد لكل سؤال جوابه فبكي الرجل وقال ما العمل يا فضيل ما النجاة ما المخرج كيف السبيل قال أحسن فيما بقي لك يغفر الله لك ما قد مضي وإن أسأت فيما بقي أخذت بما مضي وما بقي أسأل الله العلي العظيم أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلي الله إن الله بصير بالعباد هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده وله الحمد والمنة وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان الرجيم والله ورسوله منه براء وأعوذ بالله  أن أذكركم به وأنساه أسأل الله العلي القدير أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


 أخوكم أبو رقية وحذيفة وصهيب

 أحمد سليمان سليمان الدبشة 

ليسانس أصول الدين قسم تفسير وحديث جامعة الأزهر 







ليست المشكلة في الإخوان بل في الإسلام..

وليست المصيبة في فاروق حسني.. بل في حسني..

من ولى أمر المسلمين فاجرا فهو فاجر مثله.. 

كشفنا فتنة الوزير الشاذ.. لكن: هل ما يزال جمال البنا مسلما؟


ينفجر القلب..

يتصارع المداد والدم على الحرف المكتوب..

ها هو الفجور يعود والكفر يعود والعهر يعود والفسوق يعود.. 

هل قلت : يعود؟!..

ما أشد خطئي!!

فهل كان أي منها قد بارح ولو للحظة واحدة كي أقول الآن أنها تعود..

لا والله.. لم يبرح أي منها ولو للحظة واحدة.. 

بقيت..

بقيت وبقي العاهر يطارد الطاهر و الفاجر يطارد البر.. والكافر يحاصر المؤمن.. والخائن يتحكم في الأمين.. 

بقوا.. وبقيت الداعرة تحدد مقاييس الشرف والعارية تحدد حدود الاحتشام والشاذ يحدد مواطن العفة واللص يحدد مواصفات الأمانة ويفصّل كفنا بلا جيوب بعد أن أغنته الحسابات السرية عن الجيوب وبعد أن أدرك أن جيوب الكفن لا تتسع لمطامعه.. بقوا وبقي الجاهل يعلم العالم  والكذاب يُصدّق والصادق يُكذب والرويبضة يتصدر شاشات الفضائيات والخبير يتوارى والزنديق يفتي  في الحلال والحرام .. كما بقي فؤاد علام يحكم على السنانيري ودحلان يتحدث عن هنية.. و .. و .. و..  وظلت الأمة عاجزة مشلولة..

*** 

أرسف في أغلال عجز الأمة وما زلت أنظر في دهشة تحاول أن تقاوم اليأس وهي تهمس حينا وتصرخ أحيانا: أين الأمة؟؟ أين الناس؟؟ أين الغضب الذي ينبغي أن يفيض كالطوفان فيغرق الكفار ويكنس المنافقين والفجار كنسا. أين الأمة .. أين الأمة التي لو كشرت عن أنيابها قليلا لفر أدعياء النخبة من حكام ومثقفين فرار كلب أجرب.

داعبني خيال بدا لي أنه أمل عندما رأيت بعض نواب التزوير يغضبون لدين الله.. لكن لطمة حزن أعادتني إلى الواقع، فممثلو الشعب كان يمثلون دورا أنيط بهم وصدرت الأوامر إليهم باتخاذه خوفا من استيلاء النواب الإسلاميين على عواطف الشارع وتأييده..

كانوا يمثلون..

ولم يكن الأمر أمر رواية كافرة فاجرة أو أذان يمنع  أو حجاب يخلع أو اعتقال أو امتهان.. ولا حتى أمر شاذ يتولى أمر فكر الأمة. لم يكن الأمر ذلك كله.. بل كان استهداف الإسلام جميعا.. الإسلام كله بأركانه الخمسة – وليس الأربعة كما قال الشاذ الفاسق المنافق الجاهل الذي أشك في إسلامه: وكلمة الشك هنا للتهوين والمواءمة والملاءمة- كان الأمر الصد عن سبيل الله والسخرية بما أنزل الله لا مجرد عدم الحكم به.

ولم يكن الأمر صدفة كما لم يكن عبث عابث ولا "دردشة" فاسق صفيق.. و إنما هو مخطط تتكامل أجزاؤه في شتي أرجاء العالم التي يحركها الماسون والصليب و أعوانهم وعملاؤهم وشواذهم.

*** 

هاهم أولئك يعودون يا أمة لأستعيد كل ما كتبته من أعوام و أعوام  في النخبة الفاسدة المنحرفة الشاذة المجرمة التي قويضت: حاربوا الإسلام تحتفظوا بمواقعكم.. أستعيد كل ما كتبته لأؤكد على كل كلمة كتبتها .. كل كلمة بلا استثناء .. وعلى رأسها تلك الكلمات التي ادعى  أسامة سرايا  وصلاح منتصر فضلا عن عشرات  من خدم السلطان وحاشيته و أغواته  أنني اعتذرت عنها..

عاد الفجار الذين قويضوا فقايضوا وسووموا فباعوا وتمت صفقة الشيطان لتستمر: الاستمرار في المناصب مقابل فعل الكفر.. وكانوا في البداية مزدوجين: فعل الكفر يغطيه قول الإيمان حتى أنهم زعموا  – لعنهم الله أينما ثقفوا -  وهم يخادعون الله  والمؤمنين فما يخدعون إلا أنفسهم : وادعوا أن الجرأة على  الذات الإلهية  استنارة وسباب الرسول صلى الله عليه وسلم وجهة نظر و أن وصف القرآن بأبشع الكلمات ليس إلا وجها لتاريخية النص.. وكان المجرمون يغطون على فعل الكفر بادعاء الإيمان  لكنهم لم يصبروا على ذلك طويلا ففاح كفرهم بنتنه وباح سرهم بعطنه  وهاهم أولئك يتقدمون خطوة أخرى.. فالخطة الآن القضاء على الإسلام خطوة خطوة.. ولقد تقدم الخنازير والكلاب ليقضموا من الإسلام ما هو معلوم منه بالضرورة.. ألا وهي فريضة الحجاب.. تماما كما يحدث في فرنسا و ألمانيا و أسبانيا وتترفع عنه دول أوروبية أخرى.. لكن نخبتنا المنحرفة النجسة لا تترفع عنه ولا تتورع.. وتطالب الأمة النخبة الفاجرة التي أتت فعل الكفر بالاعتذار فلا تعتذر.. بل تواجه مدعومة بالشيطان وبالسلطان و بآل السلطان الذين يستخدمون الشواذ كخصيان  يحرصون عليهم حيث أنهم يباح لهم ما يباح للخصيان.. لا يعتذرون..

لا تعتذروا..

 لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ..

إلا تعتذروا بَعْضُكمْ مِنْ بَعْضٍ تأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَتنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ 

لا تعتذروا فقد نسيتم الله فَنَسِيَكمْ ووَعَدَكم – إن شاء الله- نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُكمْ وَلَعَنَكمْ اللَّهُ وَلَكمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ..

لا تعتذروا..  كرروا فعل الكفر الذي لم ينقطع و أعيدوا فعل  مِنْ قَبْلِكُمْ .. كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ ..

يطالبهم البعض بالاعتذار.. وأصرخ لا تعتذروا..

يصيبني الاشمئزاز والقرف من الكثيرين .. لكن قبسا من رحمة الله يضيء في قلبي  فيكشف لي أجزاء من الحقيقة.. هاهي كثير من المواقف تنكشف.. وهاهي ذي كثير من الأحزاب والهيئات يسقط.. وهاهم أفراد تنكشف عوراتهم التي تقلصت ورقة الشجر الأخيرة التي كانت تغطيها..

انكشف على سبيل المثال حزب التجمع وبعض الأحزاب الصغيرة التي تلعب دور القوادات في دار بغاء. انكشفت حركة كفاية وهي تصدر بيانا تؤيد فيه الوزير وتندد بالمكارثية الجديدة ليصدق رأيي فيها منذ اليوم الأول حينما حذرت القراء منها وليكتشف بعض الأخيار فيها أنهم الاستثناء لا القاعدة و أنهم هم الآخرين خدعوا.. خدعوا رغم أنني حذرت بعضهم شخصيا فضلا عما كتبته في مقالات سابقة.

انكشف أعلى صوت للدفاع عن الدولة المدنية في مصر: الدكتور سعد الدين إبراهيم وهو يطالب بإلغاء المادة الثانية من الدستور و أن يتضمن الدستور هيمنة الجيش لكي يصبح هدفه وواجبه منع وصول الإسلاميين إلى الحكم ولو عن طريق صندوق الانتخاب!!.. ولتكون للجيش مهمتان: حماية إسرائيل في الخارج.. وحماية أعوانها في الداخل..أما عدوه الاستراتيجي فهو الإسلام..

انكشف واحد كالعامل جمال البنا  ( أصل مهنته عامل.. وليس في كينونة العامل أي عار.. العار فيمن يدعي أنه عالم.. وهو عامل!!) .. جمال البنا الذي أظن أن الأجهزة المولعة باصطياد آل الشهداء قد اصطادته ( انظروا بأسي إلى ابن شقيق الشهيد عبد القادر عودة: الدكتور جهاد عودة).. اصطادته كي تستغله  لهدم الإسلام  مستغلة أنه شقيق الإمام الشهيد رغم أنه ليس من أهله.. فالعلاقة بينهما كالعلاقة بين نبي الله نوح عليه السلام وابنه.. 

تذكرت بمرارة كيف أن أحد السياسيين المرموقين قد عاتبني عندما أشرت إلى تقارير مجمع البحوث الإسلامية التي تحكم بكفر بعض كتب جمال البنا ، وكنت قد حصلت على إذن من صحيفة السبيل الأردنية لنشر سلسلة مقالات للكاتب المرموق محمد إبراهيم مبروك عن جمال البنا في صحيفة الشعب المصرية، ويكاد محمد مبروك أن يصل إلى نفي الإسلام عن الرجل جملة وتفصيلا.. و أظنني أوافقه.. تحدث  مبروك عن  موقف جمال البنا حين راح يعلن للإسلاميين بل للمسلمين عامة أنهم ليس لهم سوى قبول ما يتفضل علينا به  الغرب من إسلامه العجيب هو أننا لن نستطيع الدفاع عن أنفسنا تجاه الأمريكيين لأن ما يعترضون عليه "هو بالفعل أقوال أئمة المذاهب وفقهاء السلف الصالح فإذا أعادته المؤسسات الدينية فإن ذلك سيكون مصداقا لاتهامات الأمريكيين وهذا هو المأزق الذي سيجد فقهاؤنا أنفسهم فيه وكانوا في غنى عنه ومخلص منه لو" وأقف هنا وأقول : لو ماذا؟ لو ألغينا عقولنا واعتقدنا أن الإسلام الذي يقدمه جمال البنا ومن يقف وراءه من غلاة العلمانيين الحاقدين له أدنى علاقة بالإسلام. ذلك الإسلام الذي بلا تفسير ولا سنة ولا قواعد للحكم ولا جهاد في سبيل الله ولا حد ردة ولا حد زنى ولا حد سرقة ولا قصاص ولا حجاب ولا صلوات خمس وإنما صلاتان فقط ولا شعائر ذبح ولا شعائر ذكر ولا أي شيء على الإطلاق من قواعد الدين وأحكامه وهذا الذي يكمل به كلمة لو فيقول" لو أخذوا بما عرضناه مرارا وتكرارا وما سجلناه في "نحو فقه جديد" و"الإسلام وحرية الفكر وعشرات الكتب الأخرى" 

وبعد أن تم نشر هذه الدراسة العميقة وبالغة الأهمية  في الشعب الإليكترونية عاتبني المسئول الكبير فوضحت له حقيقة جمال البنا فاقتصرت إجابته على كلمتين:

ولكنه صديقنا..

وتوسط لرفع المقال من صحيفة الشعب.. ورفع وأزيل من الأرشيف!!..

*** 

المؤكد أن جمال البنا قد حصل على الشهادة الابتدائية، و أنه رسب في المدرسة الثانوية في عامه الأول بها، ليرفض مواصلة الدراسة، ثم تأتي على لسانه  جملة غامضة أنه – تحت ضغط الأسرة-  حصل على شهادة من مدرسة التجارة العليا ليختصر طريق التعليم(!!)، فكيف دخل المدرسة العليا دون شهادة التعليم الثانوي: الثقافة أو الثانوية أو البكالوريا..وهل المقصود دبلوما متوسطا أم شهادة عليا؟  ثم أن ذاك و ذلك يتناقض مع التحاقه بعضوية نقابة عمال الغزل والنسيج بالقاهرة عام 1950 ، وذلك على خلفية عمله لبعض الوقت في أحد مصانع النسيج. و أن هذا الرجل.. العامل.. الذي يحمل في الأغلب شهادة بالرسوب في الصف الأول الثانوي وشهادة متوسطة في التجارة.. هذا البنا  أنتج ( أو أنتج له) مائة وخمسة كتاب بعضها ضخم، و أنه على الرغم من ذلك  ظل غير معروف حتى تبناه صلاح عيسى في صحيفة وزير الثقافة لينشر فتاوى شاذة من أن الحجاب ليس فرضا.. و أن التدخين لا يفسد الصوم..!! و أن الزواج يتم بلا ولي ولا شهود.. وحق المرأة في إمامة الصلاة.. وحق المسلمة في الزواج من مسيحي أو يهودي  وعشرات من التخاريف..( من حق القارئ أن لا يصدق أن الأمر وصل بالرجل إلى هذا المدى.. وعلى هؤلاء –فقط- أن يبحثوا على الشبكة العنكبوتية لتأتيهم الإجابات بعد نصف دقيقة).. لكنني هنا أتساءل: إذا كان الرجل غير معروف.. و إذا كنت أشك أن أي طبعة من كتبه توزع أكثر من خمسين أو مائة نسخة ( الكاتب المشهور في مصر لا يوزع أكثر من خمسمائة نسخة.. وهو الرقم الذي وزعه أهم كتب صلاح عيسى و أكثرها توزيعا: كتاب مثقفون وعسكر.. وقد وزع خمسمائة نسخة على مدى ثلاث سنوات). فإذا افترضنا أن متوسط تكلفة الكتاب الواحد من كتب جمال البنا هو خمسة آلاف جنيه فإن ذلك يعني أن التكلفة الكلية تتجاوز نصف مليون جنيه.. و أظن أن جمال البنا لا يملك هذا المبلغ فمن الذي أنفق على كتبه؟..

من؟؟..

ولمصلحة من؟

 ولحساب من؟

*** 

كشفت واقعة الحجاب جمال البنا أكثر مما هو مكشوف وكشفت أيضا المنافقين والسفهاء..

كشفت أقواما جلهم كفار فجار فاسقون وأقلهم جاهلون لا يعلمون ..

انكشف على سبيل المثال  كلب قومي راح ينبح ممتدحا الشذوذ والعهر والسفور في " معركة مجيدة خاضها  الشاذ دفاعا عن رأي حر ومتنور أثار عليه غضب خفافيش الظلام".

ولاحظوا يا قراء أن خفافيش الظلام هذه تعني كل من يعتبر الحجاب فرضا .. أي كل المسلمين!!

انكشف شحيج بغل عروبي وهو يكذب:

فإحصاءات الجريمة التي ترتكبها النساء والسجناء فن معظمهن إن لم يكن الكل ممن يرتدين الحجاب.( الشحيج: صوت البغل).

انكشف قباع خنزير يساري يصيح:

ما السبب في الهجمة الضارية التي يشنها قادة الوصاية الإسلامية التعسفية علي فاروق حسني الذي أدلي برأي شخصي يشاركه فيه ملايين المسلمين عن الحجاب والنقاب؟. ( القباع: صوت الخنزير).

انكشف نبيب تيس شيوعي كتب ليتحدث عن  تحالف مستقبلي بين غولي الفساد والاستبداد اللذين يحكماننا بهراوات الأمن المركزي والتقارير السرية للأمن، ووحش الإرهاب الأصولي الذي بدأ يكشف عن أنيابه السامة مطالبا بنصيبه مما تبقي من لحومنا ودمائنا؟!

انكشف واحد  كيوسف القعيد وهو يقول: أنا مع ما قاله الوزير قلباً وقالباً سواء كان هذا رأيه الشخصي أو رؤيته كمسئول في الدولة، وأضاف: إن الحجاب نبتة زرعها الرئيس الراحل أنور السادات في سبعينيات القرن الماضي، مشددا علي أن الخطورة ليست في حجاب الملابس ولكنها في حجاب العقول المرتبط بسلوكيات بعض النساء الآن.

الرئيس السادات يا بقية الشيوعية والاتحاد الاشتراكي.. الرئيس السادات هو الذي أتى بالحجاب.. أم الله الواحد القهار..

انكشف فحيح أفعى يسارية فذرة كتبت  تقول: 

لنتذكر جميعا تاريخ 20 نوفمبر 2006، فهو سيدخل التاريخ باعتباره يوم بدء تحويل مسار مصر صوب الدولة الدينية، اليوم الذي شهد انتزاع الحزب الحاكم للواء الكفاح من أجل الدولة الدينية من الإخوان المسلمين، ولكن 20 نوفمبر 2006 لم يسقط علينا بالبراشوت.

انكشفوا.. وبلغت سفالتهم و (استعباطهم) وكذبهم حدا لا يمكن تخيله.. فزعموا على سبيل المثال وعلى رأسهم الشاذ العفن أن مصر لم تعرف الحجاب في تاريخها إلا منذ نيف وثلاثين عاما.

تصرف مثقفو الشوارع – فهم فعلا مثقفو شوارع وليسوا مثقفي نخبة- كما لو أن أهل مصر جميعا قد خرجوا من الإسلام  ما عدا الإخوان المسلمين الذين ما يزالون يصرون على الإسلام والحجاب معا..

اختزل الكلاب الإسلام في جماعة لكي يحاصروه ويمكنهم القضاء عليه.. تماما كما يفعل الصليبيون واليهود من ادعاء بأنهم يحاربون الإرهاب دون الإسلام.. وهم أكذب من مسيلمة .. فإنما يريدون القضاء على الإسلام لا الإرهاب.. إذ كيف يقضون على الإرهاب وهم سدنته ومنابعه و أصحابه.. لكنهم وجدوا أن الاعتراف بأنهم يحاربون الإسلام سيجعل معركتهم أصعب بكثير.. فاختاروا الخداع مع الحرب وبدءوا بقتل الثور الأبيض مضمرين القضاء على الجميع..

نفس المنهج  الكاذب الفاجر الخئون مع اختلاف الأسماء..

أكرر ولا أمل من التكرار : نفس المنهج الذي تطبقه أمريكا راعية الصليب مع اليهود هو ذاته المنهج الذي تطبقه حكوماتنا .. فالخطة الاستراتيجية هي القضاء على الإسلام عالميا ومحليا.. ولكن الإسلام لقمة أكبر من أن يقضموها جملة واحدة.. لذلك فإن عليهم التجزئة المادية والمعنوية كي يمكن القضاء عليه جزء جزءا.. تقسم الأوطان.. وتقسم الطوائف.. ولا يعلن أبدا عن العداء للإسلام.. بل العداء – في الخارج- للإرهاب وفي الداخل للإخوان المسلمين..

الإرهاب هو الإسلام..

والإسلام هو الإخوان..

والهدف هو القضاء على الإسلام أيا كان حجم الكذب والإنكار..

انكشفوا حتى زعم وزير الخرابات (التوربيني)  أن هناك خلافا فقهيا حول الحجاب.. فلما سئل عمن يبيحه لم يجد إلا أقوال الكفار..

انكشفوا وانكشف سواهم في الأزمة التي أبت رغم فظاعتها إلا أن تحل علينا بركاتها بكشف المنافقين.

انكشفوا وكتبت صحيفة القدس العربي – نقلا عن كاتب مصري- عنهم: 

بيان آخر من البيانات التي صدرت تدافع عن الوزير صدر ممن أطلقوا علي أنفسهم مجموعة مثقفي الأمة! وهي مجموعة لا تتعدي ثلاثين فردا نصبوا أنفسهم مثقفين لهذه الأمة وبقية السبعة والسبعين مليونا بقر لا مؤاخذة! المهم أن السادة مثقفي الأمة نصفهم موظفون في وزارة الثقافة من أصحاب المصالح والمنتفعين وضع عشرين خطا تحت كلمة المنتفعين فهي مربط الفرس في هذه الأيام السوداء، ونصفهم من دعاة التحرر والإباحية والتخلص من كل ما يمت بصلة للقيم والأخلاق واللافت للنظر أن البيان جاء عبارة عن وصلة ردح وتشليق وجعجعة وصوت عال وإذا صح أن هذه لغة مثقفي الأمة يبقي عليه العوض في الباقي أو غير المثقفين أو الجهلة بمعني أدق فكيف يكون حوارهم؟  القدس العربي 5-12.

انكشفوا وانكشف من تستر بورقة توت الوطنية مثل الدكتور يحيى الجمل.. ومثل أحمد فؤاد نجم الذي نبهني إلى موقف ابنته الرائعة المعارضة لموقفه والتي كتبت تقول مواجهة تلك الموجة الفاجرة الكافرة التي انطلقت كالكلاب المسعورة تؤيد الوزير- و أعتذر لنشر نص باللغة الدارجة لكنه استثناء لأهميته- :

(الناس اللي بيقولوا عليهم مثقفين فيه منهم كتير قوي لا دينيين، أنا أعرفهم شخصيا، وباسمعهم بودني وهم بيعلنوا عن إلحادهم، لكن أول ما بيكتبوا أو يظهروا في التلفزيون بيلبسوا مسوح الدين ويبتدوا يبثوا أفكارهم اللا دينية بوصفهم مسلمين وما تقدرش طبعا تكفرهم. ويحللوا ويحرموا وبعدين لما حد يقول لهم ده ضد الشريعة يطلعوا في عينيه ويقولوا له انت بتكفرنا؟ انت عايز الناس المجانين تموتنا انت بتصادر على حرية الفكر. طب ممكن تطولوا بالكوا معايا لحد ما أحكي لكوا الموقف ده؟ واحد بيقولوا عليه مفكر، ومثقف، وماسك منصب كبير كمان، كنت قاعدة معاه، وسمعته وهو بيشتم ربنا نفسه، وبيتريق عليا عشان محجبة وقعد يقول كلام عن ربنا والرسول ما اقدرش اكرره، المهم أنا من الصدمة ما قدرتش اتحرك من مكاني ولا ارد عليه، عدى الموقف على كده؟  لا  ..   نفس المثقف ده شفته بعدها بأسبوعين وهو بيقول التالي بالنص: 

الإسلام شريعة سمحة، وأنا من حقي كمسلم إني اجتهد في ديني، ومافيش كهنوت في الإسلام، القرآن واضح وأنا أقدر أفسره، وما حدش من حقه يصادر على حريتي في الفكر والاجتهاد في ديني، وإيه بقى الاجتهاد في دينه . 

كل التخريف والتخريب في الشريعة الإسلامية من داخلها: إنكار الفرائض وتحريم الحلال وتحليل الحرام وكل الأفكار التخريبية. والناس بتسمعه وبتتأثر بكلامه لأنهم فاكرينه مسلم. طيب إذا الناس دي بالفعل موجودين . وبالفعل واخدين حقوقهم وزيادة شوية . وبالفعل ماسكين المنابر ومسميين نفسهم مثقفين. إيه مصلحة الإسلام في إنه ينسب لنفسه ناس مش منه؟ وإيه مصلحة الفرد إني أقهره عشان يتملي حقد وغل على الدين اللي هو مجبور عليه فيبذل كل جهده عشان يخربه؟. وإيه مصلحة المجتمع بأني أزرع فيه منافقين؟ . وإيه مصلحة المواطنين في إني ألبس عليهم دينهم وأبلبلهم وأسيبهم لقمة سائغة لناس زي دول يلعبوا في دماغهم ويغشوهم.) .

ورغم أن نوارة الانتصار تذهب بعد ذلك إلى ما لا نوافقها عليه حين تنادي بإباحة المجاهرة بالكفر كي يفهم الناس القاعدة التي يخاطبهم منها أي مفكر بدلا من أن يتستروا بالإسلام وهم يخربونه من الداخل.)

*** 

لم يصبني  موقف نوارة الانتصار بالدهشة.. فهي وإن كان أبوها أحمد فؤاد نجم فإن أمها هي الرائعة المؤمنة المبدعة حقا صافيناز كاظم ..

ما أصابني بالدهشة هو موقف الكثيرين من أعضاء الحزب الوطني الذين اشتعلت حميتهم غضبا من أجل انتهاك محارم الدين وغضبا لله وغيرة على الإسلام.... لكنني ما لبثت حتى أدركت أن الشيطان نفسه هو الذي أمر معظمهم بذلك فقد كانت عواقب الفعل الكافر أوخم من أن يحتملها نظام مهترئ يتداعى.. لذلك أوعز إلى البعض أن يدعي الغضب.. فادعوا الغضب حتى قلت سرعة العاصفة فصدر أمر الشيطان/السلطان: أيها الغضب المصطنع أقلع.. فغيض الغضب!!.. وذلك لا يمنعني بأي حال من الإقرار بأن قول البعض منهم كان صادقا و أن ألمهم من أجل امتهان الدين كان حارقا.. وكانوا يصرون على الإقالة أو الاعتذار ممن خانوا الله والرسول والأمة.. وكنت أصرخ داخل نفسي: بل لا تعتذروا.. وكنت أكتم الصرخة في الوجه الكالح للمجرم الشاذ  شذوذا يفوق شذوذ من تعزى بالجاهلية .. صرخة تقول له: اعضض هن أبيك!! ..  و أكتم صرخة أخرى أقول فيها لكل عتل زنيم مثقف معتد أثيم ما قاله سيدنا وحبيبنا ومولانا أبو بكر الصديق لعروة بن مسعود يوم الحديبية.

أصرخ بتلك وبذلك رغم أنني أدرك أن المشكلة كلها ليست في فاروق حسني.. بل في حسنى .. نعم.. في حسني مبارك.. فالمشكلة في نظام علماني يطارد الدين ولا يكتفي بأن يجرم الجهاد بل يطارد من يمارس شعائر الدين شعيرة خلف شعيرة.. نظام يدفع راضيا ثمن بقائه.. وثمن توريثه أما الثمن فليس إلا الحرب على الإسلام لصالح الصليبيين واليهود.. و أي هجوم على الوزير الشاذ لا يضع في اعتباره ذلك ليس إلا كمحاولة طبيب فاشل أن يعالج مريضا ينزف بأن يكتفي بمحاولة تجفيف الدم متجاهلا الشريان المقطوع والدم النازف.. والذي سيتكفل بالقضاء على المريض إن لم نتدبر أمره..

هذا الشريان النازف هو النظام.. ورأس هذا النظام هو حسني مبارك.. وهو رأس فقط.. لأن هناك آلافا وآلافا يحملون الوزر معه.

يقول الكاتب أسامة أبو راشيد في مقال بعنوان: " ابعد من الحملة علي الحجاب: منهج إجهاض أيديولوجيا الممانعة في الإسلام" – القدس العربي  04/12/2006:

الخطر في تصريحات وزير الثقافة المصري، فاروق حسني، عن الحجاب، لا يكمن في هذه الجرأة التي يجدها البعض اليوم في البلاد العربية والإسلامية، للعبث بثوابت، الأصل أنها لا تمس في الدين الإسلامي. مكمن الخطر الحقيقي في مثل هذه التصريحات، أنها أصبحت تعبر عن نهج وتيار علماني راديكالي اكتمل تشكل ملامحهما.. معاديان لكل ما هو إسلامي.. ويجدان تأييدا ودعما لهما من قبل أنظمة أضحت تخاف التيارات الإسلامية، أكثر مما تخشي أن تفقد سيادتها لكيان أجنبي، أو أن تضع نفسها تحت جناح دولة غربية، حتى ولو كانت هذه الدولة هي إسرائيل. هؤلاء، أضحوا اليوم علي قناعة، بأن الإسلام دين مهيض الجناح، لا يملك القوة للدفاع عن نفسه، فضلا عن أنه أضحي هدفا للحملة الأمريكية، تحت لافتة محاربة الإرهاب . وبالتالي وجدوا فرصتهم التاريخية السانحة للتماهي مع هذه الحملة، والظهور بلبوس أعداء الراديكالية الإسلامية . أنهم وبحق عملاء برسم التعيين. وبالمناسبة فانه ينبغي أن يكون واضحا في ذهن الجميع، بأن المطلوب أمريكيا اليوم، ليس البحث عن مسلم معتدل ، حسب التعريف الإسلامي، بل مسلم معتدل حسب التعريف الأمريكي.

ثم يصف الكاتب المواصفات الأمريكية للمسلم المعتدل: 

..  لا تشمل أولئك الذين يرفضون العنف ويعلون من شأن المواطنة الأمريكية فحسب، بل انه وحتى تكون مسلما يستحق وصف المعتدل ، فانه ينبغي أن تكون ذا نظرة ايجابية نحو إسرائيل، وعلي علاقة طيبة ودافئة معها، فضلا عن أنه مطلوب منك أن تكون من أنصار إمامة المرأة في الصلاة، ومن مديني أي من حركات المقاومة الوطنية والإسلامية في بقاع العالم الإسلامي. 

ثم يفضح الكاتب أولئك الدعار الذين يستترون بالحرية والليبرالية والإبداع فيقول: 

أن الراديكالية العلمانية المعادية لكل ما هو إسلامي، التقطت هذا المؤشر في عالمنا العربي والإسلامي، وحسبت أنها بتماهيها معه ستكون في صف القوي(...)  ومع إدراكها لهذه الموضوعة، أرادت تلك الفئة الراديكالية المعادية للإسلام، أن تجعل من نفسها رأس حربة في تقويض شعائر الإسلام وثوابته، مستفيدة في ذلك من الغطاء المعنوي والمادي الذي يقدمه لها الغرب تحت لافتة حرية التعبير، والتي لا يتم اللجوء إليها إلا حين يتم المس بالإسلام وأصوله. (...)  انه نهج، غير معزولة عناصره وتجلياته عن بعضها البعض، من استعداء للإسلام والتطاول عليه، وتسلق أكتافه للوصول إلي غايات وأغراض شخصية دنيئة ووضيعة علي حساب الإسلام وأمته.

ثم يكشف الكاتب التصريحات الشاذة للوزير ليذكر بأنها لم تكن معزولة عن سياق أوسع من الجدل حول قضية الحجاب. ففي تونس، صعد النظام من حملته علي الحجاب الإسلامي بذريعة أنه لباس طائفي ، ولا زالت فتيات تونس يمنعن من دخول مدارسهن وجامعاتهن إلا بعد أن يخلعن الحجاب. وفي المغرب، قامت الخطوط الجوية المغربية بالفرض علي موظفاتها من النساء عدم ارتداء الحجاب، كما منعت الصلاة في مقار الشركة وأغلقت المصليات، ومنعت الطيارين حتى من صوم رمضان! أما في مصر فقد تمّ حظر النقاب (غطاء الوجه) في عدد من الجامعات المصرية، أي أن هولندا لم تقدم علي سابقة في انتهاك الحريات الشخصية (...) القضية بكل وضوح أوسع من مشكلة الحجاب أو حتى اللحية، إنها عقيدة جديدة لتمييع الإسلام وتفريغه من محتواه.(...) إن الغاية الحقيقية لهذه الحملة ليست الحجاب بحد ذاته، وإنما نقض الإسلام عروة عروة، وحتى نصل إلي مرحلة خلق جيل جديد مشوه، قابل للاستعمار والاستعباد والاستلحاق، وعاجز عن الممانعة. إن المطلوب أن يغيب الإسلام كأيدولوجيا تحرير وتمرد علي الطغيان والعدوان، ولن يتم ذلك إلا بإشغاله بمعارك جانبية منبعثة من داخله، وتمس ثوابته من أطرافه، في حين يتم تهيئة حملة جديدة للانقضاض علي قلبه. 

في نفس الصدد كتب الكاتب العميق المتميز  محمد إبراهيم مبروك بحثا بالغ العمق والأهمية عن مواصفات  الإسلام الأمريكي الذي يريدونه متخذا من جمال البنا مثلا الذي قال مبروك أنه  من غير المعقول مطالبة الناس بالتخلي عن إيمانهم ذاته إرضاء للغرب وإن كان هذا يرضي أشد الرضا دعاة العلمانية عندنا ومن هنا كان التقاء الهدف بينهم وبين الأمريكيين. ولهذا ينشط أمثال جمال البنا في الدعوة للاستجابة لمطالب الأمريكيين في تغيير المناهج الدينية ويعلن الرجل للإسلاميين أنه ليس أمامهم الآن سوى قبول دعوته لما يقدمه لهم من إسلام بلا إسلام. أي إسلام بلا قواعد ولا شرائع ولا أحكام بل مجرد بعض الشعائر بحسب المزاج والطلب.. ومن ثم فإنه يرى أن المعترضين على هذا الطلب الأمريكي "لن يعسر عليهم أن يأتونا بنصوص من أقوال الفقهاء توقع عقوبة الموت على المرتد وتقرر مصادرة كل فكر مختلف.. ولن يعسر عليهم أن يقدموا نصوصا عن دونية المرأة وفرضية الحجاب عليها وتحريم المناصب العليا.. أما الحدود من قطع يد السارق ورجم الزاني فإنها بالطبع ستكون في صدارة ما يقدمون" (القاهرة: 10 سبتمبر 2002). والدليل على أنه يعلن للإسلاميين بل للمسلمين عامة أنهم ليس لهم سوى قبول ما يتفضل علينا به من إسلامه العجيب هو أننا لن نستطيع الدفاع عن أنفسنا تجاه الأمريكيين لأن ما يعترضون عليه "هو بالفعل أقوال أئمة المذاهب وفقهاء السلف الصالح فإذا أعادته المؤسسات الدينية فإن ذلك سيكون مصداقا لاتهامات الأمريكيين وهذا هو المأزق الذي سيجد فقهاؤنا أنفسهم فيه وكانوا في غنى عنه ومخلص منه لو" وأقف هنا وأقول : لو ماذا؟ لو ألغينا عقولنا واعتقدنا أن الإسلام الذي يقدمه جمال البنا ومن يقف وراءه من غلاة العلمانيين الحاقدين له أدنى علاقة بالإسلام. ذلك الإسلام الذي بلا تفسير ولا سنة ولا قواعد للحكم ولا جهاد في سبيل الله ولا حد ردة ولا حد زنى ولا حد سرقة ولا قصاص ولا حجاب ولا صلوات خمس وإنما صلاتان فقط ولا شعائر ذبح ولا شعائر ذكر ولا أي شيء على الإطلاق من قواعد الدين وأحكامه وهذا الذي يكمل به كلمة لو فيقول" لو أخذوا بما عرضناه مرارا وتكرارا وما سجلناه في "نحو فقه جديد" و"الإسلام وحرية الفكر وعشرات الكتب الأخرى" . وربما لو كان البنا قد أعلن عن علمانيته بوضوح لما أثار اهتمام أحد ولفات على العلمانيين ما يحققونه الآن من ثمار انتشار هذه الأفكار الشاذة. ولهذا انصب اهتمامنا هنا على تجريد أفكاره من تلك الصفة الإسلامية بوجه خاص وتقديم الأدلة والبراهين على ذلك ليكون التركيز على نفي هذه الصفة هي المهمة الأساسية لمن يواجهون بمثل تلك الأفكار من قبل بعض المدعين من العلمانيين استنادا على جمال البنا."

*** 

انكشفوا عندما واجههم الكاتب العملاق الدكتور عبد الوهاب المسيري في مقال بالغ الأهمية.. واجههم على أرضية الثقافة لا على أرضية الدين!! وكان مما قال:

وهؤلاء الذين يدافعون عن حرية التعبير والذين جعلوا الفن مطلقاً، سحبوا الإطلاق من الدين وأي قيم مطلقة (أخلاقية كانت أم إنسانية) وجعلوا من الدين شأناً خاصاً، وأمراً من أمور الضمير، وتصوروا أن الدين يوجد في قسم خاص في وجدان الإنسان منفصل تماماً عن عالم السياسة وعالم الاقتصاد وعالم الاجتماع الإنساني، (...) ولكن هذا رؤية سوقية للعالم وللنفس البشرية، فالإنسان كائن مركب، وكذا الفعل الإنساني. فالديني يتداخل مع السياسي والاقتصادي والنفسي. وهنا يمكن أن نطرح السؤال التالي: الفدائي الفلسطيني الذي يذهب ليهاجم مستوطنة إسرائيلية: هل يفعل ذلك لأسباب دينية أم أسباب اقتصادية أم أسباب اجتماعية أم نفسية؟ الرد السليم علي هذا السؤال أن دوافعه مركبة، فهو حين يقوم بفعله الفدائي فإن ما يحركه هو كل هذه الدوافع مجتمعة. ويري هؤلاء الذين يفصلون الدين عن بقية مجالات الحياة، أنه لو ظهر في الحياة العامة فإن هذا مظهر من مظاهر التخلف، وفي ذهنهم بطبيعة الحال المشروع العلماني الغربي وما يسمي مشروع النهضة العربي الذي جعل شعاره اللحاق بأوروبا، بحلوها ومرها، وخيرها وشرها، وكأننا ببغاءات عقلها في أذنيها.(...) وأعتقد أن أصحاب هذا الخطاب قد فعلوا شيئاً من هذا القبيل، حين جعلوا من الحجاب رمزاً للتخلف. فقد نزعوه من سياقه الاجتماعي والتاريخي والإنساني، واستقوا مؤشرات التقدم والتخلف من النموذج الغربي. وهنا يمكنني أن أسأل هؤلاء: ما مؤشرات التقدم بالنسبة لهم؟ السؤال هنا خطابي، فالمؤشرات هنا واضحة وهو أن خلع الحجاب علامة علي التقدم والاستنارة، أما ارتداء الحجاب فهو علامة علي التخلف والردة والظلمة..إلخ. ولكن هل المسألة بهذه البساطة والسذاجة؟ فلنأخذ علي سبيل المثال لا الحصر فتاة متبرجة متحررة ومستنيرة لا ترتدي الحجاب، ترتاد نادي الجزيرة أو أي ناد آخر، وتلعب التنس بالشورت، وتلبس المايوه، وترتاد قاعات الديسكو، وتجيد التحدث بلغة أعجمية أو لغة عربية معظم مفرداتها إنجليش أو فرنش، تماماً مثل مذيعات قناة LBC التي يطلق عليها بعض المصريين قناة «إلبسي» إشارة إلي المذيعات الجميلات اللبنانيات والتي تحاول بعض مذيعاتنا اللحاق بهن وبركب التقدم. مثل هذه الفتاة التي تتمتع بمستويات استهلاكية عالية ولا تعرف شيئاً عن مصر الحقيقية، مصر الفقراء والكادحين والمتعبين، ولا تشترك بطبيعة الحال في أي حركة سياسية، هي أكثر تقدماً من فتاة محجبة تعيش في مصر الحقيقية بين أهلها وتعرف همومهم (...) بالله عليكم، من هو أكثر تقدماً، فتاة نادي الجزيرة المتحررة وأمثالها أم هؤلاء المحجبات؟ 

ويواصل الدكتور المسيري قائلا:

والحجاب إلي جانب كل هذا تعبير عن التمسك بالهوية (أعرف بعض الصديقات العلمانيات اللائي تحجبن تمسكا بالهوية، وهو ما حدث أيضاً في إيران أثناء الثورة الإسلامية ضد شاه إيران)، وهو كذلك تعبير عن مقاومة الاستعمار الأجنبي. وهناك كذلك الجانب الاقتصادي، فالحجاب دون شك تعبير عن رفض النموذج الاستهلاكي (نموذج الموضات وضرورة تبني الجديد ونبذ القديم، بناء علي أوامر القرد الأعظم في باريس أو لندن أو إيطاليا). 

وينهي الدكتور المسيري مقالته بصرخة دامية: 

 فلماذا بالله يا إخوتي لا ننضج وننفض عن أنفسنا المؤشرات الاختزالية، وننظر لواقعنا بعيون لا تغشيها غشاوات أجنبية تعمينا عن رؤية الحقيقة الثرية المركبة بكل أبعادها المادية وغير المادية المتداخلة.

*** 

لكن..

من المسئول عن هذا الموقف الشاذ الذي تقف فيه الدولة ضد دين الأمة..

هل الوزير هو المسئول؟؟ هل الشاذ هو المسئول؟.. هل النخبة الفاسدة المزيفة هي المسئولة؟؟..

سوف نظل ندور حول أنفسنا ولن نصل إلى الحقيقة أبدا طالما حرصنا على اتهام وزير الداخلية بالتعذيب والتزوير.. ووزير العدل بالقضاء على العدل.. ووزير الزراعة بتسميم الشعب.. والمؤسسات الحكومية بالفساد والإفساد.. والنائب العام بتهريب المجرمين والمدعي الاشتراكي بالاستيلاء على أموال الناس  دون أن نوجه سهامنا وشظايا النار التي تحرق قلوبنا إلى نظام هو عدو الإسلام كله وإن تستر بالعداء للإخوان المسلمين تماما كما أن الصليبيين واليهود يدعون أنهم يعادون الإرهاب دون الإسلام بينما الحقيقة أنهم يعادون الإسلام دون الإرهاب لأنهم هم الإرهاب نفسه.

سوف نظل ندور حول أنفسنا ونحن نتجاهل أننا لألف سبب وسبب نتجنب مواجهة المرض لنواجه العرض..  وأن من نواجههم ليسوا سوى مسوخ مسخهم النظام ليكونوا مطاياه إلى الفساد والعهر والكفر والانحطاط في كل مجال خدمة لأعداء الأمة والإسلام وثمنا للاستقرار والاستمرار والتوريث. وسوف نظل ندور أيضا إذا ما قصرنا هذه الصفة على بلد دون بلد في عالمنا العربي والإسلامي.

نعم.. مسوخ..

وما الوزير الشاذ إلا مثل لتلك المسوخ ودمية لها.. ولو ذهبوا به لأتوا بمسخ مثله أو أشد سوءا.. لذلك ما انتظرت تغييره وما أملت فيه..لأن تغييره لن يغير شيئا ما لم يتغير من بيده تغييره.

نعم.. من بيده تغييره..

إن ما فعله الشاذ لم يكون وليد خطأ ولا سهو ولا صدفة و إنما هو نفس المخطط للهجوم على الإسلام والذي يتصدى الآن في شتى أنحاء العالم للهجوم على الحجاب أو النقاب.. وقد جاء دور الشاذ ليدلي بدلوه النجس.. جاء دوره الذي وضع منذ البداية في مكانه كي يقوم به.. دور هدم الإسلام. الاشتراك في هدم الإسلام لا يقوم به – بوعي-  إلا كافر.

إنني أدرك عواقب التكفير.. ولقد كتبت في هذا كثيرا قبل ذلك.. ثم أنني لست عالما ولا فقيها ولا قاضيا ولا ولي أمر.. لكنني امرؤ مسلم يحق لي بل يجب علي أن أرفع أمر من أشتبه في كفره إلى العلماء والفقهاء والقضاة.. لكنني لا أرفع أمره إلى ولي الأمر .. لأن ولي الأمر هو الذي جاء به.. و أخشى أن يكون على شاكلته. بل أظنه كذلك. وهو أصل المشكلة و أس البلاء وما المجرم الشاذ إلا عرض لمرض. 

ورغم ألمي من جرأة الفاجر على الإسلام إلا أنني تألمت أكثر لمسوخ أخرى.. تلك المسوخ التي تدعي زورا أنها النخبة المثقفة..

النخبة الفاجرة الفاسقة المثقفة..

النخبة التي نطقت بكلمات الكفر وهي تؤيد الشاذ..

وعندما قرأت بياناتهم التي دافعوا فيها عن الشاذ وتكاتفوا معه ونصروه أصابني اشمئزاز عنيف وقرف أعنف..

هل يمكن أن يصل الأمر بأولئك العهار والعاهرات أن ينكروا فريضة الحجاب أصلا؟!..

هل يمكن أن يصل الأمر بأولئك العهار والعاهرات أن يدعوا أن الحجاب لم يوجد في مصر إلا منذ حقبة السبعينيات فقط؟.. 

هل يمكن أن يصل الأمر بأولئك العهار والعاهرات أن ينكروا علاقة الحجاب بالإسلام و أن يدعوا أنه نتاج سعودي بدوي صحراوي وهابي لم تعرفه مصر إلا منذ نيف وثلاثين عاما..

والله يا قراء أصابني اشمئزاز عنيف وقرف أشد.. شعرت بالغثيان.. أردت أن أقئ.. واستدعت الذاكرة على الفور إحساسا مماثلا كنت قد شعرت به قبل أيام.. في موقف لا يبدو – في الظاهر -  أن له علاقة بموقفنا هذا.. لكنني سرعان ما تبينت الصلة..

كان الموقف الذي تذكرته يتعلق بتحقيق صحافي مروع أجرته صحيفة " المصري اليوم" عن أطفال الشوارع وعما يحدث لهم تحت حكم حكومة أحد أعضائها  فاروق حسني.. 

في البداية كنت مندهشا لكنني سرعان ما أدركت عمق الصلة وشدة التشابه بين أطفال الشوارع والنخبة التي تدعي أنها المثقفة.. 

كنت مندهشا.. لكنني سرعان ما انتقلت من دهشتي تلك إلى دهشة أخرى فقد بدا لي أنه يمكنني في فقرات عديدة من فقرات التحقيق أن أرفع اسم أطفال الشوارع لأضع بدلا منه اسم : " مثقفي النخبة".. نفس البذاءة والسوقية والوحشية والسفالة وانعدام الأخلاق والضمير.. لكن ما ينقص مثقفي النخبة هو أنهم لا يملكون مبررات الحاجة والعوز وانعدام التربية التي قد تصلح معاذير  لأبناء الشوارع.

والآن دعوني أنقل لكم هذه الفقرات من التحقيق الصحافي كي تشعروا بما شعرت به من اشمئزاز وقرف و أنا أقرأ عن شذوذ أبناء الشوارع العضوي.. وعن شذوذ النخبة العضوي والمعنوي .

راجع في صحيفة المصريون 26-11 مقالا للصحافي ناجي عباس  يقول فيه مشيرا إلى هذا الشذوذ العضوي تماما كأطفال الشوارع: "كنت أرغب في تخصيصه للرد على بعض المثقفين الذين ساندوا فاروق حسني في موقفه، لاتساق بعضهم معه فكرياً وربما " عضوياً " أيضا، وولاء بعضهم الآخر " للبغاشة الثقافية "  )..

يقول الفريق الذي أجرى التحقيق:

حاولنا استدراجهم للحديث عن علاقتهم بالشرطة فأخبرتنا منال أن الشرطة تخاف من الصعود إلي الدور الثالث (...) وقال أيمن: إن بعض رجال الشرطة «بياكلوا مننا»..

بعضهم فقط؟!..

نعود إلى التحقيق: 

.. وأثناء مرورنا بحديقة تقع مباشرة أمام قسم شرطة السيدة زينب وجدنا فتاة ترقد في وضع غريب وكانت ملابسها ممزقة والهالات الزرقاء والكدمات تملأ وجهها، التقطنا صورة لها واقترب منا أحد العساكر وأخبرنا أن هذه الفتاة تعرضت لحفلة جنس جماعي بعدما قعدوا يشموا للصبح»، وسألناه لماذا لم يقبضوا عليهم قال «إحنا ناقصين بلاوي.. دول قرف.

الفتاة ظلت ولفترة طويلة دون حراك، تابعنا حركة أنفاسها وبدت كأنها قد ماتت وعندما بدأ رجال الشرطة في التجمهر حولنا انصرفنا.

هل رأيتم يا قراء تكثيفا للرمز أكثر من هذا؟..

هل رأيتم وصفا لحال الأمة المستباحة أبلغ من هذا؟!

هل رأيتم تجسيدا لفعل النخبة الحاكمة وخصيانها المثقفين أكثر تعبيرا من هذا..

والآن لننتقل إلى الفقرة الحاسمة التي اختزلت الأمر كله:

{وبجوار أحد المحال وجدنا فتاة جلست تتقيأ وهي في حالة سيئة جداً، اقتربنا منها فأخبرتنا أنها تشعر بهبوط وغثيان، وأنها لم تأكل شيئاً منذ يومين، أحضرنا لها بعض الطعام والعصائر وبعد أن اطمأنت لنا بدأت تقص حكايتها: «كان عمري ١٥ سنة عندما خرجت لزيارة جدتي وأثناء عودتي تعرض لي شخص ما واغتصبني واحتجزني حتى الصباح وعندما عدت إلي البيت ضربني أبي حتى رقدت في السرير يومين بعدها اصطحبني إلي قسم الشرطة وعندما عدنا أخذني إلي غرفته واغتصبني وقال لي: «أنا أولي من الغريب، ومن يومها وأنا في الشارع}. المصري اليوم 17-11

أصرخ: آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه..

اصرخوا معي: آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه..

ذلك هو التجسيد ..

ذلك هو الاختزال..

ذلك هو الرمز

وتلك النخبة الحاكمة وخصيانها من النخبة المثقفة الداعرة كذلك الأب الداعر الذي وجد ابنته اغتصبت.. وبدلا من أن يدافع عن شرفها بدمه إذا به يغتصبها قائلا أنا أولى من الغريب.. وهذا هو بتمامه وكماله ما تفعله النخبة الحاكمة وكلابها ممن يدعون أنهم النخبة المثقفة التي وجدت أمتها تغتصب فبادرت هي الأخرى إلى اغتصابها ولسان حالها يقول: أنا أولى من الغريب"!...

آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه...

آآآه يا أمة..

هذا بالضبط ما فعلته نخبة الحكام والمثقفين..

*** 

انتهى التحقيق الصحافي لكن الرمز لم يتوقف..

لقد تحركت الشرطة بعد فضيحة التحقيق لنكشف أبعادا أخرى مروعة لعالم أطفال الشوارع ( وليس إلا عالم هذه الأمة المنكوبة بحكامها)..

كانت ثمة عصابة كعصابة الحكم تتحكم في أطفال الشوارع.. 

كان زعماء العصابة  هم حباطة وبزارة والتوربيني وبقو.

نفس الأمر.. فزعماء عصابتنا هم حسني حباطة وصلاح التوربيني  وجابر بقو و بزارة القعيد..و.. و.. و.. 

هل يحتاج القارئ إلى تنبيه .. وهل يحتاج الشبه إلى تنويه؟!!..

نهاية الليبرالية الغربية وتجسيدها في جوانتانامو و أبي غريب..

ونهاية الليبرالية المصرية وتجسيدها في أطفال الشوارع وطرة و أبي زعبل.

*** 

بقي أن نستشهد باثنين:

أولهما هو الكاتب المسيحي الانجيلي الدكتور رفيق حبيب الذي قال في بابه ـ معاً للمستقبل ـ بجريدة الأسبوع :

ماذا يحدث في بر مصر؟ هل هي هجمة جديدة منظمة علي كل قيم هذه الأمة؟ نعم إن الصورة تتفاقم كل يوم بصورة حادة، قد تكون لها سوابق تاريخية منذ بداية القرن العشرين، أي منذ بداية التغريب المنظم للحياة المصرية(...) ما نشهده في مصر هو تحالف بين النخب المتغربة ونظام الحكم، الذي أصبح يجد حليفه الرئيسي في تلك النخب المنتمية للمشروع الحضاري الغربي، كما أصبح النظام يجد حليفه الرئيسي في الإدارة الأمريكية، وفي القوي الغربية عموما وفي المؤسسات الدولية وكل تلك الجهات مثل الراعي الرئيسي للنخبة المتغربة في مصر، كما في غيرها من الدول العربية والإسلامية، لهذا تشكل تحالفا واضحا بين تلك النخب والنظام الحاكم، وأصبح هذا التحالف مدعوما من القوي الغربية، يشن حربا علي مرجعية الأمة الحضارية والدينية لأنه يري أن هذه المرجعية تقف في سبيل تحقيقه لمصالحه في المنطقة، وتري الإدارة الأمريكية أن هذه المرجعية تقف حائلا بينها وبين مشروع فرض الهيمنة علي المنطقة العربية والإسلامية وتقف حائلا بين دولة الاحتلال الصهيوني.

ونعيد تنبيه القارئ أن الفقرة السابقة لمفكر مسيحي..

الفقرة القادمة لمفكرة كانت مسيحية و أسلمت..

هل تذكرون الصحفية البريطانية إيفون ريدلي التي وقعت في قبضة طالبان يوم 28 سبتمبر و أطلقت سراحها يوم 8 اكتوبر. لقد أجرت صحيفة الإندبندنت البريطانية حديثا صحفيا معها في منتصف ديسمبر 2001، و أطلقت الصحافية مفاجأة مذهلة، حين قالت أنها بصدد إصدار كتاب بعنوان «في أيدي طالبان» أن أجهزة المخابرات الغربية حاولت قتلها لتعزيز الدعم الجماهيري لتوجيه ضربات جوية لأفغانستان!!.

فيما بعد، درست إيفون الإسلام و أسلمت..

 وفي محاضرة مثيرة ضمن فعاليات المؤتمر العاشر للندوة العالمية للشباب الإسلامي الذي استضافته القاهرة، هاجمت إيفون  تصريحات وزير الثقافة فاروق حسني التي هاجم فيها الحجاب وقالت:

 لقد التقطت اليوم صحفًا مصرية لأكتشف أن وزير الثقافة قد لقب النساء اللاتي يلبسن الحجاب بأنهن رجعيات، متسائلة: كيف يجرؤ وزير مسلم على قول ذلك، ولماذا يصمت رجال مصر ويقفون عاجزين عن إسكاته، بعد أن طعن هذا الوزير في شرف وعفة كل امرأة مسلمة ارتدت الحجاب. ووصفت فاروق حسني بأنه "عار" على الإسلام، واعتبرت تصريحاته مجرد كلمات حقيرة، متسائلة: أية رسالة تلك التي يريد أن يرسلها إلى شبابنا بكلماته الخبيثة؟، وقالت إن هذا الوزير وجنسه هو تقليد شاحب من الرجال الحقيقيين خصوا أنفسهم في محاولة مثيرة للشفقة أن يصبحوا غربيين أكثر من الغربيين. وأشارت ريدلي إلى أنه يجب أن يعزل الوزير من منصبه لإهانته كل امرأة مسلمة اختارت ارتدت الحجاب، لافتة إلى أن النقاب والحجاب أصبحا رمزًا لرفض أسلوب الحياة الغربية السلبي بما فيه من تعاطي المخدرات والمسكرات: إنها رسالة أخلاقية للغرب بأننا لا نريد أن نحيا بطريقتهم.) المصريون 23\11\2006.

*** 

أحسست بالعار يا قراء..

أحسست بالعار يا أمة..

فليست المشكلة في نخبة مثقفة أشد سفالة من أطفال الشوارع ( مجرد ثلاثين مرتزق يحتكرون تسمية النخبة)..

ولا المشكلة في  فاروق التوربيني..

المشكلة فيمن استوزره..

والمشكلة الأكبر فيمن رضي بحكم من استوزرة..

المشكلة فيك أنت يا أمة..

هذه النخبة سافلة وجبانة و أحسبها فاجرة وأتساءل عن كونها مسلمة.. ونخبة الحكام أكثر شرا وبذاءة.. لكن هؤلاء و أولئك لا يستطيعون الصمود أبدا أمام شعب يغضب لربه و أمة تستفز وتستنفر لدينها..

لكن الأمة استنامت لليأس ..

نعم.. استنامت الأمة لليأس مثل كلاب سيليجمان!!.. و أعتذر عن التعبير.

*** 

منذ عقود قرأت الموسوعة الضخمة التي كتبها صلاح نصر- أو على الأحرى كتبت له – بعنوان "الحرب النفسية".. و أدهشني أيامها أن يكتب هذا الجلاد الوحش المفترس دراسة في علم النفس.. لكنني سرعان ما أدركت أن علم النفس والتجارب على الحيوانات تستغل للسيطرة على الأفراد ولتحريك المجتمعات ولضبط حركة الشعوب.

*** 

من ذلك ما فعله  سيليجمان (الرئيس الحالي لجمعية علم النفس الأمريـكـيـة ) وهو يدرس تأثير اليأس على الكائن الحي  حيث صمم صندوقا تجريبيا قسمه إلى جزأين: جزء معدني وجزء خشبي. وكان يضع كلبا في هذا الصندوق ويغريه بالطعام في الجزء المعدني، ثم بدأ يطلق شحنة من الكهرباء، وتعلم الكلب أن يقفز من القسم المعدني الخطر إلى القسم الخشبي الآمن. بعد ذلك علم سيليجمان كلابه أنه يطلق صفارة ثم يطلق التيار الكهربائي ليصعقها بعد خمس ثوان. وتعلمت الكلاب أن صوت الصفارة تعقبه الصعقة، وفهمت الكلاب فكانت تقفز فور سماعها لصوت الصفارة وحتى قبل إطلاق التيار الكهربائي، وهنا تقدم سيليجمان إلى خطوة أخرى. لقد ربط الكلاب في الجزء المعدني. كانت الصفارة تنطلق فتحاول الكلاب الهرب لكن القيود تمنعها. كانت تحاول الهرب بصورة مسعورة. ثم تأتي الصعقة فتتعذب الكلاب عذابا لا يوصف وهي تحاول المستحيل للهروب من قيدها وعذابها.. تحاول بلا جدوى.. ومع التكرار أصابها اليأس.. أدركت أنه لا أمل.. مهما حاولت لا أمل.. تعلمت الكلاب في البداية أن تقابل الصفارة باليأس فلا تتحرك. لكنها كانت تحاول التملص مع بداية الصعقة.. ثم غلبها اليأس فاستنامت لهذا ولذاك .. وامتنعت عن الحركة حتى مع عذاب الصعق بالتيار الكهربائي، كانت تنام مستسلمة وقد أدركت أن عذابها لا مفر منه ولا جدوى من مقاومته، واقتصر ارتجافها على تقلص العضلات اللا إرادي الذي تسببه الصعقات الكهربائية. كانت تتـداعـى فـي الصندوق مستسلمة للتهديد ولأي عدد إضافي من الصدمات الكهربائيـة من قبل المجرب .  تكررت التجربة مرارا عبر أيام عديدة ثم تقدم سيليجمان خطوة أخرى عندما فك قيود الكلاب. ولم تستجب بالهروب للجانب الآمن من الصـنـدوق حـتـى بعد أن فك المجرب عنها قيودها : لقد اكتسبت حالة من اليأس والخمود والاستسلام للواقع المؤلم  والعجـز عـن الـهـروب حـتـى ولـو كـانـت مـصـادره متاحة . . نعم .. كانت الكلاب لا تحاول الفرار عند سماعها للصوت الذي يسبق الصعقة بل ولا تتحرك مع الصعقة نفسها فيما عدا حركات الصدمة الكهربية. ومهما ارتفع الصوت أو اشتدت الصعقات لم تكن الكلاب تتحرك. 

كانت قد تقوضت من الداخل..

كان بنيانها قد تهدم..

لقد أصابها اليأس..

يأست.. يأست.. يأست.. يأست.. يأست.. يأست.. يأست.. يأست..

*** 

يضرب سـيـلـيـجـمـان مـثـالا لحـالـة اليأس تلك مع أسـيـر حـرب أمـريـكـي فـي الحـرب الأمريكية  لإرهابية على فيتنام . فقد تحسنت حالة هذا الأسير وبدأت عليه علامات الصحة والتوافق حتى وهو في الأسر عندما أبلغه الفيتناميون أنهم سيفكون أسره لتعاونه معهم وحددوا لذلك تاريخا معينا . وكلـمـا كـان هـذا الـتـاريـخ يقترب كانت روحه المعنوية تزداد ارتفاعا . ولكن الـصـدمـة كـانـت شـديـدة عندما تبين له في الموعد المضروب أن الوعد بفك الأسر لم يكن إلا خدعة من سجانيه ولم تكن هناك نية لإطلاق سراحه . عندئذ أخذت حالته تتدهور وبدأت معنوياته تتداعى و عـزف عن الأكل والنوم إلى أن مات بعد فترة قصيرة في الأسر .

ويعلق سـيـلـيـجـمـان على الأمر بقوله أنه  صحيح أن خدعة إطلاق سراح هذا الأسير لم تكن في شدة الصدمات الكهربائية التي تعرضت لها الكلاب اليائسة ولكنها كانـت ـ مـن الـنـاحـيـة الـنـفـسـيـة ـ كافية لأن تصيبه بحالة من اليأس الشديد الذي أودى به للموت.

*** 

يا شعبنا المسكين هل فعل بك الحكام الكلاب وكلاب الحكام شيئا مثل هذا الذي فعله سـيـلـيـجـمـان  بالكلاب..

يا أمتنا المسكينة هل فعلت بك كلاب الحكام  الكلاب  شيئا كذلك الذي تعرض له الأسير..

يـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا للألــــــــــــــــــــــــم.

*** 

لم يتغير شيء..

كالذئاب والفئران والأفاعي كلما سددنا ثغرة جاءونا من ثغرة أخرى.. فولي الأمر يربيهم في حظائره ليطلقهم علينا..

لم يتغير شيء

لذلك فإنني أحيل القارئ إلى ما كتبته في أزمة الوليمة على هذا الرابط:

في الذكرى الثانية للوليمة

http://mohamadabbas.net/Ma2al/Walima02

كما أحيله إلى ما كتبته تحت عنوان: 

فتنة الوزير الشاذ

http://www.mohamadabbas.net/Book/Protocol.zip

أو:

http://basem.50g.com/HTML/Welcome%20to%20ABC%20Life-6.htm


كما أحيل القراء أيضا إلى الدراسة بالغة القيمة التي كتبها المفكر العميق الأستاذ محمد إبراهيم مبروك بعنوان:

هل حقا جمــــــــال البنـّـــــــا مفكــــــــر إســــــــلامي؟

أرجو من القارئ الرجوع إليه في هذا الرابط: 

رابط محمد إبراهيم مبروك


وأناشد أصحاب المواقع أن ينشروا هذه الدراسة على أوسع نطاق لفضح جمال البنا، فلقد لاحظت حصارا لها كالحصار المضروب حول بروتوكولات حكماء صهيون.. الذي يوشك جمال البنا أن يكون منهم.

 

حاشية 1

كاتب مذهل: الدكتور محمد الحسيني إسماعيل

الدكتور محمد الحسيني إسماعيل كاتب مذهل في علمه وحججه وقدره ومع ذلك وهو معروف جيدا في الأوساط الأكاديمية والفكرية، لكنه معظم الوسائط الإعلامية تتجاهله لأن إنتاجه الفكري الفذ يتعارض مع توجهات الشيطان والسلطان معا. لقد قرأت كتبه الأولى و أشرع الآن في قراءة كتبه الأخيرة . من كتبه الأولى: " الحقيقة المطلقة / الله والدين والإنسان" و "- الدين والعلم وقصور الفكر البشري" وهما كتابان ضروريان لكل مسلم خاصة أولئك الذين يعيشون في الغرب، ويواجهون تهافت الفلاسفة هناك. حيث يلتزم الدكتور محمد الحسيني إسماعيل باستخدام أقصى ملكات العقل ، وأرفع درجات المنطق العلمي المعاصر، ليصل إلى الإيمان الحتمي باستخدام المنطق الرياضي ، وأرفع درجات المنطق الفيزيائي المعاصر .. إنه لا يعرض القضايا الغيبية كمسلمات لا تناقش بل يعرضها بنفس الأسلوب والمنطق العلمي المتبع في البرهان المستخدم في النظريات الفيزيائية المعاصرة الكبرى كما تأتي في مجالات : الكم ، والنسبية الخاصة ، والنسبية العامة ، والكُوَنَتات .

على موقع الدكتور محمد الحسيني إسماعيل : www.truth-4u.com  سوف يقرأ القارئ الأهداف التي يتوخاها الكاتب الفذ من هذا الموقع :

 (1) الأخذ بيد البشرية نحو معرفة معنى الدين الحق ، ومعنى دور الدين في حياة الإنسان ، وكذا معرفة الوجود والمصير والغايات من الخلق ، وأن على الإنسان تحقيق هذه الغايات حتى ينال السعادة الأبدية المنشودة . وكذا تقديم الدور الرائد للدين الإسلامي في إرساء قواعد السلام العالمي ، والذي بدونه لن يتحقق السلام على هذا الكوكب .. كوكب الأرض

(2)  البرهنة المطلقة ـ وبما لا يدع مجالا لأي شك ـ على صحة وصدق الدين الإسلامي ، وهو الدين الحق المطلق الوحيد الذي نقل " القضية الدينية " من حيز الوهم والاعتقاد ـ بدون برهان ـ إلى حيز  " القضايا العلمية " ذات البراهين العلمية الراسخة .

(3)  عرض كل من " نظرية الاحتواء " و " نظرية الإحلال " ، وهما النظريتان اللتان تشرحان أسباب اعتقاد الإنسانية في الديانات الخرافية والوثنية بدون إعمال العقل ، وإلغاء المنطق العلمي ، فيما تعتقد . وتعتبر هاتـان النظريتـان المدخل الأساسي لمنهاج " التحول في النموذج الديني " .

(4)  البرهنة المطلقة ـ وبما لا يدع مجالا لأي شك ـ على وثنية وخرافة الديانة اليهودية ، وأنها ليست ديانة سماوية ، كما وأنها ديانة بلا خلاص على عكس ما يَدّعون .

(5)  بنصوص وتوثيق كتبهم المقدسة .. عرض المصير المحتوم للأمة اليهودية ، وأن الأمة الإسلامية هي شعب الله المختار ، وليست الأمة اليهودية ..

(6)  بنصوص وتوثيق كتبهم المقدسة .. إسقاط الحق التاريخي لبني إسرائيل في المنطقة العربية ، وكذا إسقاط حقهم المزعوم في إقامة دولتهم .. دولة إسرائيل المزعومة . وهذا التوثيق يقود مباشرة إلى فكر : " التحول في النموذج الإسرائيلي " .

(7)  البرهنة المطلقة ـ وبما لا يدع مجالا لأي شك ـ على وثنية وخرافة الديانة المسيحية ، وأنها ليست ديانة سماوية .

(8)  البرهنة المطلقة ـ وبما لا يدع مجالا لأي شك ـ على وثنية وخرافة ديانات العالم ، وأنها ليست ديانات سماوية ، وتقديم الدراسات الدالة على ذلك .

(9)  العمل على إدخال دراسة مادة " الدين " على طول المراحل التعليمية (...) وكذا معرفة معنى وجود الإنسان ومصيره والغايات من خلقه ، كما وأن خلاصه وسعادته الأبدية المنشودة متوقفة على تحقيقه لهذه الغايات .

(10)  فضح حقيقة " المؤامرة " التي يحيكها كل من العالمين اليهودي والمسيحي معا لتدمير الأمة الإسلامية ومحو الإسلام من الوجود .

(11)  فضح حقيقة " الإرهاب " وأن مصدره الحقيقي ومحركه الأول هو : العالمان المسيحي واليهودي معا ، بعد أن فقدوا المرجعية الأخلاقية المطلقة كناتج طبيعي من دياناتهم الخرافية والوثنية .

(12)  فضح حقيقة " حوار الحضارات " أو " حوار الأديان " ، وبيان أنه نوع من التضليل الإعـلامي لتثبيط وشغل العالم الإسلامي بما لا يفيد ، حتى يمكنهم الإجهاز عليه .

(13)  فضح شركات السلاح الغربية ، وبيان أن جميع الأسلحة التي يتم توريدها للعالم الإسلامي هي أسلحة فاسدة وتحت السيطرة الغربية المباشرة . ولا تعمل هذه الأسلحة إلا في الأغراض الذي يريدها العالمين المسيحي واليهودي فقط ، وفي إطـار تدمير العالم الإسلامي ـ بعضه لبعض ـ ونهب ثرواتـه وثروات العالم الثالث .

(14)  الاحتفاظ بحق العالم الإسلامي في رفع قضية " معاداة الإسلام والمسلمين " أمام المحافل الدولية ( على سبيل المثال : المحكمة الجنائية الدولية ) ، مع احتفاظ العالم الإسلامي بجميع حقوقه الشرعية التي تخوله حق الدفاع عن نفسه ، وتنمية قدراته العلمية وتقدمه التكنولوجي ، وجمع العالم الإسلامي حول هذا الهدف القومي .

(15)  فضح الأنظمة الحاكمة والتي تعمل ـ في حقيقة الأمر / بعلم منها أو بدون علم  ـ لصالح الصهيونية العالمية ، ونهب ثروات شعوبها ، لصالح متاع دنيوي زائل .

(16)  فضح الإعلام العربي ، الذي لم يعد لديه إلا : " التضليل .. والراقصة والطبال " ، وإشغال الرأي العام العربي بحوار مع الذات ، وبحوار من أجل الحوار ، مع تغيب الهدف القومي الذي يمكن أن تجتمع عليه الأمة الإسلامية . فالمعروف في الوقت الحاضر ؛ أن السفراء الأمريكيين في العواصم العربية ـ بكل أسف ـ باتوا الرقباء الحقيقيين على الصحف ووسائل الإعلام ، بعد أن نجحوا في مراقبة المساجد ، ومنع خطباء صلاة الجمعة من الحديث عن الجهاد في فلسطين والعراق وأفغانستان .

(17)  عرض التاريخ الإسلامي منذ ظهور الإسلام وحتى الوقت الحاضر ، وبيان أن كارثة العالم الإسلامي وحيوده عن الدور المقدر له تمحورت حول صراع أفراده على الاستيلاء على السلطة .. والتي بدأت مبكرا .. اعتبارا من أواخر فترة الخلافة الراشدة .

(18)  بيان أن نظام الحكم في الإسلام في جوهره ، باستخدام المصطلحات الحديثة ، هو " النظام الديموقراطي الليبرالي "  بأوسع معانيه ،  وأرقى القيم .

(19)  كتاب الإسلام العظيم " القرآن المجيد " هو " كتاب الحكمة البالغة " الذي تبحث عنه البشرية الضالة بدون أن تدري ، والذي سوف يقود الإنسانية نحو السلام الأرضي الدائم ، كما يحوي ـ هذا الكتاب العظيم ـ كل ما تبغيه الإنسانية من إجابات خاصة بوجودها ، ومصيرها ، وخلاصها ، والغايات من خلقها ، وأن عليها تحقيق هذه الغايات حتى تنال الخلاص المأمول .. والسعادة الأبدية المنشودة .

(20)  عرض الفلسفات كاملة ، منذ بدء الحضارة الإنسانية وحتى الفلسفات المعاصرة ، وبيان فشلها في تقديم أي نظام فكري أو اجتماعي أو فلسفي بديل عن الدين والتدين . كما فشلت الفلسفة أيضا في حل لغز وجود الإنسان ، ومصيره ، والغايات من خلقه .

(21)  عرض العلم بالكامل وسقف المعرفة البشرية واحتواء النص القرآني له ، مع تقديم الآفاق الجديدة للبشرية ، وهي الآفاق الخاصة بالنموذج القرآني الخاص بكوننا والأكوان المتطابقة ، والتي سوف يتنقل بينها الإنسان من خلال سيناريو الوجـود المقدر والمرسوم له من قبل الخـالق العظيم سبحانه وتعالى .

*** 

ولا يكتفي المفكر الكبير بكل ما مضى بل يتناول قضايا سياسية لا تقل خطورة و أهمية عن القضايا الفكرية التي تصدى لها.. ولنتناول هنا تفاصيل البند الثالث عشر من أهداف الموقع حين يتصدى لظاهرة الحكام السماسرة الذين يوردون السلاح لجيوشهم مرتكبين جريمة الخيانة العظمى.. لأنهم فضلا عن السرقة والرشوة والعمولة يستوردون أسلحة يستحيل أن تواجه العدو..إنها تواجه الشعوب فقط.. ويفسر الكاتب الكبير الأمر قائلا:

مع التطور التكنولوجي الحديث أصبح اسم السلاح الفاسد لا يُطلق على السلاح الذي لا يعمل بصورةٍ طبيعيةٍ أو ينفجر عند استخدامه، بل صار يُطلَق على كل سلاح يعمل بصورة طبيعية ما لم تختلفْ سياسة المستخدم أو المستورد مع سياسة المورد القائم بتصنيع السلاح. كما يبقى عمل السلاح تحت هيمنة المورد- دون علم المستخدم- بطرق خارجية إذا اختلفت سياسة المستخدم عن سياسته، أي سياسة المورد، بمعنى أنه يمكن إيقاف عمل الصواريخ وعمل الرادارات.. وإسقاط الطائرات.. إلخ عند الحاجة، دون إطلاق قذيفة واحدة عليها إذا استُخدمت هذه الأسلحة في أعمال ضد سياسة أو رغبة مورد السلاح..

ثم ذكر الكاتب – الذي يتمتع بخبرات عسكرية واسعة-  أربع طرق مختلفة لكيفية قيام الغرب وأمريكا بإبطال عمل الأسلحة التي يقوم بتوريدها إلى المنطقة العربية!!

الأولى: بزرع فيروسات كامنة أثناء التصنيع في الدوائر الإليكترونية التي تتحكَّم في عمل السلاح، يتم تنشيطها بإشاراتٍ لا سلكية عبر الأقمار الصناعية عندما يُراد إبطالُ عمل هذه الأسلحة، وهو ما يسبِّب مثلاً إسقاط الطائرات- عند قفل دوائر الوقود مثلاً- دون الحاجة لإطلاق قذيفة أو صاروخ!!

الثانية: بزرع برامج للحاسبات الإليكترونية التي تهيمن على عمل السلاح، فتقوم بتسجيل المعدلات التكرارية لعمل السلاح التي تختلف في حالة الحرب عنها في حالة السلم؛ مما يسبِّب توقف عمل السلاح دون الحاجة إلى إشارة من مصدر خارجي.

الثالثة: وضع إحداثيات معينة أو اتجاهات معينة في ذاكرة السلاح لا يمكن توجيه السلاح إليها.

الرابعة: التحكم أو وقف توريد قطع غيار السلاح، فينتهي كقطعةٍ من الحديد لا قيمةَ لها (هل علمتم لماذا انتصر حزب الله الذي لا يستعمل سلاحًا أمريكيًّا؟ ولماذا يرفض الحكام العرب مجرد التفكير في الحرب؟).

ثم يستكمل الكاتب حديثَه الذي جاء على شكل سؤال وجواب بسؤال وجيه (طبعًا لنفسه): ولماذا إذن تقوم الأنظمة العربية باستيراد هذه الأسلحة الفاسدة وبمليارات الدولارات؟!

ويُجيب بمنتهى الصراحة:

أولاً: هي مبالغ مدفوعة كإتاوة للبلطجي الأمريكي في مقابل بقاء الأنظمة الحاكمة والحفاظ على مصالحها.

ثانيًا: هي وسيلة لتأمين ملك وأمن الأنظمة الحاكمة وليس لتأمين وأمن الشعوب؛ حيث تعمل بكفاءة في مواجهة الشعوب.

ثالثًا: هي وسيلة للإثراء غير المشروع المتمثل في عمولات صفقات السلاح!!

رابعًا: حتمية وجود هذه الصفقات لإيهام الشعوب العربية المغيَّبة بأن لديها جيشًا يمكنه الدفاع عنها، حتى لا يحرمها ذلك من الطمأنينة النفسية، وبهذا يمكن إبادتها بهدوء، وهي مغيَّبة عن هذه الحقائق، ثم يستعرض الخبير العسكري نماذج من صفقات السلاح في منطقة الشرق الأوسط التي تحقَّقت فيها هذه الشروط التي تجعل من الأسلحة التي تحوذها وتستعرضها كل عام- زمان- بندقية فرح العمدة بعد غياب كل وسائل التوجيه منها!!

*** 

لا يقتصر الكاتب في إنتاجه الفكري العميق على البعد الفلسفي والعقدي إنه يكتب أيضا عن: "البعد الديني في الصراع العربي الإسرائيلي" ..

كما يكتب عن " بنو إسرائيل / من التاريخ القديم .. وحتى الوقت الحاضر" 

وكذلك: "الإسلام والغرب / المواجهة والحل" 

و" الحوار الخفي / الدين الإسلامي في كليات اللاهوت"

و" السقوط الأخير / تاريخ الصراع على السلطة منذ ظهور الإسلام وحتى الوقت الحاضر " 

*** 

حاشية 2

كـــــفـــايــــــة


لابد أن نحيي الإخوة الذين استقالوا من كفاية.. لكننا في الوقت نفسه نعاتبهم.. فما الذي أدخلهم منذ البداية فيها وهي مسجد ضرار وعمل غير صالح؟؟.. لو أن الأمر كان غامضا لالتمسنا لهم المعاذير.. لكننا حذرنا.. وحذر سوانا.. ومنذ البداية في مقال بعنوان: 

مبارك .. أعز الله به اليهود والنصارى.. و أذل المسلمين..

الطـوفـان(2/2)

وفي ذلك المقال كتبت بالنص:

يجب ألا ننخدع مرة أخري.. مهما كانت أشواقنا الملتاعة إلى خلاص فلا ينبغي أن نخدع أنفسنا بخلاص مزيف..

فهل تمثل حركة " كفاية " خلاصا..؟..

لمصطفى بكري شهادة يقلل من قيمتها انحيازه لمبارك.. إلا أنها جديرة بالذكر.. يقول بكري:

" سورس رجل الاقتصاد اليهود الهنجاري الأصل الأمريكي الجنسية كان هو المسئول الأساسي الذي أشرف علي تدبير عملية الانقلاب السلمي في ورُيا فأطاح بشيفرنادزه وجاء بساكشفيلي، بعد أن أسس حركة شبابية قدم إليها ملايين الدولارات حملت شعار 'يكفي'، أنها شبيهة بحركة 'ابتور' الصربية التي أسقطت ميلوسيفتش في بلجراد سنة 2000، وهكذا تمكنت المئات من منظمات المجتمع المدني من أحداث الانقلاب في ورُيا".

إذن..

إن شعار كفاية نفسه شعار مشبوه.. وصناعة أمريكية..

أعتذر لمن سيصيبهم كلامي بالصدمة.. ولكن ذلك لا يعني بالنسبة لهذه الحركة أو سواها أن الحركة كلها أو حتى معظمها مخترق..

لقد كان الضباط الأحرار على سبيل المثال عدة مئات.. كان يكفي اختراق اثنين أو ثلاثة منهم لجرف الثورة كلها عن مسارها من خلف ظهر الباقين الذين لم يتصوروا ولم يتخيلوا ولم يصدقوا حتى وقعت الكارثة.

وربما تحتاج شهادة مصطفى بكري إلى مزيد من التدعيم بما نشرته الوفد تحت عناوين ضخمة في 7 أبريل:

"أعرب خبراء الأمن والقانون ورجال السياسة عن دهشتهم البالغة من وجود أوكار للجاسوسية في قلب القاهرة والكائنة في السفارتين الأمريكية والإسرائيلية.وطالبوا بضرورة التخلص من هذه الأوكار فوراً وطرد جميع أجهزة التجسس واصطياد العملاء من مصر..."..

ويا إخوتنا المستقيلين: ليتكم ما انضممتم ولا استقلتم!!

*** 

حاشية 3

المصري اليوم

أفضل صحيفة مصرية يومية بلا منافس.. لكن تذكروا قولي.. إنها خلية نائمة.. وطابور خامس .. تنتظر الفرصة للانقضاض.

*** 

حاشية

مجدي مهنا 

كاتب كبير بلا شك، نهنئه بالسلامة وندعو له بالصحة.. لكن لديه تشوها فكريا فظيعا عن الإسلام.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

انظروا كمجرد مثال إلى موقفه المنبهر من الكافر – بحكم نهائي من محكمة النقض- نصر حامد أبو زيد وموقفه المتعالي من أي مفكر إسلامي.

ليس لدي أمل في إزالة التشوه أو علاجه لكنني أرجو أن يكون ذاتي المنشأ!!.

*** 

حاشية

تحية بغير مناسبة


للكاتب الكبير العملاق إبراهيم عوض.

كلما قرأت له دعوت له من أعماقي..

*** 

حاشية

وسوسة


يوسوس لي الشيطان أحيانا بأسئلة ملغمة أعلم أنني أشارف ببعضها حد الخطيئة وهي لا تدل إلا على جهل البشر بآفاق الحكمة الإلهية التي تعز في كثير من الأحيان على  فهم البشر.. من هذه الأسئلة: لماذا خلق الله الثعابين والحيات والعقارب؟ لماذا خلق الشر قويا بهذه الدرجة؟؟.. 

ولماذا..

ولماذا..

 ولماذا خلق حمدي رزق نائب رئيس تحرير مجلة المصور؟!.. ولماذا خلق يوسف القعيد وكرم جبر وعبد الله كمال؟!.

أستغفر الله العظيم.

*** 


حاشية

 

فقه الأولويات

هل من فقه الأولويات أن غسيل الوجه في الوضوء مقدم على غسيل القدمين؟!.

أو أن الزكاة مقدمة على الحج مثلا أو الصلاة.

وهل يدخل في نطاقها تحليل حرام أو تحريم حلال..

طاف هذا بخاطري إذ رحت أعاتب و أختلف مع بعض الفصائل الإسلامية في موقفها من الحجاب.

قد يصلح هذا الموقف في قضايا أخرى وفي مواقف أخرى.. أما ما نحن فيه فينطبق عليه مثل الثور الأسود الذي أكل يوم أكل الأبيض..

في الجانب الآخر لا يوجد فقهاء يختلفون معنا في الفقه.. وهو اختلاف – إن كان كذلك- مشروع..

 بل توجد خنازير مأجورة وكلاب مسعورة تريد أن تنقض الدين عروة عروة ..فلو سلمنا لهم اليوم بأن الحجاب ليس من أولوياتنا لانقلبوا غدا إلى الصلاة.. ثم باقي أركان الإسلام ركنا ركنا.

الإسلام كبرنامج الكمبيوتر.. إن فسد أي سطر فيه اختل البرنامج كله.. لا يعني هذا افتقاد البرنامج للخيارات والمرونة.. لكنه مرونة وخيارات داخل البرنامج نفسه وليست مفروضة عليه من الخارج.

لذلك – وبالاحترام كله- أختلف مع تصريحات الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام في هذا الشأن.

*** 

حاشية

 

أرشيف الشعب


شكرا للتقي النقي الوفي الصامت الأمين الشريف الصحافي المتميز والمجاهد حقا: عامر عبد المنعم.

والشكر واجب علينا وحق له دونما تحديد بمناسبة..

ولكن ما ذكرني به الآن حرصه ودأبه على المحافظة على أرشيف "الشعب" لينشرها في موقعه:

www.alarabnews.com

أرشيف الشعب ضيعه أهله، فقد قام نجل المهندس إبراهيم شكري – حفظ الله: الأب وليس الابن- بتدمير الأرشيف قبل عام 2000- أما في عام 2006فقد سقط  أرشيف الشعب منذ سنة 2000 إلى 2006 – ربما !! - سهوا فلم يعد موجودا في موقع الشعب.

!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

تذكرت يوم وفاة المجاهد والمفكر الكبير الأستاذ عادل حسين.. حين كتبت أنني قرأت في ملامح عامر عبد المنعم الحزينة نواحا ناشجا: إنه أبي.. و أنا أولى به منكم جميعا.

و... مرة أخرى: صدقت فراستي.

*** 

حاشية

فاروق حسني


كيف تأتينا النظافة؟

العِرافَة

جثة مشلولة تطوي المسافة

بين سجن وقرافة.

والحصافة

غفوة ما بين كأس ولفافة!

والصحافة

خرق ما بين أفخاذ الخلافة.

والرهافة

خلطة من أصدق الكذب

ومن أفضل أنواع السخافة.

والمذيعون.. خراف

والإذاعات.. خرافة.

وعقول المستنيرين

صناديق صرافة!

كيف تأتينا النظافة؟!

غضِب الله علينا

ودهتنا ألف آفة

منذ أبدلنا المراحيض لدينا

بوزارات الثقافة!

***

أحمد مطر

*** 

*** 

*** 


ملاحظة أخيرة


أشعر بالخجل والتقصير، فمنذ مدة لم أكتب عن المقاومة البطلة في العراق وفلسطين، و إن كان همهما يسكنان حروف كل كلمة أكتبها.. لأنني  إذ أكتب ضد الفساد والكفر والظلم والجبروت والتوريث إنما أدعم المقاومة.

العار لمن لا يقاوم.

والموت والعار لمن يخون مقاوما..

كنت أود أن أناشد شيعة العراق بالانضمام إلى المقاومة.. لكن.. أظن الوقت فات.. و أظنه عار الدنيا وخزي الآخرة.. ليس كعيب في الشيعة بل كجريمة سياسية  سوف سيحمل وزرها الشيعة.. بل إنني أقول أن الشيعة قد خانوا فقههم في الجهاد.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.. لكنني أناشد إخوتي السنة رضي الله عنهم ورضوا عنه وجزاهم عن الإسلام خيرا أن يوجهوا كل رصاصهم للأمريكيين والصليبيين واليهود.. و أن يكون نبراسهم مع من يريدون بهم سوءا:

 لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ (30) المائدة

*** 

*** 

*** 

بريد القراء


بريد القراء هذه المرة ثري جدا بالهجوم علىّ..

ووالله الذي لا إله إلا هو : إنني لأخشي من المدح أكثر من خشيتي من القدح.. فالمدح يحمل مشروع ذنب .. أما القدح فشهادة لي أمام الله سبحانه وتعالى  على أنني تصدقت بعرضي..لذلك.. كثيرا ما أبكي خوفا من مديح يأتيني فأهتف في كاتبه: قصمت ظهري.. لكن إحساسي بالقدح يتراوح بين الاستفادة منه إذا كان منهجيا أو الرثاء لكاتبه إن كان سطحيا أو ادعى صاحبه عليّ ما لم أقل.

أمري أنا لا يستحق التعليق.. لكننا سنتناول الأمر في مقال قادم عند الحديث عمن هاجموا الشهيد العظيم إن شاء الله سيد قطب..حيث أنني أخشي أن بعض من هاجموه – ووالله لا أقولها سبابا- مرضي نفسيين وتشخيص مرضهم هو الفصام الزوراني، وهو نفس تشخيصي لحالة مذيعة قناة إقرأ التي خلعت الحجاب وانحرفت انحرافا فكريا شديدا أظن أن عذرها فيه هو المرض، وهو نفس العذر الذي التمسته لبعض من هاجموني- بعض وليس كل فمعظمهم تعلمت منهم- .. 

لكن الأمر الذي يستحق أن أورده بشكل خاص هو ادعاء البعض علىّ بباطل لا يمكن التماس المعذرة لهم فيه أبدا، ولا حتى بالجهل، فأحدهم على سبيل المثال هاجمنى لأنني كتبت كتابا في نفاق مبارك اسمه: من مواطن "مصري إلى السيد الرئيس" و أخذ يصب لعناته علىّ لأنني استعملت كلمة " السيد" في وصفه. والحقيقة أن كلمة السيد لم ترد !! فعنوان الكتاب هو: " من مواطن مصري إلى الرئيس مبارك" وهو على الشبكة العنكبوتية كما أنه على موقعي، وهو لا يعد – باعترافات عديدة- أشرس و أقوى و أعنف  ما وجه إلى مبارك فقط، فالأهم أنه كان السابق إلى هذا المجال, وأنه فتح الطريق وكسر باب الهيبة. لم أحزن، فالأمر بهذه الطريقة يبدو – من أحد وجوهه مضحكا- لكنني فزعت، ولقد تذكرت أن الشهيد أبا مصعب الزرقاوي قد اغتيل بوشاية من عميل اخترق النظام المحكم حوله بعد أن زايد على الجميع فاقترب لا لكي يساعد بل لكي يخون. ومن المؤكد أن هذا العميل كان الأكثر جعجعة والأحد موقفا والأشد غضبا والأعلى صوتا في الاتهام. وليس ثمة شك من أن بعض الجماعات الإسلامية مخترق حتى نخاعه من أجهزة المخابرات وعملائها. في هذا الصدد على سبيل المثال هاجمني أحدهم هجوما شديدا لأنني وصفت شيخنا و أستاذنا الدكتور يوسف القرضاوي بوصف العلامة، ووجه هذا الرويبضة إلى الشيخ الكبير ما يجعل من هذا الرويبضة فاسقا بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعي عليّ ذلك، وندد باستشهادي به رغم أنني عارضته أحيانا، و أخذ يدلل على تناقضي، دون أن يدرك أن العلامة الكبير الدكتور يوسف القرضاوي يؤخذ منه ويرد عليه. وكنت أود أن يتعرضوا لمن استشهدت بهم من كبار علماء الأمة، لا لكي أثبت أن الشيعة على حق – فأنا سلفي من أهل السنة والجماعة- لكن لكي أثبت أمرين: أولهما أن الخلاف  هو خلاف في الفروع لا في الأصول والثاني أن الأمر ليس متفقا عليه.

لقد كنت أود نقاشا علميا فالأمر أخطر من أن يخوض فيه رويبضات، ولقد كان الكثيرون على مستوى الأمر، وكنت أتمنى من البعض الآخر أن يستدرك علىّ خطأ في نص أو رواية أو إسناد أو واقعة تاريخية، لكن ذلك لم يحدث.

لا يقلقني الخلاف أبدا، لكن ما أزعجني حقا هو عملية النفخ في النار لتأجيج الخلاف، خاصة أن عمليات التأجيج تلك قامت بها مؤسسات لا بد أن تدرك مغبة ما تفعل.

من ذلك ما فعله موقع مفكرة الإسلام- والذي لا يكف أبدا عن إشعال الخلاف- وهو يتحدث عن عمليات قتل السنة في العراق ليس كجرائم عرقية وقبلية نتنة ومجرمة يقوم بها مجرمون يستحقون القتل لأنهم مجرمون وقتلة وليس لأنهم شيعة، وهم كفار بموالاة العدو لا بكونهم شيعة، إلا أن الموقع المذكور احتفى بشدة بتهديد يقول أن عشرة من الشيعة سوف يُقتلون مقابل كل سني يقتل!!..

هل هذا هو الشرع؟!

هل هذه هي السنة؟؟

هل سمح الله لرسول الله r أن يثأر لعمه الحمزة رضي الله عنه بقتل سبعين من المشركين الذين لا توجد في شركهم شبهة؟. أين: " وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128).. النحل..

كنت أتمنى أن يكون الحوار على غير ما كان عليه .. أما وقد كان ما كان فإنني إزاء حدة المشاعر والعداوة والبغضاء لا أملك إلا النذير: لو استمر الأمر على ما هو عليه فإن الحرب النووية القادمة – برعاية صليبية يهودية- سوف تكون بين السنة والشيعة حيث يقضي كل طرف على الآخر.. فهل أقول هنيئا بالهلاك للطرفين جميعا. بل أقول هنيئا للشيطان.

لقد فضلت عدم الرد على معظم  الرسائل.. فعدد كبير منها له رد واحد هو : أعد قراءة مقالي.. فأغلب الظن أنك لم تقرأه.. إلا أن الأمانة تقتضيني أن أذكر أن برنامجا حواريا عن السنة والشيعة في برنامج العاشرة مساء وفيه ورد أن هناك قانونا صدر منذ أيام في إيران يجرم سب الصحابة. وتدفعني ذات المصداقية إلى انتظار تأكيد أو نفي لذلك الخبر.. ولعل بعض القراء يقوم بذلك.

و إلى البريد:


لقراءة البريد اضغط على الرابط

بريد القراء


ملاحظة: أنبه القراء أنني لا أتدخل بتصويب أو تصحيح في البريد و أعتذر مقدما عن أي خطأ لغوي خاصة في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف.


بريد القراء


*** 


من هم الكفرة: الشيعة ام الذين يقتلونهم


رداً على مقالة:   مفاجآت لبنان:بطولة المجاهدين.. وخيانة الحاكمين

لقد قرات المقال بأكمله وهو لا ياتي بجديد . مقالة كهذه ليست الا قشة وسط البحر المتلاطم من علماء الوهابية الذين يفتون بتكفير الشيعة ويجيزون قتلهم بدون ذنب وينسبون للشيعة الكفر بسبب تعاونهم مع الامريكان ونسو أو تناسو ان بلادهم هي التي استضافت هذا الامريكي الكافر وهيئت له القواعد والمنصات التي انطلقت منها الطائرات والصواريخ وكلابهم المسعورة التي اطلقوها لتعبر الحدود وتذبح الشيعي لمجرد انه شيعي ونسو ان المحافظات الشيعية هي التي قاتلت الامريكان عند دخولهم العراق ونسوا ما قام به ابطال جيش الامام المهدي الذين قاتلو الامريكان في النجف وفي الفلوجة مع اخوانهم السنة كما نسوا كيف تفاوضت المحافظات السنية مع الامريكان وسمحت بدخول محافظاتهم بدون قتال وبقي الامريكان امنين مطمانين لاكثر من سنة يسرحون ويمرحون ولكن ثارت ثائرة مجاهديهم السلفيين و البعثيين عندما علموا ان الحكم سيؤول الى الاغلبية وهذا ما لا يستطيعون السكوت عليه.... اذاً: هي السياسة فقط التي استحلت دماء الشيعة وكفرتهم وليست العقيدة او المذهب

رضا الدار

النجف

العراق


Reza Dari <reza_dari@yahoo.com


والرد:

لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم..

من الممكن الدفاع عن المذهب الشيعي المصفي من الانحرافات والبدع..

لكن المستحيل هو أن تدافع عمن ذكرت..بل كما قلت في مقالي.. معظمهم يجوز الحكم عليهم بالكفر لا لأنهم شيعة لكن لأنهم ناصروا الأمريكيين وقتلوا المسلمين.

أما جيش الإمام المهدي فلا هو إمام ولا هو مهدي.. بل مجرم وقاتل.

*** 


مداد السيوف



لسعادة الدكتور محمد عباس المحترم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

سعادة فضيلة الدكتور محمد عباس وفقه الله

كاتبه إليكم خادم الجهاد والمجاهدين المحضار الإدريسي الشاذلي، طويلب علم يرجو فضل الله وعفوه

اسمح لي سيادتكم أن أعلق على ما تفضلتم به من مقال بحق الشيعة الإثنى عشرية وتعليقاتكم على عليه ولي رأي يهمني أن أحيطكم به.

الشيعة الإثنى عشرية (يدخلون ضمن رسالة الدكتوراة التي أعد لها) يختلفون - كما أشرتم - عن الشيعة السبئية وهو الإسم الذي تفضلتم به، نعم.

ولكن الإختلاف بين الفريقين يكاد ينعدم وقد استعملوا الجدال الفلسفي الذي تفضلت به لينأوا بأنفسهم عن مفهوم التأليه في أكثر من مناسبة،

فالشيعي العليإلهية (الإسم العصري للسبئية) موجودين إلى الآن ويعيشون في إيران ومنهم عدد كبير في العراق وهم على اتصال بالإثنى عشرية،

ولم نرى أحد من ائمة الشيعة الإثنى عشرية يصرح بكفر من يقول بألوهية علي بن أبي طالب أخي الكريم ولم يتبرأوا منهم.

والسبب في ذلك هو نظرية التقية والإنتظار التي يؤمن بها الإثنى عشرية فهم علي إلهية ولو لم يصرحوا بذلك،

إن مفهوم هؤلاء لشخصية علي بن أبي طالب متطابق عند الفريقين، 

فالإثنى عشرية يقولون أن علي هو من يقضي حوائجهم ويشفي ويخلق ويحييى ويميت بيده الخير وهو على كل شئ قدير.

وهم يؤمنون أنه عين الله ووجه الله ومقياس الإيمان والكفر إلى آخره من خزعبلات السبئية التي وجدت طريقها بكل أسف إلى عقول الأمة

كما أن الشيعة الإثنى عشرية لا يجاهدون بل يقاومون ولفظ الجهاد أصلاً محرم عندهم لورود الاحاديث بأنه أي راية قبل راية المهدي فهي راية طاغوت

ولا يغرنك كونهم يحجون فالذين سمحوا لهم بالحج من الممكن أن يسمحوا (وقد فعلوا) لليهود والنصارى بدخول بلاد الحرمين،

نحن  لا نتفق قطعاً مع سياسة التكفير الأعمى التي ترى الضوء الأخضر بأمر من البيت الأبيض وتتوقف بأمر ..

فصدام حسين الذي صلى وراءه بن باز في فبراير عام 1990 مأموماً هو نفسه صدام الذي كفره ابن باز بعدها بسبعة أشهر فقط.

هذا تكفير سياسي ولا شك في ذلك وبه يقال تكفير (ثم أسلمة) القذافي وبشار الأسد وخميني وغيرهم كثير.

كلهم يكفرون بالأمر من أمريكا ويرجعون للإسلام بالأمر من أمريكا

أما من كفره الله تعالى فهم الكفار حقاً الذين يظنون أن علياً كان معصوماً .. وهي عين عقيدة الشيعة الإثنى عشرية أخي المحترم

إن علي بن أبي طالب الذي كان من أفاضل الصحابة لم يكن أكثر من مجرد صحابي جليل من أهل الجنة ولايزيد في ذلك عن أحد من الصحابة

بل إن سياساته التي طبقها غفر الله لنا وله إبان فترة خلافته تدل على مدى الفائدة التي جنتها الأمة من جراء تأمير علي بن أبي طالب.

وبالرغم من ذلك فهو الشخصية التي استطاع اليهود أن يدخلوا إلى عقيدة الأمة وينسفوها عن بكرة أبيها عن طريقه

فدخل إلى هذا الدين الإدعاء بالبداء والرجعة والطينة والمهدوية والغيبة وباقي العقائد الفاسدة من خلال أولاده ال11 من بعده. 

لم يأثر التاريخ عن علي أنه حمل سيفاً على كافر أو يهودي أو نصراني منذ يوم تولى الخلافة إلى استشهادة في الأربعينات من الهجرة،

ولم يحمل من أولاده السيف إلا حسين رضي الله عنه بعد فوات الأوان وقد استشهد كما هو معروف في معركة غير متكافئة،

وبعد ذلك آثر كل اولادهم من جعفر بن محمد إلى حسن بن علي السلامة وعاشوا في ظل الخلافة ولم ينبس أحد منهم ببنت شفة لإيقاظ الأمة

فهل يجاهد الروافض الآن وقد ترك ائمتهم القتال كل هذه السنين؟

سيدي الدكتور،

إن الدفاع عن الشيعة الإثنى عشرية يأتي - في رأيي- لنصرتهم على اليهود ولكن ذلك يستلزم أيضاً نصرة النيونازي على اليهود

فهناك فرق كثيرة تعمل في الخارج ضد اليهود فهل نناصرهم لمجرد أنهم يواجهون يهود؟

بل إن ما رأينا جميعاً في لبنان لم يعد كونه لعبة منظمة خبيثة لرفع أسهم هذه الفرقة المارقة على حساب عملاءنا الذين تركوا الجهاد كلية.

فالإنصاف يا دكتور عباس وفقنا الله وإياكم.

اخوكم

المحضار

مداد السيوف، علم وعمل وجهاد 


paltalk1@gmail.com


*** 

عشت ، وعاش قلمك ،وعاشت أريحيتك دوماً 

دمت لنا، ودام عطاؤك ،فلا تخافن في الحق لومة لائم ، ولقد وجدتني اشبهك ب (النخلة) في حديقة الإسلام إذاناطحك ( زيدأو عمر ) تهشمت رأسه،ولا تهتز وانما (تساقط عليه رطباً جنياً)؟؟؟آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآهـ 

يااللـــــــــــــــــــــه 

مذكرة: أبعث بكتاب (أتاشمنت)ارسله صديق ولعلكم قرأتموه

ا. ي . زيدان

هيكل

.. الدكتور محمد عباس

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


انا طالب جامعه في المملكة العربية السعودية .... اقول ذلك لاني استحي ان مثلي 

يخاطب مثلك ايا كان هذا الخطاب ولكنه والله امر اختلج في صدري واردت ان اخرجه 

.. وفي البداية اقول ان الدافع الاول لي لاكتب لشخصكم الكريم زادك الله ايمانا 

وعلما ورفع قدرك هو شعور داخلي بالامتنان فلقد عبرت عما بداخلي ليس فقط  بخصوص 

هيكل وانا من جيل متاخر لم يعرف هذا المافون الا من بقايا صدى لاسمه يرن احيانا 

في الصحف او المنتديات ومن حلقاته البائسة في القناة الحاطمة قناة الجزيرة بل 

حتى في تاوهاتك وشكايتك من عموم المسلمين .... اكتب لك وانا لم اكمل بعد 

المقالة وقد رايتها صدفة في الشبكة العنكبوتية ...مقاله شعب من العبيد

والله ما ادري ما اقول فما في صدري كثير وكتابته متعبة ... وسوف اتخلى عن 

الكتابة بالفصحى المكسرة واكلمك بالعامية ليتيسر لي الامر سيما وانا لا ادري هل 

ستصلك رسالتي ام لا فاسمح لي ...0

انا احمد ربي دائما لاني اعتبر نفسي مع بقية باقية خارج هذا القطيع ويعود ذلك 

بعد فضل الله سبحانة الى اني تعرفت على احد رموز الفكر الاسلامي وهو الشيخ سفر 

الحوالي وفقه الله انا اعتبر معرفتي لذلك الشيخ انقلابة تاريخية في فكري ... لا 

ادري لو لم اعرف الشيخ وانا لا اعرفه معرفة شخصية ما ذا كان سيكون موقفي من 

قضايا الاسلام عموما مع هيكل والشعوبيين والعلمانيين والشيعة ونحن الان خرجنا 

من حزب الله اقول انا مادري وشك كان بيكون موقفي لو لم اعرفه

لما تحدثت في مقالتك احسست ان تعبر عن كل مشاعري وكل ما ادين الله به مع انني 

من المفرطين المقصرين ولست من الملتزمين

تالمت والله وكنت متالما من السابق ولكنك نكات الجراح من سيطرة هؤلاء الشرذمة 

على الامة الاسلامية والله وحده المستعان وعليه التكلان

بل اني اتالم مع كل حادثة او ملمه تعصف بالامة

ونحن في عصر الماسي وربما اخرها موقف المسلمين المخدوعين من حزب اللات اللبناني 

وتاييدهم له

وفرحهم بالرئيس بشار الاسد وانهم يعدونه من القادة المقاومين زورا وبهتانا رغم 

حملة التشيع في سوريا

تالمت لان الصادقين وحيدون في العراق ... المقاومة السنية

تالمت لان الشيخ سفر الحوالي والشيخ محمد قطب مكبلون رغم نصحهم وشفقتهم على 

الامة

اليوم اكسب فاضلا اخر وهو شخصكم الكريم

رسالتي هذي بدون عنوان ولا موضوع محدد فقط كما قلت شيئ في صدري اردت ان اخرجة

وانا اتوقف لاني غير ملتزم بشيئ من الموضوعية واذا استمريت فلن اتوقف

ولكني اقول انني والله رغم تقصيري في حق ديني الا انني قد لا اجد ما يسليني في 

هذا الوضع الا ان اصحاب الجنة هم الفائزون

هل حكم علينا ان نعيش هكذا

لا يسليني الا ان اتذكر انها الحياة الدنيا ويوم القيامة تجتمع الخصوم

انا لست متشائما ولله الحمد ولكني اتالم اذا طالعت احوال الامة عموما ويتجلى 

ذلك في الحوادث السياسية اليومية

وفي الختام اعود واقول ان الدافع للكتابة هو شعوري بالامتنان فسر على بركة الله 

   والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ابنكم / ص  ا من السعودية


عفوا تذكرت اني لا ادري متى كتبتم هذا المقال لكني ارسل اليكم بتاريخ 4 شوال في 

العيد وبالمناسبة كل عام وانت الى الله اقرب كل عام وانت بخير تقبل الله منا 

ومنكم صالح الاعمال


*** 

 قنبلة الشيعة

الدكتور الفاضل محمد عباس 


السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة 

 

 

حقيقة فور أن قرأت مقالة سيادتك المثيرة للجدل الشديد عن الشيعة لا أخفى عليك مقدار الصدمة !! لكن على الفور شرعت فى إرسال الرد وليس الرأى كما طلبت منى لانك كنت دائما بالنسبة لى حد الطهر .. حد الورع فى وقت تتقاذف فية الفتن يسارا ويمينا كنت أجدك تجربة فريدة مزيج من لياقة الاخوان وعقيدة السلفيون.. لون فريد داخل جريدة الشعب أحمد الله أنة كان أول من أصدمت بة من أبناء الجريدة ولعلى أتذكر ذلك العنوان الذى بدأت فية بأول مقال لى داخل جريدة الشعب وكان ضد المهندس إبراهيم شكرى بعنوان " الخرز اللامع " تتضايق منها جدا إبراهيم شكرى ووصلتنى بعدها عدة محاورات من الاخ مجدى قرقر .. رسالة يبدو ان الكثير من ابناء حزب العمل على وجهة التحديد قاموا بفحصها جيدا من قبل جبهة أحمد شكرى ومن ثم تم رفعها للمهندس إبراهيم شكرى ليثور هو شخصيا ويجعل أحدهم يكتب فى الاخبار عن هذا !! كان ذلك يحدث وانا لم أتبين معالم الطريق بعد كنت أشبهة بتائة فى الصحراء فالخيوط لم تكن ظاهرة امامى كان الامر بالنسبة لى كلمة حق ضد شكرى وكفى !! كان هذا جزء من فروسية محمد عباس وكنا نحاول التقليد بطريقة مغايرة والعجيب انى اخذت مقالتى هذة من عدة محاور أولا : اسم المقال نفسة " الخرز اللامع " أدبية سابقة للمهندس " عاصم عبد الماجد " فارس من فرسان الجماعة الاسلامية ليتغير النهج فيما بعد ويتوب !! مع كرم ورفاقة 

ثاينا : بدات المقالة بتوجية تقريظ لكل من محمد عباس ومجدى حسين !! ومجدى وما ادراك ما مجدى !! رمضان كريم 

حتى انت يا دكتور محمد كان الاحرى بك ان تبعد عن هذة المسالة لانك كما تفضلت وقلت لست بفقية ولست بعالم .. والأهم انة لم يحالفك التوفيق فى هذة المسالة العقدية وكنت كتبت راى ولكن وجدتة يطول لما فية من البراهين والاسانيد الكافية وبالأرقام التى تردع كافة الإباطيل ولكن فجاة توقفت هل أرد عليك انت !! وجدتها قاسية على النفس خاصة ان بكلامها ما بة من حدة لا تليق بمحمد عباس ولكن وجدت الظروف وكانها ترد عليك وترسل اليك فها هو أيمن نور " بجريدة الغد " وفقا لحملة شيعية منظمة تبرز عكس ما أخبرنا بة مقالك غفر الله لك وينضم لة كاتب " حكايات الليل والنهار " لصديقتة المفضلة " شهيرة النجار " المخضرم عالد حمودة بالملحق قنبلة الشيعة " ليتهجم على أمهات المؤمنين وكأن الشيوخ الذين أورتهم سيادتك وتفتى بعدم تكفير الشيعة ثقة مثل العلماء الثقة باعدادهم الغفيرة التى تفتى بتكفيرهم وعلى رأسهم بن تيمية وكان التناقض بجعلهم يزروا بيت الله الحرام للحج لا نفعلة نحن ببلادنا بكلمة " الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع " ولدينا شارع الهرم !! نعيب زماننا والعيب فينا أزعجنا تناقض البعض فى السماح بالحج لهم وفى نفس الوقت هناك فتوى بتكفيرهم أزعجنا صدقهم وأزعجنا الانقسام النفسى داخلنا وهل هذا التناقض لا يليق بتجربة الشعب التى تأكلت ولا أقول تتاكل فمجدى حسين امامك مثل ويسال فى ذلك الأمر " عامر عبد المنعم " فى بطولتة التى احسدة عليها فعل فعل الغزالى حرب فى الحزب الوطنى ولم يخيل علية عبارة المدح الرقيقة من مجدى حسين فى العدد الاخير لعامر عبد المنعم !! يا عزيزى لا تنخدع بشعارات الشيعة كما سبق أن تم خداعك بشعارات الناصرية فالعمر لم يعد لة بقية أن تنخدع مرة أخرى يا دكتور محمد أرجع ودقق اكثر وستعرف ان خومينى العرب نصر الله والشيعة بوجهة عام أشد علينا فعلا من النصارى واليهود وأدعو الله ان يهديك كما هداك من شرك الناصرية فيما مضى 

 

أخوك المحب 

ا  هـ

From: "islam future



والرد 


أخي الحبيب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مقبول خطابك بل وفي القلب والعين وعلى الرأس.

أما عن دهشتك فقد كان معناها حافزا رئيسيا للكتابة وقد كان في مكنتي أن أصمت.. وكنت أدرك أنني أضحي - بالكتابة في هذا الأمر بنصف قرائي أو أكثر.. لكنني كنت بذلك سأفقد احترامي لنفسي ففي هذه الحالة تكون مرضاة الناس مأربي لا مرضاة الله.. ومن هنا كان ما كتبت.. لا أدعي صواب رأيي إنما هو اجتهاد رأيته صوابا يحتمل الخطأ وخفت أن أخفيه حرصا على إعجاب الغالبية وتقريظها فأهوي إلى النار.. فرب معصية أوجبت استغفارا خير من طاعة استتبعت استكبارا..

تساءل قارئ  كيف أجمع ما بين حب أسامة بن لادن ويوسف القرضاوي وحسن نصر الله.. ورددت في أسى ودهشة: بنفس القلب الذي جمع حب على ومعاوية وطلحة والزبير و أم المؤمنين عائشة رضي الله عن الجميع.

أخيرا أستأذنك في نشر ردك في بريد المقال القادم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحية لم تفتر من:

د محمد عباس

 

*** 



بسم الله الرحمن الرحيم 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

أخي وإمامي العزيز الدكتور محمد عباس حفظه الله

 

http://www.aqaed.com/shialib/books/all/shia_msr/index.html

 

أما بعد فقد قرأت ما كتبته واسهبت فيه عن حزب الله وزعيمهم حسن نصر الله ولي تعليق قصير على ذلك 

إن بعض المسلمين من فلسطين قد توافدوا على رجالات الثورة الإيرانية ولم يلاقوا ترحيبا رغم أن هؤلاء الفلسطينيون كانواقد عقدوا النية على مبايعة الخميني على الخلافة

إن ليث شبيلات المسلم الأردني المجاهد قد زار إيران ولاقى من الجفاء ما يشكو منه المسلم وفي ذلك دلالة على نوايا الشيعة تجاه السنة

إني أنا شخصيا كنت من عشاق ومعجبي حزب الله قبل 11 أيلول 2001 ويشهد الله أني كنت دائم الكتابة لهم على موقعهم والدعاء لهم ولم يصلني منهم ما أقرأ فيه دلالة على ودهم اللهم إلا رسالة في عيد الميلاد النصارى يهنئونني بالمناسبة صدق أو لا تصدق

كما أني كنت أدخل صفحات أيرانية باللغة العربية وكنت متحمسا لهم وأتابع أخبارهم وأناصرهم في كل أحاديثي السياسية والدينية ولم أجد منهم ردا واحدا على رسائلي 

إنما النصر من عند الله ونسأل الله حسن الخاتمة ثم ما رأيك بهذه الصفحة الشيعية وهلا تكرمت بتصفح هذه 

 الصفحة لعشاق آل البيت زعموا

http://www.yahosein.com/vb/forumdisplay.php?f=12

 

وجزاكم الله خيرا وسدد رأيكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


khaled yousef <khal_1970@hotmail.com 



*** 



<amego_1200@yahoo.com>

السلام عليكم و رحمة الله 

 



الدكتور محمد عباس حفظه الله و هداه

 

وجدت هذا الموضوع عنك فاحببت أن تراه 

 

https://www.tajdeed.org.uk/forums/showthread.php?s=&threadid=46655

بشري للجهول الدكتور محمد عباس : 

قناة البشير الرافضية تبث في أمريكا !!

  

  عمر بن حنيف 


قناة جديدة لتضليل المسلمين الجهلة في الولايات المتحدة فمعظمهم هناك لا يتقن العربية و هذه فرصة للروافض لبث التشيع هناك بعد أن أستولوا على سوريا و أنتشر دينهم القائم على سب الصحابة و أمهات المؤمنين في دمشق و حولها ..

هذه بشري للجاهل جهلا مركبا د . محمد عباس الذي فتنته الحرب في لبنان و جعل إمامه كل من يحارب اسرائيل ! و الله لو قاتل ابليس اللعين إسرائيل لرأيت الجهلة يهتفون بحياته !!

يحضّر فريق قناة «البشير» التي تبث من ميشيغن لانطلاقة قريبة، انما غير محددة التاريخ وذلك بانتظار تحضير برامج كافية تؤمن انطلاقة زاخمة للقناة وتأمين الفريق الإعلامي المختص اللازم لتحقيق هذه الخطوة.

ومن اسباب عدم البدء في بث البرامج حتى الان ايضاً حاجة القناة الى دعم مالي مستقر، بالاضافة الى بعض الامور التقنية التي يجب العناية بها اولا قبل بدء البث. 

ويقول رفعت محمد، المدير العام للقناة، «ان تمويل المحطة حاليا يتم من قبل أموال الخمس التي يمنحها اية الله علي السيستاني عبر ممثله في الولايات المتحدة، السيد باقر الكشميري». ويضيف محمد «ان هذا التمويل هو فقط تمويل مبدئي، يأتي من باب التبرع، وحالما يشتد عود القناة وتبدا في بث واستقبال الاعلانات فإن تحويلها سيصبح ذاتيا وستكف عندها عن تقبل التبرعات الخيرية».

ويؤكد محمد على ان القناة هي ليست فقط لاتباع اية الله السيستاني، على اعتبار انها تتقبل منه الخمس. فهي لكل المسلمين.

ومن ناحية أخرى، يقول جمال الحمدي، مدير الانتاج في القناة التي تطورت من فكرة متواضعة جدا لتصبح قناة فضائية، ان الإدارة «تقوم بانتاج برامج كثيرة بشكل مسبق، حتى تكون انطلاقة القناة انطلاقة زاخمة»

اما سبب عدم تحديد تاريخ بداية فيرجع، حسب يذكر الحمدي، الى ان القناة تقوم، «بانتاج برامج كثيرة بشكل مسبق، حتى تكون انطلاقتها انطلاقة زاخمة»، ويضيف «ان القناة لا تهدف الى حصر نشاطاتها في نطاق ميشيغن فقط، لذلك هم يحاولون ان يمدوا نشاطاتهم الى الولايات الاخرى، ويتابع الحمدي بأن تغطية القناة «ستكون شاملة لتطال الجاليات المسلمة في كل مكان».

والجدير بالذكر ان قناة البشير اسست عام 2005، في ولاية ميشيغن، وتعتبر منبرا آعلاميا للمسلمين في أميركا ينشر صورة الاسلام الصحيحة ويهتم بأمور المسلمين في جميع انحائها، ويساهم في ترابط ابناء الدين في مختلف الاصقاع.

وتهتم القناة باحوال واوضاع المسلمين في جميع أنحاء الولايات المتحدة من خلال صناعة البرامج الوثائقية عن المراكز الاسلامية في البلاد. وقد انتجت حتى الآن عدة حلقات من برنامج «يو تيرن» الذي يحكي قصص الشباب المسلم المثقف، ويناقش مواضيع مثيرة للجدل كالادمان على الكحول والعنصرية في المجتمعات الاميركية المسلمة.

ويشجع القائمون على «البشير» على اهمية عنصر الشباب وعلى رغبتهم في جذب الكفاءات من جميع الاثنيات المختلفة ليؤكدوا على الانصهار الاثني الذي هو ركيزة الاسلام. ويشمل طاقم القناة على 51 موظف، اغلبهم تحت سن الثلاثين. ويحتوي برنامج «يو تيرن»، على سبيل المثال ، على 3 زملاء يمثلون اطيافا مختلفة من الاثنيات: باكستاني، سورية-لبنانية، واميركي من اصل افريقي.

إعداد عاطف بخاري (صدى الوطن)

و أنا أنصح هنا الدكتور محمد عباس الجهول بأن يتحفنا بالمزيد من مقالات و ديباجات عن حسن نصر الله و روافض لبنان و أن يهاجم العلماء أمثال بن جبرين ....لقد كانت مقالتك الأخيرة أعجوبة من الأعاجيب ... كما أنصحه بالمشاركة في هذا البرنامج الذي تبثه قناة فوكس الأمريكية ! 

http://www.fox.com/dance/

و هو برنامج رقص شهير في الولايات المتحدة و يا ليت يضع أغنية ( نصر الله !!) ليرقص على أنغامها أمام لجنة التحكيم لعل نايجل ليثجو رئيسها يعجب به فيعطيه الجائزة و هي 100 ألف دولار !!!


أما للأخوة الطيبين فاهدي هذه المواقع التى تفضح الرافضة الكفرة بعيدا عن جهل محمد عباس :


http://www.alburhan.com/


http://alserdaab.org/

و لعلي أتساءل هنا أيها الجهول لو كان أي شخص سب زوجتك و قذف عرضك فماذا سيكون موقفك منه ؟!؟! 

فكيف بمن قذف عرض النبي صلى الله عليك و سلم و سب و كفر صحابته الأبرار ؟!! 

الا قاتل الله الجهل المركب !

هذا هو ردنا علي عملاء المنتديات 

قول الله عز و جل : - 

مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ


رد 1

  النعيمي


لا حولة ولا قوة الا بالله 

ان لله وان اليه راجعون 

اخواني المشرفين اين انتم رعاكم الله من هذه التجاوزات 


النعيمي


رد 2

أخي الحبيب عمر بن حنيف لو يكون أسلوب المناصحة و التخظئة و التصويب غير هذا فسيكون خيرا أخي الحبيب فجل من لا يخطئ أخي.

بديع الزمان 

badee3ozzaman@yahoo.com

رد 3



اعوذ بالله، الراجل لو تنصر لما كتبت فيه هذا!

البركات

نعتذر عن الرد عن أي مواضيع خارجة عن حدود المعلومية والأدب والأخلاق العامة


*** 


انت فين يادكتور


ارجو منك المشاركة دكتور عباس لقد طال غيبك عنا اين مقالاتك الجميلة صاحبة الاراء السديدة ارجو منك ان اسمع صوتك فيم نحن فيه من اهوال هل عرفت عن الذى حصل فى مصر 

ابنك اسامة 

ousma.blogspot.com

*** 


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نفتقد مقالاتك بشدة

أين أنت يا رجل

لعلك بخير ان شاء الله

mo7sen77777@yahoo.com>


*** 

بسم الله الرحمن الرحيم 

 

{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} (6) سورة الأحزاب 

دون الدخول فى تفاصيل .... ما حكم من يسب امهات المؤمنين رضى الله عنهن ؟ 

ما حكم من يسب أمنا السيدة عائشة رضى الله عنها ؟ 

ما حكم من يسب أمنا السيدة حفصة رضى الله عنها ؟؟ 

و هل هناك كفر بعد ذلك ؟؟؟

............................ 

{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (18) سورة الفتح 

ما حكم من يسب الصحابة ؟؟؟ 

ما حكم من يكفر الصحابة ؟ 

ما حكم من يلعن العشرة المبشرين بالجنة ؟!!!! 

................ 

مجرد سؤال ... هل مكتوب فى جواز سفر اى شخص فى العالم اذا كان سنى او شيعى ؟؟؟ 

اذا كانت الاجابة لا فكيف تعرف السلطات السعودية ان هذا الشخص شيعى و تمنعة من الحج ؟؟؟ 

ثانيا الشيعة فى كل مكان فى العالم العربى 

................... 

ما رأيك فيمن يقول عن ان السنة نواصب و دماء النواصب و اموالهم حلال ؟؟!!! 

ما رأيك فيمن يقول ان مساجد السنة لابد ان تهدم ؟؟!! 

.......... 

ما رأيك فيما يقول ان القرأن الذى بين يدينا محرف و ناقص و ان النسخة الاصلية فى سرداب مع امامهم المنتظر ؟؟؟ 

..............

و هناك عدد طيب من الشيوخ و العلماء الربانيين ( نحسبهم كذلك و لا نزكى على الله احد ) قد تكلم فى هذة المسالة و هنالك اشرطتهم لمن اراد ان يستوضح و بعرف اكثر عن الشيعة  مثل الشيخ ابو اسحاق الحوينى و الشيخ محمد حسان و الشيخ احمد النقيب و الشيخ محمد حسين يعقوب و الشيخ اسماعيل المقدم و غيرهم الكثيرين ....

و هناك عدة مواقع عن الشيعة و عن معتقداتهم و منها البرهان و كسر الصنم و غيرها 

http://www.alburhan.com

http://kasralsanam.com/

هذة بعض المواقع التى تكشف عن متقداتهم الخبيثة .. هتك الله سترهم

 

و هذة بعض اقوال اهل العلم عن الشيعة كالامام مالك و الامام احمد و شيخ الاسلام بن تيمية و الامام البخارى و ابو حامد الغزالى و القاضى عياض و ابن كثير 

أولاً : الإمام مالك 

روى الخلال عن أبي بكر المروذي قال : سمعت أبا عبدالله يقول ، قال مالك : الذي يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس لهم اسم أو قال : نصيب في الإسلام  

السنة للخلال ( 2 / 557 )  

وقال ابن كثير عند قوله سبحانه وتعالى : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار .. ) 

قال : ( ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه في رواية عنه بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم قال : لأنهم يغيظونهم ومن غاظ الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية ووافقه طائفة من العلماء رضي الله عنهم على ذلك ) . تفسير ابن كثير ( 4 / 219 ) . قال القرطبي : ( لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله فمن نقص واحداً منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله رب العالمين وأبطل شرائع المسلمين ) .تفسير القرطبي ( 16 / 297 ) 

ثانياً : الإمام أحمد 

رويت عنه روايات عديدة في تكفيرهم .. 

روى الخلال عن أبي بكر المروذي قال : سألت أبا عبد الله عمن يشتم أبا بكر وعمر وعائشة؟ 

قال : ما أراه على الإسلام . وقال الخلال : أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد قال : سمعت أبا عبد الله قال  

من شتم أخاف عليه الكفر مثل الروافض ، ثم قال : من شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نأمن أن يكون قد مرق عن الدين ) . السنة للخلال ( 2 / 557 - 558 ) 

وقال أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سألت أبي عن رجل شتم رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما أراه على الإسلام . 

وجاء في كتاب السنة للإمام أحمد قوله عن الرافضة 

( هم الذين يتبرأون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويسبونهم وينتقصونهم ويكفرون الأئمة إلا أربعة : علي وعمار والمقداد وسلمان وليست الرافضة من الإسلام في شيء ) . السنة للإمام أحمد ص 82  

قال ابن عبد القوي : ( وكان الإمام أحمد يكفر من تبرأ منهم ( أي الصحابة ) ومن سب عائشة أم المؤمنين ورماها مما برأها الله منه وكان يقرأ ( يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنت مؤمنين ) . كتاب ما يذهب إليه الإمام أحمد ص 21 

ثالثاً : البخاري

قال رحمه الله : ( ما أبالي صليت خلف الجهمي والرافضي ، أم صليت خلف اليهود والنصارى ولا يسلم عليهم ولا يعادون ولا يناكحون ولا يشهدون ولا تؤكل ذبائحهم )  

خلق أفعال العباد ص 125  

عبد القاهر البغدادي  

يقول : ( وأما أهل الأهواء من الجارودية والهشامية والجهمية والإمامية الذين كفروا خيار الصحابة .. فإنا نكفرهم ، ولا تجوز الصلاة عليهم عندنا ولا الصلاة خلفهم ) 

الفرق بين الفرق ص 357 . وقال : ( وتكفير هؤلاء واجب في إجازتهم على الله البداء ، وقولهم بأنه يريد شيئاً ثم يبدو له ، وقد زعموا أنه إذا أمر بشيء ثم نسخه فإنما نسخه لأنه بدا له فيه ... وما رأينا ولا سمعنا بنوع من الكفر إلا وجدنا شعبة منه في مذهب الروافض ) . الملل والنحل ص 52 - 53 

عاشراً : القاضي أبو يعلى : قال : وأما الرافضة فالحكم فيهم .. إن كفر الصحابة أو فسقهم بمعنى يستوجب به النار فهو كافر ) . المعتمد ص 267 

والرافضة يكفرون أكثر الصحابة كما هو معلوم  

أبو حامد الغزالي 

قال : ( ولأجل قصور فهم الروافض عنه ارتكبوا البداء ونقلوا عن علي رضي الله عنه أنه كان لا يخبر عن الغيب مخافة أن يبدو له تعالى فيه فيغيره ، 

وحكوا عن جعفر بن محمد أنه قال : ما بدا لله شيء كما بدا له إسماعيل أي في أمره بذبحه .. وهذا هو الكفر الصريح ونسبة الإله تعالى إلى الجهل والتغيير )  

المستصفى للغزالي ( 1 / 110 )  

القاضي عياض 

قال رحمه الله : ( نقطع بتكفير غلاة الرافضة في قولهم إن الأئمة أفضل من الأنبياء ) . وقال : وكذلك نكفر من أنكر القرآن أو حرفاً منه أو غير شيئاً منه أو زاد فيه كفعل الباطنية والإسماعيلية ) 

السمعاني  

قال رحمه الله : ( واجتمعت الأمة على تكفير الإمامية ، لأنهم يعتقدون تضليل الصحابة وينكرون إجماعهم وينسبونهم إلى ما لا يليق بهم ) 

الأنساب ( 6 / 341 ) 

ابن تيمية 

قال رحمه الله : ( من زعم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت ، أو زعم أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة ، فلا خلاف في كفرهم  

ومن زعم أن الصحابة ارتدوا بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفساً أو أنهم فسقوا عامتهم ، 

فهذا لا ريب أيضاً في كفره لأنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم . بل من يشك في كفر مثل هذا ؟ فإن كفره متعين ، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق وأن هذه الآية التي هي : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) وخيرها هو القرن الأول ، كان عامتهم كفاراً ، أو فساقاً ، 

ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم ، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها، وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام ) 

الصارم المسلول ص 586 - 587 . وقال أيضاً عن الرافضة : ( أنهم شر من عامة أهل الأهواء ، وأحق بالقتال من الخوارج )  

مجموع الفتاوى ( 28 / 482 )  

ابن كثير 

ساق ابن كثير الأحاديث الثابتة في السنة ، والمتضمنة نفي دعوى النص والوصية التي تدعيها الرافضة لعلي ثم عقب عليها بقوله : ( ولو كان الأمر كما زعموا لما رد ذلك أحد من الصحابة فإنهم كانوا أطوع لله ولرسوله في حياته وبعد وفاته ، من أن يفتاتوا عليه فيقدموا غير من قدمه ، ويؤخروا من قدمه بنصه ، حاشا وكلا 

ومن ظن بالصحابة رضوان الله عليهم ذلك فقد نسبهم بأجمعهم إلى الفجور والتواطيء على معاندة الرسول صلى الله عليه وسلم ومضادته في حكمه ونصه ، 

ومن وصل من الناس إلى هذا المقام فقد خلع ربقة الإسلام ، وكفر بإجماع الأئمة الأعلام وكان إراقة دمه أحل من إراقة المدام )  

البداية والنهاية ( 5 / 252 )  

***


بسم الله الرحمن الرحيم 

أخاف أن أموت قبل أن اصدع بحق أرانية الله عز و جل ....

ارجو ان تقرأ رسالتى هذة للنهاية ...

هذة بعض اقوال اهل العلم عن الشيعة كالامام مالك و الامام احمد و شيخ الاسلام بن تيمية و الامام البخارى و ابو حامد الغزالى و القاضى عياض و ابن كثير

أولاً : الإمام مالك : 

روى الخلال عن أبي بكر المروذي قال : سمعت أبا عبدالله يقول ، قال مالك : الذي يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس لهم اسم أو قال : نصيب في الإسلام .

السنة للخلال ( 2 / 557 ) . 

وقال ابن كثير عند قوله سبحانه وتعالى : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار .. )

قال : ( ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه في رواية عنه بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم قال : لأنهم يغيظونهم ومن غاظ الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية ووافقه طائفة من العلماء رضي الله عنهم على ذلك ) . تفسير ابن كثير ( 4 / 219 ) . قال القرطبي : ( لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله فمن نقص واحداً منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله رب العالمين وأبطل شرائع المسلمين ) .تفسير القرطبي ( 16 / 297 )

 ثانياً : الإمام أحمد : 

رويت عنه روايات عديدة في تكفيرهم ..

روى الخلال عن أبي بكر المروذي قال : سألت أبا عبد الله عمن يشتم أبا بكر وعمر وعائشة؟ 

قال : ما أراه على الإسلام . وقال الخلال : أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد قال : سمعت أبا عبد الله قال :

من شتم أخاف عليه الكفر مثل الروافض ، ثم قال : من شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نأمن أن يكون قد مرق عن الدين ) . السنة للخلال ( 2 / 557 - 558 ) .

وقال أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سألت أبي عن رجل شتم رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما أراه على الإسلام .

وجاء في كتاب السنة للإمام أحمد قوله عن الرافضة :

( هم الذين يتبرأون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويسبونهم وينتقصونهم ويكفرون الأئمة إلا أربعة : علي وعمار والمقداد وسلمان وليست الرافضة من الإسلام في شيء ) . السنة للإمام أحمد ص 82 .

قال ابن عبد القوي : ( وكان الإمام أحمد يكفر من تبرأ منهم ( أي الصحابة ) ومن سب عائشة أم المؤمنين ورماها مما برأها الله منه وكان يقرأ ( يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنت مؤمنين ) . كتاب ما يذهب إليه الإمام أحمد ص 21 


ثالثاً : البخاري : 

قال رحمه الله : ( ما أبالي صليت خلف الجهمي والرافضي ، أم صليت خلف اليهود والنصارى ولا يسلم عليهم ولا يعادون ولا يناكحون ولا يشهدون ولا تؤكل ذبائحهم ) .

خلق أفعال العباد ص 125 . 

عبد القاهر البغدادي : 

يقول : ( وأما أهل الأهواء من الجارودية والهشامية والجهمية والإمامية الذين كفروا خيار الصحابة .. فإنا نكفرهم ، ولا تجوز الصلاة عليهم عندنا ولا الصلاة خلفهم ) .

الفرق بين الفرق ص 357 . وقال : ( وتكفير هؤلاء واجب في إجازتهم على الله البداء ، وقولهم بأنه يريد شيئاً ثم يبدو له ، وقد زعموا أنه إذا أمر بشيء ثم نسخه فإنما نسخه لأنه بدا له فيه ... وما رأينا ولا سمعنا بنوع من الكفر إلا وجدنا شعبة منه في مذهب الروافض ) . الملل والنحل ص 52 - 53 .

عاشراً : القاضي أبو يعلى : قال : وأما الرافضة فالحكم فيهم .. إن كفر الصحابة أو فسقهم بمعنى يستوجب به النار فهو كافر ) . المعتمد ص 267 .

والرافضة يكفرون أكثر الصحابة كما هو معلوم .

أبو حامد الغزالي :

قال : ( ولأجل قصور فهم الروافض عنه ارتكبوا البداء ونقلوا عن علي رضي الله عنه أنه كان لا يخبر عن الغيب مخافة أن يبدو له تعالى فيه فيغيره ،

وحكوا عن جعفر بن محمد أنه قال : ما بدا لله شيء كما بدا له إسماعيل أي في أمره بذبحه .. وهذا هو الكفر الصريح ونسبة الإله تعالى إلى الجهل والتغيير ) .

المستصفى للغزالي ( 1 / 110 ) . 

القاضي عياض : 

قال رحمه الله : ( نقطع بتكفير غلاة الرافضة في قولهم إن الأئمة أفضل من الأنبياء ) . وقال : وكذلك نكفر من أنكر القرآن أو حرفاً منه أو غير شيئاً منه أو زاد فيه كفعل الباطنية والإسماعيلية ) 

السمعاني : 

قال رحمه الله : ( واجتمعت الأمة على تكفير الإمامية ، لأنهم يعتقدون تضليل الصحابة وينكرون إجماعهم وينسبونهم إلى ما لا يليق بهم ) .

الأنساب ( 6 / 341 ) . 

ابن تيمية : 

قال رحمه الله : ( من زعم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت ، أو زعم أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة ، فلا خلاف في كفرهم .

ومن زعم أن الصحابة ارتدوا بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفساً أو أنهم فسقوا عامتهم ،

فهذا لا ريب أيضاً في كفره لأنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم . بل من يشك في كفر مثل هذا ؟ فإن كفره متعين ، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق وأن هذه الآية التي هي : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) وخيرها هو القرن الأول ، كان عامتهم كفاراً ، أو فساقاً ،

ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم ، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها، وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام ) .

الصارم المسلول ص 586 - 587 . وقال أيضاً عن الرافضة : ( أنهم شر من عامة أهل الأهواء ، وأحق بالقتال من الخوارج ) .

مجموع الفتاوى ( 28 / 482 ) . 

 ابن كثير : 

ساق ابن كثير الأحاديث الثابتة في السنة ، والمتضمنة نفي دعوى النص والوصية التي تدعيها الرافضة لعلي ثم عقب عليها بقوله : ( ولو كان الأمر كما زعموا لما رد ذلك أحد من الصحابة فإنهم كانوا أطوع لله ولرسوله في حياته وبعد وفاته ، من أن يفتاتوا عليه فيقدموا غير من قدمه ، ويؤخروا من قدمه بنصه ، حاشا وكلا

ومن ظن بالصحابة رضوان الله عليهم ذلك فقد نسبهم بأجمعهم إلى الفجور والتواطيء على معاندة الرسول صلى الله عليه وسلم ومضادته في حكمه ونصه ، 

ومن وصل من الناس إلى هذا المقام فقد خلع ربقة الإسلام ، وكفر بإجماع الأئمة الأعلام وكان إراقة دمه أحل من إراقة المدام ) . 

البداية والنهاية ( 5 / 252 ) . 

 

love_muhamed@hotmail.com


 *** 

السلام عليكم

 

السلام عليكم 

أذهلنى ما كتبته عن النكسة فى "عـــهـــــود سِــــفـَــــاح" 

أرجو ترشيح عدة كتابات أمينة للقراءة عن فترة عبد الناصر لاسيما فترة النكسة 


و السلام عليكم 

محمد فوزى 

مصرى مغترب و من مواليد ما بعد النكسة 

m.el-ramly@hotmail.com


*** 


مسرحية حزب الله


 

السيد الدكتور/ محمد عباس

كم كنت أكن لك من احترام

و كم أشفق عليك الآن.

إما أنك عميل تجيد التمهيد للتغييرات و أنك مغيَّب. و في الحالين أشفق عليك.

إقرأ هذا المقال:

 

مسرحية حزب الله

============================================

آخر كلمة قالها "محمد الدوري" مندوب العراق لدى الأمم بعد سقوط بغداد في أيدي قوات التحالف بقيادة أمريكا يوم 9 أبريل 2003م هي "انتهت اللعبة", وقد أصاب كبد الحقيقة بوصفه الأحداث باللعبة, لكنه أخطأ حينما قال: إنها انتهت. لأن اللعبة لم تنتهِ والمسرحية مستمرة. فضلاً عن ذلك فهي لم تبدأ من العراق الذي زُجّ به في حرب مسعورة مع إيران استمرت ثماني سنوات أكلت الأخضر واليابس, تلاها دخوله الكويت في العام 1990م وما تلاه من تحالف أممي لحرب العراق ثم حصار جائر استمر ثلاث عشرة سنة, وانتهى بغزو العراق وإسقاط نظامه, ونهب ثروته, وقتل واعتقال شرفائه, وهتك نسائه, وإفساح المجال أمام الأطماع الصفوية والحقد الفارسي كجزء من التقاسم للكعكة بين التحالف الغربي وإيران؛ إذ إن مشاهد من مسرحية العراق مازالت تمثل وتعرض بعد سقوط بغداد. وقد ظهرت في التأكيد على الطائفية رسميًا في تقاسم السلطة وفي فرز المناطق إلى شمال كردي وجنوب شيعي ووسط غرب سني. ولا يدرك الإنسان سر تقسيم السنة إلى عرب وأكراد والعرب إلى شيعة وسنة. وفي حصر المقاومة على العرب السنة الذين دمرت لهم ثماني مدن. ويعمل على تصفيتهم وتهجيرهم من قبل الميليشيات الصفوية [فيلق بدر وجيش المهدي والشرطة العراقية], والذين يحملون السلاح ويلبسون زي الشرطة وسياراتها لاختطاف الشباب ومهاجمة الحارات والمساجد دون اعتراض من قوات التحالف, وقد شاهدت مواقف وسمعت أخبار يأتي هؤلاء لمهاجمة الحارات والمساجد، فإذا ما وجدوا شباباً مسلحين لحماية الأعراض والمساجد عاد هؤلاء ليستدعوا القوات الأمريكية بدعوى وجود "إرهابيين", ومازالت مشاهد اللعبة في العراق تتوالى. 

 

الإخوان المسلمون آخر سد عال وبانهياره تنهار الأمة..

العلاقة بين الهجوم على الإخوان وخطط الصليبيين واليهود..

اللهم اجعل خيرت الشاطر كسعيد بن جبير.. آخر ظلم الطاغوت..

***

عــــقــــر الأمـــة

***

ما كان للدكتور محمد عمارة أن يعتذر

إلا لو كان

النصارى يحكمون مصر!!


***


ع ق ر   

عُـقِـرت الأمة العاقر فهي معقورة..  

وكأنما هناك كلب مسعور خرافي له ملايين الرؤوس افترش الوطن كله فعقرت كل رأس من رؤوسه واحدا من أبنائه.. و إلا فما السبب في انتشار كل هذا الفساد والكذب والاتهامات الباطلة والادعاءات المضللة وتزييف الوعي وتشويه التاريخ وتفتيت الأمة وتفكيك الأوطان والعمالة الكاملة للعدو وإعلان الحرب على الإسلام والفخر بذلك بنفس درجة الفخر بالعمالة لأبناء يهود ويهوذا..

الفساد موجود دائما ولكن كاستثناء  لكن كيف يمكن أن يكون القاعدة ودونه استثناء.

ثم أن الفاحشة – التي هي أفحش من الزنا – كانت تمارس من النخبة باستمرار لكن تحت ستائر الإخفاء خيفة العار فكيف تحولت الأمور إلى الجهر بالفحشاء بل والفخر بها.. 

  كيف نفسر ذلك كله دون ذلك الخيال المرعب عن كلب مسعور له ملايين الرؤوس عقر الأمة والوطن.

***

ع ق ر   

عُـقِـرت الأمة العاقر فهي معقورة..  

عقره  جرحه وبابه ضرب فهو  عقير  وهم  عقرى  كجريح وجرحى.. وعقرت تعقر عقرا وعقرا وعقارا  فهي عاقر ج   عقر    كسكر  ورجل عاقر وعقير  لا يولد له وعقر الأمر  ككرم  عقرا  لم ينتج عاقبة  عقره يعقره وكلب  عقور  والعقار  بالضم الخمر سميت بذلك لأنها عقرت العقل والعقير  المعقور والعقيرة  الشريف يقتل  والساق المقطوعة  وعقر النخلة  قطع رأسها فيبست  فهي عقيرة  وطائر  عقر    أصاب في ريشه آفة  فلم ينبت  والعقر  بالضم  دية الفرج المغصوب.. وكلب عقور..

***

هكذا تقول القواميس التي لم تتعد تلك المعاني المحدودة للتحدث عن عقر الأمة.

نعم..

كل المعاني التي أوردتها القواميس  تنطبق على حالنا الآن..

فالكلب العقور الذي عقر الأمة كان قد اشتد سعاره بعد استشهاد الشهيد عبد القادر عودة ورفاقه الأبرار ثم الشهيد سيد قطب و صحبه رضي الله عنهم جميعا.. اشتد السعار فظن الطاغوت أنه قادر عليها فانطلق ينهش في الأمة كلها...

يستبد بي الذهول والألم فأتخيل أن ما أصاب الأمة لم يكن تطورا طبيعيا  ولا قلة حظ أو سوء تقدير .. بل يبدو الأمر كما لو أن ذلك  الكلب العقور  الشرس  الهائل الخرافي قد عقر الأمة فعقرت فهي عقيرة وعاقر ومعقورة.. وهي جريحة وعاقر لا يولد لها وهي معقورة العقل مقطوعة الرأس مبتورة الساق .. وهي مغتصبة..

أليست هذه هي حالة الأمة الآن؟!

***

أستعيد التاريخ في ألم لا يوصف.. 

كانت الصورة واضحة جدا أمام الشهيد سيد قطب.. وكأنما كان يدرك ما سيحدث من تغول الأمريكان في الخارج بعد انهيار الشيوعية الذي جزم بحدوثه..  كما كان يدرك النتائج الكارثية  لتغول العسكر في الداخل.. وفي الفترة التي كانت الأمة قد نسيت ربها وانقسمت شطرين شطر للغرب و آخر للشرق كان هو يحذر من الشرق والغرب جميعا..إنه يتصور الشيوعية أفعى حمراء توشك أن تقتله – كما حدث فعلا- ثم يلتفت إلى الجانب الآخر فيقول : 

وكلهم سواء أولئك الغربيون :ضمير متعفن، وحضارة زائفة، وخدعة ضخمة اسمها «الديمقراطية» يؤمن بها المخدوعون!  تلك كانت عقيدتي في الجميع، في الوقت الذي كان بعض الناس يحسن الظن بفريق ويسيء الظن بفريق، وكانت أمريكا في الغالب هي التي تتمتع بحسن الظن من الكثيرين . فها هي أمريكا تتكشف للجميع .هذا هو «ترومان» يكشف عن «الضمير الأمريكاني» في حقيقته، فإذا هو نفسه ضمير كل غربي، ضمير متعفن لا يثق به إلا المخدوعون! إنهم جميعاً يصدرون عن مصدر واحد،هو تلك الحضارة المادية التي لا قلب لها ولا ضمير تلك الحضارة التي لا تسمع إلا صوت الآلات، ولا تتحدث إلا بلسان التجارة، ولا تنظر إلا بعين المرابي، والتي تقيس الإنسانية كلها بهذه المقاييس .

ثم يواصل:

يقول نبي الإسلام الكريم (ص):«لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين»، وها نحن نُلدغ من الجحر الواحد مرات، ثم نعود في كل مرة إلى هذا الجحر نفسه، مغمضي الأعين نتطلب «الشهد» من جحور الأفاعي، ولا نجرب مرة واحدة أن نحطم هذه الجحور، وأن ندوس هذه الأفاعي، وأن ننفض عن نفوسنا ذلك الوهم الذي يقودنا المرة بعد المرة إلى تلك الجحور!..

كانت الصورة واضحة جدا أمامه وكانت نخبة الأمة – غير الإسلاميين- ما بين مغيب ومعيب وعميل.

ماذا لو أن الثورة لم تلدغ الحركة الإسلامية كحية رقطاء ولم تعقرها ككلب عقور.. وكان الكلب العقور رائدا لكلاب كثيرة راح كل كلب منها يعقر وطنه..

ماذا لو أن منهج الإسلام الذي دعا إليه سيد قطب هو الذي اتبع لا منهج الثورة..

كيف هان على العسكر – جيشا و أمنا ومثقفي أمن الدولة-  أن يدمروا الأمة..

كيف كان عليهم أن يكونوا بعض رؤوس الكلب العقور وبعض أنيابه و أن يعقروا الإسلام والمسلمين بعد أن شنوا حملتهم التي اختزلت الإسلام في الإخوان..

***

والآن.. حين نحاول مراجعة حساباتنا وتقييم ماضينا وتقويم حاضرنا فإن علينا ألا نفقد الدرس الذي دفعنا  فيه عمرنا لندرك كم كانت هذه النظم شقية مشقية.. وكيف أن جل ما نعانيه الآن إنما يعود إليها..

نعم.. في ظل ما يحدث الآن ندرك من الذي كان يعمل لمصلحة أعداء الأمة ومن الذي جاهد في سبيل الله..

تحدث عن أي مصيبة الآن وسوف تجد بذورها في أماكن شتى لكن عودها لم يشتد إلا  مع تنحية الإسلام..

فتش عن أي جريمة وسوف تجد أن جذورها تعود للعصف بالإخوان.. بل بالإسلام..

فتش عن التعذيب والقهر والامتهان ومذبحة القضاء وانتهاك العدالة والخمس تسعات وحتى الصلح مع إسرائيل واستبدال الخضوع للأمريكان بالخضوع للروس باعتبار أن الخضوع  لأيهما يجوز و أن المحرّم الوحيد هو الخضوع لله.

فتش عن أولئك الذين اشمأزت قلوبهم مما يحكم به الله جل جلاله ثم يرضخون صاغرين أذلة لما حكم به بوش وبلير و أولمرت..

فتش عن أولئك الذين لا يجادلون أبدا  في قرارات الأمم المتحدة ولا في الفيتو الأمريكي لكنهم يجادلون بالجبروت كله والصفاقة كلها والفجور كله  في شرع الله.. 

فتش عن أولئك الذين إذا قلت لهم قال الله اشمأزت قلوبهم فإذا قلت لهم قال الأمريكان خروا ساجدين..

فتش عن كل هذا الفساد والشر والألم والقدرة على الكذب الصفيق الشيطاني المجرم من أول تبرئة المجرمين و إلى آخر اتهام الأبرياء زورا.. وانظر كيف تدهورت بهم الأمور حين ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم وحصاناتهم فإذا بالأمور تنتهي بهم وقد بلغت بهم التفاهة والسفاهة أن عقورا منهم يتهم الإخوان المسلمين بأنهم وراء سفاح المعادي.. كما اتهمهم عقور بغسيل الأموال و بأنهم خطر على الأمن القومي وبأن الاستعراض الرياضي العادي لطلبة الأزهر بوادر ثورة مسلحة.. 

فتش عما حدث للصحافة...

أتساءل:

لماذا تكذب الصحف الكبرى فتنسب إلى القضاة والصحافيين الشرفاء ما ليس فيهم..

بل لماذا تكذب فتنسب للصحافيين أنفسهم ما ليس فيهم إذا ما غضبت السلطة عليهم.. 

سوف نتجاهل مواقفها الخسيسة عندما تنقل أخبار المجاهدين المقبوض عليهم إلى صفحة الحوادث مع المجرمين..

لماذا جعلوا إلههم هواهم..

ولماذا عبدوا – دون الله- أي طاغوت ونسوا الله..

لماذا تقاعس الكتاب والمفكرون عن وصف الأشياء بمسمياتها..

لماذا تتنازل الدولة للصحف  عن سبعة مليارات  جنيه؟ أمكافأة على الكذب؟!.. على تزييف وعي الأمة؟؟..  ولماذا تصل مجموع خسائر الصحافة والإعلام إلى أكثر من عشرة مليارات لمجرد ترويج الكذب.. والدفاع عن أناس لا يمثلون فكرة مخالفة ولا رأيا آخر بل هم مجرد لصوص وقتلة ونصابين ومبتزين وسماسرة سلاح و أوطان وخونة وهاتكي أعراض....وورثتهم..

لماذا؟..

و إذا كانت الأمة كلها تعلم أن وسائل الإعلام الحكومية – و كثيرا غير الحكومية أيضا-  تكذب فلماذا تساعد على ترويج الكذب.. لماذا لا تقلع  عن مشاهدتها أو قراءتها؟!.. وهذا أضعف الإيمان..

... 

والجامعة أيضا .. كيف وصلت الجامعة إلى هذا الحال.. هذا الحال الزري المهين.. حتى وصل الأمر إلى أن ضابط أمن حقير ضرب أستاذا في الجامعة حتى مزق قميصه فاستغاث الأستاذ برئيس الجامعة الأشد حقارة فتعهد له أن يشتري له قميصا بدلا من الذي تمزق.. ودعنا الآن من مستوى التعليم بل مستوى الجهل.. دعنا من أن ضابط بوليس يتحكم حتى في الأبحاث الأكاديمية في الجامعة.. ومن أن السبيل الوحيد لأن يكون الطالب آمنا هو أن يكون جاسوسا للأمن.. وهو نفس السبيل إلى تعيينه في الجامعة بعد تخرجه.. لأن النتائج النهائية لا تعلن إلا بعد مراجعة الأمن الذي يستبعد من المراكز المتقدمة كل من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله..

هل كان ضابط الاحتلال الإنجليزي يفعل هذا..

بل هل كان ضابط الموساد يفعل هذا..

يا رجال أمننا.. تبت أياديكم وتب.. ما أغنت عنكم سلطاتكم ولا طواغيتكم وما كسبتم من مال حرام.. ستصلون نارا ذات لهب..

... 

وليست الجامعة فقط ..

كيف؟..

كيف؟..

كيف؟..

هل نتساءل عن النيابة والجيش؟

هل نتساءل عن الأزهر؟

هل نتساءل عن الزراعة والصناعة والتجارة والاقتصاد ..

هل نتساءل عن الشارع.. عن المرجعية والقيم والأخلاق.. عن التعليم والإعلام والثقافة والعلم.. عن المرجعية..عن المساجد والكنائس و أيهما يحترم و أيهما يهان.. 

يا أي رجل أمن: إن كنت تصلي .. ألا تخجل من الله و أنت تسجد له بعد أن صددت بالدم والنار عن سبيله؟!

...

هل نتساءل عن الناس؟

كيف استطعنا ذلك.. كيف استسغناه.. كيف لم نخرق أعين من فرضوه علينا.. وكيف تدنى البشر إلى هذا المستوى..

كيف استطاع كل هؤلاء الضباط والجنود أن يقوموا بكل هذه العمليات الإجرامية من تزوير وتعذيب وكذب..

كيف استساغت الأمة أن تكون هناك مكافأة للجنود على قيامهم بالتعذيب..

كيف تتحول قطاعات من الشرطة إلى إجرام العصابات و أكثر..

وكيف تتحول قطاعات من النيابة إلى قفاز في يد الشرطة..

كيف يرضى وزير على كرامته وكبريائه أن يكون مجرد سكرتير.. بل خادم بلا كرامة ولا رأي ولا إرادة؟!..

كيف يرضى رئيس وزراء أن يكون مجرد قواد أو ديوث..

ثم كيف استسلمت الأمة لهذا كله بل وشاركت فيه..

كيف واتت الجميع هذه القدرة الجماعية الرهيبة على الكذب؟!

كيف تجمعت كل هذه النطف النجسة لتلوث رحم الأمة..

 بل إن الأمر أخطر و أشمل و أعم..

نعم .. فالكارثة الآن  لم تعد  في إحصاء من يكذب بل في محاولة العثور عمن يقول الصدق..

ولست أزعم أن مسئولا واحدا أو عاملا منفردا كان هو السبب الوحيد في هذا كله لكن ما أقوله أن ما كان يتم من جرائم في الخفاء ويُخجل من الاعتراف به أصبح يرتكب علانية وجهارا بل ويفخر المجرمون بارتكابه.

لماذا استكانت الجماهير كل هذه الاستكانة ولماذا غفلت كل هذه الغفلة..

يقول الشهيد العظيم - أحسبه كذلك- سيد قطب:

"فما يخدع الطغاة شيء ما تخدعهم غفلة الجماهير،  وذلتها،  وطاعتها،  وانقيادها،  وما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة،  ولا سلطاناً،  وإنما همي الجماهير الغافلة الذلول،  تمطي له ظهرها فيركب ! وتمد لها أعناقها فيجر،  وتحني لها رؤوسها فيستعلي ! وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغى! والجماهير تفعل هذا مخدوعة من جهة،  وخائفة من جهة أخرى،  وهذا الخوف لا ينبعث إلا من الوهم،  فالطاغية - وهو فرد - لا يمكن أن يكون أقوى من الألوف والملايين،  لو أنها شعرت بإنسانيتها،  وكرامتها،  وعزتها،  وحريتها".


***

في عامه الأخير تنبأ الشهيد  سيد قطب بما سيحدث للأمة عند العصف بتيار الإخوان المسلمين..

تنبأ بالانهيار الأخلاقي والاجتماعي والثقافي والديني..

يقول الشهيد في "لماذا أعدموني":

إن السياسة المخططة من جانب الصهيونية والصليبية الاستعمارية لتدمير حركة الإخوان المسلمين في المنطقة تحقيقاً لمصالح ومخططات تلك الجهات قد تحققت بنجاح .. وأنه في الوقت ذاته لابد من محاولة الرد على تلك المخططات بإعادة حياة ونشاط الحركة الإسلامية حتى ولو كانت الدولة لسبب أو أكثر لا تريد. فالدولة تخطئ وتصيب!

كما أنها كانت تملأ نفسي شعوراً بالظلم الذي أصاب آلاف الأفراد وآلاف الأسر والبيوت. بناء على حادث ( تمثيلية المنشية) واضح جداً تدبيره- حتى ولو لم يعلم بالضبط في ذلك الوقت من دبره- وبناء على الرغبة من حماية النظام القائم من خطر ضخمته أجهزة غريبة الأهداف واضحة كذلك من كتبهم وجرائدهم وتقريراتهم وفي مقدمتها تقرير جونسون عن نهر الأردن. ثم تضخم هذا الشعور وأنا أرى النتائج الواقعية في حياة المجتمع المصري من انتشار هائل للأفكار الإلحادية وللانحلال الأخلاقي نتيجة لتدمير حركة الإخوان المسلمين ووقف نشاطها التربوي. وكأنما كان وجود هذه الجماعة سداً قد انهار وانطلق بعده التيار.

وكنت أسمع عن ذلك كله في السجن، ولما خرجت وجدت أن كل ما سمعت كان دون الحقيقة بكثير لقد تحول المجتمع إلى مستنقع كبير!

إن المسألة أكبر بكثير مما يبسطها الذين ينظرون لما حدث على انه مجرد تطور، أنها تتعلق بالمخططات الصهيونية والصليبية الاستعمارية في تدمير المقومات الأساسية للعناصر البشرية في المنطقة بحيث تصبح هذه الملايين حطاماً منهاراً لا يملك المقاومة حتى لو وضعت في يده أقوى الأسلحة. فالرجال هم الذين يحركون الأسلحة وليست الأسلحة هي التي تحرك الرجال. والمجتمعات حين تنهار عقيديا وخلقياً تصبح الملايين فيها غثاء لا يقف في وجه التيار.

ويستطيع الإنسان أن يلحظ بسهولة علاقة هذا الانحدار بتدمير حركة الإخوان المسلمين ومنع نشاطها، كما يستطيع أن يربط بين هذا التدمير وبين الخطط الصهيونية والصليبية الاستعمارية بخصوص هذه الجماعة وبخصوص المنطقة بجملتها.

***

يــــــــــا أمـــــة..

أنا حذيركم ونذيركم..

أنا حذيركم ونذيركم..

أنا حذيركم ونذيركم..

في كل مرة كانت السلطة الغاشمة تنكل فيها بالإخوان لم تكن تفعل ذلك لإبل بهوى في النفس ومباركة من الخارج.. 

في كل مرة..

بل استثناء..

في عام 1948 كان لابد أن يتم ضرب الإخوان للتمهيد لاستسلام عربي لإسرائيل.. استسلام لا يعكر صفوه عليهم جهاد ولا استشهاد.. ولذلك كان لابد من القبض على مجاهدي الإخوان ونقلهم من ميدان القتال إلى المعتقل.. ثم قتل الزعيم الشهيد إن شاء الله – حسن البنا ( بلغت الخسة بعد ستين عاما من استشهاده أن فرع الشين بيت في مصر ألقي القبض على ناشرين بحجة أنهما طبعا كتابا عنه-.

في عام 1954 كان لابد من ضربهم و إعدام الشهداء الذين أثبتوا القدرة على قيادة النضال العسكري في فلسطين أو السياسي في مصر وكان ذلك تمهيدا لما سمي باتفاقية الجلاء التي تمت برعاية أمريكية تمهيدا إخراج بريطانيا و دخول أمريكا فلما أدخل الطاغوت الأصغر روسيا بدل أمريكا قطع الطاغوت الأكبر رأسه.. كما أن ما حدث عام 1954 أيضا كان تمهيدا لمعركة 1956 حيث هزم الجيش المصري هزيمة ساحقة – وقبل أن تعوي الكلاب ارجعوا إلى أي مرجع أجنبي أو مصري بشرط ألا يكون بوقا لجوبلز المصري أو الصحاف الناصري- في معركة 56 أثبتت إسرائيل تفوقها الحازم.. ولو كان الإخوان ساعتئذ موجودين لما حدث ما حدث بالصورة التي حدث بها (انظروا ما يفعله الجهاد الإسلامي في كل بقعة أتيح له فيها أن يجاهد).. لذلك كان مطلوبا أن يقصوا ويقتلوا حتى يبتعدوا عن الساحة تمكينا لإسرائيل.. ولهم..

عام 1965 .. حيث حدث للشهيد ورفاقه ما حدث ليعدموا عام 1966 ولتقع الهزيمة الكبرى عام 1967..

وفي عام 1981 كان ما كان فصار ما صار لكي يؤول الأمر إلى من هبط به إلى حضيض لم يشهده في خمسة آلاف عام كما كان يقول المرحوم الأستاذ فتحي رضوان..

وفي التسعينيات نشطت محارق الطاغوت من جديد لتواكب وتمهد للصمت إزاء تدمير العراق ..

وهاهي ذي المحارق تبدأ من جديد..

تبدأ من جديد فأبشري أيتها الأمة الراكعة الخانعة المستذلة بابتلاء ليس كمثله بلاء .. و أيقني أن الوريث القادم جلاد سيذبح ..

أيشري إن لم تنهضي.. ولا أظنك تنهضين.. لأنني أظن أن رجالك هم أولئك الذين سيذهب الله بهم ويأتي بقوم يحبهم ويحبونه ليجري على أيديهم النصر..

أبشري بالخراب.. أبشري بالعقاب..

لشد ما أشعر بالاحتقار لتلك الأحزاب والمؤسسات والصحف والمجلات و أجهزة الإعلام  والهيئات القذرة التي تطالب بالديموقراطية بشرط ألا ينجح الإخوان المسلمون وهم في سبيل ذلك يؤيدون أشد أنواع الحكم بطشا وقهرا وتسلطا ودموية وفسادا ما دامت تحول بين الإخوان وبين الوصول إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع.. لكم أحتقرهم و أزدريهم و أشمئز منهم.

يا كلاب النار يا حطب جهنم يا عورة الأمة: كونوا مخلصين حتى لكفركم وعلمانيتكم  وانضموا إلى الأمة في مطالبها بنزاهة الانتخابات وشفافية القرارات ومنع التعذيب والقضاء على الفساد.. أليس هذا ما صدعتمونا به حقبا وراء حقب وعقودا خلف عقود.. فلماذا يا خنازير الغرب المأجورة وكلاب الطاغوت المسعورة تنسون هذا عند التطبيق فلا تخلصون لعلمانيتكم بل لعمالتكم..

لماذا تنضمون إلى الطاغوت في نشر الكذب والادعاء بالباطل..

لماذا؟..

لماذا؟..

فأبشري بالخراب.. أبشري بالعقاب..

هل ترين ما يحدث في العراق؟..

سيحدث مثله فيك..

هل ترين ما يحدث في فلسطين؟..

سيحدث مثله لأهليك..!!

هل ترين ما يحدث في الصومال ولبنان؟..

سيحدث لبنيك..

و أنت تستحقين.. وما الله بظلام للعبيد..

***

كان للشهيد سيد قطب نظرته الشاملة للكون من منظور إسلامي.. كان كل شيء عنده يبدأ بالإسلام ويمر من خلاله وينتهي به..

ومن هذا المنطلق  آمن بأن قضية فلسطين هي قضية المسلمين فرحلة الإسراء إلى المسجد الأقصى هي " إعلان وراثة الرسول الأخير صلى الله عليه وسلم لمقدسات الرسل قبله،  واشتمال رسالته على هذه المقدسات "،   لذلك ودفاعاً عن إيمانه بحق المسلمين بأرض فلسطين شارك سيد قطب رحمه الله كبار شخصيات العالم الإسلامي في المؤتمر الإسلامي العام الذي انعقد في القدس عام 1954 م. ليؤكد " أن القضية الفلسطينية هي من أخطر القضايا الإسلامية وأجدرها بعناية الشعوب المسلمة وتضافرها في الكفاح لاسترداد البلاد المقدسة من اليهود الغاصبين،  وحماية ما تبقى منها في أيدي أصحابها الشرعيين بعد تآمر الاستعمار الغربي والصهيونية العالمية ". 

ولقد بلغ من شدة إدراك سيد قطب رحمه الله لخطر اليهود على الأمة وفضحه لمخططاتهم أن أعلن الشهيد رحمه الله في جريدة الشهاب عن كيفية توقعه لختام حياته بقوله :

 " لقد وقفت على مدى تغلغل الأصابع اليهودية وخطرها بعد بحث وطول عناء، واليهود إذا علموا أنني أحيط بذلك فلا بد أن أقتل".

***

حكامنا ونخبنا عليهم من الله ما يستحقون رفضوا المنظور الإسلامي كله بداية من التزوير والسحق ومرورا بـ:لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة – وهي مقولة تعنى إنكار المعلوم من الدين بالضرورة- إلى العملاء الذين يعتبرون الإسلام  خطرا على الأمن القومي ( وهو فعلا خطر على الأمن القومي للصليبيين واليهود الذين أمّروهم).. رفضوا المنظور الديني كله في الوقت الذي لا يكاد الصليبيون واليهود يعترفون بسواه..  يقول الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغن (1981 ـ 1989):

 لا يوجد شيء اسمه الفصل بين الدين والسياسة، وأن القائلين بهذا الفصل، لا يفهمون القيم التي قام عليها المجتمع الأمريكي، أما بوش  فيصرح  بأن حربه علي الإرهاب – ويعني به الإسلام-  هي إنما وحي من عند ربه!.

***

فصل الدين عن الدولة إذن مطلب يهودي صليبي لا يطبقونه في بلادهم لكنهم – مباشرة أو بعملائهم يطبقونه في بلادنا- ..

لكنهم يخفون دلائل المؤامرة بتجزئة التاريخ والجغرافيا والفكر.. مدركين أنهم بذلك يدفعوننا إلى صحراوات التيه حيث نفقد هويتنا وديننا بل ووجودنا..

هل يمكننا الآن – على سبيل المثال- أن نتوصل إلى تشخيص حقيقي صحيح إذا ما تناولنا الداء الذي ألم بأفراد الأمة كل فرد بمعزل عن الآخر؟!

لو أننا قررنا تدريس جغرافيا مصر كل محافظة بمعزل عن الأخرى فهل نفهم الجغرافيا.. وهل نفهم لماذا وكيف أن مصر وحدة جغرافية واحدة..

ولو أننا قررنا تدريس التاريخ كل محافظة بمعزل عن الأخرى فهل كنا سنفهم تاريخ مصر؟!..

هل أدركتم يا قراء لماذا يدرسون تاريخ وجغرافيا كل وطن عربي بمعزل عن الآخر؟!..

هل أدركتم لماذا يحاولون فصم الصلة بين تجاهل الرافعي وقتل الشهيد سيد قطب والتنكيل بالعلامة محمود شاكر والدكتور جمال حمدان وعشرات ومئات لن يكون آخرهم ما حدث مؤخرا للدكتور محمد عمارة.. 

بل إن التاريخ والجغرافيا وتاريخ الثقافة والقوانين  ومسلسل الأحداث لا يمكن فهمه بمعزل عن نوايا الطاغوت وعمالته.

على سبيل المثال كانت الحملة التي شنتها السلطة الغاشمة على شركات توظيف الأموال عن حق أو عن باطل كفيلة بإفلاس بنوكنا الكبرى لو ووجهت بمثلها.. لم تكن هذه الشركات مبرأة من العيوب لكنها لم تكن أبدا كما قالت السلطة الغاشمة.. كان هدف السلطة تحقيق أكبر قدر من التدمير لأي اقتصاد مستقل عن سلطتها المركزية.. لا يهم خراب الناس.. لا يهم الدموع والألم .. لا يهم الخسارة.. ما يهم فقط ألا يكون هناك قوة اقتصادية لمن ينتمون بأي شكل للإسلام.. ذلك يجب تدميره على الفور..  كانت إسرائيل ستفعل نفس الشيء لو لم تفعله السلطة العميلة.. لكن.. لماذا تلوث إسرائيل سمعتها بهذا ولديها خدم على هذا القدر من الخسة. ونسي الناس ما حدث لشركات توظيف الأموال ليفاجئوا بنفس التدمير مع شركات يملكها الإخوان ويديرونها بنجاح .. شنت السلطة الحرب على جزء من اقتصاد الأمة غير آبهة بانهيار الاقتصاد كله.. وخرجت صحيفة الأهرام بالبشرى : أن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة قد أدت إلى خسارة نصف مليار جنيه للإخوان.. 

هل كانت السلطة العميلة تقدر على إجراء يؤدي إلى خسارة شركة من شركات الكويز ألف جنيه.

***

لكننا هنا نقع في خطأ مر آخر.. نقع فيه عندما ننظر – رغم كل تجاربنا وخبراتنا-  إلى السلطة دون أن نفهم التطور العضوي الذي أصابها.. التطور الذي حولها من جهاز للحماية إلى جهاز للتهديد والسرقة والقتل والتخريب.. تحول كذلك التحول الذي يحول الخلية العادية إلى خلية سرطانية.. فهل رأيتم مجنونا يطالب خلية السرطان أن تشارك في بناء الجسم.. أم رأيتم مجنونا يوكل العدالة إلى لص والشرف إلى داعر والأمن القومي إلى خائن وتاجر سلاح  .. نعم.. النظر إلى السلطة كسلطة حقيقية هو في الحقيقة خطأ يستدعي ذلك النواح الحزين لضحية الداخلية الذي صوروه إذ يغتصبونه، كما يستدعي تلك الصرخات المذبوحة لعذراوات بغداد إذ يغتصبهن الأمريكيون فيصرخن مقسمات و محذرات بأنهن أبكار. كأن ذلك القسم والتحذير سيردع المجرم عن جرمه.. لم يدركن أن هذا هو المطلوب تماما.. وتماما كما كان المطلوب تدمير الاقتصاد في مصر.. تماما كما حاولوا تدمير التعليم و الجيش والقضاء والتعليم والإعلام  والزراعة والصناعة والهوية وإذكاء الصراع العرقي والطائفي وكل شيء في الوطن..لم يكن مجديا إذن أن نحذرهم من الخراب الوشيك.. نعم.. لم يكن مجديا أبدا تحذيرهم من ذلك.. لأن الذي نحذرهم منه كان بالضبط ما كانوا يهدفون إليه.

***

كنت في العامين الماضيين وطيلة الحلقات الماضية أهرب ثم أمعن في الهروب من الكتابة عما حدث في العام الأخير من حياة الشهيد سيد قطب.. كي لا أتحمل الألم المروع الرهيب الذي يوشك على اجتياحي حين أشرع في الكتابة عن عامه الأخير.. لكن غير مقتصر عليه.. لأنني والقارئ لابد يعلم أكتب مستشهدا بالماضي كي أقيم الحجة على الحاضر.. ولأنني لو اقتصرت على ما حدث للشهيد لكنت أظلمه ظلما بينا.. بل وكنت أضيع القضية كلها.. لأن أمر الشهيد لم يكن محدودا بجسد أُعدِم ومات.. بل كان متجسدا في قضية لا تموت وفي روح ستظل تشعل الجذوة في قلوب المجاهدين والمفكرين حتى يرث الله الأرض وما عليها.

إن أمر الشهيد لا يخصه وحده ولا هو مقتصر عليه.. إن الأعداء يحاولون دفعنا لهذا التقسيم الوعر باسم المنهج أحيانا والكتابة الأكاديمية في أحيان أخرى .. من ذلك دراسة حركات التحرر من الاستعمار في العالم الإسلامي ليس كحركة جهاد إسلامي ضد عدوان صليبي.. بل تم تجزئة الجهاد وتشويهه ليصبح مقاومة لا جهادا, وضد دول أوروبية لا حملة صليبية.. وكان ذلك يعني إفقاد المعركة شمولها وغاياتها، والأخطر إفقادها عنصر الاستمرار. وكان التطور الطبيعي أن توصف حركات المقاومة نفسها بعد ذلك بأنها إرهاب.

***

نعم .. هذا هو حال الأمة الآن وهو حال يكاد يدفع بنا إلى غياهب اليأس لولا الأمل في رحمة الله ووعده.. تلك الرحمة وذلك العدل الذي استشفهما الشهيد في كتابه :" في التاريخ فكرة ومنهاج" ليكتب في "صحوَة ليسَ بَعدَهَا سُبَات: 

لو كان مقدراً لهذا العالم الإسلامي أن يموت لمات في خلال القرون الطويلة التي مرت به، وهو مكبل بالقيود وهو في حالة إعياء عن الحركة، بعد أن حمل عبء الحضارة الإنسانية طويلاً، وبعد أن تعب فاسترخى ونام، والاستعمار الغربي إذ ذاك فتى فتهيأت له الفرصة، ودانت له معظم أطراف الأرض. وكان ثقله كله علـى صدر العالم الإسلامي النائم! لو كان مقدراً لهذا العالم الإسلامي أن يموت لمات في خلال فترة الاسترخاء والإعياء. وفي إبان فتوة الاستعمار وقوته ...ولكنه لم يمت ... بل انتفض حياً كالمارد الجبار، يحطم أغلاله وينقض أثقاله، ويتحدى الاستعمار الذي شاخ . وحيثما مد الإنسان بصره اليوم شعر بهذه الانتفاضة الحية وشعر بالحركة والتوفر للنضال، حتى الشعوب التي ما تزال في أعقاب دور الاسترخاء، والتي ما تزال مرهقة بأثقال الاحتلال. حتى هذه الشعوب يدرك المتأمل في أحوالها أن الحياة تدب في أوصالها ويرى خلال الرماد وميض نار، توشك أن يكون لها ضرام . ما الذي احتفظ لهذه الشعوب بحيويتها الكامنة بعد قرون طويلة من النوم والاسترخاء ومن الضعف والخمود، ومن الضغط والقسر، ومن الاحتلال البغيض الذي بذل جهده لتقطيع أوصالها وإخماد أنفاسها . إنه عقيدتها القوية العميقة. هذه العقيدة التي لم يستطع الاستعمار قتلها على الرغم من جهود الاستعمار الفكري والروحي والاجتماعي والسياسي ... هذه العقيدة التي تدعو معتنقيها إلى الاستعلاء لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين. كما تدعوهم إلى المقاومة والكفاح لتحقيق هذا الاستعلاء، وعدم الخضوع للقاهرين، أياً كانت قوتهم المادية، لأن القوة المادية وحدها لا تخيف المؤمنين بالله، جبار السموات والأرض، القاهر فوق عباده أجمعين . هذه العقيدة الحية هي التي حفظت لهذه الشعوب المترامية الأطراف قوتها الكامنة، وبعثتها بعثاً جديداً. والذي يراجع جميع النهضات والانبعاثات التي قامت في هذه الرقعة لمقاومة الاستعمار يجدها تستند أصلاً إلى هذه العقيدة.

***

هذا النمط من التفكير الذي يمتلك قدرة هائلة على كشف الزيف ومواجهة الأكاذيب وإجلاء الحقيقة هو بالضبط ما كان يخشاه اليهود والصليبيون في الخارج وخدمهم من نخبة الداخل..

كنت دائما قبل أن ينير الله بصيرتي أقرأ في أدبيات الإخوان أن الشهيد أعدم من أجل كتابه المعالم فأقول في سريرتي من حق الإخوان أن يفتتنوا بكاتبهم الأعظم وبشهيدهم الغالي، وهم معذورون حين  يهملون الوقائع الثابتة في التحقيقات. بعد ذلك أدركت من خلال دمع العين ودم القلب وخشوع الروح أن سيد قطب ليس كاتبهم العظيم وشهيدهم الغالي بل هو كاتب الإسلام العظيم وشهيده الغالي أينما كان المسلمون وحيثما كان الإسلام و أنه هو الرائد والقائد والشهيد الحي.  كما أدركت أن الوقائع الثابتة في التحقيقات قد تم الحصول عليها تحت وطأة التعذيب الحيواني المجرم.. تعذيب جوانتانامو وأبي غريب قبل أن توجدا.. فقد وجدتا في السجن الحربي وليمان طرة و أبي زعبل.. وجدت وما تزال..وكانت كل الاعترافات كذبا في كذب. ثم كانت الخطوة التالية، حين اهتممت فجأة بأن أقرأ مذكرات المجرمين الذين شاركوا في المذبحة وفي المؤامرة. كان مما قرأت على سبيل المثال مذكرات ضباط الثورة والرئيس محمد نجيب والعديدين ممن عاصروها. وكان مما قرأت في كتاب : معارك عبد الناصر - رياض الصيداوي- مركز الوطن العربي للأبحاث والنشر- جنيف / سويسرا، وفي هذا الكتاب يعترف سامي شرف بأن اكتشاف ما يسمى  مؤامرة "الإخوان المسلمون" سنة 1965 لم  يكن عن طريق المباحث ولا  المخابرات  بل كان اكتشافهم سياسياً(...) ثم ما يلبث أن يعترف بالخيط الأول لاكتشاف ما سموه بالمؤامرة.. (...)  يقول سامي شرف:

 كتاب السيد قطب "معالم في الطريق" كتبه في السجن وموضوعه الأساسي هو المجتمع الجاهلي وتكفيره، ولا طاعة للحاكم إلا للقرآن. ولما تمت الطبعة الأولى (...)  وتكرر طبعه أكثر من مرة، ومن هنا تساءلنا كيف يمكن لهذا الكتاب أن يروج بهذه السعة وبهذا الكم فبدأت شكوكنا تتجه نحو وجود تنظيم كبير يقف وراء هذا الكتاب.

***

كان الشهيد واضحا وقاطعا لا يدور ولا يناور  ولا يخشى في الله لومة لائم ولا صولة جلاد مجرم.. يقول الشهيد:

"وليس في إسلامنا ما نخجل منه،  وما نضطر للدفاع عنه،  وليس فيه ما نتدسس به للناس تدسساً،  أو ما نتلعثم في الجهر به على حقيقته .. إن الهزيمة الروحية أمام الغرب وأمام الشرق وأمام أوضاع الجاهلية هنا وهناك هي التي تجعل بعض الناس .. المسلمين .. يتلمس للإسلام موافقات جزئية من النظم البشرية،  أو يتلمس من أعمال " الحضارة " الجاهلية ما يسند به أعمال الإسلام وقضاءه في بعض الأمور ... إنه إذا كان هناك من يحتاج للدفاع والتبرير والاعتذار فليس هو الذي يقدم الإسلام للناس . وإنما هو ذاك الذي يحيا في هذه الجاهلية المهلهلة المليئة بالمتناقضات وبالنقائض والعيوب،  ويريد أن يتلمس المبررات للجاهلية . وهؤلاء هم الذين يهاجمون الإسلام ويلجئون بعض محبيه الذين يجهلون حقيقته إلى الدفاع عنه،  كـأنه متهم مضطر للدفاع عن نفسه في قفص الاتـهام !" -.


"ثم هي الأسباب الظاهرة لإصلاح الجماعة البشرية كلها، عن طريق قيادتها بأيدي المجاهدين الذين فرغت نفوسهم من كل أعراض الدنيا وكل زخارفها،  وهانت عليهم الحياة وهم يخوضون غمار الموت في سبيل الله،  ولم يعد في قلوبهم ما يشغلهم عن الله،  والتطلع إلى رضاه،  وحين تكون القيادة في مثل هذه الأيدي تصلح الأرض كلها ويصلح العباد،  ويصبح عزيزاً على هذه الأيدي أن تسلم في راية القيادة للكفر،  والضلال،  والفساد،  وهي قد اشترتها بالدماء والأرواح،  وكل عزيز،  وغال أرخصته لتتسلم هذه الراية لا لنفسها ولكن لله"."معالم في الطريق


***

إن الشهيد ليس منفصلا عن الواقع ولا هو يحلق في أجواء الخيال و إنه  ينظر بعين كاشفة إلى ضخامة خصومه وضآلة جيشه فيقول:

"قليل هم الذين يحملون المبادىء وقليل من هذا القليل الذين ينفرون من الدنيا من اجل تبليغ هذه المبادىء وقليل من هذه الصفوة الذين يقدمون أرواحهم ودمائهم من اجل نصرة هذه المبادىء والقيم فهم قليل من قليل من قليل"

"إن الدخول في الإسلام صفقة بين متبايعين.. .الله سبحانه هو المشتري والمؤمن فيها هو البائع،  فهي بيعة مع الله،  لا يبقى بعدها للمؤمن شيء في نفسه،  ولا في ماله.. لتكون كلمة الله هي العليا،  وليكون الدين كله لله"

وهو يدرك أيضا تبعات اتخاذ هذا الموقف:

سأله أحد إخوانه: لماذا كنت صريحا في المحكمة التي تمتلك رقبتك ؟ قال : "لأن التورية لا تجوز في العقيدة،  وليس للقائد أن بأخذ بالرخص". ولما سمع الحكم عليه بالإعدام قال: "الحمد لله. لقد عملت خمسة عشر عاما لنيل الشهادة" 

***

هكذا كان يفكر الشهيد.. وكان – وما يزال- هذا النمط من التفكير هو بالضبط ما يخشاه اليهود والصليبيون في الخارج وخدمهم من نخبة الداخل.. يضاف إليهم الآن فئتان لا تقلان خطورة.. أقباط المهجر وامتداداتهم في الداخل..

***

          من هذا المنظور وليس من منظور سواه يمكن فهم ما حدث للدكتور محمد عمارة أخيرا.. نعم.. ما كان للطواغيت أن يتركوه.. وما كان له أن يظنهم تاركيه.. وكان عليه أن يترصد الخطر و أن يواجهه كفارس لايحرص على الحياة بل يحرص كأسلافه العظام على الشهادة أو النصر.. 

كانت التجربة المبهرة الساطعة الوضيئة المضيئة للشهيد – إن شاء الله – سيد قطب ماثلة في وجداني.. وكانت التجارب العملاقة للكثيرين كالشيخ مصطفى صبري والرافعي ومحمود شاكر ومحمد محمد حسين منارات على الطريق قلت لنفسي أن الدكتور عمارة سوف يحتذيها ليتبوأ في التاريخ مكانا يستحقه.. لكنه للأسف وللوجيعة وللفجيعة اعتذر..

***

قلت لنفسي في ألم ممض: ما كان للدكتور محمد عمارة أن يعتذر.. لماذا لم يترك أولياء الشيطان يتدنسون بعار أسره أو حتى قتله.. لماذا لم يتأس بالإمام أحمد بن حنبل الذي لم يجد للإمام في الملمات رخصة .. فزلة العالِمِ يزلّ بها عالَم.. لماذا اعتذر وهو لم يخطىء أصلا.. لماذا أبي الخلوة في سجون الطاغوت .. ولماذا ضن على نفسه باحتمال شهادة.. لماذا لم يدرك وهو الموسوعي العميق أن المطلوب ليس اعتذاره بل إذلاله.. ليس كشخص و إنما كرمز إسلامي يذلون المسلمين جميعا بإذلاله.. لماذا لم يدرك أبعاد اللعبة.. وهي ليست دينية أصلا.. و إنما حدث اختراق أمريكي صهيوني للنخب المجرمة جعلها تتصرف كالمارينز وجنود صهيون.. لماذا لم يفطن إلى أن اللعبة تقضي باصطياده سواء اعتذر أم لم يعتذر.. لكنهم يودون أن يتم الفتك به بعد اعتذاره كي يحرموه من هالة شهيد و إن مات على فراشه.. الشهيد العظيم – إن شاء الله- سيد قطب أدرك ذلك فأبي أن يوقع إصبع يوحد الله على اعتذار للطاغوت أو خنازيره وكلابه.. فلماذا اعتذرت غفر الله لك.. حتى صدام حسين أدرك فأبى.. وفهم فصان نفسه وحفظ كرامة أمته فذهب إلى لقاء الله ومئات الملايين تدعو أن يتقبله الله شهيدا و أن يتجاوز عن سيئاته.. 

لماذا لم تتذكر يا دكتور عمارة موقف عبد الشيطان جورج بوش ( الكبير في إجرامه لا في مقامه) وهو يقابل مناورات العراق للإفلات من الحصار والهجوم والتدمير.. فكلما قدمت العراق تنازلا كان عبد الشيطان المسيخ الدجال يصرخ:

غير كاف..

غير كاف..

غير كاف..

والعراق – كي يبطل حجج القوادين العرب – يقدم التنازل إثر التنازل.. لكن عبد الشيطان المسيخ الدجال لم يكف أبدا عن صراخه:

غير كاف..

غير كاف..

غير كاف..

لم يكن يكفي المسيخ الدجال إلا تدمير العراق وخصم قوته من قوة المسلمين .. تماما كما لن يكتفي مسيخو اليوم إلا بتدمير الدكتور عمارة كرمز شامخ ومفكر موسوعي لا يشق له غبار في مجالات عديدة من أهمها مواجهة أكاذيب بعض النصارى وكل اليهود.

يقول الكاتب المتميز الأستاذ جمال سلطان في "المصريون" : بتاريخ 19 - 1 - 2007 

لا أفهم سر تحرش بعض المثقفين الأقباط بالدكتور محمد عمارة تحديدا،  منذ عدة سنوات والهجوم على عمارة لا يتوقف بسبب وبدون سبب،  وقضايا عديدة يتم رفعها ضده أو بلاغات للنيابة وتحريض للصحف التي يكتب فيها على أن توقف نشر مقالاته،  لا أفهم سر هذا الهجوم شبه المحصور في الدكتور عمارة،  ولكني أتصور أن أصابع أجنبية هي التي توجه مثل هذا الهجوم،  وذلك أن الدكتور عمارة هو صاحب الكتاب الشهير الذي نشر فيه وثائق مؤتمر "كلورادو" لتنصير العالم الإسلامي،  وعلق عليها،  وهو مؤتمر عقدته منظمات تنصير أمريكية بالأساس وشارك فيه بعض رجال الدين من مصر والشرق الأوسط،  ومنذ ذلك الحين والهجوم لا ينقطع على الدكتور عمارة،  رغم أنه من أكثر الكتاب والمفكرين الإسلاميين وسطية واعتدالا،  ولدرجة يؤاخذه عليها قطاع من الإسلاميين ويعتبرونه متساهلا، ولذلك أعتقد أن "التحريض" على عمارة منبعه الأساس كان من خارج مصر .

لماذا لم تدرك يا دكتور عمارة أن الخنازير المأجورة ليست هي وحدها التي تتلمظ لاصطيادك.. بل إن الكلاب المسعورة أيضا تتلمظ وقد أفتى صاحبهم أن الإسلام – ودعونا من التمحك والاستهبال والاستعاضة عن الموصوف بالصفة-  خطر على الأمن القومي. 

استبد بي الغضب ففكرت أن أعتذر عن اعتذاره ثم  فكرت أن يكون عنوان هذا المقال:


لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ..


لكي أرى إذا كان هناك ثمة وزير سفيه أو نظام مستخذ ذليل سيحاول إرغامي على الاعتذار.. أو إن كان هذا السفيه أو ذلك الجبان الذليل سيفكر في محو آيات من الكتاب المبين!!..

لكن ما ردعني كان هو القرآن نفسه:" وجادلهم بالتي هي أحسن" 125 النحل..و " وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى"(8)  و :" ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) المائدة.. 

لكن الشرط هنا هو الذين لا يستكبرون منهم.. أما هذه الفئة الضالة السفيهة الانتهازية المستقوية بطغيان الأجنبي  واستخذاء وخسة ولاة أمر بلا كرامة ولا دين ولا نخوة.. هؤلاء المستكبرون لا يستحقون منا أن نعاملهم بالتي هي أحسن.

نعم.. وعلى رأسهم قائل تلك الكلمات السفيهة:

 علي أن الأقباط ليسوا أقلية وان نسبتهم تتراوح بين 15 و18% من تعداد السكان إلي جانب أنهم أبناء البلد وأصحابها .

***

وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)..

لماذا يكذبون؟!..

لماذا يكذبون وهم يعرفون الحق؟!

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) آل عمران

ما كان للدكتور محمد عمارة أن يستسلم للابتزاز الصفيق ولا أن يعتذر..

وأنا واحد من المعجبين بالجهد الفكري الهائل للدكتور محمد عمارة – رغم أنف بعض الناقمين عليه لا لسبب إلا لغرض الهوى والغرض مرض!!- راجيا أن يكون له عند الله إما أجر و إما أجران..

كان الدكتور عمارة قد أصدر كتابا بعنوان: "فتنة التكفير بين الشيعة والوهابية والصوفية".. الصادر عن " عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية" وتطرق فيه إلى تعريف للإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي  يصم النصارى واليهود بالكفر ويبيح إهدار دمهم حيث استدل د.عمارة  بكلام لأبي حامد الغزالي يعرف فيه الكفر والإيمان، كان يناقش فيه التكفير لأهل القبلة، فتكلم عن أن التكفير هو التكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ مما جاء به، والإيمان هو تصديقه في جميع مما جاء به، ثم جاء في ختام هذا السياق كلمتان تقولان "ودماؤهم مباحة".. فكل الكلام سليم إلا هاتين الكلمتين المتعارضتين مع الإسلام". واعتبر عمارة أن هذه العبارة التي تهدر دماء غير المسلمين والتي وردت في كتابه "تحمل حكمًا غريبًا عن الإسلام، بل نقيضًا لموقف الإسلام من غير المسلمين والذي يحرم قتل غير المسلمين أو استباحة أعراضهم، ويعطيهم في الوقت نفسه كافة الحقوق المواطنة وواجباتها".

أصلا لم تكن هناك أزمة ولا خطأ.. استشهد الرجل بكتاب مر عليه ما يقرب من ألف عام.. و أي ممارس لألف باء الكتابة الأكاديمية يعرف أن أول فصول البحث هو استعراض للآراء المختلفة والمتناقضة في موضوع بحثه. و أن الباحث غير مسئول عما يستعرضه من آراء.. و إنما يأتي رأيه إذا شاء بعد المقدمة التي يستعرض فيها آراء السابقين..  وحتى لو أن الدكتور عمارة أعلن أنه مقتنع  بوجهة نظر حجة الإسلام فإن القانون لا يعاقب على الشروع في أمر دون ارتكابه.. هل سمع أحدكم إدانة لحاخام أو قسيس يفتي بقتل المسلمين والأطفال و استباحة بلادهم و ممتلكاتهم.. تلك آراء لا تتحول إلى جرائم إلا عند الشروع في ارتكابها.. ومع ذلك فهم في الغرب و إسرائيل يمجدون من يرتكبها ولا يدينونه.

وبادي ذي بدء علينا أن نشير إلى النقاط التالية:

الدكتور محمد عمارة كاتب كبير ومفكر مسلم موسوعي.. وهو يخطيء ويصيب.

حجة الإسلام الإمام أبي حامد الغزالي مفكر تاريخي موسوعي يؤخذ منه ويرد عليه.

ما ورد عن تكفير الإمام لكل من يكذب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر لا خلاف عليه.. ولشد ما نود ونتمنى أن يخيب النصارى ظننا ويصرحوا ويعترفوا بأنهم لا يكذبون خاتم الرسل وسيد البشر و أنهم يؤمنون برسالته وبالكتاب الذي أنزل عليه.

 نحن أيضا كافرون بأن الله ثالث ثلاثة ولا نقر بذلك أبدا.. ونحن نفخر بكفرنا هذا ونعتز.

مسئولية الدكتور محمد عمارة تقتصر على أمرين: هل ما استشهد به موجود فعلا في المرجع أم لا.. فإن كان موجودا – كما هو حادث بالفعل- فلا تثريب عليه.. و إن كان يفضل للمواءمة أن يعلق على هذا الرأي إن كان مخالفا للقرآن والسنة. نعم.. كان يكفي التعليق.. مجرد التعليق.. إلا أن عدم التعليق على رأي مخالف ليس جريمة!!.

أنني أظن -  ولست بحجة في الأمر على أي حال- أنه إما أن الإمام الغزالي كان يتكلم عن محاربين مفسدين في الأرض – وهذا هو الأغلب- أو أنه أخطأ .. ولا أتوقع أن يقع إمام كبير مثله في خطأ بديهي ينفيه القرآن والسنة وسيرة الخلفاء الراشدين وتاريخ المسلمين كله.

إن الساحة الفكرية والثقافية تعج باتهامات التكفير من الجميع للجميع دون أن تثير كل هذا الطوفان من الاستفزاز الرخيص والابتزاز الصفيق. ويكفي أن الدكتور عمارة نفسه كان عرضة لبعض هذه الاتهامات بالتكفير التي لحقت أيضا بقامات شامخة كالشيخ محمد  الغزالي والشيخ محمد الشعراوي . هل تذكرون عندما كفر وزير الداخلية السعودي سيد المجاهدين أسامة بن لادن؟.. هل تحدث أحد؟!

إن اتهامات التكفير بين المسيحيين لا تقل عن تلك الموجودة بين المسلمين.. وإن كان هناك تطور خطير جدا يحدث على الساحة المسيحية الآن.. تلك الساحة التي التجأت ذات يوم إلى السلطان العثماني كي يحميها من كفر التبشير الأمريكي  مطالبة بإصدارما أطلق عليه بعد ذلك: "الخط الهمايوني " – دعنا الآن من خسة البعض الذين يعتبرون أن  هذا الفرمان كان اضطهادا للمسيحيين متجاهلا أنهم هم الذين طلبوه- .. الآن.. يرفع البعض منهم رايات ما كانوا يعتبرونه قبل ذلك كفرا.

لو أن المسلمين تعاملوا مع المسيحيين كما تعامل الصليبيون مع المسلمين لما بقي في مصر خسيس يقول: هذه بلادنا.

أن الأمر لا يتعلق  بعموم المسيحيين في مصر فهم شركاء لنا لهم مالنا وعليهم ما علينا.. لكنه يتعلق بفئة خسيسة منحطة .


***

فور صدور كتاب الدكتور محمد عمارة – كأنما هناك من يتربص- اشتعلت انتقادات مسيحية شديدة للكتاب مما أثار دهشته؛ لأن كتابه لا علاقة له من قريب أو بعيد بغير المسلمين، ولم يتعرض لمسألة العلاقة بين الأقباط والمسيحيين، وإنما خصص لنقد آفة التكفير بين المذاهب الإسلامية.

ولكن.. تعالوا معي لنحيط بالأمر من بدايته..

***

يلخص نبيل شرف الدين الحكاية ( ويقال أن نبيل ضابط مباحث أمن دولة سابق وينفي هو ذلك)  في موقع من أحط المواقع على الشبكة الإليكترونية اسمه "إيلاف" والذي يفخر بامتهان كل قيم الأمة وبنشر كفريات صريحة وهجوم فاجر على الإسلام وتمجيد لأمريكا و إسرائيل.. يقول نبيل شرف الدين:

قررت وزارة الأوقاف المصرية سحب جميع نسخ الكتاب الذي صدر في وقت سابق عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية التابع للأزهر، الذي حمل عنوان (فتنة التكفير بين الشيعة والوهابية والصوفية)، لمؤلفه الكاتب محمد عمارة، القريب من "الإخوان المسلمين"، كما أنه عضو بمجمع البحوث الإسلامية .

وقال بيان للوزارة إن قرار سحب الكتاب المذكور من الأسواق وإعدام جميع نسخه، يأتي في إطار حرص وزارة الأوقاف على عدم المساس بمشاعر ومعتقدات الأقباط في مصر، ورفضها بشكل قاطع أي إساءة بأي صورة من الصور لأي فرد منهم (...)

هذا وقد أشار بيان وزارة الأوقاف المصرية إلى ما اشتمل عليه الكتاب من نص للإمام أبو حامد الغزالي ـ المتوفى عام 1111 ـ وأثار غضب الأقباط، بعدما تبين أن ما ورد به خاطيء تماماً، ولا يتفق مع تعاليم الإسلام، بل يتناقض معها تناقضا واضحاً"، وفقاً لما ورد في بيان وزارة الأوقاف المصرية . وفي بداية الأزمة تمسك عمارة بما جاء في كتابه، ووصف المعترضين عليه بأنهم "إما جهلاء أو يريدون الاستقواء بالهيمنة الأميركية ويسعون لإثارة الفتنة"، وقال إن العبارة موضع الاعتراض والتي وردت في كتابه ليست له وإنما هي لحجة الإسلام أبو حامد الغزالي في كتابه" فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة"، والعبارة واردة في صفحة 4 و5 وفيها يعرف الكفر والإيمان فيقول "إن الكفر هو تكذيب الرسول في شيء مما جاء به والإيمان هو تصديقه في جميع ما جاء به"، على حد تعبيره (...) ومضى بيان الأوقاف المصرية قائلاً "إنه فور اكتشاف ذلك الخطأ في الكتاب المذكور، تم الاتفاق مع المؤلف على إصدار بيان واعتذار، يشرح فيه موقفه من هذا النص الخاطيء ويقدم للإخوة الأقباط اعتذارا صريحاً وواضحا وحاسما وهو ما تم بالفعل، وقامت الوزارة بتعميم الاعتذار على الصحف ونشره، وذلك إضافة لما اتخذته الوزارة من إجراءات إدارية لسحب كافة نسخ الكتاب من الأسواق تمهيداً لإعدامها، فضلاً عن تقديم الاعتذار رسمياً عما ورد بهذا الكتاب من إساءة (...) وناشدت وزارة الأوقاف جميع وسائل الإعلام أن تتحمل مسؤولياتها كاملة في الحفاظ على وحدة شعب مصر بمسلميه وأقباطه، وان تعمل على إغلاق ذلك الملف الذي لن يستفيد من الاستمرار فيه أحد من الجانبين، مؤكدة حرصها على مصلحة الوطن الذي هو للجميع مسلمين وأقباط"، وفق ما ورد في البيان(...) كما أشارت وزارة الأوقاف المصرية في بيانها إلى ما أسمته "موقف وصداقة زقزوق للإخوة الأقباط ولقداسة البابا شنودة بصفة خاصة"، قائلة إن هذا ليس مجالا للشك أو المزايدة، حيث أشاد وزير الأوقاف منذ أيام في جلسات مجلس الشورى بمبدأ المواطنة في التعديلات الدستورية، وطالب بتمثيل كافٍ للأقباط في البرلمان(...) وذهب البيان إلى القول إنه تقرر طرح طبعة جديدة من هذا الكتاب خلال أيام، بعد أن تحذف أي عبارة قد تكون مسيئة للإخوة الأقباط تصريحا أو تلميحا(...) وأكدت وزارة الأوقاف أنها ستراجع أي كتاب يصدر عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية مراجعة دقيقة مهما كانت مكانة مؤلفه، تفادياً لأي خطأ قد يحدث مستقبلاً . يذكر أن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية التابع لولاية الأزهر ووزارة الأوقاف، يعد أرفع هيئة دينية في مصر.

***

لكم بدا الأمر مهينا ومخزيا ..

لماذا كل هذا الهلع؟!..

لماذا كل هذا التراجع؟..

لماذا كل هذا الرعب الذي يقابله في الجانب الآخر منتهي البطش والعسف والإهانة لرموز إسلامية.. ووزير الأوقاف الهمام هذا لم ينتفض غضبا لأئمة المساجد الذين روعهم الأمن في سيناء ..

هل قلت روعهم؟..

بل عذبهم وانتهك أعراضهم ولم تتحرك في الوزير شعرة..

وهؤلاء ولاة الأمر الذين أعز الله بهم اليهود والنصارى و أذل أعناق المسلمين أين كانوا و آلاف ألاف الإهانات تكال للمسلمين دون غضب ولا حتى رد.


***

الصحافي المتميز : فراج إسماعيل كتب عن الواقعة ليضيف فصولا أخرى:

أكد مفكر إسلامي مصري معروف أنه قرر حذف كلمتين تبيحان دماء الآخر "غير المسلم" من كتاب له أصدرته وزارة الأوقاف مؤخرا وأثار غضب الأوساط القبطية والقيادات الكنسية في مصر. وقال د. محمد عمارة عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر والذي يواجه بلاغا أمام النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، بتهمة تكفير الأقباط واستباحة دماء المسيحيين وأموالهم، ويطلب محاكمته جنائيا، إنه أصدر بيانا اليوم 9-1-2007 يبين فيه ملابسات الموضوع وقراره بحذف الكلمتين في الطبعة الثانية من كتاب " فتنة التكفير بين الشيعة والوهابية والصوفية". وأضاف د.عمارة في اتصال مع "العربية.نت": ما ورد في هذا الكتاب، وأثار غضب الأقباط، مجرد كلمتين فقط وهما "إباحة الدماء" في مضمون اقتبسته من كتاب لأبي حامد الغزالي اسمه "فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة"، وقد قررت إحقاقا للحق حذفهما، ولا أعرف كيف ضمنهما أبو حامد كتابه، فأنا أقرأ له وأخذ منه في ثقة ولا أفتش وراءه، لكن هذا ليس موقف الإسلام الذي لا يبيح دماء الآخرين. وتابع: لهذا السبب سأبحث عن كيفية أن يتضمنهما كتاب لأبي حامد، وهل توجدان في المخطوط الذي طبع عنه، فهناك علامة استفهام أن يقول ذلك. وأكد: موقفي معلن ومعروف ومنشور في كتبي وهو أن دماء وأموال وأعراض غير المسلمين لها حرمة دماء المسلمين وأموالهم.  ونفى عمارة أنه سيقدم اعتذارا للأقباط في اجتماع سيجمعه بوزير الأوقاف د.محمود حمدي زقزوق وإحدى الشخصيات القبطية، قائلا: أنا على اتصال بالوزير وليس هناك شئ من هذا القبيل.( على العموم: لقد أرغم على تقديم الاعتذار بعد ذلك.. وما كان له أن يستجيب)..وعن سبب تضمينهما ابتداء كتاب "فتنة التكفير" قال د.عمارة إنه "استدل بكلام لأبي حامد الغزالي يعرف فيه الكفر والإيمان، فهذا الكتاب يناقش موضوع التكفير بين المسلمين، وكان أبو حامد يناقش التكفير لأهل القبلة، فتكلم عن أن التكفير هو التكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ مما جاء به، والإيمان هو تصديقه في جميع مما جاء به، ثم جاء في ختام هذا السياق كلمتان تقولان "ودماؤهم مباحة".. فكل الكلام سليم إلا هاتين الكلمتين المتعارضتين مع الإسلام".

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)آل عمران


***

  أتذكر البلطجة التي واجهت بها الدولة أمورا أكثر من هذا بكثير بالنسبة للمسلمين فعاقبت الضحية وبرأت الجناة..

أتذكر الموقف المهين لأمن يُقذف بالحجارة ويصاب ضباطه وجنوده من شباب طائش تظاهر من أجل قضية باطلة فإذا بالأمن يواجهه بالحنان كله .. وحتى الآحاد الذين قبض عليهم أفرج عنهم رعبا وخزيا وقسرا بعد صيام البابا شنودة: البابا شنودة أيد ودعم  اعتكف أبنائه الخاطئين والخارجين على القانون من أجل استرداد امرأة أشهرت إسلامها ( وأسروها وما تزال أسيرة)  أما البابا الطيب فقد وصف الأطهار الأبرار من أبنائه في الأزهر بأنهم أشرار).. 

( ماذا كانت فيالق أمن الدولة وجحافل الأمن المركزي وفصائل الخنازير المأجورة والكلاب المسعورة تفعل لو أن شيخ الأزهر أسر فتاة مسلمة تنصرت واحتجزها حيث لا تعلم الدولة عنها شيئا.. شاهت الوجوه.. شاهت القلوب.. شاهت الضمائر.. شاه الكفر)..

لم تكتف الحكومة التي فقدت تماسكها باعتذار الدكتور عمارة  فقد كشفت مصادر بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية عن وجود اتجاه لتجميد عضوية الدكتور محمد عمارة بالمجلس، فيما عزته إلى ضغوط كنسية على وزير الأوقاف لإنهاء الأزمة التي أثارها الأقباط .. الأمر الذي يعكس حجم النفوذ الذي تمارسه الكنيسة على أجهزة الدولة.. فرغم اعتذار الدكتور عمارة وقيام وزارة الأوقاف بسحب الكتاب المذكور من الأسواق وتعهدها بحذف العبارات التي أثارت جدلاً في طبعته الجديدة، إلا أن الكنيسة لم تقتنع بالتوقف عن هذا الحد بل استمرت في ضغوطها التي أدت لرفع مقال الدكتور عمارة من صحيفة الأخبار لأجل غير مسمى، حيث روت المصريون  أن رئيس تحرير "الأخبار" محمد بركات تلقى اتصالاً من أحد الأجهزة الأمنية في ساعة متأخرة مساء الأربعاء يطالبه بضرورة رفع مقال الدكتور عمارة، وعزت ذلك "لدواع أمنية". وصاحب ذلك "تبريرات" ساقها رئيس تحرير "الأخبار" في مقاله، وكذا انتقادات في مقال إبراهيم سعدة في نفس اليوم،  كما نشرت مقالات أخرى في اليوم نفسه في صحف مستقلة لها ارتباطات أمنية،  فيما يشبه "حملة" منسقة وموجهة من جهة واحدة للهجوم على عمارة . واعترف جبرائيل باشتراط الكنيسة صدور بيان عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية يكذب ما قاله عمارة، حتى يتم نزع فتيل الأزمة والتصالح ومن ثم سحب البلاغ المقدم.

***

محاولة الإذلال التي يمارسها أقباط المهجر وامتداداتهم في الداخل تتعامل مع الشعب المصري المسلم كما تتعامل إسرائيل مع الفلسطينيين و أمريكا مع العراقيين.. وهي محاولة إذلال لن يوقفها الاستسلام أبدا.. فبعد كل استسلام سيكون المطلوب استسلاما أكبر وبعد كل إذلال سيكون المطلوب ذلا أشد..

تماما كأمريكا و إسرائيل.. حيث لا مهرب من الذل والامتهان إلا بالمقاومة والصمود..

لقد غضب شرفاء الأقباط أنفسهم لمدى الامتهان المراد إلحاقه بالمسلمين فانتقد المفكر السياسي جمال أسعد عبد الملاك تجاهل الكنيسة لاعتذار الدكتور عمارة ووزير الأوقاف، محذرًا من أن رفضها لا يخدم مصلحة أحد ويكرس نوعًا من التجبر الطائفي الذي لا مصلحة للأقباط ولا المسلمين فيه، فضلاً عن أنه لا يخدم مبدأ المواطنة الذي نسعى إليه جميعًا وكذلك الدولة المدنية.

وفي نقس هذا الصدد – كما قالت المصريون- اعتبر الكاتب الإسلامي المعروف الدكتور محمد يحيي أن ما فعلته الدولة والكنيسة مع الدكتور عمارة يأتي في سياق حملة إرهاب فكري على مفكر رصين وموضوعي استبعد جملة وتفصيلاً أن يتورط في إشعال فتنة طائفية أو أن يتسبب في المس بالوحدة الوطنية. واعتبر أن عدم قبول الكنيسة لاعتذار زقزوق وعمارة يؤكد أن هناك أياد خفية تستغل هذا الأمر لإشاعة توتر بين عنصري الأمة، مشدداً على أن منع مقال عمارة لن يخدم الأقباط بل سيكرس ضدهم الكراهية والبغض. وانتقد ما دعاها بـ "سياسات الاستبداد" التي تمنع مقالاً فكريًا استجابة لضغوط الكنيسة والأقباط، واعتبره يحول الكنيسة إلى دولة داخل الدولة.

 في مسلسل الانهيار والاستخذاء تراجعت  الأوقاف والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية عن إصدار طبعة جديدة للكتاب أو ورود "إساءات" في أي مؤلفات ضد الأقباط،  كما تحدثت مصادر "قبطية" عن ضغوط للكنيسة لعرض أي مؤلف يتعرض لأي قضية تتعلق بالشأن المسيحي على الكنيسة أولا قبل إجازته للنشر.


***

يا إلهي.. 

هل وصل انهيار السلطة إلى هذا الحد..

ولكن..

ماذا سيفعلون بالقرآن؟!..

هل يعرضونه على الكنيسة لتجيز منه ما تجيز وترفض ما تشاء..

أي هاوية سحيقة ننزلق إليها..

ماذا سيفعلون  بـ : (( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (85))آل عمران.المضحك حتى البكاء أنني أتساءل إذا ما صحت الأنباء المتناثرة بمواصلة الكنيسة لضغطها ومواصلة أجهزة الدولة في انسحابها.. و إذا ما صحت الأنباء بتحويل الدكتور عمارة إلى المحاكمة.. أتساءل  وقهقهة الضحكات نواح شهقات:

ماذا سيفعل وكيل النيابة في هذه القضية..؟ هل سيستدعي حجة الإسلام الإمام الغزالي لسؤاله؟.. هل سيضبط الدكتور عمارة متلبسا داخل النيابة بحمل مصحف في جيبه.. مصحف ليس على هوى بعض النصارى؟.. بل وماذا سيفعل وكيل النيابة وهو إن كان مسيحيا- و أرجح أن تفعل الدولة ذلك- فهو يعلم علم اليقين أنه كافر بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  و أنه إن لم يكفر به كفر بالمسيحية.. وهو إن كان مسلما يعلم أنه إذا آمن بما تقول به المسيحية الآن فقد مرق من الإسلام.. أما إن كان علمانيا فسيعرف أن الفاتيكان أقر بأن 80% من روايات الإنجيل مختلقة!!

إنني أرحب تماما كما يرحب كل مسلم بأن ينكر النصارى كفرهم بالنبي الخاتم عليه صلوات الله وسلامه.. لكن هل يفعلون؟!..

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)..

أي خبال تدفعنا السلطة المتهاوية الذليلة إليه و أي منزلق خطر تدفع بالنيابة والقضاء إليه..؟..

نعم.. أي منزلق..

هل سيكتفي وكيل النيابة باستدعاء حجة الإسلام الإمام الغزالي.. هل سيواجهون الدكتور عمارة بتسجيل بالصوت والصورة لحجة الإسلام؟!.. أم أن الأمر سيفلت حتى يصدر استدعاء للأمة الأربعة وربما أمر ضبط و إحضار للإمام ابن تيمية!!..

لا أقصد السخرية..

لكن ألمي برى قلمي فانصهرت الكلمات دموعا ودما..

أتذكر ما كتبه الشاعر المبدع محمد عفيفي مطر في ديوانه المرعب المروع الرهيب:" احتفالية المومياء المتوحشة" يصف فيه ما حدث له في أوكار مباحث أمن الدولة عقابا على احتجاجه على الغزو الأمريكي للعراق.. 

بعد عشرة أيام من التعذيب في لا ظوغلي  نقلوا الشاعر إلى معتقل طرة، فطفق يسترجع ملامح جلاديه، كأنهم قدّوا أجسادهم من صخرة واحدة على قالب واحد فلا استثناء في شئ، عيونهم لا يشبهها في شئ إلا عيون الكلاب الميتة في مجرور النهر ومستنقعات النتن الدهرىّ، فكأن " خنوم " : إلــه صناعة الفخار وتشكيل الطين في مصر القديمة صنعهم مرة واحدة واحتفظ بهم في مخازنه حرسا سرمديا لفراعنة كل العصور، إنهم لا يؤمنون بإلــه آخر غير خنوم، وفي تدفق جحيميّ يمزق القلب ويضنى الروح يصوغ محمد عفيفي مطر ما حدث من أولئك الخنوميين شعرا لست أجرؤ - في هذا السياق على الإشادة بعذوبته، حين يصبح الواقع المذاع في خطب رسمية هو الكذب المجسد وخيال الشاعر هو الصدق الوحيد، إنهم يستجوبونه:


س : ما الأسماء الصريحة لرفاقك الإرهابيين:

سقراط وابن رشد والسمندل والنفرىّ  وأورفيوس والسعلاة  إلى آخر ما وجدنا في أوراقك من أسماء حركية..

-  ...

سنعرف كيف تنطق حين نواجهك باعترافاتهم صوتا وصورة..

وحين ووجهت بتقارير المخبر أفلاطون،

وجدالات التهافت ومناهج الأدلة، ونار الطقس المبدئ المعيد، وبشارة الإيذان بالوقت،

والملابس الداخلية لأوريديكي،

وزمزمة السفاد في بوادي الجن،

وسمعت تسجيلا لصرخات الهلع من زرقاء اليمامة..

اعترفت بأدق التفاصيل..

...

هل كانت بلادك أم جنونك - هذه؟!..

أم أنت من فجر الخليقة لازب الطين المقدر للغواية والجنون

متقلب الأشكال بين يدي " خنوم "..

طالع من وقدة الفاخورة العظمى..

ومصطف صفوفا كلما بليت أعيدت في براح العصف والخلق الرميم المستعاد؟!..

- : اخلع ثيابك..

(لفحة  الخوف المشوش بالحياء وزمهرير الفجر،

صفان خنوميان تلمع في أكفهما عصى الخيزران،

وحارسان يصلصلان برجفة الجنزير:

كلب في علوّ  البغل يقعى،

آخر في هيئة الوحش الخرافي اشرأبّ )..

- أدر إلى الجدران وجهك..

لا كلام ولا تلـفّت..

...

طأطىء  ولا تنظر وراءك واحتبس أنفاسك..

( الزمن انفجار الرعب :

هل سيمزق الكلبان لحمك من وراء أو أمامْ )

...

هذه كانت حدود العبقرية في المكان:

سجن وجلادون..

أدوار الخنوميين ما بين الهزائم والخراب..

ضريت كلاب الصيد فانتظروا المواسم..

...

- :البس ثياب السجن، لا تنظر وراءك، لا كلام ولا تلــفّـت..

( لا كلام سوى دوى الإرث من ليل القراءة في دم التعذيب والهول المؤبد..

في بلادك والخنوميين في منفي التواريخ التي  أبقت دم القتلى يبيد ويستعاد.. )

***

هل سيفعلون بالمفكر المبدع الدكتور محمد عمارة ما فعلوه بالشاعر المبدع محمد عفيفي مطر؟!

***

إنني أستثني أغلبية الأقباط من التورط في هذا الاستقواء المخزي بأمريكا و إسرائيل ( تذكروا هتافات الشباب الخائن المستنجد بشارون عليهم وعليه اللعنة)..

لقد رفض أقباط أولمرت وبوش اعتذار الدكتور عمارة ووزير الأوقاف الدكتور حمدي زقزوق معتمدين على أمرين: الضغوط الخارجية وانهيار النظام في الداخل.. النظام الجبان المتهاوي الذي لا يمارس العلمانية إلا على المسلمين.. أما بالنسبة لليهود والنصارى فهو أشد يهودية وصليبية منهم..

رفضوها ليشعلوا الفتنة في ناحية أخرى من الوطن حين راح بعضهم يطالب بإلغاء أو تعديل المادة الثانية من الدستور..  حيث دعا الأنبا مرقص، المتحدث الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية إلي إدخال تعديلات علي المادة الثانية من الدستور التي تنص علي أن «الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع». وشدد علي أن الأقباط ليسوا أقلية، مؤكدا أنهم أقل في العدد، وأن نسبتهم تتراوح بين ١٥ و١٨% من تعداد السكان ـ حسب تقديره ـ إلي جانب أنهم «أبناء البلد وأصحابها».

ومرة أخرى وقف شرفاء النصارى ضد أقباط أولمرت وبوش..حيث رفض المفكر القبطي رفيق حبيب دعوة الأنبا مرقص المتحدث باسم الكنيسة المصرية لتعديل مادة الشريعة الإسلامية.وقال حبيب إن هذه المادة تمثل إجماعاً للأمة وتحديد المسلمين، مشيراً إلي أن أي تغيير فيها يجب أن يأتي تعبيراً عن رأي الناس، رافضاً أن يفرض طرف ما في الأمة ـ أو فئة ـ رؤيته الخاصة علي الجماعة المصرية. وأضاف حبيب أن الأقباط يجب أن يدركوا أن من حق المسلمين الاحتكام إلي شريعتهم، كما أن من حق الأقباط الاحتكام لعقيدتهم، بالإضافة إلي عدم فرض أي رؤية معادية لعقيدتهم عليهم وهو ما أقرته الشريعة الإسلامية التي أقرت مبدأ عدم تطبيق الشريعة الإسلامية علي أهل الكتاب. ونبه حبيب إلي أن توقيت إثارة الأنبا مرقص هذه الدعوة له مغزى خطير، في وقت أصبحت فيه الأسس التاريخية لاستقرار الجماعة المصرية محل تغيير وتبديل، وهو ما دعا أطرافاً كثيرة ليست من بينها هذه الشريحة المطالبة بتعديل المادة الثانية من الدستور ولكن معهم شرائح من المسلمين يظنون أنه في ظل الهيمنة الأمريكية علي المنطقة وتخلخل الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة، ما كان من المستحيل تمريره وتغييره في الماضي متاح اليوم، وهو ما بدأوه بالدعوة لتغيير القيم الأساسية التي تقوم عليها الجماعة المصرية وهو ما سيعرضها لخطر شديد. وذكر حبيب أن الإعلام الرسمي يجب أن يكون إعلاماً وطنياً عاماً يخدم الجماعة المصرية بكل تنويعاتها ولا يخدم نظام الحكم.

وأضاف حبيب أن نسبة الأقباط في مصر لا تزيد علي ١٠% قائلاً: النسبة التي أعلنها الأنبا مرقص ليست حقيقية ومبالغ فيها، لأن الكنيسة لم تستطع إعداد تعداد كامل لعدد المسيحيين الذي يحتاج إلي إمكانيات كبيرة لا تملكها الكنيسة، بالإضافة إلي أن كل الإحصاءات القديمة لأعداد المسيحيين ومنها إحصاء الاحتلال الإنجليزي والإحصاءات التي تلته كلها تشير إلي ثبوت نسبة الأقباط.

لا يكتفي  الكاتب المسيحي الشريف رفيق حبيب بذلك بل يحلل خزي السلطة العميلة بقوله: 

لكن يبدو أن النظام المصري الحاكم يرى أن اللحظة الراهنة مناسبة، فهي لحظة الحرب على الإرهاب، والتي تحولت إلى حرب على كل التيارات الإسلامية، خاصة التيارات المعتدلة، فالتيارات المعتدلة تمثل البديل المنافس للأنظمة الحاكمة وهي القادرة على الوصول للسلطة من خلال الانتخابات، وهي القادرة على حشد الجماهير معها، ولهذا أصبحت تمثل خطرا على بقاء الأنظمة الحالية الموالية للحلف الأمريكي. لهذا تتمدد الحرب على الإرهاب خارج نطاق الجماعات المسلحة، لتصل إلى حركات المقاومة، ومنها تصل إلى الحركات السياسية المعتدلة. والجانب الأمريكي يرى أن المشروع السياسي الحضاري الإسلامي، هو من المشاريع المعادية لمصالحة في المنطقة، والمقصود بالطبع أنه من المشاريع التي لا يمكنها التحالف مع الحلف الأمريكي ضد مصالح الأمة. والنخب الحاكمة العربية في الغالب منها، متحالفة مع الإدارة الأمريكية، وتمرر السياسات الأمريكية في المنطقة، ولهذا فهي حليف قوي للغرب عامة والإدارة الأمريكية خاصة، وهي مدعومة من الغرب، وتحت حمايته الفعلية، وربما تحت حماية قواته العسكرية أيضا. هذه اللحظة التاريخية، والتي تشهد أكبر توسع للهيمنة الأمريكية على المنطقة، والتي تمتد إلى العديد من البلاد العربية والإسلامية، والتي تتحقق بالقوة العسكرية كما في أفغانستان والعراق والصومال، والتدخلات السافرة في لبنان والسودان وغيرها، والاحتلال الصهيوني في فلسطين، هي اللحظة التي ظنت النخب الحاكمة، ومنها النخبة الحاكمة المصرية، أنها اللحظة المناسبة لتأسيس احتكارها للسلطة، واختيار من يكون معارضا، وتحديد القوى التي تمنع من ممارسة العمل السياسي، والمقصود بها القوى الإسلامية، ولهذا أصبح الدين في مرمى الصراع.

بل إن رفيق حبيب لا يقتصر على هذا.. إذ يقول أن الشريعة الإسلامية هي الشريعة الوحيدة التي تتيح للنصارى الاحتكام إلى دينهم.. ويشرح هذا- فكرته وصياغتي-  بقوله أن النصارى في مصر مرتبطون بالكنيسة وأنها مرجعهم الوحيد في التشريع.. وهو الأمر الذي دفع بالبابا شنودة إلى تحدي الأحكام المدنية التي أصدرتها المحاكم بطلاق بعض الأقباط بحجة أن الكنيسة لا تعترف بما يخالف شرعها.

الشريعة الإسلامية تسمح بذلك.. بل إن من حق البابا أن يطعن في عدم دستورية أحكام الطلاق تلك لمخالفتها للمادة الثانية من التشريع!! فلو أن المادة الثانية في الدستور أبطلت فإن ما سيحل محلها لن يكون :"أن المسيحية هي المصدر الرئيسي للتشريع!!" و إنما سيتم تنحية الدين كله لصالح العلمانية .. ولن يكون متاحا عندها للبابا شنودة أن يرفض أحكام القضاء.. فلا توجد في العالم  قانون يرجع إلى شرعيتين مختلفتين كمرجعية!!.. إما الإسلام و إما العلمانية.. الإسلام يسمح للنصارى بالاحتكام إلى شريعتهم أما العلمانية فلا تسمح لهم أبدا بذلك.... ( هل يمكن للقانون العلماني أن يسمح علي سبيل المثال بتعدد الزوجات في بلد غربي؟!..) .. وأذكر مرة أخرى أن قائل هذا الكلام نصراني..

كما رفض أمين إسكندر المفكر القبطي أن يكون الأقباط هم أصحاب البلد. 

***

الغريب أن الكاتب الصحافي الأشهر محمد حسنين هيكل كان قد صرح قبلها ( قناة  الجزيرة 28/12/2006) بما نصه:

" هؤلاء ناس مواطنين أصحاب بلد يمثلوا في هذا البلد ما بين عشرة لـ 15% من سكانه ولهم حقوق المواطنة"..

ولاحظوا يا قراء تعبير " أصحاب بلد" .. ولاحظوا أيضا أنه رفع نسبة المسيحيين عن تقديراته في حلقات سابقة .. لقد كانوا في تقديراته 10% ( دعنا الآن من أن هذا التقدير يكاد يكون ضعف الرقم الحقيقي: أقل من 6%) لكنني أتوقع أن يكون الرقم في المرة القادمة ليس : من 10-15% ليصبح 15% مباشرة.. وفي مرة تالية يكون من 15-20% وهكذا دواليك حتى يكون عدد النصارى 100%!!.

اللافت للانتباه هنا أن هيكل.. هيكل نفسه.. هيكل بشحمه ولحمه.. هيكل بحجمه.. هيكل باتصالاته الهائلة واطلاعه على أدق الإحصائيات والأسرار.. هيكل الدقيق المدقق يقول أن عدد الأقباط ما بين 10% و 15% والفارق بين الرقمين يقارب الملايين الأربعة.. 

هل يتصور أحد أن هيكل لا يعرف الأرقام بكل دقة..

هل يتصور أحد أن هيكل لا يعرف أن هناك قرارا استراتيجيا على مستوى القمة قد اتخذ بعدم إعلان العدد الحقيقي للنصارى مجاملة لهم.. فبرغم التسامح التاريخي للمسلمين في مصر إلا أن تساؤلا سينشب حال إعلان الأرقام الحقيقية:

كيف يظفر 5% من المواطنين بـ50% من ثروة البلاد..

هل يجهل هيكل هذا أم أن نفس يعقوب تخفي أمرا..

هل يليق هذا بهيكل؟..

أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟!!.

***

إنني هنا أريد أن أنبه إلى أمر هام وخطير..

نعم.. لقد حصل 5% - يزيدون وينقصون قليلا بنسبة لا تتجاوز الواحد في المائة لكنهم في العقود الأخيرة يتناقصون بسبب فتح أبواب الهجرة لهم- على 50% من ثروة البلاد..

والأخطر أنهم يريدون التعامل كما لو كان تعدادهم هو 50% من تعداد الشعب في مصر..

ولأنهم يريدون التصرف كما لو كانوا يشكلون 50% و أن يكون لهم حق الفيتو على أي مطلب للأمة!!.. ولست أدرى أي نوع من الديموقراطية أو الليبرالية هذا..

الأخطر والأخطر أن حق الفيتو هذا هو حق مرحلي.. لأن المطلوب في النهاية أن يحكموا مصر( بلادهم!!) و أن يقصوا الغزاة: ( المسلمين!)..

الأخطر والأخطر والأخطر أن هذه الشرذمة الضالة المجرمة تريد أن يتصرف الشعب المصري المسلم كمستعمرة أمريكية أو إسرائيلية..

هذه الشرذمة المجرمة مدعمة ببعض مجرمي ودعار العلمانية سيشعلون الوطن.. لأن رد الفعل في النهاية لن يكون من محمد مهدي عاكف ولا من محمد عمارة ولا فهمي هويدي ولا حسين عاشور ولا محمد عباس.. و إنما سيكون من رجل الشارع الذي تحركه العصبية لا الأحكام الفقهية.. وهنالك سيدرك المجرمون أن الشرارة التي أشعلوها لم تفدهم بل حرقتهم مع ما حرقت من الوطن.

***

هذه هي الفتن التي أشعلها الطاغوت المجرم بمحاربته للإسلام منذ سيد قطب حتى محمد عمارة..

وهذا نتاج طبيعي لإخلال بالتوازن.. بل إن أشد الصليبيين واليهود إجراما وعتوا وغلوا لا يستطيع أن يباري تقريرا من تقارير ضابط أمن دولة أو مثقف أمن دولة في الإسلام والمسلمين..

***

قلبي كله مع الدكتور عمارة..

و إنني أنادي شرفاء المصريين – مسلمين ومسيحيين – للاصطفاف خلفه..

قلبي معه..

لكنني أعاتبه من أعماق القلب..

ما كان له أن يعتذر..

أفهم أنه يحقن الدم وينشد الوئام كي يستطيع الاستمرار.. 

لكن هل نسي أنه أمام ذئاب و أفاع ووحوش من نفس الصنف الذي عذب أهلنا في جوانتانامو وأبي غريب ولاظوغلي..

هل نسي أنه أمام سلطة ذليلة مهانة كتلك التي حاكمت الشهيد صدام حسين..

يا دكتور محمد عمارة ..

أنت لم تخطيء فلماذا اعتذرت..

سيد قطب لم يعتذر..

محمود شاكر لم يعتذر..

محمد محمد حسين لم يعتذر..

فلماذا اعتذرت؟

لماذا اعتذرت؟

لماذا اعتذرت؟

صدام حسين لم يعتذر ومات شامخا و أبيا وعظيما..

لماذا اعتذرت أيها الرمز الشامخ..

يا ويلنا.. لم نطالبك – ولم نتوقع أن تكون كسيد قطب-.. لكن.. أعجزت  أن تكون مثل صدام حسين؟!!

***

***

حاشية


خيرت الشاطر


للوهلة الأولي عندما شهدت ما حاق خيم علىّ كرب عظيم وكأنما رأيت عقاب السماء يوشك على الانقضاض على من يرى الظلم ثم لا يرفعه..

أدنت الأمة..

لكن شعوري ذلك سرعان ما حاق بعد أن أدركت أن ظلم الطاغوت قد وصل إلى حد لا يمكن بعده أن يستمر..

في حدود ما أعلم – وهو قليل- لم يسبق تحويل أحد إلى محكمة عسكرية بعد أن برأته محكمة الجنايات.. ثم أن هذا التحويل نفسه يتضمن إهانة للمحاكم العسكرية مهما كان منصب الطاغوت الذي أصدر القرار.. لأن المعنى الواضح هنا – والذي أربأ بالمحكمة العسكرية رغم موقفي منه أن تتورط فيه- هو أن لسان حال ذلك الطاغوت يقول: عجزت عن إرغام قضاة محكمة الجنايات أن يكونوا من قضاة النار.. فلألجأ إلى من لا يمانعون أن يكونوا من قضاة النار الذين لا يخافون ربهم ويخافوني..

لست أدري كيف غفل مستشارو السوء عن التنبيه لذلك..

أما أنت يا خيرت فقد فزت ورب الكعبة إن شاء الله..

ادع على الطاغوت فإن دعوة المظلوم تستجاب إن شاء الله..

ادع عليه..

فلعلك تكون كسعيد بن جبير رضي الله عنكما ورضيتما عنه..

ولعل الطاغوت كالحجاج – والاعتذار للحجاج -..

ولعلك يا خيرت تدعوا فنردد خلفك:

- اللهم اقصمه و أهلكه.. اللهم لا تسلطه على أحد بعدي..

...

ولعل الله يستجيب إن شاء الله..

*** 


حاشية


الدكتور محمد الحسيني إسماعيل


معركة بين أسد هصور وكلبة جرباء.. هكذا قلت لنفسي إذ رحت أتابع تلك المعركة الساخنة بين الشريف العفيف النزيه النظيف المثقف المفكر الدكتور محمد الحسيني إسماعيل وبين تلك النكرة التي رباها الغرب كما يربي الصياد كلابه لكي تنبح.. 

أعتذر يا قراء عن هذا الأسلوب الحاد لكن من يعرف وفاء سلطان يعرف أنها تستحقه.

إن نتيجة المعركة بين أسد وكلب أجرب معروفة منذ البداية.. لكن كلاب التار قد تجمعت لتصدر ضوضاء هائلة.. تستحق من القراء أن يتابعوها وأن يخرسوها.

المعركة تدور على موقع الدكتور محمد الحسيني إسماعيل:

http://truth-2u.com/

كما يمكن الوصول إليه من الرابط على موقعي.. 

وينقل المعركة أيضا موقع : 

www.arabtimes.com

*** 

*** 

*** 


لقد اختصرت كثيرا.. و أطفأت نار الجمر في قلبي فلست أنشد إشعال حريق لكنني في نفس الوقت لا أستطيع السكوت عن إطفاء حق.. لذلك أكتفي بما كتبت.. و أعيد نشر مقال سابق لي يدور في نفس الفلك.. 

***

***

***

الحقيقة كما حدثت لا كما قيلت

النصارى يحكمون مصر!

والبابا يتبختر كقيصر

 

 

 

وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين..


إذا حورب الدين فلا رخصة لأحد:"سيد قطب"

سيد قطب بين ضباط أمن الدولة وشيوخ أمن الدولة ومثقفي أمن الدولة

كم سيدٍ متفضلٍ قد سـبـه ...  من لا يـساوي غرزةً في نعلهَ..

*** 

*** 

*** 

منى الشاذلي- محمد إبراهيم مبروك- خالد منتصر- فيصل القاسم- جمال البنا- ف.ح- م.س.


هل رأي أحد منكم طفلا يولد في الخمسين من عمره؟!!

أو رأى وليدا ينزل من رحم أمه مكتمل الصحة والرجولة والأعضاء والشر؟!..

حتى لو كان هذا الوليد شيطانا.. فهل يمكن ذلك؟!!..

الإجابة بالطبع: لا..

كذلك لا يمكن أن يكون كل هذا الذي نعاني منه اليوم من الشر والخسة والجبروت والطغيان والكذب والتزوير والنهب والخيانة والسرقة والكذب والقهر والأنانية والسطحية والعمالة قد ولدت اليوم أو بالأمس أو منذ عام أو عامين أو حتى منذ خمسة وعشرين عاما فقط.. 

دعنا الآن من أن هذا المسخ الشيطاني الذي نواجهه الآن في قوته وعنفوانه تمتد جذوره إلى ما وراء أبويه.. لكن علينا – ومن حقنا- أن نرى بوضوح أنه ابن سفاح نتج عن اغتصاب العسكر للأمة.. 

*** 

نعم..

المسخ الذي نتعامل معه الآن هو ابن سفاح نتج عن اغتصاب العسكر للأمة.. ( وفي دول أخرى من دول عالمنا الإسلامي كان شيوخ القبائل أو زعماء الطوائف أو خفر البترول بديلا عن العسكر).. ولقد انكشفت الأستار الآن عن أن هؤلاء جميعا زرعهم الصليبيون واليهود لقطف ثمار – و إجهاض-  ثورة كانت في جوهرها إسلامية..

المنطق الشيطاني الذي يعامل المسخ به الأمة موروث.. و إن كان قد ازداد فجورا وخسة وخبرة..

نعم..

المنطق الذي تتعامل به السلطة الباغية الآن مع الإخوان المسلمين هو نفس المنطق الذي اتبع في أعوام 54 وما بعدها و65 وما بعدها. أما الفرق في النتائج فلا يعود لكون المسخ أقل وحشية من أبيه.. ولكن انتشار وسائل الإعلام والشبكة العنكبوتية والفضائيات حطمت الإطار الصارم الذي كان الطاغوت يفرضه حول أكاذيبه كي لا تكتشف.. فصارت الأكاذيب عارية والسوءات بادية..  لذلك احتجنا إلى عشرات الأعوام كي نكشف فضائح السلطة مع حسن البنا أو الهضيبي أو سيد قطب.. بينما لم يحتج الأمر إلا لدقائق معدودة لكشف فضائح السلطة و أكاذيبها مع محمد مهدي عاكف وخيرت الشاطر وعصام العريان.

توجد أسباب أخرى كثيرة لاختلاف المظهر لا الجوهر... فالنظام الآن هش وضعيف ومتهاو رغم شراسته.. وهو يفتقد المنطق حتى لو كان مزيفا .. كما أن كل وسائل النصب والاحتيال التي يمارسها قد انكشفت.. ومن الناحية الأخرى فقد أنهكت قوى الأمة من كثرة ما تعرضت له من مصائب.. تحولت إلى أمة مشلولة.. ترى وتسمع وتحس لكنها عاجزة عن الحركة.. إلا أن هذا العجز ليس نتيجة لعجز أصلى في الأمة.. بل يعود لانعدام القيادة التي تستنقذ الأمة من براثن اليأس وتقود الحركة الشعبية للتغيير.. لذلك فإن السلطة تكون أشرس ما يكون عندما تبدوا ملامح تلك القيادة القادرة على ذلك.. ولقد كان هذا الهاجس الشيطاني هو أحد أهم العوامل المحركة لموقف السلطة ضد حركة الإخوان المسلمين منذ اشتداد عودها.. وهو وضع حظي بما هو أكثر من الرضا من شياطين الخارج.. نعم.. ليس مجرد الرضا.. بل التخطيط الكامل.. تخطيط مؤلف الرواية الذي لا يُبقي للمسخ المحلي سوي هامش ضئيل ينحصر في طريقة أداء الدور المطلوب منه.. وهو هامش ضئيل لا يتجاوز ذلك الهامش الطبيعي الكائن بالضرورة بين ممثلين مختلفين حين يوكل إليهما تمثيل نفس الدور.

من هذا المنطلق كان موقف السلطة من الشهيد سيد قطب.. الذي اتهموه بالتخطيط لقلب نظام الحكم.

*** 

قلب نظام الحكم..

كانت هذه هي التهمة التي وجهوها للشهيد العظيم سيد قطب.. والتي أعدموه بحجتها ظلما وعدوانا..

وهي تهمة جوفاء لحكم أجوف .. وكاذبة لحكم كاذب.. ولست أدرى كيف لم – ولا – يشعر النائب العام بالخجل وهو يوجهها..

وليس مهما الآن أن ندافع عن شهيد يدافع الله عنه.. فالمهم أن ندرك أن القوى التي سعت لاغتياله هي نفس القوى التي تسعى لتدمير الإخوان المسلمين الآن.. والأمر كله كما قلنا كرواية هي نفس الرواية لكن شكلها يتغير باختلاف المخرج وتغير الممثلين.. وإن بقي المضمون واحدا..

*** 

في الرواية المشئومة فإن المؤلف والمخرج هما الأساس أما الاهتمام بأسماء الممثلين وفكرهم فعبث لا طائل خلفه..

نعم.. القضية واحدة.. و إن اختلف الزمن..

القضية واحدة..

قضية حصار المسلمين بالأحزاب وقضية الحصار على العالم الإسلامي الآن قضية واحدة..

حصار مزدوج.. من الداخل والخارج.. قبل سيد قطب ومعه وبعده و إلى أن يشاء الله.. حصار كحصار الأحزاب المشركة للنخبة المؤمنة في صدر الإسلام.. وكنت طيلة الوقت أتأمل في سيرته كشهيد رفع الله قدره وأعز شأنه بين العالمين الصالحين وبإذن الله من المقربين بقدر ما فضح خصومة الذين بانت سوءاهم للعالمين فمضوا إلى آخر الزمان مدانين ملعونين.. وليس ذلك هو المهم .. لكن المهم أن ننظر بنظرة شاملة تحيط بأبعاد الطوفان الذي نواجهه دون سفينة نوح عليه السلام.. والردة التي نواجهها دون أبي بكر رضي الله عنه.. وتتار نحاربهم دون قطز وصليبيين نواجههم دون صلاح الدين.. 

نعم.. حصار كحصار الأحزاب..

نعم.. كان الصليبيون والصهاينة في الخارج وعملاؤهم في الداخل هم الدافع والمحرك والمؤلف والمخرج.. وكان على حكامنا – عاملهم الله بما يستحقون- يمثلون الدور بطريقة فجة تدعو للازدراء والاشمئزاز .. أما المشركون قديما فقد تغير اسمهم دون رسمهم.. ومظهرهم دون جوهرهم.. فقد أصبح الاسم: العلمانيين تارة.. والقوميين تارة .. والشيوعيين تارة والليبراليين تارة أخرى.. سواء منهم الأصل والصورة.. والأجنبي والمحلى.. والعدو والعميل.. والكافر والمنافق..

نعم.. علينا أن ندرك ذلك.. و أن أكرر ألف مرة و ألف ألف مرة أنني لا أكتب دفاعا عن سيد قطب بل عن المستقبل.. عن الإسلام وعن لا إله إلا الله.. وأنني لا أكتب عن معركة ماضية.. بل أكتب عن معركة تدور رحاها تستنزف دماءنا وتسحق عظامنا تحت نظر حكامنا ونخبتنا.. وبأيديهم..

أكتب عن معركة بين المسخ الشيطاني والأمة وليس بين الإخوان المسلمين والسلطة.. ذلك أن الفساد قد يشكل قوة عصابة مافيا لكنه لا يشكل سلطة شرعية لدولة..كذلك فإن التعذيب والتزوير وخيانة البلاد والسمسرة على كل شيء بما فيه أجهزة الأمن القومي وتفتيت العالم الإسلامي والاشتراك في تركيع بلاده بلدا بعد بلد وفي إهدار قواه قوة بعد قوة.. كل ذلك ليس بسلطة..

أكتب عن وضع وجدنا أنفسنا فيه لا أجد ما يضاهيه إلا غزوة كغزوة الأحزاب التي نخوضها محاصرين دون أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم –بجسده..- قائدنا فيها.. وإن بقي القرآن الذي أنزل عليه والسنة التي تركها فينا والتي يستميت حكامنا ونخبتنا في محاولة تشويهها ورميها بالباطل كي يصرفوا الأمة عنها .. بل ويسعون إلى تجريم من ينادي بها..

فليس مهما أن يكون الممثل جورج بوش بديلا عن أبي جهل.. ولا بلير بديلا عن الحكم بن العاص.. ولا شارون أو أولمرت بديلا عن أبي لهب.. ولا أرناط بديلا نبيه بن الحجاج.. ولا فريدناند بديلا أخيه منبه.. ولا إيزابللا بديلة عن حمالة الحطب.. ولا صلاح نصر بديلا عن أبي بن خلف ولا حمزة البسيوني  بديلا عن عقبة بن أبي معيط ولا صلاح عيسى بديلا عن أمية بن خلف ولا إبراهيم عبد الهادي بديلا عن طعيمة بن عدي.. ولا شمس بدران بديلا عن النضر بن الحارث .. ولا جمال عبد الناصر بديلا عن(...) ولا حسني مبارك بديلا عن (...) ولا القاضى ع.ع. بديلا عن الجلاد المجرم فؤاد الدجوي.. قاضي سيد قطب!!..

ليس كل ذلك مهما.. فلم تكن كل هذه الشخصيات إلا قفازات في يد أعداء الله يلبسونها لتنفيذ أغراضهم القذرة ثم يلقون بها في سلة قمامة التاريخ ...

ليس مهما أيضا أن يكون مشركو أمريكا مكان كفار قريش.. ولا بريطانيا مكان كنانة ولا أهل تهامة مكان الفرنسيين و لا بنو سليم مكان الألمان ولا أسبانيا مكان غطفان.. ولا الطليان مكان بني فَزَارة ولا الهولنديين بديلا عن بني مُرَّة ولا الصرب مكان بني أشجع ولا اليونان مكان بني أسد .. ليس مهما ذلك.. وربما يكون مهما أن اليهود كانوا هم ذات اليهود الذين خططوا لتصويب ضربة إلى المسلمين في المدينة تكون قاتلة لا حياة بعدها‏.‏ ولما لم يكونوا يجدون في أنفسهم جرأة على قتال المسلمين مباشرة، خططوا لهذا الغرض خطة رهيبة‏ فخرج عشرون رجلاً من زعماء اليهود وسادات بني النضير إلى قريش وقبائل العرب لتحريضهم على سحق المسلمين في غزوة الأحزاب.. تماما كما يحدث الآن في معركة بدأت ولما تنته.

نعم.. حصار كحصار الأحزاب..:

إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) الأحزاب..

***

في الظلال.. أعز الله قائله ولعن قاتله يصف الشهيد الأمر فكأنه يتحدث عن فلسطين والعراق والشيشان وكشمير و أفغانستان..و..و.. كأنه يصف حالنا اليوم وهو يقول:

إنها صورة الهول الذي روع المدينة , والكرب الذي شملها , والذي لم ينج منه أحد من أهلها . وقد أطبق عليها المشركون من قريش وغطفان واليهود من بني قريظة من كل جانب . من أعلاها ومن أسفلها . فلم يختلف الشعور بالكرب والهول في قلب عن قلب ; وإنما الذي اختلف هو استجابة تلك القلوب , وظنها بالله , وسلوكها في الشدة , وتصوراتها للقيم والأسباب والنتائج . ومن ثم كان الابتلاء كاملا والامتحان دقيقا . والتمييز بين المؤمنين والمنافقين حاسما لا تردد فيه . 

وننظر اليوم فنرى الموقف بكل سماته , وكل انفعالاته , وكل خلجاته , وكل حركاته , ماثلا أمامنا كأننا نراه من خلال هذا النص القصير . 

ننظر فنرى الموقف من خارجه: إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم . . 

ثم ننظر فنرى أثر الموقف في النفوس: (وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر). . وهو تعبير مصور لحالة الخوف والكربة والضيق , يرسمها بملامح الوجوه وحركات القلوب . 

(وتظنون بالله الظنونا). . ولا يفصل هذه الظنون . ويدعها مجملة ترسم حالة الاضطراب في المشاعر والخوالج , وذهابها كل مذهب , واختلاف التصورات في شتى القلوب . 

ثم تزيد سمات الموقف بروزا , وتزيد خصائص الهول فيه وضوحا:(هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا). . والهول الذي يزلزل المؤمنين لا بد أن يكون هولا مروعا رعيبا . (...) ثم كانت روحه [ ص ] تستشرف النصر من بعيد , وتراه رأي العين في ومضات الصخور على ضرب المعاول ; فيحدث بها المسلمين , ويبث فيهم الثقة واليقين . 

قال ابن إسحاق:وحدثت عن سلمان الفارسي أنه قال:ضربت في ناحية من الخندق , فغلظت علي صخرة , ورسول الله [ ص ] قريب مني . فلما رآني أضرب , ورأى شدة المكان علي , نزل فأخذ المعول من يدي , فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة . قال:ثم ضرب به ضربة أخرى، فلمعت تحته برقة أخرى . قال:ثم ضرب به الثالثة , فلمعت تحته برقة أخرى قال:قلت:بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! ما هذا الذي رأيت , لمع المعول وأنت تضرب ? قال:" أو قد رأيت ذلك يا سلمان " ? قال:قلت . نعم:قال:" أما الأولى فإن الله فتح علي بها اليمن . وأما الثانية فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب . وأما الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق " . . 

***

لقد كان سيد قطب- بلا ريب- على يقين مما أخبر به سيدي وحبيبي ومولاى رسول الله علـيه الصلاة والسلام: « ليبلغنَّ هذا الأمرُ – أي هذا الدين – ما بَلَغَ الليلُ والنهار ولا يتركُ الله بيتَ وبرٍ ولا مدر , إلا أدخـلهُ اللهُ الإسلام , بعزِّ عزيز , أو بذلِّ ذليل , عزاً يعزُ الله به الإسلامَ وأهلَه , وذلاً يذلُّ اللهُ به الكفرَ وأهله )) رواه أحمد (4/103) والطبراني في الكبير (1280) وقال في المجمع (6/14) : (رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح )

أومن بذلك إيمانا يفوق إيماني بحياتي ووجودي.. لكنني أومن أيضا أن ذلك لن يتحقق على يد جيل سلم سيد قطب وخذله ولم ينصره مظلوما.. 

***

نعم

على المستوى الأكبر والأصغر والأوسع والأضيق فإن القضية واحدة..

وعلى هذا المستوى يمكننا أن نفهم  أن قضية الشهيد سيد قطب سنة 54 هي ذاتها قضيته عام 1966 وهي أيضا بعينها قضية عصام العريان 1005 كما أنها أيضا قضية خيرت الشاطر عام 2007 .. كلها قضية واحدة..

انظروا مثلا إلى حيثيات حكم محكمة الجنايات في تبرئة خيري الشاطر ورفاقه..

تقول هذه الحيثيات:

إن جميع المتهمين ليس لهم أي صلة بطلاب جامعة الأزهر وأن القضية سياسية لا أكثر وأن جميع الاتهامات المنسوبة من الشرطة في محاضر التحريات ملفقة وفيها مبالغات كبيرة، وأن ما حدث من قبض وتفتيش منازل هؤلاء المتهمين لا يصلح أن يكون من مصلحة الأمن أو الشعب، وأن الشرطة تعمدت تلفيق تلك القضية لجميع المتهمين وتعسفها في استعمال السلطة وما هي إلا قضية إعلامية وسياسية (...) وكذلك انعدام الركن المادي أو المعنوي لتلك القضية وأن القضية ليس لها أي كيان يمكن بناء تلك الاتهامات عليه.. (...) والمتهمون دكاترة ومهندسون ومحاسبون ورجال أعمال ولهم تاريخ معروف بالنزاهة والشرف وأن جميع التحريات لجهاز مباحث أمن الدولة ما هي إلا رأي محررها - الضابطين عاطف الحسيني وأحمد محمود - لا أكثر..

ورغم حكم محكمة الاستئناف بالإفراج الفوري والنهائي دون ضامن فإن وزارة الداخلية رفضت تنفيذ الحكم وأصدرت قراراً باعتقال جميع المتهمين ليخرجوا من المحكمة إلي المعتقل ورفعت بعدها نيابة أمن الدولة مذكرة للنائب العام تطلب فيها التحفظ علي أموال كل المتهمين وزوجاتهم وأولادهم القصر البالغ عددهم ٢٩، ومنع زوجاتهم وأولادهم القصر والبالغين من التصرف في إدارة أموالهم بجميع البنوك العامة في مصر علي أن يديرها البنك الأهلي المصري، ورغم أن محكمة الاستئناف قضت بعدم صدق تحريات جهاز مباحث أمن الدولة في التهم الموجهة إلي المتهمين فإن نيابة أمن الدولة العليا في مذكرتها للنائب العام قالت إن ما تقدم وتوافر في الأوراق أدلة كافية علي جدية الاتهام مما يتعين معه ضرورة التحفظ علي أموال المتهمين، وهو ما فعله النائب العام. 

كما أصدر الرئيس مبارك عقب اعتقال المتهمين قراراً بصفته الحاكم العسكري بإحالة المتهمين إلي المحكمة العسكرية 

*** 

تغيير قليل جدا في ألفاظ شكلية يجعل هذه الحيثيات تنطبق على قضية سيد قطب.. كما أن تعديلا بسيطا على دفاع المحامي الكبير شوكت التوني في قضية 65 يصلح – بعد تحوير قليل- للدفاع عن طلبة الأزهر و أساتذتهم:

يقول الأستاذ شوكت التوني المحامي في تفنيده للتهم التي وجهت للإخوان ظلماً ونالوا منهما ما نالوا لا لذنب جنوه، أو جرم اقترفوه:

"هذه التهم كيف جاءت وما مدى صحتها؟! لكي يقتنع عاقل أو نصف عاقل بصدور هذا التفكير من عقول المتهمين، يجب أن تتوازى أقدار هذه التهم مع المعدات والأسلحة التي هيئت للتنفيذ، وقد قلنا سابقاً في قضية "حسين توفيق": إن الفقهاء الأجانب قد ضربوا مثلاً واحداً لمحاولة قلب نظام الحكم، وهو خروج مجموعة من الجيش مسلحة وموجودة في الطريق العام.. ويقول جارو الفقيه الفرنسي: "حذار..!! فقد تكون خرجت لتقدم ملتمساً للجهات الحكومية العليا".

أما هؤلاء المتهمون فلم يضبط معهم غير سبعين زجاجة كوكاكولا اشتريت بمائة قرش، وقيل إنها كانت ستستعمل كقنابل مولوتوف، وليكن.. ولنفرض صحة ذلك فهل الحكومة القائمة كانت من الهوان هي والجيش المصري الذي أطلق عليه وقتئذ وصف "أكبر قوة ضاربة في الشرق" إلى حد أن تحارب الحكومة والجيش بسبعين زجاجة مولوتوف؟ وأقسم بالله غير آثم ولا حانث ولا هازل: لو أن هذه القضية في أي بلد ربع متمدن لخجل النائب العام من تقديمها للمحكمة!! ولكن المدعي العسكري العام قدمها ونظرتها محكمة الدجوي، وقضت فيها بالإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة.

ويستطرد شوكت التوني:

 إن قلب النظام جريمة مستحيلة لأن سلاح الانقلاب هو بضع زجاجات كوكاكولا فارغة، أو حتى زجاجات مولوتوف، فهل هذا النظام من الهوان أن تقلبه زجاجات فارغة أو مليئة؟!! إن قالوا نعم سلمت لكم المتهمين جميعاً لتشنقوهم، وذلك بشرط أن يقولوا لي أيضاً: ما هذا الجيش الجرار العرمرم المزود بالدبابات والطائرات التي تهدر كصوت القدر وصواريخ القاهر والظافر؟!

وفي ختام مرافعته قال الأستاذ شوكت التوني : السيد الرئيس.. السادة الأعضاء، إنني أدفع في ختام مرافعتي كما بدأتها ببطلان إجراءات القبض والتحقيق والمحاكمة، وإنني آسف أن أقرر أنني أعلم علم اليقين مصير هذا الدفع أمام الهيئة التي تنظر الدعوى.

الدجوي: يعني إيه؟!

شوكت التوني: المعنى هو ما تعبر عنه الكلمات والألفاظ والعبارات، وأنا أوجه هذا الدفع إلى التاريخ مهما بعد زمانه، وغاب عن عمرنا أوانه. 

ثم يتحدث عن التعذيب قائلا: وقد كنت عثرت في أوراق التحقيق على واقعة تعذيب أثبتها السيد وكيل النيابة العمومية كالآتي:

س: لقد قررت في إقرارك كذا وكذا..

ج: لقد وقع عليَّ تعذيب شديد، فقد اقتلعوا أظافر يدي بالقوة حتى أغمي عليَّ أكثر من مرة، واضطررت تحت وطأة الألم الذي لا يطاق من شد الأظافر أن أكتب الإقرار وأوقع عليه.. وأثبت وكيل النيابة "النزيه" الجريء ما يأتي:

ملحوظة: عرض علينا المتهم أصابعه، فوجدنا بالفعل أظافر أصابعه كلها منزوعة إلى آخرها، تمت الملحوظة.. "لا لم تنتهِ الملحوظة، ولن تتم يا سيدي النائب.. إن الدفاع يحييك، وسيحييك التاريخ معي".

*** 

هل يعرف القارئ كيف كانوا ينزعون أظافر المتهمين في قضية الشهيد سيد قطب ورفاقه؟..

كانت هناك طريقتان: الطريقة الرحيمة هي نزعها بالكماشة.. أما الطريقة الأخرى فهي نزعها بالسياط..

يقول المحامي كمال الفرماوي وهو أحد المتهمين في نفس قضية الشهيد سيد قطب في كتابه يوميات سجين في السجن الحربي- دار الثقافة للطباعة والنشر:

 وتحت الشجر بالحديقة وحول النافورة انتثر الجالسون وتحت السور وجد كذلك عدد كبير وجوههم للسور وخلفهم الحراس يلهبون ظهورهم بالسياط .. أمرني الحارس أن اجلس على ركبتي بجوار النافورة والجالس في هذا المكان لا يسمع إلا أصوات السياط  تنهال على الضحايا وصراخهم يرتفع إلي عنان السماء ومع كل ضحية ثلاثة أو ‏أربعة من الشرطة العسكرية والمباحث الجنائية يقومون علي تعذيبه.. وبداخل كل حجرة من حجرات التحقيق عدد من الضباط ‏الذين يرتدون الملابس المدنية ‏وهم الذين يشرفون على تعليمات التعذيب ومنهم  ‏شمس بدران رئيس المخابرات العسكرية في ذلك الوقت ووزير الحربية فيما بعد وسعد زغلول عبد الكريم مدير الشرطة العسكرية ثم جلال الديب ورياض والجنزوري وغيرهم ممن كانت أسماؤهم تثير الرعب في قلوب المعذبين. وانتشر في الحديقة عدد من جنود الشرطة العسكرية بيد كل منهم سوط ومعهم ماسورة من الحديد ربط طرفاها بسلسلة من الحديد تسمى الفلقة .. يقوم اثنان أو ثلاثة بتقييد الضحية بالسلسلة الحديدية ويأمران اثنين من الجالسين أمام الحائط   بحمله على أكتافهم.. كان يتم تقييده بأن توضع يداه بين رجليه وتقيد بالسلسلة وترفع الماسورة لتنقلب رأسه إلى أسفل ورجلاه إلي أعلى ..و يبدأ الضرب .. يستمر الضرب ساعات ولا يتم إنزال الضحية  إلا بعد ‏أن يطير معظم الجلد الذي يغطي قدميه ويديه وبالطبع فإن الأظافر تكون قد تطايرت بعد الدقائق  الأولى من ‏الضرب ونادرا ما يبقى ظفر أو اثنين في اليدين أو الرجلين.. يستمر الضرب ويتركز على بطني الرجلين فهما المكان المفضل لان الجلد عادة في هذه المنطقة يكون رقيقا . فيتطاير :الجلد ويستمر التعذيب إلى أن ينعقد الدم  ويتغير إلى اللون الأسود. وعند اسوداد  الدم يكون ذلك بمثابة العلامة  على أن الضحية قد نال الحد الأدنى من التعذيب.. ثم يتم إنزال الضحية والسياط تلهب جسده، ويطلب منه الجري على شكل دائرة  حول حاملي ماسورة الحديد  والسلسلة، ينزل المسكين جثة على الأرض.. ويحاول أن ينهض فلا تسعفه قدماه  فينهالون عليه بالسياط حتى ينهض ويطلبون منه الجري، فيتحامل ويجري من نيران السياط. وأحيانا يكون الزبانية قد تعبوا من الضرب فينادون على اثنين يحملان ماسورة الحديد ثم يسلمون السياط لمجموعة من المعتقلين ليقوموا هم بأنفسهم بضرب زميلهم  فإذا لم يفعلوا نالوا من الضرب ما ينسيهم أسماءهم.. فيمسكون السياط ‏وينهالون على زميلهم الذي يحمله اثنان من زملائهم  والحراس وقوف يضحكون ويتمايلون ويحتسون أكواب الليمون المثلج والشاي وإذا أحذت الرحمة بقلوب المعذبين فخففوا من ضرب السياط عن زميلهم  اخذوا منهم السياط وألهبوهم بها صائحين : هكذا يكون الضرب فيقومون بتنفيذ ما يؤمرون به. 

كانت هذه الصورة تتكرر كثيرا، وكان الزبانية يمارسونها عندما يعرفون أن ثمة قرابة بين المطلوبين للتحقيق.

 ‏فكم من مرة حمل الأخ أخاه وهو مقيد بالسلسلة الحديدية والآ‏خرون يقتطعون من جسمه بالسياط وجلد شقيقه وبعض لحمه ودمه يتطاير على ملابسه ووجهه ولا يستطيع أن يفعل شيئا. بل انه كان في بعض الأحيان يحلو لهم ى أن يأتوا بالرجل المسن وابنه ويوقفاهما أمام بعضهما ويأمرون الابن أن يصفع أباه فإذا ما تباطأ انهالوا عليه ضربا بالسياط.

*** 

كمال الفرماوي هذا يتهم بالإرهاب..!!

وسيد قطب أيضا اتهموه بالإرهاب..!!

أما كلاب الشيطان الذين ساموهما سوء العذاب فهم ملائكة رحمة..

وعلى الأمة المنكوبة الآن أن تمجد المجرم الذي عذّب وأن تلعن الشهداء والأبطال..

كان كمال الفرماوي رفيقا للشهيد في سجنه في فترة من الفترات.. 

تفاصيل تعذيب الشهيد سيد قطب مخفية.. لا يعرفها أحد.. لم يشهدها أحد إلا لمحات خاطفة مسترقة.. فقد كان الكلاب والشياطين يعذبونه وحيدا.. لا يجد إلا الله ناصرا.. ولا يراه أو يسمعه إلا السميع البصير.. وظنوا أنهم بذلك يخفون جريمتهم ولكن الأحداث تتتالى تترى فإذا بالذي لم نفهمه منذ أربعين عاما يحدث مع شخص آخر فيكشف لنا ما حدث مع الأخير تفاصيل ما حدث مع الأول..!!

سبحان الله.. 

لقد أتت مأساة الرئيس العراقي الشرعي صدام حسين عليه رحمة الله ورضوانه وغفرانه لترينا كيف يمكن أن تكون كل التفاصيل مخفية لا يعرفها إلا الجلاد.. ولولا أن صدام حسين تحدث عن تعذيبه وكشف عن العلامات التي بقيت بعد التئام الجروح بشهور ما عرف بتعذيبه أحد.. مورست نفس الطريقة مع الشهيد سيد قطب.. الذي لم يترك لينفرد بدفاعه أبدا منذ لحظة القبض عليه حتى إعدامه.. لم يسمح له الجلاد أيامها أبدا بأن يروي ما حدث.. أما كيف أن جرائم الجلاد القديم ( عسكر مصر) اكتشفت منذ زمن بينما لم تكتشف جرائم الجلاد الحديث(خنازير الغرب)  إلا منذ أعوام قليلة فهو أمر طبيعي.. ذلك أن صبيان العصابة ينكشف أمرهم قبل انكشاف أمر رئيسها.

ترى ..

ماذا كان يمكن أن يقول الشهيد لنا لو لم يحل الطاغوت بيننا وبينه..

وتلك نقطة يغفلها الكثيرون بعضهم عن جهل وبعضهم عن عمالة وخسة.. 

إنهم يحاسبون الشهيد على ما روته محاضر الأمن عنه..

ويتجاهلون في أي وضع كان وتحت أي ظرف عاش..

*** 

كان الشهيد سيد قطب قد تعرض للسجن والاعتقال في مذبحة السجن الحربي سنة 1954 وبسبب التعذيب الشديد الذي  تعرض له حينئذ أصيب بنزيف رئوي شديد مما اضطر السلطات إلى تأجيل محاكمته شهرين كاملين وقد ذكرت الصحف ذلك .. وكان هذا المرض نعمة من الله سبحانه وتعالى.. فقد كان الجلادون ينوون الحكم عليه بالإعدام  لكن المظاهرات الصاخبة التي انطلقت بعد أحكام إعدام حادث المنشية الملفق والمزور جعلت سلطة العسكر تعطي المواثيق والعهود ألا تكون هناك إعدامات أخرى.. ولذلك فقد  حوكم الشهيد  محاكمة سرية لم يحضرها أحد وحكم عليه بالسجن خسة عشر عاما . . .. وقد عاش منها –قبل استشهاده عشرة أعوام  خلف لنا فيها فصولا متطاولة من كتابه العمدة:" في ظلال القرآن" أعز الله قائله ولعن قاتله.. 

نعم.. لولا التعذيب الذي أدى إلى المرض لأعدم الشهيد ولما ظفرنا بتفسير من أعظم التفاسير منذ نزول القرآن حتى الآن.

كان الشهيد سيد قطب في محنة الإخوان المسلمين سنة 1954 قد تجاوز الأربعين.. كان رقيقا معتل الصحة  ثم تضاعفت أمراضه في السجن إزاء ما شهد وعانى.. وأمام تدهور حالته الصحية كان لا بد أن ينقل إلى مستشفى السجن ..

وبعد حوالي خمس سنوات من سجنه تدهورت حالته ولم تكن إمكانات العلاج كما يقول الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي في كتابه: سيد قطب- دار القلم – دمشق: في مستشفى طرة تناسب أمراضه . . فالرئة تتعرض لحالات من النزيف المفاجيء . . والمعدة والأمعاء تتعرض لنوبات لا تتوقف من التقلصات . . والقلب بدأ يضاعف من ضرباته إلى أن وصل لمرحلة الأزمة . .لذلك تم نقله إلى مستشفى "المنيل " الجامعي التي تردد عليها مرتين بعد ذلك إلى أن أفرج عنه إفراجا صحيا.. كان قد أمضى في السجن حوالي عشر سنوات.. وكان طاغوت الأمن المتوحش الجبار :"ذراع الأخطبوط الصليبي الصهيوني"  قد أدرك أن الشهيد بأمراضه لن يعيش طويلا وأن موته داخل السجن قد يثير العالم  الإسلامي مرة أخرى.. لذلك صدر العفو الصحي.. و إن كانت هناك وجهة نظر أخرى تقول أن الإفراج عنه قد تم للإيقاع به.. فقد كان طاغوت الأمن المتوحش الجبار :"ذراع الأخطبوط الصليبي الصهيوني" يدرك أن عشرة أعوام قد مرت على القضية الأولى .. وأن هذه الأعوام العشرة تكفي لتكوين جيل جديد من الإخوان فما عليهم إلا إطلاق سراح الشهيد كطعم لاصطياد هذا الجيل الجديد.

ولم يكن هذا العفو الصحي رحمة من الطاغوت الذي لا يرحم.. والظاهر في الأمر أن الإفراج عن الشيوعيين جميعا كان قد تم  بناء على ضغوط الرئيس السوفيتي – أيامها- نيكيتا خروشوف مع استمرار التنكيل بالمسلمين مما أظهر الدولة مباشرة في صف الكفر ضد الإيمان.... وكان أن توسط  الرئيس العراقي  عبد السلام عارف وكان معجبا بكتب سيد قطب للإفراج عنه..

 وقد قال الشهيد: "فقد كان كتابي في ظلال القرآن هو أنيسه في فتره اعتقاله أيام عبد الكريم قاسم ! وبالفعل نجحت الوساطة ، والحمد لله"..

أفرج عنه ليمكث خارج السجن شهورا يعود بعدها إليه ليعدم..

*** 

مكث خارج السجن شهورا قليلة ليعدم  بعد ذلك في لهيب محنة وصفها الدكتور يوسف القرضاوي بأنها كانت مفاجئة لجمهور الإخوان، فقد داهمتهم على غفلة، دون توقع منهم، ولا عمل قدموه يمكن أن يؤاخَذوا عليه. فقد كان أكثرهم منصرفًا إلى عمله المعيشي اليومي بحسبه أن يؤدي فرائض الله، ويجتنب محارم الله، ويدع السياسة لأهلها، والدعوة لربها، على نحو ما قال عبد المطلب لأبرهة: أما الإبل فأنا ربها، وأما البيت فله رب يحميه!. كان هذا هو اتجاه جمهور الإخوان بعد محنة 1954م ـ 1965م، وهو الكمون والسكون، حتى تتغير الأحوال.. ولكن الإخوان فوجئوا -برغم اعتزالهم لأي نشاط سياسي أو حركي- بهذه الهجمة العامة التي لم تدع أحدًا له صلة بالإخوان إلا امتدت يدها إليه، حتى بعض من ضعف إيمانهم، وتراخت عزائمهم، ولم يكتفوا باعتزال النشاط الدعوى، بل أوسعوا الإخوان ذمًّا وتجريحًا، عسى أن يشفع ذلك لهم، فلم يغنِ عنهم ذلك شيئًا، وشمت بهم من شمت ممن نالهم أذاهم وتطاولهم من إخوانهم.ولهذا ينظر الإخوان إلى هذه "المحنة" الهائلة المريرة على أنها من جانب آخر كانت "منحة" ساقها الله تعالى للإخوان، الذين أرادوا أن ينشغلوا بهمومهم المعيشية عن همومهم الدعوية، وأن يقول كل منهم: نفسي نفسي، فشاء الله تعالى أن يريهم أن اعتزالهم لواجب الدعوة لن ينفعهم. 

يواصل الدكتور يوسف القرضاوي:

ولقد فكرت وتأملت في سبب هذه المحنة الهائلة التي فُتِحت فيها النار على جماعة الإخوان من كل جانب، وسلطت عليهم آلات التعذيب الجهنمية، تحطمهم ماديًّا، وتحطمهم نفسيًّا، آلات تأكل من لحومهم، وتشرب من دمائهم، وتهشم من عظامهم.

لقد قلت: إن جمهور الإخوان لم يمارسوا أي نشاط، وهذه حقيقة لا ريب فيها ولكن أجهزة عبد الناصر، أعلنت أنها اكتشفت "تنظيمًا سريًّا" خطيرًا جدًّا، يقوده "سيد قطب" ومعه مجموعة من الإخوان وقد حاولت أجهزة الأمن أن تضفي المبالغات على هذا التنظيم المحدود، فقالوا: إنه كان يخطط "لنسف القناطر الخيرية"! وهل يفكر في ذلك عاقل؟ وماذا يستفيد من ذلك إلا الهلاك والخراب؟ وإذا كان يريد أن يحكم البلاد، فكيف يخربها قبل أن يستولي عليها؟ وقالوا: إنهم يريدون اغتيال "أم كلثوم".. وهل يفكر في ذلك من له ذرَّة من عقل؟ وماذا ارتكبت أم كلثوم من جرائم تستحق عليها القتل؟ وهل يقتل عاقل إنسانة يحبها جماهير الشعب المصري -بل العربي كله- ويعرض نفسه لسخط عام دون حاجة لذلك.؟!

المهم أن الحكومة كانت تملك من أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ما تستطيع به أن تغير الرأي العام إلى صفها. ولاسيما أن الخصم لا يملك أية وسيلة إعلامية يستطيع بها أن يدافع عن نفسه، ولو بأدنى دفاع. وكان القبض على الإخوان المسلمين بتهمة أنهم يدبرون مؤامرة للعدوان على عبد الناصر وقتله، ويذكر الأستاذ موسى صبري -وهو كمسيحي لا يمكن أن يكون ضالعًا مع الإخوان- أن كل الثقات يؤكدون أن قضية الإخوان التي أُعدم فيها سيد قطب كانت من اختراع شمس بدران، وزبانية البوليس الحربي، وأنها مؤامرة وهمية، وأن التعذيب في هذه القضية هو قمة المأساة. 

*** 

لنستأذن الدكتور يوسف القرضاوي قليلا كي نستعرض نموذجا من نماذج التعذيب الذي عاناه الضحايا في هذه القضية.. لنتأمل ماذا حدث للإرهابي الخطير محمد منيب على يدي ملائكة الرحمة ورسل السلام في السجن الحربي.. وتحت قيادة الزعيم المفدى الذي يقول فيه الأستاذ جمال فوزي في أحد دواوينه: 

هبني مدحتك بين الناس قاطبة

حتى جعلتك بين الناس عملاقا

هبني زعمتك قدِّيساً تُباركنا

وقلت إنك خير الخلق أخلاقا

من ذا يصدّقني بين الأُلى عرفوا

عنك الخِداعَ وسفَّاحاً وأفَّاقاً..


سوف نعود بعد قليل إلى ما حدث للشاعر جمال فوزي نفسه.. أما الآن فدعونا نعود إلى الشهيد محمد منيب كما يسرد وقائع ما حدث له الأستاذ جابر رزق في كتابه "مذابح الإخوان في سجون ناصر":

‏وكان الشهيد محمد منيب أشد تعرضا للإيذاء من بيننا جميعا فكنا عندما نؤخذ إلى دورة المياه صباحا في مجموعات يناله من الأذى الكثير على يدي سامبو ففي الذهاب والإياب يتعرض للصفع والركل والضرب دون ما سبب أو مبرر من سامبو بالذات وكان محمد منيب شابا صعيديا تجاوز الثلاثين بقليل أبيض الوجه .. ملون العينين .. أشقر الشعر تندهش حين تعلم أنه صعيدي ؟).. 

‏وفى اليوم التالي لوصولنا إلى السجن الحربي .. أخذوا مجموعة من إخوان المحلة الذين كانوا معنا في المخزن إلى مكاتب التحقيق .. وبعد فترة قليلة .. أخذوا محمد منيب إلى التحقيق أيضا .. وبعد وقت ليس قصيرا أعيد إخوان المحلة .. وآثار التعذيب ظاهرة عليهم خاصة أيديهم وأرجلهم .. وأبدانهم بصفة عامة إلا أنهم جميعا عادوا يمشون على أقدامهم .. وجلسوا يقصون علينا ما رأوا من وحشية التعذيب وضراوة الجلادين أمثال شمس بدران وحسن كفافي ورياض إبراهيم وصفوت الروبي وغيرهم .. 

‏وفى آخر اليوم أعيد محمد منيب وهو في حال مفزعة يسوقه جنود السجن في فظاظة وغلظة مع إلهاب ظهره بالسوط وصفعه وضربه بالأيدي .. وكانوا قد عذبوه تعذيبا مبرحا ينذر بخطر جسيم على حياته .. وقبل أن أراه لم أكن ‏أتصور أن يبلغ التعذيب هذه الدرجة من الوحشية التي توصل حتما إلى الموت لقد كانت  رجلاه إلى ما فوق الركبتين .. ويداه إلى ما فوق المرفق مشوهتين ومهترئتين لا أثر فيما للصورة التي خلقنا الله عليها .. وكانت مواضع السياط غائرة في جسده من كثرة الضربات على موضع واحد فكان السوط يمزق اللحم وينثره حتى تعمقت الجروح وأوشكت العظام أن تظهر مجردة من اللحم .. وكان معظم جسده على هذه الصورة .. ولاحظت عند نقله إلى مكانه الذي ينام فيه بحواري .. ولاحظت أثناء تصحيح وضع نومه أنه يتألم ألما شديدا من أماكن في ظهره وضلوعه وكأنها دكت دكا باللكمات .. وأن بقية جسده الذي لم يتمزق أسودت فيه الدماء تحت الجلد ولم يكن يستر جسده سوى سروال وفانلة مزقتما السياط !! . 

‏وسيطر على جو الحجرة سكون حزين .. وصمتنا حتى عن الهمس وشغلنا برعاية المعذبين والتخفيف عنهم ومحاولة إطعامهم وتسكين توجعانهم وتأوهاتهم . وفى اليوم الثالث فزعنا لأن الحراس اقتحموا علينا الحجرة يطلبون محمد منيب الذي كان في حالة احتضار ولا يقدر على مجرد الكلام ولا يصلح جسده لمجرد اللمس ولكنهم أرادوا منه أن ينهض .. وامتدت أيديهم القاسية إليه بالصفع وهو في هذه الحالة .. ولم نكن نتصور أن تبلغ الوحشية بالبشر هذه الدرجة ولما لم يجدوا بدا من حمله حملوه في بطانية أمسكوها من أطرافها وذهبوا به إلى مكاتب التحقيق .. وبعد حوالي ساعة ونحن في ذهول تتفطر قلوبنا إشفاقا على محمد منيب فتح باب الحجرة وألقوا به أمامنا داخل البطانية وهو في أنفاسه الأخيرة فحملناه إلى مكانه من الحجرة .. ولم  يكن يحس بشيء أو بأحد .. كمن فقد الإحساس بجسمه وما فيه من جروح .. لقد فزعنا عندما رأينا الدماء تنزف من جراحه التي لم تكن قد اندملت .. ضربوه رغم حالة احتضاره .. ولم يمض سوى وقت قصير حتى اقتحم الحرس الحجرة علينا ونحن نرقب أنفاسه الأخيرة ونترقب اللحظة التي تفيض فيما روحه وقد كف عن التأوه والتوجع تماما .. لقد انقضوا عليه في عنف وأمسكوا أطراف البطانية وحملوه وخرجوا به هذه المرة وهو في سكرات الموت .. ولم يعودوا به مرة أخرى .. بعد أن فاضت روجه إلى ربها حمل جسده وووري في تلال الجبل ثم دونوا أمام اسمه في السجلات كلمة .. هارب !! ..

*** 

كان هذا التعذيب يتم تحت إشراف المجرم شمس بدران.. 

شمس بدران هذا كان بمثابة الابن العزيز الغالي لجمال عبد الناصر.. وكان موضع ثقته.. ولم ينقلب عليه إلا بعد أن حسم موقفه إلى جانب عبد الحكيم عامر وضد عبد الناصر شخصيا.. بعدها انقلب عليه

والذي يقول هذا ليس عدوا لعبد الناصر,, بل هو الفريق محمد فوزي- وهو ناصري عتيد-  في مذكراته:"حرب الثلاث سنوات"..

*** 

يقول المستشار عبدالله العقيل في مقال له بمجلة المجتمع عن الأستاذ جمال فوزي:

وقد تعرّض لتعذيب وحشي بشع، أتلف له أذنابُ السلطة وجلادوها نصف جسده طولياً إحدى عينيه، وعموده الفقري، وذراعه وخصيته ورجله وهو الرقيق النفس، الرهيف المشاعر، فكان صابراً محتسباً، وهو شاعر رقيق، باسم الوجه، مرح الروح، وذلك رغم ما يعانيه من آلام خلَّفتها على جسده الأيدي الآثمة من زبانية السلطة الظالمة.

أطلق عليه إخوانه لقب "حسّان الدعوة" لأنه من أدق من وصف الدعوة في مراحلها المتنوعة شعراً، خاصة وصفه مرحلة السجن والتعذيب أيام الطاغية عبد الناصر.

وله أشعار كثيرة، طبع منها ديوانان هما: "الصبر والثبات" و"الصبر والجهاد" فضلاً عن القصائد الكثيرة التي قالها داخل السجن وخارجه ولم تنشر.

كما كُتبتْ عنه وعن حياته وشعره، رسائل جامعية، منها رسالة للباحث عبد الباسط مصطفى في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر سنة 1988م.

 أما الأستاذ جمال فوزي نفسه فيصف ما حدث له قائلا:

 ‏دخلنا مبنى ضخما وألقى بي أحدهم في إحدى حجراته بعد أن طفنا وسط ممرات كثيرة وبعد فترة وجيزة صاح صوت من خلال مكر صوت : أنت بالمخابرات العامة .. إما الاعتراف .. وإما الموت .. وبالطبع تبينت حقيقة المكان .. ولكن عن أي شيء أعترف ؟ .. ولم يطل بي تفكيري إذ دخل عل زبانية المخابرات العامة ليوقعوا بالجسد المشلول المزيد من العذاب .. علقوني من 

‏ذراعي إلي أعل وربطوها في حبال فصار جسدي معلقا ومتدليا ثم ربطوا قدميّ في اتجاهين مختلفين م بدأت عملية ‏الفسخ  ‏بشعة .. رهيبة .. قاسية .. صرت أتمزق وأحسست آلاما فوق الآلام .. فوق طاقة البشر من صنع أناس ليسوا من البشر .. وجرب القوم معي في المخابرات شتى صنوف التعذيب .. وضعوني فوتى ما يشبه الكرسي وربطت من يدي ووسطي ثم أخذ الجهاز يدور ‏بي بسرعة مجنونة ثم يتوقف عن الدوران فجأة لتبدأ عملية المساومة ويمنحني الله قدرة على الاحتمال فأواجه المساومة بالصمت فيدار الجهاز من جديد حتى أجد نفسي مشرفا على الموت .. ونزعوني من فوق الجهاز ثم قذفوا بي على الأرض ثم رفعوني ثانية وقذفوا بي وهكذا مع الركل بالأقدام وتهشيم جسدي بالعصي واللكمات والقيد في يدي من الخلف وعيناي معصوبتان وأحس  بحارا  ‏من الدم تغمر بقية ملابسي .. أمروني بالوقوف فما استطعت فقد ماتت فيّ الحركة وجاء صوت قبيح كريه تحس في نبراته غلظة وحش كاسر يقول:  ضعوا ‏له الخابور ..

‏وشعرت ببقايا ملابس الممزقة تنزع وبجسم مدبب صلب يخزونني به .. وشعرت بالتمزق .. وكان آخر ما أذكره صيحة مدوية أفلتت منى رغم تهافتي.. ثم رحت في غيبوبة تامة .. 

‏وأفقت .. فوجدت نفسي في سيارة تنهب بنا الطريق وأحد الضباط يوقظني.. نزع الطاقية من فوق عيني فصرت أرى ويا لهول ما رأيت .. الدماء  تسيل منى في نزيف خطير وكانت بالضابط إنسانية أو ربما كانت حالتي من السوء  حتى حركت في نفسه مواطن العطف والرحمة  حاول أن يعطيني جرعة ماء .. ولم تكن بي حاجة إلى الماء فقد غمرتني الآلام وكنت أشعر لهيب نار من آثار جريمة المخابرات العامة لم تكن مياه الدنيا بأسرها لتطفئها. 

*** 

كانت هذه هي الثورة التي حررت الإنسان المصري العربي المسلم و ألحقته بركب الحضارة والتاريخ..

وكان هؤلاء هم الذين انهزموا في كل معركة خاضوها.. إلا معركتهم ضد الإسلام والمسلمين.. معركتهم ضد الشعب والوطن والأمة..

 يقول الدكتور القرضاوي: لم تكتف السلطات الحاكمة باعتقال عشرات الآلاف من الإخوان، وإيداعهم في السجون المختلفة، وتعريضهم لألوان شتى من التعذيب البدني والنفسي، ومحاكمة أعداد منهم أمام محاكم عسكرية، وإصدار أحكام جائرة وقاسية على الكثيرين.. لم تكتف بذلك، بل سلطت أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية -وكلها تملكها- على جماعة الإخوان ودعوتهم وتاريخهم، لتفتري عليهم الكذب، وتشوه صورتهم وسيرتهم، أمام الشعب، ولا سيما الأجيال الناشئة التي لا ترى ولا تسمع إلا ما تريده الحكومة، ولا يملك الإخوان أن يردوا ولا أن يكذبوا، ولا أن يدافعوا عن أنفسهم، فالحكومة هي الخصم وهي الحكم. وقد جعلت كل السلطات في يدها، وهي سلطات عسكرية مائة في المائة، من الادعاء والتحقيق والقضاء والتنفيذ. 

*** 

كنت دائما قبل أن ينير الله بصيرتي أقرأ في أدبيات الإخوان أن الشهيد أعدم من أجل كتابه المعالم فأقول في سريرتي من حق الإخوان أن يفتتنوا بكاتبهم الأعظم وبشهيدهم الغالي، وهم معذورون حين  يهملون الوقائع الثابتة في التحقيقات. بعد ذلك أدركت من خلال دمع العين ودم القلب وخشوع الروح أن سيد قطب ليس كاتبهم العظيم وشهيدهم الغالي بل هو كاتب الإسلام العظيم وشهيده الغالي أينما كان المسلمون وحيثما كان الإسلام و أنه هو الرائد والقائد والشهيد الحي. كما أدركت أن الوقائع الثابتة في التحقيقات– و إن صح بعضها-   كذب في كذب. ثم كانت الخطوة التالية، حين اهتممت فجأة بأن أقرأ مذكرات المجرمين الذين شاركوا في المذبحة وفي المؤامرة. ثم مذكرات الذين اختلفوا مع عبد الناصر وحاشيته.

وكان مما قرأت أيضا على سبيل المثال مذكرات ضباط الثورة والرئيس محمد نجيب والعديدين ممن عاصروها. وكان مما قرأت في كتاب : معارك عبد الناصر - رياض الصيداوي- مركز الوطن العربي للأبحاث والنشر- جنيف / سويسرا، وفي هذا الكتاب يعترف سامي شرف بأن اكتشاف ما يسمى  مؤامرة "الإخوان المسلمون" سنة 1965 لم  يكن عن طريق المباحث ولا  المخابرات  بل كان اكتشافهم سياسياً.. يعترف سامي شرف أن  كتاب معالم في الطريق هو خيط البداية.. كان الشهيد قد كتبه في السجن وموضوعه الأساسي هو المجتمع الجاهلي وتكفيره.. "وتكرر طبعه أكثر من مرة، ومن هنا تساءلنا كيف يمكن لهذا الكتاب أن يروج بهذه السعة وبهذا الكم فبدأت شكوكنا تتجه نحو وجود تنظيم كبير يقف وراء هذا الكتاب".

*** 

أتساءل والتساؤل جمرات من النار..

لقد كان الشيوعيون وراء التحريض على قتل الشهيد العظيم بعد أن ظنوا أن إعصار "معالم في الطريق" هو إعصار سيكنسهم كنسا ويطهر الأرض منهم تطهيرا..كان ذلك ظن الشيوعيين ومن على دربهم..

فماذا كان دربك أنت يا محمد حسنين هيكل.!..

لأنه إذا كان سيد قطب قد أعدم من أجل المعالم.. فليس ثمة ريب أنك أنت الادعاء والقاضي والجلاد.. 

كنت تعمل من خلف ستار..

كنت الأذكى.. وكنت الأقدر على فهم خطورة فكر سيد قطب.. وأنكم لا تملكون فكرا يواجه فكره.. ببساطة لأن فكره صواب وفكركم باطل.. وفكره مع الأمة والناس وفكركم ضدهم.. وفكره لا يمكن مواجهته بالفكر بل بالمحاكم العسكرية والإعدام.. وكنت أنت – يا هيكل- ورئيسك وثورتك الإرهابيين.. وليس سيد قطب.


*** 

يقول الشهيد في: "لماذا أعدموني": 

لقد امتلأت نفسي بضرورة وجود حركة إسلامية كحركة الإخوان المسلمين في هذه المنطقة وضرورة عدم توقفها بحال من الأحوال .. الصهيونية والصليبية الاستعمارية تكره هذه الحركة وتريد تدميرها .. ومخططاتها الواضحة من كتبها ومن إجراءاتها ومن تقريراتها ومن دسائسها تقوم كلها على أساس أضعاف العقيدة الإسلامية، ومحو الأخلاق الإسلامية، وإبعاد الإسلام عن أن يكون هو قاعدة التشريع والتوجيه وذلك للوصول إلى تدمير العقائد والأخلاق، وبالتالي تدمير المقومات الأساسية للمجتمع في هذه المنطقة وإحداث انهيار يسهل معه تنفيذ تلك المخططات.. ووقف نشاط الإخوان حقق الكثير من هذه المخططات، وساعد على نشر الأفكار الإلحادية والانحلال الأخلاقي.

الإخوان المسلمون تدبر لهم المذابح في حادث المنشية وحادث طرة … جمعية الفلاح عن طريق أعضائها القريبين من رجال الثورة، تشحن الجو بالتوتر والمخاوف وتعمل على توسيع الهوة وتعميقها .. التعذيب والقتل والتشريد ينال الألوف من العناصر المتدينة المتماسكة الأخلاق، الأمينة المخلصة، وبيوتهم وأطفالهم ونساءهم.. إلى آخر هذه الصورة المفزعة الكئيبة .. هذه هي الحصيلة التي تجمعت لدي فيما بين سنة 1954 وسنة 1962، ليس معنى ذلك أنه لم تكن هناك أخطاء إطلاقاً في حركة الإخوان، ولكنها إلى جانب تلك الحصيلة تعد ضئيلة.

إن الحركة الإسلامية يجب أن تستمر. إن القضاء عليها في مثل تلك الأحوال يعد عملاً فظيعاً جداً يصل إلى حد الجريمة. إن الأخطاء الحركية يمكن أن تستبعد، ويمكن الاستفادة من التجربة في تجنبها..

خرجت من السجن، وفي تصوري صورة خاصة محددة لما يجب أن تكون عليه أية حركة إسلامية في الظروف العالمية والمحلية الحاضرة وصورة لخطوات المنهج الذي يجب أن تسير عليه. وقد ذكرت ذلك من قبل ولكني ألخصه هنا قبل البدء في التفصيلات :

1- المجتمعات البشرية بجملتها قد بعدت عن فهم وادراك معنى الإسلام ذاته . ولم تبعد فقط عن الأخلاق الإسلامية، والنظام الإسلامي، والشريعة الإسلامية. وإذن فأية حركة إسلامية يجب أن تبدأ من إعادة تفهيم الناس معنى الإسلام ومدلول العقيدة وهو أن تكون العبودية لله وحده. سواء في الاعتقاد بألوهيته وحده، أو تقدير الشعائر التعبدية له وحده، أو الخضوع والتحاكم إلى نظامه وشريعته وحدها .

2- الذين يستجيبون لهذا الفهم يؤخذ في تربيتهم على الأخلاق الإسلامية في توعيتهم بدراسة الحركة الإسلامية وتاريخها وخط سير الإسلام في التعامل مع كل المعسكرات والمجتمعات البشرية، والعقبات التي كانت في طريقه والتي لا تزال تتزايد بشده ، وبخاصة من المعسكرات الصهيونية والصليبية الاستعمارية.

3- لا يجوز البدء بأي تنظيم إلا بعد وصول الأفراد إلى درجة عالية من فهم العقيدة ومن الأخذ بالخلق الإسلامي في السلوك والتعامل ومن الوعي الذي تقدم ذكره.

4- ليست المطالبة بإقامة النظام الإسلامي وتحكيم الشريعة الإسلامية هو نقطة البدء. ولكن نقطة البدء هي نقل المجتمعات ذاتها - حكاما ومحكومين - عن الطريق السالف إلى المفهومات الإسلامية الصحيحة - وتكوين قاعدة إن لم تشمل المجتمع كله فعلى الأقل تشمل عناصر وقطاعات تملك التوجيه والتأثير في اتجاه المجتمع كله إلى الرغبة والعمل على إقامة النظام الإسلامي وتحكيم الشريعة الإسلامية .

5- وبالتالي لا يكون الوصول إلى إقامة النظام الإسلامي وتحكيم الشريعة الإسلامية عن طريق انقلاب في الحكم يجيء من أعلى، ولكن عن طريق تغير في تصورات المجتمع كله - أو مجموعات كافية لتوجيه المجتمع كله - وفي قيمه وأخلاقه والتزامه بالإسلام يجعل تحكيم نظامه وشريعته فريضة لا بد منها في حسهم !

6- في الوقت ذاته تجب حماية هذه الحركة، وهي سائرة في خطواتها هذه بحيث إذا اعتدى عليها وعلى أصحابها يرد الاعتداء. وما دامت هي لا تريد أن تعتدي ، ولا أن تستخدم القوة في فرض النظام الذي تؤمن بضرورة قيامه - على الأساس المتقدم وبعد التمهيدات المذكورة - والذي لا يتحقق إسلام الناس إلا بقيامه حسب ما يقرر الله سبحانه ، ما دامت لا تريد أن تعتدي ولا أن تفرض نظام الله بالقوة من أعلى فيجب أن تترك تؤدي واجبها وألا يُعتدى عليها وعلى أهلها . فإذا وقع الاعتداء كان الرد عليه من جانبها .

*** 

يتحدث  أحمد عبد المجيد وهو واحد ممن حكم عليهم بالإعدام مع الشهيد ثم خفف الحكم – أو على الأحرى شُدّد- إلى الأشغال الشاقة المؤبدة عن الهجوم الضاري على فكر الشهيد وعن الأكاذيب التي روجت حوله.. ويؤكد أن فكرة التكفير كانت بعيدة عن "قطب"، وأن التكفير لم يتبنَّه القريبون منه أو الذين تربوا على يديه، ولم يتبنَّه تنظيم 1965م، ولكن الذي تبنى التكفير هم الذين لم يتربوا على يد "قطب"، ولم يكونوا من الإخوان المسلمين، وأشار الأستاذ أحمد عبد المجيد  إلى حقيقة تاريخية وهي أن التكفير نشأ عام 1968م، وأنهم (أي قيادات تنظيم 1965) عاشوا في عزلة تامة في السجن الحربي لمدة تزيد على السنتين، وعندما تم ترحيلهم إلى سجن قنا فوجئوا أن قدامى الإخوان في السجن يسألونهم عما تردده الصحافة عنهم من أنهم يكفرون المجتمع ويسعون لقتل "أم كلثوم"، فكان الحديث مفاجأة، ويذكر الرجل أنه عندما أخبر عن "التكفير" لم يسترعِ الأمر انتباهه؛ لأن المسألة لم تكن مطروحة في فكرهم الذي فهموه من "قطب". 

وأشار -أيضا- إلى حقيقة، وهي أن الذي أطلق عبارة "نحن دعاة ولسنا قضاة " هو الشهيد "سيد قطب" وهي العبارة التي صارت منهجًا للإخوان في عهد المرشد الثاني للإخوان "حسن الهضيبي". 

***  

كلاب النار يحاولون الدس بين الشهيد وبين عامة المسلمين.. ولا يذكرون أبدا كم الحنان والحب الذي يحمله الشهيد حتى للعصاة.. 

يقول الشهيد:

إن العظمة الحقيقة: أن نخالط هؤلاء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم، وروح الرغبة الحقيقة في تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع.

ويقول:

إنه ليس معنى هذا أن نتخلى عن آفاقنا العليا ومثلنا السامية أو أن نتملق هؤلاء الناس ونثني على رذائلهم، أو نشعرهم أننا أعلى منهم أفقًا، إن التوفيق بين هذه المتناقضات وسعة الصدر لما يتطلبه هذا التوفيق من جهاد هو العظمة الحقيقة".

***

يواصل الدكتور القرضاوي

وكان الاعتقال هذه المرة أوسع دائرة من أية محنة سبقت، وقد جرى فيها من أساليب التعذيب ووسائله الوحشية والحديثة، ما لم يجرِ في المحنتين السابقتين في عهد الثورة، ولا في المحنة التي مضت في عهد الملك فاروق وحكومة النقراشي وإبراهيم عبد الهادي. 

ثم يتحدث الدكتور القرضاوي عن كيفية إخراج المؤامرة في صورتها التي أرادها الأخطبوط الصليبي الصهيوني بأذرعته في الداخل حين استقطب الأمن الباطش الجبار شخصا من الإخوان اشتروه بالإغراء، والتأثير بالوعد والوعيد، والعفو عنه من حبل المشنقة -وهو علي عبده عشماوي- فخارت قوته، وانهزمت إرادته، فسقط في أيديهم فريسة سهلة، وأمسوا يلقنونه ما يجب أن يقول، فيذعن لهم، ويصبح رجع الصدى لما يقولونه. وهذا الطريق من وقع فيه، فقد وقع في حفرة لا ينجو منها إلا إلى حفرة أشد منها عمقًا، ومن مضى فيه خطوة لم يستطع الرجوع عنها، ومن سقط السقطة الأولى ظل يسقط ويسقط، إلى ما لا نهاية، فقد غدا لا يملك من أمره شيئًا، غدا مسيّرًا لا مخيرًا، زمامه بيد غيره. لأن الذي يبيع نفسه للطاغوت، قد خسرها بالمرة، وهذا لون من الشرك بالله، الذي ينحط به الإنسان إلى أسفل الدركات "وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ" [الحج: 31]. 

وكان القبض على الإخوان المسلمين بتهمة أنهم يدبرون مؤامرة للعدوان على عبد الناصر وقتله، ويذكر الأستاذ موسى صبري -وهو كمسيحي لا يمكن أن يكون ضالعًا مع الإخوان- أن كل الثقات يؤكدون أن قضية الإخوان التي أُعدم فيها سيد قطب كانت من اختراع شمس بدران، وزبانية البوليس الحربي، وأنها مؤامرة وهمية، وأن التعذيب في هذه القضية هو قمة المأساة. 

حتى حلمي النمنم،  يتحدث عن حكاية سيّد قطب، الذي راح ضحية صمت الجميع، من حول عبد الناصر، رهبة أو نفاقاً، وينتقد هُزال المحاكمة، وعلى تلفيق التهمة، وعلى سرعة تنفيذ الحكم بالإعدام (بعد تسعة أيام من صدوره). فحلمي النمنم، يصل إلى نتيجة، بأن قرار الإعدام كان مضمراً قبل الاعتقال، وأن سيّد قطب، لم يفعل شيئاً يستحق حتى السجن بعد خروجه من الحبس في المرة الأولى، وأن قيادة "الإخوان المسلمين" في السجون وفي الخارج، كانت ضد أي عمل في ذلك الوقت، بل بلغ بعضها، حد الشكوك في سيّد قطب، بأن ما تناهى إلى أسماعهم عن محاولته إحياء التنظيم، إنما هو ملعوب أمني، للإجهاز على من تبقى من "الإخوان"!.

لكم هو مؤلم أن يقول حلمي النمنم ذلك.. لكم هو مؤلم أن ينطق بالصدق بعد أن تعودنا منه غيره..

فحلمي النمنم ليس شاهد عدل.. بل هو ظالم وغير موضوعي ولا منطقي ويحمل مواقف مبدئية ضد الإسلاميين عموما.. وليس أدل على ذلك من كتاباته عموما.. وعلى وجه الخصوص فقد كان من كبار مؤيدي حيدر حيدر في روايته الشيطانية: "وليمة لأعشاب البحر".. كما أنه في المؤامرة الأخيرة على الإخوان كان ملكيا أكثر من الملك في هجومه على ما سماه الاستعراض العسكري لطلاب جامعة الأزهر وخطورة ذلك على الأمة وضرورة أن تتخذ الدولة منهم موقفا حاسما.. لقد ظننت من غلوائه أنه سيطلب إعدامهم دون محاكمة- ألم يفت المفتي عليه من الله ما يستحقه بشيء مثل هذا؟- وفي نفس الوقت كان يقطر حنانا ورقة على الطالب الأزهري المفصول الذي كتب في مدونته سبابا فظيعا لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم.. مهاجما الحكم عليه بالسجن مطالبا بالرأفة وانتظار تغيراته الفكرية حيث أنه لم ينضج بعد.. حلمي النمنم هذا وبتركيبته الفكرية تلك يؤكد أن قضية سيد قطب كلها كانت ملفقة ولم تكن تستحق الإعدام ولا حتى السجن..

يا له من ألم..

ويا له من عار..

***

ألقى القبض على الشهيد سيد قطب يوم 9 أغسطس سنة1965 بعد أن قدم رسالة احتجاج إلى المباحث العامة بسبب القبض على أخيه الأستاذ محمد قطب . .  لم تشفع له سنه . . ولم يشفع له مرضه . . بل إنهم استغلوا هذه الأمراض جميعا في نوع التعذيب الذي تعرض له . . لقد ربطوه في كرسي  لمدة أربعة أيام وحرموه فها من الطعام والشراب وحرموه حتى من الماء " . وكانوا يسكبون الماء أمامه . . ومعروف أن مريض الكلى يحتاج إلى كميات كبيرة من الماء . . ولقد وصل الأمر بالشهيد سيد أنه أوشك على أن يفقد بصره وكان هناك نوع آخر من العذاب تعرض له الشهيد سيد قطب .. وهو ما أصاب أفراد أسرته لقد عذب ابن أخته رفعت بكر حتى أستشهد أمام عينيه وكان رفعت بكر أحب أولاد أخته إليه للشبه الكبير بينهما .

لقد كانوا – لعنهم الله ولعن تابعيهم إلى يوم الدين-  يريدون من رفعت بكر أن يكون شاهدا على خاله سيد قطب وعلى خالته حميدة قطب وعلى الحاجة زينب الغزالي فأرادوا منه أن يقول كلاما بعينه ولكنه رفض فاستمروا في تعذيبه حتى أنقذه الله من أيديهم واتخذه شهيدا .

وعذبوا أيضا عزمي بكر أخ رفعت واشتدوا أيضا في تعذيبه حتى أوشك أن يقتل مثل أخيه وكانوا يريدون منه أيضا ما أرادوه من أخيه رفعت .. ولم يقف الأمر عند ذلك فقد اعتقلوا السيدة نفيسة قطب أم رفعت وأم عزمي بكر وكان عمرها يزيد على الخامسة والستين وبقيت معتقلة في السجن حتى مقتل ابنها رفعت فتركوها تعود إلى البيت ..

واعتقلت أيضا الأخت أمينة قطب في السجن الحربي وظلت رهن الاعتقال فترة أطول من أختها الكبرى .. أما الأخت حميدة قطب وهى أصغر أخوات الشهيد سيد قطب فقد اعتقلت في السجن الحربي ولفقت لها تهمة وقدمت للمحاكمة وصدر ضدها حكم بعشر سنوات سجن قضت منها ست سنوات وأربعة أشهر بين السجن الحربي وسجن القناطر ..

***

كيف كنت يا حبيبي وهم يقتلونه أمام ناظريك.. كيف كنت...

سحقوا قلبك- يا حبيبي- كما سحقوا جسدك لكن روحك ظلت شامخة في عنان السماء تطل على أرواحهم النجسة و أخلاقهم النتنة في أسفل سافلين..

كيف كنت يا حبيبي وهم يقتلون ابنك أمامك.. نعم.. كان ابنه أو كابنه فالشهيد لم يتزوج ولم يكن له أبناء والمؤكد أنه كان يشعر نحوه شعور الأب نحو ابنه و أكثر..

كيف كنت وهم يقتلونه أمامك.. كيف استقبلت مشاعرك الحساسة مصرعه و أنت الرقيق الحساس الذي لم تحتمل عذاب قط أجرب في السجن كان الجميع يطاردونه فآويته وقاسمته طعامك وهو قليل..

هل بكيت يا حبيبي..

لقد بكيت لأمور أقل.. 

كان الشهيد سيد قطب ذا قلب كبير . . يحب الإخوان ويشفق عليهم . . ويحنو عليهم حنو الأب . . حدث أثناء خروج المجاهدين  للمحاكمة كانوا في انتظار العربات التي ستحملهم للسجن.. كان الشهيد في غرفة داخلية وكانوا هم في الفناء .. والتقت الأعين في صمت وراح الشهيد يتفرس في وجوههم  فابتسموا له وأظهروا له الثبات والصبر والجلد ما تقر به نفسه فما كان من الشهيد سيد إلا أن بكى ورفع يديه إلى السماء وأخذ يدعو لهم . . لقد بكى إشفاقا عليهم وحبا وحنانا ورقة.

إن كنت قد بكيت في مشهد كهذا يا حبيبي فماذا فعلت وهم يقتلون ابنك.. و أمام عينيك..

***

تحدث محمد حسنين هيكل في إحدى حلقاته على قناة الجزيرة 16 / 6 / 2005 عن تجسد الرمز في حياتنا وكيف يمكن أن يعبر تعبيرا صادقا عن حالة أوسع بكثير فيعطي مثالا على ذلك – إذ يضرب المثل على حال العرب قبل وبعد 7 أكتوبر 1973-  القصة التي كتبها أوسكار وايلد 'دوريان جراي' و مؤداها باختصار أن شابا خلقه الله ومنحه حسنا وجمالا إلي أقصي حد.. ورسم فنان لهذا الشاب صورة ووضعت في قاعة عرض في لندن ودخل الشيطان وأطل علي هذه الصورة وذهل أن يوجد إنسان بهذا القدر من البهاء والروعة  وسأل عنه فعلم أنه شاب مستقيم جدا لأنه يريد – من خلال استقامته-  أن يحافظ على جماله وبهائه.. فذهب إليه على الفور وعقد معه صفقة.. وراح  يغويه فقال له الشاب إنه راغب في أن يحافظ علي ما حباه به الله كما هو فعقدوا صفقة مؤداها أن يفعل 'هبري' كل ما يشاء من خطايا مع 'دوريان جراي' دونما أن تظهر الآثار علي وجه الشاب وبدلا من ذلك تظهر الآثار علي الصورة، وبالتالي تتحمل وزر كل ما يفعله دون أن يتحمل هو، وتم عقد الصفقة مع الشيطان وبدأ يعيش الحياة ولم يترك خطية إلا وأقدم عليها وهو مطمئن أن الصورة تتحمل وزر هذه الخطايا لكن جماله باق كما هو.. حتى استبد به الفضول لرؤية الصورة التي يخفيها الشيطان بستارة.. تشوق ليعرف تأثير حياته علي صورته.. فتسلل ذات يوم وطلع وفتح الباب ودخل وأزاح الستار عن الصورة فوجد وجها بشعا لم يتصوره ومن غيظه أخذ سكينة ضرب بها الصورة وعندما ضربها انتهي العقد مع الشيطان فإذا بالصورة نفسها تتحول ملامحها إلي ما كان عليه من جمال والقبح كله يظهر علي وجه الشاب.. وهذه هي النتيجة لحظة مواجهة الحقيقة التي يحاول الناس أن يداروا عليها.. ما حدث عندنا ولدولنا هو بالضبط صورة 'دوريان جراي'.

يواصل هيكل: اللي حصل إنه قبل 6 أكتوبر 1973 تبدي العالم العربي علي صورة كاملة جميلة مليانة كبرياء حلوة التقاطيع قادرة علي أن تقف وتقاتل في معركة مصير وحطت كل مواردها في سبيل ذلك ولها أصدقاء في العالم بلا حدود: الاتحاد السوفيتي ¬ الهند ¬ الصين ¬ أوربا كلها متعاطفة ¬ آسيا ¬ أفريقيا ¬ وبدا مساء 6 أكتوبر العالم العربي علي أجمل صورة .. 

دعونا الآن من تلفيق يكاد يدفع للبكاء وهو– هيكل-  يصف صورتنا قبل 6 أكتوبر 1973 بالرونق والبهاء لكي تتحول بعد 7 أكتوبر 1973 إلى صورة بشعة ( لأنني واثق أن البعض لن يصدق أن هيكل يمكن أن يصل إلى هذه الدرجة البائسة من فقدان القدرة على الحكم على الأمور فإنني أنبهه أن نص المقال موجود على موقع قناة الجزيرة حيث نقلته منه حرفا بحرف) .. لكن تلك ليست هي قضيتنا الآن.. فقضيتنا هي الفعل البشع الحيواني الدنس المجرم الخائن المجنون الذي يظهر بمظهر خادع مليء بالبراءة والجمال والطهر والجلال.. 

يا محمد حسنين هيكل..

أولي بك أن  تقصد بإحالتك إلى قصة دوريان جراي قصتك أنت..شكلك أنت .. مظهرك أنت.. جوهرك أنت..و أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى أن تقصد مظهر جمال عبد الناصر ومخبره.. ومظهر ثورة 23يوليو ومخبرها..

***

لم يكن محمد حسنين هيكل يدرك وهو يتحدث عن قصة أوسكار وايلد  "دوريان جراي" أنه يستعمل حيل النفس المريضة لتبرئة الذات الآثمة.. يستعملها للتزوير وبالتزوير.. و أنه لم يلجأ إلى التسامي أو التعويض أو الاحتواء و إن كان قد لجأ إلى الإسقاط والتقمص والتعويض والتفكيك والتبرير والإنكار والإبطال والنسيان والإزاحة والتعميم والتكوين العكسي والإبدال.. إلا أننا نكتفي بتعريف الإسقاط من هذه الحيل جميعا فهو يشير – و إن لم يغن- عن الآليات الأخرى: فالإسقاط هو أن ينسب الفرد ما في نفسه من عيوب إلى الآخرين.. كما أنه في خضم عملية الإسقاط تلك يلجأ إلى أحلام اليقظة فيقلب فيها الحقائق أو يبدلها لتتواءم مع بنائه المقلوب، وليقدم تفسيرا منطقيا – من وجهة نظره- لاستنتاجات مستحيلة.. كأن يقول أن صورتنا الجميلة قبل 73 قد تحولت إلى صورة قبيحة بعدها.. وأننا في 73 فعلنا ما فعله بطل أوسكار وايلد.. حين قمنا بطعن الصورة فبدت بشاعة الواقع..

والحقيقة أن هيكل هو الذي يقلب الواقع..

والكارثة أن عملية قلب الواقع هذه لم تكن استثناء.. بل لعلها كانت القاعدة في حياته كلها في علمانية شاملة براجماتية وحشية كاسحة مخيفة تجعل هدفها ليس إظهار الحقيقة بل إخفاءها وخلق شبه حقيقة أو أشباه حقائق موازية لا تمت للحقيقة الحقيقية بصلة.. إن علاقتها بالحقيقة كعلاقة الشبيه"الدوبلير" بالبطل.. أما وظيفتها فهي الحلول محل الحقيقة بعد إزاحتها لإخفائها.. 

يحدد هيكل  هدفه- دون أي ارتباط بالقيم والأخلاق والحلال والحرام والصواب والخطأ  والتاريخ والجغرافيا.. ودعنا الآن من اقتناعه بصدق ما يفعل فلم يعد يهمنا إذا كان في الشاطئ الآخر بالعمالة أو بالأصالة- وبعد أن يحدد ذلك الهدف يقوم بتحديد الوسيلة المثالية لإقناع الناس بما يقول .. وبذكاء فذ يمارس ذلك فيقلب الحقيقة بتغيير لفظ.. وإنني أرجو القارئ الرجوع إلى العمل الأدبي الهائل:" الصخب والعنف" للكاتب الأمريكي الشهير وليم فوكنر.. أو رواية "أفراح القبة" لعملاق الرواية العربية نجيب محفوظ(بالمناسبة كان سيد قطب هو أول من تنبه ونبه لموهبة محفوظ. يقول نجيب محفوظ: أول ناقدَيْن كَتَبَا عن مؤلفاتي في مجلة "الرسالة" هما : سيد قطب وأنور المعداوي ، فقد كان لهما الفضل في انتزاعي من الظلام إلى النور) .. ففي الروايتين المذكورتين يكفي تغيير كلمة لقلب المعنى بل ولتشكيل رؤية جديدة ورواية تتناقض مع الرواية السابقة التي لا تختلف معها إلا في لفظ أو نحوه.. أو حتى في إعادة ترتيب الأحداث دون تغيير الألفاظ لتعطي معنى مناقضا.. وهذا بالضبط هو ما برع فيه محمد حسنين هيكل حتى أنه يحاول إقناعنا بتلك الفرضية المستحيلة التي أشرت إليها لتوي عن صورتنا الجميلة - نحن العرب- التي انقلبت إلى قبيحة يوم 7 أكتوبر 1973..

يا محمد حسنين هيكل..

قصة دوريان جراي ليست رمزا لصورة العرب قبل 73 وبعدها..بل كانت ترمز لك أنت.. وكأنما شعر عقلك الباطن بأن زمانا سيأتي ليستعمل فيه أحد المفكرين هذا الرمز ضدك فبادرت بإسقاطه على غيرك.. 

يا محمد حسنين هيكل.. 

أولي بك أن  تقصد بإحالتك إلى قصة دوريان جراي قصتك أنت..شكلك أنت .. مظهرك أنت.. جوهرك أنت..و أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى أن تقصد مظهر جمال عبد الناصر ومخبره.. ومظهر ثورة 23يوليو ومخبرها..

أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى أن تقول أنك بطل دوريان جراي..من البداية للنهاية.. إلا أن الطعنة النهائية – رغم كل الكوارث التي ترتبت على الثورة-  لم تُطعن بعد.. ولا مدى بشاعة الواقع قد اكتُشفت حتى الآن..

يا محمد حسنين هيكل.. 

أين كنت ساعات التعذيب والقهر والقتل..

أين كنت أيها المتنبئ المذموم لإله مزعوم..

أين كنت من التعذيب والقهر وإهدار الآدمية والإذلال وقمع الفكر وسيادة الغوغائية والسوقية والجهل والاستعراض الذي دمر البلاد في النهاية..

أين كنت من الكذب.!..

أين كنت من التزوير؟!..

أين كنت من إعادة صياغة التاريخ لتعلى الباطل وتحاول إطفاء نور الحق؟!..

أين كنت وأنت تمارس خطتك البشعة الرهيبة التي وصلت إلى أنه لا يمكن لفكرك أن ينتصر في وجود الإخوان فكان قرارك وقرار وليك وربيبك بالقضاء عليهم وفي محاولتكم تلك كنتم ترفعون شأن إسرائيل عاليا في السماء..

أين كنت وزعيمك و إلهك  يعترف و يصرخ بأن الإخوان المسلمين أخطر عنده من اليهود..

كنت أنت أذكى من أن تعترف بهذا الاعتراف الفادح الفاضح لكنك كنت تضمره..

يا محمد حسنين هيكل.. 

أمط اللثام عن صورتك البشعة أيها النبي المزعوم وعن صورة إلهك الموهوم..

أمط اللثام كي يدرك الناس كم كان جوهركم وحشيا ومخيفا وبلا ضمير..

كانت الصورة فقط هي الجميلة..

أما الأصل فقد كان – من البداية للنهاية- غاية في الشراسة والإجرام والقبح..

*** 

نعم..

لقد قاموا بعملية تزوير شاملة للتاريخ, عملية لا يمكنني حتى في كتاب كبير أن أحيط بها..

عملية شارك فيها ملايين الأشخاص وآلاف الهيئات والمؤسسات والأجهزة  لعشرات من السنين بهدف قلب الحقيقة..

عملية شيطانية لا تقتصر في الاستناد إلى مداها الزمني بل تمد جذورها إلى قرون متطاولة دأب فيها اليهود والصليبيون – حيث امتدت جذور هيكل وقومه- على تشويه الإسلام والمسلمين مستعملة كل آلياتهم وإمكانياتهم وقدراتهم وتاريخهم وفلسفاتهم وتزويرهم و أكاذيبهم وسيطرتهم على كل شيء من إعلام و إعلان وصحافة وتلفاز ومسرح وسينما ورواية وشعر وكراسي دراسات جامعية و أكاديمية  و أبحاث ودراسات وجامعات وهيئات تتستر تحت غطاء دولي وهي في الأصل تابعة لأجهزة مخابرات..

عملية تقبع فيها عبقرية الشيطان وهي العبقرية التي يلخصها كتاب خطير للكاتب الفلسطيني الأمريكي المسيحي إدوارد سعيد:"الاستشراق" والذي حاول فيه بطريقة فذة أن يتقصى الآليات المذهلة لقلب الحقائق.. وليس مجرد عملية القلب وحدها.. فالأنكى إقناع الضحية برأي عدوه فيه..

نعم .. بعد أن تقرأ كتاب إدوارد سعيد ستكون خلاصة القراءة أن الأمر يشبه خيالا مروعا .. أخطر ما فيه أنه لم يعد خيالا !! هذا الخيال الذي لم يعد خيالا يعبر عن لص طاغوت مجرم سفاح قاتل.. ولكن أمر هذا اللص غريب.. وأغرب ما فيه أنه جعل الغريب طبيعيا والطبيعي غريبا..فهذا الطاغوت اللص  هو الذي يحدد قضاته.. وهم في الحقيقة والواقع خدمه وجزء من عصابته حتى لو لم يعترفوا.. وهو الذي يشرف على تحريات الشرطة عنه فيعتمد منها ما يشاء ويطمس ما يشاء.. فالشرطة التي كانت خدم السلطان كما عرفها الفيروزبادي قد أصبحت الآن خادمة اللص الطاغوت..  ثم أن هذا اللص هو الذي يختار القانون هو الذي يوجده ويلغيه ويعدله .. وهو بالطبع قانون لا يمكن أن يحاكم به..فهو مفصل له.. بل وهو الذي يضع الدستور ويستفتي عليه ويزور نتائج الاستفتاء بوقاحة وبشاعة.. ثم أنه قبل ذلك كله محصن ضد المحاكمة..  فضلا عن أنه  مصدر السلطات كلها.. لا سلطة لسواه..  وهو الذي – بسطوته - يعيّن المسئولين.. ويكافئ شركاءه في العصابة من أموال ضحاياه.. إنه يدرك أن الناس هم أعداؤه.. لذلك لا يكف عن إضعافهم بسلب الأغراض وهتك الأعراض ونشر الأمراض.. خاصة  أن سطوته وصلت إلى أجهزة الإعلام التي أغدق عليها الملايين من جيوب الضحايا أيضا.. فراحت هذه الأجهزة تعلي دوره وتمجد جوره.. وتهلل لفجوره.. وتهاجم أعداءه.. وتمهد الناس بهذا الهجوم لتقبل قيام الشرطة المخصخصة للقبض على هؤلاء الأعداء.. وللقضاء بالحكم الرادع عليهم..  وبالمال والسلطة والسطوة يطمس اللص الحقائق ويخلق الأكاذيب.. ينشر المحن ويخلق الإحن وينثر الفتن.. إنه يدمر مجتمعه كي يظل هو الأكبر.. تماما كما تنبأ جورج أورويل في روايته العبقرية 1984.. بل و أبشع مما تنبأ.. لأن هذا اللص المجرم لم يكتف بكل ما ذكرت.. لقد مد أحابيله إلى الجامعة فكبلها وسيطر عليها فأصبحت الأبحاث الأكاديمية التي تكشف أمره تحارب وتعدم.. كذلك كاتبوها.. وتصبح رايات الباطل أعلى من رايات البغاء وفي كل عند هذا اللص خير..ولقد مد سطوته إلى الأدباء والكتاب والمفكرين.. فأدخلهم في حظيرته.. ليصبحوا أبواقا له.. حملة مشاعل تزوير لا تنوير.. وهي مشاعل تحرق وتخنق ولكنها لا تضئ..إنها تطلق الدخان الكثيف لتخفي الحقائق.. وليتمكن ذلك اللص الفاجر من إخفاء ما يفعل.. تحت ستار دخان المثقفين والكتبة.. إنه يحدد حتى أنواع الأفلام التي يجب أن تفوز.. والروايات التي ينبغي أن تحصد الجوائز.. والمسرحيات التي يفسح لها المجال لتشخص.. كما يتكفل بالتعتيم والإظلام على كل من لا يسايره.. فكأنه قتله.. إن لم يكن على المستوى المادي فعلى المستوى المعنوي..إنه يشهر من يريد أن يشهره.. وينشر ما يريد أن ينشره.. ويخفي ما يريد ومن يريد أن يخفيه..أما من يعتصم بحبل ربه من هؤلاء و أولئك.. فإن ذلك اللص قادر بكل ما سيطر عليه أن يتعقبهم ويحاصرهم بل و أن يشردهم ويسجنهم أيضا.. وأن يسومهم سوء العذاب.. فقد أنساني العذاب أن أقول لكم أنه استولى على السجن أيضا.. فأطلق منه المجرمين كي يكونوا حاشيته وسدنته وجمهوره وأعوانه.. وسجن فيه كل من يصر على أن يسمي الأشياء بمسمياتها فيقول له:

- برغم كل شيء فلست إلا لصا ومجرما وقاتلا ومزورا وخائنا وعميلا.. ثم أنك وحش مفترس..

هؤلاء لا يعكر عليهم اللص دنياهم فقط.. بل ويحاول الإيهام بأنه يتحكم في آخرتهم أيضا.. لقد ظن أنه قادر عليها .. فقد  استولي فيما استولى.. وسيطر فيمن سيطر على شيوخ المدينة ليفتوا بما يرى ويمنحوا صكوك الغفران لمن يريد ويمنعوها عمن يشاء..فيحكمون بما قرر اللص لا بما أنزل الله..  فإذا بعبدة الشيطان أبرارا وإذا بعباد الله كفارا.. ففي ذلك الوسط الجهنمي يوجد أيضا حسنات وذنوب و إن اختلف المعنى.. ويوجد أيضا كبائر.. أما أكبر الكبائر فهي الصدق والإخلاص والأمانة والشرف.. إنها إهانة مباشرة لعالم اللص الطاغوت أو الطاغوت اللص.. واتهام لأن جهوده لم تتكلل كليا بالنجاح.. لذلك تكون عقوبته للمتهمين بالصدق أوالإخلاص أوالأمانة أوالشرف عقوبات رادعة.. بل عقوبات مجتثة.. تستهتدف استئصال الفعل  وليس مجرد الفاعل.. تبدو هذه الصفات خطرا شديدا.. ومجرد ممارستها هي بالتأكيد محاولة لقلب نظام اللص الطاغوت.. في هذا العالم الجحيمي يوجد أيضا حسنات.. وهي تعرف بالضد.. فالكذب والغش والخيانة والدنية هي مسوغات العلا.. كلما كبرت كلما كبر منصب حاملها وازداد قربا من الطاغوت اللص واللص الطاغوت.. وفي هذا العالم  فإن كبيرة الكبائر هي محاولة كشف الكذب والإعلان عن الغش وفضح الخيانة والاشمئزاز من الدنية والحقارة.. كبيرة الكبائر تلك هي اتهام نهائي بالإرهاب.. اتهام نهائي يستحق أقصى درجات العقاب وحتى دون العرض على القضاء المزيف المغشوش.. أو محاكم اللص الطاغوت المخصخصة.. بل يستحق الموت.. وكل الجرائم الأخري قد يمكن العفو عنها إلا تهمة الإرهاب تلك..

ويظل هذا ما يردده الجميع ولا تكف كل الأجهزة والمؤسسات والهيئات وكتب التاريخ ومحاضرات الجامعة ومقالات الصحف ومنهج التاريخ عن ترديده..

ويظل الصدق ممنوعا والكذب متبوعا والإخلاص مقطوعا والغش ينبوعا  والأمانة جوعا  والعدل منزوعا وقلبك موجوعا  أما سبيل القرب من الطاغوت فهو أن تكون الأكثر خضوعا و بالشر ولوعا وللخير منوعا وللفاحشة ذيوعا .. وفي كل الأحوال يجب أن يكون الجهاد ممنوعا وموضوعا ومرفوعا..

فكيف يمكن الوصول إلى الحقيقة إذن في وجود هذا الوضع الجهنمي ..

كيف..كيف..كيف..

نعم..ثمة عملية تزوير شيطانية شاملة يصبح استقصاء الحقيقة بعدها عصيا كالمستحيل لولا قبس من نور الله الذي يأبى إلا أن يظهر نوره ولوكره العلمانيون !

***

لكم هي محنة أن أتصدى وسط هذا الطوفان كله-  للكتابة عن الشهيد العظيم- أحسبه كذلك- سيد قطب.. 

نعم..محنة.. و أي محنة.. خاصة مع الكم الهائل من التزوير والكذب الذي أحاط بالشهيد وبجماعته..

محنة أكابدها مروّعا ووجلا أشد الوجل من انقلاب الدائرة علىّ.. فقد بدأت الكتابة راجيا من الله العلىّ القدير أن يجعل ما أكتبه في ميزان حسناتي يوم القيامة.. وإذا بي بعد عامين من الكتابة.. إذ أشرف على النهاية أدعو الله أن أنهي هذا الأمر لا ليَ ولا عليّ.. فقد بت أخشى أن يكون في ميزان سيئاتي لا حسناتي.. ذلك أنني أعلم و أشعر أن الشهيد أكبر جدا مما وصفت.. و أنني كنت إزاء مشروعه الفكري العقدي.. مثل نملة تحاول أن تحيط بجبل.. ولم تكن بالطبع تستطيع.. فوقفت على صخرة على السفح .. وسجلت ما رأته بعينها الكليلة من زاويتها الضئيلة في مساحتها القليلة لتقوم بمهمتها المستحيلة.. ثم عادت النملة إلى قومها.. وهم- القوم- بالمناسبة غثاء كغثاء السيل.. لتقول لهم:

- ها أنذا قد أحطت بالجبل كله فانظروا.. أدركت ما فيه وما يعنيه وما يظهره وما يخفيه فانظروا..

***

في فترات كثيرة أثناء الكتابة.. كنت أود أن أولي فرارا ممتلئا رعبا مقرعا نفسي :

- ما الذي يدفع واحدا– مثلي – أن يكتب عن الشهيد العظيم إن شاء الله.. كيف امتلكت هذه الجرأة.. جرأة كجرأة طالب طب على الإقدام على إجراء عملية جراحية كبرى كنقل القلب مثلا.. أو أنني في مثل آخر كنت أخدع الناس بعد أن انتحلت شخصية عالم في الجيولوجيا يعرض قطعا من الزجاج الملون على أنها نماذج وعينات من الماس..

وفي فترات كثيرة أثناء الكتابة.. وحينما كنت أحيل إلى فقرات من الظلال أو المعالم..أو من كتابات الشهيد الأخرى.. كنت أغوص فيما أقرأ .. و أظل أغوص و أغوص و أغوص.. حتى أنسى أنني أقرأ جزءا لأحيل إليه.. فأواصل القراءة وأنسى الكتابة.. أتلاشى من الرعب الرعيب  و أنفجر من الأمل وأثمل من النشوة وأذوب من الألم.. و أُوصَلُ حتى أحسب أنني لن أُهجر أبدا.. و أُهجر حتى أظن أنني لن أُوصل أبدا..أحلق في سماء الرحمة فأظن أنني لن أدخل النار قط.. ثم أهبط لأغوص في بحار العدل فيلطمني طوفانه فأحسب أنني لن أخرج من النار أبدا.. أتلاشى مع المعاني ثم أولد ثم أثلاشى ثم أولد ثم أتلاشى ثم أولد..  أتلاشى فأتمني من رعب الحساب لو أنني لم أولد أبدا.. وأولد فأتمنى من الطمع في حلاوة اللقاء وجلاله ألا أغيب أبدا..  ثم عندما أؤوب إلى نفسي أتساءل في دهشة:

- ما الذي أوقعني في هذا الأمر.. ألم يكن أولى بي أن أوفر كل هذه الأوراق التي سوّدتها شهرا بعد شهر.. و أن أستعيض عن كل ما أكتب بنشر فصول من الظلال أو المعالم.. لأقف أمامها قارئا – لا كاتبا – كبقية القراء..

و أتصور السؤال يواجهني يوم القيامة فيتساقط لحم وجهي خجلا.. سؤال يقول:

- هل كان هذا كل قصارى جهدك في الكتابة عن الشهيد؟..فقط.. مجرد هذا.. أيوزن كل ما كتبت وقرأت وسفحت من حبر ودموع بقطرة دم سفكت منه أو بضربة سوط أصابته؟.

***  

ألم يكن من الأولى أن أترك هذا الأمر كي يوسد أهله؟..

ألم يكن من الأولي أن أتركه للمرشد الثاني المستشار حسن الهضيبي يقول عن كتاب الشهيد سيد قطب ( معالم في الطريق) :

" إن هذا الكتاب حصر أملي كله في سيد، ربنا يحفظه، لقد قرأته وأعدت قراءته وأعدت قراءته، إن سيد قطب هو الأمل المرتجى للدعوة الآن.."

ألم يكن من الأولي أن أتركه للمجاهد الشهيد عبد الله عزام يقول لنا عنه:

"والذين دخلوا أفغانستان يدركون الأثر العميق لأفكار سيد في الجهاد الإسلامي وفي الجيل كله فوق الأرض كلها ، إن بعضهم لا يطلب منك لباسا وإن كان عاريا ولا طعاما وإن كان جائعا ولا سلاحا وإن كان أعزلا ولكنه يطلب منك كتب سيد قطب".

ألم يكن من الأولي أن أتركه للمجاهد الأستاذ عمر التلمسانى المرشد العام الثالث للإخوان  المسلمين رحمه الله ليقول عنه:

"إنه داعية إسلامي، ‏من عيون دعاة المسلمين، ظلمه من أخذ كلامه على غير مقاصده، ومن هاجموه متجنين  لما رأوا من عميق تأثير كلماته وكتاباته على الشباب الطاهر النظيف.... "

‏ ألم يكن من الأولي أن أتركه للمجاهد الأستاذ أحمد عبد المجيد أطال الله عمره ليقول عنه: 

‏"كان سيد قطب رحمه الله رحيما لا يغضب إلا للحق . وما رأيته مرة واحدة غاضبا، عف اللسان حتى عند ذكر أعداء الله، لطيف المجلس، ‏حلو المعشر لا تفارقه الابتسامة الوقور، ‏ذو دعابة مؤدبة، رقيق المشاعر، مرهف الحس ... إذا سألت أو ناقشت يستمع إليك، ‏حتى تنتهي من كلامك تماما ‏ولا يقاطعك ولا يعرض  برأيك ولو خالفته الرأي، ولا يرفع صوته حتى ولو رفعت صوتك، ولا ‏ينفعل حتى لو انفعلت". . . 

(وبالمناسبة فإن كتب الأستاذ أحمد عبد المجيد مصدر رئيسي لهذا الفصل من الدراسة خاصة كتابه: سيد قطب بين مؤيديه ومعارضيه- كتاب المختار.. وبالمناسبة فما أشد عتابي على التقي النقي الورع – أحسبه كذلك- الأستاذ أحمد عبد المجيد.. فهل يجوز أن نورد في كتاب من كتب السيرة مقالة لأبي لهب –تبت يداه- أو لأبي جهل عن الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم؟!؟؟ والإجابة بالطبع لا.. إذن.. فكيف جاز أن يستشهد بمقالات لصلاح عيسى عن الشهيد..).

***  

‏ ألم يكن من الأولي أن أهرب من هذا الأمر كله و أن أتعلق  بزمرة المساكين كي أحشر معهم.. لماذا عرضت نفسي للامتحان.. وهو امتحان قد أرسب فيه و أفشل فيتحول دفاعي عن الشهيد إلى إساءة له بعدم القدرة على إبراز فكره كما يجب أن يكون الإبراز والتصدي للهجوم عليه كما يجب أن يكون التصدي..

***  

‏ ألم يكن من الأولي أن أترك هذا الأمر للأديب المفكر العالم  الأستاذ علي الطنطاوي رحمه الله ليقول عنه: 

  " كتاب التصوير الفني في القرآن فتح والله جديد وسيد قطب وقع على كنز من كنوز القرآن كأن لله ادخره له فلم يعط مفتاحه لأحد قبله حتى جاء هو ‏ففتحه.."

‏ ألم يكن من الأولي أن أتركه الأستاذ محب الدين الخطيب رحمه الله ليقول عنه:

"لقد برهن سيد قطب بمواقفه في عهد الطغيان على أنه يحسن القول في تأييد الحق يوم يتجهم وجه الباطل القوى للحق".. 

ألم يكن من الأولي أن أتركه الشيخ سلمان العودة يقول لنا عنه:

"حمل لواء الجهاد في سبيل الله بالكلمة الصادقة - كما نحسبه والله حسيبه - ومات وهو على كلمة الحق التي دعا إليها"

"والذي أدين الله به أن الأستاذ سيد قطب من أئمة الهدى والدين، ومن دعاة الإصلاح، ومن رواد الفكر الإسلامي.. سخّر فكره وقلمه في الدفاع عن الإسلام، وشرح معانيه، ورد شبهات أعدائه، وتقرير عقائده وأحكامه، على وجه قلّ من يباريه أو يجاريه في هذا الزمان. وكان حديثه حديث المعايش الذي لابس همّ الإسلام قلبه ، وملك عليه نفسه ، قد شغله الحزن على الإسلام ، والغضب له ، حتى عن ذاته وهمومه الخاصة ".

ألم يكن من الأولي أن أتركه للشيخ عبد الرحمن الدوسري يقول لنا عنه ردا على من عاتبه على الاستشهاد بالشهيد وقد كان حليق اللحية:

"إذا كان الشهيد سيد قطب بلا شعر في لحيته، فهو صاحب إحساس وشعور، وإيمان ويقين، وعزة وكرامة، وغيرة على الإسلام والمسلمين، قدَّم روحه فداءً لدينه، واستشهد في سبيل الله طلباً لمرضاته، وطمعاً في جنته، وقال قولته المشهورة حين ساوموه ليرجع عن موقفه: لماذا أسترحم؟ إن سُجِنتُ بحقٍ، فأنا أرضى حُكم الحق، وإن سُجِنتُ بباطل، فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل، إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفاً يقر فيه حكم طاغية"، هذا هو سيد قطب، فأين أصحاب الشَعْر بلا شعور من مواقف الرجال".

ألم يكن من الأولي أن أتركه للأستاذ : حسن عاشور يقول لنا عنه:

"قليلون جدًّا هم الذين لا يستطيع كاتب أن يقدمهم إلى القراء مهما أوتي من العلم والمعرفة ، أو برز في صناعة القرطاس والقلم... ومن هؤلاء الشهيد الخالد سيد قطب .. فحسب هذا العالم المبرَّز أن يُشار إلى ما يكتب بعبارة واحدة تقول: "بقلم سيد قطب" فقد استطاع هذا العملاق الفذ خلال عدة سنوات أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه ، وأن يحتل مكانة في فترة وجيزة بين أصحاب الأفهام ، والفقهاء العظام ، والأئمة الأعلام ، فكان إنتاجه العلمي زادًا لكل عالم ، ومادة لكل كاتب ، ومدادًا لكل باحث عن الحقيقة المجردة!!"

ألم يكن من الأولي أن أتركه لأستاذه : الأستاذ الدكتور مهدي علام يقول لنا عنه:

"إنه لو لم يكن لي تلميذ سواه لكفاني ذلك سرورًا وقناعة واطمئنانًا إلى أنني سأحمِّل أمانة العلم والأدب مَن لا أشكُّ في حسن قيامه عليها، وقصارى القراء أن أقول لهم إنني أعد سيد قطب مفخرة من مفاخر دار العلوم ، وإذا قلت دار العلوم ، فقد عنيت دار الحكمة والأدب.."

( هل تتصورون أن اسم الشهيدين حسن البنا وسيد قطب قد رفع من كل مطبوعات احتفالات كلية دار العلوم بمئويتها.. كان الطاغوت اللص يزيح حقيقة ليحل محلها باطلا وزورا)..

ألم يكن من الأولي أن أتركه للأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين يقول لنا عنه:

"هو سيد قطب... الشهيد... الداعية ... المفكر...الإمام، وهو جدير أن يوصف بهذه الألقاب ، وأن يجمع كل هذه الوظائف ، التي يكفى واحدة منها لتجعل صاحبها في مصافِّ الخالدين... فكيف بمن جمعها كما لم يجمعها أحد قبله "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل منهم" ... إنه خط الدعوة الإسلامية طريقها وجدد طاقتها إلى قرنين قادمين من الزمان على الأقل .......... إن الذي يقرأ كلام سيد قطب في تفسيره - بخاصة - وسائر كتبه الحركية بعامة - يشعر أن هذا كلام ليس تراكيب لغوية تنتمي إلى أساليب الكتاب المحترفين ومهارات المتفننين .. بل كان جنينًا في رحم المعاناة ، وكان غذاؤه روح كاتبه ، وكانت حروفه من نبض قلبه وذوب وجدانه.."

ألم يكن من الأولي أن أتركه لقطب من أقطاب الجماعة هو اللواء صلاح شادي، في كتابه: الشهيدان: "حسن البنا وسيد قطب "  يقول لنا عنه يقول: 

"لقد كان حسن البنا البذرة الصالحة للفكر الإسلامي، وكان سيد قطب الثمرة الناضجة."

ألم يكن من الأولي أن أتركه للأستاذ عبد البديع صقر يقول عنه:

"إنه الرجل الذي كتب عشرين مؤلفًا ، منها ثلاثون مجلدًا سماها " في ظلال القران " حياءً من الله أن يسميها تفسيرًا للقرآن ، الرجل الذي ترك عمله مستشارًا لوزارة التربية ليكتب للمسلمين ، ويعيش على الكفاف ، ثم طاف القارات مبشرًا بالإسلام. الرجل الذي تعرف على دعوة الإخوان المسلمين، وظل عشرة أعوام فيها يربى ويوجه ثم يقول : لم أبلغ عند نفسي أن أكون عضوًا في هذه الجماعة( جملة اعتراضية: هل يمكن أن يأتي جاهل من هواة تصيد الكلمات والتفسير الحرفي الغبي لها ليقول لنا أن سيد قطب ليس من الإخوان المسلمين فقد اعترف بلسانه أنه لم يبلغ عند نفسه أن يكون عضوا في الجماعة)..ويواصل الأستاذ عبد البديع صقر : ".. وتوالت الأيام فاستشهد سيد قطب بعد سجن بلغ ثلاثة عشر عامًا ، وتعذيب لم تكن تطيقه الفيلة ، مع أنه لم يقتل ولم يسرق ولم يؤذ قط."

ألم يكن من الأولي أن أتركه للأستاذ المرشد محمد مهدي عاكف يقول عنه:

الشهيد سيد قطب- رحمه الله- كان أديبًا وعالمًا فذًّا، وأفكاره لم تكفر مسلمًا. إن سيد قطب كان مفسرًا رائعًا وصاحب أدبيات مبدعة, إذا قرأها مَن يمتلك فقهًا إسلاميًّا يزداد إيمانًا وقوةً، وإذا قرأها مَن لا فقه له ولا علم يمكن أن يؤلها تأويلاً خطأً؛ حيث قد يُخيل إليه أن كتابات الشهيد تُكفر الناس. 

ألم يكن من الأولي أن أتركه للشيخ عبدالعزيز آل الشيخ حفظه الله مفتي المملكة العربية السعودية والتي يقول عنه وعن كتبه –خاصة الظلال-:  

والكتاب (في ظلال القرآن)  له أسلوب عال في السياق، أسلوب عال ، هذا الأسلوب الذي كتب به السيد كتابه قد يظن بعض الناس بادئ بدء من بعض العبارات أن فيها شركا أو أن فيها قدحا في الأنبياء أو أن وأن .. ، ولو أعاد النظر في العبارة لوجدها أسلوبا أدبيا راقيا عاليا لكن لا يفهم هذا الأسلوب إلا من تمرس في قراءة كتابه ، والكتاب لا يخلو من ملاحظات كغيره لا يخلو من ملاحظات و لا يخلو من أخطاء ".. ثم يستطرد:" لكن ينبغي الإنصاف والاعتدال وأن لا نحمل ألفاظه فوق ما يحتمله ، ما نحمل الألفاظ فوق ما تحتمله ، ولا نسيئ الظن . 

ألم يكن من الأولي أن أتركه للشيخ المجاهد ، أبو محمد المقدسي ليقول عنه: 

بالنسبة للشيخ المجاهد والكاتب الفاضل أستاذنا الكبير سيد قطب رحمه الله تعالى فإن من عجائب هذا الزمان الذي لا تنقضي عجائبه أن يسأل عن سيد أمثالي ويتكلم فيه جرحا أو تعديلا ، وهو الذي فارق هذه الدار مستعليا على زخرفها وحطامها وفتاتها الذي تهالك عليه وأخلد إليه أكثر الخلق ، ويبذله الطواغيت لأهلها المنقادين الخاضعين لهم ، وأبى هو رحمه الله أن يخط ببنانه الذي سطر به ظلال القرآن والتوحيد ؛ كلمات تعتق رقبته من الموت ، يلبس بها الحق بالباطل أو يقر بها حكم الطاغوت ؛ في الوقت الذي يسود فيه كثير من أهل زمانها وجوههم وصحائفهم ، ومنهم كثير من أولئك الطاعنين الذين أطالوا ألسنتهم فيه ؛ ما هو أحط من تلك الكلمات التي ترفع عنها رحمه الله ، ويطوعون دينهم ليل نهار للطواغيت ويبيعونه بثمن بخس دون أن يكرهوا أو يهددوا بالموت والإعدام ، بل يسارعون في ذلك كأنهم إلى نصب يوفضون ، فينحرون على عتباتهم التوحيد ، ويبذلون لهم دينهم قربانا وكبش فداء لحطام دنياهم الفاني. 

ألم يكن من الأولي أن أتركه للشيخ راشد الغنوشي يقول عنه:

كتب قطب بدمه أروع ملاحم الفكر الإسلامي المعاصر التي ستظل مؤثرة على امتداد الأجيال على غرار أمثاله من فطاحل العلماء الأفذاذ: الغزالي وابن تيمية ومالك وابن حنبل والشافعي وأبي حنيفة وابن رشد وعبده والأفغاني ورضا والبنا والمودودي وابن عاشور.. ومن خصوصيات المفكرين الكبار أن يتحولوا مع الزمن إلى رموز لمدارس أكثر من كونهم أفرادا، وذلك بما يتوفر عليه فكرهم من ثراء وتعدد أبعاد تجعله مبعثا لأنواع من الجدل حول تفسير نصوصهم على اتجاهات مختلفة، كلّ يبذل وسعه في سحب المفكر إلى صفه مؤولا تراثه وفق منزعه تأييدا لمذهبه الخاص. وقد تقترب أو تبتعد تلك التأويلات من الأصل، ولا يكون المؤسس للمدرسة مسئولا بالضرورة عن هذا التأويل أو ذاك، لا سيما إذا كان المؤسس هو أقرب إلى الأديب والفنان منه إلى العالم المنضبط بضوابط البحث العلمي، وهو الحال الغالب على تراث شهيد الكلمة سيد قطب رحمه الله، أنه أديب كبير، وكان الأدب مدخله إلى الإسلام وللدراسات الإسلامية، بما جعل سبحانه القرآنية أقرب إلى الفن الراقي والتأملات الفلسفية والمجادلات القوية ضد مناهج العلمنة التي كانت في طور تمدد وانتصار وطموح إلى احتواء الإسلام. 

ألم يكن من الأولي أن أتركه للشيخ محمد حسان يقول عنه:

.. نسأل الله -عز وجل- أن يجعل الشيخ سيد قطب -رحمه الله- عنده من الشهداء فهو الرجل الذي قدّم دمه وفكره وعقله لدين الله -عز وجل- نسأل الله أن يتجاوز عنه بمنه وكرمه، وأن يغفر لنا وله وأن يتقبل منا ومنه صالح الأعمال، وأنا أُشهد الله أني أحب هذا الرجل في الله مع علمي يقيناً أن له أخطاء وأنا أقول: لو عاملتم يا شباب شيوخ أهل الأرض بما تريدون أن تعاملوا به الشيخ سيد قطب فلن تجدوا لكم شيخاً على ظهر الأرض لتتلقوا العلم على يديه لأن زمن العصمة قد انتهى بموت المعصوم محمد بن عبدالله وكل كتاب بعد القرآن معرض للخلل {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا}. 

ألم يكن من الأولي أن أتركه للشيخ العالم الدكتور:محمد بن إسماعيل المقدم رضي الله عنه و أرضاه وحفظه  يقول عنه:

مثال فذ ، بذل حياته لإعلاء كلمة الله ، وهو الأستاذ سيد قطب وأعلى درجته في الشهداء ، ذاك البطل الذي ارتضع منذ طفولته معاني العزة والكرامة والأنفة وشرف النفس ، والذي عاش حياته " سيدا " ، وغادر الدنيا سيدا ، رافعاً رأسه ، والذي عاش حياته " قطبا " ، وغادرها قطباً في الدعوة والجهاد ، ونتوقف فقط عند ساعاته الأخيرة في الدار الفانية ، وقد طُلب إليه أن يعتذر للطاغية مقابل إطلاق سراحه ، فقال : (( لن أعتذر عن العمل مع الله )) ، وعندما طُلب منه كتابةُ كلمات يسترحم بها عبد الناصر قال : (( إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ، ليرفض أن يكتب حرفاً يُقرُ به حكم طاغية )) ، وقال أيضاً : ((لماذا أسترحم ؟ إن سُجنتُ بحق ، فأنا أقبل حكم الحق ! وإن سُجنت بباطل ، فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل ! )) .

ألم يكن من الأولي أن أتركه لسماحة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله  ليقول:

هناك قوم اشتغلوا ببعض الأموات، مثل: سيد قطب، وحسن البنا. الواجب أنهم يُلخّصون أخطاءهم ويـحذِّرون منها، وأما حسناتهم فلا يدفنوها، ولا يَقدح فيهم لأجل تلك الأخطاء أو تلك الزلات، لأن لهم حسنات..إذا كانوا يذكرون السيئات، وينسون الحسنات؛ صدق عليهم قول الشاعر: 

ينسى من المعروف طوداً شامخاً.... وليس ينسى ذرة ممن أساء 

فيـجب أ ن تُلخَّص الأخطاء، وأن يـحذَّر منها، وبقية علومهم يُستفاد منها ..

ويواصل سماحة الشيخ:

ثم أقول إن سيد قطب وحسن البنا من علماء المسلمين ومن أهل الدعوة وقد نصر الله بهما وهدى بدعوتهما خلقا كثيراً ولهما جهود لا تنكر ولأجل ذلك شفع الشيخ عبد العزيز بن باز في سيد قطب عندما قرر عليه القتل وتلطف في الشفاعة فلم يقبل شفاعته الرئيس جمال ـ عليه من الله ما يستـحق ـ ولما قتل كل منهما أطلق على كل واحد أنه شهيد لأنه قتل ظلما ، وشهد بذلك الخاص والعام ونشر ذلك في الصحف والكتب بدون إنكار ثم تلقى العلماء كتبهما ، ونفع الله بهما ولم يطعن أحد فيهما منذ أكثر من عشرين عاما والذين وقع لهم مثل ذلك كالنووي والسيوطي ، وابن الجوزي وابن عطية والخطابي والقسطلاني ، وأمثالهم كثير . 

وقد قرأتُ ما كتبه الشيخ ربيع المدخلي في الرد على سيد قطب ورأيته جعل العناوين لما ليس بحقيقة ، فرد عليه الشيخ بكر أبو زيد ـ حفظه الله ـ (1) وكذلك تحامل على الشيخ عبد الرحمن وجعل في كلامه أخطاء مضللة مع طول صحبته له من غير نكير !!

وعين الرضا عن كل عيب كليلة ..... ولكن عين السخط تبدي المساويا

ألم يكن من الأولي أن أتركه للإمام العلاّمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله حين سئل عن مؤلفات أبي الأعلى المودودي وأبي الحسن الندوي وسيد قطب فقال:

 كلها كتب مفيدة ، كتب هؤلاء الثلاث رحمهم الله كلها كتب مفيدة فيها خير كثير ولا تـخلو من بعض الأغلاط كل إنسان يؤخذ من قوله ويترك ، ليسوا معصومين، وطالب العلم إذا تأملها عرف ما فيها من الأخطاء وما فيها من الحق ، وهم رحمهم الله قد اجتهدوا في الخير ودعوا إلى الخير وصبروا على المشقة في ذلك وأبو الحسن موجود بحمد الله فيه خير كثير ولكن ليس معصوماً ولا غيره من العلماء ، بالنسبة للرسل عليهم الصلاة والسلام فيما يبلغون عن الله والرسل عصمهم الله فيما يبلغون عن الله وهكذا الأنبياء ، أما العلماء كل عالم يخطئ ويصيب ، لكن بحمد الله صوابهم أكثر ، فقد أفادوا وأجادوا ونفعوا الناس ، يقول مالك -رحمه الله- ابن أنس إمام دار الهجرة في زمانه : ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر وهو الرسول عليه الصلاة والسلام ، فالمؤمن يطلب العلم وهكذا المؤمنة تطلب العلم ، وكل واحد يتفقه في الدين ويتبصر ويسأل عما أشكل عليه يقرأ القرآن يقرأ السنة يعتني حتى يعرف الحق بأدلته وحتى يعرف الغلط إذا غلط العالم ، ولا يـجوز أن يقال هذا فلان العالم الجليل يؤخذ قوله كله دون نظر ، بل لابد من النظر والعناية وعرضها على الأدلة الشرعية ، فمن وافقها قبل ، ومن خالف الأدلة الشرعية ترك.

ألم يكن من الأولي أن أتركه للإمام العلاّمة المجاهد الشيخ حمود العقلاء الشعيبي- رحمه الله-  حين راح يميط اللثام يفضح سر الهجمات المسعورة التي يشنها  مهاجمو الشهيد ويكشف أهدافهم فيقول:

إن المفكر الأديب سيد قطب رحمه الله له أعداء كثيرون، يختلفون في كيفية النقد وأهدافه والغايات منه، ويتفقون في مصالح مشتركة، وقبل أن أكشف بطلان مثالب الجراحين والمطاعن الموجهة إلى سيد رحمه الله ، أبين أولا: 

-  لماذا يستهدف سيد قطب خاصة ؟ ومن المستفيد من إسقاطه ؟ 

إن سيدا رحمه الله يعد في عصره علما من أعلام أصحاب منهج مقارعة الظالمين والكفر بهم، ومن أفذاذ الدعاة إلى تعبيد الناس لربهم والدعوة إلى توحيد التحاكم إلى الله ، فلم يقضّ إلا مضاجع أعداء الله ورسوله كجمال عبد الناصر وأمثاله .. وما فرح أحد بقتله كما فرح أولئك ، ولقد ضاق أولئك الأذناب بهذا البطل ذرعا، فلما ظنوا أنهم قد قتلوه إذا بدمه يحيي منهجه ويشعل كلماته حماسا، فزاد قبوله بين المسلمين وزاد انتشار كتبه، لأنه دلل بصدقه وإقدامه على قوة منهجه، فسعوا إلى إعادة الطعن فيه رغبة منهم لقتل منهجه أيضا وأنى لهم ذلك. 

فاستهداف سيد قطب رحمه الله لم يكن استهدافا مجردا لشخصه، فهو ليس الوحيد من العلماء الذي وجدت له العثرات، فعنده أخطاء لا ننكرها، ولكن الطعن فيه ليس لإسقاطه هو بذاته فقد قدم إلى ربه ونسأل الله له الشهادة، ولكن الذي لا زال يقلق أعداءه وأتباعهم هو منهجه الذي يخشون أن ينتشر بين أبناء المسلمين . 

وإني إذ اسمع الطعن في سيد قطب رحمه الله لا أستغرب ذلك لقوله الله تعالى: { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا } فكل من معه نور من النبوة أيضا له أعداء من أهل الباطل بقدر ما معه من ميراث نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، فما يضير سيدا طعن الطاعنين، بل هو رفعة له وزيادة في حسناته، ولكن الذي يثير الاستغراب هو فعل أولئك القوم الذين يدّعون اتباع الحق ومع ذلك ينقصون الميزان ولا يزنون بالقسطاس المستقيم والله يقول: { ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون } , فأولئك إذا أرادوا مدح أحد عليه من المآخذ ما يفوق سيدا بأضعاف قالوا كلمتهم المشهورة "تغمس أخطاؤه في بحر حسناته" وقالوا "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" وغير ذلك، وإذا أرادوا ذم آخر كسيد رحمه الله الذي يعد مجددا في باب( إن الحكم إلا لله ) سلكوا معه طريق الخوارج وكفروه بالمعاصي والزلات . 

وسيد رحمه الله لا ندعي له العصمة من الخطأ، بل نقول إن له أخطاء ليس هذا مجال تفصيلها، ولكنها لا تخل بأصل دعوته ومنهجه، كما أن عند غيره من الأخطاء التي لم تقدح في منزلتهم وعلى سبيل المثال ابن حجر والنووي وابن الجوزي وابن حزم، فهؤلاء لهم أخطاء في العقيدة إلا أن أخطاءهم لم تجعل أحدا من أبناء الأمة ولا أعلامها يمتنع من الاستفادة منهم أو يهضمهم حقهم وينكر فضائلهم ، فهم أئمة إلا فيما أخطئوا فيه، وهذا الحال مع سيد رحمه الله فأخطاؤه لم تقدح في أصل منهجه ودعوته لتوحيد الحاكمية وتعبيد الناس لربهم. 

والقاعدة التي يجب أن تقرر في مثل هذه الحالات هي ما يستفاد من قول الله تعالى { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } فكل من حقق ما يجب تحقيقه من أصل الدين، ينظر بعد ذلك في سائر منهجه فإن كان خطؤه أكثر من صوابه وشره يغلب على نفعه فإنه يهمل قوله وتطوى كتبه ولا تروى ، وعلى ذلك فالقول الفصل في سيد رحمه الله أن أخطاءه مغمورة في جانب فضائله ودفاعه عن ( لا إله إلا الله )، لا سيما أنه حقق أصول المعتقد الصحيح ، وإن كان عليه بعض المآخذ وعبارات أطلقها لا نوافقه عليها رحمه الله. 

وختاما لا يسعني إلا أن اذكر أنني أحسب سيدا والله حسيبه يشمله قوله عليه الصلاة والسلام ( سيد الشهداء حمزة، ورجل قام عند سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله ) فنحسب أن سيدا رحمه الله قد حقق ذلك الشرط حيث قال كلمة حق عند سلطان جائر فقتله .. وأنقل كلمة له رحمه الله قبل إعدامه بقليل عندما أعجب أحد الضباط بفرح سيد قطب وسعادته عند سماعه نبأ الحكم عليه بالإعدام "الشهادة" وتعجب لأنه لم يحزن ويكتئب وينهار ويحبط فسأله قائلا : أنت تعتقد أنك ستكون شهيدا فما معنى شهيد عندك؟ أجاب رحمه الله قائلا : الشهيد هو الذي يقدم شهادة من روحه ودمه أن دين الله أغلى عنده من حياته، ولذلك يبذل روحه وحياته فداء لدين الله . 

وله رحمه الله من المواقف والأقوال التي لا يشك عارف بالحق أنها صادرة عن قلب قد مليء بحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وحب التضحية لدينه، نسأل الله أن يرحمنا ويعفو عنا وإياه. 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

***

يا إلهي..

لكم كنت أود و أتمنى و أريد أن يكون ينبوع هذا العذب السلسبيل هو شيخنا و إمامنا وحبيبنا الشيخ يوسف القرضاوي..

لكنه لم يكن هو..

كان القائل هو شيخنا و إمامنا وحبيبنا الشيخ حمود العقلاء الشعيبي..

أما شيخنا القرضاوي فلم يقل ذلك.. بل قال غيره..


***

ولم أكن أقتصر بالطبع على الإعجاب.. كنت أقرأ الآراء الأخرى التي تنتقده وتهاجمه .. خاصة بعد أن تبينت الأسباب الخافية للهجوم عليه  وهو هجوم لم أصدم به.. بل كان حريا بي أن أصدم لعدم وجود هذا الهجوم.. ذلك أن سيد قطب رأس رمح وقلب جيش كان هو السيد والقائد فيه وقد تجرأ على منازلة الطاغوت الغربي من صليبية ويهودية وهو واثق من أنه أرقى و أن النصر النهائي له.. لقد كان سيد قطب كما قال الدكتور محمد موسى البر( جامعة القرآن كلية الدعوة والإعلام ) : كان ابرز شخصية ظهرت في المرحلة الأخيرة من مراحل الحضارة الأوروبية الاستعمارية بشقيها الرأسمالي والشيوعي علي حد سواء . هذه سيرة سيد قطب باختصار هذا المفكر الذي أراد أن يقود تيارا للتغيير في كل مجالات المجتمع تغيرا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا بالمنهج الإسلامي الذي اقتنع به وثبت عليه . لقد كان سيد قطب يدافع عن أفكار ضد الرصاص . وذلك عندما استشهد بقيت أفكاره ولا تزال لأنها تستند إلي أصول باقية . سيد قطب واحد من رواد الحركة الفكرية الإسلامية في العصر الحديث الحركة التي تحافظ علي الأصالة ولا تنكر المعاصرة . ذلك المنكر الذي عرف الغرب الرأسمالي النصراني يوم كان الشرق معجبا بممارسات الغرب كشف لنا سيد قطب عن مساوئ الحضارة الغربية وطرح البديل الإسلامي . (...) كان سيد قطب يطرح البديل للحضارة الوافدة سواء من الشرق الشيوعي أو الغرب الرأسمالي لقد كان سيد قطب ينادي بقيام كتلة ثالثة تتمثل في الدول الإسلامية قاطبة تقف ضد الكتلتين الرأسمالية والشيوعية . وكان همه إن يكون هناك مجتمع إسلامي وهو مجتمع لا يعترف بالألوهية والحاكمية العليا إلا لله وحده . ويطبق شريعته في جميع وجوه الحياة . ويقول من المؤسف أن نري العالم الإسلامي اليوم يتسابق إلي تقليد المجتمعات الغربية الجاهلية أو الكافرة ، إلي درجة أصبح معها عبدا (للغرب) بدلا أن يكون عبدا لله وحده كما تقضي بذلك التعاليم الإسلامية . سيد قطب الذي يطرح أفكار بديلة وأصيلة ومعاصرة في ذلك الزمان ، طرح سيد قطب في رأي يجيب علي السؤال لماذا أعدموه ؟ فقد أعدموه ولكن للأسف كما يعبرون أن أفكاره زادت انتشارا مثلهم مثل الملك الذي قتل غلام أصحاب الأخدود وحشد الناس يوم قتله فما كان من الحشود ألا أن قالت أمنا برب الغلام وذلك بعد إعدام الغلام . 

***

 من أجل ذلك كان طبيعيا أن يواجه سيد قطب بهجوم مروع من الغرب في عمومه.. ولما كان الهجوم الغربي المباشر سيضيف إلى سيد قطب فقد ركزوا على اختراق هيئات ومؤسسات إسلامية لتقوم بالهجوم بديلا عن الغرب. وفي قلب هذا الهجوم شخص يدعي الانتماء إلى السلفيين.. اسمه ربيع المدخلي.. ليس لدي شك أنه عمل مخابراتي أيا كانت الوسيلة.. إما بالتجنيد المباشر أو بغسيل المخ.. وأمر هذا الهجوم وارد في مصادر عديدة نختار منها – كمرجع- كتاب  (سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد) .. للدكتور صلاح الخالدي .. حيث يختمه بردّ من الشيخ العلامة – السلفي حقيقة-  بكر أبو زيد على  الدعيّ ربيع المدخلي.. وكان الأخير  قد أرسل نسخة من كتابه(أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره) للشيخ بكر .. وكان يرجو من الشيخ بكر أن يبدي ملاحظاته على الكتاب ليعدّلها ومن ثم يطبع الكتاب ..فما كان من الشيخ بكر إلا أن ردّ بوثيقة تاريخية تبرز المنهج السلفي الحقيقي الذي ينبغي أتباعه في التعامل مع العلماء والدعاة ومؤلفاتهم وهو درس عملي حقيقي ومقارنة بين السلفية الحقيقية المدسوسين عليها المزروعين فيها. 

وكان خطاب الشيخ بكر أبوزيد ردا على خطاب  ربيع المدخلي –عامله الله بما يستحقه-  يطلب منه ملاحظاته على  كتابه السابق ذكره والذي خصصه  للطعن في سيد قطب كي يتسني له تعديله ونشره.

إن خطاب الشيخ بكر أبوزيد سيحمل عنا عناء إيراد نماذج كثيرة من الهجوم غير المنصف كما سيعلمنا نموذجا شامخا للإنصاف.. بل سيكشف لنا كيفية تفكير دعي كربيع المدخلي.. مع إشارات لا تخفى ولا يمكن تجاهلها تشي بأن المدخلي ليس كاتب الكتاب الوحيد.. على الأقل.

ولأهمية خطاب الدكتور بكر فإننا نورده بنصه في موقعي على الشبكة راجيا قارئ المجلة الرجوع إليه، وهو في الأصل رد على رسالة ربيع الذي عرض فيه على الدكتور بكر كتابه عن الشهيد سيد قطب .. يقول الدكتور بكر:

فضيلة الأخ الشيخ / ربيع بن هادي المدخلي .. الموقر 

السلام عيكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد 

فأشير إلى رغبتكم قراءة الكتاب المرفق ((أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره)).. هل من ملاحظات عليه ثم هذه الملاحظات هل تقضي على هذا المشروع فيطوى ولا يروى، أم هي مما يمكن تعديلها فيترشح الكتاب بعد الطبع والنشر ويكون ذخيرة لكم في الأخرى، بصيرة لمن شاء الله من عباده في الدنيا، لهذا أبدي ما يلي.. 

1 - نظرت في أول صفحة من (فهرس الموضوعات فوجدتها عناوين قد جمعت في سيد قطب رحمه الله، أصول الكفر والإلحاد والزندقة، القول بوحدة الوجود، القول بخلق القرآن، يجوز لغير الله أن يشرع، غلوه في تعظيم صفات الله تعالى لا يقبل الأحاديث المتواترة، يشكك في أمور العقيدة التي يجب الجزم بها، يكفر المجتمعات ..( الأصفر هنا وفي بقية المقال يحذف من المختار فقط) 

إلى أخر تلك العناوين التي تقشعر منها جلود المؤمنين.. وأسفت على أحوال علماء المسلمين في الأقطار الذين لم ينبهوا على هذه الموبقات.. وكيف الجمع بين هذا وبين انتشار كتبه في الآفاق انتشار الشمس، وعامتهم يستفيدون منها، حتى أنت في بعض ما كتبت، عند هذا أخذت بالمطابقة بين العنوان والموضوع، فوجدت الخبر يكذبه الخبر، ونهايتها بالجملة عناوين استفزازية تجذب القارئ العادي، إلى الوقيعة في سيد رحمه الله 

وإني أكره لي ولكم ولكل مسلم مواطن الإثم والجناح، وإن من الغبن الفاحش إهداء الإنسان حسناته إلى من يعتقد بغضه وعداوته. 

2 - نظرت فوجدت هذا الكتاب يـفـتـقــد: 

(أصـول البحث العلمي، الحيـدة العلمية، منهـج النقد، أمانـة النقل والعلم، عـدم هضم الحق). 

أما أدب الحوار وسمو الأسلوب ورصانة العرض فلا تمت إلى الكتاب بهاجس.. وإليك الدليل… 

أولاً: رأيت الاعتماد في النقل من كتب سيد رحمه الله تعالى من طبعات سابقة مثل الظلال والعدالة الاجتماعية مع علمكم كما في حاشية ص 29 وغيرها، أن لها طبعات معدلة لاحقة 

والواجب حسب أصول النقد والأمانة العلمية، تسليط النقد إن كان على النص من الطبعة الأخيرة لكل كتاب، لأن ما فيها من تعديل ينسخ ما في سابقتها وهذا غير خاف إن شاء الله تعالى على معلوماتكم الأولية 

لكن لعلها غلطة طالب حضر لكم المعلومات ولما يعرف هذا ؟؟ وغير خاف لما لهذا من نظائر لدى أهل اعلم، فمثلاً كتاب الروح لابن القيم لما رأى بعضهم فيما رأى قال: لعله في أول حياته وهكذا في مواطن لغيره  وكتاب العدالة الاجتماعية هو أول ما ألفه في الإسلاميات والله المستعان. 

ثانيًا: لقد اقشعر جلدي حينما قرأت في فهرس هذا الكتاب قولكم (سيد قطب يجوز لغير الله أن يشرع)، فهرعت إليها قبل كل شيء فرأيت الكلام بمجموعه نقلاً واحدًا لسطور عديدة من كتابه العدالة الاجتماعية) 

وكلامه لا يفيد هذا العنوان الاستفزازي، ولنفرض أن فيه عبارة موهمة أو مطلقة، فكيف نحولها إلى مؤاخذة مكفرة، تنسف ما بنى عليه سيد رحمه الله حياته ووظف له قلمه من الدعوة إلى توحيد الله تعالى (في الحكم والتشريع) ورفض سن القوانين الوضعية والوقوف في وجوه الفعلة لذلك  إن الله يحب العدل والإنصاف في كل شيء ولا أراك إن شاء الله تعالى إلا في أوبة إلى العدل والإنصاف. 

ثالثًا: ومن العناوين الاستـفـزازيـــة قولكم (قول سيد قطب بوحدة الوجود). 

إن سيدًا رحمه الله قال كلامًا متشابهًا حلق فيه بالأسلوب في تفسير سورتي الحديد والإخلاص وقد اعتمد عليه بنسبة القول بوحدة الوجود إليه  وأحسنتم حينما نقلتم قوله في تفسير سورة البقرة من رده الواضح الصريح لفكرة وحدة الوجود، ومنه قوله: (( ومن هنا تنتفي من التفكير الإسلامي الصحيح فكرة وحدة الوجود))  وأزيدكم أن في كتابه (مقومات التصور الإسلامي) ردًا شافيًا على القائلين بوحدة الوجود  لهذا فنحن نقول غفر الله لسيد كلامه المتشابه الذي جنح فيه بأسلوب وسع فيه العبارة.. والمتشابه لا يقاوم النص الصريح القاطع من كلامه، لهذا أرجو المبادرة إلى شطب هذا التكفير الضمني لسيد رحمه الله تعالى وإني مشفق عليكم. 

رابعًا: وهنا أقول لجنابكم الكريم بكل وضوح إنك تحت هذه العناوين (مخالفته في تفسير لا إله إلا الله للعلماء وأهل اللغة وعدم وضوح الربوبية والألوهية عند سيد) . 

أقول أيها المحب الحبيب 

لقد نسفت بلا تثبت جميع ما قرره سيد رحمه الله تعالى من معالم التوحيد ومقتضياته، ولوازمه التي تحتل السمة البارزة في حياته الطويلة فجميع ما ذكرته يلغيه كلمة واحدة، وهي أن توحيد الله في الحكم والتشريع من مقتضيات كلمة التوحيد وسيد رحمه الله تعالى ركز على هذا كثيرًا لما رأى من هذه الجرأة الفاجرة على إلغاء تحكيم شرع الله من القضاء وغيره وحلال القوانين الوضعية بدلاً عنها ولا شك أن هذه جرأة عظيمة ما عاهدتها الأمة الإسلامية في مشوارها الطويل قبل عام (1342هـ ) 

خامسًا: ومن عناوين الفهرس (قول سيد بخلق القرآن وأن كلام الله عبارة عن الإرادة).. 

لما رجعت إلى الصفحات المذكورة لم أجد حرفًا واحدًا يصرح فيه سيد رحمه الله تعالى بهذا اللفظ (القرآن مخلوق)  كيف يكون هذا الاستسهال للرمي بهذه المكفرات، إن نهاية ما رأيت له تمدد في الأسلوب كقوله (ولكنهم لا يملكون أن يؤلفوا منها ـ أي الحروف المقطعة ـ مثل هذا الكتاب لأنه من صنع الله لا من صنع الناس) ..  وهي عبارة لا شك في خطأها ولكن هل نحكم من خلالها أن سيدًا يقول بهذه المقولة الكفرية (خلق القرآن) 

اللهم إني لا أستطيع تحمل عهدة ذلك.. لقد ذكرني هذا بقول نحوه للشيخ محمد عبد الخالق عظيمة رحمه الله في مقدمة كتابه دراسات في أسلوب القرآن الكريم والذي طبعته مشكورة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية  فهل نرمي الجميع بالقول بخلق القرآن اللهم لا، واكتفي بهذا من الناحية الموضوعية وهي المهمة. 

ومن جهات أخرى أبدي ما يلي: 

1 - مسودة هذا الكتاب تقع في 161 صفحة بقلم اليد، وهي خطوط مختلفة، ولا أعرف منه صفحة واحدة بقلمكم حسب المعتاد، إلا أن يكون اختلف خطكم، أو اختلط علي أم أنه عُهد بكتب سيد قطب رحمه الله لعدد من الطلاب فاستخرج كل طالب ما بدا له تحت إشرافكم، أو بإملائكم. لهذا فلا أتحقق من نسبته إليكم إلا ما كتبته على طرته أنه من تأليفكم وهذا عندي كاف في التوثيق بالنسبة لشخصكم الكريم. ( إنني أرجو أن يلاحظ القارئ أن انتقادات شبيهة قيلت في حق قاسم أمين وعلى عبد الرازق.. حيث يشتبه أنهما لم يكتبا هذه الكتب و إنما كتبت لهما كيدا للإسلام)..

2 - مع اختلاف الخطوط إلا أن الكتاب من أوله إلى أخره يجري على وتيرة واحدة 

وهي: أنه بنفس متوترة وتهيج مستمر، ووثبة تضغط على النص حتى يتولد منه الأخطاء الكبار وتجعل محل الاحتمال ومشتبه الكلام محل قطع لا يقبل الجدال…وهذا نكث لمنهج النقد: الحيدة العلمية . 

3 - من حيث الصيغة إذا كان قارنًا بينه وبين أسلوب سيد رحمه الله، فهو في نزول، سيد قد سَمَا وإن اعتبرناه من جانبكم الكريم فهو أسلوب (إعدادي) لا يناسب إبرازه من طالب علم حاز على العالمية العالية لا بد من تكافؤ القدرات في الذوق الأدبي، والقدرة على البلاغة والبيان، وحسن العرض، وإلا فليكسر القلم. 

4 - لقد طغى أسلوب التهيج والفزع على المنهج العلمي النقدي…. ولهذا افتقد الرد أدب الحوار. 

5 - في الكتاب من أوله إلى آخره تهجم وضيق عطن وتشنج في العبارات فلماذا هذا…؟ 

6 - هذا الكتاب ينشط الحزبية الجديدة التي أنشئت في نفوس الشبيبة جنوح الفكر بالتحريم تارة، والنقض تارة وأن هذا بدعة وذاك مبتدع، وهذا ضلال وذاك ضال.. ولا بينة كافية للإثبات 

وولدت غرور التدين والاستعلاء حتى كأنما الواحد عند فعلته هذه يلقي حملاً عن ظهره قد استراح من عناء حمله، وأنه يأخذ بحجز الأمة عن الهاوية  وأنه في اعتبار الآخرين قد حلق في الورع والغيرة على حرمات الشرع المطهر وهذا من غير تحقيق هو في الحقيقة هدم، وإن اعتبر بناء عالي الشرفات، فهو إلى التساقط، ثم التبرد في أدراج الرياح العاتية . 

هذه سمات ست تمتع بها هذا الكتاب فآل غـيـر مـمـتـع 

هذا ما بدا إلي حسب رغبتكم، وأعتذر عن تأخر الجواب، لأنني من قبل ليس لي عناية بقراءة كتب هذا الرجل وإن تداولها الناس لكن هول ما ذكرتم دفعني إلى قراءات متعددة في عامة كتبه، فوجدت في كتبه خيرًا كثيرًا وإيمانًا مشرفًا وحقًا أبلج، وتشريحًا فاضحًا لمخططات العداء للإسلام  على عثرات في سياقاته واسترسال بعبرات ليته لم يفه بها، وكثير منها ينقضها قوله الحق في مكان أخر والكمال عزيز والرجل كان أديبًا نقادة، ثم اتجه إلى خدمة الإسلام من خلال القرآن العظيم والسنة المشرفة، والسيرة النبوية العطرة  فكان ما كان من مواقف في قضايا عصره، وأصر على موقفه في سبيل الله تعالى، وكشف عن سالفته وطلب منه أن يسطر بقلمه كلمات اعتذار وقال كلمته الإيمانية المشهورة، إن إصبعا أرفعه للشهادة لن أكتب به كلمة تضارها... أو كلمة نحو ذلك فالواجب على الجميع … الدعاء له بالمغفرة … والاستفادة من علمه  وبيان ما تحققنا خطأه فيه، وأن خطأه لا يوجب حرماننا من علمه ولا هجر كتبه.. اعتبر رعاك الله حاله بحال أسلاف مضوا أمثال أبي إسماعيل الهروي والجيلاني كيف دافع عنهما شيخ الإسلام ابن تيمية مع ما لديهما من الطوام لأن الأصل في مسلكهما نصرة الإسلام والسنة وانظر منازل السائرين للهروي رحمه الله تعالى، ترى عجائب لا يمكن قبولها ومع ذلك فابن القيم رحمه الله يعتذر عنه أشد الاعتذار ولا يجرمه فيها، وذلك في شرحه مدارج السالكين، وقد بسطت في كتاب (تصنيف الناس بين الظن واليقين ) ما تيسر لي من قواعد ضابطة في ذلك . 

وفي الختام فأني أنصح فضيلة الأخ في الله بالعدول عن طبع هذا الكتاب (أضواء إسلامية) وأنه لا يجوز نشره ولا طبعه لما فيه من التحامل الشديد والتدريب القوي لشباب الأمة على الوقيعة في العلماء وتشذيبهم، والحط من أقدارهم والانصراف عن فضائلهم.. 

واسمح لي بارك الله فيك إن كنت قسوت في العبارة فإنه بسبب ما رأيته من تحاملكم الشديد وشفقتي عليكم ورغبتكم الملحة بمعرفة ما لدي نحوه… 

جرى القلم بما تقدم سدد الله خطى الجميع.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، 

أخوكم بكر أبو زيد 

----------------------------------- 

انتهى 

ومع ذلك طبع الكتاب ونشر وهو موجود في موقع ربيع على الإنترنت .. ذلك أن دور هذا الرجل في الحياة – أو على الأحرى وظيفته- أن ينشر على الناس مثل هذه الكتب ليبلبل أفكارهم.

وقد يعتب علىّ بعض القراء أن أورد هجوما مسفا كهجوم ربيع على الشهيد.. ولكنني كما قلت مرات ومرات أتحدث عن الشهيد وعيني على الإسلام والمسلمين.. راجيا أن ندرك جميعا أن الماضي ليس ماضيا.. لأنه ما يزال يحدث.. و إن الألسنة التي تستنطق بالباطل ما زالت تستنطق.. والأقلام التي تُستأجر ما تزال تُستأجر.. ومن ذلك على سبيل المثال شيخ سلفي له باع طويل في الدعوة منذ 15 عاما.. حكم على المجاهد أسامة بن لادن رضي الله عنه بالكفر لأنه خارجي.. وحرك هذا الحكم بعض المخلصين ليبحثوا في جذور هذا الشيخ.. ليفاجئوا بأنه ضابط أمن زرع وسط الحركة السلفية منذ عشرين عاما.. كجاسوس في البداية.. فلما أثبت نجاحه واصل كداعية وفقيه.. ولم يستخز الرجل عندما واجهوه بافتضاح أمره.. بل كان على قدر من غلظة الإحساس والفجاجة أن اعترف بأنه بدأ كضابط أمن فلما اقتنع بالفكر السلفي استقال و أخلص للدعوة..

وكان بالطبع كاذبا.

***

يا إلهي..

لكم كنت أود و أتمنى و أريد أن يكون ينبوع هذا العذب السلسبيل هو شيخنا و إمامنا وحبيبنا الشيخ يوسف القرضاوي..

لكنه لم يكن هو..

كان القائل هو شيخنا و إمامنا وحبيبنا الشيخ بكر أبو زيد..

أما شيخنا القرضاوي غفر الله له فقد كان – للحزن والأسى في الجانب الآخر..

وهو موقف أعترف أنه ذبحني.. ولم يعزني عنه إلا أن من هم أفضل من شيخنا – بعض الصحابة- قد وقعوا فيما هو أشد مما وقع فيه.. ألا وهو حديث الإفك..

غفر الله للجميع..

ولكن هذا هو موضوع المقال القادم إن شاء الله..

***

***

***


حاشية 1


احتجاج


رغم أن ما أكتبه عن الإخوان هو في الواقع حديث عن الحاضر والمستقبل قبل أن يكون حديثا عن الماضي، إلا أن القارئ لابد أن يلاحظ أنني أتجنب الخوض المباشر في عفن الحاضر ربما بسبب الاشمئزاز وربما احتجاجا على صمت الأمة.

***

حاشية 2

بــــشــــر


أري كثيرا من البشر موتي يدبون على الأرض.. ما زلوا يتحركون ويتكلمون وينافقون ويكذبون لكنهم بالنسبة لي موتي جرى عليهم كل ما يجري على الموتي من تعفن وتصلب وشكل بشع مروع مخيف مقزز.. أراهم كذلك .. فلا أعجب من تحركهم وهم موتي كعجبي من استطاعتي الحياة بينهم.

***

حاشية 3


فيصل القاسم


أذكي و أخبث مذيع عربي.. لا أوافقه كثيرا لكنني أعجب به غالبا.. كان عتابي عليه صاخبا حين جاء بالعملاق الدكتور عبد الوهاب المسيري في الاتجاه المعاكس ووضع أمامه قردا أو أضل سبيلا.

لا أحتج على إهانة لحقت بعبد الوهاب المسيري فالرجل يحلق في عالم أسمى و أعلى من أن يطاله رذاذ المجاري الذي لوث البرنامج.

***

حاشية 4


محمد إبراهيم مبروك


أنبه القراء لهذا الكاتب العملاق رغم اختلافي معه في بعض ما يكتب خاصة عندما يتجنى على الإخوان المسلمين. إنه تجني خلاف الرؤى واختلاف القراءات وليس اختلاف العمالة للكلاب الشرسة المدربة..  اختلاف ناضج أحترمه ..

 يمثل محمد مبروك  السهل الممتنع.

ولقد تمنيت عندما طفقت أقرأ كتابه الأخير: " الإسلام الليبرالي بين الإخوان المسلمين والوسطيين والعلمانيين "- "الدار القومية للنشر والتوزيع".. أقول تمنيت أن يقرر هذا الكتاب في مراحل التعليم المختلفة كي يتعلم  أبناؤنا منه الكثير من المنطق والفلسفة والتاريخ والمنهج.. و أدب الاختلاف..

ولقد كفر فيصل القاسم عن بعض خطيئته مع الدكتور عبد الوهاب المسيري عندما أتى بالعملاق محمد مبروك أمام القزم جمال البنا.. حيث انهزم البنا من الدقائق الأولي .. أما باقي البرنامج فكان حلقات فكاهية لا يكف مشاهدها عن الضحك.. خاصة عندما لم يتمالك مبروك نفسه فعير البنا بأنه " بتاع هالة سرحان" التي تأتي به كمسوغ لإهانة الإسلام والمسلمين.

فقط تمنيت لو أن مبروك واجه البنا بأسئلة أربعة:

- هل أصدر مجمع البحوث الإسلامية بيانا بأن بعض كتب البنا تنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة.. مما يثير الريبة في ردته ويستوجب استتابته..

- من غير الحثالة يعترفون بالبنا كمفكر؟!..( فائدة نحوية: الحثالة هنا تعرب بدلا من الشيوعيين والعلمانيين ومعظم القوميين)..

- هل حصل البنا على شهادة أعلى مما يعادل  دبلوم التجارة؟!

- لا أقول كيف يمكن لعامل – وعضو نشط في نقابة العمال- أن يؤلف أكثر من مائة كتاب .. و إذا تغاضينا عن ضحالة الثقافة وفقر فكر يشارف حد العته فهل له أن يجيبنا من الذي مول طباعة هذه الكتب وبعضها مجلدات..ودعنا الآن من السؤال عن الذي ألفها!؟!

***

حاشية 5


خالد منتصر..


من أبغض خلق الله إلى قلبي.. كيان  محشو بالازدراء لدينه و قومه و أهله ووطنه.. مسدس منزوع الأمان متحفز للانطلاق في أي وقت على كل ما يتخيل أنه يمت للدين بصلة.. ولقد توهم في الفترة الماضية أن ثمة رابطا لا خلاف عليه بين الطب الشعبي العربي – ما يطلق عليه البعض الطب النبوي- وبين الدين نفسه.. ولأن غزوة "وليمة لأعشاب البحر" قد أرتهم رأس الذئب الطائر فإنهم لم يعودوا يجرءون  على المجاهرة بما تكنه صدورهم.. وهو أكبر.. ولقد تجاهلوا رأي الشيخ العلامة يوسف القرضاوي الذي ينكر مصطلح الطب النبوي كله.. قائلا أنه سبحانه وتعالى قد أرسل النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم مبشرا ونذيرا ولم يبعثه أستاذا لعلم العقاقير في إحدى كليات الصيدلة.. ولست أنكر أنني قريب جدا من رأيه ذلك..

عن نفسي فإنني أتعامل مع كل شيء في حياتي تعامل علماء الحديث مع الأحاديث النبوية بداية من التدقيق والجرح والتعديل  أو تعامل السلفيين مع النصوص الدينية والتاريخية..  و أرى أن المسلمين سبقوا العالم بالتدقيق والإسناد ثم بالتجريب. كما أنني أتعامل مع الدين والعلم والطب والحياة نفسها بذلك المنهج.. و أرفض كثيرا جدا مما يقال عن الطب البديل و أرى أن معظم المطروح منه دجل.. لكنني أقبل على الفور ما يثبت بالأبحاث والتجارب .. فذلك هو المنهج العلمي التجريبي..

كما أن شعاري الذي لم أحد عنه أبدا هو مقولة سيدنا أبي بكر الصديق:

- إن كان قد قالها فقد صدق..

- ولعن الله التزيد  ومداهنة العامة بدلا من قيادتهم.. 

ولست أنقم  على من يقحم نفسه في هذا الأمر إلا استعانته بالأحاديث الموضوعة أو الضعيفة أو التعسف في تأويلها.. 

ولو أن خالد منتصر كان يرفض الطب البديل كله لما أدنته .. لكنه على استعداد للتغاضي عن الطب البديل في كل الدنيا إلا إذا كان منسوبا إلى العرب.

لم يتكلم أبدا – على سبيل المثال-  عن عشرات العقاقير المستوردة الغالية جدا والمستخلصة مباشرة من الأعشاب ( والشائعة في الدول الغربية خاصة ألمانيا) و أذكر منها على سبيل المثال:

Zelmac.

Orthofalk.

Renofalk

وعشرات غيرها أثبتت تأثيرها بالتجارب العلمية الدقيقة على أعلى مستوى عالمي و أصبحت علاجات جوهرية ضمن منظومة العقاقير الغربية.

كما أنه لم يتكلم أبدا عن الإبر الصينية التي أصبحت علاجا معتمدا في العالم كله ومنه أمريكا و أوروبا.. ولو أن الله ابتلاهم  في الصين  بفكر مشوه حاقد مغرض منحرف كفكر الدكتور خالد منتصر لوُئد العلاج بالإبر الصينية في مهده ولأحبطت كل محاولات تطويره.. ( في البداية.. كنت واحدا من الذين يرفضون العلاج بالإبر الصينية ما دمت لا أفهم الأساس العلمي لها .. لكنني عام 1969 وكنت طبيب امتياز بالقصر العيني رأيت عمليات جراحية كبرى تجري تحت تأثير الإبر الصينية بدون  أي تخدير.).. ولقد لفت ذلك نظري إلى منهج علمي صارم كنت أفهمه على نحو خاطيء.. كنت أظن أن الطب باعتباره علما تطبيقيا فإن درجة اليقين النظري فيه عالية جدا ودرجة الشك ضئيلة.. لكن ما أدركته بعد ذلك هو أن الطب أحد العلوم التجريبية.. مما يعني أنه ليس لدينا فيه يقين ولا نظريات فلسفية  أو معادلات رياضية تربط ما بين الداء والدواء والشفاء..نعم.. ليست هناك معادلة تفسر لنا – أو تكشف – أن هذا الدواء سيعالج هذا الداء.. ليس الأمر كذلك أبدا..بل إن كثيرا من العقاقير تكتشف بالصدفة .. كما أن  مجموعات من المرضي والأصحاء تتعاطي الدواء – أو الجراحات- بطريقة منهجية معينة.. ودون رأي مسبق.. ثم تقودنا النتائج وليست الأفكار ولا الهوى إلى الاستنتاجات النهائية..  الأمر كله – نعم: كله- خاضع للتجربة والإحصائيات التي تختلف من بحث لبحث ومن مدرسة لمدرسة بل وتتناقض أحيانا وهذا سر اختلاف المدارس الطبية المختلفة. ومن الناحية الأخرى فإن الدواء نفسه يتباين تأثيره من مريض لمريض. وعندما يصف الطبيب دواء لمريض – أو يقرر إجراء عملية جراحية له- فإن ذلك لا يعني أن هذا هو الطريق إلى الشفاء بنسبة   100% أو 90 أو حتى 50% بل يعني أن هذا المريض يحتمل أن يشفي بعد إجراء هذه العملية أو تعاطي هذا الدواء. لكن من الناحية الأخرى يمكن أن يموت هذا المريض. والعامل المحدد هنا هو الإحصائيات.. كم يموتون وكن يتم شفاؤهم.. رغم أنه بالنسبة لأي مريض منفرد فإن الإحصائية لا تهمه بصورة شخصية.. فبالنسبة للمريض فإن احتمال الشفاء 50% واحتمال الموت 50%.. الإحصائيات تفيد على مستوى المجتمع لا الفرد ( بالمناسبة هذا ليس اجتهادا في الرأي مني  لكنه يتبع علم الإحصاء وهو فرع من الرياضة التي كانت فرعا للفلسفة ثم فصلها عته برتراند راسل فيما أذكر).

إنني أعرف أن هذا الحديث سيصيب قارئه بانزعاج شديد.. فالقارئ يتخيل أن طبيبه على يقين.. وهذا ليس صحيحا.. إنما يغلب على ظن الطبيب تشخيص على آخر.. والشفاء وارد والمضاعفات واردة – لا أعنى المضاعفات بسبب الجهل والإهمال و إنما أعني المضاعفات الكامنة في العلم الطبي الحاذق الحريص نفسه .. وإلا  لكف الناس في الغرب عن الموت- والموت أيضا وارد.

يصاب خالد منتصر بما يشبه الجنون عندما يسمع عن الحجامة مثلا.. مع أنه من المؤكد أن ضحايا الحساسية من النوفالجين والبنسلين آلاف أضعاف ضحايا الحجامة. ولكنه لا يواجهنا بالمنهج التجريبي الذي طالما صدعنا به.. لكنه يتحدث بمنهج ثرثرة العجائز على المقاهي: سمعت ورأيت وقيل لي.. دون أي منهج علمي.. والغريب أنه يفترض أن رأي سيادته جدير بالاستغناء عن كل آليات العلم التجريبي.. فيكفي أن هذا رأيه.. ويكفي أن سيادته يزدري هذا الرأي كي نزدريه معه دون حجة أو دليل.. كما أنه يمارس ذلك بعنجهية لعله يتفوق بها على الشيطان نفسه.

لو توفر جو علمي صحيح أتاح للتجريب أن يجرى بالضوابط العلمية الصارمة لاستطعنا الاستفادة السلبية أو الإيجابية بتراثنا العربي – ولا أقول الإسلامي أو النبوي – في الطب.

وهناك نقطة أخرى أريد أن أقولها.. هو أنه لو شرف عصرنا بالرسول عليه الصلاة والسلام لكانت أكبر مستشفى في العالم في المدينة المنورة ولكانت أكبر قاعدة نووية في العالم في مكة ولكانت في أيدينا صوارخ التوماهوك والكروزو نرهب بها عدو الله وعدونا ولكانت أكبر قاعدة علمية في العالم في ضاحية من ضواحي الطائف ولكان الأسطول الإسلامي يمخر عباب البحر في خليج الخنازير.. كي يردع الخنازير!!. 

ما أريد أن أقوله أن خالد منتصر يلجأ إلى نوع من التسطيح الحاقد المغرض الكريه.. و أن منهجه ليس علميا على الإطلاق.. بل إنه يلغي التجريب كله لكي يعود بنا إلى عهود الجهل الأوروبي حيث كان الكاهن أو الحاخام – أو خالد منتصر- يحددون القاعدة العلمية الواجب اتباعها وعلى العلماء البرهنة على صحتها.

كنت أود أن يقول خالد منتصر أن عمليات الحجامة قد أجريت في عشر مراكز طبية.. ويتراوح عدد المرضى في كل مركز على عدد يتراوح بين الألف والخمسة آلاف.. ثم يتحدث لنا عن طريقة اختيار المرضى.. وعن نوعية الآلات المستخدمة وطريقة الحجامة ووفتها و أعمار الذين أجريت لهم والنسبة بين النساء والرجال وبين الكبار والصغار والفئات العمرية المختلفة.. كان لا بد أن يذكر ذلك كله بحيادية كاملة ثم تذكر النتائج ثم نصل إلى استخلاص العبرة النهائية من كل هذا وهل يجب اعتماد الحجامة أم يجب رفضها..

لو فعل خالد منتصر ذلك لاحترمت رأيه حتى لو اختلفنا..  فهو يكون قد اتبع منهجا علميا على أي حال- والكلام في المنهج طويل جدا لكن المجال الآن ليس مجاله).. ولكان يمكن أن نخلص إلى نتائج محددة.. لكنه لم يفعل ذلك.. بل رفض وهاجم وصاح بطريقة سوقية مبتذلة وكأن رأيه رأي أرسطو أو رأي الكاهن أو الحاخام الذي يجب على العلماء أن يأتوا بعده ليثبتوا ما يقول ولو بلي أعناق الحقائق. والمؤكد أن سيادته سينال مكافأته على الفور.. ليس بسبب المنهج العلمي الذي تجاوزه وافترى عليه.. بل بسبب السوقية والابتذال والتسطيح والحقد ولي أعناق الحقائق.. وصولا للنيل من الإسلام.. تحت دعم السلطة و أمن الدولة!..

لو أن خالد منتصر يحارب الخرافة باسم الدين لكنت أول من يشجعه.. لكنه يحارب الدين نفسه محاولا أن يصمه بالخرافة..

ثم أنني لم أسمع أبدا أنه يهاجم الطب الشعبي الصيني.. أو الهندي أو اليهودي والأخير بالذات ملئ بالخرافات المضحكة..

لا أريد أن أذكر الإيجابيات وما ثبت عالميا بالأبحاث على عسل النحل أو حبة البركة مثلا .. إنني لا أتحدث عن التفاصيل.. ولكنني أتحدث عن المنهج.. بل إنني أظن أنه لو جاء غدا من يقول أن الفراعنة هم أول من اكتشف الحجامة لانبرى خالد منتصر على الفور للتغزل فيها وللإشادة بعبقرية المصريين القدماء وبصلاحيتها للاستعمال حتى الآن..

نعم.. لنواجه الحقيقة.. فالرجل لا يواجه هذه الممارسة أو تلك.. إنه ضد ما يظن أنه خلف الممارسة..

ولذلك.. لم تهتز له شعرة عندما طيرت وكالات الأنباء أن ثلثي الدواء الذي تطرحه الشركات الغربية في أفريقيا و آسيا دواء مغشوش..

هذا أمر لا يهمه.. ولا يستعديه للهجوم على شركات الدواء العملاقة تلك..

لم يهتز ضميره المبرمج أيضا إزاء فضيحة هائلة وجريمة مقيتة يرتكبها أصدقاؤه من الأطباء الليبراليين  الذين يستعملون المرضى المصريين – وشعوب العالم الثالث-  كحيوانات تجارب يجربون عليهم أدوية تنتجها الشركات الغربية ولم يصرح باستعمالها في الغرب..

لا يهتز ضميره إلا عندما توجد شبهة احتمال ارتباط بالإسلام..

نعم..

ضميره مبرمج.. 

ولهذا.. ولهذا فقط تفتح له الأبواب ..

*** 

حاشية 5


خــــسة


يتميز اليساريون بخسة عجيبة، ولعن الله من ملكهم الإعلام والثقافة.. إنهم يتميزون بقدرة هائلة على الكذب.. وبقدرة أكبر على عدم الخجل عندما يكتشفهم الآخرون، فينتقلون إلى كذبة أخرى على الفور، وتتسم نفوسهم بقدر هائل من الغلظة والسوقية وانعدام الإحساس.. ويبدون في برامجهم كما لو كانوا صيادين لا تعرف قلوبهم الرحمة ولا نفوسهم العدل وشاغلهم الشاغل أن ينصبوا الفخاخ والغزلان والظباء.. بمنتهي الخسة والوحشية.. ثم أن كل برامجهم مصطنعة بما فيها من ضيوف تتخيل أنهم اتصلوا بمحض الصدفة فإذا بالأمر مبيت ومرتب بصورة مثيرة للاشمئزاز الشديد.

لشد ما أحتقرهم..

.. 

حاشية 6


مني الشاذلي..

اكثر الشخصيات احتراما على الشاشة المصرية.. لكن لا تنسوا في النهاية أن التليفزيون المصري عموما أداة من أدوات التضليل والتزوير والكذب.. كما أن هذا التلفاز لا يتبع وزارة الإعلام بل وزارة الداخلية.

منى الشاذلي تمثل استثناء.. لكنه ليس كاملا ( سيظل حديث الإفك عن الاستعراض العسكري لطلبة الأزهر وصمة عار لن تمحى أبدا من تاريخها).

إنها من فئة السائرين على الشوك ( رفعها الله إلى فئة القابضين على الجمر و أعزها بالتقوى) .. ويزيد من قيمتها أن معظم أقرانها وقريناتها معينون على درجة " مخبر" أو "فاجر" مهما اختلف المسمى الوظيفي.

في أحيان كثيرة أتأمل تقلص ملامحها وحديث جوارحها فأقول لنفسي أن ثقافتها وصدقها مع نفسها سيدفعها إما للانسحاب أو لحسم أمرها والمواجهة .. و للتحجب لتطرد!!.


***

حاشية 7 

الدكتور محمد عباس.. المعالج بالأعشاب؟! 

هل هو حقيقي؟ أم طبيب أمن دولة؟!


***

كان ذلك منذ 15 عاما.. وكنت أنشر في صحيفة الشعب الأسيرة سلسلة مقالات بعنوان: " من مواطن مصري للرئيس مبارك" حازت أيامها قبولا واسعا.. ورد سمير رجب بطريقته حيث سلط علىّ – عليه من الله ما يستحقه-  أحد صبيانه (واسمه  ش . ع.  وكان رجب قد عينه رئيس تحرير رغم إدانته والحكم عليه بالسجن ثلاثة أعوام في جناية تسهيل دعارة! وبالمناسبة فقد كان ربيبا لماهر الجندي أيضا.. والعلاقة بين سمير والجندي وصبيهما مشهورة جدا ).. وكتب  رجب موضوعا للهجوم علىّ نشره في الصفحة الأولى .. وكان الموضوع مليئا بالأكاذيب ومنها أنني أستغل لحيتي التي تصل إلى منتصف بطني لخداع الناس – لم يكرمني الله بإطلاق لحيتي إلا منذ أعوام قليلة بعد حجي الثالث و اللهم لا تجعله الأخير - وقال رجب على لسان صبيه   أنني لست طبيبا متخصصا و أنني كونت الجزء الأول من ثروتي بخداع الناس بتجارة الأعشاب حتى تمكنت  من خداع بعض الأمراء العرب بأنني اخترعت عشبا يعيد إليهم شبابهم.. فلما انطلت الخدعة عليهم و أغرقوني بأموالهم طورت عملي فافتتحت مكاتب عديدة لتزويج القاصرات لهم!!.. لكن ثورة الخميني قامت في ذلك الوقت.. فتركت كل شيء وهرعت إليه.. فأعطاني عشرات الملايين من الدولارات وكلفني بإشعال الثورة في مصر.. 

الغريب أن ألف باء التشويه والتشهير أن تعتمد على قليل من الصدق ثم تبني عليها جبالا من الكذب.. لكن ما فعله رجب كان كذبا كله.. والقارئ الذي يتابع مقالاتي يدرك أن السلطة الغاشمة كانت تتمنى أن تجد سم خياط تنفذ منه إلىّ.. لا تآمرا لقلب نظام الحكم يسكتون عنه. ثم أنني طبيب جراح ثم استشاري في الأشعة التشخيصية وليس لعملي ولا لخبرتي أي علاقة بالأعشاب.

كنت مندهشا لذلك كله..

ولم أجد له تفسيرا أبدا طيلة خمسة عشر عام..

ولكن حيرتي انتهت منذ عام أو عامين.. حين فوجئت ببعض رسائل القراء تستشيرني في العلاج بالأعشاب.. ولم ألق للأمر بالا ولم يثر ريبتي ذلك.. وكنت أرد عليهم أنني غير متخصص في هذا الأمر من ناحية.. و أنني من الناحية الأخرى أظن أن نسبة الصحيح إلى الخطأ في العلاج بالأعشاب تضاهي نسبة الصحيح والموضوع فيما بحثه الإمام البخاري من الأحاديث: سبعة آلاف مقسومة على مليون مائتي ألف!!..

ثم بدأت الرسائل تزداد بصورة ضايقتني.. وظننت ظن السوء بخسة بعض اليساريين والعلمانيين.. وقلت لنفسي أنه استهزاء خبيث منهم  ومحاولة لتعكير صفوي والنيل من العلاقة الحميمة بيني وبين القراء..  وذات مرة رددت على أحد القراء الذي سألني علاجا بالأعشاب معاتبا ومغاضبا لأنه ليست لي علاقة ولا خبرة بهذا الموضوع أبدا.. وإذا بالقارئ يرد علىّ بأنه معذور.. وقد كذب ما قرأه في مبدأ الأمر لكن الإلحاح الإعلاني جعله يصدق ما استنكرته فطرته وعقله.. فقد قرأ مئات الإعلانات على الشبكة العنكبوتية عن الدكتور محمد عباس طبيب الأعشاب والمتخصص في علاج الأمراض الجنسية!! ( يستعمل الرجل في إعلاناته أسلوبا داعرا لا يمكن أن يستعمله طبيب.. أو أي شخص محترم) ..واضطر القارئ  في النهاية أن يصدق حزينا أن كاتب المقالات الذي شد ما هز نفسه وروحه هو طبيب الأعشاب الذي يغلب على ظنه أنه نصاب!!.. يقول القارئ أنه قال لنفسه أن المأساة تتكرر مرة أخرى.. و أن الدكتور  محمد عباس يكرر ما فعله جلال كشك الذي كتب كتبا من أعظم الكتب مثل " ودخلت الخيل الأزهر" هو نفسه الذي كتب كتبا أخرى سيئة جدا مثل:"في المسألة الجنسية".. هرعت إلى الشبكة وتبين لي صدق القارئ.. وتعقبت الرجل حتى حصلت على رقم هاتفه.. وتحدثت إليه.. كان أسلوب الرجل سوقيا تماما حتى أنني أشك أنه قد حصل على أي قدر من التعليم..لا أقصد التعليم العالي بل أقصد التعليم الأساسي.. إنني أعتذر للقارئ عن تعبير الازدراء التالي  لكن أسلوب الرجل كان كأسلوب حوذي أو متشرد.. وسألته :

- هل أنت الدكتور محمد عباس إخصائي العلاج بالأعشاب؟

و أجاب الرجل بالإيجاب ( علما بأنه لا يوجد في الطب تخصص للعلاج بالأعشاب!!).. لم أفصح له عن شخصي.. ولكنني بدأت أناقشه في العلاج بالأعشاب و أنني أريد أن أتعاون معه و أريد أن أزوره.. ورحب الرجل بالزيارة  ورفض أن يعطيني عنوانه.. و أعطاني اسم مقهى أطلبه هاتفيا  عندما أصل إليه.. ووقر في خاطري أن أفاجئه لعله يعترف.. فصرخت فيه:

- أنا الدكتور محمد عباس فمن أنت أيها الكذاب؟..

وهنا ارتبك الرجل ارتباكا عظيما وسقط المسماع من يده ثم أغلق الخط.. ولمدة أسابيع بعدها ظللت أحاول طلبه لكنه لم يرد أبدا..

ونسيت الأمر.. حتى فوجئت في الأسابيع الأخيرة بتواجد كثيف له على الشبكة العنكبوتية حيث يختلط اسمه باسمي.. فلا يدري المتجول على الشبكة أن هذا شخص وذاك شخص آخر.

ليس لدي شك كبير في أن هذا الرجل صنيعة سمير رجب و المباحث( هل هناك فرق؟).. و أنهم صنعوه على أيديهم منذ خمسة عشر عاما للشوشرة علىّ إذا لزم الأمر.

وحسبي الله ونعم الوكيل..



ليست حاشية 


نعم.. ليست حاشية.. بل خبرا من أخبار الغد..

إذ يقال.. والعهدة على الرواة.. أن أولي الأمر في بلاد كبيرة.. لا تتم في بلادنا دون أوامرهم صغيرة ولا كبيرة.. قد اشترطوا عند تنحية وزير شاذ تمسكت به السلطة الطاغية الباطشة طويلا.. أن يكون الوزير الذي يليه.. من نفس نوعه.. شاذا مثله.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.






 

 

"من قال لا أعرف الكافر كافرًا فقد كفر" أبو حنيفة 

 "قل يا أيها الكافرون"

هجوم القرضاوي على سيد قطب مذهل!!



هذا مقال ثقيل الوطأة على  قلم كاتبه وقلبه.. ولعله يكون كذلك على وجدان قارئه وسمعه..

هذا مقال لا أحبه.. ولم أرد  أن أكتبه ولا أن أخوض فيه.. تماما كأحداث الفتنة الكبرى حين يتمزق قلبي بين الصحابة.. ليكون الأمر كخنجر ذي حدين أيهما أمسكت جرحك..

نعم.. 

كان الأمر أليما ومرا تماما  كما كان الخلاف بين سيدنا علي وسيدنا معاوية رضي الله عنهما.. (وضرب المثل لا يعني الندية ولا التساوي.. فالله قد ضرب الأقل لنوره.. مثلا من المشكاة في النبراس)..

في الفتنة القديمة كنت لا أتردد لحظة واحدة في الانتماء لسيدنا علي.. دون أجرؤ على الخوض في سيدنا معاوية..

ولقد حدث شئ من ذلك فيما بدر من الشيخ يوسف القرضاوي تجاه الشهيد سيد قطب..

ومنذ البداية أعلن أن مجامع القلب والعقل والروح والوجدان التي تجمعت على نصرة سيدنا علي كانت هي هي التي تجمعت على الانتصار للشهيد سيد قطب..

و أن ذات الخشية التي منعتني من الخوض في أمر الصحابي الجليل سيدنا معاوية هي ذاتها التي تردعني عن مواجهة شيخنا و إمامنا القرضاوي.. 

ولولا أسباب سيقرأها القارئ في متن هذا المقال  لهربت من كتابته ووليت فرارا وجزعا وفزعا ورعبا.. ولقد فصّل شيخنا القرضاوي كثيرا في إبداء أسباب هجومه على الشهيد سيد قطب.. وكان كل سبب أورده رخصة لي أن أواجه شيخنا القرضاوي بمنهجه.. و أضيف على ذلك أنني خشيت أن يظن بعض الناس بعد قراءة هجوم شيخنا على شهيدنا أن حكم التكفير قد نُسخ..وأنه حرم فلا يحل إلى يوم القيامة.. خشيت أن يظن القراء هذا بينما يقول الإمام أبو حنيفة أن عدم تكفير الكافر كفر.. كما خشيت أن يظن الناس أننا نعيش في مجتمع إسلامي لا جاهلية فيه ولا علمانية ولا سب لله ولرسوله وللمؤمنين ولا مطاردة للدين حيثما كان.. خشيت أن يظن الناس أن الحكام أمراء للمؤمنين لا ولاة للشياطين..وخشيت أن يظن الناس أن الجهاد والاستشهاد لم يعودا ذروة سنام الإسلام..

خشيت ذلك كله فأقدمت على ما نكصت عنه.. وولجت فيما حذّرت وحذَرت منه.. ولم يكن نكوصي ولا حذري كما قد يتبادر وليس الأمر – كما قد يتبادر إلى فهم بعض إخوتي من السلفيين – غفر الله لنا ولهم- أمر إرجاء.. لكنه محاولة أعمق لفهم سر الحكمة الإلهية ولإدراك إمكانية التآلف بين المتناقضات..فهذا الإدراك نفسه هو عين القصور البشري الدال على كمال الخالق سبحانه ونقص سواه.. بل إن محاولة الفهم تلك فيما أرى نوع من العبادة والتأمل المنبهر.. و هي محاولة العاجز القاصر العيَيّ لتصور أن أحداث التاريخ قد تكون هي بعينها الأمثلة التي يضربها سبحانه وتعالي بين الناس..وليست مجرد الأمثلة.. بل هي الابتلاء والامتحان حيث لا يُتصور بدونها بلاء ولا امتحان ولا تمحيص .. وهي الفتنة التي لا يجوز لنا أن نحسب أننا مؤمنون دون أن نُختبر بها..  فليس التاريخ إلا قراءة لمعالم حكمته.. وليست أحداثه إلا تبيانا لجلال قدرته.. ومن خلال هذا الفهم فلا مجال لاعتراض أو إنكار أو معاذ الله الله استنكار.. فما من حدث كان إلا وكان يجب أن يكون.. حتى لو غابت عنا في مرحلة أو في مراحل أسرار الحكمة والقدرة والإعجاز فيه..

***

لو أن قائلا قال لي أن الشيخ يوسف القرضاوي أعلم أهل الأرض الآن لما استنكرت..

ولو أن سائلا سألني من هو أقرب علماء أهل الأرض إلى قلبك لكان اسمه في السطر الأول..

ولو أننا صنفنا العلماء المعاصرين بغزارة الإنتاج لنافس شيخنا على المركز الأول بجدارة.. بل و أظننا لن نجد من يطاوله..

و لو أننا اعتمدنا القيمة والاعتدال والوسطية لكان الرائد بلا منازع.. 

بل إنني أشعر بالغضب الشديد إزاء من يهاجمونه ظلما خاصة تلك الفئة المضلة التي تربت في أوكار أجهزة الأمن – مثل الجامية وغيرها من الفرق الضالة  وعلى رأسها  كتائب كلاب الصيد من بقايا العلمانيين والشيوعيين- والتي تكتب وتتصرف كما لو كان الحاكم – أستغفر الله- هو الله.. لقد مرقوا من الفكر الصحيح.. ونكصوا عن مناهج السلف  وتبنوا فكرا دخيلا بدعيا منحطا يتقصى المتشابه من أقوال العلماء.. فإن لم يجد نسبه بالكذب إليهم .. ثم يضفر الأكاذيب والمتشابهات في حبل واحد يروم به خنق ذلك الشيخ  وفضحه والقضاء على سمعته و إسقاطه بين الناس..   وهم يمارسون ذلك في جرأة ووقاحة قل أن يوجد لها في التاريخ نظير..َ  والمذهل حقا أن أساس  تصنيفهم للعالم والفقيه ، هو موقفهُ من الدولةِ، التابعة أصلا لأمريكا  والتي تقيم شرع الأمم المتحدة لا شرع الله .. فإن كانَ موقفُ الشيخ ِ مناهضاً لذلك مناديا بالجهاد  ، ويدعو تغيير ِ الوضع ِ القائم ِ ، فإنّهُ من الخوارج ِ ، أو من المهيّجةِ ، أو من المبتدعةِ الضالّينَ ، ويجبُ التحذيرُ منهُ وإسقاطهُ !! . بل لقد بلغت بهم الصراحة والوقاحة – على سبيل المثال أن أفتوا  بتحريم قتال الامريكان في العراق!!.. بل وحكموا على المجاهدين بأنهم  مشكوك في ايمانهم!!. وكانت تحرك مواقفهم دائما الرغبة الجامحة في خدمة طواغيت الحكم المعاصرين الذين تغيظهم كتابات علماء الجهاد والصحوة ..

 ولقد كان من أبرز من استهدفتهم هذه الفئة الضالة المضلة بعد الشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري والملا محمد عمر هم الشيخ سيد قطب والشيخ محمد قطب والدكتور يوسف القرضاوي..!!.. ولم يذكر عنهم أبدا أنهم هاجموا حاكما محليا أو طاغوتا أجنبيا!!.. وكنت أظن دائما أن الشهيد سيد قطب والشيخ يوسف القرضاوي في نفس الشعبة الناجية حتى نشب الخلاف بل استعر.. وهو في الحقيقة ليس خلافا .. بل هجوما من طرف واحد هو طرف شيخنا و إمامنا وعالمنا الشيخ يوسف القرضاوي.. أما من وقع عليه العدوان فهو الشهيد سيد قطب.

كيف هان على شيخنا و إمامنا وعالمنا أن يجرّح شهيدنا بهذه الصرامة والقسوة.. كيف.. وهو الحليم الرحيم..!

*** 

لقد كتبت في مقال سابق عما رآه قلبي رأي العين من كرامة للشيخ يوسف القرضاوي ( و أقول الشيخ.. لأن هذا اللقب أكبر عندي و أعز من لقب الدكتور)  حينما هاجمه أمامي طاغوت فاجر من طواغيت الأمن ظن أن الأرض قد دانت له و أنه مخلد في منصبه.. واشتعل قلبي بالغيظ والغضب فرفعت يديّ إلى السماء هاتفا: اللهم إنك تعلم أني أعلم عن نفسي أنني أقل كثيرا جدا من أن أكون مستجاب الدعوة.. ولكنها يا رب ليست دعوتي و إنما هو وعدك.. ووعدك حق.. اللهم إنهم أعلنوا الحرب على وليك يوسف القرضاوي و أظهروا له العداوة والبغضاء فاللهم آذنهم بحربك.. اللهم أذلّهم.. اللهم لقد نالوا من عبدك القرضاوي فنل منهم يا رب.. اللهم لقد أغاظوني فأغظهم..

ووالله الذي لا إله إلا هو.. لم يمر أسبوع واحد إلا وكان طوفان الغضب من أكبر المسئولين في الدولة يجتاح هذا الطاغوت لأمر تافه جدا.. لكنها المشيئة حين تقضي.. وفصل الطاغوت من عمله الذي عبده من دون الله.. ونكل به تنكيلا شديدا جدا و أهين إهانة ليس بعدها إهانة حتى أصيب بانهيار عصبي..

هذه واقعة لا أقول أنني عاصرتها بنفسي فقط.. بل أؤكد أنني كنت طرفا فيها..

وهذا كله يظهر للقارئ كم أن هذا المقال ثقيل علىّ ومقيت.

*** 

ولنعترف منذ البداية بأن الشيخ يوسف القرضاوي يقدر الشهيد سيد قطب تقديرا كبيرا فيقول عنه:

لا يشك دارس منصف ولا راصد عدل في أن سيد قطب مسلم عظيم، وداعية كبير، وكاتب قدير، ومفكر متميز، وأنه رجل تجرد لدينه من كل شائبة، وأسلم وجهه لله وحده، وجعل صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين لا شريك له. ولا شك في إخلاص سيد قطب لفكرته التي آمن بها، ولا يشك في حماسه لها، وفنائه فيها، وأنه وضع رأسه على كفه، وقدم روحه رخيصة من أجلها. 

ولا ريب أنه قضى سنوات عمره الأخيرة وهو في السجن يجلي الفكرة، ويشرحها بقلمه المبدع، وبيانه العذب، وأسلوبه الأخاذ. كما لا ريب أن كتبه تعطي قارئها شحنة روحية وعاطفية دافقة ودافئة ودافعة، توقظه من رقود، وتحركه من سكون؛ لما فيها من حرارة وإخلاص. 

*** 

لم أكن أتصور ولا أريد من شيخنا أن يتغاضى عما يراه أو يتصوره من أخطاء عند الشهيد.. وهو ليس معصوما بأي حال.. وليس هناك من ادعى ذلك أبدا.. وكنت أتصور أن يعرض الشيخ فكره بمنهج أن رأيه صواب يحتمل الخطأ بينما رأي سيد قطب خطأ يحتمل الصواب.. لكن شيخنا لم يفعل ذلك.. لقد كان حادا كالسيف.. حارقا كاللهب.. مُدينا دون احتمال للبراءة.. وكنت أقول في ألم: حتى لو كان رأي الشيخ صحيحا.. و أحسبه ليس كذلك.. فما الذي دعاه إلى تفجيره بهذه الصورة ونحن وسط العواصف والأنواء.. وخنازير الأجانب وكلاب العلمانية يتلمظون ككلاب جائعة لكلمة تخرج من شخص في قامة شيخنا الكبير .. و أنهم لن يستخدموها لإظهار حق بل لطمسه وتشويهه.. وكانت هناك طرق كثيرة تصورت أن الشيخ الجليل سيستخدمها لتصويب ما رآه خطأ.. ولكنه لم يفعل ما تصورته.

*** 

كان الاتهام الرئيسي الذي وجهه شيخنا الجليل للشهيد أنه يكفر عامة المسلمين. إن "سيد قطب ينظر إلى مسلمي اليوم نظرته إلى مشركي الجزيرة العربية قبل البعثة"، وأن "مشكلة سيد قطب أنه لا يعرف سوى الإيمان والكفر". ثم تطرق الأمر بعد ذلك إلى الحاكمية والمفاصلة والجاهلية..

 وكان هذا بالضبط ما يتمناه أعداؤنا في الداخل والخارج.. لأن الشيطان الذي يحتل قلوبهم كان يدفعهم على الفور للمرحلة التالية لتكون معادلة الشيطان على هذا النحو:

- الشهيد سيد قطب يكفر عامة المسلمين.

- من المؤكد أن عامة المسلمين ليسوا كفارا.

- من كفر أخاه فقد باء بها أحدهما..

- إذن فسيد قطب مشكوك في إيمانه والإخوان خوارج.. والخوارج إرهابيون.. وهذا بالضبط هو المطلوب إثباته.. وهذا ما تقول به أجهزة الإعلام الشيطاني سواء كانت أجنبية أم محلية.

ومن المؤكد أن هذه النتيجة أبعد ما يكون عما قصده شيخنا الجليل.. فما الذي أوقعه في هذا الأمر 

إذن.

*** 

لقد أجهدت نفسي في محاولة فهم السبب الذي دفع شيخنا الجليل لذلك..

قلت لنفسي: هل يقصد شيخنا إلى نوع من التقية.. لقد وجد أن الهجوم كاسح على أفكار الشهيد.. وأنه هجوم لا يمكن بالطاقات المتاحة تحت ظل خيانة الحكام مواجهته.. فلا مناص إذن – ولا تثريب أيضا- على محاولة الهروب لتجنب الهجوم حتى ولو بالتنكر لأفكار سيد قطب.. وليست محاولة الهرب تلك دليل على نقص في الشجاعة بل على مزيد من حكمة فقه فهم الواقع..فالأمر يشبه مجموعة جهادية أطبق عليها الطاغوت فمن حق كل فرد فيها أن يتنكر لإخوانه كي يتمكن من مواصلة الجهاد..  إن سب الرسول نفسه صلوات الله وسلامه عليه مباح عند الضرورة  لمن اطمئن قلبه بالإيمان.. أفلا يكن سب الشهيد جائزا.

والحقيقة أنني كنت ألوي عنق الحقيقة ولم أقتنع أنا نفسي بما بررت بل أدركت على الفور مدي سخافته.

ثم أن هذا الاحتمال الذي أدركت على الفور سخافته لم يكن يفسر إصرار الشيخ على إدانة الشهيد بقسوة لم أعهدها فيه وهو الرحيم.. وبتطرف ليس من شيمته وهو رائد الوسطية.. فلو صح ظني السخيف لأدان الشيخ الشهيد لكن دون حماسة و إصرار  كما فعل.

ثم أن ما يطعن في هذا الاحتمال أيضا أن ذكاء وموسوعية  وحنكة الشيخ يوسف القرضاوي لا تجعله يقع في مثل هذا الخدعة التي يريد طواغيت الداخل والخارج أن نقع فيها..إنهم يريدون إصابتنا بالشلل الكامل سدا للذرائع.. لا تفعل كذا كي لا يفعل الأعداء كذا.. وتتعدد المحاذير حتى تتحول الحياة كلها إلى محذور محظور كبير  وحتى نصل إلى شلل أشبه بالموت.. لا أتصور أبدا أن الشيخ القرضاوي يمكن أن يصدق ذلك.. ولا أتوقع أنه يتصور أنه بالهجوم على الشهيد سيد قطب ينقذ طائفة من المسلمين.. لأن القرآن حدد لنا شروطهم كي يرضوا عنا.. أن نتبع ملتهم..

هذا الاحتمال إذن مرفوض تماما ومدحوض..

*** 

سألت نفسي:

هل يمكن أن يكون شيخنا الجليل واجدا على الشهيد العظيم – إن شاء الله- ومتهما له بأنه السبب بالعصف بالإخوان المسلمين عام 65 وإعادة تعريضهم لانتقام الجهاز الباطش الجبار المجرم؟..

إن بعض كبار الإخوان المسلمين يقولون ذلك.. وما يزالون يتباهون بما حذروا منه وما تحقق.. ورأينا في هؤلاء أننا لا نشك أبدا في إخلاصهم واقتناعهم بما يقولون أما ما نشكك فيه فهو صواب ما وصلوا إليه.. كما أننا نضطر آسفين إلى التفرقة بين وجهين للصورة.. صورة المفكر وصورة الموظف.. فقد يكون الموظف كبيرا جدا ويكون دوره هائلا في العمل التنظيمي  لكنه لا يجيد الفكر بمعناه الكلي النبيل السامي الذي يقترن فيه القلم بالاستعداد للاستشهاد بقول كلمة حق أمام سلطان جائر.. ولكي نضرب مثلا على ذلك فإننا نقول أن أستاذا كبيرا في الأدب العربي قد يكون خبيرا جدا بالعروض لكنه لا يستطيع تأليف بيت شعر واحد. 

الفارق هنا أيضا يمكن تشبيهه بالفارق بين جندي عادي واستشهادي.. هذا شئ وذلك شئ آخر.. ولا يمكن المقارنة بينهما على الإطلاق.

لكن الدكتور يوسف القرضاوي ليس موظفا, إنه مفكر كبير وفقيه وعالم.. فما الذي أوقعه فيما وقع فيه الموظفون الذين نكن لهم الاحترام كله..

ذلك أن هذا التصور القاصر يقع في خطأين كليهما فادح.. واحد منهما فكري والآخر ديني.

أما الخطأ الفكري فهو تصور أن العلاقة بين الإخوان والسلطة كانت علاقة فعل ورد فعل. ولم يكن الأمر كذلك أبدا إلا في ذهن مجموعة من البسطاء السذج أو المعتوهين أو العملاء. إن السياسة ليست محل بقالة صغير تكون مشتروات مالكه مجرد رد فعل لطلبات المترددين على محل بقالته.. والذي ينشئ شركة صغيرة يدرك على الفور مدي الحسابات المعقدة والتخطيط الذي يتضمنه إنشاء هذه الشركة ومن أهم ما فيه دراسة التصور المستقبلي لهذه الشركة.. كما أن المخططين لهذه الشركة لا يكتفون بتغير المناخ المحيط بالشركة بل هم يسعون سعيا إلى تغيير هذا المناخ المحيط وخلق واقع يؤدي إلى ازدهار شركتهم.. يتم هذا على مستويات الشركات الصغيرة فما الذي يمكن أن يتم على مستوي تنظيم عالمي كالإخوان المسلمين.. و أذكر هنا بما أشعل وجدان الشهيد – إن شاء الله – سيد قطب عندما رأى فرحة الأمريكيين باغتيال الإمام الشهيد حسن البنا..

إن أي دارس سيكتشف على الفور أن علاقة الإخوان بالدولة لم تكن علاقة فئة سياسية – معارضة أو موافقة- بالنظام.. بل كانت صراعا بين فئة يلزمها دينها بعدم الفحش وعدم الكذب وعدم الخداع بفئة تستمرئ هذا كله في سبيل الوصول إلى غاياتها و أغراضها.. ولسنا نغفل بالطبع بعض أخطاء للإخوان.

نعم.. السلطة تضرب الإخوان بنفس المنطق والمنهج الذي تضرب به إسرائيل المسلمين خاصة الفلسطينيين.. والمنهج الذي تحطم به أمريكا العراق.. إن كل سبب هو خدعة.. وكل تبرير كذبة.. وكل هدف غواية.. وكل مصلحة مؤقتة رشوة.. وكل ادعاء بالطهارة عهر.. وكل قسم على حسن النوايا يخفي خلفه الغدر..

العلاقة محكومة بتصورات سابقة التجهيز تنتهز الفرصة فإن لم تحدث الفرصة تلقائيا تم اصطناعها..

الجانب الآخر للخطأ في تصور أن ما يحدث للإخوان هو نتيجة لتصرفاتهم هو  خطأ عقدي يتعلق بدور الفرد في التاريخ وعلاقة ذلك بالقضاء والقدر وما هو مكتوب في اللوح المحفوظ.. وكأن المقادير المقدرة  يغيرها تصرف بشر. وهذا موضوع واسع جدا لا يتسع المجال لطرحه.. لكننا نتساءل في عجالة: هل كان تاريخ الإخوان المسلمين والعالم سيتغير لو نجحت المؤامرة التي دبرها عبد الناصر عليه من الله ما يستحقه ضد المرشد الأستاذ حسن الهضيبي رضي الله عنه و أرضاه؟.. لو أن السندي- رئيس التنظيم الخاص.. أو السري كما يحلو لعملاء السلطان تسميته- قد نجح في إزاحة الإمام الهضيبي؟.. بل أتساءل تساؤلا آخر: هل كان يمكن أن يكون للإخوان المسلمين كل هذه القوة والبهاء لو لم يكونوا قد مروا بما مروا به من محن؟..

ثم.. ألا يلخص التاريخ البشري كله أن "اللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ"..

الله هو الغالب.. مهما فعل الجلاد ومهما فعلت الضحية!

 *** 

سألت نفسي في خجل وفي إعياء وفي ألم و أنا أدعو الله أن تكون كل ظنوني إثما يجب أن أستغفر الله عنه:

هل يمكن أن تكون الغيرة قد تحركت في قلب الشيخ نحو الشهيد؟.

 ربما يكون الشيخ يوسف القرضاوي أكبر من عالم وأكبر من أستاذ و أكبر من شيخ وأكبر من فقيه.. لكن المؤكد أنه أقل من شهيد..

فهل أدركه نوع من الحسد والغيرة كما يلمح إلى ذلك الأستاذ أحمد عبد المجيد في كتابه الهام الإخوان وعبد الناصر.

ولكن الشيخ نفسه ينفي ذلك حيث يقول:

إن الشيخ نفسه ينفي ذلك حيث يقول:

ولم أكن أقصد أن أخوض هذه المعركة التي دخلتها على كره مني، فليس بيني وبين سيد قطب إلا كل مودة ومحبة واحترام، بل أكن له ما أكنه لأئمة الدعوة مثل حسن البنا، والمودودي، والسباعي، والغزالي وغيرهم. وأنا لست من أقران سيد قطب حتى يتصور البعض أن يكون بيني وبينه من التغاير ما بين الأقران بعضهم وبعض. على أنّا -وإن جمعتنا ساحة الدعوة- يظل لكل منا ميدانه وحلبته التي يصول فيها ويجول، فبيننا عموم وخصوص من وجه كما يقول المناطقة.

ما أريد أن أقوله أن الإنسان لا ينفي العدم.. بل ينفي ما يغلب على الظن وجوده.. حتى أنني أرى أن كلمة : "لا إله" حتى قبل أن نكملها بباقي الجملة: "إلا الله" تعنى الإيمان بالله سبحانه وتعالى وليس نفي الإيمان به.. إن الإنسان لا ينفي ما يجهل بل ما يعلم وتلك معجزة أخرى في اللغة يتساوى فيها المعنى وضده!. نعم .. أنت لا تنفي أنك كنت في المريخ الأمس.. فالنفي لا يكون إلا لما يمكن أن يحدث.. كذلك لا يكون النفي لمجهول.

ما أريد أن أقوله أن نفي الشيخ الجليل " التغاير ما بين الأقران بعضهم وبعض"  يثبت الغيرة  أكثر مما ينفيها.

ولقد أجهدت نفسي في محاولة تقصى شكل وسبب تلك الغيرة. إن الشيخ ضخم وهائل وكبير حتى أن مجرد تقبل فكرة أن يغار من أي واحد في هذه الدنيا صعب جدا.. فما من ملك يضاهيه وما من رئيس يساويه.. كما أنه ليس لمفكر مهما كان أن يتعالى على الشيخ.. فكيف يمكن للشيخ أن يغار.

قلت لنفسي أن حكمة الخالق اقتضت عدم الكمال للبشر وعدم العصمة إلا للأنبياء.

قلت لنفسي : لعل الله شاء أن يقع شيخنا القرضاوي في هذا الخطأ وغيره حتى لا يفتتن الناس به أو يظنوا أن كل ما يقوله صواب.

( لعل القارئ يذكر مقالا شديدا لي كتبته عتابا لشيخنا الجليل بعوان: "إلفظها فإنها مسمومة" وكنت أعني فتواه بجواز قتل الجندي الأمريكي المسلم لإخوته في أفغانستان.. وهو خلاف لم يقلل من إعجابي بالشيخ أبدا.. ولم يخطر ببالي أنني أفضحه به أو أقلل قيمته بين الناس.. لكن المحزن أن شيخنا الجليل اعتبر انتقاده لسيد قطب يفعل ذلك) .

***  

هل هو نوع من تأنيب الضمير.. لقد غادر شيخنا القرضاوي البلاد بعد بدايات المحنة الأولي.. غادرها طالبا.. ولا تثريب عليه في ذلك أبدا ولا عتاب.. أما الشهيد سيد قطب فقد أبي أن يغادر مطلوبا .. وكانت الدعوات الموجهة إليه على مستوى الرؤساء والملوك.. فهل لذلك أثر أو دخل؟!..

ولم تكن المقارنة أمام الشهيد بين ضيق هنا وفرج هناك.. بل كانت بين الفرج هناك والاستشهاد هنا.. كان يتوقع الاستشهاد.. بل ربما كان واثقا منه.. ومع ذلك فقد اختاره.. فهل ينكأ هذا الاختيار النبيل في قلب شيخنا الجليل جرحا أو حرجا؟!

***  

لم أحل المشكلة ولم أفك المعضلة.. لكن خاطرا خطر لي.. حين قلت أن الشيخ يوسف القرضاوي كالماء الذي لا يمكن أن تقوم الحياة أو أن تستمر بدونه.. و أن الشهيد سيد قطب كالماء الثقيل الذي يدخل في صناعة القنابل النووية.. و أن قطرات من الماء الثقيل تساوي آلاف الأطنان من الماء العادي,, ولكن الأمة لا غنى لها عن كليهما..

قد يكون الشيخ يوسف القرضاوي أعلم و أفقه من الشهيد.. لكن الأمر هنا لا يقاس بذلك.. و إنما يقاس بشئ وقر في قلب الشهيد جعل كلماته جهادا وحياته استشهادا واستشهاده كاستشهاد الحسين رضي الله عنه وقودا يغذي الجهاد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. ومن هذا المنطلق فلعل الشيخ الجليل قد نظر إلى المعالم أو الظلال وما حققاه من شهرة ومكانة في قلوب الناس فقارنه بما حققته كتبه هو.. وهو كثير جدا.. لكن يظل الفارق بين كتب الشيخ وكتب الشهيد هو نفس الفارق بين أطنان الماء وقطرة ماء ثقيل.

هل مست الغيرة قلب الشيخ من أجل ذلك..

إنني أحاول ما استطعت أن أفهم.. لكنني لا أستطيع..

وقلت لنفسي في النهاية لعل الله يكرم الناس بأن يجعلهم يرون هذا العلامة الهائل يخطئ و أن يكونوا هم الذين يردونه.

*** 

يبقى احتمال الاجتهاد والخطأ والأجر الواحد..

لكن ما أريد أن أركز عليه هو أن شيخنا الجليل كان صادقا تماما في أحاسيسه وفكره لكن هذا لا يعني أن صدقه هذا تمخض عن صواب..

***

يحسب لشيخنا الجليل الدكتور يوسف القرضاوي  أن أقوى الانتقادات ضده في هجومه على الشهيد سيد قطب  قد تم نشرها على مواقع تابعة له .. ولنقرأ - باختصار- ما كتبه الدكتور كمال المصري – أحد المستشارين  لموقع إسلام أون لاين-  الذي لا يكتفي برأيه  ولكنه يعرض أيضا لمجموعة من آراء العلماء والمفكرين، ويبدأ الدكتور كمال المصري بالتأكيد على مسائل ثلاث:

المسألة الأولى: أن الأستاذ "سيدًا" لا يعدو عن كونه بشرًا يصيب ويخطئ، ويُؤخَذ من كلامه ويُردُّ، وأنه لا معصوم إلا الحبيب صلى الله عليه وسلم، لذا ليس يعيبه أن يخطئ، بل يكفي المرء شرفًا أن تُعَد معايبه لقلتها وندرتها. 

لذا عندما أضع تعليقاتي على مقولة التكفير هذه أنا لا أدافع عن الأستاذ "سيدٍ" لمجرد أنه لا يخطئ، بل لأنني أرى أنه لم يقل بهذا الرأي ولم يكن يعنيه بحال حتى عند حديثه عن الجاهلية والردة وغير ذلك، وهذا لا يعني أنه لا يخطئ، بل أرى أنه رحمه الله تعالى جانبه الصواب في مسائل أخرى كمسألة التجديد، وفهمه لمعنى الجهاد، وغير ذلك، وهي مسائل فقهية مرتبطة بالواقع الذي يعيش فيه المرء، والخلاف حولها قديمٌ بين العلماء. 

كما أن ما سأستدل به لا يعفي من فهم من كتاباته التكفير من المسئولية عليه هو شخصيًّا لا على من قال كلامًا قد يُفهَم منه ذلك. 

المسألة الثانية: أن نعرف ونفهم وندرك بوضوحٍ وجلاءٍ أن الأستاذ "سيدًا" رحمه الله تعالى "أديبٌ" وليس "بفقيهٍ ولا أصوليٍّ"، وما هو مطلوبٌ من "الأديب" ليس هو ذاته المطلوب من "الفقيه أو الأصوليّ"، وحين يكتب "الأديب" لا يكون محدَّدًا ودقيقًا وجازمًا في كلامه، ولا مطلوبٌ منه ذلك، بينما حينما يكتب "الفقيه أو الأصوليُّ" فلا مجال للبس في ما يكتب أو يستدل، بل يجب أن يكون واضحًا دقيقًا ومحدَّدًا، حتى لا يلتبس الفهم على أحد. 

إننا إن فهمنا هذه الخلفية واستوعبناها جيِّدًا ندرك أن ما كتبه الأستاذ "سيد" كان كتابة أديبٍ يحمل في طيات كلماته المجاز والبلاغة وجمال العبارة وعدم المباشرة حتى وهو يكتب في "ظلال" القرآن الكريم وآياته، وحتى وهو يتطرق لمفاهيم ومصطلحات إسلامية. 

وإن فهمنا هذه الخلفية واستوعبناها جيِّدًا كذلك نعرف أن نظرتنا لكتاباته على أنها آراء وأقوال صدرت من فقيهٍ أو أصوليٍّ، وتحميل هذه الأقوال بما تعارف عليه الفقهاء والأصوليون من محدداتٍ واصطلاحات كان خطأً كبيرًا أدى بنا إلى هذا الفهم الذي ما كان ليصلنا لو تعاملنا مع كتاباته تعاملاً سليمًا من البداية. 

المسألة الثالثة: أن قضية اختلاف الرأي، ووجود الرأي والرأي الآخر، مسألةٌ أصيلةٌ علينا أن نقبلها ونتقبلها بصدرٍ رحبٍ، فليس معنى دفاعي عن وجهة نظري في كتابات الأستاذ "سيد"، ليس معنى هذا تجريحي أو طعني أو اتهامي لمن خالفني الرأي، وإنما هو وجهات نظرٍ، واختلافٌ في الرأي، من حقِّ كلِّ أحدٍ أن يرى ويكتب ما يقتنع به، مع حفظ الودِّ والاحترام بين جميع الأطراف، مع التأكيد على عدم رفض كلِّ ما يأتي من هذا الطرف أو ذاك لمجرد أنه من فلانٍ الذي خالفته في مسألةٍ ما، ويبقى لكلٍّ فضله ومكانته ومنزلته. 

إن مساحة سعة الصدر عند الاختلاف يجب أن تتأكد وتتضح، ويبقى الودُّ هو الأصل والأساس. 

وجب التنويه إلى هذه المسائل الثلاث كي تتوضح الرؤى، وحتى لا يساء فهم ما أكتب، أو يساء استخدامه. 

ثم يواصل الدكتور كمال المصري:

أما تعليقاتي على مقولة تكفير الأستاذ "سيد" للمجتمع، فأرى أنها خاطئة نتجت عن سوء فهمٍ لما كتب، وعن عدم إدراك "أدبيته" لا "فقهيته"، وعن اجتزائها من سياق كتابات الأستاذ "سيد"، وعدم ربطها بأفعاله، فهو لم يكن يومًا مكفِّرًا للمجتمع بالصورة التي فهمها من فهمها هكذا، ودلائلي على ذلك متعددة ومتنوعة المشارب، وهي: 

1- "الظلال" و"المعالم" بين "القارئين" و"المكفِّرين": 

لقد قرأ "الظلال" و"المعالم" الملايين، ولكن كم منهم فهم منهج التكفير من هذه الكتب وتبنى هذا المنهج؟؟ 

"القطبيون" المكفِّرون الذين ظهروا متأثرين بهذا الفكر ظهروا نتيجةً لظروف التعذيب والإذلال التي رأوها في السجون، فوجدت أفهامهم في كلمات الأستاذ "سيد" ملاذًا لهم وحجةً لتعويض إحساسهم بالقهر الذين يرونه ليل نهار، وأفهامهم هذه كانت ستصل إلى نفس النقطة حتى ولم تكن كتابات الأستاذ "سيد" موجودة، لأنهم يريدون هذا، فليست المشكلة في كتابات الأستاذ "سيد"، وإنما المشكلة في الظروف التي أوصلتهم لما وصلوا إليه، ولو لم يجدوا كتابات الأستاذ "سيد" لبحثوا لهم عن كتابات وحججٍ أخرى. 

أعود لتساؤلي السابق: لقد قرأ العالَمون "الظلال" و"المعالم"، فلِمَ لم يظهر منهج التكفير إلا من هذه الفئة القليلة؟؟؟ 

إن المشكلة في الظروف المحيطة وفي أفهام هؤلاء، وليست في ما كتب الأستاذ "سيد". 

2- المكفِّرون وعدم اعتماده عندهم كمرجع: 

بالمشاهدة والقراءة والمعرفة، تأكد لي أن الكيانات "التكفيرية" التي قامت في أوساط المسلمين لم يقم أيٌّ منها بالاستشهاد أو الاستدلال بكتابات الأستاذ "سيد"، بل إن عددًا من هذه الكيانات قد كفَّرته وأخرجته من ملة الإسلام، ولو كانت كلماته تعطيهم الحجة لما وصلت إليه أفهامهم من تكفير المسلمين، لما كانوا تراجعوا لحظةً عن الاستدلال والاستشهاد بها بدل تكفيره. 

وحتى ادعاء عديدٌ من الكتَّاب أن شكري مصطفى قائد جماعة "التكفير والهجرة" -أو "جماعة المسلمين" كما كانت تسمي نفسها- كان منبع فهمه وفهم جماعته كتابات الأستاذ "سيد"، حتى هذا الادعاء هو ادعاءٌ باطلٌ، ولا أدلَّ على ذلك من نقلي لهذه الكلمات التي وردت في كتابٍ طرحته الجماعة الإسلامية في مصر ضمن إصداراتها لعام 1997م، تردُّ فيه على الشيخ الألباني وتؤكد فيه ما أقول، وهذا نصٌّ من هذا الكتاب: 

"ثالثًا: وبعد بيان خطأ الكاتب فيما نسبه للجماعة الإسلامية، نحب أن نؤكد له ولغيره أن الجماعة الإسلامية تقدر الأستاذ سيد قطب رحمه الله أعظم التقدير، وله في قلوب أبنائها مكانة خاصة، بيد أن الجماعة لم تنسب منهجها إلى الظلال أو المعالم ولم تقل إنها أخذت فكرها منهما وإن كانت كثيراً ما تستشهد بأقواله رحمه الله باعتباره واحداً من دعاة الإسلام ورجاله المعدودين في هذا العصر . 

إننا نؤكد أن الجماعة الإسلامية لم تكن يومًا من هؤلاء الذين نسبوا إلى الأستاذ سيد رحمه الله ما لم يقله وادعوا زورًا أنه في المعالم أو الظلال . 

رابعًا: وإن الإنصاف ليقتضي هنا أن أبريء ساحة الجماعة التي تسمي نفسها جماعة المسلمين من جزء مما نسبه إليها الكاتب، فإنه وإن كان شكري قد قال بكثير مما نسبه الكاتب إليه إلا أن المعروف أن شكري لم ينسب ذلك إلى الأستاذ سيد رحمه الله، وقد قرأ كاتب هذه السطور بعضًا من مخطوطات شكري -غفر الله له- وقابل الكثيرين من أتباعه وناقشهم، ويمكنني من خلال ذلك كله أن أقول إن شكري لم يكن يعتد بأقوال أحد من العلماء المتقدمين ولا المتأخرين، وكان يرى الحجة في القرآن والسنة وحدهما، وكان يرى أن معجمًا لغويًّا يكفي لفهم القرآن والسنة مع الاستعانة بأدلة الفطرة أو الأدلة العقلية، وما سيد قطب عند شكري إلا كغيره من الناس لا يعتد به ولا ينسب فهمه إليه، وقد يكون تأثر به في بداية سجنه، ولكن الحديث هنا ليس عن روافد شكري الفكرية، وإنما هو عن الأسس التي أقام عليها جماعته" انتهى من كتاب "وقفات مع الشيخ الألباني حول شريط (من منهج الخوارج)"- الطبعة الأولى- 1418هـ1997م– من إصدارات الجماعة الإسلامية بمصر. 

ومع تذكيري بما أشار إليه هذا الكتاب من عدم اعتماد الجماعة الإسلامية أو شكري مصطفى كتابات الأستاذ "سيد" كمستندٍ لاعتقاداتهم، إلا أنني أحب التأكيد على عبارةٍ مهمةٍ وردت في هذا الكتاب، وهي قولهم: "إننا نؤكد أن الجماعة الإسلامية لم تكن يومًا من هؤلاء الذين نسبوا إلى الأستاذ سيد رحمه الله ما لم يقله وادعوا زورًا أنه في المعالم أو الظلال" فهنا نجد أن الجماعة الإسلامية نفسها وصفت من ادعى أن الأستاذ "سيدًا" كان يقول بتكفير المسلمين، وصفت ذلك بأنه زورٌ لم يقله الأستاذ "سيد"، ولم تحمل كتبه هذا الفهم، وأظن أن هذا من أهم وأدق الأدلة على ما نقول. 

ثم يتناول الدكتور كمال المصري  مقتطفات من "الظلال" اعتمد البعض عليها في إدانة الشهيد سيد قطب تتلوها مواقف الشهيد و أقواله والتي تدحض فهم أولئك الذين اتهموه بالتكفير.. يقول الشهيد مثلا في الظلال:

- "إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولةٌ مسلمةٌ ولا مجتمعٌ مسلمٌ قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي" (ظلال مقدمة سورة الحجر). 

فنفيه الإسلام عن الدولة والمجتمع لم يكن نفيًا مطلقًا أو عامًّا، وإنما كان يتحدث عن معنى مقيَّدٍ واضحٍ هو عدم وجود دولةٍ أو مجتمعٍ يعتمد الشريعة كاملةً كمنهج حياةٍ والفقه الإسلاميَّ كمبدأ تحاكمٍ وقضاء. 

- "إن هذا الكون بجملته لا يستقيم أمره ولا يصلح حاله، إلا أن يكون هناك إلهٌ واحدٌ، يدبِّر أمره و(لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا).. وأظهر خصائص الألوهية بالقياس إلى البشرية تعبّد العبيد، والتشريع لهم في حياتهم، وإقامة الموازين لهم، فمن ادعى لنفسه شيئًا من هذا فقد ادعى لنفسه أظهر خصائص الألوهية، وأقام نفسه للناس إلهًا من دون الله. 

وما يقع الفساد في الأرض كما يقع عندما تتعدد الآلهة في الأرض على هذا النحو، عندما يتعبد الناس الناس، عندما يدعي عبدٌ من العبيد أن له على الناس حق الطاعة لذاته، وأن له فيهم حق التشريع لذاته، وأن له كذلك حق إقامة القيم والموازين لذاته، فهذا هو ادعاء الألوهية ولو لم يقل كما قال فرعون: (أنا ربكم الأعلى)" (سورة آل عمران- ظلال الآيات 58- 64). 

فحديثه هنا واضحٌ في مسألة اتخاذ الأرباب من دون الله تعالى، والتأله، والقيام بحق التشريع للبشرية، وهذه كلها لله تعالى وحده، وكلامه كله هنا عن هذا الذي قام بتعبيد الناس له، ولم يتحدث حرفًا واحدًا عن الناس الذين استعبدوا، ولم يتطرق لتكفيرهم. 

ويواصل الدكتور كمال المصري:

- "وقد بهتت صورة الزكاة في حسنا وحس الأجيال التعيسة من الأمة الإسلامية التي لم تشهد نظام الإسلام مطبقا في عالم الواقع؛ ولم تشهد هذا النظام يقوم على أساس التصور الإيماني والتربية الإيمانية والأخلاق الإيمانية فيصوغ النفس البشرية صياغة خاصة ثم يقيم لها النظام الذي تتنفس فيه تصوراتها الصحيحة وأخلاقها النظيفة وفضائلها العالية ويجعل الزكاة قاعدة هذا النظام في مقابل نظام الجاهلية الذي يقوم على القاعدة الربوية، ويجعل الحياة تنمو والاقتصاد يرتقي عن طريق الجهد الفردي أو التعاون البريء من الربا". 

ثم يقول: "إن الله سبحانه يعد الذين يقيمون حياتهم على الإيمان والصلاح والعبادة والتعاون أن يحتفظ لهم بأجرهم عنده، ويعدهم بالأمن فلا يخافون، وبالسعادة فلا يحزنون، لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، في الوقت الذي يوعد أكلة الربا والمجتمع الربوي بالمحق والسحق وبالتخبط والضلال وبالقلق والخوف. 

وشهدت البشرية ذلك واقعًا في المجتمع المسلم؛ وتشهد اليوم هذا واقعًا كذلك في المجتمع الربوي، ولو كنا نملك أن نمسك بكل قلب غافلٍ فنهزه هزًّا عنيفا حتى يستيقظ لهذه الحقيقة الماثلة، ونمسك بكل عينٍ مغمضة فنفتح جفنيها على هذا الواقع، لو كنا نملك لفعلنا، ولكننا لا نملك إلا أن نشير إلى هذه الحقيقة، لعل الله أن يهدي البشرية المنكودة الطالع إليها والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن والهدى هدى الله" (سورة البقرة- ظلال الآية 177). 

فالأستاذ "سيد" وصف الأمة اليوم بالأمة الإسلامية رغم أنه يراها أمةً تعيسة، غير أنه لم ينفِ عنها إسلامها، ثم ذكر بعد ذلك حرصه وحرقة قلبه وروحه على إيقاظها من غفلتها، ولو كان يرى فيها كفرًا أكان يحترق قلبه عليها؟؟ 

- "وكانوا يدركون -أي العرب قبل الإسلام- أن الإسلام والإسلام وحده هو الذي جعل لهم رسالة يقدمونها للعالم، ونظرية للحياة البشرية، ومذهبًا مميزًا للحياة الإنسانية، والأمة لا توجد في الحقل الإنساني الكبير إلا برسالة ونظرية ومذهب تقدمه للبشرية لتدفع بالبشرية إلى الإمام، وقد كان الإسلام وتصوره للوجود ورأيه في الحياة وشريعته للمجتمع وتنظيمه للحياة البشرية ومنهجه المثالي الواقعي الإيجابي لإقامة نظام يسعد في ظله الإنسان، كان الإسلام بخصائصه هذه هو بطاقة الشخصية التي تقدم بها العرب للعالم فعرفهم واحترمهم وسلمهم القيادة، وهم اليوم وغدا لا يحملون إلا هذه البطاقة ليست لهم رسالة غيرها يتعرفون بها إلى العالم وهم إما أن يحملوها فتعرفهم البشرية وتكرمهم ; وإما أن ينبذوها فيعودوا هملا كما كانوا لا يعرفهم أحد ولا يعترف بهم أحد" 

ثم قال: "إن الأرض تعج بالفلسفات والمذاهب والمناهج الأرضية وتشقى بها جميعا غاية الشقاء، ماذا إذن يقدمون للبشرية لتعرفهم به وتعترف لهم بالسبق والتفوق والامتياز؟ لا شيء إلا هذه الرسالة الكبيرة، لا شيء إلا هذا المنهج الفريد، لا شيء إلا هذه المنة التي اختارهم الله لها وأكرمهم بها وأنقذ بها البشرية كلها على أيديهم ذات يوم، والبشرية اليوم أحوج ما تكون إليها وهي تتردى في هاوية الشقاء والحيرة والقلق والإفلاس، إنها وحدها بطاقة الشخصية التي تقدموا بها قديما للبشرية فأحنت لها هامتها، والتي يمكن أن يقدموها لها اليوم فيكون فيها الخلاص والإنقاذ. 

إن لكل أمة من الأمم الكبيرة رسالة، وأكبر أمة هي التي تحمل أكبر رسالة، وهي التي تقدم أكبر منهج، وهي التي تتفرد في الأرض بأرفع مذهب للحياة، والعرب يملكون هذه الرسالة وهم فيها أصلاء، وغيرهم من الشعوب هم شركاء فأي شيطان يا ترى يصرفهم عن هذا الرصيد الضخم؟ أي شيطان؟ لقد كانت المنة الإلهية على هذه الأمة بهذا الرسول وبهذه الرسالة عظيمة عظيمة، وما يمكن أن يصرفها عن هذه المنة إلا شيطان وهي مكلفة من ربها بمطاردة الشيطان" (سورة آل عمران- ظلال الآيات 159- 164). 

فلو كان الأستاذ "سيد" يرى تكفير الأمة، أكان يجعلها مكلفةً من ربها بمطاردة الشيطان؟؟ أيكلف الله تعالى الكفار بمطاردة الشيطان؟؟؟!!! 

ثم يعلق الدكتور كمال المصري قائلا: 

هذا ما عنيته بالجمع بين كتاباته، فما وجدته يحمل معنى في مكان ستجد تفسير هذا المعنى في مكان آخر، فتحمل هذا على ذاك، وتفهم النصوص في سياقاتها الطبيعية. 

ويستطرد مستهدا بمقتطفات من "أفراح الروح": 

هذا الكتاب عبارة عن رسالة أرسلها الأستاذ "سيد" لأخته، ونشرت هذه الرسالة في كتابٍ عُنوِن بـ"أفراح الروح"، وهو رغم صغره وعدم شهرته إلا أنه يحمل في طياته فكرًا محبًّا للعالم والناس، يجعل من الصعوبة بمكانٍ أن يكون كاتب هذه الكلمات مكفِّرًا للناس والمجتمعات. 

وهذه نبذة مما احتوته هذه الرسالة: 

- "إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة‘ حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين، نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية!". 

- "عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أن هناك خيرا كثيرا قد لا تراه العيون أول وهلة!… لقد جربت ذلك. جربته مع الكثيرين… حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور". 

- "كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة، حين نمنح الآخرين عطفنا وحبنا وثقتنا، يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف والخير!". 

- "حين نعتزل الناس لأننا نحس أننا أطهر منهم روحا، أو أطيب منهم قلبا، أو أرحب منهم نفسا، أو أذكى منهم عقلا، لا نكون قد صنعنا شيئا كبيرا… لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبيل وأقلها مؤونة!. 

إن العظمة الحقيقية: أن نخالط هؤلاء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم وروح الرغبة الحقيقية في تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع!". 

- "بالتجربة عرفت أنه لا شيء في هذه الحياة يعدل ذلك الفرح الروحي الشفيف الذي نجده عندما نستطيع أن ندخل العزاء أو الرضا، الثقة أو الأمل أو الفرح إلى نفوس الآخرين!. 

إنها لذة سماوية عجيبة ليست في شيء من هذه الأرض، إنها تجاوب العنصر السماوي الخالص في طبيعتنا، إنها لا تطلب لها جزاءً خارجيا، لأن جزاءها كاملا فيها!". 

*** 


أهذه كلماتُ مكفِّر؟؟!! 

*** 


ثم يستشهد الدكتور كمال المصري بما ورد في آخر ما كتب الشهيد وهو لماذا أعدموني.. وقد جمع بعد استشهاده في كتاب هو عبارة عن تجميعٍ لإفادات الأستاذ "سيد" عند التحقيق معه قبل الحكم لإعدامه، وهو من الأهمية بمكانٍ لأنه يُعتبَر آخر ما وصل إليه الأستاذ "سيد" من مفاهيم وآراء، وفي هذا الكتاب كلامٌ كثيرٌ عن منهجية التغيير عند سيد، وكيف رد مجموعة من الانقلابيين عن فكرهم الانقلابي. 

وهذان نصَّان أنقلهما من هذا الكتاب: 

- "ولابد إذن أن تبدأ الحركات الإسلامية من القاعدة: وهي إحياء مدلول العقيدة الإسلامية في القلوب والعقول، وتربية من يقبل هذه الدعوة وهذه المفهومات الصحيحة، تربية إسلامية صحيحة، وعدم إضاعة الوقت في الأحداث السياسية الجارية، وعدم محاولات فرض النظام الإسلامي عن طريق الاستيلاء على الحكم قبل أن تكون القاعدة المسلمة في المجتمعات هي التي تطلب النظام الإسلامي لأنها عرفته على حقيقته وتريد أن تحكم به". 

فلو كان يرى كفر المجتمع لما كانت لديه مشكلة في أن تتم عملية التغيير بأي شكلٍّ وبأي خسائرٍّ من هؤلاء "الكفار" من أفراد المجتمع. 

- "ويجب أن أقرر أن الإسلام شيءٌ أكبر من هذا كله.. إنه نظام حياة كاملة، وإنه لا يقوم إلا بتربية وتكوين للأفراد، وإلا بتحكيم شريعة الله في حياة الناس بعد تربيتهم تربية إسلامية، وإنه ليس مجرد أفكارٍ تُنشَر أو تذاع بدون الأخذ في تطبيقها عمليًّا في التربية أولاً، وفي نظام الحياة والحكم أخيراً". 

فالمقصود هنا هو أن الإسلام نظام شامل وليس مجرد صلاة وصيام وحج، وما من مسلم بله أن يكون عالمًا إلا ويقول بذلك، وكل حديث الأستاذ "سيد" كان عن ضرورة أخذ الإسلام كله، وهذه هي عبارة النص عنده "كما يقول الأصوليون في طرق دلالة النصوص"، ولم يكن معنيًّا هنا بالحديث عن تكفير الناس، وإنما فَهِمه الناس ضمنًا عبر مفهوم المخالفة، وهو فهمٌ لا يستقيم حين نبحث عن دلالة نصه وعن مقصده من ورائه. 

أما من فهم ما فهم فهذا يرجع له ويُحمَل عليه، وليس على قائل الكلام، وقد أشرت سابقًا أن من فهم هذا الفهم إنما فهمه لظروف الحالة التي كان عليها، والتعذيب الذي كان يعيشه ليل نهار، فاتجه فكره لتكفير هؤلاء الظلمة المعذِّبين وللمجتمع الساكت عليهم، ويبقى فهمهم هذا لهم أو عليهم، ولا يحمَّل على قائله بحال. 

ويستشهد الدكتور كمال المصري بمجموعة من العلماء ينقض بهم رأي شيخنا الجليل في الشهيد.. ولو لم يفعل ذلك لأخطأ.. لأن الدكتور يوسف القرضاوي عالم بألف عالم.. ولم يكن لأي واحد منا منفردا أن يقدر على مواجهته.. لذلك فإن مواجهته بالعلماء ليست دليلا على خطأ رأيه فقط - وهو ما نعتقده-  وقد لا يوافقنا الشيخ الجليل عليه لكنها – وهو الأهم تقدم دليلا لا يدحض أن أقوال شيخنا الجليل و آرائه ليست محل إجماع من العلماء ولا هي متفق عليها.. وأن من يرون عكس ما يراه الشيخ قامات سامقة وهامات عالية لا يمكن تجاهلها.. كما أنها تسحب من الشيخ الجليل حقه في مواجهة آراء معارضيه بالسخرية والاستهجان.

لا يكتفي الدكتور كمال المصري بذلك.. بل يأتي بدليل لا يدحض.. دليل في صف الشهيد.. دليل يواجه به شيخنا الجليل يوسف القرضاوي..دليل لا يستطيع الدكتور القرضاوي أن يطعن فيه ولا أن يرفض شهادته..  لأن قائل هذا الدليل لا يقل علما ولا فضلا عن الشيخ القرضاوي.. لا يقل عنه قيد أنملة.. لسبب رئيسي.. هو أنه هو نفسه الشيخ يوسف القرضاوي.. لكن في وقت آخر..!!

يقول الشيخ يوسف القرضاوي الذي يقول: 

"الأستاذ سيد رحمه الله قال بجاهلية المجتمعات، ويعني بالمجتمعات الأنظمة الحاكمة التي لا تلتزم بشريعة الإسلام، وعدم الالتزام بشريعة الإسلام يمكن أن يفسر بترك الاحتكام أو بترك الالتزام، ترك الالتزام يعني الرفض، وهذا لا يُشكُّ في كفر من فعل هذا، ولذلك العلمانية الصريحة التي تقبل الإسلام عقيدةً وترفضه شريعةً هذا لا يُشكُّ في كفر من فعل ذلك وهذا الذي ينطبق عليه: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) فينطبق على من رفض الشريعة أساسًا" حلقة من برنامج "الشريعة والحياة" بتاريخ 21/1/2001. 

فالشيخ القرضاوي هنا نفى تهمة تكفير المجتمع عن الأستاذ "سيد"، وذكر أن تكفيره كان للأنظمة الحاكمة، ثم أيَّد هذا التكفير بشكلٍ من الأشكال، ولا يعنينا هنا الحديث عن تكفير الحكام سواءً رفضنا هذا الرأي أو قبلناه، وإنما يعنينا محل الخلاف في المسألة وهو "تكفير المجتمع والناس". 

وتأكيدًا لهذا المعنى، ولخوف الشيخ القرضاوي من أن يخطئ الناس الفهم، -لاحظوا أن يخطئ الناسُ الفهم لا أن يقول الأستاذ "سيد" بالتكفير- لخوف الشيخ القرضاوي حذر في نفس الحلقة من قراءة كتب الأستاذ "سيد" إلا للشباب المتمكنين الراسخين، فقال: "أنا لا أنصح إلا الشاب المتمكن الراسخ الذي يستطيع أن يقرأ لأي كاتب ولكنه لا يكون أسيرًا له، أنا أنصح الشباب إذا قرؤوا كتابًا لمؤلفٍ ما مهما كان قدره، سيد قطب على أعيننا ورؤوسنا، ونقول عنه الشهيد سيد قطب لأنه مهما كان قُتل مظلومًا، ولكن أقول إذا قرأ الإنسان لسيد قطب، وقرأ لغيره، لابد أن يقرأ وعنده أصولٌ راسخةٌ يرجع إليها، ويُأَوِّل بعض كلامه الذي يمكن أن يُأَوَّل، وإذا لم يستطع أن يُأَوِّل يرفضه، لأنه سيد قطب ليس معصومًا، سيد قطب بشر". 

وهذا عين ما نعنيه هنا، غير أنني أرى إمكانية التأويل، وأظن أن نقولاتي واستدلالاتي السابقة تؤيد ذلك وتؤكده. 

ثم يستشهد الدكتور كمال المصري بالشيخ سلمان العودة حيث يقول: 

"وبنى بعض هؤلاء على هذه القراءة الحرفية الضيقة تكفير الناس كافة، أو التوقف بشأنهم أو الهجرة من ديارهم... إلى أين؟ لا أدري! 

وبنى آخرون عليها فكرة الانفصال عن المجتمعات وترك العمل فيها واعتزالها، وفهمت كلمة سيد -رحمه الله- عن (العزلة الشعورية) بتكثيفٍ قويٍّ، وترميزٍ شديدٍ، جعلها بؤرة العمل والانطلاق. 

والحق أن القراءة الحرفية الظاهرية لتراث كاتبٍ ما، ليست أمرًا خاصًّا وقع مع سيد قطب رحمه الله وحده، لكنها مشكلة تراثية يعاد إنتاجها الآن مع عدد كبير من رموز العلم والفقه والدعوة والاجتهاد، من المتقدمين والمعاصرين". 

واستشهد فضيلته بأمثلةٍ ثم قال: "وكلما كان العالِم أوسع انتشارًا، وأكثر أتباعًا، وأوغل في الرمزية -لأي سببٍ- كان الأمر بالنسبة له أشد، وكانت المشكلة أظهر، لكنها تخف تدريجيًّا بتقدم الزمن، ولو من بعض الوجوه. 

هذه ليست مشكلة العالِم أو المفكر، بقدر ما هي مشكلة القارئ أو المتلقي؛ وأيًّا ما كانت فهي مما يحتاج إلى بحثٍ ودراسة، وقديمًا كان علي رضي الله عنه يقول قولته المشهورة: "يهلك فيَّ رجلان: غالٍ وجافٍ". 

والخلاصة: أن سيد قطب وغيره من أهل العلم يؤخذ من قولهم ويترك، ويصيبون ويخطئون، ويُردُّون ويُردُّ عليهم، وهم إن شاء الله بين أجرٍ وأجرين، ولئن حُرِموا أجر المصيب في عشر مسائل، أو مائة مسألة فلعلهم -بإذن الله- ألا يحرموا أجر المجتهد" انتهى من مقالةٍ بعنوان "رأيي في سيد قطب" للشيخ سلمان العودة. 

ويعلق الدكتور كمال المصري قائلا:

ما أود التنبيه إليه هنا هو مسألة القراءة الحرفية الظاهرية للكلام التي أشار إليها الشيخ سلمان العودة، والتي أظن أنها السبب الرئيسي لما التبس من فهم لكتابات الأستاذ "سيد" في أذهان الناس. 

أخيرًا.. 

هذا ما أراه.. وهذا ما أدين به نحو هذا الرجل "الأستاذ سيد".. ليس تقديسًا له ولا عصمًا من الخطأ، ولكن لأنني عشت في ظلال كلماته طويلاً، فوجدت أن من واجبي أن أقول فيه كلمةً رأيت من وجهة نظري أنها الصواب، مع اعتقادي الكامل بحرية اختلاف الآراء، وتعدد وجهات النظر، ولكلِّ إنسانٍ ما يراه. 

*** 

أتأمل في ذهول هجوم الشيخ على الشهيد رضي الله عنهما..

أين ما تعودناه من شيخنا الجليل من دماثة وسعة ورقة  واحتواء.. ولماذا قسى على الشهيد كل هذه القسوة..

انظروا إليه وهو يقول عن الشهيد:

هذا هو الرجل يصرح -بل يصرخ- بما لا يدع مجالا للشك والاحتمال: أن الأوطان التي كانت تعتبر في يوم من الأيام "دارا للإسلام"، وأن هؤلاء الأقوام (من سلالات المسلمين) الذين كان أجدادهم مسلمين في يوم من الأيام.. لم يعودوا مسلمين، وإن ظنوا أنهم يدينون بالإسلام اعتقادا، في حين أنهم ليسوا مسلمين لا عملا ولا اعتقادا؛ لأنهم لم يشهدوا أن "لا إله إلا الله" بمدلولها الحقيقي كما حدده هو.

وكأنما خشي شيخنا الكبير ألا يفهم بعض القراء ما يعنيه فيجابهه برأيه حازما باترا.. فيستطرد قائلا:

النص واضح تمام الوضوح، إن الكاتب لا يعتبر مسلما إلا من آمن بفكرته هذه، وهي الفئة التي يسميها "العصبة المسلمة"، وهي التي يجب أن تشعر بأنها وحدها هي "الأمة المسلمة"، وأن ما حولها ومن حولها ممن لم يدخلوا فيما دخلت فيه جاهلية وأهل جاهلية، أي هم مشركون وكفار، ليس لهم في الإسلام نصيب، وإن كانوا يصلون ويصومون ويزكون ويحجون! فكأنما المسلمون جميعا بمثابة مشركي مكة عند البعثة المحمدية، وكأنما دعوته بمثابة دعوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ من آمن بها دخل في الإسلام، ومن لم يؤمن بها فهو جاهلي كافر حلال الدم!! 

و أظن القارئ لا يغفل نغمة سخرية وهو يقول: وكأنما دعوته بمثابة دعوة محمد صلى الله عليه وسلم.

وجدتني أهمس في ألم كظيم:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (11).

لا يقتصر الأمر على ذلك.. و إنه يعز على نفسي أن أحدد توصيفا لقول شيخنا القرضاوي:

والحق أننا لم نر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا الصحابة، ولا التابعين، ولا أحدا من السلف أو الخلف فسر كلمة التوحيد بما فسرها به سيد رحمه الله.

إن قضية التوحيد.. خلاصة عمر سيد قطب وجوهرة حياته المتلألئة علينا بضيها وضيائها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لا تستحق أن تكون موضع فخرنا ولا فخر سيد.. فهي قضية لم يقل بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا الصحابة، ولا التابعين، ولا أحدا من السلف أو الخلف فسر كلمة التوحيد بما فسرها به سيد !!..

يواصل شيخنا الجليل:

ومشكلة الأستاذ سيد أنه لا يعرف إلا الإيمان أو الكفر، ولكن يوجد بينهما منزلة هي الفسوق والعصيان؛ فقد يوجد اليوم مئات الملايين من المسلمين ولكنهم – كلهم أو جلهم- عصاة مفرطون، في حاجة إلى أن يتوبوا، أو جهلة بدينهم في حاجة إلى أن يعلموا.

(...)

النص من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى تعليق؛ فالكاتب ينظر إلى مسلمي اليوم نظرته إلى مشركي العرب في الجاهلية تماما عند البعثة، لا فرق بين هؤلاء ولا أولئك، إلا أن هؤلاء يسمون أنفسهم مسلمين وهذه لا تغني عنهم شيئا، ولهذا كان على أصحاب الدعوة الإسلامية أن يدعوا الناس إلى اعتناق العقيدة أولا، حتى ولو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين، وتشهد لهم شهادات الميلاد أنهم مسلمون!

*** 

لا تقتصر حدة شيخنا على الشهيد سيد قطب.. بل تتعداها إلى كل من يحاول الدفاع عنه.. فيقول: 

وتمنى بعضهم لو أني استمررت في نهجي الذي عرفت به ، وهو نهج تجميعي يبني ولا يهدم ، يجمع ولا يفرق ، فلماذا أثير هذه القضية وأفرق الصفوف اليوم ؟

ومعاذ الله أن أكون داعي فننة أو مفرق صف ، وقد علم الجميع : أني أدعو إلى التقريب بين المذاهب والفرق الإسلامية من سنة وشيعة وزيدية وإباضية فكيف أفرق بين أهل السنة -بل أهل الدعوة -بعضهم وبعض؟!

ومما أذهلني وأذاني ما ذكره الأخ أحمد عبد المجيد - تعريضا - أن إلصاق تهمة التكفير بسيد قصد بها الإساءة إلى الرموز الإسلامية .

ويعلم الله كم كنت حريصا ألا أدخل هذا المعترك ، وكم أجلته ، ولكن متي كان الأشخاص مقدسين عندنا؟

لقد كنت مترددا في الإبقاء على سمعة الشهيد من ناحية، وبيان الحقيقه الشرعية من ناحية أخرى، فترجحت الثانية على الأولى؟ لأن البيان فريضه ، ولا يجوز تاخير البيان عن وقت الحاجة، وخطأ سيد لا ينقص من منزلته ولا من مثوبته عند لله فإنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى .

يا إلهي..

يا إلهي..

هل لدي شيخنا الجليل ما إن ذكره ضاعت سمعة الشهيد سيد قطب..

و أنه تردد هل يبقيها أم يجهز عليها؟!..

غفر الله لك يا شيخنا.. غفر الله لك.. برحمته قبل عدله وبسابق جهادك وليس بحاضر عملك..

لكن.. هل لديك ما هو أشد تنكيلا بذبيحنا الشهيد وشهيدنا الذبيح  من أقوال ضباط أمن الدولة  ومثقفي أمن الدولة وشيوخ أمن الدولة..

لقد حاولوا جميعا القضاء على سمعة الشهيد فعجزوا.. 

ألديك أنت ما ينجح فيما فشلوا فيه ؟..

ألديك؟!..

ويواصل شيخنا الجليل تنكيله وتسفيهه لأنصار الشهيد:

وما المنى كثيرا: دخول بعض الإخوة في هذا الميدان ، وبضاعتهم مزجاة - من العلم الشرعي، وحتى من المنطق العقلي، وظنوا أن الحماس ورص الكلام يغنى شيئا في القضايا العلمية الكبيرة  لقد جاعوا بمن يمكن أن يسموا (شهود النفي ) في القضية ، ليقولوا: إنهم لقوا سيدا رحمه الله ولحم يجدوه يكفر المسلمين ، أو سألوه : هل نكفر المسلمين ؟ فنفي ذلك ؟! وقال من قال : يجب أن نضم أفعال سيد إلى أقواله حتى نكون منصفين معه . ونسى هؤلاء ما قرره علماؤنا من (قواعد علميه ) تحكم الأمور وتضبطها، من هذه القواعد: أن المثبت مقدم على النافي، وأن من حفظ حجة على من لم يحفظ . فإذا جاء عشرة ثقاة وقالوا: لم نسمع فلانا يشتم فلانا، وجاء رجل ثقه  وقال : إنه سمعه يشتمه ، وكان من أهل العدالة والضبط ، أخذ بقول هذا الواحد؟ لأنه علم ما لم يعلموا، فهم حدثوا بما يعلمون وهو حدث بما يعلم ، وحفظ ما لم يحفظوا، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ . 

وما ذكره الإخوة من تعارض فعل سيد مع أقواله : لقد غفلوا عن أصل مهم ، وهو: أن الذي يحكم على العالم ويعبر عن آرائه هو قوله لا فعله  لأنه فعل امرئ غير معصوم ، فلا غرابه أن يناقض فعله قوله ، وسلوكه عمله ، ما دام لا عصمة له ..

لا أوافقك يا مولانا الشيخ.. فالقول لا يصدقه إلا العمل..

خاصة إذا كانت المشكلة في فهم القول لا في القول نفسه..

إن شيخنا الجليل يرد كل شهادة تبرئ الشهيد بل وفي أحيان كثيرة يسفه قائلها.. 

ولننظر إليه وهو يقول:

وأريد أن أؤكد للمعلقبن جميعا أنني لم أدع على الرجل دعوى من كيسي بل من كيسه هو، وما آخذته إلا بكلامه البين الجلي المفهوم ، فإن كان رجع عن مضمون هذا الكلام الجلي في أواخر حباته - رحمه الله - فلنقل هذا ولا حرج ، إنه تراجع عن هذا الفكر ولم يعد يلتزمه أو يؤمن به .

وحبذا أن يقول ذلك أولى الناس به ؟شقيقه الكاتب الكبير الأستاذ  محمد قطب حفظه الله ، فليت صديقنا العزيز يفعلها فيريح ويستريح ، فيعلق على الأقوال التي نقلتها من الظلال ومن غيره وأمثالها بسطر واحد يضع الأمور في نصابها.

ولست أدري لماذا لم يذكر لنا شيخنا الجليل أن الأستاذ محمد قطب قد فعلها بالفعل.. وقبل أن يوجه شيخنا اتهاماته بربع قرن على الأقل حيث كتب العلامة الأستاذ محمد قطب رسالة إلى الأستاذ الشهيد كمال السنانيري- أحد قادة الإخوان المسلمين في مصر- وهو زوج المجاهدة أمينة قطب ، وقد استشهد بعد ذلك في سجن السادات وقد وضح في رسالته وجه الحق في كثبر من القضايا المثارة . ونشرت مجله الشهاب اللبنانية رسالة الأستاذ  محمد قطب إلى السنانيري كما أوردها الدكتور صلاح الخالدي في كتابه" سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد"  وفيما بلي نص الرسالة : 

 أخي . . .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :

فإنك تعلم يا أخي ما دار من لغط في محيط الإخوان ، حول كتابات الشهد سيد قطب ، وما قيل من كونها مخالفة لفكر الإخوان ، أو جديدة عليه .

وأحب في هذا المجال أن أثبت مجموعة من الحقائق أحس بأنني مطالب أمام الله بتوضيحها، حتى لا يكون في الأمر شبهه . . إن كتابات سيد قطب قد تركزت حول موضوع معلن ، هو : بيان المعنى الحقيقي للا إله إلا الله ، شعورا منه بأن ، كثيرا من الناس لا يدركون هذا المعنى على حقيقته ، وبأن المواصفات الحقيقية للإيمان، كما وردت  في الكتاب والسنة، شعورا منه بان كثيرا من هذه المواصفات قد أهمل ، أو غفل الناس عنه ! ولكنه مع ذلك حرص حرصا شديدا على أن يبين أن كلامه هذا لبس مقصودا به إصدار أحكام على الناس ، وإنما المقصود به تعريفهم بما غفلوا عنه من هذه الحقيقة ، ليثبتوا هم لأنفسهم : إن كانوا مستقيمين على طريق الله  كما ينبغي ، أم أنهم بعيدون عن هذه الطريق ، فينبغي إليهم أن يعودوا إليه . . . . ولقد سمعته بنفسي أكثر من مره يقول :نحن دعاه ولسنا قضاه " إن مهمتنا ليست إصدار الأحكام على الناس ، ولكن مهمتنا تعريفهم بحقيقة لا إله إلا الله " لأن الناس لا يعرفون مقتضاها الحقيقي ، وهو التحاكم إلى شريعة الله!! كما سمعته أكثر من مره يقول : إن الحكم على الناس يستلزم وجود قرينة قاطعة لا تقبل الشك ! وهذا أمر ليس في أيدينا، ولذلك نحن لا نتعرض لقضية الحكم  على الناس ، فضلا عن كوننا دعوة ولسنا دولة، دعوة مهمتها بيان الحقائق للناس ، لا إصدار الأحكام عليهم . . . . أما بالنسبة لقضية المفاصلة ، فقد بين في كلامه أنها المفاصلة الشعورية، التي لابد أن تنشأ تلقائيا في حس المسلم الملتزم ، تجاه من لا يلتزمون بأوامر الإسلام ، ولكنها ليست المفاصلة الحسية المادية ، فنحن نعيش في هذا المجتمع ، وندعوه إلى حقيقة الإسلام ، ولا نعتزله ! وإلا فكيف ندعوه؟

ويواصل الأستاذ محمد قطب تعقيبه على أفكار شقيقه الشهيد : 

تلك خلاصة كتابات سيد قطب . . ولى على هذه الخلاصة تعقيبان :

الأول : هو تأكدي الكامل - بإذن الله - من أنه ليس في هذه الكتابات ما يخالف الكتاب والسنة ، الذين تقوم عليهم دعوة الإخوان المسلمين .

الثانى : هو تأكدي الكامل أيضا - من أنه ليس في هذه الكتابات ما يخالف أفكار السيد حسن البنا مؤسس هذه الجماعة، ولا ما يخالف أقواله . . . .

وهو الذي قال في رسالة "التعاليم " - في البند العشرين - على أن المسلم الذي لا يجوز تكفيره هو : الذي نطق بالشهادتين ، وعمل بمقتضاهما، وأدى الفرائض .. وذلك فضلا عن كون كتابات سيد قطب -كما أسلفت -لم يقصد بها إصدار الأحكام على الناس ، وإنما كان قصده منها - كما قصد الإمام الشهيد بالضبط - وهو بيان حقيقة الاسلام ، ومواصفات المسلم ، كما وردت في كتاب الله وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم  .

تلك حقائق، أرى أن من واجبي أن أبينها وأوضحها، أداء للشهادة لله ، فإننا لا ندرى متى نلقى الله . . . ولا ينبغي لنا أن نلقاه وقد كتمنا شهادة لله ! والله الموفق إلى سواء السبيل... "

هذه شهادة الأستاذ محمد قطب إذن وهي في أكثر من صفحة وليس في سطر واحد كما طلب شيخنا الجليل.. لكنه أسقط الشهادة كلها..

سألت نفسي و أنا ألوك المرارة و أعض على نواجزي من الألم:

- هل يطلب شيخنا الجليل شهادة.. أم يطلب اعترافا..

هاجمتني موجة من الألم..

قلت لنفسي لقد تعرض الشهيد في حياته للتعذيب المروع كي يعترف على نفسه بمثل هذا لكنه أبى.. كما أبي كل أصحابه فيما عدا الخائن على عشماوي..

وقلت لنفسي أن العلمانيين وكتاب السلطة لم يكفوا أبدا عن محاولة الحصول على اعتراف من الإخوان المسلمين عموما و من القطبيين خصوصا أنهم كانوا مخطئين.. ولقد عجزوا إزاء صلابة مذهلة أبداها الإخوان جزاهم الله خيرا..

فلماذا يحاول شيخنا الجليل أن يهدم الجدار من ناحيتنا لا من ناحية الأعداء؟!..

*** 

سألت نفسي:

- هب أن الشهيد سيد قطب أخطأ.. فلماذا يطالب شيخنا القرضاوي شقيقه العلامة محمد قطب بالاعتذار عن خطئه؟! هل يغني هذا الاعتذار شيئا.. هل يعنى أن الشهيد سيلتزم به بعد أن أفضى إلى ربه؟! أم أن المقصود هو تجريح منهج آل قطب جميعا؟!..

إن الشيخ الجليل لا يترك ثغرة يمكن أن يهاجم منها الشهيد إلا وهاجمه.. إلا أنه يستدرك أنه يخطئه فقط ولا يكفره..

يكفِّره؟!..

هل وصل الأمر إلى أن هذا الاحتمال قد أصبح ملحا حتى بات يستوجب النفي..؟!

إن الشيخ الجليل أيضا يرى أن دعوة الإمام حسن البنا تختلف عن دعوة الشهيد.. ومن أدلته على ذلك أن:" ان سيدا أشاد بالبنا في كتاباته القديمة التي جمعها في كتاب  (دراسات إسلامية) فكتب عن حسن البنا وعبقرية البناء. ولكنه لم يتحدث فيما علمت - عن فكر البنا ومقاصده ، ولم ينقل عنه في كتبه  كما نقل عن المودودي والندوى".." حسن البنا يشعر بوجود الاسلام  وأمته ، ويتعاطف معها، ويعيش بهمومها، وسيد قطب لا يحس للإسلام ولا لأمته بوجود من حوله ، بل يقول : قومنا على مله ، ونحن على ملة، وهم على دين ونحن على دين آخر." دعنا من تهافت الحجة الأولى.. فليس معني أنني لم أستشهد بالإمام الشافعي في هذا المقال أنني أختلف معه وعنه!!.. ولكن  لماذا لم ينح شيخنا الكبير منحى المستشار الجليل طارق البشري الذي كتب يقول أن البنا وقطب قد يكونان مختلفان لكنه اختلاف التكامل لا التناقض.. إن فكر البنا يزرع أرضا وينثر حبا، ويسقى شجرا وينتشر مع الشمس والهواء وفكر قطب : يحفر خندقا ويبنى قلاعا ممتنعة عاليه الأسوار، والفرق بينهما هو الفرق بيم السلم والحرب .

وعندما واجه البعض شيخنا الجليل أن سيد قطب لم يصل إلى ما وصل إليه الإمام حسن البنا حين قال: " ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين" إلا أن الشيخ ينبري للدفاع عن الإمام الشهيد.. ودفاعه حق.. لكننا كنا نود أن ينسحب جزء من هذا الحق على الشهيد سيد قطب أيضا.. يقول شيخنا:

 إن هذه العبارة ( ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين )  التي صدرت من حسن البنا رغم شدنها وقسوتها حتى أن بعضهم - أنكر صدورها عنه ، وبعضهم زعم أنه أكره علبها- لا يمكن أن تحمل على ظاهرها؟ لأنهاضد منهج حسن البنا ، وضد كتاباته كلها، وضد الأصل - العشرين الذي ختم به الأصول التي وضعها لفهم الاسلام في إطارها وفي حدودها. فلهذا يجب أن تؤول لتتفق مع الاتجاه الفكرى والعقدى العام لحسن البنا؟ فهى كلمة متشابهة،يجب أن ترد إلى سائركلامه المحكم .

بل إن شيخنا الجليل عندما يواجه رأي المرشد العام الثاني في الشهيد حيث قال المرشد أن كتاب المعالم قد حصر أمله كله في سيد.. لا يملك شيخنا الجليل إزاء ذلك إلا أن يقول قولا غريبا جدا:

"واعتقد اعتقادا جازما أن الأستاذ الهضيبى لم يقرأ ما كتبه سيد"

ولم يورد شيخنا الجليل طريقته في استكناه هذا الدليل.. والذي يتضمن إساءة كبيرة للمستشار الهضيبي أيضا والذي – بمقتضى تأكيد الشيخ الجازم- قد شهد للشهيد دون أن يقرأ ما كتب!!.

ثم أنه غفر الله له يتناول أصحاب الشهيد بسخرية إذ أنهم قد تناسوا- كما يقول الشيخ- محور القضية وهو ما نقله عن سيد رحمه الله من كتبه :

" فقد تناسوا هذا تماما، وظلوا يركضون بعيدا: يبحثون عمن لقي سيدا، من سأله فأجابه . ومن سمع منه كذا وكذا، وأنا لا دخل لي في هذا كله . أنا أحكم على فكر الرجل من خلال نصوصه المكتوبة . والنص المكتوب هو أدل شيء على فكر الإنسان  بخلاف ما  يقوله شفهيا، مما قد لا ينقل بنصه تماما، وما قد ينقل حسب فهم السامع ، وما ينقل بعيدا عن سياقه وملابساته".

و إنني – أنا الضعيف الخطاء- أتجرأ فأسأل شيخنا الجليل :

إذا كان القرآن وهو كلام الله حمال أوجه فكيف يكون كلام الناس..

كما أسأل شيخنا الجليل وهو الضليع في اللغة والأدب والفكر.. أسأله عن مفهوم اللغة واللفظ والدال والمدلول.. و أسأله هل توجد قراءة واحدة لأي نص تلغي ماعداها.. وأسأله: فكيف نواجه إذن شيوخا أجلاء اختلفوا مع شيخنا الجليل فيما ذهب إليه..

كيف أواجه – ولا أقول تأدبا كيف يواجه-  الأستاذ عمر التلمساني في كتابه "ذكريات لا مذكرات حين يقول: 

وما أراد الشهيد الأستاذ سيد قطب في يوم من الأيام أن يكفِّر مسلمًا؛ لأنه من أعلم الناس بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في أكثر من حديث: "إن مَن قال لا إله إلا الله موقنًا بها قلبه لن يخلد في النار". ونحن نعلم أنه لن يخلد في النار إلا الكافرون! وهم الذين ينكرون وحدانية الواحد القهار! هذه واحدة. 

والثانية: إن كثرة ترداده "للمجتمع الجاهلي" لم يقصد بها تكفير المجتمع، ولكن تشديد النكير على الظلمة والطغاة والمستغلِّين والمشكِّكين.. وهو أسلوب تعرفه اللغة العربية(...) 

والذين يعرفون الشهيد سيد قطب، ودماثة خلقه، وجمَّ أدبه، وتواضعه، ورقة مشاعره، يعرفون أنه لا يكفِّر أحدًا! إنه داعية إسلامي، من عيون دعاة المسلمين.. ظلمه من أخذ كلامه على غير مقاصده، ومن هاجموه متجنِّين، لما رأوه من عميق تأثير كلماته وكتاباته على الشباب الطاهر النظيف.. 

كيف أواجه – ولا أقول تأدبا كيف يواجه-  المجاهدة زينب الغزالي حين تقول أنها سألت الشهيد عن اتهام البعض له بأنه يكفر عامة المسلمين فاستغربَ نفسُه هذا القول! وبيَّن أن هذا فهم خاطئ لما كتبه.. وبيَّن أنه سيوضِّحُ هذا في الجزء الثاني من "المعالم".

كيف أواجه – ولا أقول تأدبا كيف يواجه-  الأستاذ عبد الحليم خفاجي في كتابه "عندما غابت الشمس"  حيث أكد  أن فكرة التكفير نبَتت في السجون، من قِبَل بعض الشباب، وأنهم ادَّعوا نسبتها لسيد قطب، وزعموا أنه يقول بها، وهذا في حياته، فتبرأ من ذلك!

قال خفاجي: "وحمَّلنا الأخ إبراهيم الطناني المرحَّل إلى سجن طرة للعلاج رسائل للأستاذ سيد قطب، بتفاصيل تفكير وسلوك هؤلاء الإخوة. فأرسل منكرًا عليهم ذلك، وقال عنهم: لقد فهموني خطأً! وقال أيضًا: 

"لقد وضعتُ حملي على حصانٍ أعرج!!".

كيف أواجه – ولا أقول تأدبا كيف يواجه شيخنا -  "سيد نزيلي" من قيادات تنظيم 65 والذي أكد أن "قطب" عندما رأى الهجمة الشرسة على الإسلام في تلك الفترة من الصهيونية العالمية، والصليبية العالمية، والشيوعية الدولية، غلف أفكاره بعبارات حماسية حتى يوقظ الشباب والأمة المسلمة، فكانت أفكاره أجراس إنذار، وليست تكفيرا، بل كانت اتهاما بالسير في طريق العلمانية للدولة عشية استقلالها، وليست دعوة للتمرد عليها وتكفيرها، وساق الرجل بعض المواقف لسيد قطب تؤكد صدق ما ذهب إليه، كما أنه والشباب الموجودين في تنظيم 1965 لم يعرفوا فكرة التكفير، وهم من أقرب الناس إليه، وإنما كانوا يفهمون أفكار سيد قطب على أنها أفكار مغلفة بشحنات عاطفية وأدبية، وليست أحكاما على المجتمع. 

وأكد "نزيلي" على أن قضية التكفير نشأت بفعل الأهوال التي تعرض لها الشباب المسلم في السجون، والتي جعلته يصل إلى قناعات بتكفير النظام الذي يظلمه ويتعمد إيذاءه، ومن ثم فإن "التكفير" نشأ بعيدا عن "سيد قطب" وأفكاره، وبفعل ضغوط وظلم الدولة في تلك الفترة، ولم ينشأ كتعبير عن منهج فكري لهؤلاء الشباب في تلك الفترة، وأن التكفير كان سينشأ حتى إن لم يوجد "سيد قطب" لأنه في الأساس هو رد فعل على الظلم والتعذيب.  ويضيف أن الشهيد قد نظر للصراع نظرة معمقة، ولم يكن يرى أن هذا  الصراع هو صراع بينه وبين الأنظمة التي تحكم العرب والمسلمين، وإنما ذهب بعيدا ورأى أنه صراع الإسلام مع الصهيونية والصليبية والشيوعية، فهذه هي رءوس العداوة للمسلمين، ولم يكن ينشغل بزعامات أو رئاسات البلاد العربية.

ولم يعرف عنه قبل السجن أنه يميل إلى التكفير على مستواه الشخصي أو الفكري، فهو لم يتهم عامة المسلمين بالكفر، وكان يصلي خلف الإمام العادي، وكان يأكل ذبائح المسلمين، ويؤثر عنه في سجنه أنه سئل: "هل أنت تكفر عامة المسلمين؟". فقال: كيف أكفر عامة المسلمين، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وحب الدين متغلغل في وجدانهم وقلوبهم، ثم نادى على سجين من أرباب الإجرام والمعروفين بالشراسة وسوء الخلق، وقال له: يا فلان: إذا قابلك رجل ولعن دينك ماذا يكون موقفك؟.  فقال هذا السجين: أقتله. 

ومن يتعمق في كتاباته يجد أنه لم تحكمه قضية التكفير، ولم تكن هدفه وغايته التي يجند فكره لها، بل كانت قضية الإسلام في العصر الحاضر المحارب من كل الاتجاهات الراغبة في اجتثاثه من جذوره، وانتزاعه من قلوب المسلمين، ولا شك أننا نسلم بهذه القضية، ومن هنا كانت كتاباته للدفاع عن الإسلام، وبعث الغيرة في نفوس أبنائه، وبث الإيمان في قلوب الطليعة المؤمنة حتى تبقي هذا الدين حيًّا في النفوس أمام هذه الهجمات. 

ونحن الجيل الذي تربى على فكر سيد قطب لم نلحظ هذه الدعاوى التي تتهمه بالتكفير، وهو لم يطلب منا ذلك في الكتابات التي كان يرسل بها إلينا ويربينا عليها نحن جيل 1965، نحن كنا نعيش بإسلامنا بين أهلينا ومجتمعنا، ولم يخطر على بالنا أننا متميزون بأي شيء عن غيرنا من المسلمين، اللهم إلا أننا نعتبر أنفسنا أكثر الناس غيرة على الإسلام وحدوده وثوابته، وكنا ندعو الناس إلى ذلك، و"سيد قطب" لم تكن كتاباته لانعزال هذه الفئة التي يربيها؛ بل كان يطلب من الشباب أن يندمجوا مع المجتمع حتى يغيروا هذا المجتمع. 

وقد انتهيت بعد لقائي بإخواني واستجلاء حقائق الأمور إلى: أننا لم نكفر مسلمًا، ولم نعلم من الأستاذ سيد قطب أنه يأمرنا بالتكفير، أو الانعزال عن المجتمع، أو المفاصلة الشعورية التي يفهمها البعض خطأ بمعنى الانعزال. والذي كنا نفهمه من "المفاصلة الشعورية" هو البعد النفسي عن المسلم الذي يرتكب المعاصي والموبقات، وهذه مسألة مطلوبة منا جميعا، ولكن ليس معناها أن أشعر أنني مسلم، وأن هذا المسلم  العاصي كافر!. 

أما ما طرأ على فكر "سيد قطب" في المحنة من 1954 إلى 1965م لا نقول إنه انقلاب على أفكاره السابقة، ولكن أعطى لكتاباته لونًا متميزا، فقد لاحظ بثاقب نظره أن المشروع العلماني الذي تبنته الأنظمة الحاكمة في البلاد الإسلامية، من شأنه أن يفصل بين الدين والدولة، بحيث يتسنى للدولة أن تصبغ حياة المسلمين بعيدا عن الإسلام، وهو ما أصاب "سيد قطب" بنوع من القلق والخوف على الدعوة، وهذا الأمر مؤكد ومهم في أدبيات هذه الفترة، فليس عندنا الكنيسة المتسلطة، وليس لدينا الذين يستعبدون الناس بذواتهم أو برامجهم، وكما نعلم أن شعار العلمانية: "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس"، ومن هنا فإن "قطبًا" استشعر خطورة الفصل العلماني بين الدين والحياة، وكانت كتاباته تنقض هذه الأفكار، وتربي أجيال المسلمين على الإسلام الشامل، ويفهم من كتاباته أن عامة المسلمين ليسوا متهمين بالعلمانية، وأنه كان يتهم الأنظمة القائمة التي تحذو حذو العلمانية الغربية، وكانت آراؤه اتهامًا لهذه الأنظمة بالسير في العلمانية، وليست تكفيرا. 

ويضيف سيد نزيلي وقد فاض ألمه:

إن محاولة إلصاق تهمة التكفير بسيد قطب إنما يخدم دوائر معينة، خاصة في ظل حالة الاستعداء الدولي ضد الحركة الإسلامية، ومحاولة استعداء هذا المجتمع على الإخوان، والادعاء بأن الإخوان خرجت من عباءتهم كل الأفكار العنيفة والمتطرفة، وهذا ظلم لفكر سيد قطب.

ولقد أرسل "نزيلي" برسالة إلى فضيلة الشيخ القرضاوي في هذا الشأن حيث قال: "كنت أود أن يظل الأستاذ الفاضل يوسف القرضاوي على ما هو عليه من تجميع الأمة والعاملين للإسلام بكل توجهاتهم، بعيدا عن نقاط الاختلاف والخلاف، وألا ينكأ جراحًا قديمة، حيث إن الوقت غير مناسب، خاصة مع الحملة الشرسة ضد الإسلام والمسلمين ببرامج ووسائل معلومة ومعروفة، يرصد لها الأعداء الأموال الطائلة، ويضغطون على الأمة بكل الوسائل حتى يغيروا من هوية الأمة، وأريد أن أستعير الكلمات الآتية: "إننا نجمع ولا نفرق، ونتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه" والله على ما أقول شهيد.

كيف أواجه – ولا أقول تأدبا كيف يواجه شيخنا -  الأستاذ "أحمد عبد المجيد" وقد كان من الدائرة الأولى التي تجالس "قطب" و أحد المحكوم عليهم بالإعدام  في قضية تنظيم 1965م، لكن خفف الحكم إلى المؤبد، وهو زوج  ابنة الشهيد "محمد هواش" الذي كان من كبار قادة تنظيم 1965م، ونُفذ فيه حكم الإعدام، والذي تمثل كتاباته مصدرا رئسيا في هذا المقال.

وقد نبه أحمد عبد المجيد  في شهادته إلى أن فكرة التكفير كانت بعيدة عن "قطب"، وأن التكفير لم يتبنَّه القريبون منه أو الذين تربوا على يديه، ولم يتبنَّه تنظيم 1965م، ولكن الذي تبنى التكفير هم الذين لم يتربوا على يد "قطب"، ولم يكونوا من الإخوان المسلمين، وأشار إلى حقيقة تاريخية وهي أن التكفير نشأ عام 1968م، وأنهم (أي قيادات تنظيم 1965) عاشوا في عزلة تامة في السجن الحربي لمدة تزيد على السنتين، وتعرض الأستاذ "أحمد عبد المجيد" في شهادته لمسألة "التكفير"، وأكد "أن سيد قطب لم يكن من دعاة التكفير، لأن هذا الاتجاه نشأ في سجن "مزرعة ليمان طرة" عام 1968م وما بعدها، على يد "شكري مصطفى" وأمثاله، ولو كانت هذه الفكرة عند سيد قطب لكان من باب أولى أن تكون عند من تتلمذ على يديه، ومن كان يقابله ويجالسه، وهو ما لم يحدث، وأحب أن أقول: إنه هو أول من قال عبارة "نحن دعاة ولسنا قضاة"، وأذكر أنه قال لنا: "عندما تعرضون الإسلام على الناس، اعرضوا الإسلام بوضوحه ونصاعته، وإياكم أن تعرضوا عليهم النتائج، اتركوا للمستمع أن يستنتج موقعه في أي مرحلة هو من هذا الدين". 

"فلم تكن قضية التكفير تشغل باله، وإنما الذي كان يشغله هو قضية الدعوة، وكشف مخططات أعداء الإسلام، والدليل على أننا لم نعرف قضية التكفير إلا أوائل عام 1968م عندما ذهبنا إلى سجن قنا أبلغنا الإخوان القدامى في المعتقل أن موضوع التكفير أثير حولنا في الصحف، ولم نكن نعلم عنه شيئا منذ اعتقالنا؛ لأننا كنا نعيش في عزلة تامة لأكثر من عامين عن العالم، أما المرة الثانية التي سمعنا فيها عن موضوع التكفير فكان في نهاية 1968 عندما أثير في سجن مزرعة طرة". 

ويستطرد الأستاذ أحمد عبد المجيد: 

ولو فرضنا أن هناك أخطاء عند سيد قطب، وهو بشر، فإن التقييم العادل أن نأخذ الأفكار الراشدة، ونترك غيرها، ولا نرفض المنهج بأكمله.

ثم يرصد الأستاذ أحمد عبد المجيد التغيرات التي طرأت على فكر الشهيد  ومن عناصرها:

- وصوله إلى شمولية الإسلام، وضرورة التعامل مع أعداء الإسلام من علٍ، وتجاهل التعامل معهم من باب الدفاع عن الإسلام، وكأن الإسلام مهزوم في المعركة، وظهر ذلك في فصل "استعلاء الإيمان" في كتاب "معالم في الطريق". 

- الحديث عن المفاصلة الشعورية التي تكون بالقلب ولا يطلع عليها أحد إلا الله، فلا مناصرة ولا محبة مع أهل الباطل، وأما المفاصلة المادية فهي تكون في المعاملات المادية الظاهرة، وقد تكون في موقف أو أكثر، ولا يعني ذلك العزلة عن الناس، وبالتالي فهو لم يدع إلى الخروج على المجتمع أو الانعزال عنه. 

- فكرة الحاكمية، وهو أخذها من "أبو الأعلى المودودي" وهي رد الحكم والتشريع إلى الله وحده، وليس لأحد كائنا من كان أن ينتزع هذه الحاكمية لنفسه أو لأي شخص، ومفهوم الحاكمية عنده يختلف عن مفهوم الدولة الدينية. 

- فكرة الجاهلية، وهذه الكلمة هي مصطلح قرآني، وهي تعني "الجهل بحقيقة الألوهية، والجهل بما يحبه الله سبحانه؛ من إخلاص العبادة له وحده دون شريك، وهي ليست محددة بزمن معين أو مكان معين (أفحكم الجاهلية يبغون)، ولا يعني ذلك إطلاق الحكم بالكفر على من يقع تحت الحكم الجاهلي، وأذكر أن الشهيد "محمد هواش" كان يقول لنا ونحن في السجن الحربي: "الجاهلية كالمظلة التي تحتها أصناف شتى من الناس"، وهذا ما فهمه الرجل القريب جدا من سيد قطب والذي عايشه في السجن عشر سنوات، فالجاهلية ليست تحديدا لمجتمع معين". 

  الاهتمام بمخططات أعداء الإسلام، وقد أوضح لنا الشهيد سيد قطب أن "الاستخبارات الفكرية" اكتشفت ما في الظلال  من خطورة عليها، ولعل هذا ما جعله يدرك قرب نهايته. 

أما محاولات إلصاق تهمة التكفير بـ"سيد قطب"، فهي محاولة للإساءة للرموز الإسلامية، لأن الإساءة للرمز تحول دون الأخذ عنه، أو التقدير له أو الاحترام له، وعلى سبيل المثال قال لنا "سيد قطب": إن بعض رجال المباحث عرض عليه وحاول إغراءه بالكتابة في الصحف، وقال لنا: "إنهم حريصون دائما على تلويث الراية، وتلويث راية الإخوان المسلمين ومن ينتمي إليها"، كما أن إلصاق تهمة التكفير تعطي تبريرا لممارسات الأنظمة ضد أبناء الحركة الإسلامية". 

وأبدى الأستاذ "أحمد عبد المجيد"  استغرابه مما طرحه فضيلة الشيخ "القرضاوي" حول "سيد قطب" وأفكاره، وتوقيت طرح هذا الكلام بعد مرور (34) عاما عليه فقال:" أنا أعجب لإثارة مثل هذا الموضوع حاليا بعد مرور حوالي (34) عاما عليه ،وما الدافع له وما المصلحة في ذلك؛ في وقت نحن محتاجون فيه إلى التئام الصف، وسد الثغرات، وما المصلحة الدافعة لمثل هذا الكلام، وكنت أتمنى أن ينأى فضيلة الشيخ القرضاوي عن الخوض في هذا الموضوع؛ وإن كانت هذه ليست المرة الأولى التي يقول فيها فضيلته مثل هذا الكلام، ففي مقالات نشرها بجريدة الشعب الصادرة 11،18،25 نوفمبر 1986م، انتقد فضيلته وعقب على آراء سيد قطب، وكذلك في ندوة "اتجاهات الفكر الإسلامي المعاصر" 1405هـ=1985م قدم الشيخ "جعفر شيخ إدريس" - وهو من إخوان السودان - بحثًا بعنوان "قضية المنهج عند سيد قطب في معالم في الطريق"، وكان تعليق الشيخ "القرضاوي": "وهذا اتجاه يجب أن يُقوّم" يعنى اتجاه سيد قطب كله يجب أن يُقوّم وليست مسألة أو مسائل فيه، وأخشى أن يستفيد أعداء الحركة الإسلامية من كلام فضيلته. 

***

كيف أواجه – ولا أقول تأدبا كيف يواجه شيخنا – المستشار على جريشة الذي ينفي عن الشهيد تهمة التكفير بل ويحدد الجهات المسئولة عن إسناد هذه التهمة للشهيد: عصابة 23 يوليو و أجهزة الأمن و أجهزة الإعلام..  أما الدكتور محمود عزت الذي عايش الشهيد في محاكمات عبد الطاغوت  فؤاد الدجوي عام 1965 فيؤكد أن الشهيد كان يرى أنه قد حيل بينهم وبين دعوة الناس إلى التوحيد.. و أن الدعوة لم تصل إلى الناس صحيحة.. و أنه في حال عدم تمام الإبلاغ لا يكون التكفير مطروحا أصلا.. كما يذكر أن الشهيد كان يصلى مأموما خلف سجين جنائي وهذا يعنى أنه كان يرى أن مرتكب الكبيرة ليس كافرا. أما الأستاذ جمال سلطان فيصرخ: ما هي القيمة العملية التي يمكن أن يحصلها الشيخ القرضاوي أو قارئه من هذا الجهد المضني الذي يثبت به -بكل سبيل- أن سيد قطب كان تكفيريًّا؟ هل هو تحذير القارئ من كتابات سيد قطب، والنظر إلى كتاباته بحذر وريبة، والتشكك في كل سطر يقرؤه له، ولا يدع مجالا لحديثه أن يصل إلى قلبه ووعيه؟ هل المقصود هو تنفير المثقف المسلم من كتب سيد قطب ودعوته إلى الارتياب في كتاباته والتحقير من رشده الدعوي ومكانته في الفكر الإسلامي؟ هل هذا هو المطلوب؟

***

ثم أن شيخنا الجليل قد أسقط أهم شهادة في القضية كلها.. وهي شهادة الشهيد سيد قطب نفسه في آخر ما كتبه: "لماذ أعدموني" 

‏يقول الشهيد: إننا لم نكفر الناس وهذا نقل مشوه إنما نحن نقول: إنهم صاروا من ناحية الجهل بحقيقة العقيد وعدم تصور مدلولها الصحيح   والبعد عن الحياة الإسلامية  إلى حال تشبه حال المجتمعات في الجاهلية وإنه من أجل هذا لا تكون نقطة البدء في الحركة هي قضية إقامة النظام الإسلامي، ولكن تكون إعادة زرع العقيدة والتربية الأخلاقية الإسلامية .. فالمسألة تتعلق بمنهج الحركة الإسلامية أكثر مما تتعلق بالحكم على الناس!. 

ويعود الشهيد ليوضح عدم تكفيره للأفراد في اعترافه المسجل في محضر التحقيق الذي أجراه معه صلاح نصر ونقله سامي جوهر في كتابه "الموتى يتكلمون ". 

‏س: هل كنتم ترون أن وجود الأمة المسلمة قد انقطع منذ مدة طويلة ولابد من إعادتها للوجود؟

ج : لابد من تفسير مدلول كلمة "الأمة المسلمة " التي أعنيها، فالأمة المسلمة هي التي يحكم كل جانب من جوانب حياتها (الفردية والعامة، السياسية والعامة والاقتصادية والأخلاقية ) شريعة الله ومنهجه . وهي بهذا الوصف غير قائمه الآن في مصر ولا في أي مكان من الأرض ، وإن كان هذا لا يمنع من وجود الأفراد ، لأنه فيما يتعلق بالفرد الاحتكام إلى عقيدته وخلقه ، وفيما يتعلق بالأمة الاحتكام إلى نظام حياته كلها.

***

ماذا كان الشيخ يريد من الشهيد أكثر من ذلك؟!

أعزي نفسي عن ألمي الفادح بأن أرى بعين التمني والخيال ما رآه سيدنا عمر بن عبد العزيز في رؤية منام رأي فيها سيدنا علي وسيدنا معاوية يحاسبان يوم القيامة .. فخرج كل منهما من الحساب مبتهجا و إذا بسيدنا علي يهتف:

"قُضي لي ورب الكعبة"..

و إذا بسيدنا معاوية يهتف :

" غفر لي ورب الكعبة"..

أقول رأيت بعين التمني والخيال الشهيد سيد قطب يقول: "قُضي لي ورب الكعبة".. ورأيت الشيخ يوسف القرضاوي يهتف: " غفر لي ورب الكعبة"..

*** 

***

***







الحلقة الأخيرة

عرس الشهيد..

بل عاش.. ومات المجرمون القتلة..

لا يحزنه الفزع الأكبر (1/2)

***

******

الآن أدرك..

يتسلل إلى بصيص ضوء وقبس نور فأدرك..

من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات..

من كان يعبد النصر فالنصر في الدنيا لعبيد الشيطان حينا ولعباد الله أحيانا..

من كان يعبد المنافع والسيطرة فما أقصر طريقه إلى النار وما أطول طريق المؤمنين.. 

ومن كان ينتظر النصر والسؤدد على يد حسن البنا أو  سيد قطب فقد قتل كل منهما شهيدا ونُكل بأصحابه وغيبوا في السجون ولم يكن ثمة في الأفق احتمال نصر..

وهنا يأتي دور الإيمان الحقيقي.. أن تؤمن به كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك..

أن تجاهد لا سعيا لنصر ولا جلبا لمنفعة ولا وصولا إلى قوة ولا توسلا إلى سيطرة..

نعم الإيمان الحق أن تفعل ما تفعل.. حتى لو لم يتحقق من ذلك كله أي شيء أي شيء أي شيء.. فالإسلام هو الحل نعم.. لكن بمفهوم أوسع بكثير جدا مما قد يتبادر لذهن كثير من الناس.. فالإسلام حل لمعضلة الوجود أساسا أما مصائب الدنيا ومشاكلها فيكفي الإسلام نبلا أن يعلمنا منهج التعامل معها.. الإسلام هو الحل بعد أن تتغير مفاهيمنا للمكسب والخسارة وللانتصار والموت.. وهو الحل و إن حفل الطريق إليه بالمصاعب والموت.. وتذكروا أن الإسلام لا ينبغي أن تكون به هزائم .. بل نصر أو شهادة في سبيل الله..أما ما يبدو أحيانا بالهزائم فليست بذاك و إنما هي ابتلاءات مأجورة بإذن الله, ولنتذكر أنه ليس الموت بل الشهادة.. أعلى مراتب الحياة.. 

نعم .. الإيمان الحق أن تطبق الإسلام  ولو أودى بك ما تفعل إلى عكس ما تتمنى أو ما تتوقع..

حتى لو انهزمت..

حتى لو ضاعت منافعك..

و ضُيعت قوتك.. وبارت تجارتك.. و أهنت بين الناس..

فأنت تفعل ما تفعل.. لا سعيا إلى أي شيء من ذلك.. بل تفعله لأمر واحد فقط.. تفعله لأمر الله الواحد القهار، الواحد الأحد، الفرد الصمد..

***

الآن أفهمك يا حبيبي .. يا سيد قطب..

الآن أفهمك.. أو على الأقل أحسب ذلك..

ففي مثل حالك يكاد يكون انتظار النصر معصية، وتوقع الفصل في الدنيا خطيئة، بل ويكون الوصول علامة على عدم الوصول  ذلك أن الوصول إلى سلطة، أو السيطرة على حكم، أو حتى النصر، إنما تعنى من احتمالات محن البلاء أكثر مما قد تعنيه من الاصطفاء..

نعم..

عدم الوصول يعني احتمال انتهاء فتنة وابتلاء.. والوصول يعني احتمال بدايتهما من جديد.. فأي الوضعين يختار العاقل؟!..

نعم.. 

لقد تشبعت بهذه الأفكار حتى تيقنت من أنني في الآخرة لو ندمت – إن كان للندم مكان هناك- فسوف أندم على كل دقيقة قضيتها خارج السجون.. وعلى كل لحظة لم يعذبني فيها الطاغوت.. فبكل لحظة من عذابه يضع عني سيئات ويرفعني درجات.. وهنا.. وهنا فقط.. عندما بلغ اليقين بي هذا المبلغ انطفأت النار المستعرة في قلبي على استشهاد الشهيد وأسره تعذيبه وترويعه. 

***

قبل ذلك كان الألم يستبد بي بسبب ما صرنا إليه.. والذي تفاقم وازدادت حدة الانهيار فيه بعد جريمة قتل الشهيد.. و رغم إدراكي لضخامة الهوائل النازلة والنوازل الهائلة ولجسامة الصراع والتحديات ولحجم المؤامرة و لمعرفتي بإجرام الروم  وكلاب الروم وعبيد الروم وكلاب عبيد الروم وعبيد كلاب الروم.. برغم ذلك كله فإنني كنت أدرك طول الوقت أن الهزيمة جاءت من داخلنا.. وبسببنا تستمر.. بسبب كل علماني كفر بالغايات العليا للوجود -تحت راية الإسلام- ونحى فكرة الحلال والحرام، واستبعد فكرة الاحتكام إلى الله لكي يحل محلها الاحتكام لطواغيت الأرض.. وعندما قيل لهم إنْ الحكمُ إلا لله اشمأزت قلوبهم.. وعندما ووجهوا بأن من لا يحكم بما أنزل الله هم الفاسقون الظالمون الكافرون.. أبوا النزول على حكم الله.. لكنهم رضخوا في استسلام مذهل عندما قيل لهم ومن لم يحكم بما أمرت به أمريكا فأولئك هم الإرهابيون.. ومن لم يحكم بما أمرت به إسرائيل فأولئك هم المجرمون الظلاميون.. و: إن الحكم إلا للأمم المتحدة حتى لو كانت مجرد دمية تحركها خيوط غلاة الصليبيين واليهود في الولايات المتحدة  .. وراحت الأقلام النجسة تتكلم عن العقل وفن الممكن.

قف اليوم على قارعة الطريق بين العوام  أو في أعظم المحافل بين النخبة.. قل لهم أنه لا حل أمامنا إلا بالمواجهة العسكرية  والفكرية مع الغرب الذي جردنا من كل شيء.. من السلاح ومن المقاومة ومن الشرف والكرامة ويحاول الآن تجريدنا من الدين بل ومن العقل أيضا لنصبح بالنسبة لهم مزرعة لحيوانات ينحرها أني شاء(الإسلام والغرب-– الدكتور مهندس محمد الحسيني إسماعيل-  مكتبة وهبة) وتذكروا أن الكاتب ليس من الإخوان المسلمين ولا هو إرهابي كما  أنه حصل على إحدى شهادتي الدكتوراه اللتين يحملهما من الولايات المتحدة الأمريكية.. وأنه خبير استراتيجي على أعلى مستوى.. و أنه بعد ذلك كله لواء سابق في الجيش المصري.. الجيش الذي يحاول الطواغيت تفتيته وتلويثه لإدراكهم إمكانياته..

أقول اخرج إلى قارعة الطريق أو إلى مجتمعات النخبة وطالب بمواجهة الغرب عسكريا وفكريا.. سوف ينظرون إليك كمجنون.. إذ كيف نلقي بأنفسنا في تنور الهلاك بمواجهة كتلك..

و أقول في دهشة المذبوح:  أعلنتم الحرب على الله لم تهتز منكم شعرة وترتعبون كل هذا الرعب من الغرب.. رغم أن استسلامكم لم ينقذكم من الموت.. ومن المؤكد أنكم لو قاومتم لما سقطت منكم كل هذه الملايين.

كانت هذه الحقائق التي أدركها سيد قطب فأخذ يقدمها كما يقول الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل وفق أشد الصيغ إقناعاً وتأثيراً، وكان يغير بذلك قناعات الجماهير المثقفة وبداهاتها الفكرية ويعيد صياغتها من جديد.. كان يمثل تهديداً مباشراً للطاغوت الذي تعتمده وتستخدمه قوى العالم الكبرى ومراكزه القيادية.. وهكذا فإن إعدام الرجل لم يكن عملاً ارتجالياً.. ولكن خطط له بحساب!!

دعونا الآن من الجزء القدري فهو وإن كان غالبا فليس هذا مكان نقاشه.. وقد كان لابد للشهيد أن يموت لا يستقدم ولا يستأخر.. ثم أننا لا نتكلم عن الماضي  بل نتكلم عن الحاضر والمستقبل.. وفي هذا الحاضر والمستقبل ما يزال الشهيد يستشهد وما يزال الطاغوت يحكم وما زال قضاة النار يواصلون الظلم في محاكمهم الخاصة وما يزال الدجوي المجرم يحاكم وما يزال القاتل فؤاد علام يلفق.. لكنني أقول أن الأمة ليست بريئة وأن الله ليس بظلام للعبيد.. و أن أمة تخلت عن سيد قطب ورفاقه هي أمة تَوَدع منها وأنها تستحق أن تحيق بها اللعنة والخراب.. ينطبق هذا على الماضي نفس انطباقه على الحاضر والمسقبل. فالأمة التي تترك الإخوان الآن يحدث لهم ما يحدث تستحق أن يحدث لها ما يحدث..

نعم..أتحدث عن الحاضر قبل الماضي وعن المستقبل قبل الحاضر..  و برغم نقمتي على عبد الناصر إلا أنني أؤكد هنا أن ليس مجرد شخص و إنما كان نمطا.. كما أزعم أن نفس الأمر ينطبق على الشهيد العظيم سيد قطب.  فهو أيضا نمط .. والخلاف هنا ليس خلافا أكاديميا لتغليب وجهة نظر تاريخية على أخرى.. أو للانتصاف للشهيد من جلاده.. أو الانتصار للأعز ضد الأذل.. أو الحزن لأن الأذل قتل الأعز.. ليس أيا من ذلك.. وكان يمكن أن يكون لو أن الحقائق لم تختلق.. ولو أن الوقائع لم تصطنع .. ولو أن الانتخابات لم تزور.. لكن أيا من ذلك لم يحدث.. مما يدفعنا للقول بأننا لم نكن أمام حكومة بل عصابة.. لذلك فالخلاف لا يمكن أن يحل.. سيظل ساريا لأنه  يتعلق بالحقيقة وعكسها.. بالصدق والكذب وليس بينهما وسط.. ولذلك فإنه يتعلق  بصلب الحاضر والمستقبل.. ذلك أن من يرون استنساخ التجربة الناصرية القومية اليسارية العلمانية إنما يهدمون هذه الأمة ويقدمونها لقمة سائغة للعدو.. كما أن التخلي عن التوجه الإسلامي والالتزام العقدي.. فوق ما يحمله من خسة ونذالة وكفر فإنه يحمل في الوقت نفسه خيانة مروعة بالتخلي عن أقوى أسلحة الأمة في مواجهة أعداء متربصين متلمظين..

نعم.. إن من ينتصرون للفكر القومي إنما ينتصرون لتمزيق الأمة ويتخلون عن أنبل ما فيها ليظفروا بخزي الدنيا والآخرة.. أما من ينتصرون للإسلام فإنهم ينتصرون للقيمة والروح والمعنى والتضحية والاستشهاد وفخر الدنيا والآخرة.

من ينتصر للإسلام ينتصر للصدق والحق ومن ينتصر للفكر القومي ينتصر للكذب والباطل.

نعم : المعركة هي ذات المعركة.. و إن اختلف الزمن..

وسيحمل عبد الناصر إلى أبد الآبدين وزر أنه حاول أن يحطم الجماعة الوحيدة القادرة على توحيد الأمة ومواجهة أعدائها و أنه – عليه من الله ما يستحقه- نجح في تأجيل النصر مائة عالم على الأقل.. ولولاه.. لربما وجدت اليوم دولة إسلامية تخوض المواجهة وتأمل في النصر..

سيحمل عبد الناصر وزر الفكر القومي الجاهلي المتخلف المتعصب ..

نظريا فإن الفكر القومي نتاج صليبي يهودي وقد زرع في منطقتنا للقضاء على الدولة العثمانية ولم يكن مستساغا أن تزرع القومية اليهودية وحدها فزرعوا إلى جوارها القومية العربية .. ولم تكن جناية الثانية على العرب والمسلمين بأقل من جناية الأولي.

وعمليا فقد أسفر التطبيق عن انهيار شامل للعرب وعن انهيار أخلاقي وثقافي بلا حدود ودعونا الآن من الانهيار الديني.. فإننا نكلم القوم بلغتهم.. لا أتكلم الآن بالمنطق الإسلامي.. بل أتكلم عن بديهيات لم تعد بديهيات ومسلمات لم تعد مسلمات.. أتكلم عن تزوير الانتخابات لا عن الصلاة عن التعذيب لا عن الصوم.. عن نهب البلاد لا عن قطع يد السارق.. عن ملايين الجياع لا عن الزهد.. أتحدث عن حاكم مجرم يخون بلاده بالمعنى الغربي والقومي للخيانة.. و إلا فخبروني ماذا كان يمكن لأي شعب غربي أن يفعل بحاكمه لو فعل حاكمه به ما يفعله حكامه بنا.. أتكلم عن أن المشكلة ليست في أن الإسلاميين قد مارسوا العنف بل كانت المشكلة في أنهم لم يمارسوه بالقدر الكافي.. كان عليهم أن يمنعوا بكل ما يمكنهم من عنف احتلال بلادهم وتزوير انتخاباتهم ونهب ثرواتهم وتعذيب أبطالهم.. لكنهم لم يفعلوا ذلك فحاق بهم وبالأمة ما حاق.. ووصل الانهيار إلى حد المهزلة عندما تساوت المهزلة مع الحقيقة وقال أحد كبار المعتقلين الذين حرموه حتى من حق قضاء حاجاته الطبيعية  في ألم وأسى:

- كنا ننادي بحرية القول.. الآن أقصى أمانينا أن يسمحوا لنا بحرية البول!..

ولم تكن طرفة.. بل لعلها مثلت الواقع بأكثر مما قصد قائلها.. لقد تدنت قيمة المواطن إلى الدرجة التي يتمنى فيها أن يظفر بالظروف التي يعيش فيها الحيوان.. وعلى أي حال فالحيوان لا يضطهد ولا يستغل ولا يعذب ولا يسجن ولا يمنع من حرية البول!!


*** 

لقد اتهم سيد قطب والإخوان بما هم منه أبرياء..

نعم.. لم يدع الإخوان إلى العنف أو الإرهاب و إنما دعوا إلى مقاومة عنف و إرهاب اليهود والإنجليز وتلك هي خطيئتهم التي لن يغتفرها لهم اليهود والصليبيون أبدا.. لكن يد الانتقام الباطشة لن تكون أيديهم.. سوف تكون أيدي حكوماتنا و أمننا ونيابتنا  وقضاؤنا وكتابنا ..

بل إن القارئ المتمعن لكتب الشهيد سيكتشف مذهولا أنه كان بعيدا – ربما لدرجة تستدعي العتاب ممن يجرؤ عليه- عن المبادأة ..و أنه إن عوتب فعلى عدم اقتران الدعوة بجهاد كالذي مارسوه في فلسطين وعلى القناة .. لقد كان تركيز الشهيد كله على بناء العقيدة في الأمة المسلمة.. فلم يبح المواجهة إلا دفاعا عن النفس.. وبشرط القدرة.. وخوفا من القضاء على الجماعة المسلمة.. فإذا انتفى هذا انتفى ذاك..

نعم.. لم يمارس الإخوان العنف والإرهاب إلا على سبيل استثناء نادر لا تسأل عنه الجماعة.. بينما مورس العنف والإرهاب ضدهم طول الوقت.

و أذكركم يا قراء أن الذين يتهمون سيد قطب والإخوان المسلمين بالإرهاب هم بأعينهم العمياء وضمائرم الميتة و أنفسهم المتعفنة هم الذين يتهمون الفلسطينيين بالإرهاب ضد اليهود الديموقراطيين.. وهم الذين يتهمون العراقيين بالإرهاب ضد الأمريكان الأحرار!!.. أما أبو غريب وجوانتانامو وسحق المواطن الفلسطيني المسلم فمجرد تجاوزات كالاستثناء الذي يثبت القاعدة ولا ينفيها..

و أذكركم أيضا يا قراء أن نفس هذه المجموعة التي ماتت ضمائرها هي التي لا تكف عن الصياح والنباح للسماح بالاعتداء على الذات الإلهية والرسول العظيم صلى الله عليه وسلم وعلى القرآن الكريم بحجة حرية الإبداع.. 

*** 

أعترف.. أن الأمر قد بلغ بي حد الاستيئاس.. ومع تدهور الأحداث إلى قاع أظنها لم تبلغه قبل ذلك أبدا، لا أقول فقدتُ الرغبة في الكتابة، لأنني فقدتها منذ زمان طويل، و إنما أقول أن محاولاتي في قسر نفسي عليها لم تعد تؤتي أكلها كما كانت.. كما أن حلاوة أخرى كانت تناديني.. حلاوة خبرتي بها جد قليلة.. وكنت أقارن بين المرارة التي أعيشها والحلاوة التي أفتقدها فأهتف في نفسي: 

- لماذا لا تتوقف.. إن كانت الكتابة جهادا فهو أمر قد أدليت بدلوك فيه.. فكفاك.. وادع الله أن يجعل ما مضى في ميزان حسناتك، وأن يتقبله منك.. واذهب بعد ذلك ولازم الحرم ولا تتوقف عن قراءة القرآن مستعيدا تلك السويعات الرهيبة المهيبة المذهلة الرائعة المروعة التي قضيتها في الحرم منذ أعوام.. 

قبلها كنت أقرأ القرآن بعقلي معظم الأحيان، وبقلبي أحيانا، لكنني في تلك السويعات التي لا أنسى حلاوتها أبدا رحت أقرأ القرآن بوجودي كله، والكعبة المشرفة أمامي، وكل شيء  قد اختلف حتى شكل الحروف وصوتي، و أنا لا أكف عن القراءة مذهولا وثملا بنشوة لم أحسها قبل ذلك  قط، وكنت إذ أقرأ مرعوبا من دخول وقت الصلاة لأنها ستقطعني عن قراءة القرآن وكأنني بالانقطاع عن التلاوة ولو بالصلاة سأنقطع عن الهواء الذي أتنفسه فإذا بدأت الصلاة أصبحت مرعوبا لأنها سرعان ما ستنتهي وكأنما بنهايتها سيتوقف تدفق الدماء في عروقي، أحسست ساعتها بقبس من الرحمة يشملني...  قبس؟.. بل طوفان.. يغسلني، ويطهرني من درن الدنيا ونجاستها لأعود إلى براءة الخلق الأول وطهارته، وراح جزء من نفسي يخاطب جزءها الآخر في لوعة: يا أحمق يا مسكين.. قضيت عمرك في الصحراء.. شوتك الشمس.. وجمدك صقيع الليل.. وأدمت قدميك صخور كالحراب.. و روعتك وحوش الفلاة.. وغرقت فيما لم يكن لك به ضرورة لأن الطريق مقطوع مقطوع، بك أو بدونك، ذلك أن أمر الله نافذ و إن جلت على الأفهام حكمته، لكنك اخترت الطريق الوعر وغفلت أحمق يا مسكين عن طريق آخر كان بجوارك دائما، طريق يحفه الأمن والجلال والروعة والنشوة.. طريق مرصوف بالجوهر مصفوف بالياقوت محوط بالملائكة.. طريق القرآن.. وتلك السويعات الفريدة التي أحاول منذ ذقت حلاوتها أن أستعيدها دون جدوى..

في تلك السويعات كنت أكاد أصرخ:

- هل أريد من الدنيا شيئا آخر؟.. هل توجد في الدنيا سعادة أكثر من هذه؟

ثم ما ألبث حتى أستدرك:

- بل هل أطمع في الآخرة في نشوة أكثر من تلك..؟ .. يكفيني هذا.. يكفيني ويزيد.. تهبط على قلبي السكينة ويغرقني الحب.. فالبشر جميعا ليسوا إخوة فقط.. بل إن تلك الشمس بكل ما فيها من نار هي أختي في الخلق، وهذا القمر بكل ما فيه من ضياء هو أخي، خلقنا نفس الخالق البارئ المصور جلت قدرته وحكمته فهو البديع.

تذكرت أنه عندما تقدم العمر بسيدنا  خالد بن الوليد أخذ المصحف وبكى ............

وقال : أشغلنا عنك الجهاد ...........  

يا سيدنا خالد .. أشغلك عنه الجهاد فتبكي..

فماذا لو كنت مثلنا و أشغلتك عنه الدنيا..

وكنت ساعتها جالسا أمام الكعبة لا يشغلني عن القرآن شيء .. وجاءتني الإشارة والبشارة.. كنت أجلس على حافة ممر.. وجاء الجندي ليخلي الممر وجذب الكثيرين جدا ممن أمامي ومن خلفي كي يخلي الممر للمصلين..  لكنه تركني .. قلت لنفسي لعلى لم أتجاوز المسموح ولعله لم يرني.. لكنه بعد حين تصنع أنه يسلم علي ليهمس في أذني:

- لقد تركتك متعمدا..

وتهاطلت دموعي تسبح:

- لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.. لك الحمد..

وساعتها كنت أحس كما لو أن خواصا جديدة أضيفت إلى سمعي وبصري وقلبي وعقلي فأصبحت أسمع ما لم أكن أسمع و أرى ما لم أكن أر و أحس بما كان لا يمكنني الإحساس به فأفهم ما لم أكن أفهم.. بل حتى صوتي قد تغير و أصبح لنبراته في ترتيل القرآن رنين لم أسمعه قبل ذلك أبدا..ولا سمعته بعد ذلك أبدا.. كان الصوت طوفانا ملموسا ومحسوسا من النور ولم تكن الحنجرة مصدره بل من القلب كان يأتي..  ولم أكن-ساعتها-  أسمع بأذني وحدها..كان القلب أيضا هو الذي يسمع وكانت نياطه هي التي تهتز .. من أجل ذلك كنت أسمع هدير صوت النجم الثاقب.. هل تخيل أحدكم يوما، وهو الذي تعود أن يزعج مسامعه صوت طائرة تحلق، هل تصور كيف يكون صوت هدير دوران الأرض حول الشمس.. بل صوت دوران الشمس نفسها.. هل تخيل أحدكم أن يرى أبعد من فرسخ أو فرسخين.. فكيف بمن يرى سرعة الضوء التي يتسع بها الكون ويتمدد.. هل أطعنا القرآن هل تدبرنا هل أحسسنا هل عقلنا؟؟؟؟..

كنت جالسا أقرأ القرآن.. أخشى أن يفرط القلم فيفرّط.. فلم أكن أقرأ بقدر ما كنت أذوب.. وكنت أتعبد بالنظر إلى الكعبة.. وكان إخوتي من الناس يطوفون حولها تسبيحا وعبادة.. فاض الحب فطغى.. أصبح الإخوان إخوة و أصبح الإخوة أشقاء.. وفي نفس الوقت.. كانت النجوم أمة  يطفن في السماء تسبيحا لله وعبادة.. كن يسابقنني.. وكان القمر أمة يدور طوافا وعبادة..

وكان اتجاه الدوران كله هو اتجاه الطواف حول الكعبة.. 

***         

وكنت أبحر في بحر القرآن ذلك الإبحار الممتع الذي يجعلني لا أريد أن أعود إلى الشاطئ أبدا.. تمنيت أن أظل كذلك حتى أموت.. وطاف بخاطري أنه لو تحققت أمنيتي فإنني لن أحس بالموت.. سوف يكون مجرد انتقال ما أبسطه وما أهونه.. مجرد جلباب رثَّ واتسخ فآن أوان استبداله.. أما من داخل الجلباب القارئ للقرآن فسيظل يقرأه لا يشعر حتى باستبدال ثوبه..

 هل كانت تلك السويعات هي اكتشاف سر اسم الله الأعظم الذي يذهب بعض العلماء إلى كونه حالة وجدانية يكون أي اسم من أسماء الله فيها هو اسمه الأعظم..؟..

ربما.. 

لكنني أعترف.. أنني منذ ذلك اليوم أبدو أمام نفسي كمن أضاع أثمن شيء في حياته التي لايبقيه عليها إلا الأمل في العثور ذات يوم على ما فقد..

أبدو أمام نفسي كشخص دخل الجنة ثم أخرج منها..

هل يوجد ثمن في الدنيا ينكص هذا الشخص عن دفعه حتى يعود إليها؟!..

 تضاءلت الدنيا .. 

فهل تدرك أيها القارئ إذن مدى كارثتي وفجيعتي بقتل كاتب الظلال خادم القرآن؟!..

وهل تدرك لماذا يشتعل قلبي بالنار كل يوم حينما يحدث لأتباع الشهيد ما يحدث..

وهل تدرك لماذا يشتعل عندما يسيء عبدة الشيطان للمصحف أو للقرآن، كما حدث في قضية الوليمة أو في قضية المسرحية السافلة  أو أفعال الوزير الشاذ..أو ذلك الناقد الملعون الذي يطالبنا أن نعامل القرآن كنص علينا أن نبرز محاسنه وونظهر نقصه وعيوبه- حاشا لله أن يكون به نقص....

أعود إلى تلك السويعات التي أدفع الباقي من عمري لاستعادتها.. 

بفعل هذه السويعات وبفضلها.. أحس بالخسارة الفادحة التي ألمت بنا بفقدان أمة في رجل هو أعظم من فسر القرآن عبر قرون .. وهو الشهيد سيد قطب.. فلا أكف عن لعن الطاغوت الذي قتله.. لا أكف عن لعنه لأنه ما يزال يحتل منصبه ومكانته ومكانه..ما يزال.. وما يزال يقتل الشهيد وإخوانه في خسارة فادحة تزيد مع كل عين تبصر أي حرف من الظلال.. خسارة تزيد على مر الأيام ولا تنقص..

بفعل هذه السويعات وبفضلها أحس بالغضب الجامح، وبالعار، لما وصلت أمورنا إليه من مذلة وهوان.. في كل مكان وفي كل صعيد.. وأحس بالعار والغضب لتحول ولاة أمورنا من حكام أو أشباه حكام إلى نخاسين حولوا شعوبهم من سادة الدنيا إلى سبي ذليل ومهان من الجواري والعبيد والغلمان وراحوا يقدمون هذا السبي قربانا على مذبح اليهود والصليبيين.. قربانا يتوسلون به إلى إلههم الشيطان كي يمد لهم في خدمتهم له.

بفعل هذه السويعات وبفضلها أشعر بالغضب الجامح عندما يؤسر واحد ممن يدافعون عن لا إله إلا الله .. 

***

وبفضل هذه السويعات أدركت القيمة الحقيقية لسيد قطب.. 

ولعل القارئ يتساءل:

- وما دخل ما فات بالحلقة الأخيرة عن الشهيد..

و أجيبه..

- لقد كنت كمن أدخل إلى عالم سيد قطب لحيظات فأدركت ما فيه ثم أخرجت..

نعم.. كنت بعد هذه السويعات كأعمى فُتح له بصيص من الضوء فهاله على ضآلة بصره سعة عالم لا يحد.. وكنت كتلميذ محيت أميته للتو فأدرك قيمة أساتذته الفطاحل.. كنت في جهلي و أميتي لا أعلم قيمتهم.. تماما كما يجهل الجاهل قيمة العلامة محمود شاكر.. وكما يجهل الأمي قيمة أحمد زويل.. فكلما انفتحت له من العلم طاقة ازداد إدراكه وفهمه..

كانت هذه السويعات هي هذه الطاقة التي انفتحت في عالم الظلمات لأدلف منها إلى عالم كنت بعيدا عنه.. عالم كله نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ..

غسلني النور فلم أعد بعدها أتعذب لعذابات سيد قطب بل رحت أحسده و أغبطه.. و أقول:

يا ليتني كنت مكانه..

***

نعم..

مكنتني تلك السويعات من فهم سيد قطب..

فلقد كانت حياته الدعوية زمنا متصلا من هذه السويعات أو من مضاعفاتها اللوغاريتمية..

وتلك الومضة الهائلة الباهرة المبهرة التي غشيتني سويعات مرت كلحيظات كانت لبنات وجوده وكانت عالمه كله.. 

أولى بي إذن أن أدرك كم كانت الحياة عليه عبئا كئيبا وكم كان الاستشهاد خلاصا حبيبا.. 

كنت كمن عرف مبادئ الحساب وتعلم جدول الضرب فأصبح يعي – حتى و إن لم يستوعب أو يفهم- الرياضات المعقدة للليزر والصواريخ وعلم الكم.. 

جعلتني تلك اللحيظات أفهم الشهيد بأن أضع نفسي مكانه.. ليكون مرجعي عنه قلبي.. فبه أقوِّي الرواية  أو أعرض عنها..

ودعوني أضرب لكم هذا المثل الفج للتشبيه.. وهو مثل فج لأنه يهبط بمستوى الانفعال والإحساس من الثريا إلى الثرى.. لكن ما حيلتي إذا كان هذا المثل سيجلي الصورة ويوضح المعنى أكثر من سواه.. أما المثل فهو ما ذكره موظف المخابرات الأمريكية مايلز كوبلاند في كتابه لعبة الأمم.. لقد كان صديقا حميما جدا لجمال عبد الناصر.. ولقد درس شخصيته بعمق حتى أنهم هناك في السي آي إيه كانوا يجعلون مايلز كوبلاند يتقمص شخصية عبد الناصر ليخبرهم عن أفعاله أو ردود أفعاله إذا ما تعرض لمؤثر ما.. ويقول كوبلاند أنه لم يخفق أبدا..

حاشا لله أن أقرن الشهيد بالجلاد.. أو أن أقرن قلمي (الذي يحمله بنان من هو دون مستوى الاصطفاء...)  بكوبلاند.. لكن المعنى الذي أقصده.. هو أنني أستطيع أن أفهم الشهيد و أن أتنبأ بردود أفعاله.

***

ولكنني على الرغم من ذلك كله .. وبرغم إدراكي أن الجلادين لو عرفوا حلاوة ما أحس به سيد قطب لقاتلوه عليه بالسيوف.. برغم ذلك أعترف أني  في هذه الأيام التي أكتب فيها الحلقة الأخيرة عن الشهيد حزين حزن الفراق بل حزن الموت..نعم.. حزين..حزين..

منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام و أنا أعايشه يوما بيوم ومعنى بمعنى وظلا بظل ومعلما بمعلم وفكرة بفكرة و ألما بألم و أملا بأمل ثم ها أنذا أوشك على الرحيل..

***

في البداية كان قلبي يوجف من كتابة الحلقة الأخيرة.. كنت مشبعا بالفاجعة وكأن الكارثة تحوّم حول رأسي في السماء وتوشك أن تنقض.. كأن الأيام ستستدير لتعود إلى سيرتها الأولى ليتكرر الحدث كما كان.. كنت خائفا ومتوجسا من تلك الحلقة و كأنما سيعاد إعدام  الشهيد سيد قطب بالفعل فيها.. ويتكرر قتله من جديد.. لكن ها أنذا أدرك مع المعايشة فساد الهاجس.. و أن العكس هو الذي يحدث..إنه هو يعيش ويبقى.. ويموت القتلة  المجرمون.. بل ونموت نحن.. و أموت أنا..

نعم.. يعيش سيد قطب ويحيا ويعلو ويموت جمال عبد الناصر ويهلك ويسقط.. وينفق ويسقط أيضا عبد الحكيم عامر وصلاح نصر وحمزة البسيوني و آلاف مثلهم.. أما المجرم شمس بدران - وآلاف مثله- فقد مات وهو حي.. تزكم رائحة عفنه الأنوف جميعا .. 

يموتون وتعيش أنت يا حبيبي..

تعيش  فتعطر رائحتك الزكية أربعة أركان الأرض.. وفي كل ركن منها لك أبناء وتلاميذ يجاهدون في سبيل الله فما من حركة تجاهد في سبيل الله إلا ولك فيها سهم.. 

نعم..

لولاك يا سيد لكان عجز الأمة قد اكتمل..

فالأمة مشلولة لكن أتباعك أيها السيد هم الذين يزلزلون الإمبراطوريات..

وبرغم الهول والطواغيت والملاحم والدم والأشلاء أرقب في ذهول أن مصارع الطواغيت  وإمبراطوريات الكفر والاستكبار جلها تحدث بسبب الإسلام والمسلمين.. ففي نصف القرن الأخير تهاوت إمبراطوريات ثلاث بسبب الإسلام والمسلمين وهاهي ذي الرابعة على وشك أن تهوي.. أتحدث عن انهيار بريطانيا وفرنسا بسبب المقاومة – لا الحكومات-  في العالم العربي.. لقد تداعت فرنسا في الجزائر ثم انهارت في مصر.. وانكشفت بريطانيا في العراق وفلسطين وتداعت في مصر.. وانهار الاتحاد السوفيتي في أفغانستان.. وهاهي ذي الولايات المتحدة الأمريكية توشك على الانحدار إلى مرحلة الأفول في العراق.. أما إسرائيل فالويل لها..

نعم.. حدث هذا رغم أن كل حكوماتنا – ونخبتها وخدم نخبتها- كانت عميلة وكانت مع الأعداء ضد الدين والأمة والدولة والشعب. حدث على يد المقاومة في طول وعرض العالم العربي والإسلامي.. وكانت المقاومة كلها إسلامية.. وكانت جلها تنتمي إلى المنهج الإسلامي الذي أصله فكر الشهيد.. و إن كانت انتصاراتها قد آلت بالسرقة والخداع والنهب إلى العلمانيين من قوميين ويساريين..

نعم.. حدث على يد من اصطفاهم الله للجهاد في سبيله وعلى رأسهم شهيدنا الغالي - أحسبه كذلك-  سيد قطب..


***

أصارح القارئ أنني في هذه الحلقة الأخيرة لست حريصا على أن أتحدث عن موت سيد قطب بل إن حرصي أشد  على الحديث عن ميلاده الثاني.. لأن حياته بعد موته أطول بما لا يقاس من حياته قبل موته.. كما أنها أكثر مجدا وبهاء ورفعة.. وليس فيها ألم..

أسأل نفسي وقد خدعني الشيطان طويلا عندما تقطعت نفسي حسرات عليه وسالت دموعي طوفانا كلما واجهني الشهيد في لحظة قهر أو لحظة تعذيب..أو وهم يربطونه في المقعد أياما متوالية.. فقد لجئوا إلى ذلك عندما انهار جسده تحت وطأة العذاب الهمجي المتوحش.. و أصبحوا يخشون أن يدركه الموت قبل أن يلغ الطاغوت في دمه ويروي غليله بأن يقتله بيديه.. بيد زبانيته.. وبيدي مثقفيه وشيوعييه.. وبيد محمد حسنين هيكل.. خففوا عنه العذاب وكانوا يكتفون بربطه في المقعد أياما متوالية وقطرات الماء تتساقط أمام فمه وهو محروم – يحرق العطش حلقه  كسيد الشهداء الإمام الحسين– منها.. أياما وراء أيام.. وهو المريض بأمراض عدة منها الكلى التي تستلزم شرب كميات كبيرة من الماء.. تفتت قلبي.. لكنني الآن  أسأل نفسي والحقيقة تنفجر انفجار الصبح الأبلج فتكتسح الظلام فينقشع كأنما لم يوجد قط..أسأل نفسي:

- هل كنت تتمنى لو أن سيد قطب قد تنعم كأكثر أهل الدنيا تنعما ثم لا تكون المعالم والظلال..

وتنفجر الإجابة انفجار الصبح:

- لا وحق جلالك يا رب.. إنما هي غشاوة البصر والبصيرة وقساوة الروح تخفي عنا الحقيقة وتعمي أعيننا عن الحق.. لا وحق جلالك يا رب.. فما أهون عذاب بشر واستشهاده مقابل المعالم والظلال.. حتى لو كان هذا البشر هو سيد قطب.

وأواصل وكأنما أراه يوم القيامة تسأله الملائكة:

- هل تذكر من تعذيبك في الدنيا شيئا؟

 فيهتف الشهيد وعيناه شاخصتان إلى ربه وهم يسوقونه إلى الجنة سوقا:

- لا وحق جلالك يا رب..

*** 

بل إنني أعترف  أنني حينما رحت أذوب وجدا تحت وقع الكلمات التي وصف بها الشهيد سيد قطب الشهادة والشهداء في الظلال ..أعترف أنني قلت لنفسي أنه لو لم يستشهد الشهيد لحاك في الصدر شيء!..

لقد قال أن الكلمات تقتات من دمه..

وكان الاستشهاد هو المقياس فإن استشهد فقد صدق.. 

نعم.. هذا رجل يستحق الاصطفاء للشهادة..

ولو لم يستشهد لكان منا من يتساءل اليوم : إن لم يستشهد هذا الصدق كله وهذا الإخلاص كله فمن إذن – و أستغفر الله عن تجاوزي-..

هذا رجل صدق الله فصدقه.. 

انظروا إلى الشهيد يكتب عن الشهداء والشهادة:

إن هنالك قتلى سيخرون شهداء في معركة الحق . شهداء في سبيل الله . قتلى أعزاء أحباء . قتلى كراما أزكياء - فالذين يخرجون في سبيل الله , والذين يضحون بأرواحهم في معركة الحق , هم عادة أكرم القلوب وأزكى الأرواح وأطهر النفوس - هؤلاء الذين يقتلون في سبيل الله ليسوا أمواتا . إنهم أحياء . فلا يجوز أن يقال عنهم:أموات . لا يجوز أن يعتبروا أمواتا في الحس والشعور , ولا أن يقال عنهم أموات بالشفة واللسان . إنهم أحياء بشهادة الله سبحانه . فهم لا بد أحياء . 

إنهم قتلوا في ظاهر الأمر , وحسبما ترى العين . ولكن حقيقة الموت وحقيقة الحياة لا تقررهما هذه النظرة السطحية الظاهرة . . إن سمة الحياة الأولى هي الفاعلية والنمو والامتداد . وسمة الموت الأولى هي السلبية والخمود والانقطاع . . وهؤلاء الذين يقتلون في سبيل الله فاعليتهم في نصرة الحق الذي قتلوا من أجله فاعلية مؤثرة , والفكرة التي من أجلها قتلوا ترتوي بدمائهم وتمتد , وتأثر الباقين وراءهم باستشهادهم يقوى ويمتد . فهم ما يزالون عنصرا فعالا دافعا مؤثرا في تكييف الحياة وتوجيهها , وهذه هي صفة الحياة الأولى . فهم أحياء أولا بهذا الاعتبار الواقعي في دنيا الناس . 

ثم هم أحياء عند ربهم - إما بهذا الاعتبار , وإما باعتبار آخر لا ندري نحن كنهه . وحسبنا إخبار الله تعالى به: (أحياء ولكن لا تشعرون). . لأن كنه هذه الحياة فوق إدراكنا البشري القاصر المحدود . ولكنهم أحياء . 

أحياء . ومن ثم لا يغسلون كما يغسل الموتى , ويكفنون في ثيابهم التي استشهدوا فيها . فالغسل تطهير للجسد الميت وهم أطهار بما فيهم من حياة . وثيابهم في الأرض ثيابهم في القبر لأنهم بعد أحياء . 

أحياء . فلا يشق قتلهم على الأهل والأحباء والأصدقاء . أحياء يشاركون في حياة الأهل والأحباء والأصدقاء . أحياء فلا يصعب فراقهم على القلوب الباقية خلفهم , ولا يتعاظمها الأمر , ولا يهولنها عظم الفداء .ثم هم بعد كونهم أحياء مكرمون عند الله , مأجورون أكرم الأجر وأوفاه.

إن الموت نقلة من عالم الفناء إلى عالم البقاء . وخطوة يخلص بها المؤمن من ضيق الأرض إلى سعة الجنة . ومن تطاول الباطل إلى طمأنينة الحق . ومن تهديد البغي إلى سلام النعيم . ثم إن الذين يقتلون في سبيل الله لن يضل أعمالهم . . في مقابل ما جاء عن الذين كفروا أنه أضل أعمالهم . ثم أن الله رب الشهداء الذين قتلوا في سبيله , يظل يتعهدهم بالهداية - بعد الاستشهاد - ويتعهدهم بإصلاح البال , وتصفية الروح من بقية أوشاب الأرض; أو يزيدها صفاء لتتناسق مع صفاء الملأ الأعلى الذي صعدت إليه , وإشراقه وسناه . فهي حياة مستمرة في طريقها لم تنقطع إلا فيما يرى أهل الأرض المحجوبون . وهي حياة يتعهدها الله ربها في الملأ الأعلى . ويزيدها هدى . ويزيدها صفاء , ويزيدها إشراقا  (ويدخلهم الجنة عرفها لهم). . .

وفي ظل هذه الكرامة للذين قتلوا في سبيل الله . وفي ظل ذلك الرضى , وتلك الرعاية , وبلوغ ذلك المقام . يحرض الله المؤمنين على التجرد لله , والاتجاه إلى نصرة نهجه في الحياة ; ويعدهم على هذا النصر والتثبيت في المعركة ; والتعس والضلال لأعدائهم وأعدائه: 

(يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم . والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم . ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم). . 

وكيف ينصر المؤمنون الله , حتى يقوموا بالشرط وينالوا ما شرط لهم من النصر والتثبيت ? 

إن لله في نفوسهم أن تتجرد له , وألا تشرك به شيئا , شركا ظاهرا أو خفيا , وألا تستبقي فيها معه أحدا ولا شيئا , وأن يكون الله أحب إليها من ذاتها ومن كل ما تحب وتهوى , وأن تحكمه في رغباتها ونزواتها وحركاتها وسكناتها , وسرها وعلانيتها , ونشاطها كله وخلجاتها . . فهذا نصر الله في ذوات النفوس . 

إن الذي يقول: إنه "مسلم" إما أن يبلغ ويؤدي هكذا . وإلا فلا نجاة له في دنيا ولا في أخرى . . إنه حين يقول:إنه "مسلم" ثم لا يبلغ ولا يؤدي . . كل ألوان البلاغ والأداء هذه , إنما يؤدي شهادة ضد الإسلام الذي يدعيه ! بدلا من أداء شهادة له , تحقق فيه قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا) . 

وتبدأ شهادته للإسلام , من أن يكون هو بذاته . ثم ببيته وعائلته . ثم بأسرته وعشيرته , صورة واقعية من الإسلام الذي يدعو إليه . . وتخطو شهادته الخطوة الثانية بقيامه بدعوة الأمة - بعد دعوة البيت والأسرة والعشيرة - إلى تحقيق الإسلام في حياتها كلها . . الشخصية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية . . وتنتهي شهادته بالجهاد لإزالة العوائق التي تضل الناس وتفتنهم من أي لون كانت هذه العوائق . . فإذ استشهد في هذا فهو إذن "شهيد" أدى شهادته لدينه , ومضى إلى ربه . . وهذا وحده هو "الشهيد" .

*** 

ثم انظروا إليه وهو يقول:

وإن لله شريعة ومنهاجا للحياة , تقوم على قواعد وموازين وقيم وتصور خاص للوجود كله وللحياة . ونصر الله يتحقق بنصرة شريعته ومنهاجه , ومحاولة تحكيمها في الحياة كلها بدون استثناء , فهذا نصر الله في واقع الحياة . 

ونقف لحظة أمام قوله تعالى: (والذين قتلوا في سبيل الله).. وقوله: (إن تنصروا الله). . 

وفي كلتا الحالتين . حالة القتل . وحالة النصرة . يشترط أن يكون هذا لله وفي سبيل الله. وهي لفتة بديهية , ولكن كثيرا من الغبش يغطي عليها عندما تنحرف العقيدة في بعض الأجيال . وعندما تمتهن كلمات الشهادة والشهداء والجهاد وترخص, وتنحرف عن معناها الوحيد القويم . 

إنه لا جهاد , ولا شهادة , ولا جنة , إلا حين يكون الجهاد في سبيل الله وحده , والموت في سبيله وحده , والنصرة له وحده , في ذات النفس وفي منهج الحياة . 

لا جهاد ولا شهادة ولا جنة إلا حين يكون الهدف هو أن تكون كلمة الله هي العليا . وأن تهيمن شريعته ومنهاجه في ضمائر الناس وأخلاقهم وسلوكهم , وفي أوضاعهم وتشريعهم ونظامهم على السواء . 

عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال:سئل رسول الله [ ص ] عن الرجل يقاتل شجاعة, ويقاتل حمية , ويقاتل رياء . أي ذلك في سبيل الله ? فقال:" من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " . 

وليس هنالك من راية أخرى , أو هدف آخر , يجاهد في سبيله من يجاهد , ويستشهد دونه من يستشهد , فيحق له وعد الله بالجنة . إلا تلك الراية وإلا هذا الهدف . من كل ما يروج في الأجيال المنحرفة التصور من رايات وأسماء وغايات ! 

ويحسن أن يدرك أصحاب الدعوة هذه اللفتة البديهية , وأن يخلصوها في نفوسهم من الشوائب التي تعلق بها من منطق البيئة وتصور الأجيال المنحرفة , وألا يلبسوا برايتهم راية, ولا يخلطوا بتصورهم تصورا غريبا على طبيعة العقيدة . 

لا جهاد إلا لتكون كلمة الله هي العليا . العليا في النفس والضمير . والعليا في الخلق والسلوك . والعليا في الأوضاع والنظم . والعليا في العلاقات والارتباطات في كل أنحاء الحياة . وما عدا هذا فليس لله . ولكن للشيطان . وفيما عدا هذا ليست هناك شهادة ولا استشهاد . 

***

نعم ..

تلك منزلة الشهداء..

روى  الإمام أحمد في مسنده قال:حدثنا زيد بن نمر الدمشقي , حدثنا ابن ثوبان , عن أبيه , عن مكحول , عن كثير بن مرة , عن قيس الجذامي - رجل كانت له صحبة - قال:قال رسول الله [ ص ]:" يعطى الشهيد ست خصال:عند أول قطرة من دمه , تكفر عنه كل خطيئة ; ويرى مقعده من الجنة , ويزوج من الحور العين , ويأمن من الفزع الأكبر ومن عذاب القبر , ويحلى حلة الإيمان " . . [ تفرد به أحمد . وقد روى حديثا آخر قريبا من هذا المعنى . وفيه النص على رؤية الشهيد لمقعده من الجنة . أخرجه الترمذي وصححه ابن ماجه ] . 

حاشية: العلمانيون الأغبياء والمستشرقون الجهلة يقرأون هذا الحديث فلا يفهمون منه إلا الشق المادي ( ومرة أخري فالإنسان لا يثبت ولا ينكر ما يجهل) فلا يفهمون من الحديث إلا الحور العين .. ويجعلون من هذا هو الدافع الوحيد للاستشهاد.. 

السفلة!!..

*** 

*** 

يتساءل فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي – ولا ينفي عتابنا  السابق عليه  تبجيلنا له -: علام حوكم سيد قطب؟  ويجيب أن سيد قطب وتنظيمه: لم يحاكما من أجل (الأعمال الخطيرة) التي ارتكبها، ولكن حوكم كلاهما من أجل (الأفكار الخطيرة) التي اعتنقها أو دعا الناس إليها. ولو أنصفوا وامتلكوا الشجاعة، لقالوا: إننا حاكمنا الرجل ـ بل حكما عليه بالإعدام ـ من أجل أفكاره لا من أجل أعماله. لقد حوكم سيد قطب على أخطر كتاب ألفه، وهو كتاب (معالم في الطريق) فهو الذي تتركز فيه أفكاره الأساسية في التغيير الذي ينشده، وإن كان أصله مأخوذا من تفسيره (في ظلال القرآن) في طبعته الثانية، وفي أجزائه الأخيرة من طبعته الأولى.  كان الكتاب قد طبع منه عدد محدود في طبعته الأولى( تعليق: الكلام هنا غير دقيق.. فكما رأينا أن تعدد الطبعات فور صدور الكتاب  هو الذي نبه رجال المباحث إلى وجود تنظيم.. على العموم كان فضيلة الشيخ بعيدا عن الأحداث آنذاك م.ع. ) التي نشرتها (مكتبة وهبة) ولكن بعد أن حكم بإعدام سيد قطب، وبعد أن كتبت له الشهادة، أصبح الكتاب يطبع في العالم كله بعشرات الآلاف( تعليق آخر: مئات الآلاف وليس عشرات الآلاف..  م.ع.) وصدق ما قاله عليه رحمة الله: ستظل كلماتنا عرائس من الشمع لا روح فيها ولا حياة، حتى إذا متنا في سبيلها: دبّت فيها الروح، وكتبت لها الحياة! 

ويعلق الشيخ يوسف القرضاوي أنهم في الحقيقة لم يقاوموا أفكار سيد قطب، بل ساهموا مساهمة فعالة في إذاعتها ونشرها! 

وفي نهاية المحاكمة المهزلة التي كان القاضي فيها مهرجا وقاضيا من قضاة النار  فوجئ الناس بأحكام الإعدام، وقد قوبل الحكم بالإعدام على سيد قطب وصاحبيه بالدهشة والاستغراب والإنكار، بل الرفض والاحتجاج من أنحاء العالم العربي والإسلامي، وقامت مظاهرات، وأرسلت برقيات، وحدثت وساطات لدى عبد الناصر، وكان الكثيرون يتوقعون أن يستجيب لها، فلم يفعل. بل صدق على حكم إعدام سيد قطب، و رفض أي شفاعة فيه، وأصم أذنيه عن استغاثات العرب والمسلمين أن لا ينفذ حكم الإعدام، وأصر على أن ينفذ في الرجل الأديب العالم المفكر الداعية الكبير: حكم الإعدام. 

يتفتت الشيخ يوسف القرضاوي ألما وهو يقول: 

لقد شنق ستة من قادة الإخوان سنة 1954م من أجل تهمة شروع في قتل عبد الناصر في ميدان المنشية، وإن كنا أثبتنا بالأدلة القاطعة براءة جماعة الإخوان من هذه التهمة، أما هنا، فلم يحدث قتل، ولا شروع في قتل، فعلام يعدم هؤلاء؟ وبأي جريمة تقطع رقابهم؟ 

وقد ذكروا هنا أمرا عجيبا ينبغي أن نسجله: ذلك أن شمس بدران وحسين خليل مدير المباحث الجنائية عرضا على عبد الناصر خلال محاكمة الشهيد سيد قطب الأحكام التي سيصدرها الدجوي، ومن بينها حكم الإعدام على سيد قطب، واتفقوا مع عبد الناصر على تخفيف حكم الإعدام عليه إلى السجن، أو العفو مع تحديد إقامة، أو نحو ذلك؛ لينال عبد الناصر كسبا شعبيا يغطي كل ما قيل عن التعذيب، وما سيُقال عن العقوبات التي ستفرض على الآخرين. ولكنهم فوجئوا بعبد الناصر يصدق على حكم الإعدام وينفذه.. إن دم سيد قطب ورفيقيه، سيظل لعنة على من سفكوه بغير حق، وسيظل يطاردهم، حتى يثأر له القدر من الطغاة الظالمين، ويستجيب لدعاء المظلومين، الذي يرفعه الله فوق الغمام، ويفتح له أبوب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين. 

*** 

كيف غفلت عن منازل الشهداء ..

ولماذا حزنت على الشهيد هذا الحزن كله.. بينما كان علىّ أن أفرح لعرس استشهاده..

***

في صحيح مسلم:" إن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش , فاطلع عليهم ربك إطلاعة . فقال:ماذا تبغون ? فقالوا:يا ربنا . وأي شيء نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ? ثم عاد عليهم بمثل هذا . فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا قالوا:نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أخرى - لما يرون من ثواب الشهادة - فيقول الرب جل جلاله:إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون " . . 

وعن أنس رضي الله عنه قال:قال رسول الله [ ص ]:" ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا , وله ما على الأرض من شيء . إلا الشهيد , ويتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات , لما يرى من الكرامة " . [ أخرجه مالك والشيخان ] .

***

من أولي من الشهيد في زماننا بهذا المجد كله؟!..

***

الجزء الأخير في العدد القادم








الحلقة الأخيرة

عرس الشهيد..

بل عاش.. ومات المجرمون القتلة..

لا يحزنه الفزع الأكبر (2/2)

***

******

نعم..

من أولي من الشهيد في زماننا بهذا المجد كله؟!..

***

كتب في أيامه الأخيرة في رسالتين إلى أحد أصدقائه:

«أما أنا  فأجدني خيرا من أي وقت مضى - في عقيدتي وإيماني - وفي وضوح هذه العقيدة وهذا الإيمان في نفسي، وفي وضوح إدراكي وتصوري لهذا الأمر ومقتضياته 0 ‏ووضوح الهدف والوسيلة والطريق والغاية،  وكل هذا خير جزيل جميل يرجح كل ما أديته ثمنا له من راحتي وصحتي 0 ‏والحمه لله. .

 ‏وقال في الرسالة  الثانية : 

«أهم من أن أشكرك _ فيما اعتقد هو أن أطمئنك على وأنا في وضعي الذي تعلمه » لقد  وجدت  الله  كما لم أجده من قبل قط  ولقد عرفت منهجه وطريقه كما لم أعرفه من قبل قط، ولقد اطمأننت إلى  رعايته ووثقت  بوعده للمؤمنين  كما لم أطمئن من قبل قط 0 ‏وأنا بعد  ذلك على ما عهدتني  مرفوع الرأس لا أحنيه إلا لله،  ‏والله يفعل ما يشاء  والله غالب على أمره 0 ‏ولكن أكثر الناس لا يعلمون» 0

كان الصديق هو الأديب الحجازي الشهير الأستاذ أحمد عبه الغفور عطار في مكة المكرمة، وكان الشهيد قد أرسل إليه رسالتين من زنزانته، وشاء الله أن تصلا إليه بطريقة خاصة، ‏وقد نشرها الأستاذ احمد عطار في مجلة (كلمة الحق) بخط يد سيد  قطب  بالز‏نكوغراف، وتعتبر الرسالتان وثيقتين هامتين تصوران  حالة سيد قطب الإيمانية بعد العذاب الرهيب الذي لقيه، كما تصوران جلده وصبره وجهاده، وثباته وعزته واستعلاءه!.

***

‏كان سيد قطب متشوقا إلى الشهادة طالبا لها . قال في تفسيره لقوله تعالى : ( ‏ويتخذ منكم شهداء): 

«وهو تعبير عجيب عن معنى عميق أن الشهداء لمختارون 0 ‏يختارهم الله  من بين المجاهدين، ويتخذهم لنفسه - سبحانه - فما هي رزية إذن ولا خسارة أن يستشهد في سبيل الله من يستشهد، إنما هو اختيار وانتقاء وتكريم واختصاص 00 ‏إن هؤلاء هم الذين اختصهم الله ورزقهم الشهادة ليستخلصهم لنفسه - سبحانه - ويخصهم بقربه» .

ثم اسمعوا الشهيد  يقرر أن الشهداء أحياء, فليس الموت خاتمة المطاف ; بل ليس حاجزا بين ما قبله وما بعده على الإطلاق ! إن هذا النص الصادق من العليم الخبير كفيل وحده بأن يغير مفاهيمنا للموت والحياة, فهؤلاء ناس منا يقتلون , وتفارقهم الحياة التي نعرف ظواهرها , ويفارقون الحياة كما تبدو لنا من ظاهرها . ولكن لأنهم: قتلوا في سبيل الله ; وتجردوا له من كل الأعراض والأغراض الجزئية الصغيرة ; واتصلت أرواحهم بالله , فجادوا بأرواحهم في سبيله . . لأنهم قتلوا كذلك , فإن الله - سبحانه - يخبرنا في الخبر الصادق , أنهم ليسوا أمواتا . وينهانا أن نحسبهم كذلك , ويؤكد لنا أنهم أحياء عنده , وأنهم يرزقون . فيتلقون رزقه لهم استقبال الأحياء . فما الذي يبقى من خصائص الحياة غير متحقق للشهداء - الذين قتلوا في سبيل الله ? - وما الذي يفصلهم عن إخوانهم الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ? وما الذي يجعل هذه النقلة موضع حسرة وفقدان ووحشة في نفس الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ; وهي أولى أن تكون موضع غبطة ورضى وأنس , عن هذه الرحلة إلى جوار الله , مع هذا الاتصال بالأحياء والحياة ! إنها تعديل كامل لمفهوم الموت - متى كان في سبيل الله - وللمشاعر المصاحبة له في نفوس المجاهدين أنفسهم , وفي النفوس التي يخلفونها من ورائهم . وإفساح لمجال الحياة ومشاعرها وصورها , بحيث تتجاوز نطاق هذه العاجلة , كما تتجاوز مظاهر الحياة الزائلة . وحيث تستقر في مجال فسيح عريض , لا تعترضه الحواجز التي تقوم في أذهاننا وتصوراتنا عن هذه النقلة من صورة إلى صورة , ومن حياة إلى حياة ! 

إن الاستشهاد هنا  يأتي تابعا للأمانة التي عرضت على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا.. إن حمل الأمانة هنا يستوجب حملا لا مناص منه.. وواجبا لا محيص عنه.. نعم.. إنه-بتعبير الشهيد-  الأمر المفروض الذي لا حيلة في النكوص عن حمله . . وإلا فهي التبعة الثقيلة . تبعة ضلال البشرية كلها ; وشقوتها في هذه الدنيا , وعدم قيام حجة الله عليها في الآخرة ! وحمل التبعة في هذا كله , وعدم النجاة من النار . .  فمن ذا الذي يستهين بهذه التبعة ? وهي تبعة تقصم الظهر وترعد الفرائص وتهز المفاصل ?! 

*** 

يقول الشهيد " أن أصحاب الأقلام يستطيعون أن يصنعوا شيئا كثيرا ولكن بشرط واحد .. أن يموتوا هم لتعيش أفكارهم .. وأن يطعموا أفكارهم من لحومهم ودمائهم وأن يقولوا ما يعتقدون أنه حق ويقدموا دماءهم غذاء لكلمة الحق . . إن أفكارنا وكلماتنا تظل جثما هامدة حتى إذا متنا في سبيلها أو غذيناها بالدماء انتفضت حية وعاشت بين الأحياء "

ويقول:

" أنه ليست كل كلمة تبلغ إلى قلوب الآخرين فتحركها وتجمعها إنها الكلمات التي تقطر دما لأنها تقتات قلب إنسان حي . . كل كلمة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان . . أما الكلمات التي ولدت في الأفواه وقذفت بها الألسنة ولم تتصل بذلك النبع الإلهي ألحى فقد ولدت ميتة ولم تدفع البشرية شبرا واحدا إلى الأمام إن أحدا لن يتبناها لأنها ولدت ميتة والناس لا يتبنون الأموات " .

***

لقد سبق أن أوردنا رأي بعض كبار المفكرين أن المعالم أخطر كتاب طيلة خمسمائة عام.. وأخطر ما فيه ليس مجرد الفكر.. بل المنهج.. ومن أجله كما اعترف الكثيرون قتلوه.. 

يقول الشهيد في المعالم:

 

إن الجاهلية التي حولنا -كما أنها تضغط على أعصاب بعض المخلصين من أصحاب الدعوة الإسلامية، فتجعلهم يتعجلون خطوات المنهج الإسلامي -هي كذلك تتعمد أحياناً أن تحرجهم. فتسألهم: أين تفصيلات نظامكم الذي تدعون إليه؟ وماذا أعددتم لتنفيذه من بحوث ودراسات ومن فقه مقنن على الأصول الحديثة! كأن الذي ينقص الناس في هذا الزمان لإقامة شريعة الإسلام في الأرض هو مجرد الأحكام الفقهية والبحوث الفقهية الإسلامية. وكأنما هم مستسلمون لحاكمية الله راضون بأن تحكمهم شريعته، ولكنهم فقط لا يجدون من (المجتهدين) فقهاً مقنناً بالطريقة الحديثة! .. وهي سخرية هازلة يجب أن يرتفع عليها كل ذي قلب يحس لهذا الدين بحرمة ! 

إن الجاهلية لا تريد بهذا الإحراج إلا أن تجد لنفسها تعلة في نبذ شريعة الله، واستبقاء عبودية البشر للبشر.. وإلا أن تصرف العصبة المسلمة عن منهجها الرباني، فتجعلنا تتجاوز مرحلة بناء العقيدة في صورة حركية، وأن تحول منهج أصحاب الدعوة الإسلامية عن طبيعته التي تتبلور فيها النظرية من خلال الحركة، وتتحدد ملامح النظام من خلال الممارسة، وتسن فيها التشريعات في مواجهة الحياة الإسلامية الواقعية بمشكلاتها الحقيقية. 

ومن واجب أصحاب الدعوة الإسلامية ألا يستجيبوا للمناورة! من واجبهم أن يرفضوا إملاء منهج غريب على حركتهم وعلى دينهم! من واجبهم ألا يستخفهم الذين لا يوقنون! 

ومن واجبهم أن يكشفوا مناورة الإحراج، وأن يستعلوا عليها، وأن يرفضوا السخرية الهازلة في ما يسمى (تطوير الفقه الإسلامي) في مجتمع لا يعلن خضوعه لشريعة الله ورفضه لكل شريعة سواها. من واجبهم أن يرفضوا هذه التلهية عن العمل الجاد .. التلهية باستنبات البذور في الهواء .. وأن يرفضوا هذه الخدعة الخبيثة! 

ومن واجبهم أن يتحركوا وفق منهج هذا الدين في الحركة. فهذا من أسرار قوته. وهذا هو مصدر قوتهم كذلك. 

إن (المنهج) في الإسلام يساوي (الحقيقة). ولا انفصام بينهما. وكل منهج غريب لا يمكن أن يحقق الإسلام في النهاية. والمناهج الغريبة يمكن أن تحقق أنظمتها البشرية. ولكنها لا يمكن أن تحقق منهجنا. فالتزام المنهج ضروري كالتزام العقيدة وكالتزام النظام في كل حركة إسلامية..

*** 

‏‏يقول الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي  في كتابه سيد قطب- الشهيد الحي- مكتبة  الأقصى-عمان:

لقي سيد قطب كباقي إخوانه ألوانا شتى من التعذيب لا تضاهيها إلا ألوان التعذيب في محاكم التفتيش في أوروبا في القرون الوسطى 0 ‏ومن هذه الألوان البشعة تسليط الكلاب البوليسية عليه ومطاردتها له لساعات، بينما تنقض هذه الكلاب المدربة الضخمة عل لحمه تنهشه نهشا إذا توقف عن الجري، ‏وقد واجه كل هذا ا بنفس صابرة وقلب ثابت، وعزم عل المضي في الطريق 0 ‏واستعلى بإيمانه، وتذوق حلاوة الاتصال بالله  وهان عليه كل ما يلاقيه في سبيل الله. 

‏وكان نصيب سيد قطب وآله من هذا أكثره، حيث وضع في السجن هو وشقيقه وأخواته الثلاثة، وأبناء أخته، وأولاد أخواله، ولاقى الجميع من الأهوال ما لا يوصف ‏ورأى سيد أمام عينيه استشهاد أعز أقربائه وأقربهم إلى قلبه ابن أخيه رفعت بكر شافع ووسع قلبه الكبير ونفسه العظيمة محنته وعذابه الرهيب، وعذاب أهله أمام عينيه، وعذاب أخواته، تحمل هذا كله بقلب صابر ويقين ثابت.

‏كان سيد يحس إحساس المؤمن بالأشياء قبل وقوعها . فقد توقع  هذا كله في فترة ا‏عتقاله الثاني حيث قال : لقد عرفت أن الحكومة  تريد رأسي هذه المرة، فلست نادما على ذلك، ولا متأسفا لوفاتي، و إنما أنا سعيد للموت في سبيل دعوتي، ‏وسيقرر  المؤرخون في المستقبل : من كان على الصراط المستقيم ؟ الإخوان أم نظام الحكم القائم ؟ 

ولقد رأى الشهيد بنور الله أن الصراع ليس صراعا بين الإخوان المسلمين وانقلاب عسكر يوليو.. كان الصراع أوسع و أشمل و أهم وأخطر.. – كان – وما يزال- هو الصراع بين الإسلام من جهة.. ومن الجهة الأخرى كان اليهود و الصليبيون وكان القوميون والعلمانيون والشيوعيون مجرد ذيول.

يقول الشهيد:"لقد وقفت على مدى تغلغل الأصابع  اليهودية وخطرها بعد طول بحث  وعناء، واليهود إذا علموا أني أحيط بذلك فلا بد أن أقتل !"

عندما زاره أحد إخوانه قال له : «رأيت البارحة كأن ثعبانا احمر لف نفسه حولي ثم يقترب فاستيقظت من ساعتها ولم أنم» قال له : لم يا سيدي : هذه هدية سيقدمها لك أحد المؤمنين، هدية ملفوفة بخيط احمر» 0 ‏«قال سيد : ولماذا لا يكون تفسيرها : أنى أكون أنا الهدية ‏المقدمة للمؤمنين 0 قال له صاحبه : «أليس بقاء الصالحين انفع للدعوة الإسلامية ؟ أجاب سيد قائلا : ليس دائما 0 ‏بل ربما كان ذهابهم أنفع، و أنا لا أتعمد التهلكة، ولكن يجب أن نتعمد الثبات مع علمنا أن في الثبات التهلكة وهكذا كان، ‏فبعد تعذيب رهيب، قدم سيد قطب ومجموعة من الإخوان إلى محاكمة صورية، وكان سيد في المحكمة كالأسد  يخيف - وهو في قفص الاتهام مجردا من كل وسيلة - بنظراته رئيس المحكمة الذي يتمتع بالسلطة والقوة المادية، فقد كان يتحاشى النظر إلى عيني سيد النافذتين 

وقد صدر  عليه الحكم بالإعدام  مع اثنين من قادة الحركة الإسلامية: يوسف هواش وعبد الفتاح إسماعيل  وقامت المظاهرات والاحتجاجات تلف أنحاء العالم الإسلامي وعقب صدر الحكم بإعدام الشهيد سيد قطب وأخويه يوم الأحد 21/8/1966م، وعلى إثر إعلان خبر الحكم اهتز العالم الإسلامي كله لهذا الخبر المشئوم، وتداعى المخلصون من الدعاة والمفكرين والعلماء والسياسيين- ممن يعرفون قدر الشهيد سيد قطب وإخوانه من دعاة الإخوان المسلمين- للقيام بواجبهم تجاه هذه المأساة المروِّعة... فقامت مظاهرةُ احتجاج صامتةٌ في شوارع كراتشي بباكستان، نظَّمَها أعضاءُ منظمة "جامات إسلامي" الدينية، ووجهت نداءات وبرقيات إلى عبد الناصر تناشده إعادة النظر في حكم الإعدام من زعماء أربعة أحزاب باكستانية، هي: جامات إسلامي، ومجلس نظام الإسلام، والجامعة الإسلامية، وجامعة عوامي، واتحاد الرابطات الإسلامية في بريطانيا، وفتحي يكن الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان، وأربعون شخصيةً لبنانيةً علميةً ودينيةً، ومجلس الأمة التونسية، ومفتي الجمهورية التونسية، وولي عهد الأردن، والجمعية التأسيسية في السودان، ورئيس حزب الاستقلال المغربي، ورئيس رابطة العلماء في العراق الشيخ أمجد الزهاوي. وفي يوم 28/8/1966م أرسل الملك فيصل بن عبد العزيز برقيةً لعبد الناصر؛ يرجوه فيها عدم إعدام سيد قطب، وأوصل سامي شرف البرقيةَ لعبد الناصر في ذلك المساء، فقال له عبد الناصر: "أعدموه في الفجر، بكرة، واعرض عليّ البرقية بعد الإعدام"، ثم أرسل برقيةً للملك فيصل يعتذرُ بأن البرقيةَ وصلته بعد تنفيذ حكم الإعدام.. 

***

يا اللـــــــــــــــــــــه..

اللهم العن قوما قتلوه..

خصمهم يوم القيامة فيك رسول الله صلى الله عليه وسلم


***

في نفس لحظة الإعدام كان هناك في كل مكان دعاةٌ مجاهدون، تختنق أنفاسهم، ويفيض دمعهم، وتعلوهم كآبة وضيق، ولا يدرون لذلك سببًا، منهم الداعية المجاهد أبو الأعلى المودودي في باكستان؛ حيث يروي الشيخ خليل الحامدي- سكرتير المودودي- قائلاً: "غداةَ تنفيذ حكم الإعدام بالشهيد سيد قطب دخلنا على المودودي في غرفته، وكانت الصحافة الباكستانية قد أبرزَت الخبر على صفحاتها الأولى، وقَصَّ علينا أميرُ الجماعة المودودي هذه القصة، فقال: "فجاةً أحسست باختناق حقيقي، ولم أدرك لذلك سببًا، فلما عرفتُ وقتَ إعدام الشهيد سيد قطب في الصحف أدركتُ أن لحظة اختناقي هي نفس اللحظة التي شُنِق فيها سيد قطب".

وبعد استشهاده وتنفيذ حكم الإعدام فيه رثاه علال الفاسي- زعيم حزب الاستقلال المغربي- في مجلة (العلم) المغربية، فقال: 

"لقد مضى القضاء وحق الأمر.. لقد حُكم بالإعدام على الداعية الإسلامي الكبير المجاهد سيد قطب، وعلى ثلةٍ من رفاقه، وعلى الرغم من الاستعطافات التي وجَّهتْها النخبة المسلمة في العالم تطلب العفو والقناعة بما دون الإعدام من الأحكام، فإن الحكم قد نُفِّذ، واغتُصبت روحُ البطل الإسلامي سيد قطب واثنين من إخوانه.. إن ذلك مصير الدعاة إلى الخير.. وذلك يترقبه المجاهدون الذين يقولون الحقَّ ولو كان مرًّا.. 

 ووجَّه 48 شخصيةً إسلاميةً وعلميةً وسياسيةً مغربيةً نداءً إلى ملوك ورؤساء العالمَين العربي والإسلامي، جاء فيه: "لقد كانت فجيعةُ الأمة الإسلامية بإعدام الداعية الإسلامي الشهيد الأستاذ سيد قطب ذات أثر بالغ سيبقى على مر السنين، وأحدثت في نفس كل مسلم جرحًا داميًا لن يندمل مهما تطاولت الأيام. (...)

وإنه لممَّا يملأ النفوس بالتفجُّع والألم مصير أُسَر المعتقلين المحرومة من عائليها ومن موارد رزقها، والتي تضم عشرات الألوف من نساء وأطفال وعجَزَة وشيوخ، وإنَّ أقل ما يفرضه علينا ديننا- إذا لم نستطع  أن نمد لهم أيدينا بالعون والمساعدة عملاً بواجب التضامن الإسلامي- أن نهيب بالحاكمين في مصر ونناشد قلوبهم وضمائرهم ومشاعرهم الإنسانية، طالبين منهم أن يسارعوا لإسعاف هذه الأُسَر وإنقاذها من براثن الجوع والتشرد والبؤس، وأن يؤمِّنوا الحياة الكريمة لأفرادها.

*** 

كان الشهيد يرى استشهاده بنور الله.. وكان يراه بالرؤيا الصادقة وقد سبقت بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة بالاستشهاد.. وكان تعليقه بعد صدور حكم الإعدام: )الحمد لله.. لقد عملت خمسة عشر عاما من أجل الحصول على الشهادة)..

*** 

ويقول الأستاذ عباس السيسي: "حينما كنا في الطريق إلى سماع الأحكام في مبنى مجلس قيادة الثورة نستمع إلى حديث مختصر من الأستاذ سيد قطب؛ حيث قال: إننا مستعدون بكل اطمئنان إلى كل ما يقدره الله لنا، ولا يريد الله لنا إلا الخير، ولعلنا لا نلتقي فلا تجزعوا.. وعلينا أن نستفيد من أخطائنا حتى يتداركها الجيل القادم..

( وهنا يا شيخنا القرضاوي تطفر من عيني دمعة.. فالرجل هنا على وشك الاستشهاد لكنه يتقصى ما يمكن أن يكون قد ارتكبه من أخطاء ليس التماسا للمعاذير بل للاستفادة منها.. الرجل لا يعتبر كلامه قرآنا ولا يرى نفسه منزها عن الخطأ ..  يا شيخنا لم قسوت كل هذه القسوة وازورّ قلمك عن الحق كل هذا الازورار) .. 

كما أن المستشار عبد الله العقيل يقول في مجلة المجتمع العدد 112 تاريخ 8/8/1972 م : (( إن سيد قد بعث لإخوانه في مصر والعالم العربي أنه لا يعتمد سوى ستة مؤلفات له وهي : هذا الدين , المستقبل لهذا الدين , الإسلام ومشكلات الحضارة , خصائص التصور الإسلامي , في ظلال القرآن , ومعالم في الطريق".

فهل هذا رجل يزعم أن رؤيته هي الرؤية الوحيدة و أن غيره كافر وأن دمه مهدر..؟!. 

وقد واصل الشهيد انتقاد نفسه و إخوانه قائلا: 

"الواقع أننا لم نكن في هذه المِحنة المفاجِئَة على مستوى المسئولية وقوة التحمل المرجوَّة، فلنتصرف في المستقبل على المستوى المأمول، أقول لكم هذا حتى لا نخدع أنفسنا، وقد أدَّينا واجبنا بإخلاص، وهذا كل ما يعنينا حتى يعلم الله صدق اتجاهنا إليه وإخلاصنا لدعوته.. وهذا كله رغم أننا لم نتسبب في هذه المحنة، ولكن فعل الله كله حكمة.".

و أكاد أصرخ:

- لله درك.. بعد كل هذا الاحتمال ثم تقول أنكم لم تكونوا على مستوى المسئولية وقوة التحمل المرجوَّة..

غفر الله لك يا شيخنا القرضاوي.. 

*** 

يقول الموقع المنتمي للشيخ يوسف القرضاوي "إسلام أون لاين" :

 لقد كان إعدام الشهيد سيد قطب – حدثاً أليماً هز العالم العربي والإسلامي وأثار العلماء والدعاة وجماهير الإسلام، ولكنه في الوقت نفسه أُثلج صدور اليهود والصليبين والملاحدة الشيوعيين أعداء الإسلام .

ولقد استنكر المسلمون هذه الجريمة الشنعاء، وأقيمت صلاة الغائب عليه في المشرق والمغرب وأصدر الكثير من الصحف الإسلامية والعربية وغيرها أعداداً خاصة عن الشهيد سيد قطب وإخوانه، وتوقع الكثيرون من العلماء والدعاة أن تصيب المجرمين قارعة فلم تمض سوى شهور حتى حصلت نكبة عام 1967م حيث هزم عبد الناصر شر هزيمة.

ويقول  الأستاذ يوسف العظم  في  كتابه: سيد قطب رائد الفكر الإسلامي المعاصر :

إنه حقًا قطب الجماعة والجبل الذي يُلتف حوله ويفتدى به لو أستطيع بالغالي والنفيس، وكان مخلصًا، داس بكبريائه على مناصب الطغاة عن قناعة، ورفض كل لين أو هون يقوده إلى نعيم الدنيا ويحرمه من نعيم الآخرة.. (...)أما المحكمة التي قُدم إليها الشهيد سيد قطب وإخوانه فليست جديدةً على كل حال.. لقد عرفتها مصر الثورة من قبل، كان ذلك عام 1954م حين قدمت العالم الشهيد عبد القادر عودة، والمجاهد محمد فرغلي، وفريقًا من طلائع الفداء جزءًا من مسرحية ساخرة وتمثيلية دامية.. انتهت بهم إلى حبال المشانق، في الوقت الذي أعيد فيه ثلاثة عشر بحارًا يهوديًا من بحارة السفينة اليهودية (بات جاليم) إلى إسرائيل وألسنتهم تلهج بالشكر والثناء والدعاء للثورة التي أحسنت معاملتهم وأكرمت مثواهم في جناح مفروش مؤثث بكل وسائل الراحة في السجن الحربي العتيد ..وأعلنت "مصر الثورة  " بمناسبة زيارة المشير عبد الحكيم عامر إلى فرنسا، وفي الوقت الذي كان فيه الشهيد سيد قطب يُقدم للموت، أن قضية التجسس لصالح إسرائيل، والتي اتهم بها المكتب التجاري الفرنسي كأنها لم تكن، وأُخلي سبيل المتهمين عربونًا جديدًا من الثورة والثوار على أن مطاردة الأحرار أولى من مطاردة الجواسيس، وأن قتل الأبرياء من قادة الفكر ورجال العقيدة هو الهدف الأول والأخير من أهداف ثورة التحرير..والطلائع الثورية ..

 ونعود إلى قاعة المحكمة لنلتقي بأعجب حلف يجمع بين القاضي والدفاع والنيابة العامة والجمهور حيث يتمارى الجميع في إلصاق ما يرون للسلطان من تهم، وهم يسخرون من إنسان سلبوه كل مقومات الدفاع عن النفس وحرموه من أبسط مقومات الحرية. 

إن القاضي في كل الشرائع والقوانين الكونية يسمع رأي النائب العام الذي يحاول إدانة المتهم، ثم رأي الدفاع الذي يبذل جهده لتبرئة موكله، ثم رأي المتهم إن رغب في ذلك وكان لديه ما يقوله.

أما القاضي في محاكم الثورة العتيدة فمهامه كثيرة، ليس بينها الإصغاء بتعقل، والاستيعاب بإنصاف وتقصي الحقيقة بتجرد – ليصدر الحكم بعد ذلك بنزاهة لا يشوبها سوى عجز الإنسان عن إدراك الحقيقة وبلوغ الحق المطلق.

 إن القاضي في محاكم الثورة التي أُلَِّفت قصتها ووضع حوارها وتم إخراجها على يد رجال المخابرات، همه تنفيذ المؤامرة وسوْق الأبرياء إلى حبال المشانق وزنازين الطغاة.. وإذا كان القاضي يقوم بدور الممثل الأول.. فالجمهور يقوم بدور "الكومبارس" ذلك أن كل خفقة في صدره ونبضة من دمه وخلجة في وجهه وكلمة ينطق بها.. كلها تعلن تحيزه وتؤكد أن الحكم صادر في مخيلته، واضح في تصوره قبل بدء المحاكمة، وكل ما يجري على ملأ الجمهور تمثيل في استوديوهات دوائر المخابرات التي يسمونها محكمة الثورة 

ولكي تقرب الصورة للقارئ.. وينقل إلى أجواء الإنصاف الثوري والعدالة الاشتراكية، لا بد من سرد وقائع ونقل ألفاظ وعبارات بعينها صدرت في قاعة المحكمة التي حكمت على الداعية الشهيد وصحبه الأبرار بالموت. لا يُسمح للجمهور بالدخول إلى قاعة المحكمة إلا ببطاقات أُعدت من قبل، ووزعت قبل بدء المحاكمة بأسبوع على الأقل.. تمامًا كتلك التي توزعها مؤسسات تلفزيونية معينة تختار بها نوعيةً معينةً من الناس لتحضر برنامجًا من برامج الجوائز والمسابقات. وإذا علمنا أن دوائر المخابرات الثورية هي التي تقوم بطبع البطاقات وتوزيعها، أدركنا أي جمهور هذا الذي يحتل المقاعد في قاعة المحكمة ويطلق النِكات بين الحين والحين، لينال من عِرض متهم، أو يهزأ بكرامة سجين، بالإضافة إلى الضحك الصاخب المشترك الذي يطلقه الجمهور الكريم تجاوبًا مع ما يطلقه القاضي النزيه والحكم العادل من نِكات بذيئة أو لغو حديث .

والنائب العام.. أو المدعي العام..إنه لا يسوق الأدلة على الإدانة، ولكنه يسوق عبارات السخرية والألقاب التي تبدأ بـ(القطب الأغر) و(القطب اللامع)، وتنتهي (بزعيم الإجرام وعصابة الإرهاب الآثمة).

 أما الأدلة والحجج فلا داعي لها؛ ألا يكفي أن أبواق الإعلام المسعورة خارج القاعة وقبل يوم المحاكمة قد مهّدت الأجواء والأصداء، وأصدرت حكمها مسبقًا على المتهمين، وأعلنت خيانتهم، وطالبت أن يًُحكم على البعض بالموت والبعض بالسجن المؤبد... ومن الغريب العجيب أن تأتي مطالبة النائب العام بنسخة مما تطالب به الصحف وما ترجوه الإذاعة وما يرغب فيه التليفزيون، وأن تجيء أحكام القاضي النزيه مطابقةً منسجمةً مع تلك المطالب وتلك الرغبات .

ونقف بين يدي القاضي لنسمع العجب العجاب:

يسأل المتهم، فإذا ما نهض البريء المعذب للإجابة، انطلق القاضي قائلاً: "ما فيش داعي.. خلاص ما أنا عارف إنت حاتقول إيه أنا أقول الحكاية.." ويحاول المتهم أن يسرد جزءًا من الجواب على السؤال الموجَّه له.. فيقاطعه القاضي العادل بقوله.. "أيوه حتقول لنا معالم في الطريق.. كفاية بأه... اجلس مكانك"!

ومحامو الدفاع في قضية الأبرياء... أمرهم لا يقل عجبًا وموقفهم لا يقل غرابةً، إن مهمتهم في المحكمة تنحصر في كيْل المديح لعدالة القاضي بعد دعاء خاشع أن يحفظ الله الرئيس المفدّى من كل سوء.. ثم لمحة عن تاريخ الرئيس التي سخرته العناية الإلهية لرفع مستوى الشعب المصري، وإنقاذه من الذل والمهانة، ويختم الدفاع خطبته بفقرتين مهمتين.. الأولى اتهام السجين الذي يدافع عنه المحامي الأمين بالجنون أو المرض النفسي أو الكذب والحقد والغرور، والثانية يطلب بها رحمة المحكمة.

لقد منعت السلطات الظالمة يومذاك عددًا من المحامين العرب الذين تطوعوا من السودان والمغرب والأردن وغيرها للدفاع عن المتهمين.. منعتهم من دخول مصر والمرافعة أمام محكمة الثورة.. وفي الوقت الذي تعلن فيه قرارات مؤتمر المحامين العرب أنه يحق لأى محام عربي أن يترافع أمام محكمة عربية، ولم يجد مثل هذا القرار الجائر موقفًا منصفًا أو اعتراضًا كريمًا من محامىّ التقدمية والثورية في كل أجزاء الوطن العربي المنكوب 

ولما لاحظ القائمون على أمر المحاكمة خارج المحكمة أن نشر وقائع الجلسة ولو مزورةً مشوهةً يُطلع الناس على جانب من الحقيقة ويبين لهم بعض الحق.. أمروا بمنع نشر وقائع الجلسات على الصحف.. وقد نسوا أنها جلسات علنية كما أعلنوا... واكتفوا بنشر خبر لا يتعدى أربعة أسطر يشير إلى أن محاكمة المتهمين ما زالت جارية... وأن الأحكام ستصدر قريبًا.

ولو قُدِّر للجمهور المُبعد عن قاعة المحكمة أن ينفذ إليها، وأن يحتل مقاعدها لوجد كثيرًا من مواقف الجرأة التي يعلنها الشباب المؤمنون والسجناء الأبرياء بأنهم أصحاب عقيدة.. وأنهم يعملون لخلاص ديارهم من كل طاغوت، وإنقاذها من كل تبعية .. 

ولقد وقف الداعية الشهيد سيد قطب يسخر من المحكمة التي أمر قاضيها وطلب إليه أن يذكر الحقيقة كما يريدها لا كما وقعت، فقال وقد كشف عن صدره وظهره الممزق بالسياط وأنياب الكلاب البوليسية الثورية: أتريدون الحقيقة... هذه هي الحقيقة !

 فضجت القاعة بالاشمئزاز وأشاح الجمهور بوجهه؛ ألمًا وازدراءً لما يقع في سجون مصر الثورة.. رغم أن معظم جمهور القاعة من زبانية الثورة وزبائن المخابرات، كان الناس يتتبعون بلهفة ما يجري في محكمة الثورة.. وكانوا على علم من مجريات الحوادث وسرد الوقائع ولهجة القاضي والنيابة والدفاع.. بأن الموت ينتظر فريقًا من الأبرياء، الذين نذروا أنفسهم في سبيل الله، وإنقاذ مصر من هلاك محقق".

***

ولقد أبدى  الشيخ يوسف القرضاوي  امتعاضه من قيام  اللواء فؤاد الدجوي، بمحاكمة سيد قطب، فإن من العجب حقا أن يحاكم رجل عسكري ـ مهما يكن خبرته ومعرفته ـ رجلا في حجم سيد قطب الأديب الناقد العالم المفكر.

***

لشد ما يمزق قلبي أن هذا الصعلوك الأسير الجاهل الجبان كان هو القاضي الذي يحاكم الشهيد..

كانت كلاب النار تطارد الشهداء..  


وجمال عبد الناصر ـ كما يقول الشيخ القرضاوي ـ هو الرئيس المسئول دستوريا وقانونيا عما تفعله حكومته، وهو الذي صدق على حكم إعدام سيد قطب، وهو الذي رفض أي شفاعة فيه، وأصم أذنيه عن استغاثات العرب والمسلمين.

‏ ***

كتاب أمن الدولة الذين تمنحهم السلطة المكانة والمنابر والثروة وتلبسهم الأمة ثوب الخزي والعار يتسارعون كحيوانات مسعورة لنهش لحم الشهداء، فيدعي الواحد منهم أن هناك تناقضا بين أقوال هذا وذاك من الإخوان المسلمين، ثم يبنون تحليلهم للأحداث على هذا التناقض. ومن ناحية هم يعرفون الحقائق أكثر مما نعرفها.. فمثقف أمن الدولة ليس إلا خادما لضابط أمن الدولة .. وهم يعرفون ما حدث فعلا وليس ما يطلب منهم أن يروجوه. يعرفون حجم التعذيب وجحيمه.. ويعرفون كيف انتزعت الاعترافات.. ويعلمون كيف ابتسرت الأقوال.. وكيف شوهت.. وكيف نسبت إلى المجاهدين أقوال لم يقولوها.. و أفعال لم يقترفوها.. ولقد كان الكثيرون من كتاب أمن الدولة ضحايا لجهاز الأمن الباطش الجبار، ولكن تعذيبهم كان مجرد ترويض وتدريب على الطاعة. تماما كما تدرب وتروض كلاب الصيد الشرسة.

وهنا نقول أنه من الطبيعي أن تتناقض الأقوال، و أن تتعدد الروايات، ووظيفة المؤرخ الحقيقية أن يصطاد الحقيقة من بين النفايات، لا أن يترك الحقيقة أني وجدها ويقتات على النفايات فقط، كالخنازير، وهو الأمر الذي نلحظه في معظم كتابات العلمانيين عن الإخوان المسلمين.

من الطبيعي أن تتعدد الروايات، و أن تتناقض على سبيل المثال رواية المجاهدة زينب الغزالي مع رواية الأستاذ فريد عبد الخالق عن تنظيم 1965. ومن الطبيعي أن يختلف شكل ومضمون الحديث من المستشار الهضيبي إلى أي منهما، و أن يقول لأحدهما ما يخفيه عن الآخر، والعكس صحيح، وذلك ليس مبررا فقط، بل هو مطلوب، خاصة في ذلك الإطار المروع الرهيب الذي كانت الأحداث تدور في إطاره.. بل إن الشهيد سيد قطب نفسه يقول ذلك صراحة في :"لماذا أعدموني" حين يقول أنه حاول أن يحمي الشباب خلفه بعدم رواية الأحداث كاملة، إلا أنه وبعد أن اعترف الجميع وجاوزت الاتهامات ما حدث يعيد سرد أقواله بالتفصيل. فهل كان المطلوب من الشهيد أن يعترف على أبنائه وتلاميذه؟.. وهل من حق كاتب من كتاب أمن الدولة أن يصيح ويعوي كلما وجد ما يدعي أنه تناقض.

بل إن الشهيد في يومه الأخير يكاد يصرح أن هناك ما أخفاه.. ففي لقائه الأخير بشقيقته حميدة قبل الإعدام بساعات حملها رسالة للمرشد الهضيبي قائلا : «إن رأيت الوالد المرشد فبلغيه عني السلام وقولي له: «لقد تحمل سيد أقصى ما يحتمله بشر حتى لا تمس بأدنى سوء».

فهل في ذلك أي سوء يا كتاب السوءات والسوء؟!.

***

ويصف الصحافي  محمد رجب الساعات الأخيرة للشهيد  قائلا: (مالم تنشره الصحف- ط2-مطابع مؤسسة أخبار اليوم): 

‏ قررت الدولة أن ينفذ الحكم سرا كيلا تثير المشاعر ا‏لإنسانية في الشارع المصري والعربي على حد سواء(...)  والسبب الأهم ..وضع بعض رؤساء الدول الذين يتدخلون بين ساعة وأخرى لمنع تنفيذ هذا الحكم بأي ثمن .. أمام الأمر الواقع فلا يبقى أمامهم سوى الدعاء بالرحمة على الفقيد بعد إعدامه .. وصدرت الأوامر حاسمة وقاطعة إلى كل وسائل الإعلام بعدم إبراز أخبار هذا الحكم .. بل كان بعض الصحفيين لا يعرفون أن الحكم قد نفذ إلا بعد إتمام الإعدام بساعات طوال .. ثم يورد محمد رجب واقعة غريبة.. وهي أن صحافيا واحدا فقط من أكبر الصحافيين سمح له بحضور الإعدام بشرط أن يخرج لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم.. ويخشى محمد رجب من اللبس فيؤكد أن هذا الصحافي لم يكن مصطفي أمين فقد كان في السجن قبلها بأسابيع وليس على أمين فقد كان هاربا في لندن..

فهل كنت أنت هذا الصحافي يا محمد حسنين هيكل..

هل كنت أنت..

هل كنت أنت..

وهل كنت تحمل للشهيد ما كانت الشيوعية فاطمة المحجوب تحمله من حقد لا يرتوي أبدا على الإسلام و أهله؟!..

نعم..

كل أعداء الله من شيوعيين ويساريين وقوميين وصليبيين ويهود ومشركين كانوا يحملون للشهيد نفس الإحساس.

كانت فاطمة المحجوب عضوا في مجلس الشعب السوداني.. 

وقد اجتمع المجلس ليرسل وفدا رفيع المستوى بصورة عاجلة إلى عبد الناصر لرجائه إرجاء تنفيذ حكم الإعدام.. وتمت الموافقة بالإجماع ما عدا النائبة الشيوعية "فاطمة المحجوب" التي صاحت وناحت وصرخت بأعلى صوتها.. "هذا الرأس المجرم يجب أن يحطم"، وهذا الرأس المدبر يجب أن يعلق على أعواد المشانق"، وتم سفر الوفد بأقصى سرعة.. ولكن عبد الناصر تقاعس عن مقابلة الوفد.. حتى استقبله بعد تنفيذ حكم الإعدام.. مبدياً أسفه أن الوفد جاء متأخراً.

ومرت الأيام.. وقام جعفر نميري بحركة 25 مايو 1969م، وكان من أهم المشاركين معه في هذا الانقلاب الرائد هاشم محمد العطا، زوج فاطمة المحجوب النائبة الشيوعية السالفة الذكر.. 

وسرعان ما شغل هاشم العطا منصباً مهماً في الوضع الجديد، لكنه سرعان ما لجأ – كعادة الشيوعيين دائما- إلى التآمر من الداخل، حيث دبَّر انقلاباً على نميري... ولم يعش الانقلاب سوى 72 ساعة.. وصدرت الأحكام المشددة بإعدام الانقلابيين، اجتمع مجلس الشعب المصري وقرر إرسال وفد عاجل إلى السودان لرجاء الرئيس نميري تأجيل حكم الإعدام وإعادة النظر فيه.. وذهب الوفد الشيوعي المصري.. ولكن الأقدار أعادت فتح الصفحة نفسها حيث تقاعس الرئيس نميري عن استقبال الوفد.. بنفس طريقة عبد الناصر، مع وفد الرجاء في الشهيد سيد قطب.. ولم يستقبل نميري الوفد إلا بعد إنفاذ حكم الإعدام في الشيوعي الرائد هاشم محمد العطا، زوج النائبة الشيوعية فاطمة المحجوب!!.

سبحان الله..

*** 

هل كنت تحمل ذات الشعور للشهيد يا محمد حسنين هيكل؟

أثناء كتابة هذا المقال كان هيكل على قناة الجزيرة وكان يتحدث عن الملك سعود وعبد الناصر.. وموقف هيكل من آل سعود مشهور.. وهو موقف يراد بكلمات الحق فيه باطل.. وعلى الرغم من كثرة اندهاشات هيكل فإن شيئا لم يدهشه في مواقف الملك سعود قدر اندهاشه لأنه أبدى اعتراضه على تأييد عبد الناصر لليونان المسيحية ولمكاريوس القبرصي ضد تركيا المسلمة..

لم يورد هيكل سببا للدهشة.. ولا مبررا للانحياز.. ولا تبريرا لموالاة الكفار.. فقط اندهش.. وكأنما يولد العلماني على عداء الإسلام أينما كان وحيثما كان إلا أن تتداركه رحمة الله فتهديه.

نعم..

موقف هيكل ضد الإسلام فطري وبديهي من المسلمات..  والمسلمات والبديهيات لا تحتاج إلى دليل.

يكفي أن يندهش لنندهش معه..!!

ثم أنه لو أورد الدليل لشككنا في أمره..

و إنه من الذكاء بحيث لا تكتشف أكاذيبه بسهولة.. تساعده على ذلك ذاكرة حديدية.. لكن الأمر يفلت منه أحيانا ليعترف.. مثلما حدث وهو يتحدث مزهوا كيف أنه أصر على أن يغير السادات خطابه في 15 مايو 1971.. كان السادات يريد مهاجمة من أسماهم مراكز القوي لأنهم حاولوا منعه من التفاوض مع وزير الخارجية الأمريكية آنذاك وليم روجرز.. لكن هيكل يواجهه في حسم و إصرار.. فيذكره بأن الشعب لا تهمه مفاوضاته مع روجرز لكن تهمه الديموقراطية.. وظل يلح على السادات حتى اقتنع أخيرا أن يتكلم عن الديموقراطية و ألا يذكر موضوع روجرز على الإطلاق..

وهذه الواقعة بمثابة المفتاح لشخصية هيكل ومنهجه..

ومن خلالها نستطيع فهم موقفه من التاريخ ومن الصدق ومن الحق ومن اصطناع الواقع وتلوين الأحداث بما يشاء.. كما نفهم موقفه من الإخوان المسلمين عموما ومن الشهيد على سبيل الخصوص.

*** 

نعود إلى الصحافي محمد رجب: 

  ‏أمام حجرة الإعدام كانت اللحظات الأخيرة .. 

‏نودي على المتهم .. الاسم سيد قطب إبراهيم .. العمر 60 ‏عاما .. المهنة : أستاذ سابق وعالم من خيرة علماء المسلمين .. التهمة : محاولة قلب نظام الحكم .. 

‏‏الرجل المحكوم بإعدامه يبدو أشجع ممن حوله وكأن الموت يفر منه رعبا بينما هو مقبل عليه .. كانت المرة الأولى و ربما أيضا الأخيرة .. التي شوهد فيها عشماوي كرجل له قلب .. انه لا يمارس مهنته كما اعتاد .. إنه الآن مكره على تنفيذها .. أول مرة يتصادف فيها أن يقوم عشماوي بإعدام شخص يعرفه .. بل ويعرفه عن قرب .. دون أن يلتقي به من قبل .. كان يسمع عنه من أقاربه ومعارفه وأصدقائه .. يحفظ شكله دون أن يراه» .. يعرف أسماء كتبه وكأنه قد وقع له بإهداء خاص .. شيء  صعب، بل ومرير، أن تقتل رجلا تحترمه بيدك .. أصعب منه أن ينظر إليك مبتسما وأنت تلف حبل المشنقة حول عنقه .. كما كانت نظرات سيد قطب إلى عشماوي لحظة الإعدام .. 

يستطرد محمد رجب قائلا:

طلب الواعظ من سيد قطب أن يتلو الشهادتين .. ولكن سيد قطب يبتسم في بشاشة وهو يربت على كتف الواعظ  قائلا :

 _ وهل ترى أنى جئت إلى هنا .. إلا من اجل تلك الكلمات ؟ 

‏ويكاد الواعظ أن يخر مصعوقا أمام العالم الأكبر والداعية الإسلامي الأشهر .. بهت لون الواعظ .. اصفر وجهه.. تحشرج .. تاهت كل الكلمات فوق لسانه .. امتلأت ملامحه وصوته بالخجل .. تضاءل أمام نفسه فجأة .. ولم ينقذه سوى نظرات حانية عطوف من عين الشيخ العالم .. وابتسامة رضا حاول بها أن يخفف من آلام ومتاعب رده على واعظ الأوقاف قليل الحيلة والعلم .. أمام علوم سيد قطب  

‏أما ممثل النيابة يختتم حديثه هو الآخر بجملة تقليدية : 

- نفسك في حاجة ؟ 

‏لكن الشيخ العالم لم يطلب شيئا .. لا شيء في تلك اللحظة يعادل حلاوة اللقاء مع الخالق .. لذلك كان سيد قطب حريصا على أن يلبى النداء أن لم يكن قبل موعده بلحظة .. ففي لحظة موعده بالضبط .. كل هذه الإجراءات كانت تضايقه .. لأنها تؤخره عن موعد الحب الأكبر .. واللقاء العظيم بملك الملوك .. 

‏وتقدم سيد قطب نحو المكان الذي سينتهي فيه أجله الدنيوي، كان يعرف أن الحجرة التي يدخلها باسقا الآن .. هي أخرما تشاهده عينه .. وفيها ستصعد روحه إلى السماء .. ليخرج بعدها من نفس الحجرة جثة لا نبض فيها .. 

‏لكنه كان واثق الخطى .. رابط الجأش .. قوى الأعصاب .. في قمة تركيزه واتزانه .. كان منشغلا  بالشهادتين همسا و كان قد انتقل  إلى عالم.. 

‏لم تكن مصر تشعر بشيء .. 

‏الصحف الصادرة صباح هذا اليوم لم تقترب خطوة من سجلات وصحف التاريخ «الحقيقي» لمصر .. بينما خبر إعدام سيد قطب بكل ثقله التاريخي تتجاهله الصحف ..

 ‏ جريدة الأخبار صباح 26 ‏أغسطس 1666 ‏.. وجعلت خبر إعدام سيد ~ على الصفحة السادسة عل مساحة عمود في يسار الصفحة .. في مكان غير ظاهر بالمرة .. وكتبت الخبر في أربعة اسطر.. قالت في عنوان الخبر : 

تنفيذ حكم الإعدام 

.. ثم فصلت العنوان المبهم مكتفية بثلاثة اسطر : 

"نفذ فجر اليوم حكم الإعدام في كل من سيد قطب إبراهيم ومحمد يوسف هواش وعبد الفتاح إسماعيل " .. 

‏لم يكن هذا هو حال جريدة الأخبار وحدها .. 

‏بل ربما كانت جريدة الأخبار أفضل حالا من باقي الصحف الصادرة نفس هذا اليوم .. ولم يكن هذا التحامل الغريب من وضع وسائل الإعلام .. لكن القيادة السياسية أمرت بألا يكون للإعلاميين أي حق في مناقشته .. 

‏ ولم يكن سيد قطب نفسه حريصا على أن يشعر أحد بإعدامه لإيمانه المطلق في أن حياته ومماته بيد ملك واحد  يراقب الأحداث من فوق سبع سماوات كن سيد قطب  حريصا على شيء واحد هو عظمة اللقاء الذي يؤمن  إيمانا ..راسخا أنه لقاء القمة لأن قمة اللقاء مع ملك الملوك لا تكون إلا إذا كان الضيف القادم من الأرض من الأنبياء أو الرسل أو الشهداء أو الأولياء الصالحين

واقتربت لحظة الإعدام 

‏وقبل أن يرتدى سيد قطب طاقية الإعدام   همس بكلمات سريعة .. أشبه بالدعاء .. وقد  سأل الصحفي الكبير الوحيد الذي سمح له بحضور الإعدام عشماوي وألح عليه أن يعرف ماذا  قال سيد قطب في تلك اللحظة الأخيرة من عمره .. وكانت  آخر سبع كلمات سمعها الداعية الإسلامي : 

اللهم اجعل دمى لعنة في عنق عبدا لناصر.. 

‏ولكن الصحافي الكبير لم يستطع أن ينشر كلمة واحدة من الكلمات السبع .. وان كان يردد دائما حتى الآن .. انه لم يعش في حياته أبشع من مشهدين .. إعدام سيد قطب وجثمان السادات في مشرحة المعادى 

رفض الشهيد أن يستنقذ حياته بالاعتذار إلى قاتله.. ‏ورفض مع سيد قطب أيضا اثنان من إخوانه .. تم إعدامهما بعد إعدام سيد قطب بخمس دقائق .. هما محمد يوسف هواش وعبد الفتاح إسماعيل . رفض الثلاثة أن يستذلوا أنفسهم من اجل حياة هم على يقين من أنها لا تعادل جناح بعوضة عند خالقها سبحانه وتعالى .. كانوا يعرفون أن المحكمة  التي حاكمتهم برئاسة الدجوي كانت اظلم ألمحاكم في التاريخ ..

وكانت أحكامها على كل لسان قبل النطق بها ..

‏لقد  خشيت الدولة من إحالة  قضية  سيد  قطب  و إخوانه إلى القضاء  العادي .. لأنه ربما اظهر حقيقة وبراءة هؤلاء وتقضي بعقاب من  قدموهم إلى المحاكمة وسط مظاهرة من الأدلة الكاذبة .. 

ويواصل محمد رجب..

‏ظنت القيادة السياسية أنها أعدمت المد الإسلامي.. وخنقت فكر الإخوان .. وشنقت عقلهم  ‏المفكر .. الشيء الوحيد المؤكد .. هو أن الذي اعدم وخنق وشنق هو جسد سيد قطب، وليس المد الإسلامي أو فكر الإخوان وعقلهم المفكر .. الحاكم الديكتاتور يمكنها تعذيب الأجساد وإعدامها أينما وحيثما شاء .. لكنه يعجز عن مقاومة « الفكر » .. العقيدة تتغلب دائما .. تصبح أقوى من بطش الحاكم الديكتاتور .. وقد تصيبه بالجنون وحرق الدم أو تعجل بنهايته دون أن تموت من بطشه أو تحرقها ناره ..

***

لكن محمد رجب يواصل بعد ذلك بما أجد في نفسي حرجا منه..

لقد قبلت روايته السابقة على أنها – ككل رواية - تحتمل الصواب والخطأ..

ولقد مالت نفسي إلى عدم تصديق أن سيد قطب دعا على عبد الناصر في كلماته الأخيرة..

ذلك أنني أضع نفسي مكان الشهيد ( وكلما وضعت نفسي مكانه لا أتمالك دموعي خوفا وخجلا ورعبا.. لأنني و أنا واحد من عامة الناس أجلس على عرش ملك و أتقمص شخصه).. أضع نفسي مكانه فلا أذكر عبد الناصر أبدا.. 

أتذكر شجاعة صدام حسين ساعة إعدامه..( ولا تثريب في التشبيه رغم الفارق)..

أضرب هذه الشجاعة والثبات في مليون أو مليار لتكون النتيجة هي شجاعة وثبات سيد قطب..

أكاد أقسم أنه لم يتذكر عبد الناصر في هذه اللحظات أبدا..

كان عاليا.. عاليا جدا..

وكان عبد الناصر كأسفل ما يكون..

كان الشهيد ساعتها  يرى الله بقلبه فكيف ينشغل عقله بسواه..

كيف لمن يرى الضوء الباهر الساطع الصاعق أن يرى الدخان الأسود المتصاعد من ذبالة..

إنني واثق أنه كان مشغولا بذكر الله وبحضرته عن أي شيء آخر..

بل إنني واثق أنه لو تذكر عبد الناصر في تلك اللحظة لما تجاوزت مشاعره نحوه العطف والازدراء والخوف على الأمة من الهاوية التي يدفعها إليها.. لكن دون أي غضب أو ضغينة..

*** 

لكن محمد رجب لا يكتفي بهذا بل يتجاوز إلى ما أبادر برفض تفسيره له ( وفرق بين رفض التفسير ورفض الرواية) ليتحدث عن الظواهر غير العادية التي حدثت يوم الإعدام .. ويتساءل:

هل كانت السماء غاضبة إلى هذا الحد ؟ 

ثم يواصل:

‏لم تمض سريعات قليلة على تنفيذ حكم الإعدام في الشهداء الثلاثة حتى كانت السماء ترد بعنف بالغ .. وتضيء النور الأحمر في مظاهرة احتجاج مثيرة .. هطلت الأمطار والثلوج في عز الصيف .. بينما كان الجو جحيما لا يطاق منذ اليوم الأول في أغسطس وحتى لحظة  إعدام سيد قطب .. فجأة تكهرب الجو .. .. تناثرت قطع الثلج من السماء وكأنها تقذفها علينا .. وترجمنا بها .. دفاعا عن سيد قطب وحبا لإيمانه وثقته وبراءته ..

*** 

والحقيقة أنني أرفض التفسير فهاهو ذا سيدنا ومولانا صلى الله عليه وسلم يخبرنا أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته..

ثم يواصل الكاتب ما أوافقه فيه فيقول: 

‏ ولم تمض أسابيع على إعدام سيد قطب ورجالات الإخوان المسلمين حتى بدأ مرض عبد الناصر الخطير و لتبدأ الأزمات تحل بمصر واحدة تلو الأخرى وبعد تسعة شهور  من إعدام  سيد  قطب كانت نكسة  1967 المريرة فحاشا الله أن ينصر قاتل سيد قطب  ولم يكد ‏عبد الناصر يفيق من العار السياسي الكبير حتى كانت أزمته الكبرى مع صديق عمره عبد الحكيم عامر وتبادلهما الاتهامات بالخيانة حتى مات الصديق مقتولا أو منتحرا .. وبقى عبد الناصر وحيدا أمام كل هده النكبات . إلا أن وحدته لم تدم طويلا .. أسلم الروح بعد ثلاث سنوات من إعدام سيد قطب .. عانى فيها آلام المرض وعار الهزيمة   .. لم يذق فيها طعم السعادة أو الرضا يوما واحدا.. 

مات عبد الناصر ولم  يمت سيد قطب..

‏مازالت كتبه تملأ المكتبات بينما اختفت صور عبد الناصر ومسحت خطبه.. بل إن  الذين  هللوا لإعدام سيد قطب هم أنفسهم الآن الذين يقولون في  عبدا لناصر أبشع مما قال مالك في الخمر .

***

هي النهاية التي حاولت أن أؤجلها قدر ما أستطيع لكنها حانت يا حبيبي..

هي النهاية أيها السيد.. أيها القطب..

لكنني الآن أفهم..

أنني أودعك لأموت أنا..

ولتبقي أنت حيا عند الله إلى أن يشاء الله..

تبقي حيا لا تذكر من عذابك في الدنيا شيئا..

تبقى حيا مأجورا إن شاء الله بكل طلقة تطلق في سبيل الله يطلقها غرسك..

تبقى حيا وروحك في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش , فاطلع عليك ربك إطلاعة . فقال:ماذا تبغي ? فتقول:يا ربي .. وأي شيء أبغي وقد أعطيتني ما لم تعط أحدا من خلقك ? ثم عاد عليك بمثل هذا . فلما رأيت أنك لا تترك من أن تسأل قلت:أريد أن تردني إلى الدار الدنيا فأقاتل في سبيلك حتى أقتل فيك مرة أخرى - لما ترى من ثواب الشهادة - فيقول الرب جل جلاله:إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون " . . 

فاهنأ يا حبيبنا بالشهادة..

وعش قرير العين..

لا يحزنك الفزع الأكبر..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتابي: الجزء الأول

قراءة في كتاب: في التاريخ فكرة ومنهاج لسيد قطب

یا ولاد الكلب !!!