ساعدينا يا فلسطين
المواجهة
ساعدينا يا فلسطين .. !!
بقلم:
د. محمد عباس
جريدة
الشعب الإلكترونية – الجمعة 23 ربيع الأول 1422 هـ - 15 يونيو 2001م
نعم .. ساعدينا
.. . فلا خطأ في العنوان ..
ساعدينا يا حبيبة
القلب ومهجة الروح يا فلسطين .. !! ..
لا أقولها كي
أتلاعب بالألفاظ كما يتلاعب بها جل نخبة الأمة المسيطرة علينا بقوة أعدائنا
والمتحكمة فينا لمصلحتهم .. حيث تحولت الألفاظ من وسيلة لإظهار المعاني إلى
أداة لإخفائها والتمويه عليها .. ولقد كان
مما تلاعبوا به أن استمدوا جميعا شرعيتهم
من واجب الدفاع عنك يا فلسطين .. وتحت
رايات القومية انتصبت أعلامهم لكن القومية نفسها سقطت بهم بعد أن انكشفت دعاواها
عن عار تجسد في نصف العرب يقفون مع أعداء العرب ضد نصف العرب الآخر .. وسقطت الشعارات وبانت السوءات فارتبكت صفوفهم
وتراجعت خيولهم وانقشع الغبار فإذا
بالأبطال القوميين والزعماء الوطنيين – يا
حبيبة القلب – مجرد نخاسين ..
وانكشف العار فإذا بهم حين اقتربوا
منك اقتربوا لا لكي يحرروك
بل لكي يبيعوك ويقبضوا ثمنك ..
احزني يا حبيبة
القلب كما يليق بك من حزن جليل .. لكن
اعلمي ..
أنهم قبل أن يبيعوك قد باعوا شعوبهم ..
لا تندهشي إذن يا
حبيبة القلب من موقفهم منك .. فأولى لك أن
تندهشي من نفسك أن توقعت من مثل هؤلاء
العون .. إذ كيف يفتديك من باع شعبه
.. وكيف يخلص لك من خان وطنه ..
لقد باعوك بعد أن
باعونا ..
وما أرخص ما قبضوه من ثمن وهو الاستقرار
والاستمرار في مخادع الحكم ..
لطالما
خدعونا وهم يكممون أفواهنا : لا صوت يعلو على صوت المعركة
.. فاستسلمنا وخرسنا على أمل أن نسمع صوت
هدير المعارك فإذا به لا يعلو أبدا وإذا بهم دون حياء يغيرون كل توجهاتهم ليصبح السلام هو الخيار الاستراتيجي الوحيد ..
كانوا هم
المسئولين عن تسليح جيوشنا فتحول بعضهم إلى سماسرة سلاح .. وامتلأت خزائن الذهب المهرب إلى أرصدة الخارج
ولم تغن مئات المليارات من السلاح عنا شيئا ..
الكروش المنتفخة
والصدور المغطاة بالأوسمة والنياشين فشلت في الاستعداد للحرب فعادت - رغم أنهم أخرسونا لكي يستعدوا - بوثيقة استسلام مهين ومشين لتكذب علينا كما
كذبت دائما لتسمي الاستسلام سلاما ثم لتفخر بالعار وهي تتشدق بخيار السلام –
الاستسلام – الوحيد وكأنما عادت تحمل نصرا لا عارا ..
لماذا إذن
أخرستمونا؟! ..
ينطلق التساؤل
ليخترق القلب كنصل السيف:
هل هم عاجزون حقا
عن الدفاع عنك يا حبيبة القلب يا فلسطين ؟؟ هل هم عاجزون لكي نلتمس لهم المعاذير؟؟
أم أنهم لا يريدون؟؟ ..
إن مقارنة حجم
السلاح الذي يشترونه بدم قلوبنا بمئات المليارات حقيقة تفضح فرية ادعائهم العجز ..
وحسن نصر الله
بأسلحته البدائية حقيقة أخرى ناصعة تفضح
ذات الفرية ..
مقارنة حجم الجيوش وعدد الشعوب وأرصدة الأموال وصمة عار ..
***
منذ أيام، كانت
قناة المنار تذيع حديثا مع السيد حسن نصر الله ..
كان بسيطا وعظيما
ومقنعا ويخطف القلب والعقل والاحترام
والتقدير .. وسألت نفسي: لماذا نشعر بهذه
المشاعر تجاهه في الوقت الذي نشعر بعكسها تماما تجاه ولاة أمورنا ..
وانبلجت الإجابة
في رأسي حتى قبل أن أفكر: هذا رجل لا يكذب ..
هم يكذبون .. والأنكى أنهم يكذبون ويعلمون أننا نعلم أنهم
يكذبون .. ولكنهم لا يبالون ..
وسألت نفسي: لماذا
نجح حسن نصر الله وفشلوا هم .. لماذا
انتصر وانهزموا .. لماذا استطاع وعجزوا ..
لكنني أجبت على
السؤال بسؤال: " هل هم عاجزون أم لا يريدون " ..
وأخذ
السؤال يتردد كرجع الصدى لصوت النحيب بين جبلين .. جبل للجبن وجبل للثأر
جبل للحزن وجبل
للعار ..
جبل للنار وجبل
للعار ..
جبل للدم وجبل
للعار ..
جبل للأشلاء وجبل
للعار ..
جبل للدمع وجبل
للعار ..
جبل للعار وآخر –
أيضا – للعار ..
وصوت نحيب .. وصدى صوت ..
وسؤال يتردد
..
وما أسهل الإجابة
عن السؤال .. لكن بشرط أن نزيل أكداس
الكذب التي تطفح بها وسائل إعلامنا– بالتزوير والخداع وقلب الحقائق –
والتي كست المدنس بثوب المقدس ..
أما المقدس فقد راحت تجفف منابعه ..
ولم تدرك الأمة في الوقت المناسب خطورة الأمر وأن من يجفف منابع المقدس
يخون الله ورسوله والمؤمنين .. يخون
الأمة ..
والوطن. . ويخونك يا فلسطين الحبيبة ليبيعك…
لست أدافع عنهم يا
حبيبة القلب يا فلسطين .. لكنني فقط
.. والخزي يكسوني أحاول أن أقدم بين يديك
مبررات شللنا وعجزنا .. وفي إطار التبرير
هذا لا أملك إلا أن أستعير من مسرحية
الاغتصاب لسعد الله ونوس قوله وهو يصف نخبنا الحاكمة وولاة أمورنا:" هل تظن
أن هذه الفئات تمثلنا أو تشغلها قضية الصراع مع إسرائيل؟ .. لا، إن مشكلتنا مزدوجة، وإن للصهيونية الآن
امتدادها في النظام العربي الراهن، الذين استسلموا والذين يستعدون للاستسلام،
الذين يقمعون شعوبهم ويدوسونها، الذين يبددون ثروات بلادهم وينهبونها، هؤلاء جميعا
هم بعض امتداد الصهيونية في الجسد العربي،
إن الورطة عندنا معقدة، وإن الخروج منها
يقتضي نضالا مركبا وصعبا" ..
أجل يا حبيبة القلب .. أنت ضحيتنا وعجزنا ونحن ضحايا حكامنا منذ زمان
طويل .. حكامنا الذين لا أجد ما يصفهم إلا تلك الأبيات
من الشعر العربي القديم:
وحكــام رجوناهم دروعا … فكانوها ولكن
للأعــــــــادي
وخلتهموا سهاما صائبات … فكانوها ولكن في
فــــــؤادي
وقالوا قد صفت منا قلوب … لقد صدقوا ولكن
عن ودادي
وقالوا قد سعينا كل سـعي … لقد صـدقوا
ولكن في فسـادي
ومقطوعة أخرى ينزف فيها الشاعر:
جعلتكمُ درعـــــا حصينا لتمنعوا … سهام
العدا عني فكنتم نصـالها
وكنت أرجّــــــــي عند كل ملمة … تخص
يميني أن تكونوا شمالها
دعوا قصة الأعداء عني بمعزل … وخلوا العدى
ترمي على نبالها
إذا لم تقوَ نفسي أن تخلص نفسها … فكونوا
سكوتا لا عليها ولا لها
***
نعم ..
مشكلتنا هنا في عالمنا العربي مزدوجة ..
ومشكلتنا أن ولاة أمورنا
يكررون في مأساوية فادحة كل خطايا التاريخ ..
في كتاب "دراسة لسقوط
ثلاثين دولة إسلامية" لمؤلفه عبد
الحليم عويس الناشر دار الشروق، جدة،
يتحدث الكاتب عن أسباب انهيار ثلاثين دولة إسلامية بداية بالأندلس في أوروبا، وانتهاءً بالدولة
العثمانية في تركيا. يتحدث وهو يصفها فكأنما يصف أحوال حكامنا الحاليين:
(كان الترامي في أحضان العدو
ممكناً … وكان التنازل له عن الأرض ممكناً، وكان الصلح المهين ودفع الجزية للعدو
ممكناً … أجل، وكان كل هذا ممكناً إلا شيئاً واحداً … إلا العودة إلى الإسلام
الصحيح الخالي من حب السلطة واستعباد الدنيا … والأمر بالاعتصام بحبل الله وحده
وعدم التفرقة … كل شيء كان ممكناً ـ في عرفهم ـ إلا هذا).
… ثم يصل الكاتب في النهاية
إلى عبرة التاريخ : إلى القانون العام الذي يحكم سقوطنا: "حين يبحث كل عضو
منا عن نفسه تسقط سائر الأعضاء)…
تلك هي المسألة
.. وتلك هي الإجابة .. كانت القضية منذ البداية قضية الإسلام والعقيدة
.. فلما ضيعت نخبنا الحاكمة كليهما ضاعت
فلسطين .. وليس من أمل في استردادها إلا
عن طريق الإسلام والعقيدة .. العقيدة التي
تجعل يقيننا من أن النصر من عند الله ..
ثم تفضي بنا إلى المعادلة العبقرية: إن تنصروا الله ينصركم ..
أنت الآن - يا فلسطين – أقرب ما يكون إلى الحق فلا
تزورّي عنه ولا تحيدي .. لا تنصتي لنصائح الحكماء فحكمتهم خسة،
ولا لتعالم الخبراء فعلمهم جهل،
ولا لدبلوماسية السفراء والمبعوثين فدبلوماسيتهم نفاق .. ولا لسلام الشجعان فهو استسلام جبان ..
ليس ثمة سلام – يا
حبيبة القلب يا أم الشهداء – يعرضونه عليك
بل استسلام مهين ..
أعيدي إلينا يا
فلسطين عبق التاريخ ومجده وأريجه ..
علمينا كيف نزدري تلك الكلمة القبيحة عن : " السلام هو الاختيار
الاستراتيجي الوحيد .. " ومن يقولونها .. وعلمينا كيف يكون شعارنا في معاركنا أن ننال
إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة
علمي الخونة
الأمانة .. والجبناء الشجاعة .. والعاجزين القدرة بالاستعانة بالله ..
وإنني وأيم الله
أرى على ضوء انفجارات أجساد شهدائك الطاهرة نهاية إسرائيل وقد اقتربت ..
ليس ثمة سلام إلا
بالتحرير الكامل لكل الأرض ..
يا حبيبة القلب يا
فلسطين : تسحق قلبي خيبة أملك فينا وأنت تتساءلين
: أين الأمة ..
لا تبتئسي يا
حبيبة قلبي بل احمدي الله أن بعض عالمنا العربي ما يزال يذكر بعد كل ما
يتعرض له من قهر وتضليل وتجفيف للمنابع على أيدي حكامه الوطنيين أن فلسطين عربية
وأن أهلها مسلمون وأن المسجد الأقصى أول القبلتين أسير ..
يا حبيبة القلب:
تقبلي الحقيقة المريرة .. أنك أنت الجريحة
الجسد صحيحة الروح .. والنازفة الدم
مستبقية الكرامة .. المحتاجة للعون أكثر
ما يكون .. أنت يا أم الشهداء وأطفال الحجارة .. أنت المنهكة المحاصرة الجائعة إلا من
القيم العارية إلا من الشرف المفتقدة إلا الشجاعة العزلاء إلا من الحجارة .. أنت بالذات يا حبيبة القلب – ويا لهف قلبي – لا
تنتظري العون من أمة استسلمت نخبتها وروَّضها حكامها وعاملوها كما يعامل النخاس
عبيده .. لا تنتظري من أمتك العون
.. ولا تقيمي حساباتك عليه .. فجل أمتك محاصر حصارا لا يقل قسوة عن حصارك
.. أما النخبة المسيطرة المتحكمة فهي
سليمة الجسد فاقدة للروح .. ترفل في الديباج لكنها عارية
من الشرف .. شبعانة إلى حد التخمة
لكنها لا تملك كسرة من الكرامة .. وهي حكيمة لحد الخسة .. عاقلة لحد الجبن مسلحة حتى الأسنان لكن أسلحتها
موجهة إلينا لا إلى أعدائنا وأعدائك يا فلسطين ..
تنوء بما تحمل من أسلحة بمئات المليارات لكنها كالحمار يحمل أسفارا .. أما قوتها فليست إلا أصفارا .. وهكذا تجدين
نفسك يا حبة القلب مطالبة بأن
تساعدينا .. أن تساندي أمتك العربية
والإسلامية كلها. . علمينا كيف نستعيد
بعضا من الشرف وقطرت من الكرامة .. اضربي
لنا المثل كيف تستطيعين مواجهة شارون وما من شعب في عالمنا الإسلامي استطاع مواجهة
شارون بلاده .. واهزميه .. كي
نتعلم منك كيف نهزمه ..
تقبلي الحقيقة
وافرحي يا حبيبة القلب يا أم الشهداء فأنت على الحق وهاهي ذي نبوءة رسولنا الكريم
صلى الله عيه وسلم تتحقق فيك: فقد قال "بينا أنا نائم رأيت عمود الإسلام
احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به، فأتبعته بصري فعمد به إلى الشام، ألا فإن
الإيمان حين تقع الفتن بالشام".
نعم يا فلسطين
.. عندنا الفتن ولا إيمان يعزينا عند
المصائب ويشد أزرنا عند الشدائد أما أنت فالفتن عندك لكن الإيمان ارتحل إليك وعمود الإسلام
احتمل إلى عندك ..
ووالله الذي لا إله إلا هو إني لأرى في الضوء الساطع لانفجارات أجساد
شهدائك نهاية إسرائيل .. أراها رأي
العين ..
وأظن أنهم الآن يرونها ويعلمون أنهم بكل قنابلهم النووية يحاربون معركة
يائسة كتب نهايتها شهيد .. نعم .. أرى ذلك ..
وأرى أيضا نهاية نظام عربي شاخ في مواقعه حتى عجز وتحلل حتى تعفن .. واعلمي يا حبيبة القلب أنني مهما حاولت أن أنقل
لك مشاعر الناس في عالمنا الإسلامي تجاهك فسوف أعجز .. ومهما حاولت أن أنقل بعضا من مراجل الغضب التي
تغلي بها قلوب شعوبنا من أجلك فسوف أعجز ..
ومهما حاولت أن أصف لك إحساسنا بالخزي والعار لعجزنا عن الاستشهاد في سبيلك
فسوف أعجز .. وأننا ننظر إليك يا حبيبة
القلب بانبهار ونتعلم منك ..
فعلمينا .. ولا تتعلمي منا أبدا .. وأَسمعينا
.. ولا تسمعي منا أبدا ..
وكوني
كالقاطرة وشدي خلفك أمتك الإسلامية إلى بر الأمان ..
نعم يا فلسطين
الحبيبة .. ساعدينا ..
تعليقات
إرسال تعليق